الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَالْخَلِيفَةُ) الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ (يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِمَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ بَلْ لِلتَّمْكِينِ فَتْحٌ (وَلَا يُحَدُّ) وَلَوْ قَذَفَ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتِهِ إلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا
(شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ بِلَا عُذْرٍ) كَمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ (لَمْ تُقْبَلْ) لِلتُّهْمَةِ (إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ) إذْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ (وَيُضْمَنُ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ (وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تُوَافِقُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ
(قَوْلُهُ إمَّا بِتَمْكِينِهِ) أَيْ تَمْكِينِ الْخَلِيفَةِ وَلِيَّ الْحَقِّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَضَاءُ هُنَا، فَلَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ الزَّانِيَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِرَجْمِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ شَرْطُهُ (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَسْتَوْفِيَهُ. وَفَائِدَةُ الْإِيجَابِ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَجِبْ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ الْحَكَمَ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ، قِيلَ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَاجْلِدُوا} [النور: 2]- يُفْهِمُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْلِدَ غَيْرَهُ وَقَدْ يُقَالُ أَيْنَ دَلِيلُ إيجَابِ الِاسْتِنَابَةِ فَتْحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمْ
[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا]
تَقَدَّمَ أَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، وَقَدَّمَ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِهِ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَنْدَرُ نَادِرٍ لِضِيقِ شُرُوطِهِ. وَأَيْضًا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ) أَيْ بِسَبَبِ حَدٍّ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُودُ بِهِ لَا نَفْسُ الْحَدِّ. اهـ. ح أَيْ فَفِي التَّعْبِيرِ تَسَاهُلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ، فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِاخْتِيَارِ السَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ لِعَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لَا لِلسَّتْرِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا فَتَيَقَّنَّا بِالْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ هِدَايَةٌ. وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ يَصِيرُ فَاسِقًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ لِأَجْلِ السَّتْرِ فَإِذَا أَدَّى لَمْ يُوجَدْ مَوْضِعُ الرُّخْصَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْوُجُوبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ح.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَحَدُّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ التَّقَادُمُ فِيهِ مَانِعًا. وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالتَّقَادُمُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ، فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمَالِ هِدَايَةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ أَمْرَيْنِ الْحَدُّ وَالْمَالُ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِلُزُومِ الْمَالِ لَا لِلُزُومِ الْحَدِّ، وَلِذَا ثَبَتَ الْمَالُ بِهَا بَعْدَ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ وَيُضْمَنُ الْمَالُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُقْبَلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُمْ بِضَمَانِ الْمَالِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُودِ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمْ مَعَ التَّقَادُمِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ وَلَوْ بِالْمَالِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ الشُّبْهَةُ اهـ أَيْ إنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لَكِنَّهُ يَصِيرُ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ دُونَ الْمَالِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الشَّهَادَةِ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ فِسْقًا،
(مَعَ التَّقَادُمِ حُدَّ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ) كَمَا سَيَجِيءُ (وَتَقَادُمُهُ بِزَوَالِ الرِّيحِ، وَلِغَيْرِهِ بِمُضِيِّ شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ.
(وَلَوْ شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ حُدَّ الشُّهُودُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَقِيلَ لَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(شَهِدُوا عَلَى زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ، وَلَوْ عَلَى سَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَا) لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا.
(أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ حُدَّ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ (لِاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا أَوْ فِي الْبَلَدِ؛ وَلَوْ) كَانَ (عَلَى كُلِّ زِنَا أَرْبَعَةٌ) لَكَذَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ، يَعْنِي إنْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَتَبَاعَدَ الْمَكَانَانِ
ــ
[رد المحتار]
وَيَنْبَغِي أَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا الشَّهَادَةَ لَا لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الْمَالِ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الشُّرْبِ) فَإِنَّ التَّقَادُمَ فِيهِ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يُبْطِلُهُ وَسَيَجِيءُ تَصْحِيحُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) اعْلَمْ أَنَّ التَّقَادُمَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ، لَكِنْ الْأَصَحُّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُمَا أَيْضًا. وَقَدْ اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْضًا. وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِهِ، فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ إلَّا فِي الشُّرْبِ بَحْرٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَاشٍ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الشُّرْبِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِهِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا قَدِيمٍ لَمْ آخُذْ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا أَحُدُّهُمْ اهـ وَلِذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ: أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَأَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ مَوْجُودَةٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا
(قَوْلُهُ بِغَائِبَةٍ) أَيْ وَالشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا، إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهَا كَمَا يَأْتِي شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى سَرِقَةٍ) مِثْلُهُ الْقَذْفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ ح (قَوْلُهُ لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى إلَخْ) أَيْ أَنَّهَا شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى، وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْغَائِبَةَ لَوْ حَضَرَتْ تَدَّعِي النِّكَاحَ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَإِلَّا أَدَّى إلَى نَفْيِ كُلِّ حَدٍّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ أَوْ الشُّهُودُ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الرُّجُوعِ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ فَإِنَّهُ كَمَا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ فَلَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا كَانَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ، وَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَعْرِفْهَا أَيْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا، وَلَكِنْ عَلِمْت بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَكَانَ هَذَا كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّاهِدِ لَا أَعْرِفُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) لَوْ قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَكَانَ أَعَمَّ. اهـ. ح وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وإنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ أَنْ تَكُونَ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَتَهُ نِكَاحًا فَاسِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا) بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ لَمْ يُحَدَّا عِنْدَهُ.
وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ زَنَى، وَتَفَرَّدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهِيَ الْإِكْرَاهُ وَلَهُ أَنَّهُ زِنَاءَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ يَكْمُلْ فِي كُلٍّ نِصَابٌ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلِأَنَّ الطَّوْعَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ وَالْكُرْهُ يَقْتَضِي تَفَرُّدَهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُلٍّ نِصَابٌ.
ثُمَّ إنَّ اتِّفَاقَ الشُّهُودِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنَا أَرْبَعَةٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ فِي الْبَلَدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي تَصْوِيرِهِمْ الْمَسْأَلَةَ وَتَعْلِيلِهِمْ بِامْتِنَاعِ فِعْلِ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ
وَإِلَّا قُبِلَتْ فَتْحٌ (لَوْ اخْتَلَفُوا فِي) زَاوِيَتَيْ (بَيْتٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ جِدًّا) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اسْتِحْسَانًا لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ.
(وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَاهَا وَ) لَكِنْ (هِيَ بِكْرٌ) أَوْ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ (أَوْ هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَهِدَ الْأُصُولُ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَاهُ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا.
(وَلَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَ) لَكِنْ (هُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ كَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ حُدُّوا) لِلْقَذْفِ إنْ طَلَبَهُ الْمَقْذُوفُ (وَأَرْشُ جَلْدِهِ) وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ (هَدَرٌ)
ــ
[رد المحتار]
مُتَبَايِنَيْنِ فَتَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالطَّوْعِ وَأَرْبَعَةٌ بِالْإِكْرَاهِ يُحَدَّانِ وبِهِ جَزَمَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ مُعَلِّلًا بِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَجَزَمَ ح بِأَنْ لَا حَدَّ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ إذَا بَرْهَنَ.
قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلْحَدِّ لَا بُدَّ وَأَنْ تَشْهَدَ بِالطَّوْعِ. اهـ. قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْإِكْرَاهِ وَالْآخَرُ بِالطَّوْعِ وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَهُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى زِنَاهُ طَوْعًا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْإِكْرَاهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِعَيْنِهِ لَا مُطْلَقًا فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ الْوَقْتُ وَتَقَارَبَ الْمَكَانَانِ أَوْ اخْتَلَفَ الْوَقْتُ وَتَبَاعَدَ الْمَكَانَانِ، أَوْ تَقَارَبَا ح (وَقَوْلُهُ فِي زَاوِيَتَيْ بَيْتٍ) أَيْ جَانِبَيْهِ (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ) بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ وَالْحَرَكَةِ بَحْرٌ.
لَا يُقَالُ: هَذَا تَوْفِيقٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْوَاجِبُ دَرْؤُهُ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ التَّعْطِيلِ إذْ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ قُبِلُوا مَعَ احْتِمَالِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَقَبُولُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاتِّحَادِ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهِ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ هِيَ بِكْرٌ) إقْحَامُ الشَّارِحِ لَفْظَةَ لَكِنْ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاوُ الْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ هُمْ عُمْيَانُ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ.
أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُحَدَّانِ لِظُهُورِ الْكَذِبِ، وَلَا الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَكَارَةِ وَنَحْوِهَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ أَوْ أَكْثَرَ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يُحَدَّ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ لِثُبُوتِ الزِّنَا وَلَا الشُّهُودُ سَوَاءٌ عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ، وَلِذَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمْ.
وَلِذَا لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى زِنًا الْمَقْذُوفِ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ لِزِيَادَةِ الشُّبْهَةِ بِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ، وَلَا يُحَدُّ الْفُرُوعُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِيَ لِلْقَذْفِ غَيْرُ قَاذِفٍ وَكَذَا الْأُصُولُ بِالْأَوْلَى، وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الْفُرُوعِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ يَرُدُّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا) وَجْهُ عَدَمِ حَدِّ الشُّهُودِ فِيهِ يُؤْخَذُ مِمَّا عَلَّلُوا بِهِ أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ وَالرَّتَقِ وَهُوَ تَكَامُلُ عَدَدِهِمْ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الدُّرَرِ فَافْهَمْ.
وَأَيْضًا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْبُوبَ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وبِهِ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي
(قَوْلُهُ عُمْيَانُ) أَيْ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ صِبْيَانٌ أَوْ مَجَانِينُ أَوْ كُفَّارٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُدُّوا لِلْقَذْفِ) أَيْ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَأَرْشُ جَلْدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ جَرَحَهُ الْجَلْدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا إنَّ الْأَرْشَ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ لِلْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ
خِلَافًا لَهَا (وَدِيَةُ رَجْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا) وَيُحَدُّ مَنْ رَجَعَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (بَعْدَ الرَّجْمِ فَقَطْ) لِانْقِلَابِ شَهَادَتِهِ بِالرُّجُوعِ قَذْفًا (وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ وَ) إنْ رَجَعَ (قَبْلَهُ) أَيْ الرَّجْمِ (حُدُّوا) لِلْقَذْفِ (وَلَا رَجْمَ) لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ.
(وَلَا شَيْءَ عَلَى خَامِسٍ) رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) وَلَوْ رَجَعَ الثَّالِثُ ضَمِنَ الرُّبْعَ، وَلَوْ رَجَعَ الْخَمْسَةُ ضَمِنُوهَا أَخْمَاسًا حَاوِيٌّ.
(وَضَمِنَ الْمُزَكِّي دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا) غَيْرَ أَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ (عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) وَهَذَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكِّي
ــ
[رد المحتار]
فِي مَالِهِمْ.
وَلَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْجَارِحَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْجَلَّادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ ابْنُ كَمَالٍ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّهْرِ. وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ: وَمَعْرِفَةُ الْأَرْشِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا سَلِيمًا مِنْ هَذَا الْأَثَرِ فَيُنْظَرُ مَا يَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ يَنْقُصُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِهِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَوْلُهُ يَنْقُصُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِهِ لَا مَحِلَّ لَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَيُنْظَرُ مَا يَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ يُؤْخَذُ مِنْ الشُّهُودِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَتَهُ سَلِيمًا أَلْفٌ وَقِيمَتَهُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ تِسْعُمِائَةٍ تَكُونُ الْجِرَاحَةُ نَقَّصَتْهُ مِائَةً هِيَ الْأَرْشُ فَيَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِهَا (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يُحَدُّ مَنْ رَجَعَ أَيْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ حَدَّ الْقَذْفِ دُونَ الْبَاقِينَ لِبَقَاءِ شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِشَهَادَتِهِ رُبْعُ الْحَقِّ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ نَهْرٌ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ وَغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ صَوَابُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ الرَّجْمِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُدُّوا لِلْقَذْفِ) أَيْ حُدَّ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ. أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا قَذَفَةً. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ، وَلِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فِيمَا قَبْلَهُ فَافْهَمْ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ إمْضَاءَ الْحَدِّ مِنْ تَمَامِ الْقَضَاءِ بِهِ. وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اعْتَرَضَتْ أَسْبَابُ الْجُرْحِ أَوْ سُقُوطُ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَزْلُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ
(قَوْلُهُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا. وَأَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ. وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِبَقَائِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُمَا الرُّبُعُ. فَإِنْ قِيلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالضَّمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُجُوعِ غَيْرِهِ. قُلْنَا وُجِدَ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَهُوَ قَذْفُهُ وَإِتْلَافُهُ بِشَهَادَتِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي ظَهَرَ الْوُجُوبُ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الثَّالِثُ ضَمِنَ الرُّبُعَ) وَكَذَا الثَّانِي وَالْأَوَّلُ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْخَمْسَةُ) أَيْ مَعًا لَا مُرَتَّبًا
(قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْمُزَكِّي) أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي التَّزْكِيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ ضَمِنَ مَنْ زَكَّى شُهُودَ الزِّنَا إذَا رَجَعَ عَنْ التَّزْكِيَةِ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ إنْ ظَهَرُوا) أَيْ شُهُودُ الزِّنَا (قَوْلُهُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ غَيْرَ أَهْلٍ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَوْنُهُمْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ كَانُوا أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ
بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ قَائِلًا تَعَمَّدْت الْكَذِبَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بَحْرٌ (كَمَا لَوْ قُتِلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ) بَعْدَ التَّزْكِيَةِ (فَظَهَرُوا كَذَلِكَ غَيْرَ أَهْلٍ) فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَضْمَنُ الدِّيَةَ اسْتِحْسَانًا لِشُبْهَةِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا يَقْتَصُّ الْمَقْضِيُّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ لَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَلِيِّ زَيْلَعِيٌّ مِنْ الرِّدَّةِ
(وَإِنْ رُجِمَ وَلَمْ يُزَكَّ) الشُّهُودُ (فَوُجِدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ
(وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْت النَّظَرَ قُبِلَتْ)
ــ
[رد المحتار]
حَيْثُ تَرَكَ كَالْكَنْزِ قَيْدَ الرُّجُوعِ أَخْذًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَنْظُومَةِ، وَقَدْ حَقَّقَ الْمَقَامَ فِي الْفَتْحِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ) أَيْ وَعَدَالَتِهِمْ وَقَيَّدَ بِالْإِخْبَارِ بِذَلِكَ لِيَكُونَ تَزْكِيَةً سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَزْكِيَةً وَالْقَاضِي قَدْ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَزْكِيَتِهِ قَائِلًا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْطَأْت فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّونَ) أَيْ الشُّهُودُ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُونَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
قُلْت: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَهِيَ مَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ لِمَا مَرَّ مِنْ انْقِلَابِ شَهَادَتِهِ بِالرُّجُوعِ قَذْفًا: أَيْ؛ لِأَنَّهَا حِينَ وَقَعَتْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَهَادَةً ثُمَّ انْفَسَخَتْ فَصَارَتْ قَذْفًا لِلْحَالِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ، إلَخْ) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الضَّامِنَ هُوَ الْمُزَكَّى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْقَاتِلُ، فَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ فَقَطْ لَا مَعَ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِمَا.
وَالْأَوْضَحُ قَوْلُ الْوِقَايَةِ ضَمِنَ الدِّيَةَ مَنْ قَتَلَ الْمَأْمُورَ بِرَجْمِهِ أَوْ زَكَّى شُهُودَ زِنَاهُ فَظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُوَ الْكَامِلُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. نَهْرٌ ويَأْتِي مُحْتَرَزُهُ (قَوْلُهُ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَظْهَرُوا كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْحُدُودِ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا (قَوْلُهُ غَيْرَ أَهْلٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ) أَيْ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَجِبُ مُؤَجَّلًا كَالدِّيَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَحْقُونَةَ الدَّمِ عَمْدًا بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ فَلَا يَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَى الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لِشُبْهَةِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ) أَيْ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ بِالرَّجْمِ صَحِيحًا ظَاهِرًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْأَمْرِ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ خَطَأٌ مِنْ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ) أَيْ فِي الْعَمْدِ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يُقْتَصُّ إلَخْ) التَّشْبِيهُ، مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَقَطْ.
وَأَفَادَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الشُّهُودُ عَبِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لِلْوَلِيِّ، بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ بِرَجْمِهِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ مِنْ الرِّدَّةِ) أَيْ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ وَهَذَا الْعَزْوُ كَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الزَّيْلَعِيِّ مِنْ الدِّيَةِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ رُجِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ مَنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ لَوْ رَجَمَهُ أَحَدٌ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَ هَلْ الدِّيَةُ تُؤْخَذُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلَةً (قَوْلُهُ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّاجِمَ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَقَدْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الْأَمْرِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ فَلَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ
لِإِبَاحَتِهِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ (إلَّا إذَا قَالُوا) تَعَمَّدْنَاهُ (لِلتَّلَذُّذِ فَلَا) تُقْبَلُ لِفِسْقِهِمْ فَتْحٌ
(وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ) قَبْلَ الزِّنَا نَهْرٌ (رُجِمَ. وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ مُحْصَنٌ) بِإِقْرَارِهِ (دُونَهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً) فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ، وَبِهِ اُسْتُغْنِيَ عَمَّا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ (إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ) فَتَأَمَّلْ.
(تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ الثَّانِي) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ نَهْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ لِإِبَاحَتِهِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ) وَمِثْلُهُ نَظَرُ الْقَابِلَةِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَتَّانِ وَالطَّبِيبِ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: مِنْ مَوَاضِعِ حِلِّ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ الِاحْتِقَانُ وَالْبَكَارَةُ فِي الْعُنَّةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَتْحٌ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الزَّانِي بَكَارَتَهَا، وَنَظَمْتهَا بِقَوْلِي:
وَلَا تَنْظُرْ لِعَوْرَةِ أَجْنَبِيٍّ
…
بِلَا عُذْرٍ كَقَابِلَةٍ طَبِيبِ
وَخَتَّانٍ وَخَافِضَةٍ وَحَقْنٍ
…
شُهُودِ زِنًا بِلَا قَصْدٍ مُرِيبٍ
وَعِلْمِ بَكَارَةٍ فِي عُنَّةٍ أَوْ
…
زِنًا أَوْ حِينَ رَدٍّ لِلْمَعِيبِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ) أَيْ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَأَنْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ وَالدُّخُولَ فِيهِ وَالْحُرِّيَّةَ (قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْإِحْصَانِ عِنْدَنَا، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا. لَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكْفِي، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ بِهَا وَلِهَذَا يَعْقُبَ الرَّجْعَةَ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: ظَاهِرُهُ ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ وَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِحُكْمِ الْفِرَاشِ كَتَزَوُّجِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّلَبِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدَتْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الزِّنَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ وَقْتَ الزِّنَا كَانَ وَاطِئًا لِزَوْجَتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُحْصَنٌ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّهَا بِإِنْكَارِهَا الْوَطْءَ لَمْ تَصِرْ مُحْصَنَةً فَلَا يَكُونُ هُوَ مُحْصَنًا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهِ اسْتَغْنَى إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا زَنَى يُحَدُّ بِمَا يَسْتَوْجِبُهُ، فَالْمُحْصَنُ يُرْجَمُ وَغَيْرُهُ يُجْلَدُ كَمَا أَفَادَ التَّفْرِيعُ، نَعَمْ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ إحْصَانِ أَحَدِهِمَا بِبَكَارَتِهِ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ.
لَا يُقَالُ: مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا تُوُهِّمَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّجْمِ إحْصَانُ كُلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ الرَّجْمِ إحْصَانُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا الزَّانِيَيْنِ، فَيُرْجَمُ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ إذَا كَانَ فِيهِ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ الَّتِي مِنْهَا دُخُولُهُ بِامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ مِثْلِهِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ لِرَجْمِهِ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً بَلْ إحْصَانُهَا شَرْطٌ لِرَجْمِهَا هِيَ، فَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً مِثْلَهُ رُجِمَتْ مَعَهُ وَإِلَّا جُلِدَتْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِحْصَانِ أَيْضًا فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ إمَّا مُحْصَنَانِ فَيُرْجَمَانِ، أَوْ غَيْرُ مُحْصَنَيْنِ فَيُجْلَدَانِ، أَوْ مُخْتَلِفَانِ فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ
(قَوْلُهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْبَارِ فِي صِحَّتِهِ فَلَمْ تَكُنْ صِحَّتُهُ قَطْعِيَّةً، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ