الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ
بَرْهَنَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْحَيِّ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ بَرْهَنُوا عَلَى الْإِرْثِ وَالْحَيُّ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ فَتْحٌ.
تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ وَأَرَادَ الْقِسْمَةَ فَقَالَ ذُو الْيَدِ قَدْ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ لَهُ: إنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ.
ــ
[رد المحتار]
الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَامِلِ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ الْجَمِيعُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ يُعْطِيَهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخِيبَ ظَنُّهُ.
[فُرُوعٌ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ]
(قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً فَالْقَوْلُ لِلْجَاحِدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْعَقْدَ وَاسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: بَرْهَنَ الْوَرَثَةُ إلَخْ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَبَرْهَنَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدٍ عُلِمَ ارْتِفَاعُهُ بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَى الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ فِيمَا مَضَى لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا إلَّا أَنْ يُبَرْهِنُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ شَهِدُوا بِالنِّصْفِ لِلْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ خُلَفَاؤُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بَرْهَنُوا عَلَى الْإِرْثِ) يَعْنِي وَالْمَالُ فِي أَيْدِيهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ) أَيْ تَرْجِيحًا لِبَيِّنَةٍ عَلَى بَيِّنَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ يَدَّعِي نِصْفَ الْمَالِ عَلَى ذِي الْيَدِ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ مَعَ الْمُوَرِّثِ.
(قَوْلُهُ: تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ إلَخْ) تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِهِ تَصَرَّفَ فِي الْبَلَدِ، وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ صُورَةَ الْوَاقِعَةِ، أَوْ لِيُفِيدَ أَنَّ الْقَوْلَ لِذِي الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ بِمَا صَنَعَ. مَطْلَبٌ إذَا قَالَ الشَّرِيكُ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ إنَّ الْمَالَ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ إنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَمِينٌ، فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ الْأَلْفَ حَقُّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي فِي يَدَيَّ كَذَا يُقْبَلُ أَيْضًا كَمَا يُقْبَلُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ تَأَمَّلْ. وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَبِهِ أَفْتَيْت رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ.
وَأَفْتَى أَيْضًا فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ كُنْت اسْتَدَنْت مِنْ فُلَانٍ كَذَا لِلشَّرِكَةِ وَدَفَعْت لَهُ دَيْنَهُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي فَصْلِ مَا يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُهُمَا مَالًا لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ تِجَارَةٌ وَمُبَادَلَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يُمَلِّكُ الْمُسْتَقْرِضَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهِ فَشَابَهُ الْمُصَارَفَةَ أَوْ الِاسْتِعَارَةَ، وَأَيُّهُمَا كَانَ نَفَذَ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إنِّي اسْتَقْرَضْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِإِلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ رَسُولًا وَالْمُسْتَقْرِضُ هُوَ الْمُرْسِلَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ خَاصَّةً، فَكَانَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ وَهُوَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ فَصَارَ الْإِذْنُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً اهـ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ الِاسْتِقْرَاضَ
شَرَوْا كَرْمًا فَبَاعُوا ثَمَرَتَهُ وَدَفَعُوهُ لِأَحَدِهِمْ لِيَحْفَظَهُ فَدَسَّهُ فِي التُّرَابِ وَلَمْ يَجِدْهُ حَلَفَ فَقَطْ.
دَفَعَ لِآخَرَ مَالًا أَقْرَضَهُ نِصْفَهُ وَعَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْكُلِّ فَشَرَى أَمْتِعَةً فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ، إنْ لَمْ يَصْبِرْ لِنَضِّهِ أَخَذَ الْمَتَاعَ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ.
بَيْنَهُمَا مَتَاعٌ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ سَقَطَتْ فَاكْتَرَى أَحَدُهُمَا بِغَيْبَةِ الْآخَرِ خَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْمَتَاعِ أَوْ نَقْصِهِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ قُنْيَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ: أَيْ مُبَادَلَةٌ مَعْنًى. وَالثَّانِي عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَوْ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي، وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّكَدِّي: أَيْ الشِّحَاذَةِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ بِالْإِذْنِ وَهَلَكَ الْقَرْضُ يَهْلِكُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي يَهْلِكُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْجَوَاهِرِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَهُ أَحَدُهُمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَوَضَعَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ يُصَدَّقُ فَلَهُ أَخْذُ نَظِيرِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّرِيكَ أَمِينٌ فِي الْمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ فَذَاكَ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْقَرْضُ، فَلَا يُنَافِي قَبُولَ قَوْلِهِ إنَّ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ قَرْضٌ، وَأَرَادَ أَخْذَ نَظِيرِهِ إذْ لَا رُجُوعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ، وَكَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْد قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَهُ إلَخْ لِمَا قُلْنَا، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ هُنَاكَ فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهَا مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ إقْرَارُهُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَهُ، وَالسَّلَامُ.
(قَوْلُهُ: وَدَفَعُوهُ) أَيْ الثَّمَنَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْبَيْعِ الْتِزَامًا وَالْمُصَنِّفُ صَرَّحَ بِهِ اهـ ح (قَوْلُهُ: فَدَسَّهُ فِي التُّرَابِ) أَيْ تُرَابِ الْكَرْمِ الْحَصِينِ بِبَابٍ وَغَلَقَ، وَلَوْ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ لَمْ يُضْمَنْ إنْ جُعِلَ عَلَامَةً وَإِلَّا ضُمِنَ كَالْوَضْعِ فِي الْمَفَازَةِ مُطْلَقًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَرْمِ وَالْأَرْضِ أَنَّ الْكَرْمَ مَطْلُوبٌ لِأَجْلِ الثِّمَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً سَائِحَانِيٌّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: أَقْرَضَهُ نِصْفَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَاضُ بَعْدَ إفْرَازِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَرْضَ الْمَشَاعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ دَفَعَ أَلْفًا عَلَى أَنَّ نِصْفَهُ قَرْضٌ وَنِصْفَهُ مُضَارَبَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ وَفِي مُضَارَبَةِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِي جَازَ وَلَا يُكْرَهُ، فَإِنْ تَصَرَّفَ بِالْأَلْفِ وَرَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ صَارَ مِلْكًا لِلْمُضَارِبِ بِالْقَرْضِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَإِنْ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ جَازَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ هُنَا. اهـ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِي بِالْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَالْمُفَاوَضَةِ لَوْ دَفَعَ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالْأَلْفِ بِالشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا وَالرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا (قَوْلُهُ: فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ) أَيْ مِمَّا كَانَ مِنْ الشَّرِكَةِ مِنَحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَبَ مَالَ الْقَرْضَةِ، فَإِنْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَالُ الشَّرِكَةِ نَاضًّا: أَيْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ يَأْخُذُ مَا أَقْرَضَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ لِنَضِّهِ أَخَذَ مَتَاعًا بِقِيمَةِ الْوَقْتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِرِضَا شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ دَفْعُ قَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ مَالُ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قِسْمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ.
(قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا مَتَاعٌ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا
دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ قَالَ الْبَيْطَارُونَ لَا بُدَّ مِنْ كَيِّهَا فَكَوَاهَا الْحَاضِرُ لَمْ يَضْمَنْ.
دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ سَكَنَ أَحَدُهُمَا وَخَرِبَتْ، إنْ خَرِبَتْ بِالسُّكْنَى ضَمِنَ طَاحُونٌ مُشْتَرَكَةٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ عَمِّرْهَا فَقَالَ هَذِهِ الْعِمَارَةُ تَكْفِينِي لَا أَرْضَى بِعِمَارَتِك فَعَمَّرَهَا لَمْ يَرْجِعْ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: طَاحُونٌ مُشْتَرَكٌ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي عِمَارَتِهَا فَلَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ؛ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ كَرْمٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكُلِّ مِنْ مِنَحِ الْمُصَنِّفِ قُلْت: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَإِلَّا لَا
وَلَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ -
ــ
[رد المحتار]
بَعِيرٌ حَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ شَرِيكِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فَنَحَرَهُ، إنْ كَانَ تُرْجَى حَيَاتُهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَحَرَهُ أَجْنَبِيٌّ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا الشَّاةُ لَوْ ذَبَحَهَا الرَّاعِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ يَضْمَنُ ط مُلَخَّصًا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ
(قَوْلُهُ: دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ) أَيْ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ.
ط (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَيْطَارُونَ) جَمْعُ بَيْطَارٍ: مُعَالِجُ الدَّوَابِّ قَامُوسٌ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى خَبَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ضَمِنَ.
ط (قَوْلُهُ: سَكَنَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ مَسَائِلُ الِانْتِفَاعِ بِالْمُشْتَرَكِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا فِي الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: طَاحُونٌ مُشْتَرَكَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَا لَا يُقْسَمُ ط (قَوْلُهُ: عَمِّرْهَا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ: أَيْ قَالَ لِلْآخَرِ عَمِّرْهَا مَعِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ) ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الضَّابِطِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ) مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِلضَّابِطِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَعَلَى أَدَاءِ الْخَرَاجِ ط. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْمُشْتَرَكِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: جَازَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي قِنٍّ وَزَرْعٍ وَدَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَلَمْ يُجْبَرْ ذُو السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ النَّفَقَةِ مُتْلِفًا حَقًّا قَائِمًا لِشَرِيكِهِ فَيُجْبَرُ، بِخِلَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ ذِي الْعُلُوِّ فَائِتٌ إذْ حَقُّهُ قَرَارُ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ وَلَمْ يُبْقَيَا، لَكِنْ يَأْتِي فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ: لَوْ انْهَدَمَ وَعَرْصَتُهُ عَرِيضَةٌ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِتَضَرُّرِ الشَّرِيكِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ ذُو السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَذُكِرَ قَبِيلُهُ فِي قِنٍّ أَوْ زَرْعٍ بَيْنَهُمَا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَأَنْفَقَ الْآخَرُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، بِخِلَافِ ذِي الْعُلْوِ مَعَ أَنَّ كُلًّا لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَوْ حَاضِرًا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَلَوْ غَائِبًا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْحَاضِرَ بِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا زَالَ الِاضْطِرَارُ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَمُضْطَرٌّ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ إذْ الْقَاضِي لَا يَجْبُرُهُ لَوْ حَاضِرًا فَلَا يَأْمُرُ غَيْرَهُ لَوْ غَائِبًا وَالْمُضْطَرُّ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ اهـ مُلَخَّصًا، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي الْجَبْرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْقِنِّ وَالزَّرْعِ قَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذُو السُّفْلِ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ) نُقِلَ هَذَا الضَّابِطُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ. قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ مَرِيدُ الْإِنْفَاقِ مُضْطَرًّا إلَى إنْفَاقِ شَرِيكِهِ مَعَهُ فَيُقَالُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُضْطَرًّا إلَى الْإِنْفَاقِ مَعَهُ وَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ الْمُمْتَنِعُ يُجْبَرُ عَلَى الْفِعْلِ مَعَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ وَإِلَّا لَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكَمَا فِي قِنٍّ وَزَرْعٍ وَدَابَّةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي كَمَا فِي سُفْلٍ انْهَدَمَ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، فَذُو الْعُلْوِ مُضْطَرٌّ إلَى الْبِنَاءِ وَصَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ، فَإِذَا أَنْفَقَ ذُو الْعُلْوِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَمِثْلُهُ الْحَائِطُ الْمُنْهَدِمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةُ الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرِيدُ الْإِنْفَاقِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَكَانَ صَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ كَدَارٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَامْتَنَعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخَرُ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَسِّمَ حِصَّتَهُ وَيُعَمِّرَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالِاضْطِرَارِ كَمَا قُلْنَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لَا فِيمَا يُجْبَرُ، فَفِي الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لَا فِي الثَّانِي لَوْ فَعَلَهُ بِلَا إذْنٍ، وَهَذَا يُخَلِّصُك عَنْ الِاضْطِرَابِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ، هَذَا.
وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: حَمَّامٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ دُولَابٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا تَفُوتُ بِقِسْمَتِهِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ احْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي لِيَرُمَّهَا بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَأْذَنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْإِجَارَةِ وَيَأْخُذُ الْمَرَمَّةَ مِنْهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْقَاضِيَ يَأْذَنُ لِغَيْرِ الْآبِي بِالْإِنْفَاقِ ثُمَّ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حِصَّتَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ.
قُلْت: وَهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ ثُمَّ امْتَنَعَ تَعَنُّتًا أَوْ عَجْزًا يَأْذَنُ الْقَاضِي لِلْمُضْطَرِّ لِيَرْجِعَ بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. اهـ.
وَنُقِلَ هَذَا الْحُكْمُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ انْهِدَامِ السُّفْلِ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ وَالسُّفْلِ أَمَّا مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا لَا يُقْسَمُ لَا بُدَّ فِيهِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي كَمَا عَلِمْت خِلَافًا لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ.
وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي قِسْمَةِ الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ فِي عَقَارٍ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالطَّاحُونِ وَالْحَمَّامِ إذَا احْتَاجَ إلَى مَرَمَّةٍ وَأَنْفَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِهِ، أَجَابَ: لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَجَعَلَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: طَاحُونَةٌ لَهُمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا إذْ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِهِ اهـ فَرَاجِعْ كُتُبَ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ تَحَيُّرٌ وَاضْطِرَابٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: مَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْفَضْلِيِّ قَالَ عَقِبَهُ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى تَفْصِيلٍ قَدَّمْته. اهـ.
قُلْت: أَرَادَ بِالتَّفْصِيلِ مَا مَرَّ مِنْ إنَاطَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ فِي الطَّاحُونِ يُجْبَرُ لِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعَمِّرُ بِلَا إذْنِهِ وَبِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْفَضْلِيِّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّفْلِ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِعَيْنِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُجْبَرُ فِيهَا الشَّرِيكُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُعَمِّرُ وَإِنْ عَمَّرَ بِلَا إذْنِهِ كَمَا عَلِمْت وَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا مَسْأَلَةُ الطَّاحُونِ.
وَصِيٌّ وَنَاظِرٌ وَضَرُورَةُ تَعَذُّرِ قِسْمَةٍ كَكَرْيِ نَهْرٍ وَمَرَمَّةِ قَنَاةٍ وَبِئْرٍ وَدُولَابٍ وَسَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَحَائِطٍ لَا يُقْسَمُ أَسَاسُهُ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ لَمْ يُجْبَرْ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى الْعِمَارَةِ مَعَ شَرِيكِهِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْقِسْمَةَ فَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَكَانَ الشَّرِيكُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ أَوْ أَمْرِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إنْ اُضْطُرَّ وَكَانَ شَرِيكُهُ لَا يُجْبَرُ، فَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ لَا فَبِالْقِيمَةِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ مَزَلَّةُ أَقْدَامِ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ: وَصِيٌّ وَنَاظِرٌ) قَالَ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ: جِدَارٌ بَيْنَ دَارِ صَغِيرَيْنِ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ يُخَافُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ صَغِيرٍ وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ مَرَمَّةَ الْجِدَارِ وَأَبَى الْآخَرُ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَبْعَثُ الْقَاضِي أَمِينًا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا أُجْبِرَ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَإِبَاءِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْآبِي رَضِيَ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ، أَمَّا هُنَا الْوَصِيُّ أَرَادَ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَيُجْبَرُ أَنْ يَرُمَّ مَعَ صَاحِبِهِ. اهـ.
قُلْت: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ كَمَالِ الْيَتِيمِ، فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ وَقْفَيْنِ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْمَرَمَّةِ فَأَرَادَهَا أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْمِيرِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى، كَذَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ قَضَاءِ الْبَحْرِ ح.
قُلْت: بَقِيَ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ بَالِغٍ وَيَتِيمٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ لَا يُجْبَرُ وَصِيُّ الْيَتِيمِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَكَذَا لَوْ بَيْنَ يَتِيمَيْنِ وَالضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا، بِأَنْ كَانَتْ حُمُولَةُ الْجِدَارِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ وَصِيُّ الْمُتَضَرِّرِ لَوْ امْتَنَعَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْوَقْفِ مَعَ الْمِلْكِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَضَرُورَةُ تَعَذُّرِ قِسْمَةٍ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط (قَوْلُهُ: كَكَرْيِ نَهْرٍ) أَيْ تَعْدِيلِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) أَيْ يَحْتَمِلُ أَسَاسُهُ الْقِسْمَةَ، بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ أَوْ لَا، فَفِي الثَّانِي إنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَقَبِلَ لَا يُجْبَرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُجْبَرُ لَوْ عَرْصَتُهُ عَرِيضَةً، بِهِ يُفْتَى وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ لَا الْقِسْمَةَ، فَلَوْ عَرِيضَةً لَا يُجْبَرُ الْآبِي، وَلَوْ غَيْرَ عَرِيضَةٍ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ أَيْضًا، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ بَنَى أَحَدُهُمَا قِيلَ لَا يَرْجِعُ لَوْ عَرِيضَةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْحُمُولَةُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ عَرْصَةِ الْحَائِطِ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ وَلَوْ عَرِيضَةً إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي كَامِلِ الْعَرْصَةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ الْآبِي لَوْ عَرِيضَةً، وَقِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُجْبَرُ مُطْلَقًا، وَبِهِ يُفْتَى إذْ فِي عَدَمِ الْجَبْرِ تَعْطِيلُ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، وَلَوْ بَنَى بِلَا إذْنٍ، قِيلَ: لَوْ عَرِيضَةً لَا يَرْجِعُ وَقِيلَ يَرْجِعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرِيضَةٍ، لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَا اضْطِرَارَ فِيمَا يُجْبَرُ