الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي النَّوَازِلِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ. اهـ. .
[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]
(وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا) جَمَاعَةٌ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَ (الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا
ــ
[رد المحتار]
قَبُولَهَا فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَابْتَدَأَ إيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ حَالُهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]- اهـ وَقَدْ أَطَالَ فِي آخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَانْتَصَرَ لَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ [بَدْءِ الْأَمَالِي] وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ. مَطْلَبٌ أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا إيمَانُ الْيَأْسِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَا عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]- وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ جَلَالَةَ قَائِلِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ لَيْسَتْ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ فِي النَّارِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إمَامٍ فَيُؤْخَذُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ وَيُعْرِضُ عَمَّا خَالَفَهَا ثُمَّ أَطَالَ فِي بَيَانِ رَدِّهِ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِثْنَاءِ قَوْمِ يُونُسَ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ إيمَانِ الْيَأْسِ قَوْمُ يُونُسَ عليه السلام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: 98]- الْآيَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَأَنَّ إيمَانَهُمْ كَانَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ بِجَعْلِهِ كَرَامَةً وَخُصُوصِيَّةً لِنَبِيِّهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. مَطْلَبٌ فِي إحْيَاءِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم قَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَبَوَيْهِ لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ حَافِظُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمَا، فَانْتَفَعَا بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إكْرَامًا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَحْيَا قَتِيلَ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُخْبِرَ بِقَاتِلِهِ. وَكَانَ عِيسَى عليه السلام يُحْيِي الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الشَّمْسَ بَعْدَ مَغِيبِهَا حَتَّى صَلَّى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْعَصْرَ، فَكَمَا أُكْرِمَ بِعَوْدِ الشَّمْسِ وَالْوَقْتِ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَكَذَلِكَ أُكْرِمَ بِعَوْدِ الْحَيَاةِ وَوَقْتِ الْإِيمَانِ بَعْدَ فَوَاتِهِ. وَمَا قِيلَ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119]- نَزَلَ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ» " كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ إلَخْ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَسَيَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ إلَخْ
(قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا خِلَافُهُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَابِّ الْأَنْبِيَاءِ (قَوْلُهُ الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْكَافِرُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا) يَعْنِي
وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى قُبِلَتْ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ حَقُّ عَبْدٍ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَبْغَضَهُ بِالْقَلْبِ فَتْحٌ وَأَشْبَاهٌ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: وَيَجِبُ إلْحَاقُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ أَيْضًا. وَفِيهَا: سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِشَرِيفٍ لَعَنَ اللَّهُ وَالِدَيْكَ وَوَالِدَيْ الَّذِينَ خَلَّفُوكَ. فَأَجَابَ: الْجَمْعُ الْمُضَافُ يَعُمُّ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ، خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَحِينَئِذٍ فَيَعُمُّ حَضْرَةَ الرِّسَالَةِ فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ، وَإِذَا كَفَرَ بِسَبِّهِ لَا تَوْبَةَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ وَتَوَارَدَهُ الشَّارِحُونَ، نَعَمْ لَوْ لُوحِظَ قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ فَلَا كُفْرَ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْمَيْلِ إلَى مَا لَا يَكْفُرُ. وَفِيهَا: مَنْ نَقَصَ مَقَامَ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ سَبَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِفِعْلِهِ بِأَنْ بَغَضَهُ بِقَلْبِهِ قُتِلَ حَدًّا كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي آخِرِ الشِّفَاءِ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ،
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ جَزَاءَهُ الْقَتْلُ عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ حَدًّا، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ وَأَفَادَ أَنَّهُ حُكْمُ الدُّنْيَا، أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مَقْبُولَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُجَارَاةً لِصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَإِلَّا فَسَيَذْكُرُ خِلَافَهُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ جَاءَ تَائِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ عَبْدٍ) فِيهِ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ إذَا طَالَبَ بِهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَفَا عَنْ كَثِيرِينَ مِمَّنْ آذَوْهُ وَشَتَمُوهُ وَقَبِلَ إسْلَامَهُمْ كَأَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَاتِمَهُ كَافِرٌ، وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ. اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ الْمَالِكِيِّ نَقَلَهَا عَنْهُ الْبَزَّازِيُّ وَأَخْطَأَ فِي فَهْمِهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ الْقَائِلِينَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَسُقُوطِ الْقَتْلِ بِهَا عَنْهُ.
عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ يَقُولُ إنَّهُ إذَا تَابَ لَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قُلْنَاهُ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَالِدَيْكَ وَوَالِدِي الَّذِينَ خَلَّفُوكَ) بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ حَضْرَةَ الرِّسَالَةِ) أَيْ صَاحِبَهَا صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالشَّرِيفِ بَلْ غَيْرُهُ مِثْلُهُ، لِأَنَّ آدَمَ عليه السلام أَبُو جَمِيعِ النَّاسِ وَنُوحٌ الْأَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ) الْمَفْهُومِ مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِأَنَّهُ لَا يَعُمُّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ (قَوْلُهُ فَلَا كُفْرَ) أَيْ لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي عُمُومِهِ وَتَحَقَّقَ الِاحْتِمَالُ فِيهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ فِي آخِرِ الشِّفَاءِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. وَعِبَارَةُ الشِّفَاءِ هَكَذَا: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقْتَلُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْلِمِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ. وَرَوَى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ يَنْقُصُهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَرِئَ مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُفْرِ السَّابِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَخْ أَيْ قَالَ إنَّهُ يُقْتَلُ يَعْنِي قَبْلَ
وَمُفَادُهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ سَمِعْت مِنْ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْعَالِ أَنَّ الْكَمَالَ وَغَيْرَهُ تَبِعُوا الْبَزَّازِيَّ
ــ
[رد المحتار]
التَّوْبَةِ لَا مُطْلَقًا، وَلِذَا اسْتَدْرَكَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ: يَعْنِي لَيْسَتْ حَدًّا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْوَلِيدَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ وَعَدَمِهِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْعَدَمُ وَلِذَا قَدَّمَهُ. وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَنْ بَرِئَ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَذَّبَ بِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حَلَالُ الدَّمِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَتِهِ الْأُولَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَكَلَامُ شُيُوخِنَا هَؤُلَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ رِدَّةٌ قَالُوا، وَيُسْتَتَابُ مِنْهَا، إنْ تَابَ نَكَلَ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ، فَحَكَمُوا لَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. اهـ.
يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ الْوَلِيدُ، فَهَذَا كَلَامُ الشِّفَاءِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الْقَوْلُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الْمُسْلِمِ أَيْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا سَبَّ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ عِنْدَهُمْ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ قَبُولُ التَّوْبَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ خَاتِمَةُ الْمُجْتَهِدِينَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِهِ [السَّيْفُ الْمَسْلُولُ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ] : حَاصِلُ الْمَنْقُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ قَطْعًا وَمَتَى أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ السَّبُّ قَذْفًا فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ يُجْلَدُ أَوْ لَا شَيْءَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَذْفٍ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلًا لِلشَّافِعِيَّةِ غَيْرَ قَبُولِ تَوْبَتِهِ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَرِيبٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يُوجَدُ لِلْحَنِيفَةِ غَيْرَ قَبُولِ التَّوْبَةِ. وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَكَلَامُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِقَبُولِهَا فَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ سَوَاءٌ، هَذَا تَحْرِيرُ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ الْقَبُولُ وَأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمْ بِخِلَافِهِ.
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ [الصَّارِمُ الْمَسْلُولُ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم] كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ قَدِيمَةٍ عَلَيْهَا خَطُّهُ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْتَلُ سَابُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَعَامَّةُ هَؤُلَاءِ لَمَّا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ قَالُوا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَوْلِهِمَا أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَالْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَفِي الْكَافِرِ إذَا سَبَّهَا ثُمَّ أَسْلَمَ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ. اهـ.
فَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ وَالسُّبْكِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَأَئِمَّةُ مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ قَبُولُ التَّوْبَةِ بِلَا حِكَايَةِ قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا الْخِلَافَ فِي بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَكَفَى بِهَؤُلَاءِ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ كَذَلِكَ فِي كُتُبِ مَذْهَبِنَا الَّتِي قَبْلَ الْبَزَّازِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابٍ سَمَّيْته [تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ] أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ صَرِيحٌ، وَنَصَّ فِي ذَلِكَ كَمَا عَلِمْته
وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ [السَّيْفِ الْمَسْلُولِ] عَزَاهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَفْظُ النُّتَفِ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ انْتَهَى.
-
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ) الَّذِي قَالَهُ الْبَزَّازِيُّ إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا، سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَى أَنْ قَالَ وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ تُعْرَفُ فِي كِتَابِ [الصَّارِمُ الْمَسْلُولُ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ] اهـ وَهَذَا كَلَامٌ يَقْضِي مِنْهُ غَايَةَ الْعَجَبِ، كَيْفَ يَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ صِدْقِ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ كَمَا أَسْمَعْنَاك وَعَزْوُهُ الْمَسْأَلَةَ إلَى كِتَابِ [الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ] وَهُوَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَفَّحْ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَبُولُ التَّوْبَةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ كَمَا سَمِعْته مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيِّ بِطُولِهَا أَكْثَرُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّفَاءِ.
فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبَزَّازِيَّ قَدْ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْتَهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا بَلْ اسْتَنَدَ إلَى مَا فِي الشِّفَاءِ وَالصَّارِمِ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْمُرَاجَعَةِ حَتَّى يَرَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا فَهِمَهُ مِمَّنْ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. فَلَقَدْ صَارَ هَذَا التَّسَاهُلُ سَبَبًا لِوُقُوعِ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ اعْتَمَدُوا عَلَى نَقْلِهِ وَقَلَّدُوهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَنْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ الْمَنْقُولُ قَبْلَ حُدُوثِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْبَزَّازِيِّ فِي كُتُبِنَا وَكُتُبِ غَيْرِنَا خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ إلَخْ) أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ مَا نَصُّهُ: وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا رِدَّةٌ، وَحُكْمُهَا حُكْمُهَا، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ: وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ. رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ حَيْثُ سَمِعَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَالِ، وَرَأَى هَذِهِ النُّقُولَ كَيْفَ لَا يَشْطُبُ مَتْنَهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَسْمَعَنِي بَعْضُ مَشَايِخِي رِسَالَةً حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ وَكَذَلِكَ كَتَبَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيُّ هُنَا عَلَى نُسْخَتِهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّفَاءِ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ «إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي» إلَخْ " أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي سَابِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَفِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى، فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّ تَحَتُّمَ قَتْلِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمَا عَدَاهُ فَإِنَّهُ إمَّا نَقْلُ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ طُرَّةُ مَجْهُولٍ لَمْ يُعْلَمْ كَاتِبُهَا، فَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكُلِّ أَمْرٍ مُسْتَغْرَبٍ وَتَغْفُلْ عَنْ الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَأَنْ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْفَظُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. أَمَّا عَلَى طَرِيقَتِنَا فَلَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ [نُورِ الْعَيْنِ] أَنَّ الْعَلَّامَةَ النِّحْرِيرَ الشَّهِيرَ بِحُسَامِ جَلْبِي أَلَّفَ رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ تَتَبَّعْنَا كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّابِّ عِنْدَهُمْ سِوَى
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشِّفَاءِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَظَاهِرُ الشِّفَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ أَوْ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِهَاشِمِيٍّ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ فَلْيُحَرَّرْ. وَمِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى مَا لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِكُفْرِهِ بِسَبِّ نَبِيٍّ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ نَهْرٌ. قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ سُؤَالًا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ طَالِبَ عِلْمٍ ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ فَقَالَ أَكُلُّ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صِدْقٌ يُعْمَلُ بِهَا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ أَوَّلًا بِسَبَبِ اسْتِفْهَامِهِ الْإِنْكَارِيِّ، وَثَانِيًا بِإِلْحَاقِهِ الشَّيْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفِي كُفْرِهِ الْأَوَّلِ عَنْ اعْتِقَادِهِ يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَلَا يُقْتَلُ، وَالثَّانِي يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ، -.
ــ
[رد المحتار]
مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ وَمَنْشَأَ غَلَطِهِ أَوَّلَ الرِّسَالَةِ. اهـ.
وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُحَقِّقِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إذَا تَابَ وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ، فَهَذَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ هُوَ وَلَا مَنْ تَبِعَهُ إلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى فَهْمٍ أَخْطَأَ فِيهِ حَيْثُ نَقَلَ عَمَّنْ صَرَّحَ، بِخِلَافِ مَا فَهِمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَرَدْت زِيَادَةَ الْبَيَانِ فِي الْمَقَامِ فَارْجِعْ إلَى كِتَابِنَا تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ) الْمُرَادُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ فِي الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ أَمَّا قَبُولُهَا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ شَاتِمًا لِنَبِيٍّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ قَالَهُ لِشَرِيفٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَدَمِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِائَةُ أَبٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى أُمِّ الْمَشْتُومِ مِائَةُ كَلْبٍ أَوْ أَلْفُ خِنْزِيرٍ، فَلَا يَدْخُلُ أَجْدَادُهُ فِي ذَلِكَ، وَحَيْثُ احْتَمَلَ التَّأْوِيلَ فَلَا يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ) هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَنَا فَقَالُوا: إذَا شَتَمَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ كَفَرَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكُفْرَ بِشَتْمِ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرُ رِدَّةٍ فَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، فَإِنْ تَابَ فَبِهَا وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) قَدْ عَلِمْت تَحْرِيرَهُ بِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ) أَيْ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ عَنْهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ قَائِلُونَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ. اهـ ط.
وَكَذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَئِمَّةُ كَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِكُفْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَنَفِيُّ فَيَسُوغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِقَبُولِهَا وَإِنْ قَالَ الْحَنَفِيُّ حَكَمْت بِالْكُفْرِ وَمُوجِبُهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكُفْرِ الْقَتْلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَتْلُ أَيْضًا إنْ تَابَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ مُوجِبَاتٌ أُخَرُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ وَحَبْطِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ حَكَمْت بِمُوجِبِهِ حُكْمًا بِقَتْلِهِ، وَإِنْ تَابَ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِعَدَمِ قَتْلِهِ إذَا تَابَ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ نَقَلَ صَرِيحَ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّ كَالشَّافِعِيِّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَيْفَ جَارَى صَاحِبَ النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُبَدِّلَ الْحَنَفِيَّ بِالْمَالِكِيِّ أَوْ الْحَنْبَلِيِّ.
(قَوْلُهُ سُؤَالًا) مَفْعُولُ رَأَيْت. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُؤَالٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ إلَخْ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ هَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ أَبِي السُّعُودِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَائِلِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ الْأَحَادِيثِ الْمَوْجُودَةِ لَيْسَتْ صِدْقًا لِأَنَّ فِيهَا الْمَوْضُوعَ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ
فَبَعْدَ أَخْذِهِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ اتِّفَاقًا فَيُقْتَلُ، وَقَبْلَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ فَلَا يُقْتَلُ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا تُقْبَلُ وَيُقْتَلُ حَدًّا فَلِذَلِكَ وَرَدَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ فِي سَنَةِ 944 لِقُضَاةِ الْمَمَالِكِ الْمَحْمِيَّةِ بِرِعَايَةِ رَأْيِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَحُسْنُ تَوْبَتِهِ وَإِسْلَامِهِ لَا يُقْتَلُ، وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ وَحَبْسِهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُنَاسٍ يُفْهَمُ خَيْرُهُمْ يُقْتَلُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ 955 تَقَرَّرَ هَذَا الْأَمْرُ بِآخَرَ، فَيُنْظَرُ الْقَائِلُ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ، وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ
(أَوْ) الْكَافِرُ بِسَبِّ (الشَّيْخَيْنِ أَوْ) بِسَبِّ (أَحَدِهِمَا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَعْزِيًّا لِلشَّهِيدِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا كَفَرَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَبِهِ أَخَذَ الدَّبُوسِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا: وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ، فَأُلْحِقَ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ انْتَهَى.
ــ
[رد المحتار]
أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الدُّرَرِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُهُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي: أَيْ إلْحَاقُ الشَّيْنِ يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ. أَقُولُ: لَا إفَادَةَ فِيهِ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ أَنْ لَا يَتَدَيَّنَ بِدِينٍ اهـ وَكَتَبَ ط نَحْوَهُ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ أَخْذِهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ صَارَ زِنْدِيقًا. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَوْ تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَنَا وَبَعْدَهُ لَا، اتِّفَاقًا. وَوَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ لِلْقُضَاةِ بِأَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إنْ ظَهَرَ حُسْنُ تَوْبَتِهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ عِنْدَهُمْ، وَتَبِعَهُ الْبَزَّازِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَكَذَا تَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَرِيحَ مَذْهَبِنَا خِلَافُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ عَلَى مَا إذَا تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَحُمِلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا بَعْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ حُكْمِ الزِّنْدِيقِ وَلَمْ يُفَصِّلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا التَّفْصِيلَ؛ وَلِأَنَّ الْبَزَّازِيَّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَالُوا إنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، بَلْ مَذْهَبَانِ مُتَبَايِنَانِ. عَلَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْأَخْذِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالزَّنْدَقَةِ الدَّاعِي إلَى زَنْدَقَتِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ كَلِمَةُ الشَّتْمِ مَرَّةً عَنْ غَيْظٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَصِيرُ زِنْدِيقًا بِهَذَا الْمَعْنَى
. (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ) قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ اتِّبَاعَنَا لَهُ وَاجِبٌ ط (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم) أَقُولُ: رِعَايَةُ جَانِبِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نُجَيْمٍ أَنَّ أَخَاهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَطَلَبَ مِنْهُ النَّقْلَ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا عَلَى طُرَّةِ الْجَوْهَرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَرْقِ الرَّجُلِ. اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَبِّ الشَّيْخَيْنِ وَأَقُولُ: عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ
قُلْت: وَيَكْفِينَا مَا مَرَّ مِنْ الْأَمْرِ فَتَدَبَّرْ. -
ــ
[رد المحتار]
عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ الْأَزْهَرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط. أَقُولُ: نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الرَّافِضِيَّ إذَا كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَيَلْعَنُهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ. اهـ.
وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ. عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ مُشْكِلٌ، لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَضْلِيلِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَجْمَعَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَسَبُّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبُغْضُهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا، لَكِنْ يُضَلَّلُ إلَخْ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ حُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ الْبَعْضَ، وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ، نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مُلْكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَاهِرَ الْفِسْقِ، وَتُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْجَبْرُ وَالْقَدَرُ وَالرَّفْضُ وَالْخَوَارِجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ. اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعْ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يُخْفِي السَّبَّ اهـ وَلَمْ يُعَلِّلْ أَحَدٌ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِالْكُفْرِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ اسْتَثْنَوْا الْخَطَّابِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَشْيَاعِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ، وَكَذَا نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَهَذَا فِيمَنْ يَسُبُّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَيُكَفِّرُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلٍ لَهُ فَاسِدٍ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ كَافِرٌ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَمِعْت. وَقَدْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْخُلَاصَةِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ مَا عُزِيَ إلَى الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْكُفْرِ مَعَ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ، فَكَيْفَ يَمِيلُ هُنَا إلَى التَّكْفِيرِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ فَضْلًا عَنْ مَيْلِهِ إلَى قَتْلِهِ وَإِنْ تَابَ، وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْمَذْهَبَ قَبُولُ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي الْإِفْتَاءِ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى، نَعَمْ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ، أَوْ اعْتَقَدَ الْأُلُوهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ الْمُخَالِفِ لِلْقُرْآنِ، وَلَكِنْ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ فَفِيهِ الْكِفَايَةُ لِذَوِي الدِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَيَكْفِينَا إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.
وَفِي الْمَعْرُوضَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَنْ فُصُوصِ الْحُكْمِ لِلشَّيْخِ مُحْيِى الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ صَنَّفَهُ لِلْإِضْلَالِ وَمَنْ طَالَعَهُ مُلْحِدٌ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ أَجَابَ: نَعَمْ فِيهِ كَلِمَاتٌ تُبَايِنُ الشَّرِيعَةَ، وَتَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ لِإِرْجَاعِهَا إلَى الشَّرْعِ، لَكِنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ افْتَرَاهَا عَلَى الشَّيْخِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ بِتَرْكِ مُطَالَعَةِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، وَقَدْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالنَّهْيِ فَيَجِبُ الِاجْتِنَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ، وَقَدْ أَثْنَى صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَيْهِ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيْهِ فِيهِ، فَكَتَبَ اللَّهُمَّ أَنْطِقْنَا بِمَا فِيهِ رِضَاك، الَّذِي أَعْتَقِدُهُ
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا شَكَّ وَلَا شُبْهَةَ فِي كُفْرِ شَاتِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي اسْتِبَاحَةِ قَتْلِهِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ إذَا أَسْلَمَ. فَعِنْدَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَبُولُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ حَدًّا أَوْ لَا. وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ بِدُونِ قَذْفٍ لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَا إنْكَارٍ لِصُحْبَةِ الصِّدِّيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ فَضْلًا عَنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ بَلْ هُوَ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْبُغَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مَطْلَبٌ فِي حَالِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (قَوْلُهُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْعَارِفُ الْكَبِيرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَيُقَالُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وُلِدَ سَنَةَ 560 وَمَاتَ فِي رَبِيعٍ سَنَةَ 636 وَدُفِنَ بِالصَّالِحِيَّةِ. وَحَسْبُك قَوْلُ زَرُّوقٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُحُولِ ذَاكِرِينَ بَعْضَ فَضْلِهِ، هُوَ أَعْرَفُ بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ فِي عُرْفِ الْقَوْمِ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ طَبَقَاتِ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ) أَيْ الْمُتَكَلِّفِينَ (قَوْلُهُ لَكِنَّا تَيَقَّنَّا إلَخْ) لَعَلَّ تَيَقُّنَهُ بِذَلِكَ بِدَلِيلٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِسَبَبِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِ الشَّيْخِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا فَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَيْهِ؛ كَمَا وَقَعَ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُسَّادِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَشْيَاءَ مُكَفِّرَةً وَأَشَاعَهَا عَنْهُ حَتَّى اجْتَمَعَ بِعُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَخْرَجَ لَهُمْ مُسَوَّدَةَ كِتَابِهِ الَّتِي عَلَيْهَا خُطُوطُ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا هِيَ خَالِيَةٌ عَمَّا اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ هَذَا. وَمَنْ أَرَادَ شَرْحَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي اعْتَرَضَهَا الْمُنْكِرُونَ فَلْيَرْجِعْ إلَى كِتَابِ الرَّدِّ الْمَتِينِ عَلَى مُنْتَقِصِ الْعَارِفِ مُحْيِي الدِّينِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ) لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ افْتِرَاؤُهَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَا يَفْهَمُ كُلُّ أَحَدٍ مُرَادَهُ فِيهَا، فَيَخْشَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهَا مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَوْ فَهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ. وَلِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ بِتَبْرِئَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: الْفِرْقَةُ الْمُصِيبَةُ تَعْتَقِدُ وِلَايَتَهُ، وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ عِنْدِي فِيهِ طَرِيقَةٌ لَا يَرْضَاهَا الْفِرْقَتَانِ، وَهِيَ اعْتِقَادُ وِلَايَتِهِ وَتَحْرِيمُ النَّظَرِ فِي كُتُبِهِ. فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي كُتُبِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَلْفَاظٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَأَرَادُوا بِهَا مَعَانِيَ غَيْرَ الْمَعَانِي الْمُتَعَارَفَةِ مِنْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْمُتَعَارَفَةِ كَفَرَ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَقَالَ إنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتَشَابِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالِاسْتِوَاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْكِتَابِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كُلِّ كَلِمَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يهدَسَّ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مُلْحِدٍ أَوْ زِنْدِيقٍ وَثُبُوتُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْقَلْبِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُسْتَشْنَعُ ظَاهِرُهَا فَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى طَرِيقِنَا هَذَا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، وَالْمُتَصَدِّي لِلنَّظَرِ فِي كُتُبِهِ أَوْ إقْرَائِهَا لَمْ يَنْصَحْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ الْقَاصِرِينَ عَنْ عُلُومِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَضِلُّ
وَأَدِينُ اللَّهَ بِهِ إنَّهُ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْخَ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا، وَإِمَامَ الْحَقِيقَةِ حَقِيقَةً وَرَسْمًا وَمُحْيِي رُسُومِ الْمَعَارِفِ فِعْلًا وَاسْمًا:
إذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ
…
مِنْ عِلْمِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ
عُبَابٌ لَا تُكَدِّرُ الدِّلَاءُ، وَسَحَابٌ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ، كَانَتْ دَعْوَتُهُ تَخْرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَتُفَرَّقُ بَرَكَاتُهُ فَتَمْلَأُ الْآفَاقَ. وَإِنِّي أَصِفُهُ وَهُوَ يَقِينًا فَوْقَ مَا وَصَفْتُهُ، وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْتُهُ،
ــ
[رد المحتار]
وَيُضِلُّ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا فَلَيْسَ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ إقْرَاءُ الْمُرِيدِينَ لِكُتُبِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ الْكُتُبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: سَمِعْت أَنَّ الْفَقِيهَ الْعَالِمَ الْعَلَّامَةَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يَطْعَنُ فِي ابْنِ عَرَبِيٍّ وَيَقُولُ هُوَ زِنْدِيقٌ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُرِيدُ أَنْ تُرِيَنِي الْقُطْبَ فَأَشَارَ إلَى ابْنِ عَرَبِيٍّ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ تَطْعَنُ فِيهِ: فَقَالَ حَتَّى أَصُونَ ظَاهِرَ الشَّرْعِ أَوْ كَمَا قَالَ. وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فَتْوَى قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَا أَبْدَعَ فِي مَدْحِهِ: وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا فُصُوصٌ حُكْمِيَّةٌ وَفُتُوحَاتٌ مَكِّيَّةٌ بَعْضُ مَسَائِلِهَا مَفْهُومُ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَمُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَالشَّرْعِ النَّبَوِيِّ؛ وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ عَنْ إدْرَاكِ أَهْلِ الظَّاهِرِ دُونَ أَهْلِ الْكَشْفِ وَالْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَامِ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّكُوتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36]
- (قَوْلُهُ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا) الطَّرِيقَةُ: هِيَ السِّيرَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسَّالِكِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ قَطْعِ الْمَنَازِلِ وَالتَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ، وَالْحَالُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مَعْنًى يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَصَنُّعٍ وَلَا اجْتِلَابٍ وَلَا اكْتِسَابٍ، مِنْ طَرَبٍ أَوْ حُزْنٍ، أَوْ قَبْضٍ أَوْ بَسْطٍ، أَوْ هَيْبَةٍ، وَيَزُولُ بِظُهُورِ صِفَاتِ النَّفْسِ سَوَاءٌ تَعَقَّبَهُ الْمِثْلُ أَوْ لَا فَإِذَا دَامَ وَصَارَ مَلَكَةً يُسَمَّى مَقَامًا، فَالْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ، وَالْمَقَامَاتُ تَحْصُلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ، وَالْعِلْمُ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، وَمِنْهُ فِعْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَيْرِ وَانْفِعَالِيٌّ مَا أُخِذَ مِنْ الْغَيْرِ اهـ مِنْ تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ قَدَّسَ سِرَّهُ.
(قَوْلُهُ وَإِمَامُ الْحَقِيقَةِ) هِيَ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ بِالْقَلْبِ، وَيُقَالُ هِيَ سِرٌّ مَعْنَوِيٌّ لَا حَدَّ لَهُ وَلَا جِهَةَ، وَهِيَ وَالطَّرِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ مُتَلَازِمَةٌ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَهَا ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ؛ فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ فَبُطُونُ الْحَقِيقَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ كَبُطُونِ الزُّبْدِ فِي لَبَنِهِ لَا يُظْفَرُ مِنْ اللَّبَنِ بِزُبْدِهِ بِدُونِ مَخْضِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنْ الْعَبْدِ اهـ مِنْ الْفُتُوحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ حَقِيقَةً وَرَسْمًا) الْحَقِيقَةُ ضِدُّ الْمَجَازِ. وَالرَّسْمُ الْأَثَرُ أَوْ بَقِيَّتُهُ أَوْ مَا لَا شَخْصَ لَهُ مِنْ الْآثَارِ جَمْعُهُ أَرْسُمٌ وَرُسُومٌ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْإِمَامُ مِنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ الظَّاهِرِ لِلْبَصَرِ (قَوْلُهُ فِعْلًا وَاسْمًا) أَيْ أَحْيَا آثَارَهَا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ حَتَّى صَارَتْ الْمَعَارِفُ فَاعِلَةَ أَفْعَالِهَا وَمَشْهُورَةً بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ إذَا تَغَلْغَلَ إلَخْ) هَذَا بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ الْبَسِيطِ. وَالتَّغَلْغُلُ الدُّخُولُ وَالْإِسْرَاعُ. وَالْفِكْرُ: بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ. وَالْخَاطِرُ: الْهَاجِسُ قَامُوسٌ، وَهُوَ مَا يَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَمْرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ عُبَابٌ) كَغُرَابٍ مُعْظَمُ السَّيْلِ وَكَثْرَتُهُ وَمَوْجُهُ. وَالدِّلَاءُ جَمْعُ دَلْوٍ: أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَخْذِ الدِّلَاءِ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى أَسْفَلِهِ لِكَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ) التَّقَاصِي: بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ التَّبَاعُدُ. وَالْأَنْوَاءُ: جَمْعُ نَوْءٍ وَهُوَ النَّجْمُ. وَاسْتِنَاءَهُ: طَلَبُ نَوْئِهِ أَيْ عَطَاءَهُ قَامُوسٌ: أَيْ أَنَّهُ سَحَابٌ تَتَبَاعَدُ عَنْ مَطَرِهِ وَفَيْضِهِ النُّجُومُ الَّتِي يَكُونُ الْمَطَرُ وَقْتَ طُلُوعِهَا، أَوْ تَتَبَاعَدُ عَنْهُ عَطَايَا النَّاسِ: أَيْ لَا تُشْبِهُهُ (قَوْلُهُ الْآفَاقَ) جَمْعُ أُفُقٍ بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ النَّاحِيَةُ وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوَاحِي الْفَلَكِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقِينًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ أَيْقَنَهُ، جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ط (قَوْلُهُ وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْته) الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ طَابَقَ الْفِعْلَ ط.
وَغَالِبُ ظَنِّيِّ أَنِّي مَا أَنْصَفْتُهُ:
وَمَا عَلَيَّ إذَا مَا قُلْتُ مُعْتَقَدِي
…
دَعْ الْجَهُولَ يَظُنُّ الْجَهْلَ عُدْوَانًا
وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَمَنْ
…
أَقَامَهُ حُجَّةً لِلَّهِ بُرْهَانًا
إنَّ الَّذِي قُلْتُ بَعْضٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ
…
مَا زِدْتُ إلَّا لَعَلِّي زِدْتُ نُقْصَانًا
إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ خَوَاصِّ كُتُبِهِ أَنَّهُ مَنْ وَاظَبَ عَلَى مُطَالَعَتِهَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِفَكِّ الْمُعْضِلَاتِ، وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْعَارِفُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ سِيَّمَا فِي كِتَابِهِ [تَنْبِيهُ الْأَغْبِيَاءِ، عَلَى قَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ عُلُومِ الْأَوْلِيَاءِ] فَعَلَيْك وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
(وَ) الْكَافِرُ بِسَبَبِ اعْتِقَادِ (السِّحْرِ) لَا تَوْبَةٌ لَهُ (وَلَوْ امْرَأَةً) فِي الْأَصَحِّ
ــ
[رد المحتار]
وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى أَصِفُهُ (قَوْلُهُ مَا أَنْصَفْته) يُقَالُ أَنْصَفْته إنْصَافًا عَامَلْته بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَمَا عَلَيَّ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ نَافِيَةٌ: أَيْ وَمَا عَلَيَّ شَيْءٌ (قَوْلُهُ يَظُنُّ الْجَهْلَ) أَيْ يَظُنُّ الْجَهْلَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ أَوَّلُ أَوْ يَظُنُّ الظَّنَّ الْجَهْلَ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَقَوْلُهُ عُدْوَانًا أَيْ ظُلْمًا مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ حَالٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ إنَّ الْجَهْلَ بِمَعْنَى الْمَجْهُولِ مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَعُدْوَانًا مَفْعُولٌ ثَانٍ: أَيْ ذَا عُدْوَانٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بُرْهَانًا) هُوَ الْحُجَّةُ قَامُوسٌ، فَهُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ ط (قَوْلُهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ) جَمْعُ مَنْقَبَةٍ وَهِيَ الْمَفْخَرَةُ قَامُوسٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا لَعَلِّي) أَيْ لَكِنْ أَخَافُ وَأُشْفِقُ أَنِّي زِدْتُ مِنْ جِهَةِ النُّقْصَانِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ، فَنُقْصَانًا تَمْيِيزٌ لَا مَفْعُولُ زِدْت لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا قِيلَ فِي زَادَ النَّقْصُ أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ حَتَّى يَتَسَلَّطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
مَطْلَبٌ فِي السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ بِسَبَبِ اعْتِقَادِ السِّحْرِ) فِي الْفَتْحِ: السِّحْرُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» يَعْنِي الْقَتْلَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ. وَأَمَّا الْكَاهِنُ، فَقِيلَ هُوَ السَّاحِرُ، وَقِيلَ هُوَ الْعَرَّافُ الَّذِي يُحَدِّثُ وَيَتَخَرَّصُ، وَقِيلَ مَنْ لَهُ مِنْ الْجِنِّ مَنْ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَفْعَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ كَفَرَ لَا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ اعْتَقَدَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُهُ كَفَرَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ حُكْمُهُ كَالسَّاحِرِ فِي رِوَايَةٍ يُقْتَلُ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كُفْرِ السَّاحِرِ وَالْعَرَّافِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا قَتْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا عُرِفَتْ مُزَاوَلَتُهُ لِعَمَلِ السِّحْرِ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ مُكَفِّرًا، وَبِهِ جَزَمَ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا إنْ عُرِفَ تَعَاطِيهِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: اتَّخَذَ لُعْبَةً لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ. قَالُوا: هُوَ مُرْتَدٌّ وَيُقْتَلُ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ لَهَا أَثَرًا وَيَعْتَقِدُ التَّفْرِيقَ مِنْ اللُّعْبَةِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ. اهـ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ: سَاحِرٌ يُسْحِرُ وَيَدَّعِي الْخَلْقَ مِنْ نَفْسِهِ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ. وَسَاحِرٌ يُسْحِرُ وَهُوَ جَاحِدٌ لَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ إذَا ثَبَتَ سِحْرُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ. وَسَاحِرٌ يُسْحِرُ تَجْرِبَةً وَلَا يَعْتَقِدُ بِهِ لَا يَكْفُرُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السَّاحِرُ إذَا أَقَرَّ بِسِحْرِهِ أَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ يُقْتَلُ السَّاحِرُ الْمُسْلِمُ لَا الْكِتَابِيُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّاحِرِ غَيْرُ الْمُشَعْوِذِ وَلَا صَاحِبُ الطَّلْسَمِ وَلَا الَّذِي يَعْتَقِدُ
لِسَعْيِهَا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ (وَ) كَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ (الزَّنْدَقَةِ) -
ــ
[رد المحتار]
الْإِسْلَامَ. وَالسِّحْرُ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ أَمْرٌ كَائِنٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلشَّرِّ وَالضَّرَرِ بِالْخَلْقِ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّرِّ شَرٌّ فَيَصِيرُ مَذْمُومًا. اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْأَوَّلَ مُصَرِّحٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ. وَالثَّانِي لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقُولُ كَمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ جَاحِدٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْتَتَابُ: أَيْ لَا يُمْهَلُ طَلَبًا لِلتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ بَعْدَ أَخْذِهِ كَمَا يَأْتِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْخَنَّاقِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ أَيْضًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الضَّرَرِ، وَأَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ بِكَوْنِهِ كَافِرًا بِسَبَبِ اعْتِقَادِ السِّحْرِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ يُقْتَلُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَوْ لَمْ يَكْفُرْ بِاعْتِقَادِهِ، نَعَمْ لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ارْتَدَّ قَيَّدَ بِذَلِكَ تَأَمَّلْ. وَعُلِمَ بِهِ وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِ السِّحْرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اعْتِقَادٌ أَوْ عَمَلُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ، وَلِذَا نَقَلَ فِي [تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ] عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدَّ مَا لَزِمَ فِي شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ كُفْرًا وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَقَدَّمْنَا فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ تَعْدَادَ أَنْوَاعِ السِّحْرِ وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلْ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ مَوْلَانَا خَالِدٍ النَّقْشَبَنْدِيِّ](قَوْلُهُ لِسَعْيِهَا إلَخْ) أَيْ لَا بِسَبَبِ اعْتِقَادِهَا الَّذِي هُوَ رِدَّةٌ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَلْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ الزِّنْدِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَتِهِ: الزِّنْدِيقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْفِي الْبَارِيَ تَعَالَى، وَعَلَى مَنْ يُثْبِتُ الشَّرِيكَ، وَعَلَى مَنْ يُنْكِرُ حِكْمَتَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ زِنْدِيقًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرْتَدُّ قَدْ لَا يَكُونُ زِنْدِيقًا كَمَا لَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقُ. وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ، فَالْفَرْقُ أَظْهَرُ لِاعْتِبَارِهِمْ فِيهِ إبْطَانَ الْكُفْرِ وَالِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، لَكِنَّ الْقَيْدَ الثَّانِيَ فِي الزِّنْدِيقِ الْإِسْلَامِيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي إبْطَانِ الْكُفْرِ أَنَّ الْمُنَافِقَ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَالدَّهْرِيَّ كَذَلِكَ مَعَ إنْكَارِهِ إسْنَادَ الْحَوَادِثِ إلَى الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ سبحانه وتعالى. وَالْمُلْحِدُ: وَهُوَ مَنْ مَالَ عَنْ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، مَنْ أَلْحَدَ فِي الدِّينِ: حَادَ وَعَدَلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَلَا بِوُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَبِهَذَا فَارَقَ الدَّهْرِيَّ أَيْضًا، وَلَا إضْمَارَ الْكُفْرِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُنَافِقَ، وَلَا سَبَقَ الْإِسْلَامَ وَبِهِ فَارَقَ الْمُرْتَدَّ، فَالْمُلْحِدُ أَوْسَعُ فِرَقِ الْكُفْرِ حَدًّا: أَيْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: لَكِنَّ الزِّنْدِيقَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالنُّبُوَّةِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ تَفْسِيرُهُ بِمَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ. ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الزِّنْدِيقِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا دَاعِيًا إلَى الضَّلَالِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ زِنْدِيقًا مِنْ الْأَصْلِ عَلَى الشِّرْكِ، أَوْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقَ، أَوْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَيَتَزَنْدَقَ، فَالْأَوَّلُ يُتْرَكُ عَلَى شِرْكِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، أَيْ بِخِلَافِ مُشْرِكِ الْعَرَبِ
لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَجَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ (إذَا أُخِذَ) السَّاحِرُ أَوْ الزِّنْدِيقُ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي (قَبْلَ تَوْبَتِهِ) ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلْ، وَلَوْ أُخِذَ بَعْدَهَا قُبِلَتْ. وَأَفَادَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْخَنَّاقَ لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ: الْكَاهِنُ قِيلَ كَالسَّاحِرِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ لِمُنْلَا خُسْرو:
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ. وَالثَّانِي يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ. وَفِي الثَّالِثِ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَالْأَوَّلُ أَيْ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَئُوبَ بِالِاخْتِيَارِ وَيَرْجِعَ عَمَّا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ أَوَّلًا، وَالثَّانِي يُقْتَلُ دُونَ الْأَوَّلِ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ) تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي السَّابِّ، وَلِذَا نَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الشُّمُنِّيّ بَعْدَ نَقْلِهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِلَا خِلَافٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْفَتْحِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ.
وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مَحْمَلَ الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ) أَيْ بِالزَّنْدَقَةِ الدَّاعِي أَيْ الَّذِي يَدْعُو النَّاسُ إلَى زَنْدَقَتِهِ. اهـ. ح. فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ مَعْرُوفًا دَاعِيًا إلَى الضَّلَالِ، وَقَدْ اعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يُبْطِنَ الْكُفْرَ. قُلْتُ: لَا بُعْدَ فِيهِ، فَإِنَّ الزِّنْدِيقَ يُمَوِّهُ كُفْرَهُ وَيُرَوِّجُ عَقِيدَتَهُ الْفَاسِدَةَ وَيُخْرِجُهَا فِي الصُّورَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا مَعْنَى إبْطَالِ الْكُفْرِ، فَلَا يُنَافِي إظْهَارَهُ الدَّعْوَى إلَى الضَّلَالِ وَكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِالْإِضْلَالِ اهـ.
ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ أَنَّ الْخَنَّاقَ لَا تَوْبَةَ لَهُ) أَفَادَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ مَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا يُقْتَلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ الْجِهَادِ: وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنْقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ وَإِلَّا لَا. اهـ. ط. قُلْتُ: ذِكْرُ الْخَنَّاقِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكَافِرِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْخَنَّاقُ غَيْرُ كَافِرٍ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْ الْعِبَادِ، وَمِثْلُهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ: مَطْلَبٌ فِي الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ (قَوْلُهُ الْكَاهِنُ قِيلَ كَالسَّاحِرِ) فِي الْحَدِيثِ " «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْكَاهِنُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِلسُّيُوطِيِّ: مَنْ يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنْ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ. وَالْعَرَّافُ: الْمُنَجِّمُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَاهِنَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْغَيْبِ بِأَسْبَابٍ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَا انْقَسَمَ إلَى أَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالْعَرَّافِ. وَالرَّمَّالِ وَالْمُنَجِّمِ: وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ بِطُلُوعِ النَّجْمِ وَغُرُوبِهِ، وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالْحَصَى، وَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ صَاحِبًا مِنْ الْجِنِّ يُخْبِرُهُ عَمَّا سَيَكُونُ، وَالْكُلُّ مَذْمُومٌ شَرْعًا، مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُصَدِّقِهِمْ بِالْكُفْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: يَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ أَوْ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ اهـ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا أَرْبَابُ التَّقَاوِيمِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَاهِنِ لِادِّعَائِهِمْ الْعِلْمَ بِالْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ
الدَّاعِي إلَى الْإِلْحَادِ وَالْإِبَاحِيُّ كَالزِّنْدِيقِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالْمُنَافِقُ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَكَذَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُنْكِرُ فِي الْبَاطِنِ بَعْضَ الضَّرُورِيَّاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَيُظْهِرُ اعْتِقَادَ حُرْمَتِهِ،
ــ
[رد المحتار]
الْخَوَاصِّ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ فَهُوَ بِإِعْلَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ نُوحٍ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ.
مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ مُعَارِضَةٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيَكْفُرُ بِهَا، إلَّا إذَا أُسْنِدَ ذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إلَى سَبَبٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَوَحْيٍ أَوْ إلْهَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى أَمَارَةٍ عَادِيَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ، إذْ هُوَ قِسْمَانِ: حِسَابِيٌّ وَإِنَّهُ حَقٌّ وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. قَالَ تَعَالَى - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]- أَيْ سَيْرُهُمَا بِحُسْبَانٍ. وَاسْتِدْلَالِيٌّ بِسَيْرِ النُّجُومِ وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ عَلَى الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَاسْتِدْلَالِ الطَّبِيبِ بِالنَّبْضِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ بِنَفْسِهِ يَكْفُرُ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ يُطْلَبُ مِنْ رِسَالَتِنَا سَلِّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ (قَوْلُهُ الدَّاعِي إلَى الْإِلْحَادِ) قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ كَمَالٍ بَيَانَهُ (قَوْلُهُ وَالْإِبَاحِيُّ) أَيْ الَّذِي يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ مُعْتَقَدُ الزَّنَادِقَةِ. فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ بِبَقَاءِ الدَّهْرِيِّ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْحُرُمَ مُشْتَرَكَةٌ. اهـ. وَفِي رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ عَنْ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ [التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ] وَمِنْ جِنْسِ ذَلِكَ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي التَّصَوُّفَ أَنَّهُ بَلَغَ حَالَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَحَلَّ لَهُ شُرْبُ الْمُسْكِرِ وَالْمَعَاصِي وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ، فَهَذَا مِمَّا لَا أَشُكُّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إذْ ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ؛ وَيَنْفَتِحُ بِهِ بَابٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ لَا يَنْسَدُّ؛ وَضَرَرُ هَذَا فَوْقَ ضَرَرِ مَنْ يَقُولُ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ عَنْ الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ لِظُهُورِ كُفْرِهِ.
أَمَّا هَذَا فَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ إلَّا تَخْصِيصَ عُمُومِ التَّكْلِيفِ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ دَرَجَتِهِ فِي الدِّينِ وَيَتَدَاعَى هَذَا إلَى أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ فَاسِقٍ مِثْلَ حَالِهِ اهـ.
مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إذَا ظَهَرَتْ بِدْعَتُهُمْ وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْهِيدِ: أَهْلُ الْأَهْوَاءِ إذَا ظَهَرَتْ بِدْعَتُهُمْ بِحَيْثُ تُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَرْجِعُوا وَلَمْ يَتُوبُوا، وَإِذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ جَمِيعًا إلَّا الْإِبَاحِيَّةَ وَالْغَالِيَةَ وَالشِّيعَةَ مِنْ الرَّوَافِضِ وَالْقَرَامِطَةَ وَالزَّنَادِقَةَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَيُقْتَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا بِالصَّانِعِ تَعَالَى حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ تَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالْإِظْهَارِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، فَأَمَّا فِي بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ بِأَيِّ وَجْهٍ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا حَبْسٍ وَضَرْبٍ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَضَرْبُهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْمَنْعُ بِلَا سَيْفٍ إنْ كَانَ رَئِيسُهُمْ وَمُقْتَدَاهُمْ جَازَ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَامْتِنَاعًا. وَالْمُبْتَدِعُ لَوْ لَهُ دَلَالَةٌ وَدَعْوَةٌ لِلنَّاسِ إلَى بِدْعَتِهِ وَيَتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنْ يَنْشُرَ الْبِدْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ جَازَ لِلسُّلْطَانِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا لِأَنَّ فَسَادَهُ أَعْلَى وَأَعَمُّ حَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ. وَالْبِدْعَةُ لَوْ كَانَتْ كُفْرًا يُبَاحُ قَتْلُ أَصْحَابِهَا عَامًا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كُفْرًا يُقْتَلُ مُعَلِّمُهُمْ وَرَئِيسُهُمْ زَجْرًا وَامْتِنَاعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِيهِ: يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ انْتَهَى؛ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ وَلَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَكْفُرُ
ــ
[رد المحتار]
الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى دِينٍ، أَوْ الَّذِي يَكُونُ اعْتِقَادُهُ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ تَفْسِيرَهُ شَرْعًا بِمَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَهَذَا أَعَمُّ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُنَافِقِ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا، وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يَسُرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ اهـ.
مَطْلَبٌ حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِمَّا هُنَا حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ فَإِنَّهُمْ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ وَحِلَّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ تَظْهَرُ فِي شَخْصٍ بَعْدَ شَخْصٍ وَيَجْحَدُونَ الْحَشْرَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ، وَيَقُولُونَ الْمُسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَيَتَكَلَّمُونَ فِي جَنَابِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ فَظِيعَةً. وَلِلْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيِّ فِيهِمْ فَتْوَى مُطَوَّلَةٌ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ عَقَائِدَ النُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ بِالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ. وَنَقَلَ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِمْ فَتْوَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا فَرَاجِعْهَا.
مَطْلَبٌ جُمْلَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُلْحِدِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذَا الِاعْتِقَادِ الْخَبِيثِ لَا يَجْعَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ أَحَدِهِمْ ظَاهِرًا إلَّا بِشَرْطِ التَّبَرِّي عَنْ جَمِيعِ مَا يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَيُقِرُّونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَبَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ أَصْلًا. وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ سَأَلَ فُقَهَاءَ سَمَرْقَنْدَ عَنْ رَجُلٍ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ ثُمَّ أُقِرُّ بِأَنِّي كُنْت أَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْقَرَامِطَةِ وَأَدْعُو إلَيْهِ وَالْآنَ تُبْت وَرَجَعْت وَهُوَ يُظْهِرُ الْآنَ مَا كَانَ يُظْهِرُهُ قَبْلُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَتْلُ الْقَرَامِطَةِ وَاسْتِئْصَالُهُمْ فَرْضٌ. وَأَمَّا هَذَا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ يُتَغَفَّلُ وَيُقْتَلُ: أَيْ تُطْلَبُ غَفْلَتُهُ فِي عِرْفَانِ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِغْفَالٍ لِأَنَّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَدَعَا النَّاسَ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي بَعْدُ مِنْ التَّوْبَةِ وَلَوْ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لَهَدَمُوا الْإِسْلَامَ وَأَضَلُّوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْكِنَ قَتْلُهُمْ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ عِدَّةَ فَتَاوَى عَنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ اعْتِمَادُ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْهَا وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ أَوْ لَا: أَيْ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَحْرِيمَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا هُوَ كُفْرٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]- وَعَلَى هَذَا فَغَيْرُ الْمُكَفِّرِ لَا يُسَمَّى سِحْرًا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاحِرِ غَيْرُ الْمُشَعْوِذِ وَلَا صَاحِبُ الطَّلْسَمِ وَلَا مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ يَعْتَقِدْ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ، وَلِذَا قَالَ هُنَا وَلَا يَعْتَقِدُهُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يُسَمَّى سَاحِرًا مَا لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ يَفْعَلْ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّ (كُلَّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ إلَّا) جَمَاعَةً (الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى، وَمَنْ إسْلَامُهُ تَبَعًا، وَالصَّبِيَّ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا) زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ انْتَهَى. وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَقِيلَ تُقْبَلُ؛ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا، وَتَمَامُهُ فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ، وَيُلْحَقُ بِالصَّبِيِّ مَنْ وَلَدَتْهُ الْمُرْتَدَّةُ بَيْنَنَا إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ جُمْلَةُ مَنْ لَا يُقْتَلُ إذَا ارْتَدَّ
(قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا أَحَدَ عَشَرَ: مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَسَابُّ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَسَابُّ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ، وَالسَّاحِرُ، وَالزِّنْدِيقُ وَالْخَنَّاقُ؛ وَالْكَاهِنُ، وَالْمُلْحِدُ، وَالْإِبَاحِيُّ وَالْمُنَافِقُ، وَمُنْكِرُ بَعْضِ الضَّرُورِيَّاتِ بَاطِنًا. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنَّ السَّاحِرَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ، وَالْخَنَّاقُ غَيْرُ كَافِرٍ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الزِّنْدِيقُ الدَّاعِي وَالْمُلْحِدُ وَمَا بَعْدَهُ فَيَكْفِي فِيهِ إظْهَارُهُ لِلْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ جُمْلَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا ارْتَدَّ أَوْ لَمْ يَرْتَدَّ أَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا؛ وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّمْهِيدِ، وَكَذَا الْعَوَانِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ. وَأَمَّا ذِكْرُ سَابِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ الْمَرْأَةَ) يُسْتَثْنَى مِنْهَا الْمُرْتَدَّةُ بِالسِّحْرِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْخُنْثَى) أَيْ الْمُشْكِلَ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ وَيُحْبَسْ وَيُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَمَنْ إسْلَامُهُ تَبَعًا) صَوَابُهُ تَبَعٌ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: صَبِيٌّ أَبَوَيْهِ مُسْلِمَانِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَبَلَغَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقْتَلُ لِانْعِدَامِ الرِّدَّةِ مِنْهُ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلتَّكْذِيبِ بَعْدَ سَابِقَةِ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ بِقَتْلٍ وَلَكِنَّهُ فِي الْأُولَى يُحْبَسُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعًا، وَالْحُكْمُ فِي أَكْسَابِهِ كَالْحُكْمِ فِي أَكْسَابِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ حُكْمًا اهـ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيَّ إذَا أَسْلَمَ) أَيْ اسْتِقْلَالًا بِنَفْسِهِ لَا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمَارَّةُ، وَأَطْلَقَ عَدَمَ قَتْلِهِ فَشَمَلَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَفِي الْبَحْرِ: لَوْ بَلَغَ مُرْتَدًّا لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ: وَبَقِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَهِيَ مَا لَوْ ارْتَدَّ الصَّبِيُّ فِي صِغَرِهِ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوْلَى فِيمَا إذَا ارْتَدَّ حَالَ الْبُلُوغِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِقَادِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتْحٌ، وَفِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ: وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ شُبْهَةُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) هَذَا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ كَمَا سَتَرَاهُ ح (قَوْلُهُ وَقِيلَ تُقْبَلُ) يُوهِمُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى اتِّفَاقِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَفِي النَّوَادِرِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ كَمَا فِي ح وَاعْتَمَدَ قَاضِي خَانْ قَوْلَ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْقَتْلِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ أَيَّ نَفْسٍ كَانَتْ لَا تُقْتَلُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ط عَنْ نُوحٍ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ مَنْ وَلَدَتْهُ الْمُرْتَدَّةُ بَيْنَنَا) لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَأُمِّهِ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ
وَالسَّكْرَانُ إذَا أَسْلَمَ وَكَذَا اللَّقِيطُ لِأَنَّ إسْلَامَهُ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَقَيَّدَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمُكْرَهَ بِالْحَرْبِيِّ. أَمَّا الذِّمِّيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ انْتَهَى، لَكِنْ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ فَلْيُحْفَظْ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ.
(شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ) لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بَلْ (لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ) يَعْنِي فَيُمْتَنَعُ الْقَتْلُ فَقَطْ. وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ كَحَبْطِ عَمَلٍ وَبُطْلَانِ وَقْفٍ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ لَوْ فِيمَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا قُتِلَ كَالرِّدَّةِ بِسَبِّهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا مَرَّ أَشْبَاهٌ. زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: مَا يَكُونُ كُفْرًا اتِّفَاقًا يُبْطِلُ الْعَمَلَ
ــ
[رد المحتار]
تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ فَبَلَغَ كَافِرًا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ بَيْنَنَا أَيْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ قَيْدٍ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُجْبَرُ بِالضَّرْبِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ إذَا أَسْلَمَ) يَعْنِي فَإِنَّ إسْلَامَهُ يَصِحُّ، فَإِنْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا ارْتَدَّ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة.
قُلْت: أَيْ إنْ ارْتَدَّ بَعْدَ صَحْوِهِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّ إسْلَامَهُ حُكْمِيٌّ) أَيْ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ) وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ رَمْلِيٌّ وَهُوَ الصَّوَابُ ط عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَصَالَةً فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْتِزَامِ الذِّمَّةِ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ: كَمَا لَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمُسْلِمِ بِهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ، لَكِنْ لَوْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ: الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ، وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ صُورَتَانِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِدُونِ إقْرَارٍ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتُونِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِنْكَارَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا رُفِعَتْ الْمُرْتَدَّةُ إلَى الْإِمَامِ فَقَالَتْ مَا ارْتَدَدْت وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَانَ هَذَا تَوْبَةً مِنْهَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ قَالَ: كَوْنُ مُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ تَوْبَةً غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: إذَا جَحَدَ الْمُرْتَدُّ الرِّدَّةَ وَأَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَبِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام وَبِدِينِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا مِنْهُ تَوْبَةٌ اهـ (قَوْلُهُ كَحَبْطِ عَمَلٍ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَبُطْلَانِ وَقْفٍ) أَيْ الَّذِي وَقَفَهُ حَالَ إسْلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى قُرْبَةٍ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ وُجُودِ الرِّدَّةِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا لَا يَعُودُ وَقْفُهُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ كَانَ الْوَقْفُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ بَحْرٌ عَنْ الْخَصَّافِ.
(قَوْلُهُ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ) وَتَكُونُ فَسْخًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَلَوْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَبِغَيْرِ طَلَاقٍ إجْمَاعًا، ثُمَّ إذَا تَابَ وَأَسْلَمَ تَرْتَفِعُ تِلْكَ الْبَيْنُونَةُ بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَرْفَعُ أَصْلُهُ لَا تَرْتَفِعُ فَسَقَطَتْ لَفْظَةُ لَا النَّافِيَةِ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِفُرُوعِهِمْ الْكَثِيرَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحَةِ بِلُزُومِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَمِنْهَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهِ كَبُطْلَانِ وَقْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا بِإِسْلَامِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ فِيمَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) شَرَطَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ فَيُمْتَنَعُ الْقَتْلُ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) قَدَّمْنَا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ) أَيْ حَيْثُ فَهِمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا حَتَّى فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ)
وَالنِّكَاحَ وَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ زِنًا، وَمَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ
(وَلَا يُتْرَكُ) الْمُرْتَدُّ (عَلَى رِدَّتِهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَقَّتٍ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَبَّدٍ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ) بِدَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ خَانِيَّةٌ
(وَالْكُفْرُ) كُلُّهُ (مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (فَلَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ
(وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ) أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ (وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ) وَلَوْ زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ زَيْلَعِيٌّ
ــ
[رد المحتار]
صَوَابُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا تَابَ حُكْمًا بِجَعْلِ إنْكَارِهِ تَوْبَةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ارْتَدَّ وَلَمْ يَتُبْ ط (قَوْلُهُ وَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ زِنًا) كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَيُجَدِّدُ بَيْنَهُمَا النِّكَاحَ إنْ رَضِيَتْ زَوْجَتُهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُجْبَرُ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ يَكُونُ زِنًا اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَبِينُ مِنْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالتَّوْبَةِ) أَيْ تَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ) أَيْ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. وَزَادَ فِيهَا قِسْمًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَمَا كَانَ خَطَأً مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَقَائِلُهُ يُقَرُّ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ احْتِيَاطًا أَيْ يَأْمُرُهُ الْمُفْتِي بِالتَّجْدِيدِ لِيَكُونَ وَطْؤُهُ حَلَالًا بِاتِّفَاقٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِلَافِ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَلَا تُقْتَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَكُونُ اسْتِرْقَاقُهَا مُسْقِطًا عَنْهَا الْجَبْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَأَمْوَالُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ عِنْدَهُمَا وَمُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الرِّدَّةِ عِنْدَهُ. وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، فَعِنْدَهُمَا نَافِذَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَهُ مَوْقُوفَةٌ لِوُقُوفِ أَمْلَاكِهِ اهـ قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا تُوقَفُ فِي إحْبَاطِ طَاعَتِهِ وَفُرْقَةِ زَوْجَتِهِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ فِيهَا عَمِلَ عَمَلَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ عِبَادَاتِهِ الَّتِي بَطَلَتْ وَقْفُهُ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا لَا تُوقَفُ فِي بُطْلَانِ إيجَارِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَإِيصَائِهِ وَتَوْكِيلِهِ وَوَكَالَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ فُرْقَةِ الزَّوْجَةِ مَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْقَى النِّكَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ فِي رِدَّتِهِ نَافِذٌ فِي قَوْلِهِمْ. زَادَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ وَكَسْبُهُ حَالَ الرِّدَّةِ لِمَوْلَاهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ط.
(قَوْلُهُ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرُوِيَ عَنْهُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَرُوِيَ اعْتِبَارُهُمَا مَعًا، فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ يَوْمَ الرِّدَّةِ فَعَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا قَبْلَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَرِثَهُ، وَكَذَا لَوْ وُلِدَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَهَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ بِأَنْ عَلِقَ مِنْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَوْلُهُ أَوْ الْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ خِلَافُ الْأَصَحِّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ وُجُودِ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ، وَرُوِيَ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ) لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ لِاخْتِيَارِهِ سَبَبَ الْمَرَضِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ مُخْتَارًا حَتَّى قُتِلَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا تَرِثُ لِصَيْرُورَتِهَا بِالرِّدَّةِ أَجْنَبِيَّةً، وَلَيْسَتْ الرِّدَّةُ مَوْتًا
(بَعْد قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ، وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَقَالَا: مِيرَاثٌ أَيْضًا كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ (وَإِنْ حَكَمَ) الْقَاضِي (بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ) مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (وَأُمِّ وَلَدِهِ) مِنْ كُلِّ مَالِهِ (وَحَلَّ دَيْنُهُ) وَقُسِمَ مَالُهُ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ بَدَائِعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ نَهْرٌ
ــ
[رد المحتار]
حَقِيقِيًّا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَدْخُولَةَ إنَّمَا تَعْتَدُّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْحَيْضِ لَا بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ، وَالْإِرْثُ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى الرِّدَّةِ لَكِنْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ إلَخْ) هَذَا أَعْنِي قَضَاءَ دَيْنِ إسْلَامِهِ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَدَيْنِ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِهَا رَوَاهُ زُفَرُ عَنْ الْإِمَامِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَيَقْضِيَ الْبَاقِيَ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَيَقْتَضِيَ الْبَاقِيَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُقْضَى مِنْ مَالِهِ وَهُوَ كَسْبُ إسْلَامِهِ، فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَقْتَضِي مِنْهُ الدَّيْنُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا لَمْ يَفِ تَحَقَّقَتْ نَهْرٌ، فَمَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: لَكِنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْمُخْتَارِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمُلْتَقَى وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا إذَا كَانَ لَهُ كَسْبَانِ وَإِلَّا قُضِيَ مِمَّا كَانَ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ) أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ اللَّحَاقِ. أَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِابْنِهِ الَّذِي ارْتَدَّ وَلَحِقَ مَعَهُ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لِأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ لَحِقَ مَعَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ فَقَطْ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَقَالَا مِيرَاثٌ أَيْضًا) لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ) فَإِنَّهُ لِوَرَثَتِهَا، وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَا لِهَا بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُرْتَدِّ تَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَزَوْجَ الْمُرْتَدَّةِ لَا يَرِثُهَا إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْحُكْمَ بِاللَّحَاقِ أَوَّلًا كَمَا عَبَّرَ الشَّارِحُ وَيَقُولُ وَعِتْقُ مُدَبَّرِهِ إلَخْ عَطْفًا عَلَى وَرِثَ لِئَلَّا يُوهِمَ اخْتِصَاصَ الْعِتْقِ بِالْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَسْبُ الْإِسْلَامِ ح وَبِهِ جَزَمَ ط بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ دَيْنُهُ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ. وَإِذَا تَكَرَّرَ مَوْتُهُ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ كَمَا ذُكِرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ) أَيْ يُؤَدِّي بَدَلَ كِتَابَتِهِ (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ) أَيْ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً فَيَرِثُهُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ ط.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَشْتَرِطُ الْقَضَاءَ بِاللَّحَاقِ بَلْ يَكْتَفِي بِالْقَضَاءِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِهِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْأَحْكَامِ أَفَادَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِاللَّحَاقِ قَصْدًا صَحِيحٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقٍّ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ اللَّحَاقَ كَالْمَوْتِ، وَيَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ اللَّحَاقُ تَحْتَ الْقَضَاءِ قَصْدًا بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى الْحُكْمِ بِإِلْحَاقِهِ سَابِقًا عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً حَكَمْتُ بِلَحَاقِهِ، بَلْ إذَا ادَّعَى مُدَبَّرٌ مَثَلًا عَلَى وَارِثِهِ أَنَّهُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَأَنَّهُ عَتَقَ بِسَبَبِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ أَوَّلًا بِلَحَاقِهِ ثُمَّ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَ (يَنْفُذُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ وِلَايَةٍ، وَهِيَ خَمْسٌ:(الِاسْتِيلَادُ وَالطَّلَاقُ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ) الْمَأْذُونِ (وَيَبْطُلُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَهِيَ خَمْسٌ (النِّكَاحُ، وَالذَّبِيحَةُ، وَالصَّيْدُ، وَالشَّهَادَةُ، وَالْإِرْثُ. وَيَتَوَقَّفُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ، وَهُوَ (الْمُفَاوَضَةُ) أَوْ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الْخِلَافِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ يَكْفِي عِنْدَ الْبَعْضِ لِثُبُوتِ اللَّحَاقِ ضِمْنًا، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَامَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ أَوَّلًا بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَفِي كَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَلِشُبْهَةِ الْخِلَافِ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْعِتْقِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِاللَّحَاقِ قَبْلَ دَعْوَى الْمُدَبَّرِ مَثَلًا حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْبِقَ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ، فَيَحْكُمُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتَفِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِ بِالْحُكْمِ بِمَا ادَّعَاهُ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) بَيَانٌ لِتَصَرُّفِهِ حَالَ رِدَّتِهِ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِ أَمْلَاكِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) نَافِذٌ اتِّفَاقًا، بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، مَوْقُوفٌ اتِّفَاقًا مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا ط (قَوْلُهُ مَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ وِلَايَةٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَلَا تَعْتَمِدُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ الِاسْتِيلَادُ) صُورَتُهُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَرِثُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبَّدَةٍ لِارْتِفَاعِهَا بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً فَتْحٌ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ طَلَاقَهُ إنَّمَا يَقَعُ قَبْلَ لُحُوقِهِ، فَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا عَادَ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ طَلَاقُهُ وَقَدْ بَانَتْ بِرِدَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ امْتِنَاعُ الطَّلَاقِ، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْمُبَانَةَ يَلْحَقُهَا الصَّرِيحُ فِي الْعِدَّةِ بَحْرٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ بِذَلِكَ الصَّرِيحِ بَائِنًا كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ عَلَى مَالٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَذَاكَ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى يَقَعُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكِنَايَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَطَلَتْ بِهِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الْحَجْرُ فَيَصِحُّ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَبِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَمَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يُسْلِمَ، فَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِأَنْ يُسْلِمَ (قَوْلُهُ مَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ) أَيْ مَا يَكُونُ الِاعْتِمَادُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُعْتَقِدًا مِلَّةً مِنْ الْمِلَلِ ط أَيْ وَالْمُرْتَدُّ لَا مِلَّةَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِلَّةً سَمَاوِيَّةً لِئَلَّا يَرُدَّ النِّكَاحَ فَإِنَّ نِكَاحَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ صَحِيحٌ وَلَا مِلَّةَ لَهُمَا سَمَاوِيَّةٌ بَلْ الْمُرَادُ الْأَعَمُّ (قَوْلُهُ النِّكَاحُ) أَيْ وَلَوْ لِمُرْتَدَّةٍ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ وَالذَّبِيحَةُ) الْأَوْلَى وَالذَّبْحُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (قَوْلُهُ وَالصَّيْدُ) أَيْ بِالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَمِثْلُهُ الرَّمْيُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا لَا تَحَمُّلُهَا ط. وَذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ شَهَادَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ مَا رَوَاهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ اهـ وَلَكِنَّ كَلَامَنَا فِيمَا فَعَلَهُ فِي رِدَّتِهِ وَهَذَا قَبْلَهَا.
(قَوْلُهُ الْإِرْثُ) فَلَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، بِخِلَافِ كَسْبِ إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى مَا قَبْلَهَا فَهُوَ إرْثُ مُسْلِمٍ مِنْ مِثْلِهِ وَالْكَلَامُ فِي إرْثِ الْمُرْتَدِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ) أَيْ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُفَاوَضَةُ) فَإِذَا فَاوَضَ مُسْلِمًا تَوَقَّفَتْ اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَتْ، وَتَصِيرُ عِنَانًا مِنْ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا، وَتَبْطُلُ عِنْدَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) أَيْ إلَى غَيْرِهِ
(وَ) هُوَ (التَّصَرُّفُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ. وَ) يَتَوَقَّفُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَنْفُذُ عِنْدَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ عَقْدِ تَبَرُّعٍ كَ (الْمُبَايَعَةِ) وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ) وَالرَّهْنِ (وَالْإِجَارَةِ) وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ، وَقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ (وَالْوَصِيَّةُ) وَبَقِيَ أَمَانُهُ وَعَقْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِمَا. وَأَمَّا إيدَاعُهُ وَاسْتِيدَاعُهُ وَالْتِقَاطُهُ وَلُقَطَتُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهَا نَهْرٌ (إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ هَلَكَ) بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ) بِلَحَاقِهِ (بَطَلَ) ذَلِكَ كُلُّهُ (فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبِلَهُ) قَبْلَ الْحُكْمِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) وَكَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ زَيْلَعِيٌّ (وَإِنْ) جَاءَ مُسْلِمًا (بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ) بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا،
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَيَتَوَقَّفُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا سَلَفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ عِنْدَهُمَا) إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ لِأَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُبَايَعَةِ ط (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ) هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ إنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَمِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ إنْ لَمْ تَكُنْ ح (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مَآلًا (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ) أَيْ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ مُدَّعِيًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُقُودِ الْمُبَادَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ التَّبَرُّعِ أَفَادَهُ ط، لَكِنْ فِي كَوْنِهِ تَبَرُّعًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ مَجَّانًا بَلْ مُفَادَاةً لِيَمِينِهِ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَعَنْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ) وَجْهُهُ مَا قَالُوا إنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِمِثْلِهِ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، فَقَابِضُ الدَّيْنِ أَخَذَ بَدَلَ مَا تَحَقَّقَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ ط (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ) أَيْ الَّتِي فِي حَالِ رِدَّتِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ قُرْبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ قُرْبَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَنْقُولِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَ أَشْيَاءَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِمَا) أَمَّا الْأَمَانُ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ فَمِنْ الْمُرْتَدِّ أَوْلَى. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُنْصَرُ وَلَا يَنْصُرُ وَالْعَقْلُ بِالنُّصْرَةِ ح (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهَا) عِبَارَةُ النَّهْرِ: فَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي جَوَازِهَا مِنْهُ اهـ فَلَفْظَةُ عَدَمِ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ (قَوْلُهُ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَوَقِّفِ اتِّفَاقًا وَالْمُتَوَقِّفِ عِنْدَ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) فَلَا يُعْتَقُ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، وَلَا تَحِلُّ دُيُونُهُ، وَلَهُ إبْطَالُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا بَحْرٌ، وَمَا مَعَ وَارِثِهِ يَعُودُ لِمِلْكِهِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا مِنْ الْوَارِثِ دُرٌّ مُنْتَقًى.
قُلْتُ: وَكَذَا يَبْطُلُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ اللَّحَاقِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهٍ فَمَالُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ وَجَمِيعُ مَا صَنَعَ فِيهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ زَالَ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَضَاءِ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ وَارِثِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ صَادَفَ مَالًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يَنْفُذُ، وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدُ كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِفَسْخِ الْمُشْتَرِي، نَعَمْ لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ أَوْ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ صَحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ إقْرَارٌ لَازِمٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى مَيِّتًا حَقِيقَةً وَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ وَرَثَتِهِ بَحْرٌ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ عَوْدِ مَنْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا) لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ صَارَ الْمَالُ مِلْكًا لِوَرَثَتِهِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ
وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِأَنَّهُ فَيْءٌ نَهْرٌ (وَإِنْ هَلَكَ) مَالُهُ (أَوْ أَزَالَهُ) الْوَارِثُ (عَنْ مِلْكِهِ لَا) يَأْخُذُهُ وَلَوْ قَائِمًا لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَلَهُ وَلَاءُ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ لَهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا لَهُ بَدَائِعُ
(وَيَقْضِي مَا تَرَكَ مِنْ عِبَادَةٍ فِي الْإِسْلَام) لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ (وَمَا أَدَّى مِنْهَا فِيهِ يَبْطُلُ، وَلَا يَقْضِي)
ــ
[رد المحتار]
الْقَضَاءِ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَيْهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ لِلْمُرْتَدِّ شَيْئًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ رُجُوعِ الْمُرْتَدِّ، وَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَدْعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ شَرْحُ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي قَوْلِهِ وَإِرْثُهُ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا وَجَدَهُ مِنْ كَسْبِ رِدَّتِهِ لِأَنَّ أَخْذَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ بَلْ لِأَنَّهُ فَيْءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَسْتَرِدُّ مَالَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ نَرَهُ مَسْطُورًا إلَّا أَنَّ الْقَوَاعِدَ تُؤَيِّدُهُ وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا وُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ الْوَارِثِ لَهُ أَخْذُهُ، فَفِي كَلَامِ الشَّرْحِ إبْهَامٌ كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَوْ أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ لَا يَقْبَلُهُ كَعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَا عَوْدَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهُ وَلَاءُ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) أَفَادَ أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعِتْقِهِمْ قَدْ صَحَّ وَالْعِتْقُ بَعْدَ نَفَاذِهِ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبُهُ لَهُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ) أَيْ إلَى الْوَرَثَةِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَيَأْخُذُهَا مِنْ الْمُكَاتَبِ. وَأَمَّا إنْ أَدَّاهُ إلَيْهِمْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَالْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْمَالَ لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بَحْرٌ.
مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ) نَقَلَ ذَلِكَ مَعَ التَّعْلِيلِ قَبْلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا وَقَعَ حَالَ الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا مِنْ الْمَعَاصِي، وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَأَمَّا فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَيَبْقَى مَا فَعَلَهُ فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ ازْدَادَ فَوْقَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَكَيْفَ تَصْلُحُ مَاحِيَةً لَهُ بَلْ الظَّاهِرُ عَوْدُ مَعَاصِيهِ الَّتِي تَابَ مِنْهَا أَيْضًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ طَاعَةٌ وَقَدْ حَبَطَتْ طَاعَاتُهُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِعُقُوبَةِ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ اهـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَامَّةِ: وَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ قَضَاءِ مَا تَرَكَهُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ وَمُطَالَبَتُهُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ قَضَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ إخْرَاجُ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْحَقِّ الثَّابِتِ فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا أَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِذَلِكَ عَنْ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ الْكَبَائِرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَمَا أَدَّى مِنْهَا فِيهِ يَبْطُلُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ قِيلَ لَهُ لَوْ تَابَ تَعُودُ حَسَنَاتُهُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَعُودُ. وَعِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَعْبِيِّ لَا، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَعُودُ مَا بَطَلَ مِنْ ثَوَابِهِ لَكِنَّهُ تَعُودُ طَاعَاتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي الثَّوَابِ بَعْدُ اهـ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ لَوْ تَابَ الْمُرْتَدُّ هَلْ تَعُودُ حَسَنَاتُهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ التَّوْبَةِ: ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي أَنَّهُ إذَا سَقَطَ اسْتِحْقَاقُ عِقَابِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ هَلْ يَعُودُ اسْتِحْقَاقُ ثَوَابِ الطَّاعَةِ الَّذِي أَبْطَلَتْهُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ؟ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ: لَا لِأَنَّ الطَّاعَةَ