الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تُستقبل القبور حال الدعاء
- ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور كما سيأتي، والدعاء مخ الصلاة ولبها كما هو معروف فله حكمها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة، ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}» .
قال الطيبي في شرحه:
«أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام [هو العبادة] ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء.
وقال غيره: المعنى هو من أعظم العبادة فهو كخبر «الحج عرفة» أي ركنه الأكبر، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله، معرضا عما سواه، لأنه مأمور به، وفعل المأمور عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره، إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة». ذكره المناوي في «الفيض» .
قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أنه «لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة» .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم» «ص 175» : «وهذا أصل مستمر أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء.
ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين، وشر واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله.
وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكل هذه الاشياء من البدع التي تضارع دين النصارى.
وذكر قبل ذلك بسطور عن الامام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام عليه.
وهو مذهب الشافعية أيضا، فقال النووي في «المجموع» «5/ 311»: وقال الامام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني - وكان من الفقهاء المحققين - في كتابه في «الجنائز» : «ولا يستلم القبر بيده: ولا يقبله» .
قال: «وعلى هذا مضت السنة» .
قال: واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الان من المبتدعات المنكرة
شرعا، ينبغي تجنب فعله، وينهى فاعله» قال:«فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه، واستقبل القبلة» .
وهو مذهب أبي حنيفة أيضا، فقال شيخ الاسلام في «القاعدة الجليلة، في التوسل والوسيلة» «ص 125» : «ومذهب الائمة الاربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الاسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، ثم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره. فهذا نزاعهم في وقت السلام. وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة، لا الحجرة» .
وسبب الاختلاف المذكور إنما هو من قبل أن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد، وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحدا أن يستقبل وجهه
- صلى الله عليه وسلم ويستدبر القبلة (1)، كما صار ذلك ممكنا بعد دخولها في المسجد بعد الصحابة، فالمسلم منهم إن استقبل القبلة صارت الحجرة عن يساره، وإن استقبلوا الحجرة، كانت القبلة عن يمينهم وجهة الغرب من خلفهم، قال شيخ الاسلام في «الجواب الباهر» «ص 14» بعد أن ذكر هذا المعنى: وحينئذ فإن كانوا يستتقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الاكثرين أرجح، وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح» قلت: لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها، أو يستقبلون القبر وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة، لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الاكثرين يقولون باستقبال وجهه صلى الله عليه وسلم أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة.
الأمر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل لإثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحدا من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو في القبور عامة.
نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال:«مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الاثر» .
أخرجه الترمذي «2/ 156» والضياء في «المختارة» «58/ 192 / 1» من طريق الطبراني
وقال الترمذي: «حسن غريب» .
(1) وأما ما رواه اسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم» «رقم 101 بتحقيقي وطبع المكتب الاسلامي» عن ابن عمر «أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيضع، يده على قبره ويستدبر القبلة ثم يسلم عليه» فضعيف منكر كما بينه في التعليق عليه. [منه].
قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: «ليس بالقوي» .
وقال ابن حبان: «ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له» .
قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الاحاديث الصحيحة وقد مضى قريبا ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله:«فأقبل عليهم بوجهه» منكر لتفرد هذا الضعيف به.
إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في «مرقاة المفاتيح» «2/ 407»:«فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه لوجه الميت وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا، وعليه عمل عامة المسلمين، خلافا لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء» .
قلت: وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر، إذ ليس في الحديث إلا إقباله صلى الله عليه وسلم بوجهه على القبور، وأما الإقبال على وجوه الموتى، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر غير هذا، وهو مما لا أعرفه.
فالحق أن الحديث لو ثبت سنده لكان دليلا واضحا على أن المار بالقبور يستقبلها بوجهه حين السلام عليها والدعاء لها، كيفما كان الاستقبال، وحسبما يتفق دون قصد لوجوه الموتى، أما والسند ضعيف كما سبق بيانه فلا يصلح للاستدلال به أصلا.
ولا ينافي ما تقدم عن الإمام مالك من عدم مشروعية استقبال الحجرة عند الدعاء الحكاية التي جاء فيها أن مالكا لما سأله المنصور العباسي عن استقبال الحجرة، أمره بذلك، وقال: هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم، لأنها حكاية باطلة، مكذوبة على مالك، وليس لها إسناد معروف، ثم هي خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل في إسحاق القاضي وغيره.
ومثلها ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون