الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الاخرة، ولا تقولوا هجرا» .
أخرجه الحاكم «1/ 376» بسند حسن، ثم رواه «1/ 375، 376» وأحمد «3/ 237، 250» من طريق أخرى عنه بنحوه، وفيه ضعف.
أحكام الجنائز [227].
النساء كالرجال في استحباب زيارة القبور
- والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور، لوجوه: الأول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم « .. فزوروا القبور» فيدخل فيه النساء.
وبيانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن زيارة القبور في أول الأمر.
فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا، فلما قال «كنت نهيتكم عن زيارة القبور» كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين، فإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله:«فزوروها» إنما أراد به الجنسين أيضا.
ويؤيده أن الخطاب في بقية الافعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفا: «ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا» ، أقول: فالخطاب في جميع هذه الافعال موجه إلى الجنسين قطعا، كما هو الشأن في الخطاب الأول:«كنت: نهيتكم» ، فإذا قيل بأن الخطاب في قوله «فزوروها» خاص بالرجال، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته، الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، صلى الله عليه وسلم، ويزيده تأييدا الوجوه الاتية:
الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: «فإنها ترق القلب وتدمع العين» وتذكِّر الاخرة».
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
1 -
عن عبد الله بن أبي مليكة: «أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها» .
وفي رواية عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور» .
2 -
عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى: قالت:
«لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب [رويدا]، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت: وتقنعت إزاري (1)، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش (2) حشيا (3) رابية؟ قالت: قلت: لا شئ [يا رسول الله]، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري
(1) بغير باء التعدية، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه. [منه].
(2)
يجوز في «عائش» فتح إلشين وضمها، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. [منه].
(3)
بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره. وقول: «رابية» أي مرتفعة البطن. [منه].
لهزة (1) أوجعتي، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله! ؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم قال فان جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي - فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون».
والحديث استدل به الحافظ في «التلخيص» «5/ 248» على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه، وهو يؤيد أن الرخصة تشملهن مع الرجال، لأن هذه القصة إنما كانت في المدينة، لما هو معلوم أنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة في المدينة، والنهي إنما كان في أول الأمر في مكة، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك، لان الاستنتاج الصحيح يشهد له، وذلك من قوله صل الله عليه وسلم:«كنت نهيتكم» إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الأحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لأنه من باب سد الذرائع، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه، حديتي عهد بالاسلام، وعهدهم بالشرك قريبا، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن الزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك، حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة، وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة، ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريع، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا، فتأمله فإنه شئ انقدح في النفس، ولم أر من شرحه على هذا الوجه، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.
(1) اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر. [منه].
وأما استدلال صاحب رسالة «وصية شرعية» على ذلك بقوله «ص 26» : «وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه» .
فهو استدلال باطل، لأن الاقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة، وما أظنة إلا وهما من المولف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس فيه ذكر للإقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.
وقال العيني في «العمدة» «3/ 76» : «وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك» .
وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله «لعدم الاستفصال في ذلك» : «قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. انتهى» .
وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي، فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في «تهذيب السنن» «4/ 350»:
«وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة» .
فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله:«ومن جملتها النهي عن الزيارة» أما وهذا غير معروف لدينا فهو