الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما ينتفع به الميت من عمل غيره: قضاء الدين عنه من أي شخص
[مما ينتفع به الميت]: : قضاء الدين عنه من أي شخص وليا كان أو غيره، وفيه أحاديث كثيرة سبق ذكر الكثير منها.
أحكام الجنائز [216].
مما ينتفع به الميت من عمل غيره: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة
[مما ينتفع به الميت]: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شئ، لان الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقوله:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» .
ويؤيد ما دلت عليه الاية والحديث، أحاديث خاصة وردت في انتفاع الوالد بعمل ولده الصالح كالصدقة والصيام والعتق ونحوه، وهي هذه:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها. «أن رجلا قال: إن أمي افتُلتت (1) نفسها [ولم توص]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها [ولي أجر]؟ قال: نعم، [فتصدق عنها]» .
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه. «أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشئ عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائط
(1) بضم المثناة وكسر اللام، أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، أي ماتت فجأة. [منه].
المخراف (1) صدقة عليها».
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم» .
الرابع: عن عبد الله بن عمرو: «أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، وإن هشاما أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لو كان مسلما فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك، «وفي رواية» : فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك».
قال الشوكاني في «نيل الاوطار» «4/ 79» : «وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى «وأن ليس للانسان إلا ما سعى» .
ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها».
قلت: وهذا هو الحق الذي تقتضيه القواعد العلمية، أن الآية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لأنه من سعيه بخلاف غير الولد، لكن قد نقل النووي وغيره الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا «الميت» فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيما يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في
(1) أي المثمر، سمي بذلك لما يخرف منه أي يجي من الثمرة. [منه].
العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الإجماع المذكور، وذلك لامرين: الأول: أن الإجماع بالمعنى الأصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي عُلمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في «أصول الأحكام» والشوكاني في «إرشاد الفحول» والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه «أصول الفقه» وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من ادعى الإجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في «المسائل» .
الثاني: أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الإجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الإجماع فيها، ولو شئت أن اورد الأمثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الإجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الإجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة «87» ، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى. وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد، وهو قياس باطل من وجوه: الأول: أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] وغيرها من الايات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالاعمال الصالحة، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه عليه فكان له أجره بخلاف غيره.
الثاني: أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت أن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره، والله عز وجل يقول:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] ويقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]: «أي كما لا يُحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الاجر
إلا ما كسب هو لنفسه.
ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا ايماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الاقيسة والآراء» وقال العز بن عبد السلام في «الفتاوى» «24/ 2 - عام 1692»:«ومن فعل طاعة الله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت، لم ينتقل ثوابها إليه، إذ «لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» ، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج».
وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من، الحنفية كما نقله الزبيدي في «شرح الاحياء» «10/ 369» (1).
الثالث: أن هذا القياس لو كان صحيحا، لكان من مقتضاه استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف، لأنهم أحرص على الثواب منا بلا ريب، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير، فدل هذا على أن القياس المذكور غير صحيح، وهو المراد.
وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «الاختيارات العلمية» «ص 54» : «ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا، أو قروؤا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل» .
(1) قلت: ومما سبق تعلم بطلان الإجماع الذي ذكره ابن قدامة في «المغني» «2/ 569» على وصول ثواب القراءة إلى الموتى، وكيف لا يكون باطلا، وفي مقدمة المخالفين الامام الشافعي رحمه الله تعالى. وهذا مثال آخر من أمثلة ما ادعي فيه الإجماع وهو غير صحيح، وقد سبق التنبيه على هذا قريبا. [منه].
وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره! .
وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «الروح» بما لا ينهض من القياس الذي سبق بيان بطلأنه قريبا، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في القياس في الأمور التعبدية المحضة لا سيما ما كان منها على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في «تفسير المنار» «8/ 254 - 270» ثم رد عليه ردا طيبا قويا، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة.
وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل اولئك! ولا يؤثرون على الحق الذى تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل، وإلى الدليل، وليس إلى التقليد، جاعلين نصب أعينهم قول امام دار الهجرة «ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر»! وقال:«كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» .
وإذا كان من المسلَّم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرا في سلوكه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فإن من المسلم به أيضا، أن الاثر يدل على المؤثر، وأن أحدهما مرتبط بالاخر، خيرا أو شرا كما ذكرنا، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثرا سيئا في من يحمله أو يتبناه، من ذلك مثلا أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الاحياء منهم والاموات، وهو واحد منهم، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه! ألست ترى مثلا أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم، لا يسعون بأنفسهم