الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْآبِقِ
مُنَاسَبَتُهُ عَرْضِيَّةُ التَّلَفِ وَالزَّوَالِ: وَالْإِبَاقُ: انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا، كَذَا عَرَّفَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِيَدْخُلَ الْهَارِبُ مِنْ مُؤَجِّرِهِ وَمُسْتَعِيرِهِ وَمُودِعِهِ وَوَصِيِّهِ.
ــ
[رد المحتار]
الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَجْوَدِ وَتَرْكَ الْأَدْوَنِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلُّقَطَةِ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ وَكَأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَدْوَنِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُكَعَّبِ الْمَسْرُوقِ، وَعَلَيْهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَدْوَنِ مُعْرِضٌ عَنْهُ قَصْدًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ الْمَهْزُولَةِ الَّتِي تَرَكَهَا صَاحِبُهَا عَمْدًا بَلْ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مُكَعَّبَ غَيْرِهِ وَتَرَكَ مُكَعَّبَهُ غَلَطًا لِظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ صَاحِبِهِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَجْوَدَ وَأَدْوَنَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ كَوْنُهُ غَلَطًا أَوْ عَمْدًا لِعَدَمِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ.
[فَائِدَةٌ] ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ مَا نَصُّهُ: إذَا ضَاعَ مِنْك شَيْءٌ فَقُلْ: يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ كَذَا وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ جَرَّبْته فَوَجَدْته نَافِعًا لِوُجُودِ الضَّالَّةِ عَنْ قُرْبٍ غَالِبًا. وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْآبِقِ]
ِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَقَ كَضَرَبَ وَسَمِعَ وَمَنَعَ قَامُوسٌ، وَالْأَكْثَرُ الْأَوَّلُ مِصْبَاحٌ، وَمَصْدَرُهُ أَبْقٌ وَيُحَرَّكُ وَإِبَاقٌ كَكِتَابٍ وَجَمْعُهُ كَكُفَّارٍ وَرُكَّعٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مُنَاسَبَتُهُ) أَيْ مُنَاسَبَةُ الْآبِقِ لِلَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ، عَرَضِيَّةُ التَّلَفِ: أَيْ الْهَلَاكِ وَالزَّوَالِ أَيْ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ: أَيْ تَوَقُّعُ عُرُوضِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْجِهَادِ، فَإِنَّ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ فِيهِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ. وَاعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ عَرَضِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْآبِقِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ الْجِهَادِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ خَوْفَ التَّلَفِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ فِي اللَّقِيطِ أَكْثَرُ مِنْ اللُّقَطَةِ فَذُكِرَا عَقِبَهُ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي الْآبِقِ فَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوْلَاهُ لَا يَمُوتُ، بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ لِصِغَرِهِ إنْ لَمْ يُرْفَعْ يَمُوتُ فَالْأَنْسَبُ تَرْتِيبُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ: وَالْإِبَاقُ انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْهَرَبُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَالتَّمَرُّدُ: الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الضَّالِّ: وَهُوَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى مَنْزِلِ سَيِّدِهِ بِلَا قَصْدٍ (قَوْلُهُ: مِنْ مُؤَجَّرِهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ. اهـ. ح أَيْ مُسْتَأْجِرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ لَكَانَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: وَمُودَعِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: وَوَصِيِّهِ) أَيْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ مَاتَ سَيِّدُهُ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَأَقَامَ هُوَ أَوْ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ وَصِيًّا، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ وِصَايَتِهِ
(أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ، وَيَحْرُمُ) أَخْذُهُ (لِنَفْسِهِ، وَيَنْدُبُ) أَخْذُهُ (إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) وَإِلَّا فَلَا نَدْبَ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: حُكْمُ أَخْذِهِ كَلُقَطَةٍ
(فَإِنْ ادَّعَاهُ آخَرُ دَفَعَهُ إلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ وَاسْتَوْثَقَ) مِنْهُ (بِكَفِيلٍ) إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ (وَيُحَلِّفُهُ) الْحَاكِمُ أَيْضًا بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ (وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ) عَطْفٌ عَلَى إنْ بَرْهَنَ (وَأَقَرَّ) الْعَبْدُ (أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ذَكَرَ) الْمَوْلَى (عَلَامَتَهُ وَحِلْيَتَهُ دُفِعَ إلَيْهِ بِكَفِيلِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ) مَخَافَةَ جُعْلِهِ (حَلَفَ) إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى إبَاقِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ (فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ مُدَّةُ مَجِيءِ الْمَوْلَى (بَاعَهُ الْقَاضِي وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمَوْلَى بِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ) أَيْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ أَخْذُهُ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا وَجَدَ عَبْدًا آبِقًا وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى أَخْذِهِ قَالَ يَسَعُهُ تَرْكُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ قَيْدَ الْقُوَّةِ عَلَى أَخْذِهِ تَأْكِيدٌ لِإِفَادَةِ جَوَازِ التَّرْكِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَخْذُهُ بَلْ يُنْدَبُ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْقُوَّةِ عَلَيْهِ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَخُصُّ مَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ التَّكْلِيفِ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْقُدْرَةِ شَرْطًا عَامًّا لَا يُوجِبُ عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي مَعْرِضِ بَيَانِ الْأَحْكَامِ. قَالَ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ خَوْفِ ضَيَاعِهِ لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ إلَخْ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَحْرَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَقَوْلُ الْبَدَائِعِ هُنَا إنَّ حُكْمَ أَخْذِ الْآبِقِ كَحُكْمِ اللُّقَطَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ أَخْذِهِ عِنْدَنَا، نَعَمْ فِي الْفَتْحِ.
يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا نَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الشَّافِعِيِّ مَذْهَبُنَا، فَقَوْلُهُ هُنَا حُكْمُهُ كَحُكْمِ اللُّقَطَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَخْذُهَا وَاجِبًا يَكُونُ أَخْذُهُ مِثْلَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَيْرِ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ أَخْذَهَا وَاجِبٌ فَأَخْذُ الْآبِقِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَنْ بَيِّنَةٍ فَفِي أَوْلَوِيَّةِ أَخْذِ الْكَفِيلِ وَتَرْكِهِ رِوَايَتَانِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَاضِي، وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ ط: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ: قِيلَ رِوَايَةُ عَدَمِ أَخْذِ الْكَفِيلِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ حَرُمَ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاجِبٌ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ رِوَايَةَ الْأَخْذِ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ مَعَ الِاسْتِيثَاقِ مِنْهُ بِكَفِيلٍ (قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ) كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ (قَوْلُهُ: دَفَعَ إلَيْهِ بِكَفِيلٍ) أَخَذَهُ الْكَفِيلُ هُنَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَخَيَّرُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ.
قُلْت: يَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّفْعِ فِي صُورَةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ وَعَدَمُهُ فِي صُورَةُ ذِكْرِ الْعَلَامَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَخَافَةَ جُعْلِهِ) أَيْ أَخْذِ جُعْلِهِ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِإِقَامَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) سَيَأْتِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْبِسُ الْآبِقَ تَعْزِيرًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ طَالِبُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِئْ لَهُ طَالِبٌ وَطَالَ ذَلِكَ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَبَسَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِهِ إذَا وَصَفَ حِلْيَتَهُ وَعَلَامَتَهُ اهـ وَجَوَازُ بَيْعِهِ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ خَوْفَ إبَاقِهِ كَمَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ) فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ
(وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ وَ) أَمْسَكَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا (أَنْفَقَ مِنْهُ، وَإِنْ جَاءَ) الْمَوْلَى (بَعْدَهُ وَبَرْهَنَ) أَوْ عَلِمَ (دَفَعَ بَاقِيَ الثَّمَنِ إلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُ) الْمَوْلَى (نَقْضَ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ كَحُكْمِهِ لَا يُنْقَضُ.
قُلْت: لَكِنْ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمَرْحُومِ أَبِي السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ أَنَّهُ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِمَنْعِ الْقُضَاةِ عَنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ بِبَيْعِ عَبِيدِ الْعَسْكَرِيَّةِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَبِيدِ السَّبَاهِيَةِ فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَلَى الْبَائِعِ. وَأَمَّا عَبِيدُ الرَّعَايَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَإِلَّا فَلِلرَّعَايَا الثَّمَنُ وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْأَمْرُ أَيْضًا انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ
(وَلَوْ زَعَمَ) الْمَوْلَى (تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ) أَوْ اسْتِيلَادَهَا (لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَلَدٌ مِنْهَا أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى ذَلِكَ نَهْرٌ.
(وَاخْتُلِفَ فِي الضَّالِّ) قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ، وَقِيلَ تَرْكُهُ؛ وَلَوْ عَرَفَ بَيْتَهُ فَإِيصَالُهُ إلَيْهِ أَوْلَى
(أَبَقَ عَبْدٌ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا) مِنْ الْمَالِ (صُدِّقَ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَلِمَنْ رَدَّهُ) خَبَرُ قَوْلِهِ الْآتِي أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (إلَيْهِ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) فَأَكْثَرَ
ــ
[رد المحتار]
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا تَعَذَّرَ إيصَالُهُ إلَى مَالِكِهِ وَخِيفَ تَلَفُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ مَالَ الْغَائِبِ لَا يُبَاعُ إذَا عُلِمَ مَكَانَ الْغَائِبِ لِإِمْكَانِ إيصَالِهِ. اهـ. نَهْرٌ.
قُلْت: قَدْ يَكُونُ إيصَالُهُ إلَى مَالِكِهِ مُوجِبًا لِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ فَيَتَضَرَّرُ مَالِكُهُ، وَقَدْ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ أَخْذُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَمْسَكَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ) الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْقَاضِي، وَالْمُرَادُ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: أَيْ يُمْسِكُ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ لِيَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَّمَ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ وَصَفَ عَلَامَتَهُ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَلَّمْت لَهُ عَلَامَةً بِالتَّشْدِيدِ وَضَعْت لَهُ أَمَارَةً يَعْرِفُهَا (قَوْلُهُ: دَفَعَ بَاقِيَ الثَّمَنِ إلَيْهِ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْحِلْيَةِ. وَنَقَلَ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا.
قُلْت: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْأُولَى فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ وَالثَّانِيَ فِي جَوَازِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ) أَيْ لِوَاجِدِ الْآبِقِ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي، وَحَيْثُ كَانَ الْقَاضِي مَمْنُوعًا مِنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ السُّلْطَانِ، وَلَكِنْ هَذَا الْمَنْعُ السُّلْطَانِيُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْمَانِعِ عَلَى مَا أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَخُصُوصًا بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِهِ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي زَعْمِهِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَلَدٌ مِنْهَا) أَيْ وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَيَدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْهَا فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ. اهـ. كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا زَعَمَهُ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ. وَأَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُجَرَّدَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَبِهِ الدَّفْعُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ اللُّقَطَةِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ: أَيْ الْمَالِكَ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَبَرْهَنَ قَبْلَ بُرْهَانِهِ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ اهـ وَبِهِ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الضَّالِّ) الْأُولَى لِلْمُصَنِّفِ ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَنْدُبُ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْآبِقُ، وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَا جُعْلَ لِرَادِّهِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ، وَأَنَّهُ يُؤَجِّرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ كَاللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَرَفَ بَيْتَهُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَاف مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَاجِدُ مَوْلَاهُ وَلَا مَكَانَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ.
(قَوْلُهُ: صُدِّقَ) أَيْ بِيَمِينِهِ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ مَا بَيْنَ مَكَانِ الْأَخْذِ وَمَكَانِ سَيِّدِ الْعَبْدِ، سَوَاءٌ أَبَقَ مِنْ مَكَانِ سَيِّدِهِ
(وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّادَّ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا لَكِنَّ الْجُعْلَ لِمَوْلَاهُ (مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا جُعْلَ لِسُلْطَانٍ وَشَحْنَةٍ وَخَفِيرٍ وَوَصِيِّ يَتِيمٍ وَعَائِلِهِ وَمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ كَإِنْ وَجَدْته فَخُذْهُ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَابْنٍ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقًا زَيْلَعِيٌّ وَشَرِيكٍ وَنُتَفٌ
ــ
[رد المحتار]
أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَقَدْ اُعْتُبِرَ مَكَانُ الرَّدِّ وَمَكَانُ الْمَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ فِي حَاجَةٍ لِمَوْلَاهُ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَبَقَ مِنْهَا مَسَافَةَ يَوْمٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا اعْتِبَارًا لِمَكَانِ الْمَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ ط أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَكَانِ الْمَوْلَى الْمَكَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ الْمَوْلَى وَقَدْ سَارَ يَوْمًا فَلَقِيَهُ الْوَاجِدُ بَعْدَمَا سَارَ يَوْمَيْنِ فَلَهُ جُعْلُ الْيَوْمَيْنِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ إنَّ وَخَبَرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ، وَدَخَلَ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ مَا إذَا تَعَدَّدَ الرَّادُّ كَائِنَيْنِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّاهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَمَا إذَا رَدَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْجُعْلَ، وَمَا إذَا اغْتَصَبَهُ مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَخَذَ جُعْلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْآخِذُ وَبَرْهَنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ الْجُعْلُ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ مُتَبَرِّعًا، بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ إمَّا لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كَالسُّلْطَانِ أَوْ أَحَدِ نُوَّابِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَحْفَظُ مَالَ سَيِّدِ الْعَبْدِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَعَائِلِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ تَبَرُّعًا، إمَّا لِاسْتِعَانَةٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ لِزَوْجِيَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ أَوْ شَرِكَةٍ (قَوْلُهُ: وَشَحْنَةٍ) هُوَ حَافِظُ الْمَدِينَةِ اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَخَفِيرٍ) هُوَ بِمَعْنَى الْمُعَاهِدِ: أَيْ مَنْ يُعَاهِدُك عَلَى النُّصْرَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ فِي الطَّرِيقِ لِدَفْعِ الْقُطَّاعِ عَنْ الْمُسَافِرِينَ، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْحَارِسُ (قَوْلُهُ: وَعَائِلِهِ) أَيْ مَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ وَيُرَبِّيهِ فِي حِجْرِهِ بِلَا وِصَايَةٍ (قَوْلُهُ: فَقَالَ نَعَمْ) كَذَا شَرَطَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ لَهُ الْإِعَانَةَ بَحْرٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ التَّبَرُّعُ بِالْعَمَلِ حَيْثُ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ جُعْلًا. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَدَمَ شَرْطِ الْجُعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَرُّعِ وَإِلَّا لَزِمَ شَرْطُهُ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِ وَوَعَدَهُ الْإِعَانَةَ فَإِنَّ إجَابَتَهُ بِالْقَوْلِ لِمَا طَلَبَ دَلِيلُ التَّبَرُّعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) عَطْفٌ عَنْ اسْتَعَانَ وَشَمِلَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا رَدَّ عَبْدَ الِابْنِ فَلَا جُعْلَ لَهُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ الِابْنِ كَحُكْمِ بَقِيَّةِ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا كِفَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ، عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالِابْنِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، إذَا كَانَ الرَّادُّ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْغُلَامِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الْجُعْلُ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ (قَوْلُهُ: وَابْنٍ) عَطْفٌ عَلَى سُلْطَانٍ ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِابْنُ فِي عِيَالِ الْأَبِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي عِيَالِ الْآخَرِ أَوْ لَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى الْمَوْلَى نَوْعُ خِدْمَةٍ لِلْمَوْلَى وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ فَلَا تُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ وَكَذَا خِدْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَشَرِيكٍ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ يَكُونُ فِي حِصَّتِهِ وَحِصَّةِ شَرِيكِهِ بِلَا تَمْيِيزٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكَهُ عَلَى حَمْلِ الْحَمْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا، وَمِنْهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ جَاءَ بِهِ وَارِثُ الْمَيِّتِ، إنْ أَخَذَهُ وَسَارَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَلَّمَهُ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ سَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ وَلَدَ الْمَوْلَى وَلَا فِي عِيَالِهِ وَكَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْجُعْلُ فِي حِصَّةِ شُرَكَائِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا، وَقِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ مُلَخَّصًا.
وَوَهْبَانِيَّةٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ، فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) فَبَطَلَ صُلْحُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَلَوْ بِلَا بِشَرْطٍ) اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ رَدَّ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ فَجُعْلَانِ نَهْرٌ بَحْثًا (وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْهَا) عِنْدَ الثَّانِي لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ فَلِذَا عَوَّلَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمُتُونِ (إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) وَإِلَّا لَا شَيْءَ لَهُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْخِلَافِ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُوجِبَ لِلْجُعْلِ وَهُوَ سَيْرُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَصَلَ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الرَّادُّ شَرِيكًا وَجَبَ الْجُعْلُ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِاشْتِرَاكِ لَمْ يَجِبْ الْجُعْلُ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ فِي مَوْتِ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبِّرِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ووَهْبَانِيَّةٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَرُهْبَانٌ، وَهَكَذَا رَأَيْته مَعْزِيًّا إلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ عَزَاهُ للولوالجية وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا وَرُهْبَانٌ وَشَحْنَةٌ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِمَّنْ يُرْهَبُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ مَعَ الشَّحْنَةِ، وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ قَوْلُ الشَّارِحِ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنَّ بِهِ يَتِمُّ الْعَدَدُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَتْحٌ، وَإِنْ أَنْفَقَ أَضْعَافَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَافِي الْحَاكِمِ.
أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ لَهُ الْأَرْبَعِينَ مَعَ جَمِيعِ مَا أَنْفَقَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ إلَّا إذَا كَانَ إنْفَاقُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، وَبِهِ سَقَطَ اعْتِرَاضُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَلَى شَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِلَفْظِ غَيْرِ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ صُلْحُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ كَمَا بَطَلَ صُلْحُ الْقَاتِلِ فِيمَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ حَطٌّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا رَدَّ بَهِيمَةً ضَالَّةً أَوْ عَبْدًا ضَالًّا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى أَصْلِ الْجُعْلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّ أَمَةً إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ عَمَّمَ أَوَّلًا فِي وُجُوبِ الْجُعْلِ فِي رَدِّ الْآبِقِ فَقَالَ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ وَلَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَرَدَّهَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا غُلَامًا قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ الْجُعْلُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُرَاهَقْ لَمْ يُعْتَبَرْ آبِقًا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ هُوَ الْمُرَاهِقُ.
وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ عِبَارَتَيْ الْكَافِي بِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مُرَاهِقًا: أَيْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ جُعْلٍ آخَرَ لِرَدِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَقْلُهُ لِقَوْلِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الصَّغِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ وَإِلَّا فَهُوَ ضَالٌّ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ الْجُعْلَ. اهـ. وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ غَيْرُ قَيْدٍ، لِقَوْلِ شَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي يَجِبُ الْجُعْلُ بِرَدِّهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِبَاقَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُرَاهِقًا فِي وُجُوبِ الْجُعْلِ بِرَدِّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ وَحْدَهُ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِبَاقَ، فَبَحْثُ النَّهْرِ إنَّمَا هُوَ تَقْيِيدُ الْوَلَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِي بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ) فَلَا يَحُطُّ مِنْهُ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَا يَحُطُّ مِنْهَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّأْسِ أَنْقَصَ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْضِي بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي الْإِمَامُ مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ بَحْرٌ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلنَّصِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ: إنْ أَشْهَدَ إلَخْ) شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَحْرٌ. وَفِي الْكَافِي: أَخَذَهُ رَجُلٌ فَاشْتَرَاهُ
(وَ) لِرَادِّهِ (مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ، وَقِيلَ يَرْضَخُ لَهُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ) أَوْ يَقْدِرُ بِاصْطِلَاحِهِمَا (بِهِ يُفْتَى) تَتَارْخَانِيَّةٌ بَحْرٌ (وَلَوْ مِنْ الْمِصْرِ) فَيَرْضَخُ لَهُ أَوْ يُقَسِّطُهُ كَمَا مَرَّ (وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ) وَمَأْذُونٍ (كَقِنٍّ) فِي الْجُعْلِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ وُصُولِهِ) أَيْ الْآبِقِ (وَهُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا جُعْلَ لَهُ) لِعِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْهُ بَعْدَ إشْهَادِهِ) الْمُتَقَدِّمِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، حَتَّى لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ إنَّهُ أَبَقَ ضَمِنَ ابْنُ مَلَكٍ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: لَوْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ وَيَلْزَمُ مُرِيدَ الرَّدِّ قِيمَتُهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ إبَاقَهُ (وَضَمِنَ لَوْ) أَبَقَ أَوْ مَاتَ (قَبْلَهُ) مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (وَلَا جُعْلَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ (وَلَا جُعْلَ بِرَدِّ مُكَاتَبٍ) لِحُرِّيَّتِهِ يَدًا.
(وَجُعْلُ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَوْ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ. (وَجُعْلُ عَبْدٍ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ) فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ (فَإِذَا نُقِضَتْ) الْخِدْمَةُ (رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَوْ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ) أَيْ فِي الْجُعْلِ.
(وَجُعْلُ مَأْذُونٍ مَدْيُونٍ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ) فَإِنْ بِيعَ بُدِئَ بِالْجُعْلِ وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ (كَمَا يَجِبُ جُعْلُ) آبِقٍ جَنَى خَطَأً لَا فِي يَدِ الْآخِذِ
ــ
[رد المحتار]
مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِيَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ، وَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَهُ الْجُعْلُ اهـ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالثَّمَنِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِقِسْطِهِ) أَيْ بِأَنْ تُقْسَمَ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: يَرْضَخُ لَهُ) يُقَالُ رَضَخَ لَهُ كَمَنَعَ وَضَرَبَ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ قَامُوسٌ، وَاعْتِبَارُ رَأْيِ الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى شَيْءٍ ط (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِالرَّضْخِ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْمِصْرِ) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ أَقَلَّ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كَقِنٍّ فِي الْجُعْلِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا إذَا رُدَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: لِعِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ) فَيَقَعُ رَدُّ حُرٍّ لَا مَمْلُوكٍ، وَهَذَا فِي أُمٍّ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْمُدَبَّرِ لَوْ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَقُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِيُعْتَقَ، وَلَا جُعْلَ فِي رَدِّ الْمُكَاتَبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَقَ مِنْهُ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّهُ أَبَقَ) أَيْ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ، أَمَّا لَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَعَزْمِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِعَوْدِهِ إلَى الْوِفَاقِ ط (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مَرِيدَ الرَّدِّ قِيمَتُهُ) أَيْ إذَا أَبَقَ مِنْهُ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ عِنْدَ إنْكَارِ الْمَوْلَى إبَاقَهُ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ إبَاقَهُ) أَيْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إبَاقِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَبَقَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ أَوْ قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ صَارَ غَاصِبًا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الثَّانِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ لَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَ الْخِلَافَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا جُعْلَ لَهُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجُعْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَإِنْ أَوْجَبَ الْجُعْلَ بِدُونِ إشْهَادٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَبَقَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعَ الْعَبْدُ فِيهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْفَعْ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ الْجُعْلَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَبِيعُهُ هُوَ الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ) وَهُوَ الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ دَيْنِهِ أَوْ الْغُرَمَاءَ إنْ اخْتَارَ بَيْعَهُ فِي الدَّيْنِ فَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي الثَّمَنِ، وَفِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُمْ فِيهِ بَلْ فِي ثَمَنِهِ وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: جَنَى خَطَأً) أَيْ قَبْلَ الْإِبَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ.