المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْجِهَادِ ــ ‌ ‌[رد المحتار] كَتَائِبِ الْجُيُوشِ بِآرَائِهِ السَّدِيدَةِ، وَرَفَعَ أَفْئِدَةَ الْأَكَاسِرَةِ - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٤

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِمْنَاءُ]

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ

- ‌[فَرْعٌ]سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فَرْعٌ]عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌[فَرْعٌ] مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا

- ‌[فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فُرُوعٌ]سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌كِتَابُ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ

- ‌فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ

- ‌[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا]

- ‌بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ]

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي تَصْرِف اللَّقِيط]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[فُرُوعٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ نِثَارِ السُّكْرِ فِي الْعُرْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ فِي الْجِدَارِ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ]

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌[فَرْعٌ] أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الشَّرِكَة]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ

- ‌[فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌[فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى]

- ‌[فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ

- ‌[مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ]

- ‌[مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْبَيْع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ سَبْعَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ]

- ‌[فُرُوعٌ] بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا]

- ‌[فَرْعٌ] ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ]

- ‌فُرُوعٌ] بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌[فَرْعٌ] وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فُرُوعٌ بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا]

- ‌بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْجِهَادِ ــ ‌ ‌[رد المحتار] كَتَائِبِ الْجُيُوشِ بِآرَائِهِ السَّدِيدَةِ، وَرَفَعَ أَفْئِدَةَ الْأَكَاسِرَةِ

‌كِتَابُ الْجِهَادِ

ــ

[رد المحتار]

كَتَائِبِ الْجُيُوشِ بِآرَائِهِ السَّدِيدَةِ، وَرَفَعَ أَفْئِدَةَ الْأَكَاسِرَةِ الْقَيَاصِرَةِ بِقُوَّةِ بَطْشَتِهِ الشَّدِيدَةِ.

يَكَادُ سَنَا بَرْقِ طَلْعَتِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ، وَغُصْنُ رَأْفَتِهِ يَمِيسُ لِينًا كَمَيْسِ الْأَغْصَانِ ذَاتِ الْأَزْهَارِ، وَتَكَادُ صَوَاعِقُ سَطْوَتِهِ تُزِيحُ صُمَّ الْجِبَالِ، وَمَوَاكِبُ كَتَائِبِ حَوْزَتِهِ تُفْتِي عَدَدَ الرِّمَالِ، مَنْ أَنَامَ الْأَنَامَ فِي أَيَّامِهِ فِي ظِلِّ الْأَمَانِ، وَرَعَى الرَّعِيَّةَ فِي مَرَاعِي الرِّعَايَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَنَارَ بِنَوَارِ رِيَاضِ أَمْنِهِ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ فَضَاءَ فَضَاءَ صُدُورِهِمْ بِنُورِ الْيَقِينِ، وَأَزَاحَ غُيُومَ غُمُومِهِمْ بِرَدْعِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَاحَ فَلَاحُ قُلُوبِهِمْ لِأَعْيُنِ النَّاظِرِينَ، رَاحَ وَرَاحُ غَفَلَاتِهِمْ بِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ، فَصَاحَ فَصَاحُ أَلْسِنَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ كُلَّ حِينٍ:

خَلِيفَةٌ خَلَفَتْ أَنْوَارُ غُرَّتِهِ

شَمْسَ الضُّحَى وَنَدَاهُ يُخْلِفُ الدِّيَمَا

سَالَتْ فَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَفِي نِعَمًا

صَالَتْ نَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَدِي نِقَمَا

السُّلْطَانُ الْأَعْظَمُ، وَالْخَاقَانُ الْأَفْخَمُ، تَاجُ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لِلْأُمَمِ، مَحْمُودُ الذَّاتِ، مَمْدُوحُ الصِّفَاتِ، لَا زَالَتْ دَعَائِمُ سَلْطَنَتِهِ قَائِمَةً، وَعُيُونُ الْحَوَادِثِ عَنْهَا نَائِمَةً، وَلَا بَرِحَتْ رِيَاضُ عِزَّتِهِ مُخْضَرَّةً بِدِيَمِ الدَّيْمُومَةِ وَالْأُبُودِ، وَرَيَاحِينُ ذُرِّيَّتِهِ رَيَّانَةً بِطَلَاوَةِ التَّأْبِيدِ وَالْخُلُودِ، وَلَا زَالَتْ أَعْيَانُ دَوْلَتِهِ مِنْ عُلَمَائِهِ وَقُضَاتِهِ وَوُزَرَائِهِ، يُزِيلُ نِبْرَاسُ آرَائِهِمْ دُجَى الْجَوْرِ بِسَنَاهُ وَسَنَائِهِ، وَلَا فَتِئَتْ نُجُومُ جُنُودِهِ السَّاطِعَةُ فِي أَفْلَاكِ سَمَائِهِ، شُهُبًا ثَوَاقِبَ عَلَى مَرَدَةِ أَعْدَائِهِ، آمِينَ آمِينَ آمِينَ.

وَهَذَا، وَقَدْ نُجِّزَ هَذَا السِّفْرُ الْمُسَفَّرُ، عَنْ رَوْضٍ أَرِيضٍ مُزْهِرٍ، مُقَابَلَةً وَتَصْحِيحًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، سِوَى مَا شَذَّ بِعُرُوضِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ، لَا تَخْلُو عَنْهُ جِبِلَّةُ الْإِنْسَانِ، وَذَلِكَ بِرَسْمِ مَنْ أَمَرَ بِاسْتِكْتَابِهِ، رَغْبَةً فِي نَيْلِ رِضَا مَوْلَاهُ وَثَوَابِهِ الْإِمَامُ الْهُمَامُ، عَلِيُّ الْقَدْرِ وَالْمَقَامِ، مَنْ امْتَطَى الْجَوْزَاءَ بِزِمَامٍ وَصَالَ فِي مَوَاكِبِ الْعِزِّ وَحَامَ، وَاشْتَهَرَ اشْتِهَارَ الْبَدْرِ فِي الظَّلَامِ، قَاضِي قُضَاةِ الْإِسْلَامِ، مُنَفِّذِ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ بِالْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، ذِي الْخَيْرَاتِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَآثِرِ الْفَرِيدَةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، مَوْلَانَا عَبْدُ الْحَمِيدِ أَفَنْدِي كَجّه جى زَادَهْ الْقَاضِي سَابِقًا بِدِمَشْقَ الشَّامِ، دَامَ فِي عِزٍّ وَإِنْعَامٍ، وَمَجْدٍ وَاحْتِرَامٍ، بِجَاهِ مَنْ هُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ خِتَامٌ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ السَّادَةِ الْكِرَامِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ. وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ.

[كِتَابُ الْجِهَادِ]

ِ هَذَا الْكِتَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَالْمَغَازِي فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ، فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ، وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ وَقَالُوا السِّيَرُ الْكَبِيرُ، فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطَأٌ كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعِ الْكَبِيرِ بَحْرٌ.

مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ

قُلْت: وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ وَالسِّيَرُ الصَّغِيرُ كِتَابَانِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ سِيرَةٍ لَا عَلَى صِيغَةِ الْمُفْرَدِ. هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، كَيْفَ وَحَاصِلُهُ بَذْلُ أَعَزِّ الْمَحْبُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْسُ وَإِدْخَالُ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَقُّ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمُجَانَبَةُ هَوَاهَا وَلِذَا «قَالَ صلى الله عليه وسلم -

ص: 119

أَوْرَدَهُ بَعْدَ الْحُدُودِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَوَجْهُ التَّرَقِّي غَيْرُ خَفِيٍّ.

ــ

[رد المحتار]

وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غَزَاةٍ رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فِي حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَاءَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مُرَادَةً بِلَفْظِ الْإِيمَانِ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ إلَّا لِلْإِيمَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ مَعَ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَتْحِ.

مَطْلَبٌ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ قُلْت: وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا الْفَرَائِضَ» يُرِيدُ بِهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي تَثْبُتُ فَرِيضَتُهَا عَيْنًا وَهِيَ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ آكَدِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، فَلِهَذَا اسْتَثْنَى الْفَرَائِضَ.

مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الشَّهَادَةِ مَظَالِمَ الْعِبَادِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ تُكَفَّرُ خَطَايَاهُ إلَّا الدَّيْنَ وَقَالَ إذَا كَانَ مُحْتَسِبًا صَابِرًا مُقْبِلًا قَالَ: وَفِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ الْأَمْرِ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِدَانَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنْ قَضَائِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَدْيُونٍ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَهُوَ عَلَيَّ» وَوَرَدَ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأُمَّتِهِ بِعَرَفَاتٍ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا الْمَظَالِمَ ثُمَّ دَعَا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى الْمَظَالِمِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُخْبِرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْضِي عَنْ بَعْضِهِمْ حَقَّ الْبَعْضِ» فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ الْمَدْيُونِ.

مَطْلَبٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَا أَجْرَ لَهُ» الْحَدِيثَ. قَالَ: ثُمَّ تَأْوِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِهَادَ وَمُرَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَالُ، فَهَذَا كَانَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا أَجْرَ لَهُ، أَوْ يَكُونَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْمَالَ وَفِي مِثْلِهِ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْجِهَادِ بِدِينَارَيْنِ إنَّمَا لَك دِينَارَاكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْجِهَادَ، وَيَرْغَبُ مَعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]- يَعْنِي التِّجَارَةَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ ثَوَابَ الْحَجِّ فَكَذَا الْجِهَادُ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْفَسَادِ ح (قَوْلُهُ وَوَجْهُ التَّرَقِّي) أَيْ مِنْ الْحُدُودِ إلَى الْجِهَادِ (قَوْلُهُ غَيْرُ خَفِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ

ص: 120

وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَشَرْعًا: الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ شُمُنِّيٌّ. وَعَرَّفَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُبَاشَرَةً أَوْ مُعَاوَنَةً بِمَالٍ، أَوْ رَأْيٍ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. .

وَمِنْ تَوَابِعِهِ: الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان لَيْسَ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّ " أَنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَدِرْهَمَهُ بِسَبْعِمِائَةٍ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ

ــ

[رد المحتار]

إخْلَاءٌ عَنْ الْفِسْقِ وَالْجِهَادَ إخْلَاءٌ عَنْ الْكُفْرِ ح (قَوْلُهُ مَصْدَرُ جَاهَدَ) أَيْ بَذَلَ وُسْعَهُ وَهَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الْمُجَاهِدَ بِكُلِّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ح.

قُلْت: فَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مَعْنَاهُ لُغَةً بَلْ بَيَّنَ تَصْرِيفَهُ (قَوْلُهُ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ قِتَالُهُ مُبَاشَرَةً أَوْ لَا فَتَعْرِيفُ ابْنِ كَمَالٍ تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالِ هَذَا ح (قَوْلُهُ فِي الْقِتَالِ) أَيْ فِي أَسْبَابِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَهَدْمٍ وَحَرْقٍ وَقَطْعِ أَشْجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ مُعَاوَنَةً إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ) السَّوَادُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَسَوَادُ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَتُهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَتَهْيِئَةِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ ط.

مَطْلَبٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ

(قَوْلُهُ وَمِنْ تَوَابِعِهِ الرِّبَاطُ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَالْمُرَابَطَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْمَقَامِ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَدَفْعِ شَرِّ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ رَبَطَ الْخَيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]- وَالْمُسْلِمُ يَرْبِطُ خَيْلَهُ حَيْثُ يَسْكُنُ مِنْ الثَّغْرِ لِيُرْهِبَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ عَدُوُّهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ مُرَابِطَةً اهـ وَاشْتَرَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَطَنَهُ وَيَنْوِي بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ مَأْذُونَهُ لَوْ كَانَ رَابِطًا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُرَابِطُونَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ كَانَ الثَّغْرُ الْمُقَابِلُ لِلْعَدُوِّ لَا تَحْصُلُ بِهِ كِفَايَةُ الدَّفْعِ إلَّا بِثَغْرٍ وَرَاءَهُ فَهُمَا رِبَاطٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ إلَخْ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِ ثِقَاتٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ وَنَفَقَتَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ» ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ: «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ» نَمَّى لَهُ عَمَلَهُ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]- وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَابِطِ إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا فِيمَا يُجْرَى لَهُ مِنْ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ اسْتِدَامَةُ الرِّبَاطِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ. اهـ.

ص: 121

وَأَمِنَ الْفَتَّانَ وَبُعِثَ شَهِيدًا آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ " وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ

(هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كُلُّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ،

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِجْرَاءِ الْعَمَلِ دَوَامُ ثَوَابِ الرِّبَاطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ «وَمَنْ قُتِلَ مُجَاهِدًا أَوْ مَاتَ مُرَابِطًا فَحَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَحَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَحَتَّى يَشْفَعَ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيُجْرَى لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يَكُونُ حَيًّا فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى إجْرَاءِ رِزْقِهِ عَلَيْهِ.

مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ [تَنْبِيهٌ] قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى قَدْ نَظَمَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْحَنْبَلِيُّ الْمُحَدِّثُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَصْلِهَا لِلْحَافِظِ الْأَسْيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ:

إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ جَاءَ يَجْرِي

عَلَيْهِ الْأَجْرُ عُدَّ ثَلَاثَ عَشَرَ

عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ

وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي

وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ

وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ

وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي

إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ

وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ

شَهِيدٌ لِلْقِتَالِ لِأَجْلِ بِرِّ

كَذَا مَنْ سَنَّ صَالِحَةً لِيُقْفَى

فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثَ بِشَعْرِ

مَطْلَبٌ الْمُرَابِطُ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ كَالشَّهِيدِ (قَوْلُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) ضُبِطَ أَمِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بِلَا وَاوٍ وَأُومِنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِزِيَادَةِ وَاوٍ وَضُبِطَ الْفَتَّانُ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ فَتَّانُ الْقَبْرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ «وَأَمِنَ مِنْ فَتَّانَيْ الْقَبْرِ» وَبِضَمِّهَا جَمْعُ فَاتِنٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَتَكُونُ لِلْجِنْسِ أَيْ كُلِّ ذِي فِتْنَةٍ.

قُلْت: أَوْ الْمُرَادُ فَتَّانُ الْقَبْرِ مِنْ إطْلَاقِ صِفَةِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ فَتَّانَ الْقَبْرِ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَابِطَ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ عَلْقَمِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

(قَوْلُهُ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا هُوَ الصَّحِيحُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَعَلَى الرَّعِيَّةِ إعَانَتُهُ إلَّا إذَا أَخَذَ الْخَرَاجَ فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ كَانَ كُلُّ الْإِثْمِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُكَافِئُهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُبَاحُ قِتَالُهُمْ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ) هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ مَعَهُ مَفْرُوضٌ لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ نَهْرٌ.

قُلْت: يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ الْعَدُوِّ فَمَنْ كَانَ بِحِذَاءِ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مُدَافَعَتُهُ يُفْتَرَضُ عَيْنًا عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ، وَهَكَذَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ هُجُومِ الْعَدُوِّ أَوْ عِنْدَ خَوْفِ هُجُومِهِ وَكُلًّا مِنَّا فِي فَرِيضَتِهِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ إلَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ

ص: 122

وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ لِكَثْرَتِهِ (ابْتِدَاءً) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَتَحْرِيمُهُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ كَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5](إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً (سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا) يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ فِي زَمَنٍ مَا (أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ أَثِمَ الْكُلُّ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ،

ــ

[رد المحتار]

تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَيْنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ) أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ ابْتِدَاءً، وَعَلَى عَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ نَزَلَ مُرَتَّبًا فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم مَأْمُورًا أَوَّلًا بِالتَّبْلِيغِ، وَالْإِعْرَاضِ: - {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]- ثُمَّ بِالْمُجَادَلَةِ بِالْأَحْسَنِ - {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125] الْآيَةَ - ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: 39]- الْآيَةَ، ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ إنْ قَاتَلُوهُمْ - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ بِشَرْطِ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ - {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ مُطْلَقًا - {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] الْآيَةَ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا سَرَخْسِيٌّ مُلَخَّصًا يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، سِوَى الْحَرَمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: سِوَى الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ لِلْقِتَالِ فَلَوْ دَخَلُوهُ لِلْقِتَالِ حَلَّ قِتَالُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَ التَّفْسِيرِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَتْحٌ.

مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي فِيهِ إقَامَةُ الْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَرَدِّ السَّلَامِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إقَامَتُهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ مِنْ كُلِّ ذَاتٍ مُكَلَّفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِهِ أَكْثَرُ ثُمَّ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَالِمِينَ بِهِ سَوَاءٌ كَانُوا كُلَّ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَمَغْرِبًا أَوْ بَعْضَهُمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَالِمِينَ بِهِ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ فَرْضٌ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ، لَكَانَ الْآثِمُ بَعْضًا مُبْهَمًا، وَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، وَبِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ فَعَلُوا سَقَطَ الْوَاجِبُ عَنْ الْكُلِّ؛ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ أَحَدٌ وَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ ظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَتَى بِهِ وَظَنَّ آخَرُونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ مَا أَتَى بِهِ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا مَنُوطٌ بِظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي حَيِّزِ التَّعَسُّرِ، فَالتَّكْلِيفُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَتَمَامُهُ فِي مَنَاهِجِ الْعُقُولِ وَإِلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ وَمَا فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ لِلْفَاضِلِ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَمُخَالِفٌ لِلْمُتَدَاوَلَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي زَمَنٍ مَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ فِي أَيِّ زَمَنٍ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي فِعْلُهُ فِي سَنَةٍ عَنْ سَنَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ الْعَالِمِينَ بِهِ كَمَا مَرَّ وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ مُسَافِرِينَ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنَّمَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كِفَايَةً عَلَى بَاقِي رُفَقَائِهِ

ص: 123

وَإِيَّاكَ أَنْ تَتَوَهَّمَ أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ تَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْهِنْدِ بِقِيَامِ أَهْلِ الرُّومِ مَثَلًا بَلْ يُفْرَضُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ فَلَوْ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِكُلِّ النَّاسِ فُرِضَ عَيْنًا كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَمِثْلُهُ الْجِنَازَةُ وَالتَّجْهِيزُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ

(لَا) يُفْرَضُ (عَلَى صَبِيٍّ) وَبَالِغٍ لَهُ أَبَوَانِ

ــ

[رد المحتار]

الْعَالِمِينَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِيَّاكَ إلَخْ) كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ بِقِيَامِ أَهْلِ الرُّومِ مَثَلًا) إذْ لَا يَنْدَفِعُ بِقِتَالِهِمْ الشَّرُّ عَنْ الْهُنُودِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى - {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]- يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ قُطْرٍ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ - وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَلِي الْكُفَّارَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِقِيَامِ الرُّومِ عَنْ أَهْلِ الْهِنْدِ، وَأَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَثَلًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْلِيَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ غَنَاءٌ وَكِفَايَةٌ، لِقِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَامُوا بِهِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكَفَرَةِ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ، وَأَنْ يُمِدُّوهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا إنَّهُ فَرْضٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، وَلَكِنْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالْبَعْضِ فَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَا يَسْقُطُ اهـ.

قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ خِيفَ هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ فُرِضَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حِفْظُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ إعَانَتُهُمْ إلَى حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِمُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا وَهِيَ قِتَالُنَا لَهُمْ ابْتِدَاءً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ يُفْرَضُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَخْ) أَيْ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ عَيْنًا وَقَدْ يُقَالُ كِفَايَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ الْأَبْعَدُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَيَسْقُطُ عَنْ الْأَقْرَبِ، لَكِنْ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ فِيمَا لَوْ هَجَمَ الْعَدُوُّ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ، فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْجِهَادَ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمْ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا عَنْهَا، لَكِنَّهُمْ تَكَاسَلُوا وَلَمْ يُجَاهِدُوا فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ فَعَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ أَنْ يَقُومُوا بِأَسْبَابِهِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ كَانَ بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ يُضَيِّعُونَ حُقُوقَهُ أَوْ يَعْجِزُونَ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ كَذَا هُنَا اهـ.

مَطْلَبٌ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ (قَوْلُهُ لَا يُفْرَضُ عَلَى صَبِيٍّ) فِي الذَّخِيرَةِ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِ بِالْقِتَالِ، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَقَالَ السَّعْدِيُّ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَافَ قَتْلَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَبَالِغٍ لَهُ أَبَوَانِ) مُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَا يَأْثَمَانِ فِي مَنْعِهِ وَإِلَّا لَكَانَ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُبْطِلَ عَنْهُمَا الْإِثْمَ، مَعَ أَنَّهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ مَنْعِهِ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَشَمِلَ الْكَافِرَيْنِ أَيْضًا أَوْ أَحَدَهُمَا إذَا كَرِهَ خُرُوجَهُ مَخَافَةً وَمَشَقَّةً وَإِلَّا بَلْ لِكَرَاهَةِ قِتَالِ أَهْلِ دِينِهِ، فَلَا يُطِيعُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ فُرِضَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا وَلَيْسَ مِنْ الصَّوَابِ تَرْكُ فَرْضِ عَيْنٍ

ص: 124

أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ لَمَّا أَرَادَ الْجِهَادَ الْزَمْ أُمَّكَ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّكَ» سِرَاجٌ وَفِيهِ لَا يَحِلُّ سَفَرٌ فِيهِ خَطَرٌ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَمَا لَا خَطَرَ فِيهِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ

(وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ) لِحَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَمُفَادُهُ وُجُوبُهُ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِهِ فَتْحٌ. وَعَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ نَهْرٌ.

قُلْت: تَعْلِيلُ الشُّمُنِّيِّ بِضَعْفِ بُنْيَتِهَا يُفِيدُ خِلَافَهُ وَفِي الْبَحْرِ: إنَّمَا يَلْزَمُهَا أَمْرُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ

ــ

[رد المحتار]

لِيُتَوَصَّلَ إلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ وَلَوْ مَاتَ أَبَوَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَجَدَّتُهُ لِأُمِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ: أَيْ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِ لِقِيَامِ أَبٍ الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالْآخَرَانِ كَبَاقِي الْأَجَانِبِ إلَّا إذَا عُدِمَ الْأَوَّلَانِ: فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَوْ لَهُ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ، فَالْإِذْنُ لِأُمِّ الْأُمِّ بِدَلِيلِ تَقَدُّمِهَا فِي الْحَضَانَةِ وَلِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَأُمُّ أَبٍ لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِلَا إذْنِهِمْ إلَّا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَخَافَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَأُخِذَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِمَا، وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ إنَّهُ يَحْرُمُ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحِ أَيْ أَنَّ الْأَقْوَى مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِقُوَّتِهِ وَرُجْحَانِهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَرْضٌ كَانَ خِلَافُهُ حَرَامًا، وَلِذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَقْوَى. نَعَمْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْهُ فِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا (قَوْلُهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَالِدَيْنِ، وَقَدَّمْنَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ بِرِّهِمَا عَلَى الْجِهَادِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجِهَادِ قَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: وَذُكِرَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ أَلَك أُمٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْزَمْ أُمَّك» إلَخْ (قَوْلُهُ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّك) هُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَقْبِيلُ رِجْلِهَا أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّوَاضُعِ لَهَا وَأُطْلِقَتْ الْجَنَّةُ عَلَى سَبَبِ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ فِيهِ خَطَرٌ) كَالْجِهَادِ وَسَفَرِ الْبَحْرِ وَالْخَطَرُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَمَا فِي ط عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَمَا لَا خَطَرَ) كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةُ سَرَخْسِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ سَرَخْسِيٌّ

(قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِكَوْنِهِ حَقَّ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ أَيْ حَقَّ مَخْلُوقٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْخَالِقِ لِاحْتِيَاجِ الْمَخْلُوقِ وَاسْتِغْنَاءِ الْخَالِقِ تَعَالَى يُفِيدُ وُجُوبَهُ كِفَايَةً عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا بِهِ الزَّوْجُ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ حَقِّ الْخَالِقِ تَعَالَى وَكَذَا غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ مَوْلَاهُ لَكِنْ سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِ بُنْيَتِهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ: وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهَا فَرْضُهُ؛ وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ فَلَا يَخُصُّ الْمُزَوَّجَةَ كَمَا ظَنَّ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ بِإِذْنِهِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) مُرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مُنَاقَشَةُ الْفَتْحِ فِي دَعْوَاهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا بِسَبَبِ

ص: 125

(وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) أَيْ أَعْرَجَ فَتْحٌ (وَأَقْطَعَ) لِعَجْزِهِمْ (وَمَدْيُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) بَلْ وَكَفِيلِهِ أَيْضًا لَوْ بِأَمْرِهِ تَجْنِيسٌ، وَلَوْ بِالنَّفْسِ نَهْرٌ. وَهَذَا فِي الْحَالِ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَهُ الْخُرُوجُ إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ ذَخِيرَةٌ (وَعَالِمٍ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَفْقَهُ مِنْهُ) فَلَيْسَ لَهُ الْغَزْوُ خَوْفَ ضَيَاعِهِمْ سِرَاجِيَّةٌ، وَعَمَّمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ السَّفَرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُفِيدُ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى

(وَفَرْضُ عَيْنٍ

ــ

[رد المحتار]

أَمْرِهِ لَهَا، وَفِيهِ أَنَّ مُرَادَهُ الْوُجُوبُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ، بَلْ هُوَ إذْنٌ وَفَكٌّ لِلْحَجْرِ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا أَصْلًا إلَّا إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ كَمَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ أَيْ أَعْرَجَ) نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَأَقْطَعَ، وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ الَّذِي أَقْعَدَهُ الدَّاءُ عَنْ الْحَرَكَةِ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ وَقِيلَ الْمُقْعَدُ الْمُتَشَنِّجُ الْأَعْضَاءُ وَالزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَأَقْطَعَ) هُوَ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالْجَمْعُ قُطْعَانٌ كَأَسْوَدَ وَسُودَانٍ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ لِعَجْزِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: 17] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ زَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَدْيُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ تَجْنِيسٌ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ وَلَمْ يُبْرِئْهُ فَالْمُسْتَحَبُّ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَدْءَ بِالْأَوْجَبِ أَوْلَى، فَإِنْ خَرَجَ فَلَا بَأْسَ ذَخِيرَةٌ وَلَوْ الدَّائِنُ غَائِبًا فَأَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ لَوْ لَهُ وَفَاءٌ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ هِنْدِيَّةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ رَبُّهَا غَائِبٌ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا فَلَهُ الْخُرُوجُ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا يُؤَدَّى عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَهُ لَا بِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْكَفِيلِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْذَانِهِ بَلْ يَسْتَأْذِنُ الدَّائِنَ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالنَّفْسِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ مَنْعَهُ مِنْ السَّفَرِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْخُرُوجُ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْكَفِيلِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِقَامَةُ لِقَضَائِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ) أَيْ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ الْغَزْوُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْمَتْنُ صَادِقًا بِجَوَازِ خُرُوجِهِ زَادَ قَوْلَهُ: فَلَيْسَ إلَخْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ ط.

قُلْت: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ ضَيَاعِهِمْ جَوَازُ خُرُوجِهِ لَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ مَنْ يُسَاوِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَمَّمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ السَّفَرَ) يَعْنِي أَطْلَقَهُ حَيْثُ قَالَ أَرَادَ السَّفَرَ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَيَّدَ) وَهُوَ مَنْعُهُ عَنْ سَفَرِ الْغَزْوِ يُفِيدُ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى أَيْ يُفِيدُ مَنْعَهُ عَنْ سَفَرِ غَيْرِ الْغَزْوِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْهُ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَحَجِّ النَّفْلِ.

وَأَمَّا السَّفَرُ لِحَجِّ الْفَرْضِ أَوْ الْغَزْوِ إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ، فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرِ الْغَزْوِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُهُ مِمَّا لَا خَطَرَ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي سَفَرِ الِابْنِ بِلَا إذْنِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ سَفَرِهِ لِلْجِهَادِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّفَرُ الطَّوِيلُ أَوْ عَلَى قَصْدِ الرَّحِيلِ فَإِنَّ فِيهِ ضَيَاعَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ وَفَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنْ عَجَزُوا أَوْ تَكَاسَلُوا فَعَلَى مَنْ يَلِيهِمْ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَيَبْلُغُهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجِهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ، وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مِنْ الْأَسْرِ مَا لَمْ

ص: 126

إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَيَخْرُجُ الْكُلُّ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) وَيَأْثَمُ الزَّوْجُ وَنَحْوُهُ بِالْمَنْعِ ذَخِيرَةٌ

(وَلَا بُدَّ) لِفَرْضِيَّتِهِ (مِنْ) قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ (الِاسْتِطَاعَةُ) فَلَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ الدَّنِفُ، أَمَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ، دُونَ الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ إرْهَابًا فَتْحٌ. وَفِي السِّرَاجِ وَشُرِطَ لِوُجُوبِهِ: الْقُدْرَةُ عَلَى السِّلَاحِ لَا أَمْنُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا حَارَبَ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُحَارِبْ أُسِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِتَالُ (وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْمُسْتَنْفِرِ وَمُنَادِي السُّلْطَانِ وَلَوْ) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (فَاسِقًا) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَشْتَهِرُ فِي الْحَالِ ذَخِيرَةٌ

(وَكُرِهَ الْجُعْلُ) أَيْ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ النَّاسِ لِأَجْلِ الْغُزَاةِ (مَعَ الْفَيْءِ) أَيْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ دُرَرٌ.

ــ

[رد المحتار]

تَدْخُلْ دَارَ الْحَرْبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُمْ قُوَّةٌ اتِّبَاعُهُمْ لِأَخْذِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ وَإِنْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ لَا يَتَّبِعُوهُمْ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ) أَيْ دَخَلَ بَلْدَةً بَغْتَةً، وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُسَمَّى النَّفِيرُ الْعَامُّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالنَّفِيرُ الْعَامُّ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمَدْيُونِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَكَذَلِكَ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا إذَا أَطَاقُوا الْقِتَالَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجُوا وَيُقَاتِلُوا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ

(قَوْلُهُ الْمُدْنَفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ الَّذِي لَازَمَهُ الْمَرَضُ وَفِي ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ الدَّنَفُ الْمَرَضُ الْمُلَازِمُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ دَنِفَ دَنَفًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ دَنِفٌ إذَا لَازَمَهُ الْمَرَضُ وَأَدْنَفَهُ الْمَرَضُ، وَأَدْنَفَ هُوَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ لِوُجُوبِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى السِّلَاحِ) أَيْ وَعَلَى الْقِتَالِ وَمِلْكَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا أَمْنَ الطَّرِيقِ) أَيْ مِنْ قُطَّاعٍ أَوْ مُحَارِبِينَ، فَيَخْرُجُونَ إلَى النَّفِيرِ، وَيُقَاتِلُونَ بِطَرِيقِهِمْ أَيْضًا حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْكِي فِيهِمْ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِتَالُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ جَازَ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا كَانَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِقَتْلٍ أَوْ بِجَرْحٍ أَوْ بِهَزْمٍ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَمَدَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْكِي فِيهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِحَمْلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ، بِخِلَافِ نَهْيِ فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُنْكَرٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ بَلْ يَقْتُلُونَهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْإِقْدَامِ، وَإِنْ رُخِّصَ لَهُ السُّكُوتُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْتَقِدُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُؤَثِّرًا فِي بَاطِنِهِمْ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْمُسْتَنْفِرِ) أَيْ طَالِبِ النَّفْرِ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِلْغَزْوِ أَفَادَهُ الشَّلَبِيُّ وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْعَبْدِ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَشْتَهِرُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مَبْنِيًّا عَلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ فَقَطْ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ خَوْفَ الِاشْتِهَارِ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْجُعْلُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالزَّادِ نَهْرٌ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ اهـ وَالثَّانِي: يُوجِبُ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ وَالْأَوَّلُ يُوجِبُهَا عَلَى الْغَازِي، وَعَلَى الْإِمَامِ كَرَاهَةَ تَسَبُّبِهِ فِي الْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِقَوْلِ الْفَتْحِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ عَلَى الطَّاعَةِ حَرَامٌ فَمَا يُشْبِهُهُ مَكْرُوهٌ قِيلَ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ: قُلْت: لَا يَخْفَى فَسَادُهُ بَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ،؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا أَجَازُوا الْأَجْرَ عَلَى أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ نَصُّوا عَلَيْهَا

ص: 127

وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَمُفَادُهُ: أَنَّ الْفَيْءَ هُنَا يَعُمُّ الْغَنِيمَةَ فَلْيُحْفَظْ (وَإِلَّا لَا) لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمُوا) فَبِهَا (وَإِلَّا فَإِلَى الْجِزْيَةِ) لَوْ مَحَلًّا لَهَا كَمَا سَيَجِيءُ (فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لَنَا) مِنْ الْإِنْصَافِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) مِنْ الِانْتِصَافِ فَخَرَجَ الْعِبَادَاتُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا

ــ

[رد المحتار]

مِنْ الطَّاعَاتِ وَهِيَ: التَّعْلِيمُ وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ لَا عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ، وَإِلَّا لَشَمِلَ نَحْوَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَاتِ، وَأَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَبَلِّ الْغَلِيلِ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ تَفْسِيرِ الْفَيْءِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَيْءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ أَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِوُجُودِ الْفَيْءِ فَقَطْ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ بَيَانُ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَتْ مَنْظُومَةً فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُكْرَهُ الْجُعَلُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالْأَدْنَى) وَهُوَ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ، فَيُلْتَزَمُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ.

[تَنْبِيهٌ] مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَزِمَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْهُ بِمَالِهِ وَعَكْسُهُ إنْ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلْغَازِي: خُذْ هَذَا الْمَالَ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فَاغْزُ بِهِ وَمِثْلُهُ الْحَجُّ وَلِلْغَازِي أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ نَدْبًا إنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمُوا) أَيْ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ مَعَ التَّبَرِّي عَنْ دِينِهِ، لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْلَامُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَجِّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مَنْظُومًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ فَبِهَا) أَيْ فَبِالْخَصْلَةِ الْكَامِلَةِ أَخَذُوا وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحَلًّا لَهَا) بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ وَلَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مِقْدَارَ الْجِزْيَةِ وَوَقْتَ وُجُوبِهَا وَالتَّفَاوُتَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي مِقْدَارِهَا (قَوْلُهُ فَلَهُمْ مَا لَنَا مِنْ الْإِنْصَافِ إلَخْ) أَيْ الْمُعَامَلَةِ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَالِانْتِصَافُ الْأَخْذُ بِالْعَدْلِ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ لَوْ تَعَرَّضْنَا لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لِدِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ اسْتِثْنَاءُ عَقْدِهِمْ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ كَعَقْدِنَا عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُؤَاخَذٌ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ لَوْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ بِلَا مَهْرٍ أَوْ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ لِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ الرِّبَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ.

مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ نَدْبًا (قَوْلُهُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا) الَّذِي تَحَرَّرَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ، وَبِالْعُقُوبَاتِ سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ، وَالْمُعَامَلَاتِ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَقَالَ السَّمرقَنْديُّون نَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا قَالَ الْبُخَارِيُّونَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً فَقَطْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهِمَا فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. ح

ص: 128

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا

(وَلَا) يَحِلُّ لَنَا أَنْ (نُقَاتِلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (إلَى الْإِسْلَامِ) وَهُوَ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي زَمَانِنَا شَرْقًا وَغَرْبًا لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِذَلِكَ بَقِيَ لَوْ بَلَغَهُ الْإِسْلَامُ لَا الْجِزْيَةُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَنْبَغِي قِتَالُهُمْ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْجِزْيَةِ نَهْرٌ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَفْعَلُ فَتْحٌ (وَإِلَّا) يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ (نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرَقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ) وَلَوْ مُثْمِرَةً وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ظَفَرُنَا فَيُكْرَهُ فَتْحٌ (وَرَمْيِهِمْ) بِنَبْلٍ وَنَحْوِهِ

(وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا) وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ (وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ (وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ

(وَلَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَفِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ، أَوْ يُؤَيِّدُ خُرُوجَ الْعِبَادَاتِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُمْ حُكْمَنَا فِي الْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ دُونَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا نُطَالِبُهُمْ بِهِمَا وَإِنْ عُوقِبُوا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرَةِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَنَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيِ عِيَالِهِمْ فَرُبَّمَا يُجِيبُونَ إلَى الْمَقْصُودِ بِلَا قِتَالٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِعْلَامِ فَتْحٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ، فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَنْ لَا تَبْلُغْهُ) الْأَوْلَى مَنْ لَمْ ط (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى: الدَّعْوَةُ هُنَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَذَا فِي الدَّعْوَةِ إلَى الطَّعَامِ، وَأَمَّا فِي النَّسَبِ فَبِالْكَسْرِ كَذَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَقِيَ إلَخْ أَيْ لَا يَحِلُّ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْيَنَابِيعِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْآنُ فَقَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ، فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنَّ الْمَدَارَ غَلَبَةُ ظَنِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) ذَكَرُوا هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ: أَنْ يَطْمَعَ فِيهِمْ مَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ ط.

(قَوْلُهُ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ) أَيْ عَلَى حُصُونِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَهْرٌ، وَهُوَ جَمْعُ مَنْجَنِيقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَإِسْكَانِ النُّونِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ تُذَكَّرُ وَتَأْنِيثُهَا أَحْسَنُ وَهِيَ آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ الْكِبَارُ قُلْت: وَقَدْ تُرِكَتْ الْيَوْمَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْمَدَافِعِ الْحَادِثَةِ (قَوْلُهُ وَحَرْقِهِمْ) أَرَادَ حَرْقَ دُورِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ حَرْقُ ذَاتِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَإِذَا جَازَتْ مُحَارَبَتُهُمْ بِحَرْقِهِمْ فَمَالُهُمْ أَوْلَى نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ: بِالْمَجَانِيقِ أَيْ بِرَمْيِ النَّارِ بِهَا عَلَيْهِمْ، لَكِنْ جَوَازُ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الظَّفَرِ بِهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ، بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنْ تَمَكَّنُوا بِدُونِهَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهْلَاكَ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَلَبَ إلَخْ) كَذَا قَيَّدَ فِي الْفَتْحِ إطْلَاقَ الْمُتُونِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا وَلَا يَخْفَى حُسْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ فَإِذَا غَلَبَ الظَّنُّ بِحُصُولِ ذَلِكَ بِدُونِ إتْلَافٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ لَنَا لَا نُتْلِفُهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) كَرَصَاصٍ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّبْلِ فِي زَمَانِنَا

(قَوْلُهُ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَيْ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ هَلْ نَرْمِي أَمْ لَا وَنَعْمَلُ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ سُؤَالُهُ (قَوْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا قَصَدْنَا الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ، وَأَصَبْنَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِهِمْ لَا نَضْمَنُهُ، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّامِي بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ قَصَدَ الْكُفَّارَ لَا لِوَلِيِّ الْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ) أَيْ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ بِالْجَلْدِ، أَوْ الْقَطْعِ

ص: 129

أَصْلًا وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ) مَّا (حَلَّ) حِينَئِذٍ (قَتْلُ الْبَاقِينَ) لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَتْحٌ

(وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ كَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَامْرَأَةٍ) وَلَوْ عَجُوزًا لِمُدَاوَاةٍ هُوَ الْأَصَحُّ ذَخِيرَةٌ وَأَرَادَ بِالنَّهْيِ مَا فِي مُسْلِمٍ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» (إلَّا فِي جَيْشٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) فَلَا كَرَاهَةَ لَكِنْ إخْرَاجُ الْعَجَائِزِ وَالْإِمَاءِ أَوْلَى (وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ جَازَ حَمْلُ الْمُصْحَفِ مَعَهُ إذَا كَانُوا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ تَعَرُّضِهِمْ هِدَايَةٌ

(وَ) نُهِينَا (عَنْ غَدْرٍ -

ــ

[رد المحتار]

وَأُورِدَ الْمُضْطَرُّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَهُوَ كَالْمُبَاحِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ مَّا) أَرَادَ بِالْإِخْرَاجِ مَا يَعُمُّ الْخُرُوجَ وَزَادَ لَفْظَ مَّا لِلتَّعْمِيمِ، فَالْمُرَادُ أَيُّ رَجُلٍ كَانَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بِتَغْلِيبِ الظَّنِّ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ) فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِي شَكٌّ، بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ فَتْحٌ.

قُلْت: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الثَّوْبِ فَغَسَلَ طَرَفًا مِنْهُ وَلَوْ بِلَا تَحَرٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ مُتَيَقِّنَ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ

(قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ) زَادَ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِلَّةُ النَّهْيِ فَإِنَّ إخْرَاجَهُ يُؤَدِّي إلَى وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ خِلَافًا لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا تَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَامْرَأَةٍ) أَيْ وَعَنْ إخْرَاجِ امْرَأَةٍ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي جَيْشٍ) أَقَلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ السَّرِيَّةِ عِنْدَهُ مِائَةٌ كَمَا رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقْلًا عَنْهَا وَعَنْ الْعِنَايَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ مِائَتَانِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ زِيَادٍ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَأَقَلَّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ قَالَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ اهـ وَفِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ الْعَظِيمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» . اهـ. قُلْت: وَالتَّقْيِيدُ بِالْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُغْلَبُ بِسَبَبٍ آخَرَ كَخِيَانَةِ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا.

[تَتِمَّةٌ] فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفِرُّوا إذَا كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُغْلَبُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ وَلَا بَأْسَ لِلْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلَاحٌ أَنْ يَفِرَّ مِنْ اثْنَيْنِ لَهُمَا سِلَاحٌ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ وَيُكْرَهُ لِلْوَاحِدِ الْقَوِيِّ أَنْ يَفِرَّ مِنْ الْكَافِرَيْنِ وَالْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْمِائَةُ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْأَوْلَى فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ الْعَجَائِزُ لِلطِّبِّ وَالْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ دُونَ الشَّوَابِّ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ.

مَطْلَبٌ لَفْظُ يَنْبَغِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ وَنُهِينَا عَنْ غَدْرٍ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِعْمَالُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُنْدَبُ وَلَا يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَإِنْ كَانَ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ اسْتِعْمَالُهُ

ص: 130

وَغُلُولٍ وَ) عَنْ (مُثْلَةٍ) بَعْدَ الظَّفْرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا اخْتِيَارٌ

(وَ) عَنْ (قَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ) خَرٍّ (فَانٍ) لَا صِيَاحَ وَلَا نَسْلَ لَهُ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ (وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) وَزَمِنٍ وَمَعْتُوهٍ

ــ

[رد المحتار]

فِي أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ - مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِك مِنْ أَوْلِيَاءَ - قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا مَعْنَاهُ يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ بِحُسْنِ مَا فِيهِ مِنْ الطَّلَبِ. اهـ.

مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ نَسْخِ الْمُثْلَةِ (قَوْلُهُ عَنْ غَدْرٍ) أَيْ نَقْضِ عَهْدٍ وَغُلُولٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْخِيَانَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ وَمُثْلَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَصْدَرٍ مَثَلَ بِهِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهَ بِهِ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ، وَقَيَّدَ جَوَازَهَا قَبْلَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا وَقَعَتْ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرِبَ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ثُمَّ ضَرَبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ كَافِرٍ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ بَلْ يَقْتُلُهُ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَيْفَ وَقَدْ عُلِّلَ بِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ نَهْرٌ.

[تَنْبِيهٌ] ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ فَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ فَالنَّسْخُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَ فَقَدْ تَعَارَضَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ، فَيُقَدَّمُ الْمُحَرِّمُ وَيَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِنَسْخِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مَنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ بِأَنْ قَطَعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَأُذُنَيْ رَجُلٍ وَيَدَيْ آخَرَ وَرِجْلَيْ آخَرَ وَفَقَأَ عَيْنَيْ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِكُلٍّ، لَكِنْ يُسْتَأْنَى بِكُلِّ قِصَاصٍ إلَى بُرْءِ مَا قَبْلَهُ فَهَذِهِ مُثْلَةٌ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ وَشَيْخٍ خَرٍّ فَانٍ) أَصْلَ الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ لَكِنْ زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ خَرٍّ فَيَكُونُ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيُكَثِّرُ مُحَارِبَ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ، وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرِفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيِّزِينَ فَهَذَا لَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ. اهـ.

قُلْت: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِتَالِ وَالصِّيَاحِ وَالْإِحْبَالِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهَذَا الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالرَّاهِبِ بَلْ أَوْلَى. فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ إنْ كَانَ خَرٍّ فَانٍ زَائِلُ الْعَقْلِ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صِيَاحٌ وَنَسْلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لَا يُقْتَلُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ عَدَمِ الِانْتِظَامِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَشَيْخٍ فَانٍ لَا صِيَاحَ، وَلَا نَسْلَ لَهُ أَوْ خَرٍّ فَانٍ لَا يَعْقِلُ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ لَا صِيَاحَ لَهُ مَنْ لَا يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ بِصِيَاحِهِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ (قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ) وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا كَيَابِسٍ الشِّقِّ وَمَقْطُوعِ الْيُمْنَى أَوْ مِنْ خِلَافٍ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ اهـ.

قُلْت: وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَعْمَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ مَا يُحْذَرُ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِنَا

ص: 131

وَرَاهِبٍ وَأَهْلِ كَنَائِسَ لَمْ يُخَالِطُوا النَّاسَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مَلِكًا) أَوْ مُقَاتِلًا (أَوْ ذَا رَأْيٍ) أَوْ مَالٍ (فِي الْحَرْبِ، وَلَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ) مِمَّنْ ذُكِرَ (فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَقَطْ) كَسَائِرِ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ لَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ يَحْمِلُونَهُمْ تَكْثِيرًا لِلْفَيْءِ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ وَسَيَجِيءُ [فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ] لَا بَأْسَ بِحَمْلِ رَأْسِ الْمُشْرِكِ لَوْ فِيهِ غَيْظُهُمْ وَفِيهِ فَرَاغُ قَلْبِنَا، وَقَدْ «حَمَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ بَدْرٍ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ وَأَلْقَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا فِرْعَوْنِي وَفِرْعَوْنُ أُمَّتِي كَانَ شَرُّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي أَعْظَمَ مِنْ شَرِّ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى وَأُمَّتِهِ» ظَهِيرِيَّةٌ [الثَّانِي] لَا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِهِمْ طَلَبًا لِلْمَالِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ قُبُورُ الْكُفَّارِ فَعَمَّتْ الذِّمِّيَّ

(وَلَا) يَحِلُّ لِلْفَرْعِ أَنْ (يَبْدَأَ أَصْلَهُ الْمُشْرِكَ بِقَتْلٍ)

ــ

[رد المحتار]

لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يَقْتُلُ يُحْمَلُ إلَى دَارِنَا سِوَى الشَّيْخِ الْفَانِي عَادِمِ النَّفْعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَاهِبٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، فَإِنْ خَالَطُوا قُتِلُوا كَالْقِسِّيسِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ اهـ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حُكْمِ عَدَمِ الْقَتْلِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ وَصَحَّ أَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام بِقَتْلِ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةَ وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ عَمِيَ لَمَّا جِيءَ بِهِ فِي جَيْشِ هَوَازِنَ لِلرَّأْيِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا، أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا قَاتَلُوا بَعْدَ الْأَسْرِ، وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّبِيَّ الْمَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا (قَوْلُهُ فِي الْحَرْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَأْيٍ وَمَالٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَتْرُكُونَهُمْ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكُوا مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ بَلْ يَحْمِلُونَهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلِئَلَّا يُولَدَ لَهُمْ فَيَكُونَ فِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلَ وَلَا يُلْقِحُ وَلَا رَأْيَ لَهُ، فَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ إذْ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْكُفَّارِ أَوْ حَمَلُوهُ لِيُفَادِيَ بِهِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْمُفَادَاةَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا فَائِدَةَ فِي حَمْلِهِ، وَمِثْلُهُ الْعَجُوزُ الَّتِي لَا تَلِدُ مِنَحٌ عَنْ السِّرَاجِ مُلَخَّصًا وَالْمُعْتَمَدُ الْقَوْلُ بِالْمُفَادَاةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا كَانُوا لَا يَتَزَوَّجُونَ بَحْرٌ: أَيْ وَلَا يُخَالِطُونَ وَبِهِ وَفَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بَيْنَ هَذَا وَرِوَايَةِ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَفِيهِ فَرَاغُ قَلْبِنَا) أَيْ بِانْدِفَاعِ شَرِّهِ عَنَّا لِاشْتِهَارِ قَتْلِهِ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ حَمَلَ إلَخْ) وَكَذَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ بِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً بِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَمَا بَسَطَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لَوْ فِيهِ غَيْظُهُمْ وَفَرَاغُ قَلْبِنَا بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ نَبْشَ قُبُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتَ الْمَالِ جَازَ نَبْشُهُ، ثُمَّ نَقَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ هَذَا يَعُمُّ الذِّمِّيَّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِتَحَقُّقِ الْمَالِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ تَوَهُّمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّحَقُّقِ يَجُوزُ النَّبْشُ فِي الْمُسْلِمِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَسُقُوطِ مَتَاعٍ أَوْ تَكْفِينٍ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دَفْنٍ مَالٍ مَعَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا كَمَا فِي جَنَائِزِ الْبَحْرِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ أَنْ يَبْدَأَ أَصْلَهُ الْمُشْرِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْتَائِهِ هِدَايَةٌ، وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا قَيَّدَ بِالْبَدْءِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَصَدَ الْأَصْلُ قَتْلَهُ كَمَا يَأْتِي وَبِالْأَصْلِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَرْعِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ سَفُلَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْقَرَابَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْكَنْزِ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَأَجْدَادَهُ

ص: 132

كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ (وَيَمْتَنِعُ الْفَرْعُ) عَنْ قَتْلِهِ بَلْ يَشْغَلُهُ (لِ) لِأَجْلِ أَنْ (يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (وَلَوْ قَصَدَ الْأَصْلُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ) لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا

(وَيَجُوزُ الصُّلْحُ) عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ (مَعَهُمْ بِمَالٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا (لَوْ خُيِّرَا) - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]- (وَنَنْبِذُ) أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ الْمُحَرَّمِ (لَوْ خُيِّرَا) لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَهْلِ مَكَّةَ

ــ

[رد المحتار]

وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالْمُشْرِكِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ بَاغِيًا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ أَصْلًا بَلْ يَعُمُّ الْأَخَ وَغَيْرَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ. اهـ.

قُلْت: وَمُفَادُهُ تَقْيِيدُ الْقَرِيبِ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ يَرِدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى فَرْعِهِ الْمُشْرِكِ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْحَرْبِيِّينَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدْءُ أَصْلِهِ بِالْقَتْلِ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا أَوْرَدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبَ إعْدَامِهِ بِالْقَصْدِ إلَى قَتْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بَلْ يَشْغَلُهُ) أَيْ بِالْمُحَارَبَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ، أَوْ يَطْرَحَهُ عَنْهَا أَوْ يُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُهُ قَتَلَهُ كَذَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) أَيْ بَاطِلٌ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ نَعَمْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ قَتْلَ ابْنِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ شَرِّهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَا فِي سَفَرٍ وَعَطِشَا وَمَعَ الِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي لِنَجَاةِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلِابْنِ شُرْبُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُشْرِكَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَشُرِّفَ وَكُرِّمَ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ» كَذَا فِي الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ بِمَالٍ مِنْهُمْ) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ نُخَمِّسُهَا وَنَقْسِمُ الْبَاقِيَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِنَّا) أَيْ بِمَالٍ نُعْطِيهِ لَهُمْ إنْ خَافَ الْإِمَامُ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ - {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: 61] أَيْ مَالُوا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالسِّلْمُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الصُّلْحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْآيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِرُؤْيَةِ

الْمَصْلَحَةِ

إجْمَاعًا - {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]- أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ) أَفَادَ شَرْطًا زَائِدًا عَلَى الْمَتْنِ وَهُوَ إعْلَامُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ نَبْذَ الْعَهْدِ نَقْضُهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ أَيْضًا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، حَتَّى لَوْ كَانُوا خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ لِلْأَمَانِ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُودُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ كَمَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ، وَهَذَا لَوْ نُقِضَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَمَّا لَوْ مَضَتْ فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِجُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُمْ الْأَمَانَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَهْلِ مَكَّةَ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ فَالْأَلْيَقُ جَعْلُهُ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمْ،

ص: 133

(وَنُقَاتِلُهُمْ بِلَا نَبْذٍ مَعَ خِيَانَةِ مَلِكِهِمْ) وَلَوْ بِقِتَالِ ذِي مَنَعَةٍ بِإِذْنِهِ وَلَوْ بِدُونِهِ انْتَقَضَ حَقُّهُمْ فَقَطْ

(وَ) نُصَالِحُ (الْمُرْتَدِّينَ لَوْ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ) لَوْ خُيِّرَا (بِلَا مَالٍ وَإِلَّا) يَغْلِبُوا عَلَى بَلْدَةٍ (لَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَتْحٌ (وَإِنْ أُخِذَ) الْمَالُ (مِنْهُمْ لَمْ يُرَدَّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ بِخِلَافِ أَخْذِهِ مِنْ بُغَاةٍ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا فَتْحٌ

(وَلَمْ نَبِعْ) فِي الزَّيْلَعِيِّ يَحْرُمُ أَنْ نَبِيعَ (مِنْهُمْ مَا فِيهِ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى الْحَرْبِ) كَحَدِيدٍ وَعَبِيدٍ وَخَيْلٍ (وَلَا نَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِالْمِيرَةِ وَهِيَ الطَّعَامُ وَالْقُمَاشُ فَجَازَ اسْتِحْسَانًا

(وَلَا نَقْتُلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ فَاسِقًا) أَوْ أَعْمَى أَوْ فَانِيًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا

ــ

[رد المحتار]

؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْدَأْ أَهْلَ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعْمِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقِتَالٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ خِيَانَةُ مَلِكِهِمْ بِقِتَالِ أَهْلِ مَنَعَةٍ بِإِذْنِهِ: أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِتَالِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقِتَالِ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ انْتَقَضَ حَقُّهُمْ فَقَطْ) أَيْ حَقُّ الْمُقَاتِلِينَ ذَوِي الْمَنَعَةِ بِلَا إذْنِ مَلِكِهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَلَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ اهـ أَيْ بِأَنْ قَاتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَثَلًا ثُمَّ تَرَكَ الْقِتَالَ يَبْقَى عَهْدُهُ

(قَوْلُهُ بِلَا مَالٍ) أَيْ بِلَا أَخْذِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ: وَهِيَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ نَهْرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ صُلْحَهُمْ عَلَى أَخْذِهِمْ الْمَالَ مِنَّا وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ هَلْ يَلْزَمُ إعْلَامُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ أَمْ لَا لِكَوْنِهِمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا فَتْحٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا) أَيْ أَثْقَالَهَا، وَالْمُرَادُ بَعْدَ انْتِهَائِهَا وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَلَمْ نَبِعْ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِوَجْهٍ كَالْهِبَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِيجَارَ وَالْإِعَارَةَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَنْعُ مَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ) أَيْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَحَدِيدٍ) وَكَسِلَاحٍ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لِلْحَرْبِ، وَلَوْ صَغِيرًا كَالْإِبْرَةِ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُصْنَعُ مِنْهُ الرَّايَةُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَبِيدٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ كَافِرًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا نَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ) أَيْ لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ لِتَاجِرِنَا أَنْ يَدْخُلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ سِلَاحٌ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ مِنْهُمْ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ جَاءَ الْحَرْبِيُّ بِسَيْفٍ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ قَوْسًا أَوْ رُمْحًا أَوْ فَرَسًا لَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَبْدَلَ بِسَيْفِهِ سَيْفًا خَيْرًا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ لَمْ يُمْنَعْ، وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ) تَعْمِيمٌ لِلْبَيْعِ وَالْحَمْلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ (قَوْلُهُ فَجَازَ اسْتِحْسَانًا) أَيْ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَلَوْ احْتَاجُوهُ لَمْ يَجُزْ

(قَوْلُهُ وَلَا نَقْتُلُ مَنْ أَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ إذَا أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حَرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» أَيْ لَا تَزِيدُ دِيَةُ الشَّرِيفِ عَلَى دِيَةِ الْوَضِيعِ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَدْنَى الَّذِي هُوَ الْأَقَلُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ} [المجادلة: 7]- فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْوَاحِدِ أَوْ مِنْ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْمُسْلِمِ فِي ثَغْرٍ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الدَّنَاءَةِ فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْفَاسِقِ أَفَادَهُ السَّرَخْسِيُّ.

ص: 134

أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ (بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ) الْأَمَانُ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ) ذَلِكَ (بِشَرْطِ سَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ، وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ كَأَمَّنْتُ أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ وَبِالْكِنَايَةِ كَتَعَالَ إذَا ظَنَّهُ أَمَانًا وَبِالْإِشَارَةِ بِالْأُصْبُعِ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ بِالْأَمَانِ صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا وَصَحَّ طَلَبُهُ لِذَرَارِيِّهِ لَا لِأَهْلِهِ

ــ

[رد المحتار]

بَحْثُ الْأَمَانِ (قَوْلُهُ أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ) أَيْ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ مَأْذُونَيْنِ فِي الْقِتَالِ صَحَّ أَمَانُهُمَا فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الِاخْتِيَارِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَمَانًا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَةُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَمَانُ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّمَاعُ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ لَوْ نَادَوْهُمْ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِأَنْ كَانُوا نِيَامًا أَوْ مَشْغُولِينَ بِالْحَرْبِ فَذَلِكَ أَمَانٌ (قَوْلُهُ كَ تَعَالَ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ: اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَنْ تَعَالَ فَإِنَّك إنْ جِئْت قَتَلْتُك فَأَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ " وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ إنْ جِئْت قَتَلْتُك أَمَّا لَوْ عَلِمَ وَسَمِعَ فَهُوَ فَيْءٌ (قَوْلُهُ إلَى السَّمَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ إنِّي أَعْطَيْتُك ذِمَّةَ إلَهِ السَّمَاءِ سبحانه وتعالى أَوْ أَنْتَ آمِنٌ بِحَقِّهِ سَرَخْسِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَيْ لَوْ طَلَبَ الْمُشْرِكُ الْأَمَانَ مِنَّا صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْ وُصُولِنَا إلَيْهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَهُوَ مَادٌّ سَيْفَهُ أَوْ رُمْحَهُ فَهُوَ فَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا يَصِيرُ آمِنًا بِمُجَرَّدِ طَلَبِهِ الْأَمَانَ وَإِنْ لَمْ نُؤَمِّنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا إذَا تَرَكَ مَنْعَتَهُ وَجَاءَ إلَيْنَا طَالِبًا فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنَعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ فَانْحَطَّ إلَيْنَا وَحْدَهُ بِلَا سِلَاحٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَيْثُ نَسْمَعُهُ نَادَى بِالْأَمَانِ فَهُوَ آمِنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقْبَلَ سَالًّا سَيْفَهُ مَادًّا بِرُمْحِهِ نَحْوَنَا فَلَمَّا قَرُبَ اسْتَأْمَنَ فَهُوَ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ فِي إبَاحَةِ الدَّمِ كَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ إنْسَانٌ لَيْلًا، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ هَارِبٌ، فَلَوْ عَلَيْهِ سِيَمَا اللُّصُوصِ لَهُ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ثَمَّ. قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْمَنَعَةَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آمِنًا عَادَةً وَالْعَادَةُ تُجْعَلُ حُكْمًا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ وَجَدْنَا حَرْبِيًّا فِي دَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إلَى الْخَلِيفَةِ إلَّا إذَا أَخْرَجَ كِتَابًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابَ مَلِكِهِمْ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ مُفْتَعِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ كَمَا جَرَى بِهِ الرَّسْمُ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَلَا يَجِدُ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِهِمْ لِيَشْهَدَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَصْحَبْهُ دَلِيلٌ وَلَا كِتَابٌ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَنْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ يُخَمَّسُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَيْءٌ لِمَنْ أَخَذَهُ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَفِي إيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ طَلَبُهُ إلَخْ) هَذَا غَلَطٌ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: لَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ لَا يَكُونُ هُوَ آمِنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ لِذَرَارِيِّهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمَانِ اهـ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَبُ الْأَمَانِ لِأَهْلِهِ وَذَرَارِيّهِ جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ، وَيَدْخُلُ فِي الثَّانِي اهـ ح.

ص: 135

وَيَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ لَا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَلَوْ غَارَ عَلَيْهِمْ عَسْكَرٌ آخَرُ ثُمَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلِمُوا بِالْأَمَانِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَعَلَى الْوَاطِئِ الْمَهْرُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَتُرَدُّ النِّسَاءُ وَالْأَوْلَادُ إلَى أَهْلِهَا يَعْنِي بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ

(وَيَنْقُضْ الْإِمَامُ) الْأَمَانَ (لَوْ) بَقَاؤُهُ (شَرًّا) وَمُبَاشِرُهُ بِلَا مَصْلَحَةٍ يُؤَدَّبُ (وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِهِ مُسْلِمٌ شُمُنِّيٌّ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ قَالَ أَمِّنُوا أَهْلِي أَوْ قَالَ أَمِّنُوا ذَرَارِيَّ فَيَدْخُلُ الطَّالِبُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ خَفِيٌّ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَمِّنُونِي عَلَى أَهْلِي أَوْ عَلَى ذَرَارِيَّ أَوْ عَلَى مَتَاعِي أَوْ قَالَ أَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ دَخَلَ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَفْسَهُ بِضَمِيرِ الْكِنَايَةِ وَشَرَطَ مَا ذَكَرَهُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ مَعَ فُرُوعٍ أُخَرَ ذَكَرْت بَعْضَهَا مُلَخَّصَةً فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ.

مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي فَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ آمِنُونِي عَلَى أَوْلَادِي دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُهُ لِصُلْبِهِ، وَأَوْلَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الذُّكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَوْلَادِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَهُنَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ أَخَذَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ أَوْلَادُنَا أَكْبَادُنَا» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ هَذَا مَجَازٌ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى - {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]- أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ " «كُلُّ الْأَوْلَادِ يَنْتَمُونَ إلَى آبَائِهِمْ إلَّا أَوْلَادَ فَاطِمَةَ فَإِنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيَّ أَنَا أَبُوهُمْ لَكِنَّهُ» حَدِيثٌ شَاذٌّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَلَوْنَا.

مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي دَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ اسْمَ وَلَدِ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ لِمَنْ وَلَدَهُ وَلَدُك وَابْنَتُك وَلَدُك فَمَا وَلَدَتْهُ ابْنَتُك يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِك حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وَلَدَك مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْك، وَذَلِكَ أَوْلَادُ الِابْنِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَرَخْسِيٌّ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الذُّرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ [تَنْبِيهٌ] سَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الذَّرَارِيِّ وَفِي الْبَحْرِ: أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ أَيْضًا، وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ وَجْهَ رِوَايَةِ عَدَمِ الدُّخُولِ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آبَائِهِمْ لَا مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمِ الْأُمِّ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الدُّخُولِ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ اسْمٌ لِلْفَرْعِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْأَبَوَانِ أَصْلَانِ لِلْوَلَدِ وَمَعْنَى الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ فِي جَانِبِ الْأُمِّ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ مَاءِ الْفَحْلِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حِكَايَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ غَارَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ أَمَّنَهُمْ بَعْضُ الْعَسْكَرِ الْأُوَلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَاطِئِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ ط (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِيمَةٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَيْضًا تَبَعًا لِأَبِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ) وَفِي زَمَانِ الِاعْتِدَادِ يُوضَعْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَالْعَدْلُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ ثِقَةٌ لَا الرَّجُلُ بَحْرٌ

(قَوْلُهُ وَيَنْقُضُ الْإِمَامُ الْأَمَانَ) وَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُؤَدَّبُ) أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ شَرْعًا، وَإِلَّا فَجَهْلُهُ عُذْرٌ فِي دَفْعِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِهِ مُسْلِمٌ) بِأَنْ قَالَ لَهُ

ص: 136