الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)
وَهُوَ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى
(مَنْ قَصَدَهُ) وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِهِ يُفْتَى (وَهُوَ مَعْصُومٌ عَلَى) شَخْصٍ (مَعْصُومٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا، فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ (فَأُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ وَقَتْلِ) نَفْسٍ (حُبِسَ)
ــ
[رد المحتار]
[بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
ِ أَيْ قَطْعِ الْمَارَّةِ عَنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمَارَّةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى فِي: أَيْ قَطْعٌ فِي الطَّرِيقِ: أَيْ مَنْعُ النَّاسِ الْمُرُورَ فِيهِ، أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهَا الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُهَا مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَّبَهُمْ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ، وَلِذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهَا إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْكُبْرَى وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَسُمِّيَتْ كُبْرَى لِعِظَمِ ضَرَرِهَا لِكَوْنِهِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِعِظَمِ جَزَائِهَا (قَوْلُهُ مَنْ قَصَدَهُ) أَيْ قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَعَبَّرَ بِمَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاطِعِ جَمَاعَةً، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ وَاحِدًا لَهُ مَنَعَةٌ بِقُوَّتِهِ وَنَجْدَتِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْفَتْحِ، وَشَمِلَ الْعَبْدَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُصْلَبُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا) أَيْ بِسِلَاحٍ أَوْ بِدُونِهِ وَكَذَا نَهَارًا لَوْ بِسِلَاحٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَفْتَى بِهَا الْمَشَايِخُ دَفْعًا لِشَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُفْسِدِينَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءِ دَارِنَا عَلَى مَسَافَةِ السَّفَرِ فَصَاعِدًا دُونَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَلَا مَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَسْكَرُ الْخَوَارِجِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ الْإِمَامُ لَمْ يُمْضِ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْصُومٌ) أَيْ بِالْعِصْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْعِصْمَةُ: الْحِفْظُ، وَالْمُرَادُ عِصْمَةُ دَمِهِ وَمَالِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبُو السُّعُودِ: مُفَادُهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مُسْتَأْمَنٌ لَا يُحَدُّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ. وَحَكَى فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ) لَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِهِ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحَدِّ بِالْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَافِلَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً، بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ بِالْقَافِلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ لَمْ يَقَعْ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا.
[تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِنْ شُرُوطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْعَدْلِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ وَلَوْ نَهَارًا إنْ كَانَ بِسِلَاحٍ، وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ مَعْصُومًا، وَمِنْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَوْنُ الْقُطَّاعِ كُلِّهِمْ أَجَانِبَ لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، وَكَوْنُهُمْ عُقَلَاءَ بَالِغِينَ نَاطِقِينَ، وَأَنْ يُصِيبَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ تَامٌّ مِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَأَنْ يُؤْخَذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَرَّتَيْنِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِمُعَايَنَتِهِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ؛ وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يَحُدُّهُمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ حُبِسَ) وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ
وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (بَعْدَ التَّعْزِيرِ) لِمُبَاشَرَةِ مُنْكَرِ التَّخْوِيفِ (حَتَّى يَتُوبَ) لَا بِالْقَوْلِ بَلْ بِظُهُورِ سِيمَا الصُّلَحَاءُ (أَوْ يَمُوتَ)
(وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا) بِأَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَمَا مَرَّ (وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَانِيَةٌ.
(وَإِنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا (وَلَمْ يَأْخُذْ) مَالًا (قُتِلَ) وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ (حَدًّا) لَا قِصَاصًا (فَ) لِذَا (لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) الْقَتْلُ (مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ) لِوُجُوبِهِ جَزَاءً لِمُحَارَبَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ
ــ
[رد المحتار]
يُعَزَّرُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الْحَبْسَ فِي بَلَدِهِ لَا فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ مُحَالٌ وَإِلَى بَلَدٍ أُخْرَى فِيهِ إيذَاءُ أَهْلِهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَبْسُ، وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحْبَابِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي الْغُرَرِ:
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا
…
فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ
…
عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
(قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ الْأَرْبَعَةِ إذْ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّهَا أَجْزِيَةٌ عَلَى جِنَايَةِ الْقَطْعِ الْمُتَفَاوِتَةِ خِفَّةً وَغِلَظًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى أَغْلَظِهَا أَخَفُّ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى أَخَفِّهَا أَغْلَظُ الْأَجْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْفَعُهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ عَلَى أَحْوَالِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِهَا فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ.
فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا، أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تَقَطُّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّعْزِيرِ) أَيْ بِالضَّرْبِ، وَإِلَّا فَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَمُوتَ) عَطْفٌ عَلَى يَتُوبَ
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ) أَيْ الْقَاطِعُ أَيْ جِنْسُهُ السَّابِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ) أَيْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابُ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ شَلَّاءَ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيُمْنَى لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدٌ وَكَذَا الرِّجْلُ الْيُسْرَى نَهْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى أَوْ كِلَاهُمَا قَطَعَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِنْ أَنَّ اسْتِيفَاءَ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ غَيْرُ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْقَطْعِ أَوْ الْجَمْعُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ يُرَادُ بِالصَّحِيحِ مَا يُقَابِلُ الْمَقْطُوعَ دُونَ الْأَشَلِّ أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مِنْ خِلَافٍ ط
(قَوْلُهُ فَلِذَا لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَدًّا خَالِصَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَنْ عَفَا عَنْهُ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَتْحٌ. قَالَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ اهـ وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَذْكُرُهُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ مِنْ الْغَرَائِبِ. قُلْت: لَكِنْ مَا أَوَّلَ بِهِ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ تَأْوِيلُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ أَيْ النِّصَابَ بَلْ أَخَذَ مَا دُونَهُ، وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِي أَنَّهَا مِنْ الْغَرَائِبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ
وَبِهَذَا الْحَلِّ يُسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى.
(وَ) الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ (إنْ قَتَلَ وَأَخَذَ) الْمَالَ خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ سِتَّةِ أَحْوَالٍ: إنْ شَاءَ (قَطَعَ) مِنْ خِلَافٍ (ثُمَّ قَتَلَ أَوْ) قَطَعَ ثُمَّ (صَلَبَ) أَوْ فَعَلَ الثَّلَاثَةَ (أَوْ قَتَلَ) وَصَلَبَ أَوْ قَتَلَ فَقَطْ (وَصَلَبَ فَقَطْ) كَذَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيُصْلَبُ (حَيًّا) فِي الْأَصَحِّ وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (وَيُبْعَجُ) بَطْنُهُ (بِرُمْحٍ) تَشْهِيرًا لَهُ وَيُخَضْخِضُهُ بِهِ (حَتَّى يَمُوتَ وَيُتْرَكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ مَوْتِهِ) ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَ (لَا أَكْثَرَ مِنْهَا) عَلَى الظَّاهِرِ وَعَنْ الثَّانِي يُتْرَكُ حَتَّى يَتَقَطَّعَ (وَبَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ مَا فَعَلَ) مِنْ أَخْذِ مَالٍ وَقَتْلٍ وَجَرْحٍ زَيْلَعِيٌّ (وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ) الْمَذْكُورَةُ (عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ وَالْإِخَافَةَ (وَحَجَرٌ وَعَصًا لَهُمْ كَسَيْفٍ) .
(وَ) الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: (إنْ انْضَمَّ إلَى الْجَرْحِ أَخْذٌ قُطِعَ) مِنْ خِلَافٍ (وَهُدِرَ جَرْحُهُ) لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ قَطْعٍ وَضَمَانٍ
ــ
[رد المحتار]
وَالْمُعِينُ سَوَاءٌ قَتَلَ بِسَيْفٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْحَلِّ) هُوَ قَوْلُهُ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ح (قَوْلُهُ عَنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى - {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33]- وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ. اهـ. ح. قُلْت: وَالْأَحْسَنُ عِبَادُ اللَّهِ لِيَشْمَلَ الذِّمِّيَّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُخَالَفَةُ وَالْعِصْيَانُ سَبَبًا لِلْمُحَارَبَةِ أُطْلِقَتْ الْمُحَارَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ
(قَوْلُهُ خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ سِتَّةِ أَحْوَالٍ) تَرَكَ السَّابِعَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. ح. أَقُولُ: الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ عَشَرَةٌ:؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ يَفْعَلَ الثَّلَاثَةَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، أَوْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ مِنْهَا الْقَطْعُ ثُمَّ الْقَتْلُ، أَوْ عَكْسُهُ وَالْقَطْعُ، ثُمَّ الصَّلْبُ أَوْ عَكْسُهُ، وَالْقَتْلُ ثُمَّ الصَّلْبُ أَوْ عَكْسُهُ، فَهَذِهِ سِتَّةٌ مَعَ الْأَرْبَعَةِ بِعَشَرَةٍ لَكِنَّ الْقَطْعَ بَعْدَ الْقَتْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ كَالزَّانِي إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْجَلْدِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بَعْدَ الصَّلْبِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَ) أَيْ بِلَا صَلْبٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ وَلِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلْبَ (قَوْلُهُ وَيُصْلَبُ حَيًّا) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صَلْبَهُ أَوْ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، أَمَّا فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ سَابِقًا، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّلْبِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ وَيَأْتِي جَوَابُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَهِيَ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطَ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطَ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ ثَدْيُهُ الْأَيْسَرُ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَفِي الِاخْتِيَارِ تَحْتَ ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ فِي الصَّلْبِ مُثْلَةً وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الطَّعْنَ بِالرُّمْحِ مُعْتَادٌ، فَلَا مُثْلَةَ فِيهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالصَّلْبُ مَقْطُوعٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُثْلَةُ الْخَاصَّةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمَنْسُوخِ قَطْعًا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الشَّهِيدِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ أَخْذِ مَالٍ) أَيْ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ، وَذَلِكَ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِالْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا يَرُدُّهُ إلَى مَالِكِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ) مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ أَوْ قَطْعٍ فَقَطْ أَوْ قَتْلٍ فَقَطْ أَوْ تَخْيِيرٍ ط (قَوْلُهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحَجَرٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَسَيْفٍ (قَوْلُهُ لَهُمْ) أَيْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَتْلِ بِحَجَرٍ وَعَصًا لَكِنَّ الْقَتْلَ هُنَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ بَلْ هُوَ حَدٌّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ قُتِلَ حَدًّا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ
(قَوْلُهُ إنْ انْضَمَّ إلَى الْجَرْحِ أَخْذٌ) لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْجَرْحِ ذِكْرٌ، فَالْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ إلَخْ
(وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ فَلَا حَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ وَهِيَ مِنْ الْغَرَائِبِ (أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) وَأَخَذَ الْمَالَ (فَتَابَ) قَبْلَ مَسْكِهِ، وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ قِيلَ لَا حَدَّ (أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَوْ أَخْرَسُ (أَوْ) كَانَ (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ) أَحَدِ (الْمَارَّةِ) أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا حَدَّ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ لَا حَدَّ فِيهَا وَحَيْثُ سَقَطَ الْحَدُّ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ مَالٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ أَخَذَ مَا دُونَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَخْذُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ النِّصَابُ كَانَ مَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ أَيْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَمِثْلُ مَا دُونَ النِّصَابِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا قَطْعَ فِيهَا كَالتَّافِهِ، وَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ) أَيْ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ طَعْنِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ؟ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالُ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَقْصِدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ، فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ اهـ.
قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ سُمِّيَ سَرِقَةً كُبْرَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقُطَّاعِ غَالِبًا أَخْذُ الْمَالِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ الْمَالِ، لَكِنْ إذَا أَخَافُوا فَقَطْ أَوْ قَتَلُوا فَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ حَدًّا فَيُتَّبَعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُ مَالٍ ظَهَرَ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمَالُ فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَجَبَ الْحَدُّ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِعَدَمِهِ، وَحَيْثُ لَا حَدَّ وَجَبَ مُوجَبُ الْقَتْلِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ وَوَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمَ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ فَتْحٌ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الثَّانِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَقِيلَ لَا حَدَّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ ضَعْفَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ التَّقَادُمِ لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ زَمَانًا ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَيْسَ تَوْبَةً بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَاهَا الَّتِي لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَيْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَانَ تَامَّةٌ وَذُو فَاعِلٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُ الْقُطَّاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ أَحَدِ الْمَارَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْرَمٍ وَالْعِلَّةُ فِيهِ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ أَوْ لَا، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذُوا إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمَا إذَا أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّونِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مُسْتَأْمَنٌ لَا يَمْتَنِعُ الْحَدُّ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ يَمْنَعُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا كَانَ لِخَلَلٍ فِي عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرٌ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَرِيبَ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَغَيْرَ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ)
(أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ عَلَى بَعْضٍ أَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ) وَعَنْ الثَّانِي إنْ قَصَدَهُ لَيْلًا مُطْلَقًا أَوْ نَهَارًا بِسِلَاحٍ فَهُوَ قَاطِعٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ وَدُرَرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (فَلَا حَدَّ) جَوَابٌ لِلْمَسَائِلِ السِّتِّ
(وَلِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ) فِي الْعَمْدِ (أَوْ الْأَرْشُ) فِي غَيْرِهِ (أَوْ الْعَفْوُ) فِيهَا
(الْعَبْدُ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فَتْحٌ لَكِنَّهَا لَا تُصْلَبُ مُجْتَبًى، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالدُّرَرِ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ قَتْلُ الرِّجَالِ دُونَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ، عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ وَأَخَذْنَ وَقَتَلْنَ قُتِلْنَ وَضَمِنَّ الْمَالَ
(وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَتْحٌ
(وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ) بِكَسْرِ النُّونِ (مِنْهُ فِي الْمِصْرِ)
ــ
[رد المحتار]
أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ فَتْحٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرِيكَ الْعَنَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ مَعَهُ فِي الْقَافِلَةِ أَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ) أَيْ الْقَافِلَةَ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَافِلَةُ فَصَارَ كَسَارِقٍ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
(قَوْلُهُ وَلِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ إلَخْ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لَمْ يَصِيرُوا قُطَّاعًا فَيَضْمَنُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَرَدُّ الْمَالِ لَوْ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا، فَتَقْيِيدُهُ بِالْقَوَدِ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَالِ بِالْأَوْلَى، أَوْ يُرَادُ بِالْأَرْشِ مَا يَشْمَلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فَيَشْمَلُ صَاحِبَ الْمَالِ، وَيَشْمَلُ الْمَجْرُوحَ أَيْضًا فِي أُولَى الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْبَحْرِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمَجْرُوحِ لَا لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَفْضَى الْجُرْحُ إلَى الْقَتْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ اهـ أَيْ لَوْ مَاتَ بِالْجِرَاحَةِ يَرْجِعُ إلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ فَقَطْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ فَلَا يَكُونُ لِوَلِيِّهِ الْقَوَدُ
(قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ وَهُوَ ضَعِيفُ الْوَجْهِ مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَصَاحِبِ الدِّرَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ قُتِلْنَ) أَيْ قِصَاصًا لَا حَدًّا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَضَمِنَّ الْمَالَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ، قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: هُوَ كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. ح. قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ لِمُخَالَفَتِهِمَا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ تَحْتَ مَالِهِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ قُدَّامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ، فَإِنَّ لَفْظَ دُونَ يَأْتِي لِمَعَانٍ الْمُنَاسِبُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَالِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا) أَيْ نِصَابَ السَّرِقَةِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. وَفِي التَّجْنِيسِ: دَخَلَ اللِّصُّ دَارًا وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ مَا دَامَ الْمَتَاعُ مَعَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» فَإِنْ رَمَى بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ قَتَلَهُ رَبُّ الدَّارِ، فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ كَابَرَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَالشَّرِّ قُتِلَ بِهِ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا فِي الْمَالِ.
وَفِي الْفَتْحِ أَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَغَاثُوا بِقَوْمٍ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ أَوْ غَابُوا لَكِنْ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ حَلَّ لَهُمْ قِتَالُ اللُّصُوصِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ لَا يَحِلُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ
(قَوْلُهُ بِكَسْرِ النُّونِ) أَيْ كَكَتِفٍ وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ وَالْحَلْفُ وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمِصْرِ) وَكَذَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي
أَيْ خَنَقَ مِرَارًا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ (قُتِلَ بِهِ) سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً (لَا؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ) وَفِيهِ الْقَوَدُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. -
ــ
[رد المحتار]
شَرْحِ الشَّلَبِيِّ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ غَيْرُ الْمِصْرِ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْمِصْرِ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ أَيْ خَنَقَ مِرَارًا) أَرَادَ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً. وَفِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا قَتْلَ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ سِيَاسَةً) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي حَدِّ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ) كَاللُّوطِيِّ وَالسَّاحِرِ وَالْعَوَانِيِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالسَّارِقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ بَاقِي الْأَئِمَّةِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
بِسْمِ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَجُنْدِهِ. وَبَعْدُ: فَيَقُولُ مُؤَلِّفُهُ أَفْقَرُ الْعِبَادِ إلَى عَفْوِ مَوْلَاهُ يَوْمَ التَّنَادِ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ الشَّهِيرُ بِابْنِ عَابِدِينَ، خَادِمُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، فِي دِمَشْقَ الشَّامِ الْمَحْمِيَّةِ قَدْ نَجَّزَ تَسْوِيدَ هَذَا النِّصْفِ الْمُبَارَكِ، بِعَوْنِ اللَّهِ جَلَّ وَتَبَارَكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الْمُسَمَّاةِ [رَدَّ الْمُحْتَارِ، عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ] فِي صَفَرِ الْخَيْرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ، مِنْ هِجْرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي تَمَّ بِهِ الْأُلْفُ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّفَهُ وَعَظَّمَ، فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُكَمِّلًا فَرْعًا وَأَصْلًا، [رَدَّا لِلْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ] اسْمًا وَفِعْلًا، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَنْقِيحِ عِبَارَاتِهِ، وَتَوْضِيحِ رُمُوزِهِ وَإِشَارَاتِهِ، وَالِاعْتِنَاءِ بِبَيَانِ مَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا هُوَ مُعْتَرَضٌ وَمُنْتَقَدٌ، وَتَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ، وَالْحَوَادِثِ الْمُعْضِلَةِ، الَّتِي لَمْ يُوَضِّحْ كَثِيرًا مِنْهَا أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا سَلَكَ مُهِمَّةَ بَيَانِهَا سَالِكٌ مَشْحُونًا بِذَخَائِرِ زُبُرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَخُلَاصَةِ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرَسَائِلِهِمْ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْحَوَادِثِ الْغَرِيبَةِ، الْجَامِعَةِ لِلْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ كَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ الْأَرْبَعِينَ، وَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ السِّتِّينَ، وَكَثِيرٍ مِنْ رَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْقَارِي خَاتِمَةِ الرَّاسِخِينَ وَرَسَائِلِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ الْحَبْرِ الْمَتِينِ وَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ خَاتِمَةِ الْمُجْتَهِدِينَ.
وَحَوَاشِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَالْأَشْبَاهِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِلْفَهَّامَةِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ، وَفَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّةِ وَفَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَالرَّحِيمِيِّ وَالشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَالْفَتَاوَى الزَّيْنِيَّةِ والتمرتاشية وَالْحَامِدِيَّةِ وَفَتَاوَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُفْتِينَ وَتَحْوِيرَاتِ شُيُوخِنَا وَمَشَايِخِهِمْ الْمُعْتَبَرِينَ، وَمَا مَنَّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مِنْ الرَّسَائِلِ الَّتِي نَاهَزَتْ الثَّلَاثِينَ، وَمَا حَرَّرْتُهُ وَنَقَّحْتُهُ فِي كِتَابِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ الَّذِي هُوَ بَهْجَةُ النَّاظِرِينَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ الْمُعْتَمَدِينَ، مَعَ بَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى وَكُتُبِ الشَّارِحِينَ، وَلَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْأَشْبَاهِ وَالدُّرَرِ وَكُتُبِ الْمُحَشِّينَ، حَتَّى صَارَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عُمْدَةَ الْمَذْهَبِ، وَالطِّرَازَ الْمُذْهَبَ، وَمَرْجِعَ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ، كَمَا يَعْلَمُهُ مَنْ غَاصَ بِأَفْكَارِهِ فِي تَيَّارِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، الْخَالِينَ عَنْ دَاءِ الْحَسَدِ الْمُضْنِي لِلْجَسَدِ الصَّادِقِينَ الْمُنْصِفِينَ.
فَدُونَك كِتَابًا قَدْ أَعْمَلْتُ فِيهِ الْفِكْرَ، وَأَلْزَمْت فِيهِ الْجَفْنَ السَّهَرَ، وَغَرَسْتُ فِيهِ مِنْ فَنُونِ التَّحْرِيرِ أَفْنَانًا، وَفَتَقْتُ فِيهِ عَنْ عُيُونِ الْمُشْكِلَاتِ أَجْفَانًا، وَأَوْدَعْت فِيهِ مِنْ كُنُوزِ الْفَوَائِدِ، عُقُودَ الدُّرَرِ الْفَرَائِدِ، وَبَسَطْت فِيهِ مِنْ أَنْفَعِ الْمَقَاصِدِ، أَحْسَنَ الْمَوَائِدِ، وَجَلَوْت فِيهِ عَلَى مِنَصَّةِ الْأَنْظَارِ، عَرَائِسَ أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ، وَكَشَفْت فِيهِ بِتَوْضِيحِ الْعِبَارَاتِ، قِنَاعَ الْمُخَدَّرَاتِ، وَلَمْ أَكْتَفِ بِتَلْوِيحِ الْإِشَارَاتِ، عَنْ تَنْقِيحِ كَشْفِ تَحْرِيرِ الْخَفِيَّاتِ، فَهُوَ يَتِيمَةُ الدَّهْرِ، وَغَنِيمَةُ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِمَحْضِ إنْعَامِ الْمَوْلَى، الَّذِي هُوَ بِكُلِّ حَمْدٍ وَشُكْرٍ أَحَقُّ وَأَوْلَى، حَيْثُ أَبْرَزَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ الْمَكْنُونَةَ، وَالدُّرَرَ الْفَرَائِدَ الْمَصُونَةَ، فِي مَيْمُونِ أَيَّامِ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، الْقَائِمِ بِوَاجِبِ حَقِّهِ وَفَرْضِهِ، رَافِعِ أَلْوِيَةِ الشَّرِيعَةِ الْبَدِيعَةِ وَمُؤَيِّدِهَا، وَمُوَطِّدِ أَبْنِيَتِهَا الْمَنِيعَةِ وَالرَّفِيعَةِ وَمُشَيِّدِهَا، الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَالْقَاطِعِ لِدَابِرِ الْكَافِرِينَ بِحَدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، الَّذِي ابْتَسَمَتْ ثُغُورُ الْبِلَادِ بِبَارِقَاتِ مُرْهَفَاتِهِ، وَبَكَتْ عُيُونُ عُيُونِ ذَوِي الْعِنَادِ بِقَاهِرَاتِ عَزَمَاتِهِ، وَأَبْدَعَ نِظَامَ