المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ هُنَا - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٤

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِمْنَاءُ]

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ

- ‌[فَرْعٌ]سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فَرْعٌ]عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌[فَرْعٌ] مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا

- ‌[فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فُرُوعٌ]سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌كِتَابُ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]

- ‌بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ

- ‌فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ

- ‌[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا]

- ‌بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ]

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي تَصْرِف اللَّقِيط]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[فُرُوعٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ نِثَارِ السُّكْرِ فِي الْعُرْسِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ فِي الْجِدَارِ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ]

- ‌كِتَابُ الْآبِقِ

- ‌[فَرْعٌ] أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الشَّرِكَة]

- ‌[مَطْلَبٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ

- ‌[فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا]

- ‌[مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌[فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى]

- ‌[فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى]

- ‌[مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ]

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ

- ‌[مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ]

- ‌[مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا

- ‌[مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ]

- ‌ كِتَابُ الْبُيُوعِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْبَيْع]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ مَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ سَبْعَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ]

- ‌[فُرُوعٌ] بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا

- ‌[مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ]

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ

- ‌[مَطْلَبٌ كُلُّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا]

- ‌[فَرْعٌ] ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ]

- ‌فُرُوعٌ] بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌[فَرْعٌ] وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ]

- ‌[فُرُوعٌ بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[مَطْلَبٌ الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا]

- ‌بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

- ‌[فُرُوعٌ] شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ

الفصل: وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ هُنَا

وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ هُنَا وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ وَقَدْ لَخَّصْنَاهُ فِي الْوَقْفِ.

[مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا]

‌بَابُ الْمُرْتَدِّ

هُوَ لُغَةً الرَّاجِعُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ بَعْدَ الْإِيمَانِ) وَهُوَ تَصْدِيقُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا عُلِمَ مَجِيئُهُ ضَرُورَةً وَهَلْ هُوَ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ؟ قَوْلَانِ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ شَرْطٌ

ــ

[رد المحتار]

الْمُتَأَخِّرُونَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحُ مَعْنَى الصِّلَةِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْأُجْرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَلِذَا جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمْ ظُهُورُ الْغَلَّةِ فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِهَا اسْتَحَقَّ لَا قَبْلَهُ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُدَرِّسَ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ الْوَظِيفَةَ مِنْ وَقْتِ تَوْجِيهِ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَالْمُؤَذِّنُ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَفِي فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ طَاهِرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضِي الْوَقْفِ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ يَصْرِفُ إلَيْهِ غَلَّتَهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، وَذَهَبَ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الْقَاضِي، وَأَخْذِ الرِّزْقِ وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[بَابُ الْمُرْتَدِّ]

ِّ شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ بَيَانِ الْأَصْلِيِّ أَيْ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ إيمَانٌ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ كَمَا لَوْ عَرَضَ لَهُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ أَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ حِينٍ أَفَادَهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) خَرَجَ بِهِ الْكَافِرُ إذَا تَلَفَّظَ بِمُكَفِّرٍ، فَلَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُرْتَدِّ نَعَمْ قَدْ يُقْتَلُ الْكَافِرُ، وَلَوْ امْرَأَةً إذَا أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ هُوَ تَصْدِيقٌ إلَخْ) مَعْنَى التَّصْدِيقِ قَبُولُ الْقَلْبِ، وَإِذْعَانُهُ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِحَيْثُ تَعْلَمُهُ الْعَامَّةُ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ كَالْوَحْدَانِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا. اهـ. ح عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ هُوَ فَقَطْ) أَيْ وَهَلْ الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ فَقَطْ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ) قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورٌ عَنْ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ الْخَوَارِجُ: هُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ الطَّاعَةِ، وَلِذَا كَفَّرُوا بِالذَّنْبِ لِانْتِفَاءِ جَزْءِ الْمَاهِيَّةِ وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ فَإِنْ طَابَقَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ نَاجٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ. اهـ. ح قُلْت: وَقَدْ حَقَّقَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ مِنْ عَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ شَرْطٌ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ شَطْرٌ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَكُونُ بِدُونِهِ مُؤْمِنًا لَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُدْرِكَ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ

ص: 221

لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ فَهُوَ كُفْرُ عِنَادٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْفَتْحِ مَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ.

ــ

[رد المحتار]

فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَيَكْفِيهِ التَّصْدِيقُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَخَلْفَهُ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْعُشُورِ، وَالزَّكَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِقْرَارَ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ، وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِإِتْمَامِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّكَلُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ) أَيْ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ: وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُصَدِّقَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ بِهِ فَهُوَ أَيْ كَفُّهُ عَنْ الْإِقْرَارِ كُفْرُ عِنَادٍ، وَهَذَا مَا قَالُوا إنَّ تَرْكَ الْعِنَادِ شَرْطٌ وَفَسَّرُوهُ بِهِ أَيْ فَسَّرُوا تَرْكَ الْعِنَادِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِالْإِقْرَارِ أَتَى بِهِ اهـ بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ خَالِي الذِّهْنِ، أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ لَا يَأْتِي بِهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ مَا طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَهَلْ يَكْفِي نَظَرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ لَا يَكْفِي نَظَرًا لِاشْتِرَاطِهِمْ الِاعْتِقَادَ السَّابِقَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. ح.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِرَاطِ الْمَذْكُورِ نَفْيُ اعْتِقَادِ عَدَمِهِ أَيْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ لَا يُقِرُّ، وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا يُفِيدُهُ وَنَصُّهُ: ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ قَادِرًا، وَتَرَكَ التَّكَلُّمَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِبَاءِ إذْ الْعَاجِزُ كَالْأَخْرَسِ مُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَالْمُصِرُّ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَافِرٌ وِفَاقًا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَلِهَذَا أَطْبَقُوا عَلَى كُفْرِ أَبِي طَالِبٍ فَظَهَرَ أَنَّ خَالِي الذِّهْنِ لَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مُؤْمِنٌ لِعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَهَا لَيْسَ مُؤْمِنًا فَلَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَهَا كَانَ ذَلِكَ إيمَانًا مُسْتَأْنَفًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ مَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ) أَيْ تَكَلَّمَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً لَكِنَّهُ زَائِلٌ حُكْمًا لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ بَعْضَ الْمَعَاصِي أَمَارَةً عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِ كَالْهَزْلِ الْمَذْكُورِ، وَكَمَا لَوْ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ وَضَعَ مُصْحَفًا فِي قَاذُورَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّكْذِيبِ، كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِلِاسْتِخْفَافِ، فَإِنَّ فِعْلَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ وَاسْتِهَانَةٌ بِالدِّينِ فَهُوَ أَمَارَةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ضُمَّ إلَى التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، أَوْ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ أُمُورٌ الْإِخْلَالُ بِهَا إخْلَالٌ بِالْإِيمَانِ اتِّفَاقًا، كَتَرْكِ السُّجُودِ لِصَنَمٍ، وَقَتْلِ نَبِيٍّ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَبِالْمُصْحَفِ وَالْكَعْبَةِ.

وَكَذَا مُخَالَفَةُ أَوْ إنْكَارُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ مَفْقُودٌ، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ عَدَمَ الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَحَدُ أَجْزَاءِ مَفْهُومِ الْإِيمَانِ فَهُوَ حِينَئِذٍ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ وَعَدَمُ الْإِخْلَالِ بِمَا ذُكِرَ بِدَلِيلِ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ، تَكُونُ مَعَ تَحَقُّقِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ، ثُمَّ قَالَ وَلِاعْتِبَارِ التَّعْظِيمِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِخْفَافِ كَفَرَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَأَفْعَالٍ تَصْدُرُ مِنْ الْمُنْتَهِكِينَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ كَالصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ عَمْدًا بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ اسْتِخْفَافًا بِهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ فَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زِيَادَةً أَوْ اسْتِقْبَاحُهَا كَمَنْ اسْتَقْبَحَ مِنْ آخَرَ جَعْلَ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ حَلْقِهِ أَوْ إحْفَاءَ شَارِبِهِ اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ دَلِيلَ الِاسْتِخْفَافِ يَكْفُرُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُ لَوْ تُوُقِّفَ عَلَى قَصْدِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَا مَرَّ لِأَنَّ قَصْدَ الِاسْتِخْفَافِ مُنَافٍ لِلتَّصْدِيقِ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ) أَيْ كَكُفْرِ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنَادًا وَمُخَالَفَةً فَإِنَّهُ أَمَارَةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَإِنْ قُلْنَا

ص: 222

وَالْكُفْرُ لُغَةً: السِّتْرُ. وَشَرْعًا: تَكْذِيبُهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَأَلْفَاظُهُ تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى، بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْكُفْرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِيمَا اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا..

ــ

[رد المحتار]

إنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ رُكْنًا (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ لُغَةً السِّتْرُ) وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَلَّاحُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ سَتَرَ مَا وَجَبَ إظْهَارُهُ.

(قَوْلُهُ تَكْذِيبُهُ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) الْمُرَادُ بِالتَّكْذِيبِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الَّذِي مَرَّ أَيْ عَدَمُ الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ، لِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ صلى الله عليه وسلم ضَرُورَةً، أَيْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي كَذَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِسْبَةِ الْكَذِبِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الْكُفْرِ بِجَحْدِ الضَّرُورِيِّ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا ثُبُوتُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا، بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْتِخْفَافًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّ مَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ أَوْ يُوجِبُ التَّكْذِيبَ، فَهُوَ كُفْرٌ فَمَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ كُلُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَتْلِ نَبِيٍّ إذْ الِاسْتِخْفَافُ فِيهِ أَظْهَرُ وَمَا يُوجِبُ التَّكْذِيبَ جَحْدُ كُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ادِّعَاؤُهُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الضَّرُورَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْإِكْفَارَ بِجَحْدِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْرِطُوا سِوَى الْقَطْعِ فِي الثُّبُوتِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذْ عَلِمَ الْمُنْكِرُ ثُبُوتَهُ قَطْعًا لِأَنَّ مَنَاطَ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ أَوْ الِاسْتِخْفَافُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَلِكَ فَيَلِجُّ اهـ مَطْلَبٌ فِي مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ، أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ تَارَةً يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا فَالْأَوَّلُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. اهـ.

ثُمَّ نَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ رِسَالَةِ الْفَاضِلِ الشَّهِيرِ حُسَامِ جَلْبِي مِنْ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ السُّلْطَانِ سَلِيمِ بْنِ بَايَزِيدْخَانْ مَا نَصُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ أَوْ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ مُتَوَاتِرًا، أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَ الْجَمِيعِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَكُونُ الْجُحُودُ كُفْرًا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَاحْفَظْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي اسْتِخْرَاجِ فُرُوعِهِ حَتَّى تَعْرِفَ مِنْهُ صِحَّةَ مَا قِيلَ، إنَّهُ يَلْزَمُ الْكُفْرُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَلَا يَلْزَمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَمَالِ الْغَيْرِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ التَّفْصِيلُ فِي الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي حَقِّهِ أَنَّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا كَفَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَكْفُرُ إذَا قَالَ الْخَمْرُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ) مِنْ أَحْسَنِ مَا أُلِّفَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ نُورِ الْعَيْنِ، وَهُوَ تَأْلِيفٌ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ الْإِعْلَامِ فِي قَوَاطِعِ الْإِسْلَامِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمُكَفِّرَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَقَّقَ فِيهِ الْمَقَامَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ جُمْلَةً مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ.

مَطْلَبٌ مَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا

ص: 223

(وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ) وَالصَّحْوُ (وَالطَّوْعُ) فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ مَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ وَمُوَسْوِسٍ، وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَسَكْرَانَ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالذُّكُورَةُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ بَدَائِعُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

[رد المحتار]

لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ. أَقُولُ: قَدَّمْت هَذَا لِيَصِيرَ مِيزَانًا فِيمَا نَقَلْته فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا إنَّهُ كُفْرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ ح وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ اهـ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ فِيهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ بِاخْتِصَارٍ

(قَوْلُهُ وَالطَّوْعُ) أَيْ الِاخْتِيَارُ احْتِرَازًا عَنْ الْإِكْرَاهِ وَدَخَلَ فِيهِ الْهَازِلُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَخِفًّا لِتَعَمُّدِهِ التَّلَفُّظَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا أَطْلَقَ الرَّجُلُ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَمْدًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِالضَّمِيرِ وَلَمْ يَعْقِدْ الضَّمِيرَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِدِينِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لِلْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَامِدًا عَالِمًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعْتُوهٍ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى السِّرَاجِ، وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَتَصِحُّ الْعِبَادَاتُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَجْنُونِ وَقِيلَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ. اهـ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ تَأَمَّلْ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَأَمَّا رِدَّةُ الْمَعْتُوهِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا هُوَ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُوَسْوِسٍ) بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ تُلْقَى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَعَنْ اللَّيْثِ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ قَالَ: يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إذَا تَكَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ نِظَامٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ) قُدِّرَ عَقْلُهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَسَكْرَانُ) أَيْ وَلَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ لِمَا فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْمُرَادُ الْإِكْرَاهُ بِمُلْجِئٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ) هَذَا فِي الذُّكُورَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا فِي الْبُلُوغِ فَعِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي

ص: 224

فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ

(مَنْ ارْتَدَّ عَرَضَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ اسْتِحْبَابًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ (وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ (وَيُحْبَسُ) وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا خَانِيَّةٌ (إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ وَإِلَّا قَتَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ بَدَائِعُ وَكَذَا؛ لَوْ ارْتَدَّ ثَانِيًا لَكِنَّهُ يُضْرَبُ، وَفِي الثَّالِثَةِ يُحْبَسُ أَيْضًا حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، فَإِنْ عَادَ فَكَذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ

ــ

[رد المحتار]

آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. اهـ. ح. قُلْت: وَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَيْ إنْ تَابَ سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ

. (قَوْلُهُ مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَالدَّعْوَةُ فَاعِلٌ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْعَرْضِ الْإِسْلَامُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ ثَمَرَةُ التَّأْجِيلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ لَهُ غَالِبًا مِنْ شُبْهَةٍ فَتُكْشَفُ لَهُ إنْ أَبْدَاهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ نَدْبًا) أَيْ وَإِنْ اسْتَمْهَلَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بِدُونِ اسْتِمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ بَعْدَ الْعَرْضِ لِلتَّفَكُّرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قَتَلَهُ) أَيْ بَعْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَكَشْفِ شُبْهَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ، وَهَلْ هُوَ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُضْرَبُ إلَخْ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَرَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْفَتْحِ: فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَجَّلُ، فَإِنْ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدُّ ثُمَّ يَحْبِسُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ خُشُوعَ التَّوْبَةِ وَحَالَ الْمُخْلِصِ فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَرُجُوعُهُ اهـ وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى - {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [التوبة: 5]- الْآيَةُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا يُقْتَلُ غِيلَةً، وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَنْتَظِرَ فَإِذَا أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ اهـ بِاخْتِصَارٍ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُمْهِلَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ يُؤَجَّلُ وَلَا يُحْبَسُ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ بَلْ يُقْتَلُ إلَّا إنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ يُقْتَلُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ مِثْلُ الزِّنْدِيقِ (قَوْلُهُ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ) وَنَصُّهُ: وَحُكِيَ أَنَّهُ كَانَ بِبَغْدَادَ نَصْرَانِيَّانِ مُرْتَدَّانِ إذَا أُخِذَا تَابَا وَإِذَا تُرِكَا عَادَا إلَى الرِّدَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ يُقْتَلَانِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَلْخِيّ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْمَارَّةِ عَنْ الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى

ص: 225

مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ مَا يُفِيدُ قَتْلَهُ بِلَا تَوْبَةٍ فَتَنَبَّهْ (فَإِنْ أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا قُتِلَ) لِحَدِيثِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ) سِوَى الْإِسْلَامِ (أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ؛ وَلَوْ أَتَى بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّأْ بَزَّازِيَّةٌ

(وَكُرِهَ) تَنْزِيهًا لِمَا مَرَّ (قَتْلُهُ قَبْلَ الْعَرْضِ بِلَا ضَمَانٍ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلدَّمِ، قُيِّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْكُفَّارَ أَصْنَافٌ خَمْسَةٌ: مَنْ يُنْكِرُ الصَّانِعَ كَالدَّهْرِيَّةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْوَحْدَانِيَّةَ كَالثَّنَوِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهِمَا لَكِنْ يُنْكِرُ بَعْثَةَ الرُّسُلِ كَالْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْكُلَّ كَالْوَثَنِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالْكُلِّ لَكِنْ يُنْكِرُ عُمُومَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم

ــ

[رد المحتار]

فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِلَا تَوْبَةٍ) أَيْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا فَيُقْتَلُ وَإِنْ تَضَمَّنَ قَتْلُهُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأُطْلِقَ فَشَمَلَ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ، لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا اسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا يُقْتَلُونَ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا زَيْلَعِيٌّ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ عَدَمُ اعْتِمَادِهِ، لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ، وَهُوَ مُفَادُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ إنْكَارَهُ الرِّدَّةَ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ. وَقَدْ يُوَفَّقُ بِحَمْلِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ عَلَى الْإِسْلَامِ الْمُنَجِّي فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقَتْلِ. وَمَا فِي الشُّرُوحِ مِنْ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ النَّافِعِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ) أَيْ بِدُونِ التَّبَرِّي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ التَّبَرِّي أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ التَّبَرِّي وَإِنْ لَمْ يَنْتَحِلْ دِينًا آخَرَ بِأَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ كَلِمَةِ رِدَّةٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي فِيمَنْ انْتَحَلَ دِينًا آخَرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَيَكْفِيهِ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْلِصًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ فِي إسْلَامِ الْعِيسَوِيَّةِ

. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ مُسْتَحَبٌّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِسْلَامُهُ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِي إسْلَامِهِمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ) أَيْ بِكُفْرٍ أَصْلِيٍّ وَالْمُرْتَدُّ كُفْرُهُ عَارِضٌ (قَوْلُهُ كَالدُّهْرِيَّةِ) بِضَمِّ الدَّالِ نِسْبَةً إلَى الدَّهْرِ بِفَتْحِهَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ - {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]- (قَوْلُهُ كَالثَّنَوِيَّةِ) وَهُمْ الْمَجُوسُ الْقَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ أَوْ كَالْمَجُوسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا نَقْلًا عَنْ الْآمِدِيِّ مَعَ مُشَارَكَةِ الْكُلِّ فِي اعْتِقَادِ أَنَّ أَصْلَ الْعَالَمِ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ: أَيْ النُّورُ الْمُسَمَّى يَزْدَانُ، وَشَأْنُهُ خَلْقُ الْخَيْرِ. وَالظُّلْمَةُ الْمُسَمَّاةُ أَهْرَمَنْ وَشَأْنُهَا خَلْقُ الشَّرِّ (قَوْلُهُ كَالْفَلَاسِفَةِ) أَيْ قَوْمٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَإِلَّا فَجُمْهُورُ الْفَلَاسِفَةِ يُثْبِتُونَ الرُّسُلَ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ لِقَوْلِهِمْ بِالْإِيجَابِ اهـ ح أَيْ بِاللُّزُومِ وَالتَّوْلِيدِ لَا بِالِاخْتِيَارِ لِإِنْكَارِهِمْ كَوْنَهُ تَعَالَى مُخْتَارًا، وَيُنْكِرُونَ كَوْنَهَا بِنُزُولِ الْمَلَكِ مِنْ السَّمَاءِ وَكَثِيرًا مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مَجِيءُ الْأَنْبِيَاءِ كَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوا الرُّسُلَ لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ فَصَارَ إثْبَاتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْوَثَنِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْوَثَنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ تَعَالَى كَمَا لَا يَخْفَى.

قَالَ فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى - {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]-

ص: 226

كَالْعِيسَوِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ بَدَائِعُ وَآخِرُ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ،

ــ

[رد المحتار]

وَلَكِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى - {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]- اهـ وَهَذَا زَادَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ أَدْخَلَهُ فِي الثَّنَوِيَّةِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْبُودًا ثَانِيًا وَهُوَ أَصْنَامُهُمْ فَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالْمَجُوسِ وَحُكْمُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدٌ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْيَهُودِيِّ ح. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عُمُومَ رِسَالَةِ رَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ النَّصَارَى بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ أَصْلًا، فَإِذَا أَقَرُّوا بِهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ إيمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ اهـ أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْ الْإِيمَانِ بِإِحْدَاهُمَا الْإِيمَانُ بِالْأُخْرَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّنَوِيَّةَ يُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ فَهُمْ كَالْوَثَنِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْكُلِّ بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَقَالَ: إنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ وَالْمُشْرِكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمُنْكِرَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالثَّنَوِيَّةِ إذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْنَا أَوْ آمَنَّا بِاَللَّهِ اهـ وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَقَرَّ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَكْتَفِي الثَّنَوِيُّ وَالْوَثَنِيُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ تَبَرِّي فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ) فَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الرِّسَالَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الْإِيمَانِ بَدَائِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالثَّانِيَةِ يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا) عَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَزَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ لِأَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ لَا يَدَّعُونَ هَذَا الْوَصْفَ لِأَنْفُسِهِمْ بَلْ يَبْرَءُونَ عَلَى قَصْدِ الْمُغَايَظَةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الرَّابِعَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا فَافْهَمْ. مَبْحَثٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّبَرِّي مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي إلَخْ) ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ، أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا لِثُبُوتِ الْإِيمَانِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ عُمُومَ الرِّسَالَةِ وَتَشَهَّدَ فَقَطْ كَانَ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ مَعَ ذَلِكَ وَيُقِرُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَدَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَدَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا قَالَ دَخَلْت.

ص: 227

وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي مِنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَابْنِ نُجَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي رَهْنِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ صِحَّتُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلَا تَبَرِّي،

ــ

[رد المحتار]

فِي الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دُخُولٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. قُلْت: اشْتِرَاطُ قَوْلِهِ وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دَيْنَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ مَعَ صِيغَةِ التَّبَرِّي الَّتِي ذَكَرَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَرَّحَ بِتَعْمِيمِ الرِّسَالَةِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يَكْفِي عَنْ التَّبَرِّي أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا، وَقَوْلُهُ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ الْحَاضِرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا اكْتَفَى عليه الصلاة والسلام بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَنِهِ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِرِسَالَتِهِ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِيسَوِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُقِرُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ (قَوْلِهِ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ، بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ، فَقَالَ: وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَفْسَرَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْهُمْ إنْ جُهِلَ حَالُهُ اهـ أَيْ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ عِيسَوِيٌّ يَعْتَقِدُ تَخْصِيصَ الرِّسَالَةِ بِغَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ إلَّا بِالتَّبَرِّي، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُنْكِرُهَا مُطْلَقًا اكْتَفَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْجِهَادِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَكَانَ إسْلَامُهُمْ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ رِسَالَتَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ دِينِي وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ لِلسَّرَخْسِيِّ: وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهْرَانِي الْمُسْلِمِينَ إذَا أَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ هَذَا لَيْسَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَلَا يَهُودِيٍّ عِنْدَنَا نَسْأَلُهُ إلَّا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، فَإِذَا اسْتَفْسَرْتَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بِهَذَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَدَّعِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَالْمُسْلِمُ هُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ، وَكَّلَ ذِي دِينٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْحَقِّ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ إلَّا الْمَجُوسَ فِي دِيَارِنَا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَنَا مُسْلِمٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَسُبُّونَ بِهِ أَوْلَادَهُمْ وَيَقُولُونَ يَا مُسْلِمَانِ اهـ.

قُلْت: وَمَا عَزَاهُ إلَى شَيْخِهِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْحَلْوَانِيَّ جَزَمَ بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا فِي الْوَثَنِيِّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ الْحَنِيفِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ كَذَلِكَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ قَوْلِ أَنَا مُسْلِمٌ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ أَمْرٍ يَقُولُ إنْ فَعَلْته أَكُونُ مُسْلِمًا.

ص: 228

لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُقْتَلُ إنْ رَجَعَ مَا لَمْ يَعُدْ.

(وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ

ــ

[رد المحتار]

فَإِذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ طَائِعًا فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ فِيمَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَبِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَكَذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ فَإِذَا أَتَى بِهِمَا طَائِعًا يَجِبُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ فَوْقَ السِّيمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا اشْتَرَطَ التَّبَرِّي بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ مِنْ إقْرَارِهِمْ بِالرِّسَالَةِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنْكَارِهَا فَإِذَا أَنْكَرُوهَا فِي زَمَانِنَا وَامْتَنَعُوا مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِلْعُدُولِ عَنْهُ. عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا حَكَمَ عَلَى مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ لَا مُطْلَقًا كَمَا يُوهِمُهُ مَا فِي الدُّرَرِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَامِرِيٍّ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ.

فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي اعْتِقَادِهِ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِالْعَرَبِ وَهَذَا لَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَنْ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ أَصْلًا، وَبَعْضُ مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ جَعَلَهُمْ فِرْقَةً وَاحِدَةً فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ حَتَّى حَكَمَ فِي نَصْرَانِيٍّ مُنْكِرٍ لِلرِّسَالَةِ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِبَقَائِهِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّأْ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ جَهِلَ يَسْتَفْسِرُ عَنْهُ، وَإِنْ عَلِمَ كَمَا فِي زَمَانِنَا، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَهَذَا وَجْهُ مَا يَأْتِي عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِ صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ إلَخْ) أَفَادَ بِقَوْلِهِ صَارَ إلَى أَنَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ تَغَيَّرَ لِأَنَّهُمْ فِي زَمَنِهِ مَا كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ النُّطْقِ بِهَا فَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةَ الْإِسْلَامِ فَلِذَا شُرِطَ مَعَهَا التَّبَرِّي. أَمَّا فِي زَمَنِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ صَارَتْ عَلَامَةَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا الْمُسْلِمُ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا وَلِذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِهَادِ كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي دِيَارِ مِصْرَ بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهَا الشَّهَادَتَانِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِالْعِرَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ أَفْتَى أَحْمَدُ بْنُ كَمَالٍ بَاشَا.

وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي دَامَادْ: وَأَفْتَى الْبَعْضُ فِي دِيَارِنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ فَلْيُحْفَظْ اهـ وَقَدْ أَسْمَعْنَاك آنِفًا مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. مَطْلَبٌ الْإِسْلَامُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ [خَاتِمَةٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ لَا الصَّلَاةُ وَحْدَهُ وَمُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ بَحْرٌ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ نَظْمًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الْمُنَجِّيَةُ فِي الْآخِرَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ

(قَوْلُهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْقَتْلِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ كَلَامِهِ لِلتَّبَاعُدِ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مُعَامَلَتَهُ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَمِلْكُهَا لِنَفْسِهَا، بِدَلِيلِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ مُبَاحَةٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ خَطَأً بِلَا قَصْدٍ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ فِيمَا

ص: 229

أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ، وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (رِوَايَةً ضَعِيفَةً) كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الصُّغْرَى. وَفِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُهُ، ثُمَّ لَوْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْهُ حَمْلُ الْمُفْتِي عَلَى خِلَافِهِ، وَيَنْبَغِي التَّعَوُّذُ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً فَإِنَّهُ سَبَبُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ بِوَعْدِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» .

وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ دُرَرٌ.

ــ

[رد المحتار]

بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ نَقْلًا فَإِنِّي لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ، نَعَمْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مَا يَكُونُ كُفْرًا اتِّفَاقًا يُبْطِلُ الْعَمَلَ وَالنِّكَاحَ، وَمَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ احْتِيَاطٌ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِشَتْمِ دِينِ مُسْلِمٍ: أَيْ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ. ثُمَّ رَأَيْته فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّأْوِيلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَخْلَاقُهُ الرَّدِيئَةُ وَمُعَامَلَتُهُ الْقَبِيحَةُ لَا حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفُرَ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ الْبَحْثُ الَّذِي قُلْنَاهُ.

وَأَمَّا أَمْرُهُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَا شَكَّ فِيهِ احْتِيَاطًا خُصُوصًا فِي حَقِّ الْهَمَجِ الْأَرْذَالِ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا. وَقَدْ سُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّنْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ ارْضَ بِالشَّرْعِ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ فَأَفْتَى مُفْتٍ بِأَنَّهُ كَفَرَ وَبَانَتْ زَوْجَتُهُ فَهَلْ يَثْبُتُ كُفْرُهُ بِذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَى آخِرِ مَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ قَبْلَهُ فِي مِثْلِهِ بِوُجُوبِ تَعْزِيرِهِ وَعُقُوبَتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ وَلَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ) قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا (قَوْلُهُ وُجُوهٌ) أَيْ احْتِمَالَاتٌ لِمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمِلِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ الْكُفْرَ بِأَنْ أَرَادَ الْوَجْهَ الْمُكَفِّرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُ الْمُفْتِي لِكَلَامِهِ وَحَمْلِهِ إيَّاهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَكْفُرُ، كَمَا لَوْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ وَحَمَلَ الْمُفْتِي الدِّينَ عَلَى الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ لِنَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا نَوَاهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي التَّعَوُّذُ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) تَدْخُلُ أَوْرَادُ الصَّبَاحِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَالْمَسَاءِ مِنْ الزَّوَالِ، هَذَا فِيمَا عَبَّرَ فِيهِ بِهِمَا.

وَأَمَّا إذَا عَبَّرَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَيُعْتَبَرَانِ تَحْدِيدًا مِنْ أَوَّلِهِمَا، فَلَوْ قَدَّمَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِيهِمَا عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْمَوْعُودُ بِهِ، أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ ط. قُلْت: وَلَمْ أَرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرَ صَبَاحًا وَمَسَاءً بَلْ فِيهِ ذِكْرُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ «أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ عَنْكَ صِغَارَ الشِّرْكِ وَكِبَارَهُ، تَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ» " وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّقِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» ".

مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ (قَوْلُهُ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ) هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ضِدُّ الرَّجَاءِ وَقَطْعِ الطَّمَعِ عَنْ الْحَيَاةِ وَعَلَّلَ

ص: 230