الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمِثْلِ مَا مَرَّ (فَمَاتَتْ) لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ أَصْلًا.
(ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُزِّرَ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا) فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ شُمُنِّيٌّ. وَعَنْ الثَّانِي لَوْ زَادَ الْقَاضِي عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِقَتْلِهِ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فَيَتَنَصَّفُ زَيْلَعِيٌّ.
[فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا
تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَلَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ بِهِ يُفْتَى مُلْتَقَطٌ.
ــ
[رد المحتار]
وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ.
قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْأَمْرِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْإِمَامِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْإِقَامَةُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُبَاحُ لَهُ تَعْزِيرُهُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ) أَيْ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ. وَأُورِدَ مَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ أَوْ أَفْضَاهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَهْرَ بِذَلِكَ، فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لَوَجَبَ ضَمَانَانِ بِمَضْمُونٍ وَاحِدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ ضَرْبًا فَاحِشًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا فِي التَّأْدِيبِ ضَرْبًا فَاحِشًا، وَهُوَ الَّذِي يَكْسِرُ الْعَظْمَ أَوْ يَخْرِقُ الْجِلْدَ أَوْ يُسَوِّدُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ اهـ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ) ظَاهِرُهُ تَقْيِيدُ الضَّمَانِ بِمَا إذَا كَانَ الضَّرْبُ فَاحِشًا، وَيُخَالِفُهُ إطْلَاقُ الضَّمَانِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَاكِمُ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَضْرِبُ ابْنَهُ، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا أَدَّبَ الصَّبِيَّ فَمَاتَ مِنْهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيِّ اهـ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: يَضْمَنُ الْمُعَلِّمُ بِضَرْبِ الصَّبِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ وَلَا الْمُعَلِّمُ فِي التَّعْزِيرِ، وَلَا الْأَبُ فِي التَّأْدِيبِ، وَلَا الْجَدُّ وَلَا الْوَصِيُّ لَوْ بِضَرْبٍ مُعْتَادٍ وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ الضَّمَانُ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيبِ لَا فِي ضَرْبِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، مَا لَمْ يَكُنْ ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوا بِهِ مِائَةٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الَّذِي يَرَى ذَلِكَ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ اسْتِدْلَالَ أَئِمَّتِنَا بِحَدِيثِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا تَعَدَّى بِالزِّيَادَةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ فَافْهَمْ
[فُرُوعٌ ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا]
(قَوْلُهُ وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ) جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يَبْلُغُ التَّعْزِيرُ أَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ وَلَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ) بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَهَذِهِ إحْدَى رِوَايَاتٍ ثَلَاثٍ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّلَاقِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَبِينُ رَدًّا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ. الثَّالِثَةُ مَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهَا رَقِيقَةً إنْ كَانَ مَصْرِفًا ط.
ارْتَحَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّرُ سِرَاجِيَّةٌ. قَذَفَ بِالتَّعْرِيضِ يُعَزَّرُ حَاوِي. زَنَى بِامْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ يُعَزَّرُ اخْتِيَارٌ.
ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ وَحَبِلَتْ فَنَقَصَتْ، فَإِنْ بَرْهَنَ فَلَهُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا ارْتَحَلَ إلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ ارْتَحَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّرُ) أَيْ إذَا كَانَ ارْتِحَالُهُ لَا لِغَرَضٍ مَحْمُودٍ شَرْعًا، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خَطَبَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ابْنَتَهُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الْجُوزَجَانِيِّ فَأَبَى إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَذْهَبَهُ فَيَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَزَوَّجَهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ بَعْدَمَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إيمَانُهُ وَقْتَ النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِمَذْهَبِهِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ لِأَجْلِ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَرِئَ مِنْ مَذْهَبِهِ بِاجْتِهَادٍ وَضَحَ لَهُ كَانَ مَحْمُودًا مَأْجُورًا.
أَمَّا انْتِقَالُ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ بَلْ لِمَا يَرْغَبُ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَشَهْوَتِهَا فَهُوَ الْمَذْمُومُ الْآثِمُ الْمُسْتَوْجِبُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّعْزِيرِ لِارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ فِي الدِّينِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِدِينِهِ وَمَذْهَبِهِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ: الثَّبَاتُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَيْرٌ وَأَوْلَى، قَالَ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَقْرَبُ إلَى الْأُلْفَةِ اهـ: وَفِي آخِرِ التَّحْرِيرِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ: مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِهِ؟ الْمُخْتَارُ نَعَمْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَقِيلَ يَلْزَمُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ مِثْلُ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ شَرْعًا اهـ مُلَخَّصًا قَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ: بَلْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَتَقْلِيدِهِ فِيهِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَهُوَ - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]- وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَمَلُهُ بِهِ وَأَمَّا الْتِزَامُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ السَّمْعِ اعْتِبَارُهُ مُلْزِمًا إنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّذْرِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ مَثَلًا قَلَّدْت فُلَانًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ تَعْلِيقُ التَّقْلِيدِ وَالْوَعْدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ.
مَطْلَبٌ الْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ قُلْت: وَأَيْضًا قَالُوا الْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ، بَلْ مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَبَصَرٍ بِالْمَذْهَبِ عَلَى حَسَبِهِ، أَوْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي فُرُوعِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَعَرَفَ فَتَاوَى إمَامِهِ وَأَقْوَالَهُ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ قَالَ أَنَا حَنَفِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ أَنَا فَقِيهٌ أَوْ نَحْوِيٌّ اهـ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوَّلَ هَذَا الشَّرْحِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ بِمَا يَقَعُ فِي الْكُتُبِ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ الْمُوهِمَةِ خِلَافَ الْمُرَادِ فَيَحْمِلُهُمْ عَلَى تَنْقِيصِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ حَاشَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرِيدُوا الِازْدِرَاءَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ يُطْلِقُونَ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِقَالِ خَوْفًا مِنْ التَّلَاعُبِ بِمَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ، نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ، وَأَمَاتَنَا عَلَى حُبِّهِمْ آمِينَ.
يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِبَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقَبُولِ مِنْ الشَّهَادَاتِ (قَوْلُهُ قَذَفَ بِالتَّعْرِيضِ) كَأَنْ قَالَ أَنَا لَسْت بِزَانٍ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ، وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِالْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَلْ أَنْتَ زَانٍ فَيُعَزَّرُ، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْقَذْفِ أَنَّهُ لَوْ شَتَمَ بِالتَّعْرِيضِ لَا يُعَزَّرُ
(قَوْلُهُ فَلَهُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ) أَيْ لَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُحَدُّ أَوْ لَا لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ
وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ فَلَهُ تَعْزِيرُ الْمُدَّعِي مُنْيَةٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: خَدَعَ امْرَأَةً إنْسَانٌ وَأَخْرَجَهَا زُوِّجَهَا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. مَنْ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَ أَهْلَهُ لِلظَّلَمَةِ فَحَبَسُوهُمْ وَغَرَّمُوهُمْ عُزِّرَ. يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ كَتَعْرِيفِ نَحْوِ تَمْرَةٍ. التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَالْحَدِّ. قَالَ: وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ قُلْت: قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَزَادَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَيُضْرَبَ التَّعْزِيرَ، وَفِي الْحَدِيثِ «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ لَا فِي الْحَدِّ» . وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ، لَا تَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِك
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الزِّنَا مَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَفِي إفْضَائِهَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّهَا.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ تَمْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا مِرَارًا وَمُرَادُهُ إظْهَارُ وَرَعِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كُلْهَا يَا بَارِدَ الْوَرَعِ فَإِنَّهُ وَرَعٌ يَبْغَضُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ الْبَارِدِ فَافْهَمْ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ فَهُوَ مَمْدُوحٌ كَمَا نُقِلَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ عَنْ الْغَزْلِ عَلَى ضَوْءِ الْعَسَسِ حِينَ يَمُرُّ عَلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أُخْتُ بِشْرٍ الْحَافِي، فَقَالَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّ الْوَرَعَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِكُمْ (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَقًّا لِعَبْدٍ، أَمَّا مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ قُلْت قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا إلَخْ) تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. اهـ. قُلْت: وَفِي كَفَالَةِ كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا أَحْبِسَهُ وَلَا أُعَزِّرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي الْحُدُودِ» اهـ وَقَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كَفَالَةِ الْأَصْلِ: لَوْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَتِيمَةً فَاحِشَةً أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ عُزِّرَ أَسْوَاطًا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُعِظَ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ضُرِبَ التَّعْزِيرَ. قُلْت لِمُحَمَّدٍ: وَالْمُرُوءَةُ عِنْدَك فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ خَطَرٌ وَمُرُوءَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُعَزَّرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ أَيْ مَرَّةً أُخْرَى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مُرُوءَةٍ، وَالْمُرُوءَةُ مُرُوءَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ اهـ مُلَخَّصًا.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ: جَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» وَفَسَّرَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَيُتْرَكُ.
وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ. وَقِيلَ الَّذِينَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الذَّنْبُ تَابُوا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَمْتَنُ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُشِيرُ إلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ لَا تَأْتِيَ» إلَخْ) لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ» وَقَوْلُهُ لَا تَأْتِي أَصْلُهُ لِئَلَّا تَأْتِيَ فَحُذِفَ اللَّامُ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ ح.