الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم! وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم! فاعتمدوا عليه وتركوا العمل، هذا أمر مشاهد في الماديات، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة.
وليت أن ذلك وقف عندها، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الاغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه، لأنه يتعلل به ويقول في باطنه: يحجون عني بعد موتي! بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة، عن الميت التارك لها! فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة، لأنه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته! إلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع، فمن الواجب على العالم الذي يريد الإصلاح أن ينبذ هذه الأقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة.
وقابل أثر هذه الأقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس. فإن من لم يأخذ بمثل الأقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب، لأنه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره، وهو وحيد في قبره، بدل تلك الحسنات الموهومة، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا، ونصر الله إياهم، وخذلأنه إيانا، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم، وينصرنا كما نصرهم.
أحكام الجنائز [216].
مما ينتفع به الميت من أعمال غيره: ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية
[مما ينتفع به الميت]: ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية، لقوله تبارك وتعالى:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]، وفيه أحاديث:
الأول: عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الانسان انقطع عنه عمله (1) إلا من ثلاثة [أشياء]، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح (2)
يدعو له».
الثاني: عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده» .
الثالث: عن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره» .
وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته».
الرابع: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه أقوام حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، [وليس عليهم أزر ولا شئ غيرها] عامتهم من مضر، بل
كلهم من مضر، فتمعر «وفي رواية: فتغير - ومعناهما واحد» وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وصلى [الظهر، ثم صعد منبرا صغيرا]، ثم خطب [فحمد الله وأثنى عليه] فقال:[أما بعد فإن الله أنزل في كتابه]: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
(1) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه، قال الخطابى في «المعالم»:
(2)
قيد بالصالح لان الاجر لا يحصل من غيره، وأما الوزر فلا يلحق بالوالد من سيئة ولده إذا كان نيته في تحصيل الخير، وإنما ذكر الدعاء له تحريضا على الدعاء لابيه، لا لأنه قيد، لان الاجر يحصل للوالد من ولده الصالح، كلها عمل عملا صالحا، سواء أدعا لأبيه أم لا، كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء أدعا له من أكلها أم لم يدع، وكذلك الام.
كذا في «مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار» لابن الملك. [منه].