المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مطلب فيما تصير به دار الإسلام دار حرب وبالعكس] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٤

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِمْنَاءُ]

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ

- ‌[فَرْعٌ]سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فَرْعٌ]عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌[فَرْعٌ] مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا

- ‌[فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فُرُوعٌ]سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌كِتَابُ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ

- ‌فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ

- ‌[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا]

- ‌بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ]

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي تَصْرِف اللَّقِيط]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[فُرُوعٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ نِثَارِ السُّكْرِ فِي الْعُرْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ فِي الْجِدَارِ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ]

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌[فَرْعٌ] أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الشَّرِكَة]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ

- ‌[فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌[فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى]

- ‌[فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ

- ‌[مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ]

- ‌[مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْبَيْع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ سَبْعَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ]

- ‌[فُرُوعٌ] بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا]

- ‌[فَرْعٌ] ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ]

- ‌فُرُوعٌ] بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌[فَرْعٌ] وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فُرُوعٌ بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا]

- ‌بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ

الفصل: ‌[مطلب فيما تصير به دار الإسلام دار حرب وبالعكس]

[مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ]

بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ (أَرْضَ الْعَرَبِ) وَهِيَ مِنْ حَدِّ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ (وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ) طَوْعًا (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ جَيْشَنَا وَالْبَصْرَةَ) أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ (عُشْرِيَّةٌ) لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمُسْلِمِ وَكَذَا بُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمُهُ كَانَ دَارِهِ دُرَرٌ وَمَرَّ فِي بَابِ الْعَاشِرِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَحَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى

(وَسَوَادُ) قُرَى (الْعِرَاقِ وَحَدُّهُ مِنْ الْعُذَيْبِ) طُولًا بِضَمٍّ فَفَتْحٍ

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ أَرْضُ الْعَرَبِ) فِي مُخْتَصَرِ تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: تِهَامَةُ وَنَجْدٌ وَحِجَازٌ وَعَرُوضٌ، وَيَمَنُ فَأَمَّا تِهَامَةُ فَهِيَ النَّاحِيَةُ الْجَنُوبِيَّةُ مِنْ الْحِجَازِ، وَأَمَّا نَجْدٌ فَهِيَ النَّاحِيَةُ الَّتِي بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَأَمَّا الْحِجَازُ فَهُوَ حَبْلٌ يُقْبِلُ مِنْ الْيَمَنِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِالشَّامِ، وَفِيهِ الْمَدِينَةُ وَعَمَّانُ، وَأَمَّا الْعَرُوضُ فَهُوَ الْيَمَامَةُ إلَى الْبَحْرَيْنِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحِجَازُ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَالْيَمَامَةِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الْحِجَازُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ، وَمِنْ الْمَدِينَةِ إلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُشَارِفَ الْبَصْرَةَ، فَهُوَ نَجْدٌ وَمِنْ الْمَدِينَةِ إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ هَبَطَ الْعَرْجِ حِجَازٌ أَيْضًا وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ وَجُدَّةَ فَهُوَ تِهَامَةٌ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ وَجْرَةَ وَغَمْرَةِ الطَّائِفِ فَهُوَ نَجْدٌ وَمَا وَرَاءَ وَجْرَةَ إلَى الْبَحْرِ فَهُوَ تِهَامَةُ وَمَا بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ فَهُوَ حِجَازٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ حَدِّ الشَّامِ) نَظَمَ بَعْضُهُمْ حَدَّهَا طُولًا وَعَرْضًا بِقَوْلِهِ:

جَزِيرَةُ هَذِهِ الْأَعْرَابِ حُدَّتْ

بِحَدٍّ عِلْمُهُ لِلْحَشْرِ بَاقِي

فَأَمَّا الطُّولُ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِ

فَمِنْ عَدَنٍ إلَى رَبْوِ الْعِرَاقِ

وَسَاحِلُ جُدَّةٍ إنْ سِرْت عَرْضًا

إلَى أَرْضِ الشَّآمِ بِالِاتِّفَاقِ

(قَوْلُهُ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ) أَيْ وَالْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا وَذِكْرُ الضَّمِيرِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مُرَاعَاةٌ لِلَفْظِ مَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَنْوَةً) بِالْفَتْحِ قَالَ الْفَارَابِيُّ: وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْقَهْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقُسِمَ بَيْنَ جَيْشِنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا قُسِمَ بَيْنَ قَوْمٍ كَافِرِينَ غَيْرِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ خَرَاجِيٌّ كَمَا فِي النُّتَفِ، وَلَوْ قَالَ: بَيْنَنَا لَشَمَلَ مَا إذَا قُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْغَانِمِينَ، فَإِنَّهُ عَشْرِيٌّ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَالْبَصْرَةِ أَيْضًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا بِقُرْبِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، لَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُرٌّ مُنْتَقًى وَغَيْرُهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ قُرْبَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَاءُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَالْبَصْرَةُ أَحْيَاهَا الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهِيَ فِي حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمُسْلِمِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَكَذَا هُوَ أَخَفُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ قُسِمَ بَيْنَ جَيْشِنَا، وَأَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَخْذُ خَرَاجٍ مِنْ أَرَاضِيهِمْ وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَيْهِمْ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) نَصُّهُ وَفِي دَارٍ جُعِلَتْ بُسْتَانًا خَرَاجٌ إنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ مُطْلَقًا خِلَافًا لَهُمَا أَوْ لِمُسْلِمٍ سَقَاهَا بِمَائِهِ أَيْ الْخَرَاجِ، وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعُشْرٌ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهَا مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ، فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالذِّمِّيُّ بِالْخَرَاجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.

وَاسْتَشْكَلَ الْبَاقَانِيُّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا سَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ، بَلْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ بِكُلِّ حَالٍّ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ فِي وَضِعْ فِي الْخَرَاجِ عَلَيْهِ جَبْرٌ أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ كَمَا هُنَا وَكَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ. اهـ. ح وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ.

(قَوْلُهُ وَسَوَادُ قُرَى الْعِرَاقِ) أَيْ عِرَاقِ الْعَرَبِ دُرَرٌ. فِي الْقَامُوسِ: سَوَادُ الْبَلَدِ قُرَاهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَكَثْرَةِ زُرُوعِهِ

ص: 176

قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ (إلَى عُقْبَةِ حُلْوَانَ) بْنِ عِمْرَانَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ قَرْيَةٌ بَيْنَ بَغْدَادَ وَهَمَزَانَ (عَرْضًا وَمِنْ الْغَلْثِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ فَمُثَلَّثَةٌ قَرْيَةٌ شَرْقِيُّ دِجْلَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ الثَّعْلَبَةِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ غَلَطُ مُصَنَّفٍ عَنْ الْمُغْرِبِ (إلَى عَبَّادَانَ) بِالتَّشْدِيدِ حِصْنٌ صَغِيرٌ بِشَطِّ الْبَحْرِ فِي الْمَثَلِ: لَيْسَ وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ مُسْتَصْفًى (طُولًا) وَبِالْأَيَّامِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَنِصْفٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ سِرَاجٌ (وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً و) لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ جَيْشِنَا إلَّا مَكَّةَ سَوَاءٌ (أَقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ كُفَّارٌ أُخَرُ (أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّهُ أَلِيقُ بِالْكَافِرِ

(وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ

ــ

[رد المحتار]

وَالْعِرَاقُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَنَوَاحِيهَا دُرٌّ مُنْتَقًى وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ قُرَى بَدَلٌ مِنْ سَوَادٍ أَوْ تَفْسِيرٌ عَلَى إسْقَاطِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ، وَالِاحْتِرَازُ بِعِرَاقِ الْعَرَبِ عَنْ عِرَاقِ الْعَجَمِ، وَهُوَ مِنْ الْغَرْبِ أَذْرَبِيجَانُ وَمِنْ الْجَنُوبِ شَيْءٌ مِنْ الْعِرَاقِ وَخُوزِسْتَانُ وَمِنْ الشَّرْقِ مَفَازَةُ خُرَاسَانَ وَفَارِسٍ وَمِنْ الشِّمَالِ بِلَادُ الدَّيْلَمِ وَقَرَفَيْنِ كَمَا فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ (قَوْلُهُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ) الَّذِي فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَاءٍ يَلْقَى الْإِنْسَانَ بِالْبَادِيَةِ إذَا سَارَ مِنْ قَادِسِيَّةِ الْكُوفَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْقَرْيَةِ الْقَادِسِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ جَعَلَهَا الْحَدَّ فَإِنَّهُ قَالَ وَامْتِدَادُ الْعِرَاقِ طُولًا شَمَالًا وَجَنُوبًا مِنْ الْحَدِيثَةِ عَلَى دِجْلَةَ إلَى عَبْدَانَ وَامْتِدَادُهُ عَرْضًا وَغَرْبًا وَشَرْقًا مِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ.

(قَوْلُهُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ) أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَوْلُهُ مِنْ الثَّعْلَبَةِ) الَّذِي رَأَيْته فَفِي غَيْرِ الثَّعْلَبِيَّةِ بِيَاءِ النِّسْبَةِ (قَوْلُهُ غَلَطٌ) لِأَنَّهَا مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ بَعْدَ الْعُذَيْبَةِ بِكَثِيرٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ (قَوْلُهُ حِصْنٌ صَغِيرٌ بِشَطِّ الْبَحْرِ) أَيْ بَحْرِ فَارِسٍ، وَهُوَ يَدُورُ بِهَا فَلَا يَبْقَى مِنْهَا فِي الْبَرِّ إلَّا الْقَلِيلُ وَهِيَ عَنْ الْبَصْرَةِ مَرْحَلَةٌ وَنِصْفٌ كَذَا فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ (قَوْلُهُ وَبِالْأَيَّامِ إلَخْ) قَالَ فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ وَالسَّائِرُ مِنْ تَكْرِيتَ، وَهِيَ عَلَى النِّهَايَةِ الشَّمَالِيَّةِ لِلْعِرَاقِ إلَى عَبْدَانَ: وَهِيَ عَلَى النِّهَايَةِ الْجَنُوبِيَّةِ لَهُ عَلَى تَقْوِيسِ الْحَدِّ الشَّرْقِيِّ مَسَافَةُ شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ تَكْرِيتَ إلَى عَبْدَانَ إذَا سَارَ عَلَى تَقْوِيسِ الْحَدِّ الْغَرْبِيِّ أَعْنِي مِنْ تَكْرِيتَ إلَى الْأَنْبَارِ إلَى وَاسِطٍ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى عَبَّادَانَ يَكُونُ دُورُ الْعِرَاقِ مَسَافَةَ شَهْرَيْنِ وَطُولُهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مِنْ تَكْرِيتَ إلَى عَبْدَانَ نَحْوَ عِشْرِينَ مَرْحَلَةٍ وَعَرْضُ الْعِرَاقِ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ نَحْوَ إحْدَى عَشْرَةَ مَرْحَلَةً اهـ تَأَمَّلْ.

وَهَذَا تَحْدِيدُ الْعِرَاقِ بِتَمَامِهِ وَأَمَّا تَحْدِيدُ سَوَادِهِ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ: طُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ جَرِيبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا مَكَّةَ) فَإِنَّهَا وَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، لَكِنَّهَا عُشْرِيَّةٌ لِأَنَّهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ، وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ قِسْمَتِهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ كَوْنَهَا خَرَاجِيَّةً بِأَنْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْعُشْرِ كَمَا إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ لِمُسْلِمٍ الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ، وَلَمْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْكَافِرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا حَيْثُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْخَارِجِ لَا بِالْأَرْضِ. .

مَطْلَبٌ فِي أَنَّ أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ عَنْوَةٌ خَرَاجِيَّةٌ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا

(قَوْلُهُ وَأَرْضُ السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ أَيْ قُرَاهُ وَكَذَا كُلُّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ صُولِحُوا وَوُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى أَرَاضِيهِمْ: فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا دُرٌّ مُنْتَقًى قُلْت: وَكَذَا أَرْضُ الشَّامِ وَمِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى الصَّحِيحِ

ص: 177

لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) هِدَايَةٌ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ فَتْحٌ

(وَيَجِبُ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ) إلَّا الْمُشْتَرَاةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا فَلَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُوقِفْهَا كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَوْ) كَانَتْ الْأَرْضُ (خَرَاجِيَّةً وَالْعُشْرُ

ــ

[رد المحتار]

وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِالْخَرَاجِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: وَهَذِهِ الْأَرْضُونَ إذَا قُسِمَتْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِنْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ فِي أَيْدِي أَهْلِهَا الَّذِينَ قُهِرُوا عَلَيْهَا فَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ افْتَتَحُوا أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، وَلَمْ يُقْسِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ وَضَعَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَلَيْسَ فِيهَا خُمُسٌ اهـ مُلَخَّصًا فَقَدْ أَفَادَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) أَيْ بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فَتْحٌ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَفَى: وَتُورَثُ عَنْهُمْ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَخْ وَيَأْتِي تَمَامُهُ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ) أَيْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، كَمَا يَأْتِي تَقْيِيدُهُ فِي قَوْلِهِ لَوْ خَرَاجِيَّةً إلَخْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَرْضَ تَبْقَى وَظِيفَتُهَا بَعْدَ الْوَقْفِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ. مَطْلَبٌ الْأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةُ وَالْحَوْزُ لَا عُشْرِيَّةَ وَلَا خَرَاجِيَّةَ

(قَوْلُهُ فَلَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ الْعُشْرَ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَمَا حَقَّقَ: أَنَّ الْخَرَاجَ ارْتَفَعَ عَنْ أَرَاضِي مِصْرَ لِعَوْدِهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ مُلَّاكِهَا قَالَ: فَإِذَا اشْتَرَاهَا إنْسَانٌ مِنْ الْإِمَامِ بِشَرْطِهِ شِرَاءً صَحِيحًا مَلَكَهَا، وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَخَذَ الْبَدَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَقَفَهَا وَقَفَهَا سَالِمَةً مِنْ الْمُؤَنِ، فَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِيهَا وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ اهـ. نَعَمْ ذَكَرَ الْعُشْرَ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَجِبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ فَرْضِيَّةَ الْعُشْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ، وَبِأَنَّهُ زَكَاةُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الْغَيْرِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا لَيْسَ بِعَشْرِيٍّ وَلَا خَرَاجِيٍّ كَالْمَفَاوِزِ وَالْجِبَالِ، وَبِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَبِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ بَلْ الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ، فَيَجِبُ فِي الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]- وقَوْله تَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]- وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَا سَقَتْ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ مِلْكُ الْأَرْضِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ وُجِدَ فِيهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَشَرْطُهُ وَهُوَ مِلْكُ الْخَارِجِ، وَدَلِيلُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُ الْمَتْنِ: يَجِبُ الْعُشْرُ فِي مَسْقَى سَمَاءٍ وَسَيْحٍ إلَخْ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْأَرْضِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَنَقْلٍ صَرِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْخَرَاجِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَرْضِ سُقُوطُ الْعُشْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَارِجِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ، حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ سُقِيَتْ بِمِائَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَازِي الَّذِي اخْتَطَّ لَهُ الْإِمَامُ دَارًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا فَإِذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْعَشْرِ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ الْآنَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَى أَوْ الْمَزَارِعِ الْمَوْقُوفَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا لِلْمَيْرَى النِّصْفُ أَوْ الرُّبْعُ، أَوْ الْعُشْرُ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ وَقَوْلُهُ وَالْعُشْرُ

ص: 178

لَوْ عُشْرِيَّةً) دُرَرٌ وَمَرَّ فِي الزَّكَاةِ

وَقَالُوا أَرَاضِي الشَّامُ وَمِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ وَفِي الْفَتْحِ الْمَأْخُوذِ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ،

ــ

[رد المحتار]

عُطِفَ عَلَى الْخَرَاجِ.

(قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا خَرَاجِيَّةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا وَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَهْلُهَا سَوَاءٌ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَمُنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِهَا أَوْ صُلْحًا، وَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ كَمَا مَرَّ آنِفًا. مَطْلَبٌ لَا شَيْءَ عَلَى زُرَّاعِ الْأَرَاضِي السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ سِوَى الْأُجْرَةِ

(قَوْلُهُ الْمَأْخُوذُ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ) وَكَذَا أَرَاضِي الشَّامِ كَمَا يَأْتِي عَنْ فَضْلِ اللَّهِ الرُّومِيِّ، وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَيُؤَجِّرُهَا الْإِمَامُ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَدَارٍ صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَاخْتَارَ السُّلْطَانُ اسْتِغْلَالَهَا وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَهَا فَلَهُ ذَلِكَ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِحَاجَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ وَكَذَا الشَّامِيَّةُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا إمَّا مِنْ مَالِكِهَا أَوْ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِكِهَا انْتَقَلَتْ بِخَرَاجِهَا، وَإِنْ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنْ لِعَجْزِ مَالِكِهَا عَنْ زِرَاعَتِهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لِمَوْتِ مَالِكِهَا فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ الْخَرَاجَ سَقَطَ عَنْهَا فَإِذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجٌ سَوَاءٌ وَقَفَهَا أَوْ أَبْقَاهَا. قُلْت: وَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ يَعْنِي لَا عُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةَ مِنْ الْأَرَاضِي تُسَمَّى أَرْضَ الْمُمَلَّكَةِ وَأَرَاضِي الْحَوْزِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ أَرْبَابُهُ بِلَا وَارِثٍ وَآلَ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً، وَأُبْقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحُكْمُهُ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ لِلزُّرَّاعِ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ إمَّا بِإِقَامَتِهِمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، وَأَمَّا بِإِجَارَتِهَا لَهُمْ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا، ثُمَّ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَهُوَ خَرَاجٌ مُوَظَّفٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْخَرَاجِ فَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِكْرَاءِ فَأُجْرَةٌ لَا غَيْرَ لَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ فَلَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُؤْنَتَيْنِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فِي أَرَاضِي الْمُمَلَّكَةِ وَالْحَوْزِ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةً لَا غَيْرَ اهـ مَا فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ لَا شَيْءَ عَلَى الْفَلَّاحِ لَوْ عَطَّلَهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا

قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَى زُرَّاعِهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ الْعُشْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ عَلَى أَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ مَعَ خَرَاجٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَيْرِيَّةِ الزَّارِعِ فِي الْأَرْضِ الْوَقْفَ عَامِلٌ بِالْحِصَّةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَإِذَا دَفَعَ الْمُتَوَلِّي الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَالْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ مِنْ حِصَّةِ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهَا إجَارَةُ مَعْنًى، وَبِمِثْلِهِ نَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَتُدْفَعُ مُزَارَعَةً لِلْمُزَارِعِينَ، فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْطِيلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَلَّاحِ لَوْ عَطَّلَهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَأْجِرٍ لَهَا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُزَارِعِينَ إذَا تَرَكَ الزِّرَاعَةَ وَسَكَنَ مِصْرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَمَا تَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُزَارِعِينَ كَالرُّبْعِ أَوْ الثُّلُثِ، مِنْ الْغَلَّةِ بَدَلُ إجَارَةٍ كَمَا مَرَّ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَتِهِ، فَمَا وَجْهُ الْجَوَازِ هُنَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَالْجَوَابُ مَا قُلْنَا إنَّهُ جُعِلَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا وَفِي حَقِّ

ص: 179

أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ

ــ

[رد المحتار]

الْأَكَرَةِ أُجْرَةً لِضَرُورَةِ عَدَمِ صِحَّةِ الْخَرَاجِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِمَا مَرَّ اهـ أَيْ لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَوْتِ أَهْلِهَا، وَصَيْرُورَتِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ. قُلْت: لَكِنْ يُمْكِنُ جَعْلُهَا مُزَارَعَةً كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْخَيْرِيَّةِ: وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لَا إجَارَةً حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ الْمَأْخُوذَ بَدَلُ إجَارَةٍ. مَطْلَبٌ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً

ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ الْمُسَمَّاةِ بِأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةِ وَأَرَاضِي الْحَوْزِ إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِي زُرَّاعِهَا لَا تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا يُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهَا، وَلَا تُورَثُ عَنْهُمْ إذَا مَاتُوا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهَا وَلَكِنْ جَرَى الرَّسْمُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ انْتَقَلَتْ لِابْنِهِ مَجَّانًا، وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ لَهُ أَخْذُهَا بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ عَطَّلَهَا مُتَصَرِّفٌ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ لِآخَرَ، وَلَا يَصِحُّ فَرَاغُ أَحَدِهِمْ عَنْهَا لِآخَرَ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: لَكِنَّ عَدَمَ مِلْكِ الزُّرَّاعِ فِي الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا إلَّا فِي نَحْوِ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَعْلُومِ كَوْنِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَمَّا غَيْرُهَا فَنَرَاهَا يَتَوَارَثُونَهَا، وَيَبِيعُونَهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَفِي شُفْعَةِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي إخْوَةٍ لَهُمْ أَرَاضٍ مَغْرُوسَةٌ، وَلِرَجُلٍ أَرْضٌ مَغْرُوسَةٌ مُجَاوِرَةٌ لَهَا، وَطَرِيقُ الْكُلِّ وَاحِدٌ بَاعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ هَلْ لَهُمْ أَخْذُهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهَا خَرَاجِيَّةً؟

أَجَابَ: نَعَمْ لَهُمْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَكَوْنُهَا خَرَاجِيَّةً لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ الْخَرَاجُ لَا يُنَافِي الْمِلْكَ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ: وَأَرْضُ الْخَرَاجِ مَمْلُوكَةٌ وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْعُشْرِ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِيقَافُهَا وَتَكُونُ مِيرَاثًا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي حَازَهَا السُّلْطَانُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَدْفَعُهَا لِلنَّاسِ مُزَارَعَةً لَا تُبَاعُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَإِذَا ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ الَّذِي تَلَقَّاهَا شِرَاءً أَوْ إرْثًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، فَالْقَوْلُ لَهُ أَوْ عَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ وَإِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَاسْتُوْفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي بَلَدِنَا حِرْصًا عَلَى نَفْعِ هَذِهِ الْأَمَةِ بِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ كُلَّ حِينٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَلَامٌ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَفِي رِسَالَةِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ، أَوْ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَبَقِيَتْ أَرْضُهُمْ مُعَطَّلَةً، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا، وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ، فَهِيَ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَوَاتُ الَّتِي وُصِفَتْ لَك، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ. اهـ.

وَقَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ عَنْوِيَّةٌ خَرَاجِيَّةٌ تُرِكَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ قُهِرُوا عَلَيْهَا، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرْخَسِيِّ: فَإِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، مِثْلَ أَرْضِ الشَّامِ مَدَائِنَ وَقُرَى، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ دُورِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ، وَلَا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ مَنَازِلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ عَهْدٍ وَصُلْحٍ اهـ فَإِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا فَمِنْ أَيْنَ يُقَالُ إنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ مَاتُوا بِلَا وَارِثٍ فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَنْفِي الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا، وَقَدْ سَمِعْت التَّصْرِيحَ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، بِأَنَّ أَرْضَ سَوَادِ الْعِرَاقِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا، وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا، وَكَذَلِكَ أَرْضُ مِصْرَ وَالشَّامِ كَمَا سَمِعْته، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا ظَاهِرٌ وَكَذَا

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: إنَّ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ، أَنَّهَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَهُمْ إمَّا وَقْفًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَإِمَّا مِلْكًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ يَبْقَى فِي يَدِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَجَدْنَا فِي يَدِهِ أَوْ مِلْكِهِ مَكَانًا مِنْهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُحْيِيَ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ وُصُولًا صَحِيحًا. اهـ. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ

قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْفِقْهِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ السُّبْكِيّ: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّا نَحْكُمُ لِذَوِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ بِبَقَاءِ أَيْدِيهِمْ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُ أَصْلِ الْأَرَاضِي مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ نَظَرْنَا إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَلَا الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا وَأُحْيِيَتْ وَعَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ اسْتِمْرَارَ الْيَدِ عَلَيْهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ أَوْ النُّظَّارِ فِيمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الْأَزْمَانَ الْمُتَطَاوِلَةَ قَرَائِنُ ظَاهِرَةٌ، أَوْ قَطْعِيَّةٌ عَلَى الْيَدِ الْمُفِيدَةِ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَعَدَمِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ جَوَّزْنَا الْحُكْمَ بِرَفْعِ الْمَوْجُودِ الْمُحَقَّقِ: أَيْ وَهُوَ الْيَدُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ أَصْلٍ مُسْتَصْحَبٍ، لَزِمَ تَسْلِيطُ الظَّلَمَةِ عَلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ اتِّضَاحًا لَا يَبْقَى مَعَهُ رِيبَةٌ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ الْمَجْهُولَ انْتِقَالُهَا إلَيْهِمْ تُقَرُّ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا قَالُوا فِي الْكَنَائِسِ الْمَبْنِيَّةِ لِلْكُفْرِ إنَّهَا تَبْقَى، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا عَمَلًا بِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ الضَّعِيفِ أَيْ كَوْنُهَا كَانَتْ فِي بَرِيَّةٍ، فَاتَّصَلَتْ بِهَا عِمَارَةُ الْمِصْرِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا بِبَقَاءِ تِلْكَ الْأَرَاضِي بِيَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا فَأُحْيِيَتْ، أَوْ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا وَقَعَ مِنْ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ بِيبَرْسَ مِنْ إرَادَتِهِ انْتِزَاعَ الْعَقَارَاتِ مِنْ مُلَّاكِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ

وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً رَدًّا عَلَى مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ أَوْقَافِ مِصْرَ وَإِقْلِيمِهَا، وَإِدْخَالَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَالَ: وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ مُطَالَبَةَ ذَوِي الْعَقَارَاتِ بِمُسْتَنَدَاتٍ تَشْهَدُ لَهُمْ بِالْمِلْكِ، وَإِلَّا انْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ مُتَعَلِّلًا بِمَا تَعَلَّلَ بِهِ ذَلِكَ الظَّالِمُ، فَقَامَ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مِلْكُهُ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا زَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشَنِّعُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيَعِظُهُ إلَى أَنْ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي اتَّفَقَتْ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى قَبُولِ نَقْلِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَحْقِيقِهِ وَفَضْلِهِ نَقَلَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِمُسْتَنَدٍ عَمَلًا بِالْيَدِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ اهـ.

قُلْت: فَإِذَا كَانَ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ، أَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمِصْرِيَّةَ وَالشَّامِيَّةَ أَصْلُهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجِيزُوا مُطَالَبَةَ أَحَدٍ يَدَّعِي شَيْئًا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُسْتَنَدٍ يَشْهَدُ لَهُ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ، بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا بِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا أُقِرُّوا عَلَيْهَا بِالْخَرَاجِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمَالِكِينَ لَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِهَا وَإِبْطَالِ الْمَوَارِيثِ فِيهَا

ص: 181

وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْإِمَامِ، وَلَا شِرَاؤُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ كَوَكِيلِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى زَادَ فِي الْبَحْرِ أَوْ رَغِبَ فِي الْعَقَارِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ.

ــ

[رد المحتار]

وَتَعَدِّي الظَّلَمَةِ عَلَى أَرْبَابِ الْأَيْدِي الثَّابِتَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْمُدَدِ الْمُطَاوِلَةِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَلَا مُنَازِعٍ، وَوَضْعُ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي مِلْكِيَّتَهَا كَمَا مَرَّ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ هُنَا أَنَّ أَرْضَ سَوَادِ الْعِرَاقِ خَرَاجِيَّةٌ وَأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا وَاحْتِمَالُ مَوْتِ أَهْلِهَا بِلَا وَارِثٍ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ الْيَدِ الْمُثْبِتَةِ لِلْمِلْكِ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ الثَّابِتَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِيَّةِ وَالْيَدُ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَيْهَا، فَلَا تَزُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ بِظَاهِرِ الْيَدِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمِعْت نَقْلَ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَرَاضِيَ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَهْلِهَا بَلْ هِيَ وَقْفٌ، أَوْ مِلْكٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى مَذْهَبِنَا بِالْأَوْلَى وَاحْتِمَالُ كَوْنِ أَهْلِهَا مَاتُوا بِلَا وَارِثٍ بَعِدَ الْإِمَامِ النَّوَوِيُ أَبْعَدَ الْبُعْدِ، وَهَذَا ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ بَعْدَ النَّوَوِيِّ بِمِئَاتِ مِنْ السِّنِينَ وَقَدْ سَمِعْت كَلَامَهُ.

وَالْحَاصِلُ فِي الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا: أَنَّ مَا عُلِمَ مِنْهَا كَوْنُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْفَتْحِ، وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ خَرَاجٌ لَا أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَاجِيٌّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ، فَإِنَّهُ صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ هُنَا بَلْ تَبِعُوا الْمُحَقِّقَ الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعُ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ وَمَنْ تَبِعَهُ الْأَرَاضِي الَّتِي عُلِمَ كَوْنُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ وَشِرَائِهِ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ

(قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بُشَرَاؤُهُ، وَهُوَ مِنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ قَيِّمًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ وَصِيَّ الْيَتِيمَ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلِذَا قَيَّدَ الشِّرَاءَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي اهـ وَفِي التَّجْنِيسِ: إذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَوْ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِ الْيَتِيمِ) أَيْ كَوَصِيِّهِ وَسَمَّاهُ وَكِيلًا مُشَاكَلَةً (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) أَيْ بِأَنْ احْتَاجَ بَيْتُ الْمَالِ، لَكِنْ نَازَعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ بِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَبِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ فَقَوْلُهُ شَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ يَعُمُّ الْعَقَارَ وَغَيْرَهُ لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْبَحْرِ) أَيْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةِ قَوْلِهِ أَوْ رَغِبَ فِي الْعَقَارِ إلَخْ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَصْلَحَةٍ فَافْهَمْ. قُلْت: وَسَنَذْكُرُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْأَرْضَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ، وَأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ رَقَبَتِهَا كَمَا سَنُحَقِّقُهُ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ شِرَاؤُهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ.

ص: 182

عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ.

قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ جَوَازُ بَيْعِ عَقَارِ الصَّبِيِّ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ، وَأَفْتَى مُفْتِي دِمَشْقَ فَضْلُ اللَّهِ الرُّومِيُّ بِأَنَّ غَالِبَ أَرَاضِينَا سُلْطَانِيَّةٌ لِانْقِرَاضِ مُلَّاكِهَا، فَآلَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَتَكُونُ فِي يَدِ زُرَّاعِهَا كَالْعَارِيَّةِ اهـ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ: لَوْ أَرَادَ السُّلْطَانُ شِرَاءَهَا لِنَفْسِهِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبَيْعِهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ فِي الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ وَبِهِ عُرِفَ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُشْتَرَاةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِينَ صَحِيحَةٌ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ وَعِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَكَثِيرٌ كَمَا فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةَ.

(قَوْلُهُ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ) وَنَصُّهُ وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، لَا مِنْ نَفْسِهِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ لِنَفَقَةِ الصَّغِيرِ، أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّةٍ مُرْسَلَةٍ لَا إنْفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْهُ أَوْ تَكُونُ غَلَّتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ أَوْ نُقْصَانِهِ، أَوْ كَوْنُهُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَضْلُ اللَّهِ الرُّومِيُّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّضِيُّ وَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ بِأَنَّ غَالِبَ أَرَاضِينَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَرَاضِيَ الرُّومِيَّةَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا الشَّامِيَّةُ حَيْثُ جَعَلَهَا مِثْلَ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ كَالْعَارِيَّةِ) وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا عَدَمُ تَصَرُّفِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ح فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِالْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا فَلَهُ إجَارَتُهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الضَّرُورَةُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَالُ فِي الشِّرَاءِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يُعْرَفُ أَنَّهُ شِرَاءٌ صَحِيحٌ، وُجِدَ فِيهِ الْمُسَوِّغُ الشَّرْعِيُّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ فَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ) حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَبِهِ عُرِفَ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ النَّهْر، وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْأَرَاضِي الَّتِي لِبَيْتِ الْمَالِ وَمُرَاعَاةِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ

حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا مِمَّا صَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الشِّرَاءِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا مَاتَ مُلَّاكُهَا بِلَا وَرَثَةٍ عَادَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَسَقَطَ خَرَاجُهَا لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجُهَا لِقَبْضِ الْإِمَامِ ثَمَنَهَا وَهُوَ بَدَلُ عَيْنِهَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَقَدَّمْنَا مَا فِي ذَلِكَ وَحَيْثُ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ صَحَّ وَقْفُهُ لَهَا وَتُرَاعَى شُرُوطُ وَقْفِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى شُرُوطُهُ إنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رِيعَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِلْوَظَائِفِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى الْوَاقِفِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْرَفُ شِرَاءُ الْوَاقِفِ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ لَهَا: أَيْ بِأَنْ جَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ لَهَا، وَلَا تَلْزَمُ شُرُوطُهُ، بِخِلَافِ مَا إذْ مَلَكَهَا ثُمَّ وَقَفَهَا كَمَا قُلْنَا. مَطْلَبٌ أَوْقَافُ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا

قُلْت: لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ شِرَاؤُهُ لَهَا وَلَا عَدَمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَقْفِهِ لَهَا أَنَّهُ مَلَكَهَا وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ مَا نَصُّهُ:

ص: 183

وَأَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهَا

(وَمَوَاتٌ أَحْيَاهُ ذِمِّيٌّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ رَضَخَ لَهُ كَمَا مَرَّ (خَرَاجِيٌّ وَلَوْ أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ اُعْتُبِرَ قُرْبُهُ) مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ

ــ

[رد المحتار]

وَقَدْ أَفْتَى عَلَّامَةُ الْوُجُودِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا: لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ إذَا كَانَ الْمُقَرَّرُ فِي الْوَظِيفَةِ أَوْ الْمُرَتَّبُ مِنْ مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْلَى أَبَا السُّعُودِ أَدْرَى بِحَالِ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْمُحِبِّيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِلْكَ الْوَاقِفِ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إرْصَادًا لَا وَقْفًا حَقِيقَةً: أَيْ أَنَّ ذَلِكَ السُّلْطَانَ الَّذِي وَقَفَهُ أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَيَّنَهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ، وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. مَطْلَبٌ عَلَى مَا وَقَعَ لِلسُّلْطَانِ بَرْقُوقَ مِنْ إرَادَتِهِ نَقْضَ أَوْقَافِ بَيْتِ الْمَالِ

وَلِذَا لَمَّا أَرَادَ السُّلْطَانُ نِظَامُ الْمَمْلَكَةِ بَرْقُوقُ فِي عَامِ نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ الْأَوْقَافَ لِكَوْنِهَا. أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَافِلًا حَضَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ جَمَاعَةِ وَشَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا وُقِفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِيهِ لِأَنَّ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا وُقِفَ عَلَى فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ يُنْقَضُ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَاضِرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي النَّقْلِ الْمَسْتُورِ فِي جَوَازِ قَبْضِ مَعْلُومِ الْوَظَائِفِ بِلَا حُضُورٍ. ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَفِي هَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ أَوْقَافَ السَّلَاطِينِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إرْصَادَاتٌ، لَا أَوْقَافَ حَقِيقَةً، وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُنْقَضُ، بِخِلَافِ مَا وَقَفَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عُتَقَائِهِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ إرْصَادًا لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا وَقْفًا صَحِيحًا، فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ بِدُونِ الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ. وَقَدْ عَلِمْت مُوَافَقَةَ الْعَلَّامَةِ الْأَكْمَلِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَعَنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ وَلِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ عَنْ النَّهْرِ: مِنْ أَنَّ وَقْفَ الْإِقْطَاعَاتِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا مَوَاتًا، أَوْ مِلْكًا لِلْإِمَامِ فَأَقْطَعَهَا رَجُلًا، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مِنْ أَنَّ وَقْفَ السُّلْطَانِ لِأَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ صَحِيحٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ لَا يُغَيَّرُ إذَا كَانَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَمَا نَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ وَقَفَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: لِأَنَّهُ إذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ، فَقَدْ مَنَعَ مَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ تَأْبِيدُ صَرْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا السُّلْطَانُ مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْإِرْصَادِ السَّابِقِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ يَرْضَخُ لَهُ ط (قَوْلُهُ خَرَاجِيٌّ) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً وُضِعَ عَلَى الْكَافِرِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ قُرْبُهُ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَاهُ إنْ كَانَ إلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ أَقْرَبَ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً، وَإِنْ كَانَ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَعُشْرِيَّةٌ نَهْرٌ. وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَعُشْرِيَّةٌ مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الْمُسْلِمِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ بَحْرٌ وَبِالْأَوَّلِ يُفْتِي دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ) اسْتِئْنَافٌ قُصِدَ بِهِ التَّعْلِيلُ ط كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ

ص: 184

(وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةُ (إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ) إذْ الْكَافِرُ لَا يُبْدَأُ بِالْعُشْرِ (وَإِنْ سَقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ) لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالْمَاءِ

(وَهُوَ) أَيْ الْخَرَاجُ (نَوْعَانِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ

ــ

[رد المحتار]

مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ) تَبِعَ فِي هَذَا صَاحِبَ الدُّرَرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاءِ فِيمَا لَوْ جَعَلَ الْمُسْلِمُ دَارِهِ بُسْتَانًا قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِأَنْهَارِ الْأَعَاجِمِ فَخَرَاجِيَّةٌ وَلَوْ بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً فَالْعُشْرُ أَحَقُّ بِالْمُسْلِمِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى أَنَّهُ عَشْرِيٌّ كَأَرْضِ الْعَرَبِ وَنَحْوِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَرَاجِيٌّ كَأَرْضِ السَّوَادِ وَنَحْوِهَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَاءِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أَقَرَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا لَا يُوَظَّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجُ وَلَوْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ، وَإِنْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَّا الْعُشْرُ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهُرِ. وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ، إنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَخَرَاجِيَّةٌ، أَوْ مَاءُ عَيْنٍ وَنَحْوُهُ فَعُشْرِيَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَاءَ يُعْتَبَرُ فِيمَا لَوْ أَحْيَا مُسْلِمٌ أَرْضًا أَوْ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا، بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهُ عَشْرِيٌّ أَوْ خَرَاجِيٌّ، وَقَدَّمْنَا عَلَى الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقُرْبَ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَأَفَادَ تَرْجِيحَهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ح: وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ عَلَى الْكَنْزِ عَنْ شَرْحِ قراحصاري، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَاعْتِبَارُ الْمَاءِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْحَيِّزَ ثَمَّةَ وَهُنَا اعْتَبَرَ الْمَاءَ وَعَلِمْت أَنَّ ذَاكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ (قَوْلُهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ) هُوَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَمَاءُ الْخَرَاجِ هُوَ مَاءُ أَنْهَارٍ حَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ، وَكَذَا سَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَدِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ يَدُ الْكَفَرَةِ ثُمَّ حَوَيْنَاهُ قَهْرًا وَمَا سِوَاهُ عَشْرِيٌّ وَتَمَامُهُ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ. .

مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ (قَوْلُهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُوضَعُ ابْتِدَاءً عَلَى الْكَافِرِ كَالْمُوَظَّفِ، فَإِذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَرْضِهَا لَهُ أَنْ يَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا مُقَاسَمَةً أَوْ مُوَظَّفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَسَمَهَا بَيْنَ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ يَضَعُ الْعُشْرَ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ كَالْمُوَظَّفِ مَصْرِفًا وَكَالْعُشْرِ مَا أَخَذَ إلَّا فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الرِّطَابِ وَالزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ وَغَيْرِهِ فَيَقْسِمُ الْجَمِيعَ عَلَى حَسَبِ مَا تُطِيقُ الْأَرْضُ مِنْ النِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، أَوْ الرُّبْعِ، أَوْ الْخُمُسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ كَالْعُشْرِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ، وَلِذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي السَّنَةِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُهُ فِي الْمَصْرِفِ فَكُلُّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ، وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الَّتِي قُرِّرَتْ فِي الْعُشْرِ وِفَاقًا وَخِلَافًا؛ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت مَا يُزْرَعُ فِي بِلَادِنَا وَمَا يُغْرَسُ فَإِذَا غَرَسَ رَجُلٌ فِي أَرْضِهِ زَيْتُونًا أَوْ كَرْمًا أَوْ أَشْجَارًا يَقْسِمُ الْخَارِجَ كَالزَّرْعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَرَسَ فِي الْمُوَظَّفِ، وَلَوْ أَخَذَهَا مُقَاطَعَةً عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ بِالتَّرَاضِي يَنْبَغِي الْجَوَازُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى عِدَادِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ مُفَوَّضٌ لِرَأْيِ الْإِمَامِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ يُفْعَلُ فِي بِلَادِنَا.

ص: 185

بَعْضَ الْخَارِجِ كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ، وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ كَمَا وَضَعَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى السَّوَادِ لِكُلِّ جَرِيبٍ) هُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ بِذِرَاعِ كِسْرَى سَبْعُ قَبَضَاتٍ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عُرْفُهُمْ، وَعُرْفُ مِصْرَ التَّقْدِيرُ بِالْفَدَّانِ فَتْحٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعَوَّلُ بَحْرٌ (يَبْلُغُهُ الْمَاءُ صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَدِرْهَمًا) عُطِفَ عَلَى صَاعٍ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ زَيْلَعِيٌّ (وَلِجَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِجَرِيبِ الْكَرَمِ أَوْ النَّخْلِ مُتَّصِلَةٌ)

ــ

[رد المحتار]

فَبَعْضُ الْأَرْضِ تُقَسَّمُ ثِمَارُ أَشْجَارِهَا، وَيَأْخُذُ مَأْذُونُ السُّلْطَانِ مِنْهَا ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا وَنَحْوَهُ، وَبَعْضُهَا يَقْطَعُ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً، وَبَعْضُهَا يَعُدُّ أَشْجَارَهَا، وَيَأْخُذُ عَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الطَّاقَةِ وَالتَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرَاضِي بِلَادِنَا خَرَاجِيَّةٌ، وَخَرَاجُهَا مُقَاسَمَةٌ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَتَقْدِيرُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ: قُلْت: لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ وَالشَّامِ أُجْرَةٌ لَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ وَالْمُرَادُ الْأَرَاضِي الَّتِي صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّ هَذِهِ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْخَرَاجِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ) بَيَانٌ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِمُجَرَّدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ لَا بِعَيْنِ الْخَارِجِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَعَطَّلَهَا وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ كَمَا وَضَعَ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِخَرَاجِ الْوَظِيفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى السَّوَادِ) أَيْ قُرَى الْعِرَاقِ (قَوْلُهُ بِذِرَاعِ كِسْرَى) احْتَرَزَ عَنْ ذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ فَتْحٌ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ (قَوْلُهُ بِالْفَدَّانِ) بِالتَّثْقِيلِ آلَةُ الْحَرْثِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الثَّوْرَيْنِ يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا فِي قِرَانٍ وَجَمْعُهُ فَدَادِينَ، وَقَدْ يُخَفَّفُ فَيُجْمَعُ عَلَى أَفْدِنَةٍ وَفِدْنٍ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَرْضُ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّامِ نَوْعَانِ رُومَانِيٌّ وَخَطَّاطِيٌّ وَمِسَاحَةُ كُلٍّ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْفَلَّاحِينَ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعَوَّلُ بَحْرٌ) وَأَصْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَ يَقْضِي أَنَّ الْجَرِيبَ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ فِي الْبُلْدَانِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْوَاجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَقَادِيرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُرْفُ بَلَدٍ فِيهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَعُرْفُ أُخْرَى فِيهِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا (قَوْلُهُ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ) صِفَةٌ لِجَرِيبٍ، قَيَّدَ بِهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ انْقَطَعَ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاءُ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ، فَصَارَ كَقَوْلِ الْكَنْزِ جَرِيبٌ صَلَحَ لِلزِّرَاعَةِ (قَوْلُهُ صَاعًا) مَفْعُولُ وَضَعَ وَهُوَ الْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ الَّذِي وَرَدَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ، وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيُنْسَبُ إلَى الْحَجَّاجِ فَيُقَالُ صَاعٌ حَجَّاجِيٌّ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ كَمَا فِي ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ) أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرُ فِي إعْطَاءِ الصَّاعِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْبُرِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْكَافِي شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَبَقِيَ مَا إذَا عَطَّلَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ يُخَيِّرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدِرْهَمًا) هُوَ وَزْنُ سَبْعَةٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ بَحْرٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا جَوْهَرَةٌ.

(قَوْلُهُ الرَّطْبَةُ) بِالْفَتْحِ وَالْجَمْعُ الرِّطَابِ: وَهِيَ الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَانُ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ مِثْلُ الْكُرَّاثِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُتَّصِلَةً) يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَشْجَارِ الَّتِي لِلْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَزْرَعَ بَيْنَهَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي جَوَانِبِ الْأَرْضِ وَوَسَطُهَا مَزْرُوعٌ فَلَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا لَا شَيْءَ فِي غَرْسِ أَشْجَارٍ غَيْرِ مُثْمِرَةٍ بَحْرٌ ط وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ فِيهَا أَيْ فِي الْأَشْجَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ بَلْ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَهِيَ بُسْتَانٌ فَيَجِبُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ الْمُرَادُ لَا شَيْءَ فِيهَا مُقَدَّرٌ تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَا شَيْءَ فِي غَرْسٍ إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَغْلَ أَرْضِهِ بِهَا فَلَوْ اسْتَنْمَا أَرْضَهُ بِقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَوْ الْقَصَبِ

ص: 186