الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَارَ تَبَعًا لَهُمْ فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ الْمُقَوِّمَةُ لَا الْمُؤَثِّمَةُ، فَلِذَا يُكَفِّرُ فِي الْخَطَأِ (كَقَتْلِ مُسْلِمٍ) أَسِيرًا أَوْ (مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) وَلَوْ وَرَثَتُهُ مُسْلِمُونَ ثَمَّةَ فَيُكَفِّرُ فِي الْخَطَإِ فَقَطْ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا.
فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ
لَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فِينَا سَنَةً لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا (وَقِيلَ لَهُ) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (إنْ أَقْمَتْ سَنَةً) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ تَوْقِيتِ مَا دُونَهُ كَشَهْرٍ وَشَهْرَيْنِ دُرَرٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا فَتْحٌ (وَضَعْنَا عَلَيْك الْجِزْيَةَ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً) بَعْدَ قَوْلِهِ (فَهُوَ ذِمِّيٌّ) ظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا، فَلَوْ أَقَامَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ قَبْلَ الْقَوْلِ فَلَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ وَقِيلَ نَعَمْ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ
ــ
[رد المحتار]
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ حَتَّى صَارَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ كَعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَأَصْلِهِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ: أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ فَكَذَا هَذَا لِبُطْلَانِ الْإِحْرَازِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِنَا بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمْ فِي دَارِهِمْ وَأَمَّا الْمُسْتَأْمِنُ فَغَيْرُ مَقْهُورٍ لِإِمْكَانِ خُرُوجِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ الْمُقَوِّمَةُ) هِيَ مَا تُوجِبُ الْمَالَ أَوْ الْقِصَاصَ عِنْدَ التَّعَرُّضِ وَالْمُؤَثِّمَةُ مَا تُوجِبُ الْإِثْمَ، وَالْأُولَى تَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَعِصْمَةِ الْمَالِ لَا بِالْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ مَعَ كُفْرِهِ يَتَقَوَّمُ بِالْإِحْرَازِ وَالثَّانِيَةُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِصْمَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ وَلَا يُبَاحُ قَتْلُهُ إلَّا بِعَارِضٍ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ أَسِيرًا) أَفَادَ أَنَّ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَسِيرَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَقْتُولِ أَسِيرًا لِأَنَّ الْمَنَاطَ كَوْنُ الْمَقْتُولِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ كَمَا عَلِمْت سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مِثْلَهُ أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَسِيرُ مُسْتَأْمَنًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَتْلِ أَحَدِ الْمُسْتَأْمَنِينَ صَاحِبَهُ كَمَا بَحَثَهُ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ وَرَثَتُهُ مُسْلِمُونَ ثَمَّةَ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ مُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُسْلِمُونَ فَهُوَ صِفَةٌ لِوَرَثَتِهِ وَخَبَرُ كَانَ قَوْلُهُ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. .
[فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ]
(قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ كَانَ وَمَا مَعَهُ فَيْئًا وَلَوْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ، فَلَوْ مَعَهُ كِتَابٌ بِعَلَامَةٍ تُعْرَفُ كَانَ آمِنًا وَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا يُؤْخَذُ، وَلَكِنْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤْذَى وَلَا يُخْرَجُ وَلَوْ قَالَ مُسْلِمٌ: أَنَا أَمَّنْتُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: إنْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ عِنْدَهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ. اهـ.
مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ قَبْلَ بَابِ الْمَغْنَمِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُؤْخَذُ - مِمَّا ذُكِرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهُوَ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَثِيرًا مِنْ سُفُنِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ الْأَنْهُرِ الَّتِي بِالسَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَيَقَعُ فِيهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُهُمْ اهـ أَيْ فَيَكُونُ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي كَوْنِهِ يُخَمَّسُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ إلَخْ) الْعَيْنُ هُوَ الْجَاسُوسُ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ، وَالْجَمْعُ أَعْوَانٌ عِنَايَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَادِي بِحُرْمَةِ تَمْكِينِهِ سَنَةً بِلَا شَرْطِ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إنْ هُوَ أَقَامَهَا تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ) أَيْ أَوْ نَائِبِهِ ط (قَوْلُهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقَلِّ لَا لِلْأَكْثَرِ فَلَا يَجُوزُ تَحْدِيدًا أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا يُمَكَّنُ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ نَعَمْ) أَيْ يَكُونُ ذِمِّيًّا وَالْأَوْلَى إبْدَالُ نَعَمْ بِلَا أَيْ لَا يَكُونُ شَرْطًا (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ)
(وَ) إذَا صَارَ ذِمِّيًّا (يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ) -
ــ
[رد المحتار]
قَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ لَهُ إنْ أَقَمْت طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ مِنْ الْعَوْدِ، وَفِي هَذَا اشْتِرَاطُ التَّقَدُّمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَلَا يُنَافِي تَصْرِيحَ الْعَتَّابِيِّ بِالِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ إلَخْ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِ السَّعْدِيَّةِ فَلَعَلَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فَافْهَمْ، وَعَلَيْهِ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَوْلِ أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ أَقَمْت حَوْلًا أَخَذْت مِنْك الْجِزْيَةَ فَتْحٌ. .
مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمُسْتَأْمِنِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا
(قَوْلُهُ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يَجْرِي الْقِصَاصُ إلَخْ) أَمَّا قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بَلْ الدِّيَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّيَرُ: الْأَصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نُصْرَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِنَا، فَكَانَ حُكْمُهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْتَأْمَنٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ بِقَتْلِ مِثْلِهِ، وَيَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا إذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ عُقُوبَةً لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْمُسْتَأْمَنِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَمْ يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَمَعَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْكِبَارِ، وَلَوْ إنَاثًا لِانْتِهَاءِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ، وَلَا يَصِيرُ الصَّغِيرُ تَبَعًا لِأَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ جَدِّهِ وَلَوْ الْأَبُ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إذْ لَوْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ الْأَدْنَى، لَصَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَعْلَى، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالرِّدَّةِ لِكُلِّ كَافِرٍ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَنُوحَ عليهما السلام، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَتْبَعُوهُ إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى دَارِنَا قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِمْ اهـ مُلَخَّصًا وَسَنَذْكُرُ عَنْهُ أَنَّ تَبَعِيَّةَ الصَّغِيرِ تَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ - مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا وَلَوْ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ تَجَسَّسَ أَخْبَارَنَا، فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ كُرْهًا أَوْ سَرَقَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا حُكْمُهُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ إلَّا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ، وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعُقُوبَاتِ غَيْرَ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَفِي أَخْذِ الْعَاشِرِ مِنْهُ الْعُشْرَ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ. مَطْلَبٌ مَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصَارَى زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يَجُوزُ
أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ مَالِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ مَالِهِمْ بِرِضَاهُمْ، وَلَوْ بِرِبًا أَوْ قِمَارٍ لِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ لَنَا إلَّا أَنَّ الْغَدْرَ حَرَامٌ، وَمَا أُخِذَ بِرِضَاهُمْ لَيْسَ غَدْرًا مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا لِأَنَّ دَارَنَا مَحَلُّ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ فِي دَارِنَا أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ الْعُقُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا وَإِنْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْجِزْيَةِ.
وَيَضْمَنُ الْمُسْلِمُ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَيَجِبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ مِنْ دَفْعِ مَا يُسَمَّى سَوْكَرَةً وَتَضْمِينِ الْحَرْبِيِّ مَا هَلَكَ فِي الْمَرْكَبِ
وَبِمَا قَرَرْنَاهُ يَظْهَرُ جَوَابُ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ التُّجَّارَ إذَا اسْتَأْجَرُوا مَرْكَبًا مِنْ حَرْبِيٍّ يَدْفَعُونَ لَهُ أُجْرَتَهُ، وَيَدْفَعُونَ أَيْضًا مَالًا مَعْلُومًا لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُقِيمٍ فِي بِلَادِهِ، يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ: سَوْكَرَةً عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي الْمَرْكَبِ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الرَّجُلُ ضَامِنٌ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَكِيلٌ عَنْهُ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا يُقِيمُ فِي بِلَادِ السَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَقْبِضُ مِنْ التُّجَّارِ مَالَ السَّوْكَرَةِ وَإِذَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنِ لِلتُّجَّارِ بَدَلَهُ تَمَامًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُ بَدَلِ الْهَالِكِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ هَذَا الْتِزَامٌ مَا لَا يَلْزَمُ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْمُودَعَ إذَا أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قُلْت لَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ فِي يَدِ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ بَلْ فِي يَدِ صَاحِبِ الْمَرْكَبِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السَّوْكَرَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمَرْكَبِ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرِكًا قَدْ أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْحِفْظِ، وَعَلَى الْحَمْلِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُودَعِ وَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْغَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ لِآخَرَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَ، وَأُخِذَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُكَ فَأَنَا ضَامِنٌ ضَمِنَ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَالِكَ بِأَنَّهُ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لَوْ حَصَلَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةَ لِلْمَغْرُورِ فَيُصَارُ كَقَوْلِ الطَّحَّانِ لِرَبِّ الْبُرِّ: اجْعَلْهُ فِي الدَّلْوِ فَجَعَلَهُ فِيهِ، فَذَهَبَ مِنْ النَّقْبِ إلَى الْمَاءِ، وَكَانَ الطَّحَّانُ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ؛ إذْ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ. اهـ. قُلْت: لَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَارُّ عَالِمًا بِالْخَطَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الطَّحَّانِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَغْرُورُ غَيْرَ عَالِمٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ رَبَّ الْبُرِّ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِنَقْبِ الدَّلْوِ يَكُونُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَفْظُ الْمَغْرُورِ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ لُغَةً لِمَا فِي الْقَامُوسِ غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ فَاغْتَرَّ هُوَ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ السَّوْكَرَةِ لَا يَقْصِدُ تَغْرِيرَ التُّجَّارِ، وَلَا يَعْلَمُ بِحُصُولِ الْغَرَقِ هَلْ يَكُونُ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْخَطَرُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَالْقُطَّاعِ فَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُ، وَلِلتُّجَّارِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ مَالَ السَّوْكَرَةِ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَمَعًا فِي أَخْذِ بَدَلِ الْهَالِكِ، فَلَمْ تَكُنْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا، نَعَمْ: قَدْ يَكُونُ لِلتَّاجِرِ شَرِيكٌ حَرْبِيٌّ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، فَيَعْقِدُ شَرِيكُهُ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ فِي بِلَادِهِمْ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ بَدَلَ الْهَالِكِ، وَيُرْسِلُهُ إلَى التَّاجِرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ جَرَى بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَالُهُمْ بِرِضَاهُمْ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّاجِرُ فِي بِلَادِهِمْ، فَيَعْقِدُ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَيَقْبِضُ الْبَدَلَ فِي بِلَادِنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى إنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا خِصَامٌ فِي بِلَادِنَا لَا تُقْضَى لِلتَّاجِرِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ خِصَامٌ وَدَفَعَ لَهُ الْبَدَلَ وَكِيلُهُ الْمُسْتَأْمَنُ هُنَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي صَدَرَ فِي بِلَادِهِمْ، لَا حُكْمَ لَهُ فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِرِضَاهُ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي بِلَادِنَا، وَالْقَبْضُ فِي بِلَادِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِرِضَا الْحَرْبِيِّ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ الصَّادِرِ
(وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ) فَتْحٌ. وَفِيهِ: لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْمِنُ فِي دَارِنَا وَوَرَثَتُهُ ثَمَّةَ وَقَفَ مَالِهِ لَهُمْ، وَيَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَبِكَفِيلٍ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ
(وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْحَوْلِ) وَلَوْ لِتِجَارَةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ كَمَا يُفِيدُ الْإِطْلَاقُ نَهْرٌ (مُنِعَ) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ، وَمُفَادُهُ مَنْعُ الذِّمِّيِّ أَيْضًا (كَمَا) يُمْنَعُ (لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ) بِأَنْ أُلْزِمَ بِهِ وَأُخِذَ مِنْهُ
ــ
[رد المحتار]
فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَيُعْتَبَرُ حُكْمُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَجَبَ لَهُ مَالَنَا فَإِذَا حَرُمَتْ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ بَلْ قَالُوا: إنَّ ظُلْمَ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَأْخُذُونَهُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي حَذْفَ النُّونِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَتُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَنْسَابَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْرِفُهَا الْمُسْلِمُونَ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَإِذَا قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ دَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا لِمَا يَظْهَرُ فِي الْمَآلِ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ بَلْ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُهُ أَيْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ لَا تُقْبَلُ فَكِتَابُهُ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ) أَيْ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُ الْإِمَامُ حَوْلًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ) كَذَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ خِيفَ عَدَمَ عَوْدِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ) لِكَوْنِهِ خَلْفًا عَنْ الْإِسْلَامِ بَحْرٌ، وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ اللَّحَاقُ بِدَارِهِمْ بِلَا رُجُوعٍ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ مَنْعُ الذِّمِّيِّ أَيْضًا) كَذَا فِي النَّهْرِ؛ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الذِّمِّيِّ فِي حَقِّهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ. قُلْت: وَالْمُرَادُ الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ اللَّحَاقِ بِهِمْ، وَإِذْ لَوْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ مَعَ أَمْنِ عَوْدِهِ عَادَةً لَا يُمْنَعُ كَالْمُسْلِمِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ أَرَادَ الدُّخُولَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ أَنْ يُدْخِلَ فَرَسًا مَعَهُ أَوْ سِلَاحًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِمْ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِتِجَارَةٍ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالسُّفُنِ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ لَكِنْ يُسْتَحْلَفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بَيْعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
(قَوْلُهُ كَمَا يُمْنَعُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ، فَوُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فِيهَا كَانَ ذِمِّيًّا اهـ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ، وَلَا يُتْرَكُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى دَارِهِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ ذِمِّيًّا وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ أُلْزِمَ بِهِ وَأُخِذَ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخْذِ اسْتِحْقَاقُ الْأَخْذِ مِنْهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ عَلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَخْذَ بِالْفِعْلِ بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لَرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمُرَادُ بِوَضْعِهِ إلْزَامُهُ بِهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ، وَهُوَ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ، وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتُهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ اهـ أَيْ بِأَنْ كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا أَيْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، فَإِنَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ.
أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ: وَهُوَ مَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، لَكِنْ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى
عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَخَرَاجِ الرَّأْسِ (أَوْ صَارَ لَهَا) أَيْ الْمُسْتَأْمَنَةِ الْكِتَابِيَّةِ (زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (لَا عَكْسُهُ) لِإِمْكَانِ طَلَاقِهَا، وَلَوْ نَكَحَهَا هُنَا فَطَالَبَتْهُ بِمَهْرِهَا فَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. فَلَوْ لَمْ يَفِ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ يَنْبَغِي صَيْرُورَتُهُ ذِمِّيًّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ وَمِنْهُ عُلِمَ حُكْمُ الدَّيْنِ الْحَادِثِ فِي دَارِنَا.
(فَإِنْ رَجَعَ) الْمُسْتَأْمَنُ (إلَيْهِمْ) وَلَوْ لِغَيْرِ دَارِهِ (حَلَّ دَمُهُ) لِبُطْلَانِ أَمَانِهِ (فَإِنْ تَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (أَوْ دَيْنًا) عَلَيْهِمَا (فَأُسِرَ أَوْ ظُهِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ بِمَعْنَى غَلَبَ (عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ أَوْ قَتَلُوهُ سَقَطَ دَيْنُهُ) وَسَلَمُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ وَأُجْرَةُ عَيْنٍ أَجَّرَهَا لِسَبْقِ يَدِهِ (وَصَارَ مَالُهُ) كَوَدِيعَتِهِ وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمَضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا (فَيْئًا) . وَاخْتُلِفَ فِي الرَّهْنِ وَرُجِّحَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ بَعَثَ مَنْ يَأْخُذُ الْوَدِيعَةَ وَالْقَرْضَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلِهِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَالِكِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُشْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ قَوْلِ الْإِمَامِ هُنَاكَ فَفِي إطْلَاقِ الْفَتْحِ نَظَرٌ لِإِيهَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كَخَرَاجِ الرَّأْسِ) أَيْ فِي أَنَّهُ إذْ الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ فِي دَارِنَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَارَ لَهَا إلَخْ) أَيْ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَنَا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُمَا لَوْ دَخَلَا دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِالْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا يَعْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ) الْمُرَادُ بِالتَّبَعِيَّةِ كَوْنُهَا الْتَزَمَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) فَالشَّرْطُ مُجَرَّدُ عَقْدِهِ عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيَّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا إذَا نَكَحَ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا فَيَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَتْ بَحْرٌ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِالتَّزْوِيجِ فِي دَارِنَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ مُخَالِفٌ لِلنُّسْخَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ الْإِمَامِ إنْ قُمْت سَنَةً وَضَعْنَا عَلَيْك الْجِزْيَةُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ عُلِمَ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّ لِلدَّائِنِ مَنْعَهُ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَإِذَا مَنَعَهُ وَمَضَى حَوْلٌ صَارَ ذِمِّيًّا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا، أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبِيًّا كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَأُسِرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ عَلَى دَارِهِمْ بِأَنْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فَأَسَرَهُ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى غَلَبَ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِ الْمُغْرِبِ ظَهَرَ عَلَيْهِ غَلَبَ (قَوْلُهُ فَأَخَذُوهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ هَرَبَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ سَقَطَ دَيْنُهُ) لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤْخَذُ قَهْرًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ نَهْرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْآتِي لِسَبْقِ يَدِهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْكُلِّ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَهُ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَ إلَى مُسْلِمٍ دَرَاهِمَ عَلَى شَيْءٍ (قَوْلُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَبَنَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ السَّلَمَ وَالْأُجْرَةَ.
(قَوْلُهُ وَصَارَ مَالُهُ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَدْيُونِ، وَلِلْمَالِكِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ (قَوْلُهُ كَوَدِيعَتِهِ) أَيْ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُلْتَقًى قَالَ ط وَكَذَا غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى وَفِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا صَارَتْ وَدِيعَتُهُ غَنِيمَةً لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا صَارَ مَالُهُ غَنِيمَةً لَا خُمُسَ فِيهِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ، وَالْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الرَّهْنِ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ بَحْرٌ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ
وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ هُنَا وَلَوْ صَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا (وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَقَطْ) بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِ. (فَدِيَتُهُ وَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ كَمَا لَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ فَمَالُهُ لَهُ
(حَرْبِيٌّ هُنَا لَهُ ثَمَّةَ عِرْسٌ وَأَوْلَادٌ وَوَدِيعَةٌ مَعَ مَعْصُومٍ وَغَيْرِهِ فَأَسْلَمَ) هُنَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا (ثُمَّ ظَهْرَنَا عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُ فَيْءٌ) لِعَدَمِ يَدِهِ وَوِلَايَتِهِ؛ وَلَوْ سُبِيَ طِفْلُهُ إلَيْنَا فَهُوَ قِنٌّ مُسْلِمٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَجَاءَ) هُنَا (فَظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ)
ــ
[رد المحتار]
وَهَذَا لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ إنَّمَا كَانَتْ فَيْئًا لِمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ اهـ.
وَأَجَابَ الْحَمَوِيُّ: بِأَنَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ التَّقْدِيمَ يُفِيدُ التَّرْجِيحَ دَائِمًا فَيُفِيدُ أَرْجَحِيَّةَ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَدْرَ الدَّيْنِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِأَنَّهَا أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَكَذَا قَالَ ح: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَصِيرُ فَيْئًا إلَّا بِأَسْرِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ طَلَبَ غَرِيمِهِ كَطَلَبِهِ بِوَكِيلِهِ، أَوْ رَسُولِهِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَقَالَ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَدَانَهُ لَهُ فِي دَارِنَا ثُمَّ رَجَعَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمُطَالَبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّى مِنْ مَالِهِ الْمَتْرُوكِ، وَلَوْ صَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا تَقْوِيَةً لِلْبَحْثِ، وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَهُ وَقَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ بَاعَهَا الْقَاضِي وَوَفَّى مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَالُهُ لَهُ) وَكَذَا دَيْنُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ مَنْ يَأْخُذُهُ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ لَهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِرْسٌ بِالْكَسْرِ أَيْ زَوْجَةٌ (قَوْلُهُ وَأَوْلَادٌ) أَيْ وَلَوْ صِغَارًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّارِ بَحْرٌ: أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، وَكَذَا يَتْبَعُهُ إذَا كَانَ الْمَتْبُوعُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالتَّابِعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ الصَّبِيُّ يَتْبَعُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ [تَنْبِيهٌ]
فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ دَخَلَ الصَّغِيرُ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ دَارَنَا لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهِ فَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ كَاَلَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ تَنْقَطِعُ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا تَبْقَى التَّبَعِيَّةُ، وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا عَقَلَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَفِي بَابِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَى الِابْنُ الْبُلُوغَ، وَبَرْهَنَ وَادَّعَى أَبُوهُ أَنَّهُ قَاصِرٌ وَبَرْهَنَ أَيْضًا يُرِيهِ الْقَاضِي أَهْلَ الْخِبْرَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْأَبِ إنَّهُ قَاصِرٌ، لِيَجْعَلَ الِابْنَ مُسْلِمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّحِيمِيُّ، وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ فِي فَتَاوَاهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهْرَنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى دَارِهِمْ.
(قَوْلُهُ فَكُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ عِرْسِهِ وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ سُبِيَ طِفْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَهُوَ فَيْءٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ لَكِنَّ فِي الْعَزْمِيَّةِ قَوْلُهُ: وَلَوْ سُبِيَ أَيْ مَعَ أُمِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ سُبِيَ بِدُونِهَا لَا تَظْهَرُ
لِاتِّحَادِ الدَّارِ (وَوَدِيعَتُهُ مَعَ مَعْصُومٍ لَهُ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ مُحْتَرَمَةٌ (وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَلَوْ عَيْنًا غَصَبَهَا مُسْلِمٌ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ فَتْحٌ
(وَلِلْإِمَامِ) حَقُّ (أَخْذُ دِيَةِ مُسْلِمٍ لَا وَلِيَّ لَهُ) أَصْلًا (وَ) دِيَةِ (مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا مِنْ عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ خَطَأً) لِقَتْلِهِ نَفْسًا مَعْصُومَةً (وَفِي الْعَمْدِ لَهُ الْقَتْلُ) قِصَاصًا (أَوْ الدِّيَةُ) صُلْحًا (لَا الْعَفْوُ) نَظَرًا لِحَقِّ الْعَامَّةِ
(حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ الْتَجَأَ بِالْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُحْبَسُ عِنْدَ الْغَدَاءِ لِيَخْرُجَ فَيُقْتَلَ) لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ فَهُوَ آمِنٌ بِالنَّصِّ وَسَيَجِيءُ فِي الْجِنَايَاتِ
(لَا تَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ إلَّا) بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ:
ــ
[رد المحتار]
فَائِدَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالْأَبِ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ اهـ أَيْ فِي فَصْلِ الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ طِفْلُهُ دُرَرٌ. فَالْمُرَادُ بِالدَّارِ دَارُ الْحَرْبِ فَافْهَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ يَكُونُ بَاقِيًا مَا لَمْ يُوجَدْ مُزِيلٌ وَمِثْلُهُ لَوْ لَمْ يُسْلِمْ بَلْ بَعَثَ إلَى الْإِمَامِ إنِّي ذِمَّةٌ لَكُمْ أُقِيمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَبْعَثُ بِالْخَرَاجِ كُلَّ سَنَةٍ جَازَ، وَيَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ لِمَا قُلْنَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي دَارِنَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا، ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِمْ تَبِعَهُ طِفْلُهُ وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الطِّفْلِ الْوَدِيعَةِ مَعَ مَعْصُومٍ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَعِرْسُهُ وَعَقَارُهُ وَوَدِيعَتُهُ مَعَ حَرْبِيٍّ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ) أَيْ نِيَابَةِ الْغَاصِبِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ حَقُّ أَخْذِ دِيَةِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ: حَقُّ إشَارَةً إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ أَخْذَهُ الدِّيَةَ لَيْسَ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِيَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا، وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَعْلُومٌ، وَلِذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَدِيَةِ مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ لَمْ يُسْلِمْ لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَهُ الْقَتْلُ قِصَاصًا) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلِهِ لَكِنْ قَدْ تَعُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَنْزَجِرَ أَمْثَالُهُ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ صُلْحًا) أَيْ بِرِضَا الْقَاتِلِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ إنْ رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالصُّلْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ الدِّيَةِ، كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ كَمَا فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَهَلْ إذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الدِّيَةَ يَنْقَلِبُ الْقِصَاصُ مَالًا كَمَا فِي الْوَلِيِّ فَلْيُنْظَرْ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلُ أَوْ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ هُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ نَظَرًا لَحِقَ الْعَامَّةِ) فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمْ نَظَرِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ بِلَا عِوَضٍ فَتْحٌ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ) أَيْ فِي نَفْسٍ، أَمَّا فِيمَا دُونَهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِنَايَاتِ ط (قَوْلُهُ الْتَجَأَ بِالْحَرَمِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ الْقَتْلَ فِيهِ: فَلَوْ أَنْشَأَهُ فِيهِ قُتِلَ فِيهِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً دَخَلُوا الْحَرَمَ لِلْقِتَالِ فَلَا بَأْسَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ - {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191]- لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تُلْزِمُنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُمْ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فِي الْحَرَمِ، جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا لِأَذَاهُ وَلَوْ قَاتَلُوا فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ انْهَزَمُوا وَدَخَلُوا فِيهِ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ فِي الْحَرَمِ، وَصَارَتْ لَهُمْ مَنْعَةٌ لِأَنَّ الْمُلْتَجِئَ إلَى فِئَةٍ مُحَارِبُ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ. اهـ. . .
مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ
(قَوْلُهُ لَا تَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَغْلِبَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِنَا أَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ مِصْرَ وَغَلَبُوا وَأَجْرُوا أَحْكَامَ الْكُفْرِ أَوْ نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ، وَتَغَلَّبُوا عَلَى دَارِهِمْ، فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا تَصِيرُ