الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما ينتفع به الميت من عمل غيره: الدعاء له
- وينتفع، الميت من عمل غيره بأمور: أولا: دعاء المسلم له، إذا توفرت فيه شروط القبول، لقول الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} . [سورة الحشر 10].
وأما الأحاديث فهي كثيرة جداً، وقد سبق بعضها، ويأتي بعضها في زيارة القبور، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأمره بذلك.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل» .
بل، إن صلاة الجنازة جلها شاهد لذلك، لأن غالبها دعاء للميت واستغفار له، كما تقدم بيانه.
أحكام الجنائز [213].
مما ينتفع به الميت من عمل غيره: قضاء ولي الميت صوم النذر عنه
[مما ينتفع به الميت]: قضاء ولي الميت صوم النذر عنه، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» .
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرا، فأنجاها الله عز وجل، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها [إما أختها أو ابنتها] إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: [أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن
يقضى]، [ف] اقض [عن أمك]».
الثالث: عنه أيضا.
قلت: وهذه الأحاديث صريحة الدلالة في مشروعية صيام الولي عن الميت صوم النذر، إلا أن الحديث الأول يدل بإطلاقه على شئ زائد على ذلك وهو أنه يصوم عنه صوم الفرض أيضا. وقد قال به الشافعية، وهو مذهب ابن حزم «7/ 2، 8» وغيرهم.
وذهب إلى الأول الحنابلة، بل هو نص الإمام أحمد، فقال أبو داود في «المسائل» «96»:
«سمعت أحمد بن حنبل قال: لا يصام عن الميت إلا في النذر» .
وحمل أتباعه الحديث الأول على صوم النذر، بدليل ما روت عمرة: أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت: لا بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين. أخرجه الطحاوي «3/ 142» وابن حزم «7/ 4» واللفظ له بإسناد قال ابن التركماني: «صحيح» وضعفه البيهقي ثم العسقلاني، فإن كانا أرادا تضعيفه من هذا الوجه، فلا وجه له، وإن عنيا غيره، فلا يضره، وبدليل ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:«إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصم، أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه» . أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم «7/ 7» وصحح إسناده. وله طريق ثالث عند الطحاوي «3/ 142» ، لكن الظاهر أنه سقط من متنة شئ من الناسخ أو الطابع ففسد المعنى.
قلت: وهذا التفصيل الذي ذهبت إليه أم المؤمنين: وحبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما وتابعهما إمام السنة أحمد بن حنبل هو الذي تطمئن إليه إلنفس،
وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوال في هذه المسألة وأوسطها وفيه إعمال لجميع الاحاديث دون رَدّ لأي واحد منها، مع الفهم الصحيح لها خاصة الحديث الأول منها، فلم تفهم منه أم المؤمنين ذلك الاطلاق الشامل لصوم رمضان، وهي راويته، ومن المقرر أن رأوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيما إذا كان ما فهم هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا، وقد بين ذلك المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى، فقال في «إعلام الموقعين» «3/ 554» بعد أن ذكر الحديث وصححه: «فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه، وقالت: يصام عنه النذر والفرض.
وأبت طائفة ذلك وقالت: لا يصام عنه نذر ولا فرض، وفصلت طائفة فقالت: يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي. وهذا قول ابن عباس وأصحابه، وهو الصحيح، لان فرض الصيام جار مجرى الصلاة، فكما لا يصلي أحد عن أحد، ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين، فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه، وهذا محض الفقه.
وطرد هذا أنه لا يحج عنه، ولا يزكي عنه إلا إذا كان معذورا بالتأخير كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر، فأما المفطر من غير عذر أصلا فلا ينفعه أداء غيره لفرائض الله التي فرط فيها، وكان هو المأمور بها أبتلاء وامتحانا دون الولي، فلا تنفع توبة أحد عن أحد، ولا إسلامه عنه، ولا أداء الصلاة عنه ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات».
قلت: وقد زاد ابن القيم رحمه الله هذا البحث توضيحا وتحقيقا في «تهذيب السنن» «3/ 279 - 282» فليراجع فإنه مهم.
أحكام الجنائز [213].