الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنْ
…
فِي الدَّارِ مُدَّةً مَضَتْ مِنْ الزَّمَنْ
فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَهْ
…
بِأُجْرَةِ السُّكْنَى وَلَا الْمُطَالَبَهْ
بِأَنَّهُ يَسْكُنُ مِنْ الْأَوَّلِ
…
لَكِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
يَطْلُبُ أَنْ يُهَايِئَ الشَّرِيكَا
…
يُجَابُ فَافْهَمْ وَدَعِ التَّشْكِيكَا
كِتَابُ الْوَقْفِ
مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ، غَيْرَ أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهَا لَا فِيهِ. (هُوَ) لُغَةً الْحَبْسُ. وَشَرْعًا (حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ،
ــ
[رد المحتار]
الْمَأْمُورُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلَ الْبَابِ قُبَيْلَ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: بِأُجْرَةِ السُّكْنَى) أَيْ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّهُ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ يَلْزَمُهُ أَجْرُ شَرِيكِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا تَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلَا الْمُهَايَأَةُ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ هُوَ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ: حَبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْقِفُ لِحَبْسٍ النَّاسِ فِيهِ لِلْحِسَابِ، وَأَوْقَفْت لُغَةٌ رَدِيئَةٌ حَتَّى ادَّعَى الْمَازِنِيُّ أَنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَوْقَفْت إلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَوْقَفْت عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ، ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْمَوْقُوفِ فَقِيلَ هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلِذَا جُمِعَ عَلَى أَوْقَافٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَفِي وَقْفِ الْمُنْيَةِ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ) هَذَا فِي الشَّرِكَةِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَمَا فِي النَّهْرِ أَوْضَحُ، حَيْثُ قَالَ: مُنَاسَبَتُهُ بِالشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَفِي الْوَقْفِ يَخْرُجُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ) قَدْرُ لَفْظِ حُكْمٍ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ والشُّرُنبُلالِيَّة لِيَكُونَ تَعْرِيفًا لِلْوَقْفِ اللَّازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً عِنْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَشَرْعًا عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً عَلَى مِلْكِ الْوَقْفِ، فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمُلْكٌ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَرَّفَ الْوَقْفَ الْمُخْتَلَفَ وَالشَّارِحُ قَدَّرَ الْحُكْمَ اخْتِيَارًا لِلَازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ جِهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا لَكِنَّ جِهَةَ الشَّارِحِ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ غَيْرِ اللَّازِمِ إذْ لَا حَبْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ مَحْبُوسٌ حَقِيقَةً، وَكَثِيرًا مَا تَخْفَى رُمُوزُ هَذَا الشَّرْحِ الْفَاضِلِ عَلَى النَّاظِرِينَ خُصُوصًا مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ،
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ (عِنْدَهُ) جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُهَا عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[رد المحتار]
لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، أَمَّا لَوْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ اهـ وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ صَارَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا وَاسْتَغْنَى عَمَّا زَادَهُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صَرَفَ مَنْفَعَتَهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَقَالَ إنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ بِشَرْطِ التَّأْبِيدِ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قِيلَ انْقِرَاضُ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا تَصَدُّقٍ اهـ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْغَنِيِّ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْغَنِيِّ نَوْعُ قُرْبَةٍ دُونَ قُرْبَةِ الْفَقِيرِ. اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقُرْبَةِ لَوْ كَفَى فِي الْوَقْفِ لَصَحَّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلِمْت تَصْرِيحَ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ. قُلْت: وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَلَكِنَّهُ إذَا جُعِلَ أَوَّلُهُ عَلَى مُعَيَّنِينَ صَارَ كَأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ يُعْطَى النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ صَارَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا، فَقَدْ ابْتَدَأَهُ بِالصَّدَقَةِ وَخَتَمَهُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ ابْتِدَاءً، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ صَرْفِهِ لِمُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ؛ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ جَوَازٌ لَا إعَارَةٌ، فَتُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُورَثُ عَنْهُ. وَلَا يُلْزَم إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ سَتَأْتِي. اهـ. ط مُلَخَّصًا.
وَبَحَثَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَفْظُ حَبَسَ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مَتَى شَاءَ فَلَمْ يُحْدِثْ الْوَقْفَ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ صَحِيحٌ. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ سَلْبَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَيَحِلُّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيُثَابَ الْوَاقِفُ بِهِ، وَيُتْبَعُ شَرْطُهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ. وَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهِ. اهـ.
قُلْت: بَلْ ذُكِرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ عِنْدَهُ يَكُونُ نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِهِ، فَلَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ جَازَ لَازِمًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ اهـ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهِ (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى) قَدَّرَ لَفْظَ حُكْمٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، بَلْ صَارَ عَلَى حُكْمِ
وَصَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) وَلَوْ غَنِيًّا فَيَلْزَمُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ الشِّحْنَةِ
(وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ) فِي الدُّنْيَا بِبِرِّ الْأَحْبَابِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ
وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ
ــ
[رد المحتار]
مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَاسْتَحْسَنَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ، لَكِنْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَحَقَّقَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَمْلُوكِ عَنْ التَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْحَبْسَ يُفِيدُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ وَأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ (قَوْلُهُ: وَصَرْفُ مَنْفَعَتَهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) عَبَّرَ بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالصِّدْقُ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، وَإِلَى التَّعْمِيمِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَنِيًّا أَفَادَهُ ح، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَا يَجُوزُ؛ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ التَّعْرِيفُ مِنْ خُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لِثُبُوتِ التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ تَرَجُّحُ قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا تَرَجَّحَ خِلَافُ قَوْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ بِبِرِّ الْأَحْبَابِ) أَيْ مَنْ يُحِبُّ بِرَّهُمْ وَنَفْعَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ فَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ) قُيِّدَ لِلثَّوَابِ؛ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِهَا) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالثَّوَابِ بِهَا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ هُنَا لِصِحَّةِ التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ إلَخْ) يَعْنِي قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّعَبُّدِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ أَصْلًا بَلْ التَّقَرُّبُ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، فَهُوَ بِدُونِهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، لَكِنَّ الْعِتْقَ أَنْفَذُ مِنْهُ حَتَّى صَحَّ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا كَالْعِتْقِ لِلصَّنَمِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي صُورَةِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ؛ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ قُرْبَةً حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا) خَلَطَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَأَمَّا النَّذْرُ بِهِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالثَّالِثُ الْمَنْذُورُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَقَدِمَ فَهُوَ نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ جَازَ فِي الْحُكْمِ وَنَذْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ سَقَطَ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ هَذَا: التَّاسِعُ لَوْ قَالَ: هِيَ لِلسَّبِيلِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا مُؤَبَّدًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا سُئِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَقْفَ صَارَ وَقْفًا لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ، أَوْ قَالَ أَرَدْت مَعْنَى صَدَقَةٍ فَهُوَ نَذْرٌ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَتْ مِيرَاثًا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ. اهـ. ح.
قُلْت: صِيغَةُ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ فَلْيَكُنْ الشَّارِحُ أَشَارَ إلَى صِيغَةٍ غَيْرِهَا تَشْمَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَأَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الدَّارَ لِلسَّبِيلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالسَّبِيلِ الصَّدَقَةَ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ أَوْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَانَتْ وَقْفًا وَقَدْ أَفَادَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ وَقَفَهَا إلَخْ