المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حد القذف - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٤

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِمْنَاءُ]

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ

- ‌[فَرْعٌ]سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فَرْعٌ]عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌[فَرْعٌ] مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا

- ‌[فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فُرُوعٌ]سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌كِتَابُ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ

- ‌فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ

- ‌[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا]

- ‌بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ]

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي تَصْرِف اللَّقِيط]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[فُرُوعٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ نِثَارِ السُّكْرِ فِي الْعُرْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ فِي الْجِدَارِ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ]

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌[فَرْعٌ] أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الشَّرِكَة]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ

- ‌[فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌[فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى]

- ‌[فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ

- ‌[مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ]

- ‌[مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْبَيْع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ سَبْعَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ]

- ‌[فُرُوعٌ] بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا]

- ‌[فَرْعٌ] ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ]

- ‌فُرُوعٌ] بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌[فَرْعٌ] وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فُرُوعٌ بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا]

- ‌بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ

الفصل: ‌باب حد القذف

لِأَنَّهُ حَشِيشٌ، أَمَّا السُّكْرُ مِنْهُ فَحَرَامٌ.

(أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ) ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُحَدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ.

(وَ) لَوْ (شَرِبَ) أَوْ زَنَى (ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ الْحَدُّ) لِتَدَاخُلِ الْمُتَّحِدِ كَمَا سَيَجِيءُ.

[فَرْعٌ]

سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ

، إنْ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ ضَمِنَ وَإِلَّا لَا مُصَنِّفُ عِمَادِيَّةٍ.

‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

هُوَ لُغَةً الرَّمْيُ. وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ فَتْحٌ،

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْقَلِيلِ مِنْهَا جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ) لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ. اهـ. ح.

قُلْت: وَكَذَا لَيْسَ هُوَ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَاهُ، فَالْمُرَادُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ مِنْ الْجَامِدَاتِ لَا مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ قَلِيلَهَا حَرَامٌ أَوْ لَا فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ) أَيْ حَدِّ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ كَمَا فِي الْكَافِي. قُلْت: وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ أُخِذَ إلَخْ) أَقْحَمَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ إشَارَةً إلَى أَنَّ اسْتِئْنَافَ الْحَدِّ لِلشُّرْبِ الثَّانِي لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ، فَحَوَّلَ الْعِبَارَةَ عَنْ أَصْلِهَا وَكَمَّلَهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا وَأَتَى بِلَوْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَرِبَ إلَخْ لِيَجْعَلَهُ مَسْأَلَةً مُسْتَأْنَفَةً.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الصِّنَاعَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ السَّابِقِ: وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ: إنَّ التَّقَادُمَ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ. قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ فِيهِمَا بِشَهْرٍ كَمَا مَرَّ، أَمَّا فِي حَدِّ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ عِنْدَهُمَا بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُمَا كَمَا مَرَّ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ عِنْدَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، وَلَا يُحَدُّ إلَّا بَعْدَ الصَّحْوِ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قِيَامَ الرَّائِحَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ الصَّحْوُ مَظِنَّةُ زَوَالِهَا، فَإِذَا كَانَ عَدَمُ إكْمَالِ الْحَدِّ بِسَبَبِ زَوَالِ الرَّائِحَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ إلَّا مَعَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَلَمْ نَرَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا بِأَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالشُّرْبِ فَهَرَبَ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ عِنْدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ لِرُجُوعِ الْمَحْذُورِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يُحَدُّ إلَّا إذَا بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ مَوْجُودَةً وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ الصَّادِرِ عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ، وَأَيْضًا فَالْهَرَبُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى التَّقَادُمِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَ إكْمَالِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ أَوْ قَبْلَ إقَامَةِ شَيْءٍ مِنْهُ. فَفِي الصُّورَتَيْنِ يُحَدُّ حَدًّا كَامِلًا بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَخِيرِ، وَيَدْخُلُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ فَشَرِبَ ثَانِيًا أَوْ حَدُّ الزِّنَا فَزَنَى ثَانِيًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدًّا آخَرَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَذْفِ

[فَرْعٌ سَكْرَانُ أَوْ صَاحٍ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ]

(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُصَنِّفُ عِمَادِيَّةٍ) أَيْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ ح

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

ِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا) الْأَوْلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ نِسْبَةُ الْمُحْصَنِ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إذْ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْصَنِ نَهْرٌ.

ص: 43

لَكِنْ فِي النَّهْرِ: قَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَصَغِيرَةٍ وَمَمْلُوكَةٍ وَحُرَّةٍ مُتَهَتِّكَةٍ مِنْ الصَّغَائِرِ.

(هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَثُبُوتًا) فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: لَكِنْ الْإِحْصَانُ شَرْطُ الْحَدِّ، وَلَهُ شُرُوطٌ أُخَرُ سَتُذْكَرُ، وَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ بِمَا يَأْتِي. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرِ وَالشَّتْمِ لِيُخْرِجَ شَهَادَةَ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْحَلِيمِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِ هَؤُلَاءِ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ الْمُتَسَتِّرَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا غَيْرَ مُعْزًى. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ الْقَذْفَ فِي الْخَلْوَةِ صَغِيرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ لُحُوقُ الْعَارِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخَلْوَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ لِلْإِجْمَاعِ بِآيَةِ - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]- وَبِحَدِيثِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ، أَيْ وَهَذَا صَادِقٌ عَلَى قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ فِي الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ، وَقَالَ مُحَشِّيهِ اللَّقَانِيُّ: إنَّ الْمُحَقَّقَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ لَا نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَيْضًا لِتَوَجُّهِ النَّفْيِ عَلَى الْقَيْدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ صَادِقًا دُونَ الْكَاذِبِ لِجَرَاءَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْخَلْوَةِ.

وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: قُلْت وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِ شَيْخِنَا النَّجْمِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا شُهُودَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ يُعَزَّرُ وَلَوْ لِغَيْرِ مُحْصَنٍ، وَشَرْطُ الْفُقَهَاءُ الْإِحْصَانَ إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ» ". ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةً أَنَّ قَذْفَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُفْرٌ سَوَاءٌ كَانَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مَرْيَمَ، وَكَذَا الرَّمْيُ بِاللِّوَاطَةِ اهـ أَيْ إنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ

(قَوْلُهُ كَمِّيَّةً) أَيْ قَدْرًا وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا وَنِصْفُهَا إنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَثُبُوتًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.

وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ أَبَى ضَمِنَ الْمَالَ وَلَمْ يُقْطَعْ.

وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ: وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَذْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يُحَدَّ اتِّفَاقًا اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي اللُّغَةِ الَّتِي قَذَفَ بِهَا أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَسْت لِأَبِيك اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الَّذِي قَذَفَ بِهِ. اهـ. ح.

قُلْت: فِيهِ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ رُكْنُ الْقَذْفِ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْحَالَّةُ وَالْهَيْئَةُ، كَمَا يُقَالُ: كَيْفَ زَيْدٌ؟ فَتَقُولُ صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ السُّؤَالِ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا بِالطَّوْعِ أَوْ الْإِكْرَاهِ. فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، إذْ لَوْ أَكْرَهَ الْقَاذِفُ عَلَى الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ، لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَهُ سُئِلَا عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، فَإِنَّ الْقَذْفَ يَكُونُ بِالْحِجَارَةِ وَبِغَيْرِ الزِّنَا، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَحَدَدْت الْقَاذِفَ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا شَهِدَا بِالْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا إذْ لَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَبَيَّنَّاهُ

ص: 44

إلَّا إذَا شَهِدَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِي ثُمَّ يَحْبِسُهُ لِيَسْأَلَ عَنْهُمَا كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ يُمْكِنُ إحْضَارُهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا ظَهِيرِيَّةٌ؛ وَلَا يُكَلِّفُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي نَهْرٌ.

(وَيُحَدُّ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً (قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ) الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّعْزِيرُ (الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْعَفِيفِ) عَنْ فِعْلِ الزِّنَا،

ــ

[رد المحتار]

فَلْيَتَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَيْفِيَّةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ، وَعَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي صِبَاهُ لَا لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَا إلَخْ) تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ) الْأَوْلَى لِشَاهِدٍ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ.

قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمَا حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْحَبْسِ فِي الْأَوَّلَيْنِ حَقِيقَتُهُ، وَفِي الثَّالِثِ الْمُلَازَمَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُهُ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُهُ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ

(قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الْحُرُّ إلَخْ) أَيْ الشَّخْصُ الْحُرُّ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَافْهَمْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشُرُوطِ الْقَاذِفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا نَاطِقًا طَائِعًا فِي دَارِ الْعَدْلِ، فَلَا يُحَدُّ الصَّبِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَلَا الْمَجْنُونُ إلَّا إذَا سَكِرَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ، وَلَا الْمُكْرَهُ وَلَا الْأَخْرَسُ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَلَا الْقَاذِفُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِكَوْنِهِ نَاشِئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أَيْضًا، لَكِنْ فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ بِالْجَهْلِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) الْأَوْلَى وَلَوْ كَافِرًا لِيَشْمَلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْمَقْذُوفِ (قَوْلُهُ الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ، وَعَلَى حَدِّ الْعَبِيدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْذُوفُ مُسْلِمًا حُرًّا، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا، وَكَذَا مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ إذَا قَذَفَهُ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ بَحْرٌ، فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا، وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْعَفِيفِ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) زَادَ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَتُهْمَتِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَذْفِ ذَاتِ وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ، فَيَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ هُنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الزِّنَا فِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لَا يُوجِبُهُ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ أَوَّلَ الْحُدُودِ. وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ الْمَلِكِ كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ، وَالزِّنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَطْئًا مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ رَجُلٌ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا

ص: 45

فَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ: النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ أَوْ هِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَأَنْ يُوجَدَ الْإِحْصَانُ وَقْتَ الْحَدِّ؛ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ سَقَطَ حَدُّ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتْحٌ (بِصَرِيحِ الزِّنَا) وَمِنْهُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنِّي عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ،

ــ

[رد المحتار]

قَالَ مِسْكِينٌ قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فِي الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ الْوَاطِئَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا. اهـ. فَمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالزِّنَا هُنَا الْمُصْطَلَحُ وَلَا غَيْرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ) الْأَوْلَى شَيْئَيْنِ بِدُونِ الْبَاءِ الْجَارَةِ؛ لِأَنَّ نَقَصَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ أَفَادَهُ ط هَذَا.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ تِسْعَةٌ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ إلَخْ) قُلْت: بَقِيَ مِنْهَا أَيْضًا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ أُمَّ وَلَدِهِ الْحُرَّةَ الْمَيْتَةَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ أُمَّ عَبْدِهِ الْحُرَّةَ الْمَيْتَةَ، وَأَنْ يَطْلُبَ الْمَقْذُوفُ الْحَدَّ، وَأَنْ لَا يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تُورَثُ (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ الْمَقْذُوفُ وَوَلَدُ الْقَاذِفِ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَفِي إشَارَةِ الْأَخْرَسِ احْتِمَالٌ يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ (قَوْلُهُ أَوْ مَجْبُوبًا) هُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فَسَّرُوهُ فِي بَابِ الْعِنِّينِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَحْدَهُ مِثْلُهُ اهـ ح وَوَجْهُهُ أَنَّ الزِّنَا مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ عَارٌ بِالْقَذْفِ لِظُهُورِ كَذِبِ الْقَاذِفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ: مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ وَالشَّارِحُ تَبِعَ فِي التَّعْبِيرِ بِهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَهُوَ وَهْمٌ سَرَى مِنْ ذِكْرِ الْمَجْبُوبِ لِتَقَارُنِهِمَا فِي الْخَيَالِ.

قَالَ فِي الْمُحِيطِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا مُتَصَوَّرٌ؛ لِأَنَّ لَهُمَا آلَةَ الزِّنَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ) كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ النُّتَفِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمَذْهَبِ. فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ قَذَفَهُ إنْسَانٌ قَالَ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي ح عَنْ الْمُحِيطِ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْفَاسِدِ مَا ظَهَرَ فِيهِ فَسَادُ الْمِلْكِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَفِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ) وَكَذَا لَوْ زَنَى أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ صَارَ مَعْتُوهًا أَوْ أَخْرَسَ أَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ كَافِي الْحَاكِمِ.

[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ خُنْثَى بَلَغَ مُشْكِلًا لَا يُحَدُّ. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ. اهـ.

وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ الْبَاتِّ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ. حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي حَدِّ الزِّنَا. اهـ.

قُلْت: مُرَادُ النَّهْرِ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ تَزَوَّجَ وَدَخَلَ فَقَذَفَهُ آخَرُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا إذَا زَالَ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَغَيْرُهَا.

وَاحْتُرِزَ عَمَّا لَوْ قَالَ وَطِئَك فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ جَامَعَك حَرَامًا فَلَا حَدَّ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فَجَرْت بِفُلَانَةَ أَوْ عِرْضٍ فَقَالَ لَسْت بِزَانٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَفِيهِ: وَإِنْ قَالَ قَدْ أُخْبِرْت بِأَنَّك زَانٍ أَوْ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ عَلَى شَهَادَتِهِ إنَّك زَانٍ، أَوْ قَالَ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ إنَّك زَانٍ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ) وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.

وَعَلَّلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِي أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ اهـ.

ص: 46

وَمِثْلُهُ النَّيْكُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ؛ وَلَوْ قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزِ لَمْ يُحَدَّ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (أَوْ) بِقَوْلِهِ (زَنَأْت فِي الْجَبَلِ) بِالْهَمْزِ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَالصُّعُودِ.

وَحَالَةُ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ (أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك) وَلَوْ زَادَ وَلَسْتَ لِأُمِّك أَوْ قَالَ لَسْت لِأَبَوَيْك فَلَا حَدَّ (أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ) الْمَعْرُوفِ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (أُمَّهُ مُحْصَنَةٌ) لِأَنَّهَا الْمَقْذُوفَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ الْمُعْتَبَرُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ لَا الطَّالِبِ شُمُنِّيٌّ (فِي غَضَبٍ) يَتَعَلَّقُ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَوَجْهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ النِّسْبَةَ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا.

وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ نَاظِرٌ إلَى احْتِمَالِ التَّأْوِيلِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْرِقَةِ مُشْكِلٌ.

وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ فِيهِ نِسْبَةُ فُلَانٍ إلَى الزِّنَا وَتَشْرِيكُ الْمُخَاطَبِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْقَذْفِ، بِخِلَافِ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي؛ لِأَنَّ فِيهِ نِسْبَةَ نَفْسِهِ إلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ قَذْفٍ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ أَنَّهُ تَشْرِيكٌ لَهُ فِيمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ (قَوْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ) أَيْ لِابْنِ مَالِكٍ فِي بَحْثِ الْكِنَايَةِ. اهـ. ح.

قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: النَّيْكُ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ مَاعِزٍ " أَنِكْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ " (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ لَمْ سَبْقُ قَلَمٍ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا زَانِئُ بِرَفْعِ الْهَمْزَةِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا قَالَ عَنَيْت بِهِ الصُّعُودَ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيُحَدُّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعَ الْهَمْزِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الصُّعُودُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِمَحِلِّ الصُّعُودِ، يُقَالُ زَانِئُ الْجَبَلِ وَزَانِئُ السَّطْحِ، أَمَّا غَيْرُ مَقْرُونٍ بِمَحِلِّ الصُّعُودِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الزِّنَا إلَّا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَهْمِزُ اللِّينَ وَقَدْ تُلِينُ الْهَمْزَةَ، فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ اهـ ح. قُلْت: وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَقَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَوْلِهِ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ) أَيْ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الصُّعُودَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الصُّعُودِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ بِالْهَمْزِ) فَلَوْ أَتَى بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ حُدَّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ حَذَفَ الْجَبَلَ كَمَا أَفَادَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ عَنْ الْجَبَلِ، قِيلَ لَا يُحَدُّ وَجَزَمَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ تِلْكَ الْإِرَادَةَ وَكَوْنُهَا فَوْقَهُ، وَتَعَيُّنُ الصُّعُودِ مُسَلَّمٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ السِّبَابِ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدِي (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ) لِلْكَذِبِ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ فَقَطْ لِلصِّدْقِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَيْسَ لِأُمِّهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ) أَيْ الَّذِي يُدْعَى لَهُ، وَكَذَا لَسْت مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ أَوْ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَمْ يَلِدْك أَبُوك، بِخِلَافِ لَسْت مِنْ وِلَادَةِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ نَفَاهُ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ أَبِيهِ لَا عَمَّا لَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبٍ مُطْلَقٍ شَامِلٍ لِأَبِيهِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْذُوفَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ زَانِيًا، فَلَزِمَ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ مَعَ أَبِيهِ فَجَاءَتْ بِهِ مِنْ الزِّنَا نَهْرٌ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمَقْذُوفِ هُوَ الْأُمُّ وَحْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا، أَمَّا زِنَا الْأَبِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ وَقَدْ نَفَى الْقَاذِفُ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ أَبُوهُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ أُرِيدَ بِالْأَبِ مَنْ خُلِقَ هُوَ مِنْ مَائِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَذْفًا لِلْأُمِّ وَلِمَنْ عَلِقَتْ بِهِ مِنْ مَائِهِ لَا لِلْأَبِ الْمَعْرُوفِ، لَكِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قَبْلَهُ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لَا الطَّالِبُ) هُوَ الَّذِي يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِابْنُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً، فَلَوْ حَيَّةً فَالطَّالِبُ هِيَ، وَعَلَى كُلٍّ فَالشَّرْطُ إحْصَانُهَا لَا إحْصَانُ ابْنِهَا (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ) إذْ فِي الرِّضَا يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْبَحْرِ، حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْغَضَبِ فِي الثَّانِيَةِ

ص: 47

(بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ (وَلَوْ) الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَ الْقَذْفِ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ، بَلْ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ

(وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ فَقَطْ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا

(لَا) يُحَدُّ (بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ) لِصِدْقِهِ

ــ

[رد المحتار]

بَلْ أَطْلَقَ فِيهَا تَبَعًا لِظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ أَوَّلَهَا الشُّرَّاحُ فَأَجْرُوا التَّفْصِيلَ فِي الْكُلِّ.

وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ الْمُحْصَنِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْصَنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الْإِحْصَانِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ نَقَلَ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَفِيفٍ فِي السِّرِّ لَهُ مُطَالَبَةُ الْقَاذِفِ دِيَانَةً، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ رَفْعَ الْعَارِ مُجَوَّزٌ لَا مُلْزَمٌ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَأُجْبِرَ عَلَى الدَّعْوَى وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. اهـ. قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَحَسُنَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْقَاضِي وَلَا يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ، وَحَسُنَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ أَعْرِضْ عَنْهُ وَدَعْهُ. اهـ.

فَحَيْثُ كَانَ الطَّلَبُ غَيْرَ لَازِمٍ، بَلْ يَحْسُنُ تَرْكُهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ طَلَبُهُ دِيَانَةً إذَا كَانَ الْقَاذِفُ صَادِقًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ اهـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ وَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ مِنَحٌ.

قُلْت: وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِ مَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: سَمِعَ مِنْ أُنَاسٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ فُلَانًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ فَتَكَلَّمَ مَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ لِآخَرَ مَعَ غَيْبَةِ فُلَانٍ لَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْبَةٌ لَا رَمْيٌ وَقَذْفٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَالْقَذْفَ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْخِطَابِ كَقَوْلِهِ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ حَالَ الْقَذْفِ) احْتِرَازٌ عَنْ حَالِ الْحَدِّ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ لَمْ يَتِمَّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ اهـ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ) لَمْ أَرَهُ فِي النَّهْرِ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ غَالِبٌ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْعَفْوِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْهُ

(قَوْلُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْحَشْوِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا) فَإِنَّهُ فِيهِمَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ لِصِدْقِهِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ. وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ فِي نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَ هَذَا مَعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ. وَقَدْ حَكَّمُوا حَالَةَ الْغَضَبِ فَجَعَلُوهَا قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الثَّانِي الْمَجَازِيِّ. وَنَفْيُهُ عَنْ جَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ أَيْضًا وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ، وَمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَبُوهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ بِهِ جَدَّتُهُ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ هَذَا الْأَخِيرَ، إذْ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنَّك لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ إجْمَاعٌ فِيهِ عَلَى نَفْيِ التَّفْصِيلِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ هُنَاكَ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ نَفْيَهُ عَنْ أَبِيهِ قَذْفٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ وَهُوَ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي الْأَخْلَاقِ، فَقَدْ سَاعَدَتْ الْقَرِينَةُ الْحَقِيقَةَ، بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ قَذْفًا بَلْ هُوَ صِدْقٌ، لَكِنْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ حَالَةُ الْغَضَبِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْعُدُولُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهِ لَا فِي إثْبَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ

ص: 48

(وَبِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ إلَى عَمِّهِ أَوْ رَابِّهِ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ: مُرَبِّيهِ وَلَوْ غَيْرَ زَوْجِ أُمِّهِ زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ مَجَازًا (وَلَا بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا) بِقَوْلِهِ (يَا نَبَطِيُّ) لِعَرَبِيٍّ فِي النَّهْرِ مَتَى نَسَبَهُ لِغَيْرِ قَبِيلَتِهِ أَوْ نَفَاهُ عَنْهَا عُزِّرَ، وَفِيهِ يَا فَرْخَ الزِّنَا يَا بَيْضَ الزِّنَا يَا حَمْلَ الزِّنَا يَا سَخْلَةَ الزِّنَا قَذْفٌ، بِخِلَافِ يَا كَبْشَ الزِّنَا أَوْ يَا حَرَامُ زَادَهُ

ــ

[رد المحتار]

مِنْ أَنْ يَأْتِيَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِكَلَامٍ مُوهِمٍ لِلشَّتْمِ وَالسَّبِّ بِظَاهِرِهِ ويُرِيدُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَلِصِيَانَةِ دِيَانَتِهِ مِنْ إرَادَةِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ الَّذِي هُوَ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ بَلْ حَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ قَذْفٌ صَرِيحٌ بِحَقِيقَتِهِ مَعَ زِيَادَةِ الْقَرِينَةِ كَمَا قُلْنَا، فَفِي الْعُدُولِ عَنْهُ تَفْوِيتُ حَقِّ الْمَقْذُوفِ بِلَا مُوجِبٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَبِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى جَدِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ لِجَدِّهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ مَجَازًا) أَمَّا الْجَدُّ فَلِأَنَّهُ الْأَبُ الْأَعْلَى، وَأَمَّا الْخَالُ فَلِمَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الْخَالُ وَالِدُ مَنْ لَا وَالِدَ لَهُ» " وَأَمَّا الْعَمُّ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133]- فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوبَ عليهم السلام وَأَمَّا الرَّابُّ فَلِلتَّرْبِيَةِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِ نُوحٍ - {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]- إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ؛ لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ الْأَزْدِيُّ؛؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْقَحْطِ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ مَقَامَ الْقَطْرِ فَهُوَ كَالسَّمَاءِ عَطَاءً وَجُودًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تَأْبَى عَنْ قَصْدِ التَّشْبِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ.

قُلْت: وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا فِي الْفَتْحِ سُؤَالًا. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْيِ النَّسَبِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلنَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ لَيْسَ غَيْرُ. اهـ. قُلْت: وَاسْتِعْمَالُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي التَّهَكُّمِ سَائِغٌ لُغَةً وَشَائِعٌ عُرْفًا، كَمَا يُقَالُ فِي حَالِ الْخِصَامِ يَا ابْنَ النَّبِيِّ يَا ابْنَ الْكِرَامِ يَا كَامِلُ يَا مُؤَدَّبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ حَقِيقَتُهُ فَافْهَمْ.

[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ. بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بِالْكَرَمِ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَلَا خُصُوصِيَّةَ أَيْضًا لِهَذَا الِاسْمِ بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ اسْمٍ مَشْهُورٍ بِصِفَةٍ جَمِيلَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ، فَابْنُ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّبَطِيُّ مِثَالَانِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ) النَّبَطُ: جِيلٌ مِنْ النَّاسِ كَانُوا يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي أَخْلَاطِ النَّاسِ وَعَوَامِّهِمْ وَالْجَمْعُ أَنْبَاطٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ الْوَاحِدُ نَبَاطِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَبِزِيَادَةِ الْأَلْفِ مِصْبَاحٌ.

[تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا (قَوْلُهُ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ بِهِ: أَيْ بِقَوْلِهِ يَا نَبَطِيُّ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ تُجْعَلُ شَتْمًا فِي الْغَضَبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ عُزِّرَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَسَبَهُ لِغَيْرِ قَبِيلَتِهِ أَوْ نَفَاهُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ يَا حَمَلَ الزِّنَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحَرَّكُ الْمِيمِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ: وَهُوَ وَلَدُ الضَّأْنِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالسَّخْلَةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ سَاعَةَ تُولَدُ وَالْجَمْعُ سِخَالٌ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سَخْلٍ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ قَذْفٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُنْبِئُ عَنْ الْوِلَادَةِ فَكَانَتْ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ يَا كَبْشَ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى سَيِّدِ الْقَوْمِ وَقَائِدِهِمْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ يَا حَرَامُ زَادَهُ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فَيَعُمُّ حَالَةَ الْحَيْضِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ

ص: 49

قُنْيَةٌ؛ وَفِيهَا: لَوْ جَحَدَ أَبُوهُ نَسَبَهُ فَلَا حَدَّ

(وَلَا) حَدَّ (بِقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا شَرْعًا (بِخِلَافِ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ) أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ بِحَمَارَةٍ (أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِيلَاجِ فَيُرَادُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ، وَلَوْ قِيلَ هَذَا لِرَجُلٍ فَلَا حَدَّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِأَخْذِهِ لِلْمَالِ

(وَ) إنَّمَا (يَطْلُبُهُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ) بِسَبَبِ (قَذْفِهِ) أَيْ الْمَيِّتَ (وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا؛ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ) مَحْجُوبًا أَوْ (مَحْرُومًا مِنْ الْمِيرَاثِ) بِقَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ (أَوْ وَلَدَ بِنْتٍ) وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ

ــ

[رد المحتار]

الشَّارِحُ مَعَ دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ) أَيْ عَلَى قَاذِفِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ يَا وَلَدَ الزِّنَا

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيُرَادُ زَنَيْتِ وَأَخَذْتِ الْبَدَلَ) أَيْ بِلَا اسْتِئْجَارٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ قِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ زَنَيْت بِدِرْهَمٍ اُسْتُؤْجِرَتْ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: قُلْنَا: هَذَا مُحْتَمَلٌ أَيْضًا فَيَتَقَابَلُ الْمُحْتَمَلَانِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ زَنَيْت (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِأَخْذِهِ لِلْمَالِ) هَكَذَا عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآخِذَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّافِعَ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ بِقَرِينَةِ الْعُرْفِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْفَعُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الزِّنَا، نَعَمْ قَدْ يَأْخُذُ عَلَى اللِّوَاطَةُ بِهِ بَدَلًا، لَكِنْ الْكَلَامُ فِي الزِّنَا، وَاللُّوَاطَةُ غَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ بِأَمَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ) أَيْ الْحَدَّ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْحِ (قَوْلُهُ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ) شَمِلَ الْأُصُولُ الْجَدَّ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّ جَدٍّ هُوَ. وَفِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى وَشَمِلَ أَيْضًا الْأُمَّ فَتُطَالِبُ بِقَذْفِ وَلَدِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُصُولِ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأُمِّ، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ ذِكْرِهِ أَبَا الْأَبِ بَدَلَ أَبِي الْأُمِّ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْخَانِيَّةِ أَبُو الْأُمِّ.

وَخَرَجَ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَالْعَمَّةُ وَالْمَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِالْأَخِ وَالْعَمِّ أَخُو الْمَيِّتِ وَعَمُّهُ (قَوْلُهُ مَحْجُوبًا) كَالْجَدِّ أَوْ ابْنِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ ط (قَوْلُهُ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إحْصَانُ الطَّالِبِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَ بِنْتٍ) فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقَذْفِ جَدِّهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَحْرٌ أَيْ طَرَفِ الْأَبِ وَطَرَفِ الْأُمِّ. قُلْت: وَيُشْكِلُ اسْتِثْنَاءُ أَبِي الْأُمِّ وَأُمِّ الْأُمِّ مِنْ الْأُصُولِ كَمَا مَرَّ، فَلَيْسَ لَهُمَا الطَّلَبُ بِقَذْفِ وَلَدِ الْبِنْتِ وَهُنَا أَثْبَتُوا لِابْنِ الْبِنْتِ الطَّلَبَ بِقَذْفِ أَحَدِهِمَا. وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْإِشْكَالِ بِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَارِّ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِي الشَّرَفِ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسَبِ الْجُزْئِيَّةُ فَإِنَّهَا مَبْنَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ هُنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِلَّا فَالنَّسَبُ لِلْأَبِ فَقَطْ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ الشَّرِيفَةِ شَرِيفٌ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا إنَّ الشَّرَفَ مِنْ الْأُمِّ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا فِي أَوَاخِرِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، نَعَمْ لَهُ مَزِيَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ إلَخْ، وَدَخَلَ الْمُسَاوِي

ص: 50

لِلُحُوقِهِمْ الْعَارُ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، قَيَّدَ بِالْمَيِّتِ لِعَدَمِ مُطَالَبَتِهِمْ فِي الْغَائِبِ لِجَوَازِ تَصْدِيقِهِ إذَا حَضَرَ.

(قَالَ يَا بْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَيْهِ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ) لِلتَّدَاخُلِ الْآتِي ثُمَّ مَوْتِ أَبَوَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ فَائِدَتُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ. ذَكَرَ فِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَعْتُوهَةً قَالَتْ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَجَاءَ بِهَا إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَاعْتَرَفَتْ فَحَدَّهَا حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ أَخْطَأَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ: بَنَى الْحُكْمَ عَلَى إقْرَارِ الْمَعْتُوهَةِ، وَأَلْزَمَهَا الْحَدَّ، وَحَّدَهَا حَدَّيْنِ، وَأَقَامَهُمَا مَعًا، وَفِي الْمَسْجِدِ، وَقَائِمَةً، وَبِلَا حَضْرَةِ وَلِيِّهَا. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ: وَلَمْ يَتَعَرَّفْ أَنَّ أَبَوَيْهِ حَيَّانِ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لَهُمَا أَوْ مَيِّتَانِ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لِلِابْنِ.

(اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ) بِأَنْ قَذَفَ وَشَرِبَ وَسَرَقَ وَزَنَى غَيْرَ مُحْصَنٍ (يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ) بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ (وَلَا يُوَالِي بَيْنَهَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ) بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ (فَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ) لِحَقِّ الْعَبْدِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ) لِثُبُوتِهِمَا بِالْكِتَابِ (وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ) لِثُبُوتِهِ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ فَقَأَ أَيْضًا بَدَأَ بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ يُرْجَمُ لَوْ مُحْصَنًا وَلَغَا غَيْرُهَا بَحْرٌ.

ــ

[رد المحتار]

بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِلُحُوقِهِمْ الْعَارُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْعَارُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ ط (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنِهِمْ جُزْءًا مِنْهُ ط (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَيْ فِي قَذْفِ الْغَائِبِ، وَكَذَا فِي الْحَاضِرِ بِالْأَوْلَى

(قَوْلُهُ لِلتَّدَاخُلِ الْآتِي) أَيْ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ فُرُوعِ تِلْكَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ) أَيْ فِي التَّدَاخُلِ فَإِنَّ عَلَيْهِ حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ فَائِدَتُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ لِلِابْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَإِنَّ الطَّلَبَ لَهُمَا ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ فَجَاءَ بِهَا) الَّذِي رَأَيْته فِي الْمَبْسُوطِ: فَأَتَى بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: إنَّ مِنْ مَوَاضِعِ الْخَطَأِ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ خَصْمٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَرْفَعْهَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَى إقْرَارِ الْمَعْتُوهَةِ) وَإِقْرَارُهَا هَدَرٌ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَأَلْزَمَهَا الْحَدَّ) وَالْمَعْتُوهَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ مَبْسُوطٌ: أَيْ لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِلْزَامُهَا بِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَكَوْنُهُ بِإِقْرَارِهَا خَطَأٌ آخَرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَدَّهَا حَدَّيْنِ) وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَأَقَامَهُمَا مَعًا) وَمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَّانِ لَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَفِي الْمَسْجِدِ) وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَقَائِمَةً) وَإِنَّمَا تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ قَاعِدَةً مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَبِلَا حَضْرَةِ وَلِيِّهَا) وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهَا، حَتَّى إذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهَا فِي اضْطِرَابِهَا سَتَرَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَبْسُوطٌ، فَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الدُّرَرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ

(قَوْلُهُ غَيْرَ مُحْصَنٍ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ) فَإِنَّهُ يَتَدَاخَلُ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُوَالِي) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ قَبْلَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَيُبْدَأُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْإِمَامِ بَلْ فُسِّرَ بِهِ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فَقَطْ، وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقَأَ) أَيْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ نَهْرٌ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْبَصَرِ رَمْلِيٌّ: أَيْ لَا إذْهَابُ الْحَدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ، إذْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَعَ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ إذْهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ ثُمَّ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّهِ (قَوْلُهُ لَوْ مُحْصَنًا) أَمَّا لَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُلْغَى شَيْءٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَغَا غَيْرُهَا)

ص: 51

وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَوْ قَتَلَ ضُرِبَ لِلْقَذْفِ وَضُمِّنَ لِلسَّرِقَةِ ثُمَّ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا بَقِيَ. وَيُؤْخَذُ مَا سَرَقَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِعَدَمِ قَطْعِهِ نَهْرٌ.

(وَلَا يُطَالِبُ وَلَدٌ) أَيُّ فَرْعٍ وَإِنْ سَفَلَ (وَعَبْدٌ أَبَاهُ) أَيْ أَصْلَهُ وَإِنْ عَلَا (وَسَيِّدَهُ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) الْمُحْصَنَةِ (فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ) أَوْ أَبٌ أَوْ نَحْوُهُ (مَلَكَ الطَّلَبَ) فِي النَّهْرِ. وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ عُزِّرَ بَلْ بِشَتْمِ وَلَدِهِ يُعَزَّرُ

(وَلَا إرْثَ) فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا رُجُوعَ) بَعْدَ إقْرَارٍ (وَلَا اعْتِيَاضَ) أَيْ أَخْذَ

ــ

[رد المحتار]

هُوَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ فَاتَ مَحِلُّهُ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ لِلسَّرِقَةِ) يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وَقَيَّدَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَتُرِكَ مَا بَقِيَ) أَيْ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مَعَ الْقَتْلِ غَيْرُهُمَا.

قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا قَتْلُ نَفْسٍ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا دُونَهُ لَا يُفِيدُ. اهـ. وَفِي أَحْكَامِ الدِّينِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: وَلَمْ أَرَ إلَى الْآنَ مَا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْقِصَاصِ قَطْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الزِّنَا وَالرِّدَّةِ، يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَفُوتُ الرَّجْمُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَطْعِهِ) فَإِنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ نَهْرٌ

(قَوْلُهُ وَعَبْدٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلِذَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ أَصْلَهُ وَإِنْ عَلَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَلَا يُطَالِبُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا وَأُمَّهُ وَجَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) أَيْ الْمَيِّتَةِ نَهْرٌ، فَلَوْ حَيَّةً كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لَهَا كَمَا مَرَّ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا: أَيْ الْوَلَدَ وَالْعَبْدَ لَا يُطَالِبَانِ بِقَذْفِهِمَا بِالْأَوْلَى اهـ أَيْ بِقَذْفِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى لَهُمَا (قَوْلُهُ الْمُحْصَنَةِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ مَلَكَ الطَّلَبَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْقَاذِفِ، فَسُقُوطُ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْقَاذِفِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ لَهُ الطَّلَبُ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ الْأَزْهَرِيُّ (قَوْلُهُ عُزِّرَ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِمَّا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا حَرَامِي زَادَهُ لَا يُحَدُّ، وَلَوْ قَالَهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ يُعَزَّرُ، فَإِذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ فَبِالْقَذْفِ أَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ، فَإِذَا كَانَ لِقَذْفٍ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالشَّتْمُ أَوْلَى اهـ مَمْنُوعٌ نَهْرٌ.

وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ بِالْعَكْسِ كَمَا عَلِمْته، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ بِهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ لِكَوْنِ الْغَالِبِ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَعْلَى سُقُوطُ الْأَدْنَى، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَبَقِيَ تَوَقُّعُ صَاحِبِ الْبَحْرِ عَلَى حَالِهِ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُعَاقِبْهُ لِأَجْلِ وَلَدِهِ بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى

(قَوْلُهُ وَلَا إرْثَ فِيهِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ بَعْدَ إقَامَةِ بَعْضِهِ بَطَلَ الْحَدُّ، وَلَيْسَ لِوَارِثِهِ إقَامَتُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا فَإِنَّ الطَّلَبَ يَثْبُتُ لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ أَصَالَةً لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيهِ وَعَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ، فَعِنْدَهُ يُورَثُ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْعَفْوُ وَالِاعْتِيَاضُ نَظَرًا إلَى جَانِبِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَعِنْدَنَا بِالْعَكْسِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ حَقِّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِيَاضَ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا دَفَعَ شَيْئًا لِلْمَقْذُوفِ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ رَجَعَ بِهِ.

قَالَ الْمَوْلَى سَرِيُّ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الزَّيْلَعِيِّ: وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي؟ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ سَقَطَ كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ. اهـ.

ص: 52

عِوَضٍ وَلَا صُلْحَ وَلَا عَفْوَ (فِيهِ. وَعَنْهُ) نَعَمْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ شُمُنِّيٌّ وَلِذَا لَا يَتِمُّ الْحَدُّ إلَّا بِحَضْرَتِهِ.

(قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ الْآخَرُ) لَا (بَلْ أَنْتِ حُدَّا) لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتِ) لَمْ يُعَزَّرَا لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا وَقَدْ تَسَاوَيَا فَ (تَكَافَآ) بِخِلَافِ مَا سَيَجِيءُ لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَوْ تَضَارَبَا لَمْ يَتَكَافَآ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَسْقُطُ هَذَا الْحَدُّ بِالْعَفْوِ وَلَا بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَكَذَا إذَا عَفَا قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا صُلْحَ) فَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِاعْتِيَاضُ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بَعْدَهُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ يَعُمُّ عَقْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ ط (قَوْلُهُ وَلَا عَفْوَ) فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَذْفَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا أَنَّهُ وَقَعَ ثُمَّ سَقَطَ وَهَذَا كَمَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُجُوعٍ، وَقَوْلُهُ وَعَنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِيَاضٍ وَمَا بَعْدَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ عَفَا إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى بَعْضِ مَعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تُوُهِّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِ الْفَتْحِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ وَيُحَدُّ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ طَلَبِهِ وَقَدْ تَرَكَهُ إلَّا إذَا عَادَ وَطَلَبَ حِينَئِذٍ يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ. اهـ. قَالَ: فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا عَادَ وَطَلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الرَّدِّ الْمَذْكُورِ، وهُوَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحَدَّ لَمْ يَتِمَّ الْحَدُّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ الصَّرِيحُ أَوْلَى

(قَوْلُهُ حُدَّا) أَيْ الْمُبْتَدِئُ وَالْمُجِيبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يَسْتَدْرِكُ بِهِ الْغَلَطَ فَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَ بَلْ بَحْرٌ، وَلَا يُحَدَّانِ إلَّا بِطَلَبِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ كَمَا مَرَّ، وَقَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا يَلْزَمُ إسْقَاطُ حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ.

قُلْت: وَلَعَلَّ اشْتِرَاطَ الطَّلَبِ وَلَوْ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ مِنْ كُلِّ لَفْظٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِحَدٍّ (قَوْلُهُ مَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ تَضَارَبَا) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَكَافَآ) فَيُعَزِّرُهُمَا وَيَبْدَأُ بِتَعْزِيرِ الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ كَمَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ) أَيْ هَتْكِ احْتِرَامِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْضَ حَقِّهِمَا حَتَّى يُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَضَارَبَا فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.

[تَنْبِيهٌ] لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي هَلْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُمَا؟ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَخَذْتَ الرِّشْوَةَ مِنْ خَصْمِي وَقَضَيْت عَلَيَّ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَالْفَرْقُ بَيِّنٌ. اهـ.

مَطْلَبٌ هَلْ لِلْقَاضِي الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَشَاتَمَا اسْتَوَيَا حَقَّهُمَا لَكِنَّهُمَا أَخَلَّا بِحُرْمَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبَقِيَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَخَذْت الرِّشْوَةَ فَلَهُ الْعَفْوُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِيَا بِالنَّهْيِ، إنْ حَبَسَهُمَا وَعَزَّرَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا فَيَذْهَبُ مَاءُ وَجْهِ الْقَاضِي، وَإِنْ عَفَا عَنْهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ

ص: 53

(وَلَوْ قَالَهُ لِعِرْسِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (فَرَدَّتْ بِهِ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّيْنِ إذَا اجْتَمَعَا وَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ بُدِئَ بِالْحَدِّ لِيَنْتَفِيَ اللِّعَانُ (وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (زَنَيْت بِك) أَوْ مَعَك (هَدَرًا) أَيْ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِلشَّكِّ قَيَّدَ بِالْخِطَابِ لِأَنَّهَا لَوْ أَجَابَتْهُ بِأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ وَحْدَهُ خَانِيَّةٌ (وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ (مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ دُونَهُ) لِتَصْدِيقِهَا.

(أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ يُلَاعِنُ وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) لِلْكَذِبِ (وَالْوَلَدُ فِيهِمَا) لِإِقْرَارِهِ

(وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ.

(قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْهَاءَ تُحْذَفُ لِلتَّرْخِيمِ (وَلِرَجُلٍ يَا زَانِيَةَ لَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ

ــ

[رد المحتار]

إلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ اهـ وَسَنَذْكُرُ فِي التَّعْزِيرِ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ لَهُ الْعَفْوُ وَالتَّوْفِيقُ لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا كَانَ لِجِنَايَةٍ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَشَاتُمَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَوْلَهُ أَخَذْت الرِّشْوَةَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقَاضِي وَتَرَجَّحَ فِيهِ حَقُّهُ فَكَانَ حَقَّ عَبْدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَفْوُ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَهُ لِعِرْسِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا لَا يَكُونُ مُوجَبُ قَذْفِهِ لِعَانًا بَلْ حَدًّا فَيُحَدُّ. اهـ. ح عَنْ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ أَيْ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَلَبِهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَهُ لِغَيْرِ عِرْسِهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمَارَّةُ (قَوْلُهُ فَرَدَّتْ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ قَالَتْ بَلْ أَنْتَ (قَوْلُهُ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا حُدَّتْ فِي الْقَذْفِ لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ قَدَّمَ حَدَّهَا حَتَّى سَقَطَ اللِّعَانُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ اللِّعَانَ لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجْرِي عَلَى الْمُلَاعِنَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ دُخُولِ الْمَسْأَلَةِ تَحْتَ هَذَا الْأَصْلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (قَوْلُهُ بُدِئَ بِالْحَدِّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالْبَدْءَ بِالْحَدِّ يَنْفِي اللِّعَانَ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْحَدِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُخَاصَمَةِ الْأُمِّ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ، أَمَّا لَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ لِلْقَذْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ) أَيْ فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ لِلشَّكِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ مَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَتُحَدُّ لِقَذْفِهَا، وَلَا لِعَانَ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ أَوْ مَا كَانَ مَعَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَأَطْلَقْت عَلَيْهِ زِنًا لِلْمُشَاكَلَةِ فَيَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا، وَالْحُكْمُ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مُتَعَذِّرٌ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي كُلٍّ مِنْ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ، حَتَّى لَوْ زَالَ الشَّكُّ بِأَنْ قَالَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُدَّتْ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. نَهْرٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْخِطَابِ) أَيْ بِكَافِ الْخِطَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُدَّ وَحْدَهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ حُدَّ وَحُدَّتْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ أَزَنَى مِنِّي لَيْسَ بِقَذْفٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا، نَعَمْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَذْفٌ تُحَدُّ هِيَ أَيْضًا.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَذْفًا يَكُونُ تَصْدِيقًا لَهُ فِي أَنَّهَا زَانِيَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنْ اقْتِضَائِهِ الْمُشَارَكَةَ وَالزِّيَادَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَرَدِّهَا بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك (قَوْلُهُ حُدَّتْ) لِزَوَالِ الشَّكِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِتَصْدِيقِهَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دُونَهُ أَيْ لَا يُحَدُّ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ

(قَوْلُهُ يُلَاعِنُ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا لِزَوْجَتِهِ فَيُلَاعِنُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ اللِّعَانِ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ صَيَّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّكَاذُبِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ خَلَفًا عَنْ الْحَدِّ فَإِذَا بَطَلَ صَيَّرَ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ) أَيْ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، وَاللِّعَانُ، يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ بَحْرٌ

(قَوْلُهُ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ) وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ زَيْلَعِيٌّ

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ تُحْذَفُ لِلتَّرْخِيمِ) كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ، وَعَلَّلَهُ

ص: 54

تَدْخُلُ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَلَامَةٍ. قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ.

(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَب لَهُ) مَعْرُوفٌ (فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ (لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الزِّنَا أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ) كَأَمَةِ ابْنِهِ (أَوْ بِوَجْهٍ) كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ (أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) فِي الْأَصَحِّ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لِسُقُوطِ الْإِحْصَانِ (أَوْ)

ــ

[رد المحتار]

فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَصْلُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْوِفَاقِيَّةِ، وَعُلِّلَ لِهَذِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ.

وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا، وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ بَلْ هِيَ لِمَا عَهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ.

وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ

(قَوْلُهُ فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَيْ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ بَحْرٌ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَهَذَا إذَا قَطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ وَبَقِيَ اللِّعَانُ، فَلَوْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقَعْ نَسَبُهُ أَوْ بَطَلَ اللِّعَانُ بِإِكْذَابِ الزَّوْجِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ وَجَبَ الْحَدُّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَارَةٌ: أَيْ عَلَامَةُ الزِّنَا فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَلَا نَصَّ فِيهَا بَلْ هِيَ احْتِيَاطٌ.

أَمَّا ثُبُوتُهَا بِالْوَطْءِ فَهُوَ بِنَصِّ - {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]- وَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ مَعَ النَّصِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ كَأَمَةِ ابْنِهِ) مَثَّلَ لَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ، فَالْمَوْطُوءَةُ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يُخْرِجُ الْفِعْلَ عَنْ كَوْنِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ (قَوْلُهُ كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا) إسْنَادُ الْحُرْمَةِ إلَى الْمِلْكِ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْمُسَبَّبِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمُتْعَةُ وَالْمِلْكُ سَبَبُهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا عَنْ الْحُرْمَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَيَأْتِي أَمْثِلَتُهَا قَرِيبًا وتَرْكُ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ كَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ.

وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَكَانَتْ مُؤَقَّتَةً، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ أَصْلًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَيْ وَإِذَا زَالَتْ الْعِفَّةُ زَالَ الْإِحْصَانُ، وَالنَّصُّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ لَا مِنْ رَمَى غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) الْأُنُوثَةُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ، وَمَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَمَا إذَا قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَطْلَقَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ بَحْرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شُمُولِ الْإِطْلَاقِ وَالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْكُفْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا، بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ حَدًّا لَا الرَّجْمُ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا

ص: 55

بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.

(وَحُدَّ قَاذِفٌ وَاطِئٌ عِرْسَهُ حَائِضًا وَأَمَةً مَجُوسِيَّةً وَمُكَاتَبَةً وَمُسْلِمٌ نَكَحَ مُحَرَّمَةً فِي كُفْرِهِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِنَّ، وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُمَا.

(وَ) حُدَّ (مُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ (بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ كَحَدِّ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُحَدُّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْخَمْرَ غَايَةٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمُنْيَةِ تَصْحِيحَ حَدِّهِ بِالسُّكْرِ أَيْضًا. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: إذَا اعْتَقَدُوا حُرْمَةَ الْخَمْرِ كَانُوا كَالْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا: لَوْ سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى فَأَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ حُدَّ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا

(أَقَرَّ الْقَاذِفُ بِالْقَذْفِ، فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ) وَلَوْ فِي كُفْرِهِ لِسُقُوطِ إحْصَانِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا) أَرْبَعًا (كَمَا مَرَّ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: أَوْ إقْرَارُهُ بِالزِّنَا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَقَدْ حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا،

ــ

[رد المحتار]

الْعَبْدُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَطْلَقَ يُحَدُّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُحَدُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ زِنَاهُ فِي كُفْرِهِ ثَابِتًا فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَا يُحَدُّ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ قَذْفَ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا، فَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الزِّنَا فِي حَالِ كُفْرِهَا. وَأَمَّا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك وَأَنْتِ أَمَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ زِنَاهَا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ بِالْأَوْلَى لِمَوْتِهِ عَبْدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي حُرِّيَّتِهِ) أَيْ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ

(قَوْلُهُ وَحُدَّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا فَإِنَّ الْحُرْمَةَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُؤَقَّتَةٌ وَمِثْلُ الْحَائِضِ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَالصَّائِمَةُ صَوْمَ فَرْضٍ وَمِثْلُ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ الْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ) بِالْجَرِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمُسْلِمًا بِالنَّصْبِ، فَالْأَوَّلُ عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ وَاطِئٍ.

وَالثَّانِي عَلَى مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِنَّ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَفِي بَعْضِهَا مِلْكُ نِكَاحٍ وَفِي بَعْضِهَا مِلْكُ الْيَمِينِ، وَحُرْمَةُ الْمُتْعَةِ فِيهَا لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً بَلْ مُؤَقَّتَةٌ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ الْوَطْءُ فِيهَا حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَا كَانَ بِلَا مِلْكٍ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَحُكْمُ الْبُطْلَانِ عِنْدَهُمَا غَايَةُ الْبَيَانِ

(قَوْلُهُ مُسْتَأْمِنٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ كَمَا؛ يَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إلَخْ) أَيْ وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ فِي الْكُلِّ) أَيْ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ غَايَةٌ) أَيْ غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتَدْرَكَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْخَمْرَ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا سُكِرَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ إلَّا الْخَمْرَ (قَوْلُهُ حُدَّ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَامَتْ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَمْ تُقْبَلْ

(قَوْلُهُ عَلَى زِنَاهُ) أَيْ زِنًا بِالْمَقْذُوفِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ إحْصَانِهِ) لَا مَحِلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُدَّ الْمَقْذُوفُ، فَالْكَلَامُ فِي حَدِّ الْمَقْذُوفِ لَا فِي حَدِّ الْقَاذِفِ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْجَلْدِ لَا الرَّجْمِ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا عِنْدَ بَيَانِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ، نَعَمْ هَذَا التَّعْلِيلُ يُنَاسِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَإِذَا كَانَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ حَدُّ الْمَقْذُوفِ يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيلُ خَارِجًا عَنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَيْفَ وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِحَدِّ الْقَاذِفِ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَذَكَرَ مِثْلَهُ هُنَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ.

ص: 56

لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ فَتَلْغُو الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُسْمَعُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا، فَلِذَا غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعِبَارَةَ فَتَنَبَّهْ (حُدَّ الْمَقْذُوفُ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْبَيِّنَةِ لِلْحَالِ (وَاسْتَأْجَرَ لِإِحْضَارِ شُهُودِهِ فِي الْمِصْرِ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ عَجَزَ حُدَّ وَلَا يُكْفَلُ لِيَذْهَبَ لِطَلَبِهِمْ بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) مَنْ يُحْضِرُهُمْ؛ وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً فُسَّاقًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ وَالشُّهُودِ مُلْتَقَطٌ.

(يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِجِنَايَاتٍ

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْبِيرَ الدُّرَرِ بِالْإِقْرَارِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ لَوْ قَالَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُ لَا لِحَدِّ الْمَقْذُوفِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ وَعَنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ،؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا اهـ وَنَحْوُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا عَنْ الْمُلْتَقَطِ. فَقَوْلُهُ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا إلَخْ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَدِّ الْمَقْذُوفِ.

مَطْلَبٌ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ (قَوْلُهُ لَا تُسْمَعُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ) فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُسْمَعُ لِلتَّعَدِّي: أَيْ تَعَدِّي الْحُكْمِ بِالدَّيْنِ إلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَأَمِينِ الْقَاضِي، وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَفِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَنْ آخَرَ فَبَرْهَنَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَرًّا لَهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ حُدَّ الْمَقْذُوفُ) أَيْ دُونَ الْقَاذِفِ كَمَا عَلِمْت وَتُرِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ لِلْحَالِ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يُزَكَّيَا أَوْ شَاهِدًا وَاحِدًا وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلتَّزْكِيَةِ أَوْ لِإِحْضَارِ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ) أَيْ مِقْدَارَ قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَدَّ لِتَضَرُّرِ الْمَقْذُوفِ بِتَأْخِيرِ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَإِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَلِيلٌ لَا يَتَضَرَّرُ.

وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَكْفُلُ فَلِذَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفُلُ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِهَذَا الْقَدْرِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ دُرِئَ الْحَدُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ فِيهِ نَوْعُ قُصُورٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ، وَلِذَا لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ نَفَذَ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمْ وَعَنْ الْقَاذِفِ، وَكَذَا عَنْ الْمَقْذُوفِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الثُّبُوتِ. وَأَمَّا لَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاذِفَ يُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا حُدُّوا مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَذْفِ يُحَدُّ الْقَاذِفُ بِالْأَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا

(قَوْلُهُ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْحَدَّ وَقَعَ بَعْدَ الْفِعْلِ الْمُتَكَرِّرِ إذْ لَوْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ فَعَلَ الثَّانِيَ يُحَدُّ حَدًّا آخَرَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ

ص: 57

اتَّحَدَ جِنْسُهَا، بِخِلَافِ مَا اخْتَلَفَ) جِنْسُهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَعَمَّ إطْلَاقُهُ مَا إذَا اتَّحَدَ الْمَقْذُوفُ أَمْ تَعَدَّدَ بِكَلِمَةٍ أَمْ كَلِمَاتٍ فِي يَوْمٍ أَمْ أَيَّامٍ طُلِبَ كُلُّهُمْ أَمْ بَعْضُهُمْ، وَمَا إذَا حُدَّ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْأَوَّلُ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ، وَأَمَّا إذَا قَذَفَ فَعَتَقَ فَقَذَفَ آخَرَ حُدَّ حَدَّ الْعَبْدِ فَإِنْ آخَذَهُ الثَّانِي كَمُلَ لَهُ ثَمَانُونَ لِوُقُوعِ الْأَرْبَعِينَ لَهُمَا فَتْحٌ. وَفِي سَرِقَةِ الزَّيْلَعِيِّ قَذَفَهُ فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ ثَانِيًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِهِ وَدَفْعُ الْعَارِ

ــ

[رد المحتار]

كَانَ قَذْفًا أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ ثَانِيًا الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) بِأَنْ زِنًا أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ مِرَارًا كَنْزٌ، وَكَذَا السَّرِقَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ) مِثْلَ أَنْتُمْ زُنَاةٌ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ يَا ابْنَ الزَّانِينَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ إلَّا سَوْطًا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ تَمَّمَ الْحَدَّ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا (قَوْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمُحْتَرَزِهِ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي جَوْهَرَةٌ.

قُلْت: وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِمَا إذَا حَضَرَا جَمِيعًا، لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالتَّبْيِينِ: لَوْ ضُرِبَ لِلزِّنَا أَوْ لِلشُّرْبِ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ زَنَى أَوْ شَرِبَ ثَانِيًا حُدَّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ، فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعًا أَوْ الْأَوَّلُ كَمُلَ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ، وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي وَحْدَهُ يُجْلَدُ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا لِلثَّانِي وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ اهـ أَيْ لِعَدَمِ دَعْوَى الْأَوَّلِ تَكْمِيلَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ ابْتِدَاءً، فَكَمَا لَا يُقَامُ لَهُ الْحَدُّ ابْتِدَاءً إلَّا بِطَلَبِهِ كَذَلِكَ لَا يَكْمُلُ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِتَكْمِيلِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ إنْ طَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الثَّانِي، فَلَوْ طَلَبَ الثَّانِي وَحْدَهُ حُدَّ لَهُ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ شَرْطَ تَكْمِيلِ الْأَوَّلِ حُضُورُ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَأَنَّ التَّدَاخُلَ قَدْ يَكُونُ بِتَدَاخُلِ الثَّانِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَدَاخُلِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ فِيمَا يُحَدُّ بِهِ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا كَمَا عَلِمْت آنِفًا، وَمَرَّ أَيْضًا قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ وَشَرِبَ ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ، فَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مِنْ التَّعَارُضِ بَيْنَ مَا مَرَّ وَمَا هُنَا فَهُوَ خَطَأٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ اخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ وَمَا إذَا قَذَفَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ كَسَابِقِهِ عَلَى قَوْلِهِ مَا إذَا اتَّحَدَ (قَوْلُهُ فَعَتَقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِالْهَمْزَةِ ط عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ آخَذَهُ الثَّانِي) أَيْ طَالَبَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ قَذَفَهُ) أَيْ قَذَفَ الْمَقْذُوفَ أَوَّلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ شَخْصًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي إخْبَارٍ مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مَاضِيًا قَبْلَ الْحَدِّ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا، بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا فَكَذَا هَذَا، أَمَّا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ اهـ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَمَنْ قَذَفَ إنْسَانًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحَدَّ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَلَدَهُ عُمَرُ لِقُصُورِ الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَحَافِلِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لَزَانٍ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيًا فَمَنَعَهُ عَلِيٌّ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا اهـ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ أَيْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ الزِّنَا الْأَوَّلِ أَوْ بِزِنًا آخَرَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ.

قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إلَى زِنًا غَيْرِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ ثَانِيًا كَمَا لَوْ قَذَفَ

ص: 58