الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (حَدِيثٌ شَرِيفٌ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الْحُدُودِ
(الْحَدُّ) لُغَةً الْمَنْعُ. وَشَرْعًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) زَجْرًا، فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الْحُدُودِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْحُدُودِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ ذَكَرَ بَعْدَهَا الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةَ، وَلَوْلَا لُزُومُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ لَكَانَ ذِكْرُهَا بَعْدَ الصَّوْمِ أَوْلَى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ.
وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ: حَدُّ الزِّنَا، وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ خَاصَّةً، وَحَدُّ السُّكْرِ مِنْ غَيْرِهَا وَالْكَمِّيَّةُ مُتَّحِدَةٌ فِيهِمَا، وَحَدُّ الْقَذْفِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَحَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ الْحَدُّ لُغَةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: هُوَ لُغَةً، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَدِّ الْمَفْهُومِ مِنْ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ الْمَنْعُ) وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ وَالسَّجَّانُ حَدَّادًا لِمَنْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الدُّخُولِ وَالثَّانِي مِنْ الْخُرُوجِ، وَسُمِّيَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَاهِيَّةِ حَدًّا لِمَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ.
وَحُدُودُ الدَّارِ نِهَايَاتُهَا لِمَنْعِهَا عَنْ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهَا وَخُرُوجِ بَعْضِهَا إلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عُقُوبَةٌ) أَيْ جَزَاءٌ بِالضَّرْبِ أَوْ الْقَطْعِ أَوْ الرَّجْمِ أَوْ الْقَتْلِ، سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ، مِنْ تَعَقُّبِهِ: إذَا تَبِعَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٌ) أَيْ مُبَيَّنَةٌ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ قُهُسْتَانِيٌّ أَوْ الْمُرَادُ لَهَا قَدْرٌ خَاصٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ.
مُقَدَّرَةٌ بِالْمَوْتِ فِي الرَّجْمِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَسْوَاطِ الْآتِيَةِ اهـ أَيْ وَبِالْقَطْعِ الْآتِي (قَوْلُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ صِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ (قَوْلُهُ زَجْرًا) بَيَانٌ لِحُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا حُدُودًا.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهَا مَوَانِعُ قَبْلَ الْفِعْلِ، زَوَاجِرُ بَعْدَهُ: أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَجِبُ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُطَهِّرًا عِنْدَنَا بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي الدُّنْيَا (فَلَا تَعْزِيرَ) حَدٌّ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ (وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَوْلَى.
وَالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَطْءُ) وَهُوَ إدْخَالُ
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّهُ طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا «أَنْكَرَ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ) وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ) فَإِذَا حُدَّ وَلَمْ يَتُبْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الْمَعْصِيَةِ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَأُوْضِحَ دَلِيلُنَا فِي النَّهْرِ.
مَطْلَبٌ التَّوْبَةُ تُسْقِطُ الْحَدَّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ جِنَايَتِهِمْ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ هُنَا خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ، نَعَمْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ الْقِصَاصِ إنْ قُتِلُوا وَالضَّمَانُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَالْقَطْعُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ وَالضَّمَانُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الْعَبْدِ لَا يُنَافِي سُقُوطَ الْحَدِّ، وَكَأَنَّهُ فِي النَّهْرِ تَوَهَّمَ أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْحَدُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ أَتَى بِفَاحِشَةٍ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْقَاضِي بِفَاحِشَتِهِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ عَنْ الْجَوْهَرِ: رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ وَزَنَى ثُمَّ تَابَ وَلَمْ يُحَدَّ فِي الدُّنْيَا هَلْ يُحَدُّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ: الْحُدُودُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ النَّاسِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، فَإِذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا أَرْجُو أَنْ لَا يُحَدَّ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ وَإِنَّهُ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تَعْزِيرَ حَدٌّ) تَعْزِيرَ، اسْمُ لَا مَبْنِيٌّ مَعَهَا عَلَى الْفَتْحِ وَحَدٌّ خَبَرُهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ مُفْرَدٌ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُمَا لَكِنَّهُ مَصْدَرٌ لِلْجِنْسِ فَيَصْلُحُ لَهُمَا، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ.
ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُقَدَّرَةٌ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ: أَيْ تَقْدِيرِ التَّعْزِيرِ أَيْ كُلِّ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ بَعْضُهَا وَهُوَ الضَّرْبُ، عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَكِنْ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ
مَطْلَبٌ أَحْكَامُ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَالزِّنَا) بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالْمَدِّ فِي لُغَةِ أَهْلِ نَجْدٍ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ. بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ النَّسْلِ فَكَانَ رَاجِعًا إلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ، وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ مَطْلَبُ الزِّنَا شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ أَعَمُّ (قَوْلُهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ بِمَا هُوَ أَعَمُّ، وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ.
وَلَوْ وَطِيء جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
وَبِهِ عُلِمَ
قَدْرِ حَشَفَةٍ مِنْ ذَكَرِ (مُكَلَّفٍ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ (نَاطِقٍ) خَرَجَ وَطْءُ الْأَخْرَسِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ. وَأَمَّا الْأَعْمَى فَيُحَدُّ لِلزِّنَا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبُرْهَانِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (طَائِعٍ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ) حَالًا أَوْ مَاضِيًا خَرَجَ الْمُكْرَهُ وَالدُّبُرُ وَنَحْوُ الصَّغِيرَةِ (خَالٍ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْوَاطِئِ (وَشُبْهَتِهِ) أَيْ فِي الْمَحِلِّ لَا فِي الْفِعْلِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ وَزَادَ الْكَمَالُ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ اسْتَلْقَى
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَعْرِيفِ الزِّنَا بِمَا مَرَّ تَعْرِيفٌ لِلشَّرْعِيِّ الْأَعَمِّ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْأَخَصِّ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، عَلَى أَنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِإِجْرَاءِ الْحُكْمِ كَمَا فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَدْرِ حَشَفَةٍ) أَيْ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِمَّنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا، لَكِنْ صَرَّحَ بِالْخَفِيِّ وَسَكَتَ عَنْ الظَّاهِرِ لِعِلْمِهِ بِالْأُولَى اخْتِصَارًا، أَوْ أَقْحَمَ لَفْظَ قَدْرِ لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفْسِ الْحَشَفَةِ فَإِيلَاجُ بَعْضِهَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَطْئًا وَلِذَا لَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ وَلَمْ يُفْسِدْ الْحَجَّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَشَارَ بِسُكُوتِهِ عَنْ الْإِنْزَالِ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ، وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي حَقِّ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لَا بِالْبُرْهَانِ) ذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ رَآهُ فِي نُسْخَتِهِ الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ: يَعْنِيَ ابْنَ وَهْبَانَ خَصَّ ذَلِكَ بِالْأَخْرَسِ.
أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ.
الْأَعْمَى إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَصِيرِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ إلَخْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَخْرَسِ لَا فِي الْأَعْمَى، خِلَافًا لِمَا رَآهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي نُسْخَتِهِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ لِقَوْلِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ فِي قُبُلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَطْءٍ (قَوْلُهُ أَوْ مَاضِيًا) أَدْخَلَ بِهِ الْعَجُوزَ الشَّوْهَاءَ، فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَهَاةً فِي الْحَالِ لَكِنَّهَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً فِيمَا مَضَى (قَوْلُهُ خَرَجَ الْمُكْرَهُ) أَيْ بِقَيْدِ طَائِعٍ وَالدُّبُرُ بِقَيْدِ قُبُلٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ بِاللِّوَاطَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحَدُّ بِفِعْلِ ذَلِكَ فِي الْأَجَانِبِ فَيَدْخُلُ فِي الزِّنَا وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الصَّغِيرَةِ) هُوَ الْمَيِّتَةُ وَالْبَهِيمَةُ ح.
وَهَذَا خَرَجَ بِقَيْدِ مُشْتَهَاةٍ وَالْمُرَادُ الصَّغِيرَةُ وَنَحْوُهَا، فَإِقْحَامُ لَفْظِ نَحْوُ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَنَظِيرُهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ قَوْلُهُمْ: مِثْلُك لَا يَبْخَلُ (قَوْلُهُ خَالٍ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ يَمِينِهِ وَمِلْكِ نِكَاحِهِ، وَهُوَ صِفَةٌ لِقُبُلٍ ط أَوْ صِفَةٌ لِوَطْءٍ (قَوْلُهُ وَشُبْهَتِهِ) أَيْ شُبْهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ.
فَالْأُولَى كَوَطْءِ جَارِيَةٍ مُكَاتَبَةٍ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، أَوْ جَارِيَةِ الْمَغْنَمِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا فِي حَقِّ الْغَازِي. وَالثَّانِيَةُ كَتَزَوُّجِ امْرَأَةٍ بِلَا شُهُودٍ أَوْ أَمَةٍ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا، أَوْ تَزَوُّجِ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ ط (قَوْلُهُ أَيْ فِي الْمَحِلِّ) وَيُقَالُ لَهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ وَشُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ ط (قَوْلُهُ لَا فِي الْفِعْلِ) وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ كَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْوَطْءِ زِنًا خُلُوُّهُ عَنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نَفْيَ الْحُدُودِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حِلَّهُ، بِخِلَافِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفِيهِ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ ظَنَّ الْحِلَّ، أَمَّا إنْ لَمْ يَظُنَّهُ فَلَا، وَلِذَا خَصَّصَ الْأُولَى بِالْإِرَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ خُلُوَّهُ عَمَّا يَعُمُّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ بِقَيْدِ ظَنِّ الْحِلِّ فِيهَا صَحَّ أَيْضًا أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) مَفْعُولُ زَادَ وَهَذَا الْقَيْدُ يُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ وَأَيْنَ هُوَ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فِي الْبَابِ الْآتِي لَا حَدَّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ. وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي دَارِ الْعَدْلِ لِيَخْرُجَ دَارُ الْبَغْيِ أَيْضًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَزْنِ دَاخِلَ الْمُعَسْكَرِ الَّذِي فِيهِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ أَوْ تَمْكِينُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى وَطْءُ وَأَوْ لِلتَّقْسِيمِ
فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ (أَوْ تَمْكِينُهَا) فَإِنَّ فِعْلَهَا لَيْسَ وَطْئًا بَلْ تَمْكِينٌ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ.
ــ
[رد المحتار]
وَالتَّنْوِيعِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَطْءِ ط (قَوْلُهُ فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ وَاسْتَدْخَلَتْهُ بِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَمْكِينُهَا) لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى زَانِيَةً فِي قَوْلِهِ - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]- عُلِمَ أَنَّهَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا لَا تُسَمَّى وَاطِئَةً أَنَّهَا زَانِيَةٌ مَجَازًا فَلِذَا زَادَ فِي التَّعْرِيفِ تَمْكِينَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِعْلُهَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْكِينُهَا زِنًا حَقِيقَةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إدْخَالِهِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا أَمَارَةُ كَوْنِهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاطِئَةً، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَمَّى زَانِيًا حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ) تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ عَرَّفُوهُ بِالتَّعْرِيفِ الْأَعَمِّ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ إنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ شُبْهَةٍ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي بِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ، فَالْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ يُحَدُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمِ دُخُولِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي.
وَنَازَعَ فِيهِ ط بِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ لَا تُنَافِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْهَلُهَا. كَيْفَ وَالْبَابُ تُقْبَلُ فِيهِ الشُّبُهَاتُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ فَلَعَلَّهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ اهـ. قُلْت: وَكَذَا نَازَعَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي آخِرِ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي بَحْثِ الْجَهْلِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَقِبَ هَذَا الْأَثَرِ: فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً لِاشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِ، وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاشِئِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَالْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْمُقِيمُ بِهَا مُدَّةً يَطَّلِعُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ فَلَا، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي الْكَمَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا؟ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ: أَيْ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْحُرْمَةِ شَرْطٌ فِيمَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِهَا وَظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ نَشَأَ وَحْدَهُ فِي شَاهِقٍ أَوْ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ مِثْلِهِ لَا يَعْلَمُونَ تَحْرِيمَهُ أَوْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَتَهُ إذْ لَا يُنْكَرُ وُجُودُ ذَلِكَ، فَمَنْ زَنَى وَهُوَ كَذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ دَارَنَا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، إذْ التَّكْلِيفُ بِالْأَحْكَامِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِهَا وَعَلَى هَذَا يَحِلُّ مَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا فَإِنَّهُ إذَا زَنَى يُحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بِالْجَهْلِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ، وَهُوَ أَيْضًا مَحْمَلُ كَلَامِ الْكَمَالِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَالتَّفْرِيقِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) رِجَالٍ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) فَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدُّوا (بِ) لَفْظِ (الزِّنَا لَا) مُجَرَّدِ لَفْظِ (الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) وَظَاهِرُ الدُّرَرِ أَنَّ مَا يُفِيدُ مَعْنَى الزِّنَا يَقُومُ مَقَامَهُ (وَلَوْ) كَانَ (الزَّوْجُ أَحَدَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ) الزَّوْجُ (قَذَفَهَا) وَلَمْ يَشْهَدْ بِزِنَاهَا بِوَلَدِهِ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللِّعَانَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى وَيُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ لَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ ظَهِيرِيَّةٌ (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا هُوَ) أَيْ عَنْ ذَاتِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ عَيْنِيٌّ (وَكَيْفَ هُوَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ) أَيْ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ رِجَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ مِنْ إدْخَالِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي النُّصُوصِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدُّوا) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ جَاءُوا فُرَادَى وَقَعَدُوا مَقْعَدَ الشُّهُودِ وَقَامَ إلَى الْقَاضِي وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُدُّوا جَمِيعًا بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَبَّرَ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحِلُّ جُلُوسِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ يُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا خَارِجَهُ، فَلَوْ اجْتَمَعُوا خَارِجَهُ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ فَيُحَدُّونَ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ بِشَهَادَةِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ زَنَى وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ، وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا إلَّا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَالرَّابِعُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ ظَهِيرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ بِالْإِقْرَارِ لَا تُعْتَبَرُ فَبَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا مُجَرَّدِ لَفْظِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الزِّنَا هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ دُونَهُمَا، فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا لَا يَثْبُتُ بَحْرٌ: أَيْ إلَّا إذَا قَالَ وَطْئًا هُوَ زِنًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي صَرِيحُهُ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ صَرِيحُ الزِّنَا كَمَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الدُّرَرِ إلَخْ) وَنَصُّهَا أَيْ بِشَهَادَةٍ مُلْتَبِسَةٍ بِلَفْظِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ، يَعْنِي أَنَّ الدَّالَّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَفْظُ الزِّنَا أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ، نَعَمْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ عَطْفُهُ عَلَى لَفْظِ الزِّنَا، لَكِنْ قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَرَادَ بِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَقَوْلِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت لِأَبِيك أَوْ بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فَافْهَمْ.
ثُمَّ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْهُ بِمَا ذَكَرَ فِي التَّعْزِيرِ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِيهِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللِّعَانَ عَنْ نَفْسِهِ) بَيَانٌ لِلتُّهْمَةِ وَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَذَفَ أَحَدُهُمْ الرَّجُلَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الزَّوْجِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ نِصْفُ الْمَهْرِ) أَيْ يُسْقِطُ الزَّوْجُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَضَمُّنِهَا مَجِيءَ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا حَيْثُ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لِوَلَدِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمُطَاوَعَتِهَا لَهُ بَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِنُشُوزِهَا (قَوْلُهُ ظَهِيرِيَّةٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بِزِيَادَةٍ وَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدُّ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ وُجُوبًا.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ دُرَرٌ مُنْتَقَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيَانَ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ: وَلَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا زَنَيَا لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا الشُّهُودُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ عَنْ ذَاتِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ) تَفْسِيرٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِمَا هُوَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَارَّةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ فَائِدَةَ سُؤَالِهِ عَنْ الْمَاهِيَّةِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَسَاهُ يَظُنُّ أَنَّ مُمَاسَّةَ الْفَرْجَيْنِ حَرَامًا زِنًا أَوْ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَشْهَدُ بِالزِّنَا.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَاهِيَّتِهِ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَالْمَكَانِ لِتَضَمُّنِ التَّعْرِيفِ ذَلِكَ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. اهـ.
قُلْت: الِاسْتِغْنَاءُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ وَالْمَكَانُ وَغَيْرُهُمَا فَهِيَ
وَأَيْنَ هُوَ وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي صِبَاهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ، فَيَسْتَقْصِي الْقَاضِي احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (وَعَدَلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ (حَكَمَ بِهِ) وُجُوبًا، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا فَالشَّهَادَةُ أَوْلَى نَهْرٌ.
(وَيَثْبُتُ) أَيْضًا (بِإِقْرَارِهِ)
ــ
[رد المحتار]
فِي هَذَا الزِّنَا الزِّنَا الْخَاصِّ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْخَاصَّ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْمَاهِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ احْتِيَاطًا فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَكَيْفَ هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْتِيبِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ لَا عَلَى الزَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِبَاهُ) وَكَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَكِنْ فِي زَمَانٍ مُتَقَادِمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حَدُّ التَّقَادُمِ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَأَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنًا الْمَرْأَةِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَمَّنْ زَنَى بِهَا مَنْ هُوَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَزِيَادَةِ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيَّنُوهُ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ، خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالُوا إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَبَيَّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَتِمُّ الْبَيَانُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) السِّرُّ بِأَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ، فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَلَانِيَةُ بِأَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ وَيَقُولُ هَذَا الَّذِي زَكَّيْته يَعْنِي سِرًّا، وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا، بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الْإِمَامِ.
قَالُوا: وَيَحْبِسُهُ هُنَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَ مُتَّهَمًا، وَالْمُتَّهَمُ يُعَزَّرُ وَالْحَدُّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ) أَمَّا لَوْ عَلِمَ عَدَالَتَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ الْمُزَكِّي، وَلَوْلَا إهْدَارُ الشَّرْعِ إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قِيلَ وَالِاكْتِفَاءُ بِعِلْمِهِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ.
قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِالشَّهَادَةِ لَا بِعِلْمِهِ بِالْعَدَالَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَكَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا) مِنْ هَتَكَ زَيْدٌ السِّتْرَ هَتْكًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: خَرَقَهُ، وَهَتَكَ اللَّهُ سِتْرَ الْفَاجِرِ فَضَحَهُ مِصْبَاحٌ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ سَوْقِهِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى نَدْبِ السِّتْرِ: وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدِ وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ، بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا اهـ مُلَخَّصًا.
بَقِيَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَهَتِّكًا دُونَ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةُ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا بِالتَّقَادُمِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا.
ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ فَقَالَ: الْمُقَرَّرُ أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهَا دُونَ الْفِرَارِ، وَكَمَا يَمْنَعُ التَّقَادُمُ
صَرِيحًا صَاحِيًا، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ، وَلَا ظَهَرَ كَذِبُهُ بِجَبِّهِ أَوْ رَتَقِهَا، وَلَا أَقَرَّ بِزِنَاهُ بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ بِأَخْرَسَ لِجَوَازِ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ بِسَرِقَةٍ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا حَدَّ؛ وَلَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى حُدَّ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْذِيبَ وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُهُ نَهْرٌ (أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) حَتَّى عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِجَوَازِ بَيَانِهِ بِأَمَةِ ابْنِهِ نَهْرٌ (فَإِنْ بَيَّنَهُ) كَمَا يَحِقُّ (حُدَّ) فَلَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ
ــ
[رد المحتار]
قَبُولَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ صَرِيحًا) أَخْرَجَ بِهِ إقْرَارَ الْأَخْرَسِ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ صَاحِيًا) احْتِرَازٌ عَنْ السُّكْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ) فَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ سَوَاءٌ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي أَوْ لَا أَعْرِفُهُ أَصْلًا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا بِفُلَانٍ فَكَذَّبَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ رَتَقِهَا) بِأَنْ تُخْبِرَ النِّسَاءُ بِأَنَّهَا رَتْقَاءَ قَبْلَ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُنَّ بِالرَّتَقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ) أَيْ مِنْ الْخَرْسَاءِ أَوْ الْأَخْرَسِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْخَرَسِ.
وَاسْتَشْكَلَ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ قَبْلَ حُضُورِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا إذَا حَضَرَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ.
قُلْت: يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِمَّا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الثَّانِيَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِيَ نِكَاحَهَا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ حُدَّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ حُضُورَ الْغَائِبَةِ وَدَعْوَاهَا النِّكَاحَ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشُّبْهَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، لِمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَذَلِكَ.
قُلْت: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نَفْسَ الْخَرَسِ شُبْهَةٌ مُحَقَّقَةٌ مَانِعَةٌ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْقِطًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْغَائِبَةَ إنَّمَا حُدَّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ مُسْقِطًا، بِخِلَافِ الْخَرْسَاءِ فَإِنَّ الْخَرَسَ نَفْسَهُ مُسْقِطٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى) أَيْ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ) أَيْ إنْشَاءَ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ الْمُعَايِنَ لِلشُّهُودِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْذِيبَ فَيُحَدُّ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فِي حَالِ سُكْرِهِ (قَوْلُهُ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ) وَلَوْ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُقِرِّ) وَقِيلَ مَجَالِسِ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ تَفَرُّقَ الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَذْهَبَ الْمُقَرُّ عَنْهُ بِحَيْثُ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ، وَهُوَ أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبُ حَتَّى لَا يَرَاهُ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَجَالِسِ لَا يَكُونُ إلَّا بِرَدِّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الرَّابِعَةِ لَا يَرُدُّهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إلَّا الرَّابِعَةَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ سُؤَالًا مُمَاثِلًا لِمَا مَرَّ، وَهَذَا السُّؤَالُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ عَقْلِهِ وَعَنْ إحْصَانِهِ (قَوْلُهُ حَتَّى عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا إلَخْ) سَقَطَ لَفْظُ حَتَّى مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ، وَصَرَّحَ بِالْمَزْنِيِّ بِهَا رَدًّا عَلَى ابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ: لَك أَنْ تَقُولَهُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِالزَّمَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَرُدَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالَ صِبَاهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ
الْقَاضِي وَلَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ وَلَوْ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَرَّ مَرَّةً لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ وَلَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا سِرَاجٌ.
(وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَلَوْ) رُجُوعَهُ (بِالْفِعْلِ كَهُرُوبِهِ) بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ كَمَا أَنَّ إنْكَارَ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ) كَمَا سَيَجِيءُ (وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِلْحَدِّ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُكَذِّبِ بَحْرٌ (وَ) كَذَا عَنْ (سَائِرِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ) لِلَّهِ كَحَدِّ شُرْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ.
(وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) الرُّجُوعَ بِ (لَعَلَّكَ قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزٍ.
(ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَإِنْ) كَانَتْ (زَوْجَةً لِلْغَيْرِ) بِلَا بَيِّنَةٍ
(وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ زِنَاهُ (أَوْ اشْتَرَاهَا لَا) يَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ بَحْرٌ.
(وَيُرْجَمُ مُحْصَنٌ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ)
ــ
[رد المحتار]
مِنْ حَصْرِ ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بَيَانٌ لِفَائِدَةِ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ تَكُونَ عَلَى الزِّنَا.
وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ، وَإنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قُضِيَ بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا لَا عَلَى الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ فَأَقَرَّ مَرَّةً) أَوْ مَرَّتَيْنِ نَهْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَذَلِكَ، وَقُيِّدَ بِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ قَبْلَهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ عَدَمُ الْإِقْرَارِ فَفَاتَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ كَمَا يَأْتِي فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكْمُلْ نِصَابُ الْإِقْرَارِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فَلَا يُحَدَّ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ) أَيْ وَصَارَ الْحُكْمُ لِلْإِقْرَارِ فَيُعَامَلُ بِمُوجَبِهِ لَا بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالشَّهَادَةِ فَهَرَبَ فِي حَالَ الرَّجْمِ فَإِنَّهُ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ) أَيْ إذَا قَالَ بَعْدَ مَا أَقَرَّ أَرْبَعًا وَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ وَاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ خَانِيَّةٌ، وَهَكَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ إنْ رَجَعَ إلَخْ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ ذَاكَ بِقَوْلِهِ رَجَعْت عَمَّا أَقْرَرْت بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُحَدُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إحْصَانِهِ وَإِلَّا فَيُحَدُّ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْكَذِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ فَتُحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَحَدِّ شُرْبٍ وَسَرِقَةٍ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِسَرِقَتِهِ
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ الْمَرْوِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ تَلْقِينَهُ بِمَا ذَكَرَ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتَهَا أَوْ وَطِئْتَهَا بِشُبْهَةٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُلَقِّنَهُ مَا يَكُونُ ذِكْرُهُ دَارِئًا لِيُذَكِّرَهُ أَيًّا مَا كَانَ بَحْرٌ وَفَتْحٌ
(قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِادَّعَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ الْعَيْنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ سَنَذْكُرُهَا فِي الْبَابِ الْآتِي
(قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَا لَوْ بِالْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي
(قَوْلُهُ وَيُرْجَمُ مُحْصَنٌ) بِفَتْحِ الصَّادِ، مِنْ أَحْصَنَ: إذَا تَزَوَّجَ، وَهِيَ مِمَّا جَاءَ اسْمُ فَاعِلِهِ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَمِنْهُ أَسْهَبُ فَهُوَ مُسْهِبٌ: إذَا أَطَالَ فِي الْكَلَامِ، وَأَلْفَجُ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ فَهُوَ مُلْفِجٌ: إذَا افْتَقَرَ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي فَضَاءٍ) هُوَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي رَجْمِهِ وَلِئَلَّا يُصِيبَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ
وَيَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ لِرَجْمِهِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَرَجَمَ آخَرُونَ.
(فَلَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ فَهَدَرٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَذَّرَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ نَهْرٌ (وَ) لَوْ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ (يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَا حُكْمَ لَهَا.
(وَالشَّرْطُ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِهِ) وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَيَرْجُمُ الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِمْ (فَإِنْ أَبَوْا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا) أَوْ قُطِعُوا بَعْدَ الشَّهَادَةِ (أَوْ بَعْضُهُمْ سَقَطَ) الرَّجْمُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَلَا يُحَدُّونَ فِي الْأَصَحِّ (كَمَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ) لِلشَّهَادَةِ (بِفِسْقٍ أَوْ عَمًى أَوْ خَرَسٍ) أَوْ قَذْفٍ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا لَوْ مُحْصَنًا، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْحَاكِمِ (ثُمَّ الْإِمَامِ) هَذَا لَيْسَ حَتْمًا كَيْفَ وَحُضُورُهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ (ثُمَّ النَّاسِ) أَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ حُضُورَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَرَمْيُهُمْ كَذَلِكَ فَلَوْ امْتَنَعُوا لَمْ يَسْقُطْ.
ــ
[رد المحتار]
لَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ، فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَمَّدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ
(قَوْلُهُ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِيهِ لَوْ عَمْدًا وَلَا دِيَةَ لَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ لِافْتِيَاتِهِ) افْتِعَالٌ مِنْ فَاتَ يَفُوتُ فَوْتًا وَفَوَاتًا.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَفَاتَهُ فُلَانٌ بِذِرَاعٍ سَبَقَهُ بِهَا، وَمِنْهُ قِيلَ افْتَاتَ فُلَانٌ افْتِيَاتًا إذَا سَبَقَ بِفِعْلِ شَيْءٍ وَاسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يُؤَامِرْ فِيهِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْأَمْرِ فِيهِ
(قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِهِ) أَيْ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُونَ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُونَ، وَفِيهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قُطِعُوا بَعْدَ الشَّهَادَةِ) وَكَذَا لَوْ مَرِضُوا بَعْدَهَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قُطِعُوا قَبْلَهَا رَمَى الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَقْطُوعِي الْأَيْدِي لَمْ تُسْتَحَقَّ الْبُدَاءَةُ بِهِمْ وَإِنْ قُطِعَتْ بَعْدَهَا فَقَدْ اُسْتُحِقَّتْ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ كَوْنَ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ شَرْطًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الرَّجْمِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ، وَالْمُرَادُ الْقَطْعُ بِلَا جِنَايَةٍ مُفَسِّقَةٍ وَإِلَّا خَرَجُوا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّونَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ لِامْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ أَبَوْا، أَمَّا فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الرَّجْمُ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِمْ لَوْ حَضَرُوا (قَوْلُهُ أَوْ قَذْفٍ) أَيْ إذَا حُدَّ بِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ) أَيْ إمْضَاءَ الْحَدِّ وَإِيقَاعَهُ بِالْفِعْلِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يُمْضِهِ ثُمَّ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ بِهَا أَصْلًا ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ) أَيْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَيْ كِتَابِهِ الْكَافِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِيمَ فِي كَمَا زَائِدَةٌ وَالْأَصْلُ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ اهـ أَيْ مَوْتِ الشُّهُودِ وَغَيْبَتِهِمْ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ كَمَا فِي الْحَاكِمِ أَيْ كَمَا يُحَدُّ لَوْ مَاتَ الْحَاكِمُ أَوْ غَابَ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ كَمَا سَمِعْت، وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالرَّجْمِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجُمَهُ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْإِمَامِ) اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ، فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشُّهُودِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ) لَمْ يَنْقُلْهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ أَحَدٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّقْلِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَفَادَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَفِي الدِّرَايَةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْضُرُوا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ اثْنَانِ. وَالزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ. وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حُضُورَهُمْ لَيْسَ شَرْطًا فَرَمْيُهُمْ كَذَلِكَ، فَلَوْ امْتَنَعُوا لَمْ يَسْقُطْ. اهـ.
(وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَإِنْ أَمَرَهُمْ لِفَوْتِ شَرْطِهِ فَتْحٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَاضِي عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ وَسِعَكَ رَجْمُهُ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْحُجَّةُ. وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ
(وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا ذَكَرُوهُ تَفْسِيرًا لِلطَّائِفَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَنْ يَرْجُمُهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُمْ بِأَنْ يَحْضُرُوا، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مَنْ يُبَاشِرُ الرَّجْمَ وَحُضُورُهُمْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ فَوَاتُ الرَّجْمِ أَصْلًا فَيَأْثَمُ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ لَوْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا السِّرِّ وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ. فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ فَيَكُونُ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَيَكُونُ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي
، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِرَجْمِ مَاعِزٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَحْضُرْهُ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَمْرُ الشُّهُودِ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ عَدَمُ تَسَاهُلِهِ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ وَالْحَدِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ وَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ، فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ سَقَطَ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهِمَا اهـ مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ إلَخْ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سَلِمَ وُجُوبُ حُضُورِ الْإِمَامِ كَالشُّهُودِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ لَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ كَمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ صَاحِبُ الْفَتْحِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالدَّلِيلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ مُعْتَبَرٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الشُّهُودِ ثُمَّ مِنْ الْإِمَامِ ثُمَّ مِنْ النَّاسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ امْتَنَعَ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْحُجَّةِ: أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّجْمِ لَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَايِنُوا الْحُجَّةَ، وَقِيلَ لَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ.
قَالَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَالِمًا عَادِلًا وَجَبَ ائْتِمَارُهُ بِلَا تَفَحُّصٍ وَإِنْ كَانَ عَادِلًا لَا جَاهِلًا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ يُؤْتَمَرُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ، فَإِنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ مَقْتَلًا لَا يُكْرَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْرَمُ شَاهِدًا. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْتَدِئُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلًا، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ: تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ
وَصَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ» .
(وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ مِائَةً إنْ حُرًّا، وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ الْحَرَائِرُ ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ غَلَّبَ الْإِنَاثَ عَلَى الذُّكُورِ لَكِنَّهُ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ.
(وَ) الْعَبْدُ (لَا يَحُدُّهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) وَلَوْ فَعَلَهُ هَلْ يَكْفِي؟ الظَّاهِرُ لَا، لِقَوْلِهِمْ رُكْنُهُ إقَامَةُ الْإِمَامِ نَهْرٌ (بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ) . فِي الصِّحَاحِ: ثَمَرَةُ السَّوْطِ عُقْدَةُ أَطْرَافِهِ (مُتَوَسِّطًا) بَيْنَ الْجَارِحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ (وَنُزِعَ ثِيَابُهُ خَلَا إزَارٍ) لِيَسْتُرَ عَوْرَتَهُ (وَفُرِّقَ) جَلْدُهُ (عَلَى بَدَنِهِ خَلَا رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَفَرْجِهِ) قِيلَ وَصَدْرِهِ وَبَطْنِهِ؛ وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ (وَ) قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا) وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً (فِي الْحُدُودِ) وَالتَّعَازِيرِ (غَيْرَ مَمْدُودٍ) عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ
ــ
[رد المحتار]
وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا أَوْ بِالْقِصَاصِ لَمْ يَحْرُمْ الْمِيرَاثُ
(قَوْلُهُ وَصَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ» ) أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَأَمَّا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَاعِزٍ فَفِيهِ تَعَارُضٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) هُوَ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]- نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ.
وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِنَّ لِلرِّقِّ ثَبَتَ فِي الذُّكُورِ الْأَرِقَّاءِ دَلَالَةً إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْحُكْمِ بَلْ تَكْفِي الْمُسَاوَاةُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) فَيَكُونُ دُخُولُ الذُّكُورِ ثَابِتًا بِعِبَارَةِ النَّصِّ لَا بِدَلَالَتِهِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ) وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ.
وَوَجْهُ الْعَكْسِ هُنَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ هُوَ كَوْنُ الدَّاعِيَةِ فِيهِنَّ أَقْوَى، وَلِذَا قُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِمْ رُكْنُهُ) أَيْ رُكْنُ الْحَدِّ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الضَّرْبُ أَوْ الرَّجْمُ.
[تَنْبِيهٌ] فِي كَافِي الْحَاكِمِ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا، وَكَذَا فِي الْقَطْعِ وَالْقِصَاصِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ عِتْقِهِ زَنَيْت وَأَنَا عَبْدٌ لَزِمَهُ حَدُّ الْعَبِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الصِّحَاحِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ كَمَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
وَرَجَّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ذَنَبُهُ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ» فَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُضْرَبَ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ أَوْ يُبْرِحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِيهِ عُقْدَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُجْتَنَبُ كُلٌّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَبِمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ ذَنَبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقَدَ لِيَعُمَّ الْمَجَازَ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بَيْنَ الْجَارِحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) بِأَنْ يَكُونَ مُؤْلِمًا غَيْرَ جَارِحٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْلُودُ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ هَلَاكُهُ يُجْلَدُ جَلْدًا ضَعِيفًا يَحْتَمِلُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ جَلْدَهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْسِدُهُ وَضَرْبُ مَا اُسْتُثْنِيَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِإِفْسَادِ بَعْضِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَصَدْرِهِ إلَخْ) قَائِلُهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا لَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ؟ نَعَمْ إذَا فَعَلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا بُيُوتُ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ الْبَطْنُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً) قَيَّدَ بِالتَّوَالِي لِيَحْصُلَ بِهَا الْأَلَمُ، وَلِذَا: قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ (قَوْلُهُ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَفْظُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ " يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحُدُودِ ". اهـ. .
فَقَوْلُهُ وَالتَّعَازِيرِ إلَخْ لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ عَلَى الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ زَجْرًا لِلْعَامَّةِ وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ،
وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا تُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ، وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا (وَيُحْفَرُ لَهَا) إلَى صَدْرِهَا (فِي الرَّجْمِ) وَجَازَ تَرْكُهُ لِسَتْرِهَا بِثِيَابِهَا وَ (لَا) يَجُوزُ الْحَفْرُ (لَهُ) ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُمْسَكُ وَلَوْ هَرَبَ، فَإِنْ مُقِرًّا لَا يُتْبَعُ وَإِلَّا اُتُّبِعَ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا مَرَّ
(وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) فِي الْمُحْصَنِ (وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ، وَفَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ التَّغْرِيبِ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) فَيُفَوَّضُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ نَهْرٌ
(وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ زَنَى
ــ
[رد المحتار]
وَالْمَرْأَةُ مَبْنَى أَمْرِهَا عَلَى السَّتْرِ. وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ بِاسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى السَّوْطِ أَيْضًا: أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مَمْدُودٍ، وَمَدُّ السَّوْطِ فِيهِ تَفْسِيرَانِ: قِيلَ بِأَنْ يَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ عَلَى جَسَدِ الْمَضْرُوبِ بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ. فَلَفْظُ مَمْدُودٍ مُعَمَّمٌ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النَّفْيِ فَجَازَ تَعْمِيمُهُ اهـ أَيْ فِي مَدِّ الرِّجْلِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَدِّ السَّوْطِ بِمَعْنَيَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي النَّفْيِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْحَفْرُ لَهُ) لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الرَّبْطَ وَالْإِمْسَاكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْأَةِ فَلِكَوْنِهِ أَسْتَرَ لَهَا. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوعِ بِالْهَرَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُرْبَطُ إلَخْ) إلَّا إذَا امْتَنَعَ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» بَحْرٌ.
وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ) أَيْ فَسَّرَ النَّفْيَ الْمَرْوِيَّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِنَفْيِ عَامٍ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ» " (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ إلَخْ ") فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَاتِ التَّغْرِيبِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ رضي الله عنه رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِعْلَ الْحَبْسِ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِ التَّغْرِيبِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَفْسِيرَ الْوَارِدِ بِذَلِكَ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الْمَنْعُ عَنْ الْفَسَادِ. وَفِي التَّغْرِيبِ فَتْحُ بَابِ الْفَسَادِ كَمَا عَلِمْت، فَفِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ بِالْمَوْضُوعِ وَهُوَ مَحِلُّ الْعَرْضِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَوْ بِمَوْضُوعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ مَا يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَبَدَنِ الْإِنْسَانِ لِعِلْمِ الطَّبِّ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مِنْ عَطْفٍ وَإِقَامَةِ حَدٍّ عَلَى نَفْيِ عَامٍ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ.
وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِجَمَالِهِ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ نَفْيًا.
وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنَّا بِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ يُغَرِّبُونَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
الْمُرِيدَ إذَا بَدَا مِنْهُ قُوَّةُ نَفْسٍ وَلَجَاجٍ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ وَتَلِينَ، مِثْلُ هَذَا الْمُرِيدِ أَوْ مَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْقَاضِي فِي التَّغْرِيبِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَحِ وَلَهُ حَالٌ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ النَّفْسِ فَنَفْيُهُ يُوَسِّعُ طُرُقَ الْفَسَادِ وَيُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] أَشَارَ كَلَامُ الْفَتْحِ إلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَا وَهُوَ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى النَّهْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: السِّيَاسَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَا بَلْ تَجُوزُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ، وَالرَّأْيُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي، كَقَتْلِ مُبْتَدِعٍ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ انْتِشَارُ بِدْعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ، وَهِيَ مَصْدَرُ سَاسَ الْوَالِي الرَّعِيَّةَ: أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، فَالسِّيَاسَةُ اسْتِصْلَاحُ الْخَلْقِ بِإِرْشَادِهِمْ إلَى الطَّرِيقِ الْمُنْجِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهِيَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فِي ظَاهِرِهِمْ وَبَاطِنِهِمْ، وَمِنْ السَّلَاطِينِ وَالْمُلُوكِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِهِ لَا غَيْرُ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْخَاصَّةِ فِي بَاطِنِهِمْ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قُلْت: وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلسِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ الصَّادِقَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتُسْتَعْمَلُ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ زَجْرٌ وَتَأْدِيبٌ وَلَوْ بِالْقَتْلِ، كَمَا قَالُوا فِي اللُّوطِيِّ وَالسَّارِقِ وَالْخَنَّاقِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ حَلَّ قَتْلُهُمْ سِيَاسَةً وَكَمَا مَرَّ فِي الْمُبْتَدِعِ، وَلِذَا عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا تَغْلِيظُ جِنَايَةٍ لَهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ، وَقَوْلُهُ لَهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ قَوَاعِدِ الْإِيمَانِ عَلَى حَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ لِبَقَاءِ الْعَالَمِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السِّيَاسَةَ هِيَ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا وَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ: السِّيَاسَةُ شَرْعٌ مُغَلَّظٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهَا. وَسِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ، وَتَدْفَعُ كَثِيرًا. مِنْ الْمَظَالِمِ، وَتَرْدَعُ أَهْلَ الْفَسَادِ، وَتُوَصِّلُ إلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَالشَّرِيعَةُ تُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَيْهَا وَالِاعْتِمَادَ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ عَلَيْهَا، وَهِيَ بَابٌ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ تَفْصِيلَهَا فَعَلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ كِتَابِ مَعِينِ الْحُكَّامِ لِلْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ الْأَسْوَدِ الطَّرَابُلُسِيِّ الْحَنَفِيِّ. اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّيَاسَةَ وَالتَّعْزِيرَ مُتَرَادِفَانِ وَلِذَا عَطَفُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِبَيَانِ التَّفْسِيرِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ تَعْزِيرًا وَسَيَأْتِي أَنَّ التَّعْزِيرَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَةِ مَعْصِيَةٍ وَلِذَا يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ السِّيَاسَةُ كَمَا مَرَّ فِي نَفْيِ عُمَرَ لِنَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك، فَقَدْ نَفَاهُ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِهِ، فَهُوَ فِعْلٌ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ قَطْعُ الِافْتِتَانِ بِسَبَبِهِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَشْرَفِ الْبِقَاعِ، فَفِيهِ رَدٌّ وَرَدْعٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَاجِبِ الْإِزَالَةِ، وَقَالُوا إنَّ التَّعْزِيرَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذَا أَنَّ بَابَ التَّعْزِيرِ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ لِأَحْكَامِ السِّيَاسَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَ السِّيَاسَةِ يَكُونُ مِنْ الْقَاضِي أَيْضًا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِمَامِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَاضِي بَلْ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْقَاضِي: نَائِبٌ عَنْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ، وَبَدَأَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ مَعِينِ الْحُكَّامِ: لِلْقُضَاةِ تَعَاطِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ حَتَّى إدَامَةُ الْحَبْسِ وَالْإِغْلَاظُ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ بِالْقَمْعِ لَهُمْ، وَالتَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَتَحْلِيفُ الشُّهُودِ إذَا ارْتَابَ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَتَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ يَضُرُّ بِهِ وَيَحْبِسُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِيرِ أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قُبَيْلَ الْجِهَادِ أَنَّ مِنْ السِّيَاسَةِ عُقُوبَتَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ، فَقَدْ أَجَازُوا
وَلَا يُجْلَدُ) حَتَّى يَبْرَأَ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ بُرْئِهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ بَحْرٌ.
(وَيُقَامُ عَلَى الْحَامِلِ بَعْدَ وَضْعِهَا) لَا قَبْلَهُ أَصْلًا بَلْ تُحْبَسُ لَوْ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ (فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ حِينَ وَضَعَتْ) إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْحَبَلَ يَرَاهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ نَعَمْ حَبَسَهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ رَجَمَهَا اخْتِيَارٌ (وَإِنْ كَانَ الْجَلْدُ فَبَعْدَ النِّفَاسِ) لِأَنَّهُ مَرَضٌ:
(وَ) شَرَائِطُ (إحْصَانِ الرَّجْمِ) سَبْعَةٌ (الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ) عَقْلٌ وَبُلُوغٌ (وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ) وَكَوْنُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) حَالَ الدُّخُولِ
ــ
[رد المحتار]
قَتْلَ النَّفْسِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ بُرْئِهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يُضْرَبَ ضَرْبًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ.
وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسُّلِّ أَوْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضْرَبُ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ دَفْعَةً وَتَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْكُلِّ إلَى بَدَنِهِ، وَلِذَا قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَبْسُوطَةً اهـ وَالْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ: عُنْقُودُ النَّخْلِ
(قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ أَوْ الرَّجْمَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ لَا جَرِيمَةَ مِنْهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا هِيَ الْمَذْهَبُ.
وَفِي النَّهْرِ: وَلَعَمْرِي أَنَّهَا مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ اهـ وَفِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَمَهَا بَعْدَ مَا فَطَمَتْهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَرْضِعُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: إلَيَّ رَضَاعُهُ فَرَجَمَهَا» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّجْمَ عِنْدَ الْوَضْعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالطَّرِيقَانِ فِي مُسْلِمٍ وَهَذَا أَصَحُّ طَرِيقًا إلَخْ (قَوْلُهُ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ تَفْطِمَهُ (قَوْلُهُ حَبَسَهَا سَنَتَيْنِ) أَيْ إذَا ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ ط
مَطْلَبٌ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ وَشَرَائِطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ، فَالْإِحْصَانُ هُوَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ، وَقَيَّدَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ عَقْلٌ وَبُلُوغٌ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ وَبَيَانٌ لَهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْفِعْلِ زِنًا.؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا أَصْلًا، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطَ الْإِحْصَانِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ شَرْطٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ كَانَ رَجُلًا مَثَلًا فَلَا يُرْجَمُ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَ زَوْجَةً لَهُ مُكَلَّفَةً، فَكَوْنُهَا مُكَلَّفَةً شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ مُحْصَنًا لَا فِي كَوْنِ فِعْلِهِ الَّذِي فَعَلَهُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ زِنًا وَلِذَا لَمْ يُجْلَدْ بِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ مُكَلَّفَةً وَلَا يُرْجَمُ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ) لِحَدِيثِ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَرَجْمُهُ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ نُسِخَ بَحْرٌ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْفَتْحِ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّرْطِ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَالْوَطْءُ) أَيْ الْإِيلَاجُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) خَرَجَ الْفَاسِدُ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا ط.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ اتِّفَاقًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا وَلِيٍّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ الثَّانِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَالَ الدُّخُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحِيحٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِيبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ.
(وَ) كَوْنُهُمَا (بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْمَذْكُورَةِ وَقْتَ الْوَطْءِ، فَإِحْصَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُحْصَنًا، فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً أَوْ الْحَرَّةُ عَبْدًا فَلَا إحْصَانَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ. وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَبْطُلَ إحْصَانُهُمَا بِالِارْتِدَادِ، فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ، وَلَوْ بَطَلَ بِجُنُونٍ أَوْ عَتَهٍ عَادَ بِالْإِفَاقَةِ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي النِّكَاحِ أَصْلًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ الْعَقْدَ أَوْ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الْوَطْءِ مُحْصَنًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بَعْدَهُ لَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَفِي هَذَا الْحَلِّ إصْلَاحٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ اشْتِرَاطَ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ.
قُلْت: وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ خَلَا بِهَا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُسَلِّمَةً وَأَنْكَرَتْ فَإِذَا زَنَى يُرْجَمُ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِإِقْرَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ: أَيْ لَوْ نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً أَوْ الْعَبْدُ حُرَّةً وَوَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِحْصَانُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِاتِّصَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمَا بَعْدَ هَذَا الْوَطْءِ يُرْجَمُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْمُسْلِمُ بِمَنْكُوحَتِهِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا ثَانِيًا بَعْدَ إسْلَامِهَا أَوْ إفَاقَتِهَا أَوْ بُلُوغِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ حُرَّةٌ مُكَلَّفَةٌ مُسْلِمَةٌ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَنَتْ لَا تُرْجَمُ لِعَدَمِ إحْصَانِهَا.
وَصُورَةُ كَوْنِ زَوْجِ الْمُسْلِمَةِ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَتُسْلِمَ هِيَ فَيَطَأَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ وَإِبَائِهِ فَإِنَّهُمَا زَوْجَانِ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] اشْتِرَاطُ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلرَّجْمِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُحْصَنًا الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ بِشُرُوطِهِ ثُمَّ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً مِثْلَهُ تُرْجَمُ أَيْضًا وَإِلَّا فَتُجْلَدُ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ زَنَتْ بِرَجُلٍ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ إلَخْ) أَطْلَقَ الذِّمِّيَّ فَشَمِلَ لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَكَوْنُ الْمَزْنِيِّ بِهَا مُسْلِمَةً غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرْجَمْ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَقْتَ الْفِعْلِ وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بَعْدَ إسْلَامِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الرَّجْمِ مِنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الزِّنَا، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ الزِّنَا ثُمَّ صَارَ مُحْصَنًا لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ، فَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ هَذِهِ الْفَائِدَةِ مَعَ تَأْوِيلِ مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ.
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَدِّ هُنَا الْجَلْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا إلَخْ) عَزَاهُ ابْنُ الْكَمَالِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بِارْتِدَادِهِمَا مَعًا فِي الْفَتْحِ أَيْ لِيَعُودَ النِّكَاحُ بِعَوْدِهِمَا إلَى الْإِسْلَامِ بِلَا تَجَدُّدِ عَقْدٍ آخَرَ.
بَقِيَ لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا: فَفِي النَّهْرِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ لَحِقَتْ الزَّوْجَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً وَسُبِيَتْ لَا يَبْطُلُ إحْصَانُ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إحْصَانُهَا