الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْعِبَادَاتِ (إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَقَطْ.
[مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ]
(مُسْلِمٌ أَصَابَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ حَدُّ السَّرِقَةِ) يَعْنِي الْمَالَ الْمَسْرُوقَ لَا الْحَدَّ خَانِيَّةٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ (أَوْ الدِّيَةُ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ) وَحَارَبَنَا زَمَانًا (ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا يُؤَاخَذُ بِهِ كُلِّهِ، وَلَوْ أَصَابَهُ بَعْدَمَا لَحِقَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ لَا) يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِمَا كَانَ أَصَابَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُحَارِبًا لَنَا.
(أَخْبَرَتْ بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ) اسْتِحْسَانًا (كَمَا فِي الْإِخْبَارِ) مِنْ ثِقَةٍ -
ــ
[رد المحتار]
تَنْعَدِمُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَقَدْ سَقَطَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ. وَقَالَ الْكَعْبِيُّ: نَعَمْ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تُزِيلُ الطَّاعَةَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمَدْحُ وَالتَّعْظِيمُ فَلَا تُزِيلُ ثَمَرَتَهَا فَإِذَا صَارَتْ بِالتَّوْبَةِ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ كَنُورِ الشَّمْسِ إذَا زَالَ الْغَيْمُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعُودُ ثَوَابُهُ السَّابِقُ لَكِنْ تَعُودُ طَاعَتُهُ السَّالِفَةُ مُؤَثِّرَةً فِي اسْتِحْقَاقِ ثَمَرَاتِهِ وَهُوَ الْمَدْحُ، وَالثَّوَابُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَنْزِلَةِ شَجَرَةٍ احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ أَغْصَانُهَا وَثِمَارُهَا ثُمَّ انْطَفَأَتْ النَّارُ فَإِنَّهُ يَعُودُ أَصْلُ الشَّجَرَةِ وَعُرُوقُهَا إلَى خُضْرَتِهَا وَثَمَرَتِهَا اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَبَيْنَ الْكَعْبِيِّ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي إحْبَاطِ الْكَبَائِرِ لِلطَّاعَاتِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنْ الْإِيمَانِ لَكِنَّهَا لَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَيَلْزَمُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْإِيمَانِ حَبْطُ طَاعَاتِهِ، فَالْكَبِيرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّةِ عِنْدَنَا فَيَصِحُّ نَقْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إلَى الرِّدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ الْمُكَرَّمُ وَهُوَ بَاقٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَدَّاهَا لِخُرُوجِ سَبَبِهَا: وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ الظُّهْرَ لِبَقَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَلِذَا اُعْتُرِضَ اقْتِصَارُهُ عَلَى ذِكْرِ الْحَجِّ وَتَسْمِيَتِهِ قَضَاءً، بَلْ هُوَ إعَادَةٌ لِعَدَمِ خُرُوجِ السَّبَبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَقْضِي وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ ط
(قَوْلُهُ أَصَابَ مَالًا) أَيْ أَخَذَ، وَقَوْلُهُ أَوْ شَيْئًا أَيْ فَعَلَ شَيْئًا إلَخْ ط (قَوْلُهُ يَعْنِي الْمَالَ الْمَسْرُوقَ لَا الْحَدَّ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَلَا هُوَ مَحَلُّ إيهَامٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَدُّ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ يَجِبُ لَا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ أَصَابَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلتَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ الْقَاعِدَةُ فِيمَا ذُكِرَ ط (قَوْلُهُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ بِهَا كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ فَصَارَتْ أَمَةً يَسْقُطُ عَنْهَا جَمِيعُ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَقْضِي مَا تَرَكَ مِنْ عِبَادَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْحُدُودُ. فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: لَوْ أَصَابَ الْمُسْلِمُ مَالًا أَوْ مَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ لَحِقَ ثُمَّ تَابَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ لَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ ثُمَّ أَسْلَمَ. وَمَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَحِقَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ، وَالدَّمَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ لَوْ خَطَأً عَلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَفِي مَالِهِ لَوْ بَعْدَهَا. وَمَا أَصَابَهُ مِنْ حَدِّ الشُّرْبِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ لِأَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ عَنْ أَسْبَابِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِ الْمُرْتَكِبِ حُرْمَةَ السَّبَبِ، وَيُؤْخَذُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ حُدُودِهِ تَعَالَى لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةَ السَّبَبِ وَتَمَكُّنِ الْإِمَامِ مِنْ إقَامَتِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حِينَ أَصَابَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَصَابَ ذَلِكَ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَفِي مَالِهِ إنْ أَصَابَهُ بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَحَارَبَنَا زَمَانًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ ثُمَّ لَحِقَ وَكَذَا بِدُونِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى
(قَوْلُهُ أَخْبَرَتْ بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا) أَيْ مِنْ
(بِمَوْتِهِ أَوْ تَطْلِيقِهِ) ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً فَأَتَاهَا بِكِتَابِ طَلَاقِهَا وَأَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ مَبْسُوطٌ.
(وَالْمُرْتَدَّةُ) وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ خُنْثَى بَحْرٌ (تُحْبَسُ) أَبَدًا، وَلَا تُجَالَسُ وَلَا تُؤَاكَلُ حَقَائِقُ (حَتَّى تُسْلِمَ وَلَا تُقْتَلْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ) شَيْئًا وَلَوْ أَمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْبَسُ عِنْدَ مَوْلَاهَا لِخِدْمَتِهِ سِوَى الْوَطْءِ سَوَاءٌ طَلَبَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الْأَصَحِّ وَيَتَوَلَّى ضَرْبَهَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَلَيْسَ لِلْمُرْتَدَّةِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا بِهِ يُفْتَى. وَعَنْ الْإِمَامِ تُسْتَرَقُّ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَفْتَى بِهِ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَتَكُونُ قِنَّةً لِلزَّوْجِ بِالِاسْتِيلَاءِ مُجْتَبًى. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبُهَا لَهُ لَوْ مَصْرِفًا
ــ
[رد المحتار]
رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ. وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ: يَكْفِي خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لِأَنَّ حِلَّ التَّزَوُّجِ وَحُرْمَتَهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمَوْتِهِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ رِوَايَةُ الِاسْتِحْسَانِ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لَا إثْبَاتِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ تَطْلِيقِهِ ثَلَاثًا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَائِنُ مِثْلَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا فِي الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ وَلَعَلَّهُ لِاحْتِمَالِ الْمُرَاجَعَةِ وَلْيُحَرَّرْ ط (قَوْلُهُ فَأَتَاهَا بِكِتَابٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الثِّقَةِ لَوْ لَمْ يَأْتِهَا بِكِتَابٍ لَا يَحِلُّ لَهَا وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهَا صِدْقَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ) أَيْ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لَا مِنْ حِينِ الْإِخْبَارِ فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ حَيَاتُهُ أَوْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ الثَّانِي وَتَعُودُ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ تُحْبَسُ) لَمْ يَذْكُرْ ضَرْبَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ، وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَهَذَا مَيْلٌ إلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي كُلِّ تَعْزِيرٍ بِالضَّرْبِ نَهْرٌ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ تَضْعِيفُ مَا مَرَّ، وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ بِغَيْرِ الصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْتَلُ) يُسْتَثْنَى السَّاحِرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَنْ أَعْلَنَتْ بِشَتْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ فِي الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَيْ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَالْأَدِلَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَدَّةِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا) فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ سُبِيَتْ أَوْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَكَانَتْ فَيْئًا إنْ سُبِيَتْ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا التَّزَوُّجَ بِمَنْ شَاءَتْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَالصَّفَّارُ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا، وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَيُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْتَى بِهِ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ (قَوْلُهُ وَتَكُونُ قِنَّةً لِلزَّوْجِ بِالِاسْتِيلَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَنَفَوْا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خُوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا.
(وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا) لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (وَأَكْسَابُهَا) مُطْلَقًا (لِوَرَثَتِهَا) وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَرِيضَةً وَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ. قُلْت: وَفِي الزَّوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا لَوْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً فَتَأَمَّلْ.
(وَلَدَتْ أَمَتُهُ وَلَدًا فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ فِي) أَمَتِهِ (الْمُسْلِمَةِ مُطْلَقًا) وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ لِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ (إنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ) أَوْ لَحِقَ بِدَارِهِمْ، وَكَذَا فِي (أَمَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ) أَيْ الْكِتَابِيَّةِ (إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ ارْتَدَّ) وَكَذَا لِنِصْفِهِ لِعُلُوقِهِ مِنْ مَاءِ الْمُرْتَدِّ فَيَتْبَعُهُ لِقُرْبِهِ لِلْإِسْلَامِ بِالْجَبْرِ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ
(وَإِنْ لَحِقَ بِمَالِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ (وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ) أَيْ مَالُهُ (فَيْءٌ) لَا نَفْسُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ (فَإِنْ رَجَعَ) أَيْ بَعْدَمَا لَحِقَ بِلَا مَالٍ سَوَاءٌ قَضَى بِلَحَاقِهِ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ فَتْحٌ (فَلَحِقَ) ثَانِيًا (بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَارِثِهِ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ انْتَقَلَ لِوَارِثِهِ فَكَانَ مَالِكًا قَدِيمًا، -
ــ
[رد المحتار]
وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا ارْتَدَّتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَتُسْتَرَقُّ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبَهَا لَهُ. أَمَّا لَوْ ارْتَدَّتْ فِيمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَصَارَ دَارَ حَرْبٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بِلَا شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُتَلَصِّصًا وَسَبَى مِنْهُمْ، وَهَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ وَقَعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا) أَيْ لَا تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهَا مِنْ مُبَايَعَةٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، نَعَمْ يَبْطُلُ مِنْهَا مَا يَبْطُلُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ) فَلَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا سَبَبًا لِزَوَالِ مِلْكِهَا فَجَازَ تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهَا كَالسَّاحِرَةِ وَالزِّنْدِيقَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ بِالْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَأَكْسَابُهَا مُطْلَقًا لِوَرَثَتِهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ كَسْبَ إسْلَامٍ أَوْ كَسْبَ رِدَّةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَنْ لَا يُقْتَلُ إذَا ارْتَدَّ لِشُبْهَةٍ فِي إسْلَامِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَوْ مَرِيضَةً) لِأَنَّهَا تَكُونُ فَارَّةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لَوْ صَحِيحَةً) أَيْ لَوْ ارْتَدَّتْ حَالَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً (قَوْلُهُ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُقْتَلُ لَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً فَلَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَقَدْ مَاتَتْ كَافِرَةً، بِخِلَافِ رِدَّتِهِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ مُطْلَقًا فَتَرِثُهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الزَّوَاهِرِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ مَتْنًا فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ أَيْضًا فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ، نَعَمْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ قُلْت مَا نَصُّهُ: وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اسْتِحْسَانًا إنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَتَرِثُ الْمُرْتَدَّةُ زَوْجَهَا الْمُرْتَدَّ اتِّفَاقًا خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَفِي الزَّوَاهِرِ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالْأَمْرُ بِالتَّأَمُّلِ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الِارْتِدَادِ ط (قَوْلُهُ أَيْ الْكِتَابِيَّةُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِيَعُمَّ الْيَهُودِيَّةَ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَرِثُهُ، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِالْجَبْرِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يُسْلِمَ دُرَرٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّبَعَ أُمَّهُ الْكِتَابِيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَظُهِرَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ غُلِبَ وَقُهِرَ (قَوْلُهُ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِوَرَثَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ) بَلْ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُ مَالِهِ فَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ لِأَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِلَا مَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِلَحِقَ. بَقِيَ مَا إذَا لَحِقَ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَلَحِقَ بِالْبَاقِي، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ مَا لَحِقَ بِهِ أَوَّلًا فَيْءٌ، وَمَا لَحِقَ بِهِ ثَانِيًا لِوَرَثَتِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ عَوْدَهُ وَأَخَذَهُ وَلَحَاقَهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ، فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ، وَمَا اُحْتِيجَ لِلْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيَتَرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَتَقَرَّرَ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ، فَكَانَ
وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَهُ (قَبْلَ قِسْمَتِهِ بِلَا شَيْءٍ وَبَعْدَهَا بِقِيمَتِهِ) إنْ شَاءَ وَلَا يَأْخُذُهُ لَوْ مِثْلِيًّا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
(وَإِنْ قَضَى بِعَبْدِ) شَخْصٍ (مُرْتَدٍّ لَحِقَ) بِدَارِهِمْ (لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ) الِابْنُ (فَجَاءَ) الْمُرْتَدُّ (مُسْلِمًا فَبَدَلُهَا) وَالْوَلَاءُ كِلَاهُمَا (لِلْأَبِ) الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا لِجَعْلِ الِابْنِ كَالْوَكِيلِ.
(مُرْتَدٌّ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) إنْ كَانَ وَإِلَّا فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبٍ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْغَصْبُ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ فِي الْكَسْبَيْنِ اتِّفَاقًا ظَهِيرِيَّةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ
(قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ لَحِقَ) فَحَكَمَ بِهِ (فَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَارِثِهِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ،
ــ
[رد المحتار]
رُجُوعُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْإِطْلَاقُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْكَافِي، وَبِهِ سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى النِّهَايَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ إذَا وَجَدَ مِلْكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ مَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) أَيْ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ مِثْلِهِ
. (قَوْلُهُ لَحِقَ بِدَارِهِمْ) أَيْ بِدَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ فَجَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا) يَعْنِي قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ لِلِابْنِ، إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَقَيَّدَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ الِابْنَ إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ جَاءَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّعْجِيزِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كِلَاهُمَا لِلْأَبِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ؛ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْطَالَ كِتَابَةِ الْوَارِثِ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِمُجَرَّدِ مَجِيئِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْسَخَهَا، أَمَّا إذَا فَسَخَهَا انْفَسَخَتْ إلَّا أَنَّ جَعْلَهُمْ الْوَارِثَ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ يَأْبَاهُ. اهـ. .
. (قَوْلُهُ فَلَحِقَ) أَمَّا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ اللَّحَاقِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَوْ قَذَفَ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) هَذَا بِنَاءٌ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُصَحَّحَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ إسْلَامِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَمِنْ كَسْبِ رِدَّتِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ؛ وَهَذَا خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي الدَّيْنِ (قَوْلُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ) صَوَابُهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كَسْبَ رِدَّةٍ فَقَطْ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ الْكَسْبَانِ قَالَا يَسْتَوْفِي مِنْهُمَا. وَقَالَ الْإِمَامُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ اسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ النَّهْرِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ فَعِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ مَالُهُ عِنْدَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ) فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَالْمُكَاتَبُ مُوجِبٌ جِنَايَتَهُ فِي كَسْبِهِ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَهَدَرٌ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ فَسَتَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ط
(قَوْلُهُ فَارْتَدَّ) أَفَادَ أَنَّ الرِّدَّةَ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَلَوْ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ قَاطِعُهُ، إذْ لَوْ قَتَلَهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ نَعُوذُ الْعِيَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ: أَيْ مَاتَ مُرْتَدًّا، فَلَوْ مُسْلِمًا فَيَأْتِي (قَوْلُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ فَقَطْ وَذَلِكَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا يَضْمَنُ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ شَيْئًا (قَوْلُهُ لِوَارِثِهِ) إنَّمَا كَانَتْ لَهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا
قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَ) قَيَّدْنَا بِالْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ (إنْ) عَادَ قَبْلَهُ أَوْ (أَسْلَمَ هَاهُنَا) وَلَمْ يَلْحَقْ (فَمَاتَ مِنْهُ) بِالسِّرَايَةِ (ضَمِنَ) الدِّيَةَ (كُلَّهَا) لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ السِّرَايَةِ أَيْضًا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَهَدَرٌ لَوْ عَمَدَ الْفَوَاتَ مَحَلَّ الْقَوَدِ، وَلَوْ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ خَانِيَّةٌ. وَلَا عَاقِلَةَ لِمُرْتَدٍّ.
(وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ) وَاكْتَسَبَ مَالًا (وَأَخَذَ بِمَالِهِ وَ) لَمْ يُسْلِمْ فَقُتِلَ (فَبَدَلُ مُكَاتَبَتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَمَا بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ (لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ.
(زَوْجَانِ ارْتَدَّا وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ) الْمُرْتَدَّةُ (وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَوْلُودِ (وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) جَمِيعًا (فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ) كَأَصْلِهِمَا (وَ) الْوَلَدُ (الْأَوَّلُ يُجْبَرُ) بِالضَّرْبِ (عَلَى الْإِسْلَامِ) وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ (لَا الثَّانِي)
ــ
[رد المحتار]
تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى اهـ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِاعْتِرَاضِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ ضَمَانِ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَطْرَافَ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. أَقُولُ: لَمْ نَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَالْوَاجِبُ هُنَا نِصْفُ الدِّيَةِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِلَا شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ كُلُّهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ النِّصْفُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ ارْتَدَّ الْقَاطِعُ) لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَقْطُوعِ الْمُرْتَدِّ أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْقَاطِعِ الْمُرْتَدِّ ط (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ) مُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْقَاطِعِ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ لَا ط. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ مَوْتَ الْقَاتِلِ قَبْلَ الْمَقْتُولِ مُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ حِينَ الْقَطْعِ كَانَ مُسْلِمًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِمُرْتَدٍّ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا، بَلْ مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ مُرْتَدٌّ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً. قُلْتُ: أَشَارَ بِذِكْرِهِ هُنَا إشَارَةً خَفِيَّةً كَمَا هُوَ عَادَتُهُ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ إلَى فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي قَوْلِهِ ارْتَدَّ الْقَاطِعُ، وَهِيَ مَا لَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ، فَاسْتَغْنَى بِالتَّعْلِيلِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْمُعَلَّلِ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلَا تَنْسَ قَوْلَهُ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ فَرُبَّمَا خَالَفْتُ فِي حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ، فَحَسِبَهُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ وَلَا فَهْمَ عُدُولًا عَنْ السَّبِيلِ إلَخْ فَافْهَمْ
. (قَوْلُهُ وَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أُسِرَ مَعَ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَبَدَلُ مُكَاتَبَتِهِ لِمَوْلَاهُ إلَخْ) أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ) وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَحِقَا بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ كَانَ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمَا أَوْ لِلدَّارِ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْكُلُّ فَيَكُونُ الْوَلَدُ فَيْئًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ كَالْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ كَأَصْلِهِمَا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَلَدِ، فَإِنَّ أُمَّهُ تُسْتَرَقُّ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. أَمَّا وَلَدُ الْوَلَدِ فَلَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْجَدَّ كَمَا يَأْتِي وَهَذِهِ جَدَّةٌ فِي حُكْمِ الْجَدِّ، وَلَا أَبَاهُ لِأَنَّ أَبَاهُ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يَسْتَتْبِعُ غَيْرَهُ كَمَا يَأْتِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ أُمُّهُ ذِمِّيَّةً مُسْتَأْمَنَةً، فَالْمُنَاسِبُ كَوْنُ الْعِلَّةِ فِي كَوْنِهِ فَيْئًا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَرْبِيِّ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ يُجْبَرُ بِالضَّرْبِ) أَيْ وَالْحَبْسِ نَهْرٌ أَيْ بِخِلَافِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُمَا يُجْبَرَانِ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُجْبَرُ بِالْأَوْلَى. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْهِدَايَةِ بِالْحَبَلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَهُمَا يُجْبَرَانِ فَكَذَا هُوَ
لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْجَدِّ عَلَى الظَّاهِرِ فَحُكْمُهُ كَحَرْبِيٍّ
(وَ) قُيِّدَ بِرِدَّتِهِمَا لِأَنَّهُ (لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ فَوَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ (فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْهُ حَتَّى سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأَبِيهِ (مَرْقُوقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ (فَلَا يَرِثُ أَبَاهُ) لِرِقِّهِ بَدَائِعُ.
(وَإِذَا ارْتَدَّ صَبِيٌّ عَاقِلٌ صَحَّ) خِلَافًا لِلثَّانِي، وَلَا خِلَافَ فِي تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكُفْرِ تَلْوِيحٌ (كَإِسْلَامِهِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا (فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ) تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) بِالضَّرْبِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَوَّلِ (وَالْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ) وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ مُجْتَبًى وَسِرَاجِيَّةٌ (وَقِيلَ الَّذِي يَعْقِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْحُلْوَ مِنْ الْمُرِّ) قَائِلُهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ قَائِلًا وَلَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَهُ بِالسِّنِّ.
ــ
[رد المحتار]
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ الْجَبْرِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْجَدِّ) وَلِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لِأَبِيهِ لِأَنَّ رِدَّةَ أَبِيهِ كَانَتْ تَبَعًا وَالتَّبَعُ لَا يَسْتَتْبِعُ خُصُوصًا، وَأَصْلُ التَّبَعِيَّةِ ثَابِتَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حَقِيقَةً وَلِذَا يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ أَبِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَتْبَعُ الْجَدَّ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَ الْجَدَّ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ مُرْتَدٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا الْجَدُّ الْأَبَ ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَتَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْهَا هُنَا إحْدَى عَشْرَةَ ذَكَرَهَا الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ كَحَرْبِيٍّ) فِي أَنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَتُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ يُقْتَلُ. وَأَمَّا الْجَدُّ فَيُقْتَلُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ الْمُرْتَدُّ بِالْأَصَالَةِ أَوْ يُسْلِمُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ) أَيْ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَقْتَ وِلَادَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ السَّبْيِ ط.
مَطْلَبٌ فِي رِدَّةِ الصَّبِيِّ وَإِسْلَامِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا ارْتَدَّ صَبِيٌّ عَاقِلٌ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَلَا يَبْقَى وَارِثًا قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ وَلَا يَغْرَمُ قَاتِلُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَى أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ) فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقَطْ بَحْرٌ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْكُفْرِ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الشِّرْكِ خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ كَمَا فِي الْأُصُولِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَإِسْلَامِهِ) فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ عِصْمَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَحِلِّ الذَّبْحِ وَنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَالْإِرْثِ مِنْ الْمُسْلِمِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفَ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَمَا عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّهُ يَقَعُ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ لَكِنَّا إنَّمَا نَخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ) أَيْ وَالْحَبْسِ كَمَا مَرَّ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَعْدَ بُلُوغِهِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ ارْتَدَّ الْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ أَدْرَكَ كَافِرًا حُبِسَ وَلَمْ يُقْتَلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الَّذِي يَعْقِلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَيَّنَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ كَوْنَهُ بِحَيْثُ يُنَاظِرُ وَيَفْهَمُ وَيُفْحِمُ. اهـ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ، وَمَعْنَى تَمْيِيزِهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الصِّدْقَ.
قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت نَقْلَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ " أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَسِنُّهُ سَبْعٌ» وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ، حَتَّى قَالَ:
سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا
…
غُلَامًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي
وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا
…
بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي
ثُمَّ هَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّحْرِيرِ: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيِّ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ،
ــ
[رد المحتار]
مَثَلًا حَسَنٌ وَالْكَذِبَ قَبِيحٌ يُلَامُ فَاعِلُهُ، وَأَنَّ الْعَسَلَ حُلْوٌ وَالصَّبْرَ مُرٌّ؛ وَمَعْنَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُنَاظَرُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُسْلِمَ فِي الْجَنَّةِ وَالْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تُخَالِفَ دِينَ أَبَوَيْك يَقُولُ نَعَمْ لَوْ كَانَ دِينُهُمَا حَقًّا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُنَاظَرَةَ وَلَوْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَائِلًا لَا أُسَلِّمُهُ إلَّا إلَى أَبِيكَ لِأَنَّكَ قَاصِرٌ فَيَقُولُ لَهُ لِمَ أَخَذْتَ مِنِّي الثَّمَنَ؛ فَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْنِي الْمَبِيعَ ادْفَعْ لِي الثَّمَنَ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَقَعُ مِنْ ابْنِ سَبْعٍ غَالِبًا، وَعَلَيْهِ يَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْتَ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ وَسِنُّهُ سَبْعٌ) وَقِيلَ ثَمَانٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَقِيلَ عَشْرٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ الْأَحْرَارِ، وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ وَدَقَ.
قَالَ الْمَازِنِيُّ: لَمْ يَصِحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ
تِلْكُمْ قُرَيْشٌ تَمُنَّانِي لِتَقْتُلَنِي
إلَخْ وَصَوَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ مَا هُنَا إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا) فَائِدَةُ وُقُوعِهِ فَرْضًا عَدَمُ فَرِيضَةِ تَجْدِيدِ إقْرَارٍ آخَرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ. أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ وَهُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا وُجُوبَ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ، وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا فَإِذَا فَعَلَ تَمَّ اهـ.
مَطْلَبٌ هَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِيمَانُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّحْرِيرِ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ: وَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَيْ بِعَقْلِ الصَّبِيِّ وَعِقَابِهِ بِتَرْكِهِ. وَنَفَاهُ بَاقِي الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهَقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِ الْإِيمَانِ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي: وَزَادَ أَبُو مَنْصُورٍ إيجَابَهُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ رَسُولًا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّونَ: لَا تَعَلُّقَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالتَّبْلِيغِ كَالْأَشَاعِرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رِوَايَةِ: لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ، لِمَا يَرَى مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ نَفْسِهِ
حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خُلِّدَ فِي النَّارِ نَهْرٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ:
بِدَرْوِيشِ دَرْوِيشَانِ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ
…
وَصَحَّحَ أَنْ لَا كُفْرَ وَهْوَ الْمُحَرَّرُ
كَذَا قَوْلُ شَيْ لِلَّهِ قِيلَ بِكُفْرِهِ
…
وَيَا حَاضِرٌ يَا نَاظِرٌ لَيْسَ يَكْفُرُ
وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ
…
وَلَا سِيَّمَا بِالدُّفِّ يَلْهُو وَيَزْمُرُ
ــ
[رد المحتار]
بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْنَى يَنْبَغِي، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْلِ.
مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى دَرْوِيشٍ دَرْوِيشَانِ (قَوْلُهُ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا تَجُوزُ إبَاحَتُهُ فَيَكُونُ مُبِيحَ الْحَرَامِ وَهُوَ كُفْرٌ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَسْكَنَةُ الْمَسَاكِينِ أَوْ فَقْرُ الْفُقَرَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ تَمَسَّكْنَا بِمَسْكَنَةِ الْمَسَاكِينِ أَوْ افْتَقَرْنَا إلَيْكَ بِفَقْرِ الْفُقَرَاءِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطُّ عَلَى مَا ذُكِرَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَازَعَهُ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى هُوَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ أَمَّا الْعُرْفِيُّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْمَلَاحِدَةِ والقلندرية فَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ لَكَ. فَالْحَقُّ أَنْ يَكْفُرَ الْقَائِلُ إنْ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْفِئَةِ، أَوْ أَرَادَ مَا أَرَادُوهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا وَتَشْبِيهًا بِهِمْ أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَيُجَدِّدُ وُجُوبًا أَوْ احْتِيَاطًا إيمَانَهُ، وَإِنْ قَالَهُ غَيْرُ عَالِمٍ وَلَا مُتَأَمِّلٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُرَخِّصَ فِي التَّكَلُّمِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قِيلَ بِكُفْرِهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ طَلَبَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ وَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجِّحَ عَدَمَ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَرَدْتُ أَطْلُبُ شَيْئًا إكْرَامًا لِلَّهِ تَعَالَى. اهـ. شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي أَوْ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، لَكِنَّ هَذَا إنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، أَمَّا إنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ لَيْسَ يَكْفُرُ) فَإِنَّ الْحُضُورَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ شَائِعٌ - {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]- وَالنَّظَرُ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ - {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]- فَالْمَعْنَى يَا عَالِمَ مَنْ يَرَى بَزَّازِيَّةٌ. مَطْلَبٌ فِي مُسْتَحِلِّ الرَّقْصِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّمَايُلُ وَالْخَفْضُ وَالرَّفْعُ بِحَرَكَاتٍ مَوْزُونَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى التَّصَوُّفِ.
وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ هَذَا الْغِنَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ وَالرَّقْصِ. قَالَ وَرَأَيْتُ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ جَلَالِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ مُسْتَحِلَّ هَذَا الرَّقْصِ كَافِرٌ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ فَاسِقٌ لَا كَافِرٌ. ثُمَّ قَالَ: التَّحْقِيقُ الْقَاطِعُ لِلنِّزَاعِ فِي أَمْرِ الرَّقْصِ وَالسَّمَاعِ يَسْتَدْعِي تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ وَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ، وَخُلَاصَتُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِقَوْلِهِ:
مَا فِي التَّوَاجُدِ إنْ حَقَّقْتَ مِنْ حَرَجٍ
…
وَلَا التَّمَايُلِ إنْ أَخْلَصْتَ مِنْ بَاسِ
فَقُمْتَ تَسْعَى عَلَى رِجْلٍ وَحُقَّ لِمَنْ
…
دَعَاهُ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْعَى عَلَى الرَّاسِ
الرُّخْصَةُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْضَاعِ، عِنْدَ الذِّكْرِ وَالسَّمَاعِ، لِلْعَارِفَيْنِ الصَّارِفِينَ أَوْقَاتَهُمْ إلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ،