الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ؛ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى رُجِمَ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الشُّرُوطَ فَقَالَ:
شُرُوطُ الْإِحْصَانِ أَتَتْ سِتَّةٌ
…
فَخُذْهَا عَنْ النَّصِّ مُسْتَفْهِمَا
بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ
…
وَرَابِعُهَا كَوْنُهُ مُسْلِمَا
وَعَقْدٌ صَحِيحٌ وَوَطْءٌ مُبَاحٌ
…
مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا يُرْجَمَا
بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ
لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ) الشَّيْءَ (الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٌ) حُكْمِيَّةٌ (فِي الْمَحِلِّ
ــ
[رد المحتار]
وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً وَلِذَا قَالَ: لَوْ أَسْلَمَ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدُ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ وَطْءٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
فَعُلِمَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ بَطَلَ الْإِحْصَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا وَيَطَؤُهَا بَعْدَهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ فَيَعُودُ لَهُ إحْصَانٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَبْطَلَتْ الْإِحْصَانَ السَّابِقَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ) نَسَبَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ إلَى أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً) أَيْ وَدَخَلَ بِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ، وَهِيَ أَعَمُّ لِشُمُولِهَا زَوَالَ النِّكَاحِ بِمَوْتِهَا أَوْ رِدَّتِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) نَقَلَهُ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَشِيدٍ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَالِكِيِّ كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ شُرُوطُ الْحَصَانَةِ فِي سِتَّةٍ. اهـ. ط.
أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ وَالْبَقِيَّةَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَلَا يُرْجَمَا بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ كَمَا رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَلَا نَاهِيَةٌ وَأَصْلُهُ لَا تَرْجُمْنَ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةِ قُلِبَتْ أَلِفًا، إذْ لَوْ كَانَتْ لَا نَافِيَةً وَجَبَ الرَّفْعُ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ النَّاظِمِ عَلَى الشُّرُوطِ السِّتَّةِ لِكَوْنِهَا مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَزِيدَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْوَطْءِ وَعَدَمُ الِارْتِدَادِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَيُزَادُ كَوْنُ الْعَقْدِ صَحِيحًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَقَدْ غَيَّرْت هَذَا النَّظْمَ جَامِعًا لِلتِّسْعَةِ فَقُلْت:
شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ تِسْعٌ أَتَتْ
…
مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا تَرْجُمَا
بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ
…
وَدِينٌ وَفَقْدُ ارْتِدَادِهِمَا
وَوَطْءٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لِمَنْ
…
غَدَتْ مِثْلَهُ فِي الَّذِي قُدِّمَا
[بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ]
ُ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يُوجِبُهُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ) عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ. وَطَعَنَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالشُّبْهَةِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ. وَأَيْضًا فِي إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كِفَايَةٌ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَفِي تَتَبُّعِ الْمُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ تَلْقِينِ مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ الرُّجُوعَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ بَعْدَ الثُّبُوتِ مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ فِي الْمَحِلِّ) هُوَ الْمَوْطُوءَةُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالشَّلَبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَقَوْلُهُ
وَشُبْهَةُ) اشْتِبَاهٍ (فِي الْفِعْلِ، وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ) وَالتَّحْقِيقُ دُخُولُ هَذِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَنُحَقِّقُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهَا) أَيْ الشُّبْهَةَ (وَبَرْهَنَ قُبِلَ) بُرْهَانُهُ (وَسَقَطَ الْحَدُّ وَكَذَا يَسْقُطُ) أَيْضًا (بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا إلَّا فِي) دَعْوَى (لِإِكْرَاهٍ) خَاصَّةً (فَلَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ) لِأَنَّهُ دَعْوَى بِفِعْلِ الْغَيْرِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ بَحْرٌ
(لَا حَدَّ) بِلَازِمٍ (بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ) أَيْ الْمِلْكِ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً أَيْ الثَّابِتُ حُكْمُ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ (وَإِنْ ظَنَّ حُرْمَتَهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَلَدُهُ حَيًّا فَتْحٌ، لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» (وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) وَلَوْ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ
ــ
[رد المحتار]
الْآتِي: أَيْ الْمِلْكُ بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا أَمَةُ وَلَدِهِ أَوْ أَمَةُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَكَذَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا) أَيْ دَعْوَى الشُّبْهَةِ، وَهَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ لِانْفِهَامِهِ مِنْهُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إلَّا فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قُلْت: الظَّاهِرُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُخْرِجُ الْفِعْلَ عَنْ كَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا هُوَ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْإِثْمُ كَمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ دُونَ الْإِثْمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بِخِلَافِ دَعْوَاهُ شُبْهَةً مِنْ الشُّبَهِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ، فَإِنَّ دَعْوَاهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ أَنَّهَا أَمَةُ وَلَدِهِ إنْكَارٌ لِلْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَلِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بُرْهَانٍ تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لُزُومَ الْبُرْهَانِ عَلَى الْإِكْرَاهِ خَاصٌّ بِمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِهِ
(قَوْلُهُ لَا حَدَّ بِلَازِمٍ) أَيْ ثَابِتٍ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ) هُوَ الْمَوْطُوءَةُ كَمَا مَرَّ وَهِيَ الْمُنَافِيَةُ لِلْحُرْمَةِ ذَاتًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّا لَوْ نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْحُرْمَةِ نَهْرٌ، يَعْنِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى ذَاتِ الدَّلِيلِ يَنْفِي الْحُرْمَةَ وَيُثْبِتُ الْحِلَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا وُجِدَ فِيهَا دَلِيلٌ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ لَكِنَّهُ عَارَضَهُ مَانِعٌ فَأَوْرَثَ هَذَا الدَّلِيلُ شُبْهَةً فِي حِلِّ الْمَحِلِّ وَالْإِضَافَةُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى فِي. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ ثَبَتَ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَقِيقَةً لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحِلِّ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» يَقْتَضِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ اهـ أَيْ وَقَدْ عَارَضَهُ مَانِعٌ مَعَ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ حَقِيقَةً فَثَبَتَتْ الشُّبْهَةُ عَمَلًا بِاللَّامِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمِلْكِ) بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ، فَلَا يُنَافِي تَفْسِيرَهُ أَيْضًا بِالْمَوْطُوءَةِ فَافْهَمْ: أَيْ شُبْهَةِ كَوْنِ الْمَحِلِّ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ أَيْ كَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ (قَوْلُهُ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً) لِكَوْنِ الثَّابِتِ فِيهَا شُبْهَةَ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ.
(قَوْلُهُ أَيْ الثَّابِتَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ) بِنَصْبِ الثَّابِتِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ شُبْهَةً حُكْمِيَّةً، أَوْ يَجُرُّهُ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَضَمِيرُ حِلِّهِ لِلْمَحَلِّ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ، وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْ الثَّابِتَ شُبْهَةُ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِلِّ الْمَحِلِّ، فَأَسْقَطَ الشَّارِحُ لَفْظَ شُبْهَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ شُبْهَتُهُ يَعْنِي أَنَّهَا هِيَ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا شُبْهَةُ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ لَا حَقِيقَتِهِ، لِكَوْنِ دَلِيلِ الْحِلِّ عَارَضَهُ مَانِعٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَهُ حَيًّا) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ج.
وَتَمَامُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ثُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ اهـ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ إذَا كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ فِيهِ الْقِصَّةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ يَكُونُ الْخُلْعُ
وَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا نَهْرٌ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: الْكِنَايَاتُ رَوَاجِعُ (وَ) وَطْءِ (الْبَائِعُ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ وَالزَّوْجِ) الْأَمَةَ (الْمَمْهُورَةَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) لِمُشْتَرٍ وَزَوْجَةٍ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ (وَوَطْءِ الشَّرِيكِ) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ وَ) وَطْءِ (جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ) زَيْلَعِيٌّ (وَوَطْءِ جَارِيَةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ) بِدَارِنَا (أَوْ قَبْلَهُ) وَوَطْءِ جَارِيَتِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاَلَّتِي فِيهَا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي،
ــ
[رد المحتار]
خَلَا عَنْ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَكُونُ مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ الْآتِيَةِ، فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَدُّ إلَّا إذَا ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي كَوْنِهَا فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا، يَعْنِي بَائِنًا فَالْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ.
وَقَالَ يَنْبَغِي جَعْلُهَا مِنْ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ، هَذَا حَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ جَامِعِ النَّسَفِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَإِنْ عُلِمَ الْحُرْمَةُ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي كَوْنِهِ بَائِنًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخُلْعُ بِلَا مَالٍ، كَمَا أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِمَالٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا) أَيْ بِالْكِنَايَاتِ، فَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ،؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْمُخَالِفِ قَائِمٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَنَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقَالُ مُطَلَّقَةُ ثَلَاثٍ وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ الْمَمْهُورَةِ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا مَهْرًا لِزَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِمُشْتَرٍ وَزَوْجَةٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الزَّوْجِ وَتَعُودَانِ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ فَتَبْقَى الشُّبْهَةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَهُ وَكَذَا فِي الْفَاسِدِ وَلَوْ بَعْدَهُ: أَيْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ أَمَّا قَبْلَهُ فَبَقَاءُ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ وَطْءَ الْبَائِعُ فِي الْفَاسِدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا فِي شُبْهَتِهِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ الشَّرِيكِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرَ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْيُونِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ وَطْءِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، قَالَ ح: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ عَنْ الْغَايَةِ بَحْثًا عَدَمُ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغُنْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَصَارَ شُبْهَةً فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِطْلَاقُ هُنَا أَيْضًا تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَافِهًا مُبَاحًا كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ فَهَذَا لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنْ مُلِكَ وَسُرِقَ مِنْ حِرْزٍ، وَجَارِيَةُ الْمَغْنَمِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُقْطَعَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ، وَكَذَا لَوْ زَنَى بِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَتِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) هَذِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْفَتْحِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ وَطْئِهِ لَهَا خَوْفُ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَالْكَلَامُ فِي وَطْءٍ حَرَامٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَهَذِهِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَكَانَتْ كَوَطْءِ الزَّوْجَةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ وَالْمُحْرِمَةِ مِمَّا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا لِعَارِضِ الْأَذَى أَوْ إفْسَادِ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ مِلْكُ الْوَطْءِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاَلَّتِي فِيهَا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ
وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا وَزَوْجَةٌ حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ لِأُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لِأَنَّ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَتَبِّعِ، فَدَعْوَى الْحَصْرِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مَمْنُوعَةٌ.
(وَ) لَا حَدَّ أَيْضًا (بِشُبْهَةِ الْفِعْلِ) وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ: أَيْ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اشْتِبَاهٌ (وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ) الْعِبْرَةُ لِدَعْوَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ؛ وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَمْ يُحَدَّا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا بِعِلْمِهِمَا بِالْحُرْمَةِ نَهْرٌ (كَوَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَيَا شُمُنِّيٌّ
ــ
[رد المحتار]
إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَفَادَهُ ط. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ لَا يَذْكُرَ خِيَارَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا فِي شُبْهَتِهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ، فَكَانَ الْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فَافْهَمْ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) أَيْ وَوَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا.
قُلْت: وَمِثْلُهَا أَمَتُهُ الْمَجُوسِيَّةُ وَاَلَّتِي تَحْتَهُ أُخْتُهَا لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِيهِمَا أَيْضًا مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهُمَا غَيْرُ مُؤَبَّدَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يُحَرَّمْ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ الرِّدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا، أَمَّا الرِّدَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا، وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا فَلِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي تَحْتَهُ أُخْتُهَا (قَوْلُهُ فَدَعْوَى الْحَصْرِ) أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ.
مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْفِعْلِ) أَيْ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ حَيْثُ كَانَ مِمَّا قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ لَا فِي مَحِلِّهِ وَهُوَ الْمَوْطُوءَةُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحِلِّ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهَا إذْ لَمْ يَقُمْ فِيهِ دَلِيلُ مِلْكٍ عَارَضَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي حِلِّ الْمَحِلِّ شُبْهَةٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ أَيْ شُبْهَةً فِي حَقِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اشْتِبَاهٌ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ؛ لِأَنَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهَا تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذْ لَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ، بَلْ ظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يَظُنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ الْحِلَّ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةً أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ وَلَا حَدَّ إلَخْ فَنَفْيُ الْحَدِّ هُنَا مَشْرُوطٌ بِظَنِّ الْحِلِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا الظَّنَّ هُوَ الشُّبْهَةُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَائِمٍ تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّ الْحِلَّ شُبْهَةً أَصْلًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ جَاءَتْ مِنْ دَلِيلِ حِلِّ الْمَحِلِّ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ظَنِّ الْحِلِّ فَلِمَاذَا انْتَفَى الْحَدُّ فِيهِ سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ الْعِبْرَةُ لِدَعْوَى الظَّنِّ إلَخْ) أَيْ لَا لِلظَّنِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الظَّنُّ، وَلَا يُحَدُّ إنْ ادَّعَى وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ ابْنُ كَمَالٍ، وَفِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّنَّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ الْقَاضِي إلَّا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ، فَقَوْلُهُ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ: أَيْ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ ظَنَّ الْحِلَّ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَعْوَاهُ وَإِخْبَارِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا تَمَكَّنَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَتَعَدَّى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرُورَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَوَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِمْ وَاسْتِخْدَامِ جَوَارِيهِمْ، فَكَانَ مَظِنَّةَ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ، وَكَذَا بَقَاءُ أَثَرِ الْفِرَاشِ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا مَظِنَّةً لِتَوَهُّمِ حِلِّ وَطْئِهَا، وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ زَنَى بِامْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي
(وَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) وَلَوْ جُمْلَةً (وَأَمَةِ امْرَأَتِهِ وَأَمَةِ سَيِّدِهِ) وَوَطْءِ (الْمُرْتَهِنِ) الْأَمَةَ (الْمَرْهُونَةَ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْهِدَايَةِ: الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ كَالْمُرْتَهِنِ وَسَيَجِيءُ حُكْمُ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ كَالْمَرْهُونَةِ نَهْرٌ (وَ) مُعْتَدَّةِ (الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ) وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ بَدَائِعُ وَمُعْتَدَّةُ (الْإِعْتَاقِ وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (هِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَ) الْوَاطِئُ (إنْ ادَّعَى النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى) شُبْهَةِ الْمَحِلِّ (لَا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ بِالْكِنَايَاتِ إذْ لَوْ نَوَاهَا بِهَا كَانَ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ ولَوْ جُمْلَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ تَطْلِيقُهُ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ الْحَدُّ إلَّا إنْ ادَّعَى ظَنَّ الْحِلِّ وَكَذَا لَوْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَةً بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إذْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَاطِقٌ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي حِلِّ الْمَحِلِّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقَطْعِيِّ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَكِنْ يُشْكِلُ مَا فِي نِكَاحِ الْهِدَايَةِ.
مِنْ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ أَزَالَ حَقَّ الْحِلِّ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا. اهـ.
وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً، وَحَمَلَ عِبَارَةَ الْحُدُودِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا مُتَفَرِّقَةً؛ لِأَنَّ إيقَاعَهَا جُمْلَةً خَالَفَ فِيهِ الظَّاهِرِيَّةَ: أَيْ فَيَكُونُ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ فَلَا يُحَدُّ وَإِنْ اعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الدَّلِيلِ.
وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْخِلَافِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ، وَبِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعَارِضُ الْعِبَارَةَ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ بِلَفْظِ الْكِنَايَاتِ وَالْعِبَارَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ) أَيْ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ مَسَائِلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا حَدَّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وُجُوبَهُ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ.
مَطْلَبُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ بَابِهِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي بَابِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتِطْرَادٌ هَكَذَا كَانَ أَفَادَنِيهِ وَالِدِي فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمُخْتَارُ) وَفِي الْهِدَايَةِ: وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ لَهُ الْمِلْكُ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَيَصِيرُ بِهِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ لَكِنَّهُ بَعْدَ الْهَلَاكِ لَا يَمْلِكُ الْمُتْعَةَ أَيْ الْوَطْءَ، وَمُقْتَضَى هَذَا وُجُوبُ الْحَدِّ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ الَّذِي اسْتَعَارَ أَمَةً لِيَرْهَنَهَا لَا لِلتَّعْدِيَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى اسْتَعَارَ أَمَةً مَرْهُونَةً مِنْ الْمُرْتَهِنِ اهـ ح.
وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَا لِلتَّقْوِيَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ هُنَا مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، تَقُولُ أَنَا مُسْتَعِيرٌ فَرَسًا فَإِذَا قُلْت مُسْتَعِيرٌ لِلْفَرَسِ كَانَتْ زَائِدَةً لِتَقْوِيَةِ الْعَامِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91]- وَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ هُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ بِكَذَا ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَوَجَبَ مِثْلُ الدَّيْنِ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالرَّهْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحِلِّهِ، فَإِذَا غَرِمَ مِثْلَهُ لِلْمُعِيرِ صَارَ مَالِكًا لَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ) أَيْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ كَانَ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى) هَذَا فِي غَيْرِ الْجَدِّ إذَا وَطِيء جَارِيَةَ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنُهُ حَيٌّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَتَمَلَّكُهَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ
لِتَمَحُّضِهِ زِنًا (إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِشَرْطِهِ) بِأَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا لِأَكْثَرَ إلَّا بِدَعْوَةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ بِالْأَوْلَى نِهَايَةٌ (وَ) إلَّا (فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ زُفَّتْ) إلَيْهِ (وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ زَوْجَتُك وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ) مُعْتَمِدًا خَبَرَهُنَّ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالدَّعْوَةِ بَحْرٌ.
(وَ) لَا حَدَّ أَيْضًا (بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (كَوَطْءِ مَحْرَمٍ نَكَحَهَا)
ــ
[رد المحتار]
فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَى الْجَدِّ، نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ عَتَقَ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ عَمُّهُ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ غَلَطٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِتَمَحُّضِهِ زِنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ مِلْكٍ فِيهِ بَلْ سَقَطَ الْحَدُّ لِظَنِّهِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْوَطْءِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَأَنَّ الْمَحِلَّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِهَذَا الْوَطْءِ وَلِذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِشَرْطِ الثُّبُوتِ، وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِأَنْ تَلِدَ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِشَرْطِهِ.
قَالَ ح: وَيُحْمَلُ عَلَى وَطْءٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ. لَا نَقُولُ إنَّهُ انْعَقَدَ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ الْحَرَامِ حَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَلَالِ (قَوْلُهُ لَا لِأَكْثَرَ) وَمِثْلُ الْأَكْثَرِ تَمَامُ السَّنَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بَعْدَ سَنَتَيْنِ إلَّا بِدَعْوَةٍ ح.
قُلْت: وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ يَثْبُتُ النَّسَبُ سَوَاءٌ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِأَكْثَرَ وَإِنْ لَزِمَ الْوَطْءُ فِي الْعِدَّةِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بِدُونِ الدَّعْوَى فَلَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَاقِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطِهِ لَا مَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى النَّسَبَ وَفِيهِ يَثْبُتُ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت، وَهُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثِ ط فَإِنَّ حُرْمَةَ الثَّلَاثِ تُزِيلُ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ وَلِذَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَاجٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ أَوَّلًا، وَقِيلَ إنَّهَا شُبْهَةُ مَحِلٍّ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلًا أَنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ لِقَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلِذَا حَلَّ وَطْءُ مَنْ قَالَتْ أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ هَدِيَّةً إلَيْك، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ اهـ مُلَخَّصًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ النِّسَاءُ) الْجَمْعُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالدَّعْوَةِ بَحْرٌ) لَفْظُ بِالدَّعْوَةِ إلَخْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فِيهِ.
مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ) أَيْ مَا وُجِدَ فِيهِ الْعَقْدُ صُورَةً لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ كَمَا مَرَّ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَخَرَجَ مَا وُجِدَ فِيهِ الْعَقْدُ حَقِيقَةً، وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ آخَرَ فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ نَحْوَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ الْفَرْضِ وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى مِنْهَا فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ لِكَوْنِ أُخْتِهَا مَثَلًا فِي نِكَاحِهِ أَوْ هِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُرْتَدَّةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. اهـ.
(قَوْلُهُ كَوَطْءِ مُحَرَّمٍ نَكَحَهَا) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّمِ فَشَمِلَ الْمُحَرَّمَ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَصِهْرِيَّةً، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ أَوْ مُطَلَّقَتِهِ الثَّلَاثِ أَوْ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بَحْرٌ.
وَقَالَا إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ حُدَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خُلَاصَةٌ، لَكِنْ الْمُرَجَّحُ فِي جَمِيعِ الشُّرُوحِ قَوْلُ الْإِمَامِ فَكَانَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ أَوْلَى قَالَهُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى، وَحَرَّرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا مَرَّ (أَوْ) وَطْءٌ فِي (نِكَاحٍ بِغَيْرِ شُهُودٍ) لَا حَدَّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى: تَزَوَّجَ بِمُحَرَّمَةٍ أَوْ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ وَوَطِئَهَا ظَانًّا الْحِلَّ لَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ وَإِنْ ظَانًّا الْحُرْمَةَ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ عَلَى نَقْلِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ كَابْنِ الْمُنْذِرِ ذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَجُوسِيَّةٍ وَخَامِسَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيُوجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَا: إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ اهـ فَعَمَّمَ فِي الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ خَصَّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِذَوَاتِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) مَدَارُ الْخِلَافِ عَلَى ثُبُوتِ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ لِلْمَحَارِمِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَهُ هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا مَحِلٌّ لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ لِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ مِنْ التَّوَالُدِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَنَفَيَاهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ فَلَمْ يُورِثْ شُبْهَةً وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْر (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ حُدَّ) أَمَّا إنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ ويُعَزَّرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
مَطْلَبٌ إذَا اسْتَحَلَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يُكَفَّرُ كَمَا لَوْ ظَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ وَعُلِمَ مِنْ مَسَائِلِهِمْ هُنَا أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يُكَفَّرُ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ إذَا اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ ظَنَّ الْغَيْبِ جَائِزٌ كَظَنِّ الْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِتَجْرِبَةِ أَمْرٍ عَادِيٍّ فَهُوَ ظَنٌّ صَادِقٌ وَالْمَمْنُوعُ ادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ادِّعَاءَ ظَنِّ الْغَيْبِ حَرَامٌ لَا كُفْرٌ، بِخِلَافِ ادِّعَاءِ الْعِلْمِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الرِّدَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الشُّرُوحِ فَإِنَّ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ الشُّرُوحِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ بِمُحَرَّمَةٍ يُحَدُّ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. عَلَى أَنَّ مَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ وَجَّهَهُ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَالنَّسَبُ، ثُمَّ دُفِعَ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ وُجُوبَهُمَا، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ وُجُوبِهِمَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فَالشُّبْهَةُ لَا تَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، فَلَا ثُبُوتَ لِمَا لَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فِي الْمَحَارِمِ لِكَوْنِهِ زِنًا مَحْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ الدَّارِئَةِ لِلْحَدِّ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَرْجِيحًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَحَرَّرَ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) صَوَابُهُ فِي النَّهْرِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا: يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شُبْهَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ حُكْمِيَّةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحِلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَلَى مَا مَرَّ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ، قُلْت: وَفِي هَذِهِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ الشُّبْهَةِ حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ظَانًّا الْحِلَّ) أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَهُ يَكْفُرُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيُعَزَّرُ) أَيْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَيَّدَ الْعُقُوبَةَ بِمَا إذَا عَلِمَ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ.
وَفِي الْفَتْحِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَكِنْ
فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. فَظَهَرَ أَنَّ تَقْسِيمَهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قَوْلُ الْإِمَامِ
(وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ) وَسَائِرُ مَحَارِمِهِ سِوَى الْوِلَادِ لِعَدَمِ الْبُسُوطَةِ
(وَ) بِوَطْءِ (امْرَأَةٍ وُجِدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ) فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (وَلَوْ هُوَ أَعْمَى) لِتَمْيِيزِهِ بِالسُّؤَالِ إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ قَائِلَةً أَنَا زَوْجَتُك أَوْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، حَتَّى لَوْ أَجَابَتْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ بِنَعَمْ حُدَّ
(وَذِمِّيَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ حُدَّ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ) مُسْتَأْمَنٌ (وَ) حُدَّ ذِمِّيٌّ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ (لَا) يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ فِي الْأُولَى (وَالْحَرْبِيَّةُ) فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْحُدُودُ كُلُّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ.
ــ
[رد المحتار]
يَجِبُ الْحَدُّ. وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ أَشَدِّ مَا يَكُونُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَيْثُ جَهِلَ أَمْرًا لَا يَخْفَى عَادَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ تَقْسِيمَهَا إلَخْ) إنْ أَرَادَ التَّقْسِيمَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَهِيَ اثْنَانِ عِنْدَ الْكُلِّ، غَايَتُهُ أَنَّ حُكْمَ شُبْهَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ حُكْمُ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ.
وَعِنْدَهُمَا حُكْمُ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّقْسِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ فَهِيَ اثْنَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْعَقْدِ مِنْهَا مَا هُوَ شُبْهَةُ الْفِعْلِ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شُبْهَةُ الْمَحِلِّ كَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ اهـ ح
(قَوْلُهُ وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ انْبِسَاطِ كُلٍّ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَدَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ) بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وِلَادًا وَوِلَادَةً أَيْ سِوَى قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ: أَيْ قَرَابَةِ الْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ فَلَا حَدَّ فِيهَا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ فِي قَرَابَةِ الْأُصُولِ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وُجِدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ) يَعْنِي فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٍ فَيُعْلَمُ حُكْمُ النَّهَارِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إلَّا إذَا دَعَاهَا) يَعْنِي الْأَعْمَى بِخِلَافِ الْبَصِيرِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ أَيْضًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْمُنْتَقَى وَالْأَصْلِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَغَشِيَهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ.
وَفِي الْحَاوِي: وَعَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ وَجَدَ فِي حَجَلَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي، إنْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا لَا يُحَدُّ، وَعَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِرِوَايَةِ زُفَرَ يُؤْخَذُ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَعْمَى لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا
(قَوْلُهُ وَجَازَ) أَيْ الْعَطْفُ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَّصِلِ (قَوْلُهُ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَعِنْدَهُ يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنَةٍ كَقَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحَدُّ نَهْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ إمَّا مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ أَوْ مُسْتَأْمَنَانِ، أَوْ الرَّجُلُ مُسْلِمٌ وَالْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةٌ، أَوْ مُسْتَأْمَنَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الرَّجُلُ ذِمِّيٌّ وَالْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَهِيَ تِسْعُ صُوَرٍ. وَالْحَدُّ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: إذَا كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.
(وَ) لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ (بَهِيمَةٍ) بَلْ يُعَزَّرُ وَتُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ، وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً مُجْتَبَى. وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ نَدْبًا لِقَوْلِهِمْ تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ
(وَ) لَا يُحَدُّ (بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ، وَقِيلَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ كَافٍ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي وَطْءِ الدَّابَّةِ (قَوْلُهُ وَتُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ) أَيْ لِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ بِهِ كُلَّمَا رُئِيَتْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ، فَإِنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ جَازَ أَكْلُهَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: تُحْرَقُ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تُذْبَحُ، هَكَذَا قَالُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ نَدْبًا إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُمْ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَاطِئِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ.
وَعِبَارَةُ النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ قِرْدًا مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا كَانَ حُكْمُهَا كَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ جَوْهَرَةٌ أَيْ فِي أَنَّهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا بَلْ تُعَزَّرُ. وَهَلْ يُذْبَحُ الْقِرْدُ أَيْضًا؟ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ نَعَمْ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَافٍ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَمَقُولِهِ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدَ هِيَ عِرْسُك لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّهَا مَقُولَةُ الْقَوْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ بِقِيلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْقُدُورِيِّ بِقُلْنَ.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ وَطِئَ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الزِّفَافِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ لَيْلَةَ عُرْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَقُلْ لَهُ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ إنَّهَا زَوْجَتُك، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْثِيمُ الْأُمَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِدُونِ إخْبَارٍ وَلَا سِيَّمَا إذْ أَحْضَرَهَا النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ إلَى بَيْتِهِ وَجُلِيَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ غَلَطِ النِّسَاءِ فِيهَا وَأَنَّهَا غَيْرُهَا أَبْعَدُ مَا يَكُونُ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فُرِضَ الْغَلَطُ وَقَدْ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَدٌ إنَّهَا زَوْجَتُك فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَيْضًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ عَلَى أُمِّهِ أَوْ بِنْتِهِ وَظَنُّهُ حِلَّهَا لَهُ، وَأَقْوَى مِنْ ظَنِّهِ حِلَّ أَمَةِ أَبَوَيْهِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا مَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلًا عَلَى مَا صَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ.
وَرَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَوَطِئَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ غَيْرُ شَرْطٍ. وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ فَزُفَّتْ إلَيْهِ أُخْرَى فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ. رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ حَسِبْتهَا امْرَأَتِي قَالَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْأُولَى؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ جَاءَتْ هَذِهِ الَّتِي فَجَرَ بِهَا بِوَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ اهـ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ الزِّفَافِ شُبْهَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ بِدُونِ إخْبَارٍ، فَهَذَا نَصُّ الْكَافِي، وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عُرْسٍ تَجْتَمِعُ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ مِنْ إرْسَالِ مَنْ تَأْتِي بِهَا إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الْإِخْبَارِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهَا وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا هِيَ فَوَطِئَهَا فَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحَدُّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى