الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ]
وَبِلُزُومِ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْحَانُوتِ إخْرَاجُهُ وَلَا إجَارَتُهَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ وَقْفًا انْتَهَى مُلَخَّصًا.
ــ
[رد المحتار]
الطَّرَفَيْنِ وَلَا سِيَّمَا إذَا أَبْقَى السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي التَّيْمَارَ أَوْ الْوَظِيفَةَ عَلَى الْفَارِغِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَبِلُزُومِ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَيْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِ الْقَاهِرَةِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ لَازِمٌ، وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَوَانِيتِ الْجَمَلُونِ فِي الْغُورِيَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ لَمَّا بَنَاهَا أَسْكَنَهَا لِلتُّجَّارِ بِالْخُلُوِّ وَجَعَلَ لِكُلِّ حَانُوتٍ قَدْرًا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ اهـ. وَقَدْ أَعَادَ الشَّارِحُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: وَأَيَّدَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِمَا فِي وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ رَجُلٌ فِي يَدِهِ دُكَّانَ فَغَابَ فَرَفَعَ الْمُتَوَلِّي أَمْرَهُ لِلْقَاضِي، فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِهِ وَإِجَارَتِهِ فَفَعَلَ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ وَحَضَرَ الْغَائِبُ فَهُوَ أَوْلَى بِدُكَّانِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ خُلُوٌّ فَهُوَ أَوْلَى بِخُلُوِّهِ أَيْضًا، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ وَسَكَنَ فِي دُكَّانِهِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا وَرَجَعَ بِخُلُوِّهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَيُؤْمَرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ إنْ رَضِيَ بِهِ وَإِلَّا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الدُّكَانِ اهـ.
بِلَفْظِهِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ: السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ أَقُولُ: مَا نُقِلَ عَنْ وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ مِنْ ذِكْرِ لَفْظَةِ الْخُلُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ كَذِبٌ فَإِنَّ الْإِثْبَاتَ مِنْ النَّقَلَةِ كَصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ عِبَارَةَ الضَّرِيرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا لَفْظَ الْخُلُوِّ: هَذِهِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ نِسْبَةُ مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَالَ: الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ التَّعَرُّضُ؛ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا فُتْيَا لِلْعَلَّامَةِ نَاصِرِ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ الْمَالِكِيِّ بَنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ وَخَرَّجَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فَيُعْتَبَرُ تَخْرِيجُهُ، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَقَدْ انْتَشَرَتْ فُتْيَاهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَتَلَقَّاهَا عُلَمَاءُ عَصْرِهِ بِالْقَبُولِ اهـ.
قُلْتُ: وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ الْعَلَّامَةِ اللَّقَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ يُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَيَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ فَقْدِ الْوَارِثِ. اهـ.
هَذَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى لُزُومِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ عِنْدَنَا بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ بَاعَ سُكْنَى لَهُ فِي حَانُوتٍ لِغَيْرِهِ فَأَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ السُّكْنَى بِهَذَا الْعَيْبِ اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ رَدَّ فِيهَا عَلَى هَذَا الْمُسْتَدِلِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَيْنٌ مُرَكَّبَةٌ فِي الْحَانُوتِ، وَهِيَ غَيْرُ الْخُلُوِّ. فَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى سُكْنَى حَانُوتٍ فِي حَانُوتِ رَجُلٍ مُرَكَّبًا وَأَخْبَرَهُ الْبَائِعُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ شَرَى سُكْنَى فِي دُكَّانِ وَقْفٍ فَقَالَ: الْمُتَوَلِّي: مَا أَذِنْتُ لَهُ أَيْ لِلْبَائِعِ بِوَضْعِهَا فَأَمَرَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي بِالرَّفْعِ، فَلَوْ شَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَرَارِ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلَا بِنُقْصَانِهِ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْنَى عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِي الْحَانُوتِ وَرَدَّ فِيهَا أَيْضًا عَلَى الْأَشْبَاهِ، بِأَنَّ الْخُلُوَّ لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا مُتَأَخِّرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، حَتَّى أَفْتَى بِصِحَّةِ وَقْفِهِ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّ أَوْقَافَ الْمُسْلِمِينَ صَارَتْ لِلْكَافِرِينَ، بِسَبَبِ وَقْفِ خُلُوِّهَا عَلَى كَنَائِسِهِمْ، وَبِأَنَّ عَدَمَ إخْرَاجِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ يَلْزَمُ مِنْهُ حَجْرُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِتْلَافُ مَالِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ لَا يُعْطَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَجْرَ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ هُوَ فِي نَظِيرِ خُلُوِّهِ قَدْرًا كَثِيرًا، بَلْ لَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْوَقْفِ. وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكَنَ الْوَقْفَ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَفِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ إخْرَاجِهِ تَفْوِيتُ نَفْعِ الْوَقْفِ وَتَعْطِيلُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ إقَامَةِ شَعَائِرِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهَا. اهـ.
مُلَخَّصًا.
مَطْلَبٌ فِي الْكَدَكِ قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ حَقٌّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَأَمَّا مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ صَاحِبُ الْخُلُوِّ مِنْ أَنَّهُ اشْتَرَى خُلُوَّهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَصِيرُ أُجْرَةُ الْوَقْفِ شَيْئًا قَلِيلًا فَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ الدَّافِعُ هُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ ظُلْمُ الْوَقْفِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٍ زَائِدٌ عَلَى الْخُلُوِّ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالْكَدَكِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ السُّكْنَى الْمَارِّ، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ أُجْرَةَ مِثْلِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِرَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ أَحَدِ النُّظَّارِ وَيَرْجِعُ هَذَا إلَى مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ ب حَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الْأَصْلَ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ، وَيُؤْجَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ مَا يَدْفَعُهُ أَجْرَ الْمِثْلِ فَهُنَا يُقَالُ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ وَلَا أَنْ يَأْمُرَ بِرَفْعِهِ إذْ لَيْسَ فِي اسْتِبْقَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ مَعَ الرِّفْقِ بِهِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ: بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ صَارَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَهِيَ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ لَهُ الِاسْتِبْقَاءُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. اهـ.
وَفِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ النَّاظِرِ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي دَفَعَهَا صَاحِبُ الْخُلُوِّ لِلْوَاقِفِ وَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى بِنَاءِ الْوَقْفِ شَبِيهَةٌ بِكَبْسِ الْأَرْضِ بِالتُّرَابِ، فَيَصِيرُ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إذَا كَانَ يَدْفَعُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ يَرُمُّ دُكَّانَ الْوَقْفِ وَيَقُومُ بِلَوَازِمِهَا مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ النَّاظِرِ، أَمَّا مُجَرَّدُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الدُّكَانِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنُهُ يَسْتَأْجِرُهَا عِدَّةَ سِنِينَ بِدُونِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ، وَإِيجَارُهَا لِغَيْرِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ وَذَكَرْنَا حَاصِلَهَا فِي الْوَقْفِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ الْمُعْتَبَرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ لَوْ اسْتَأْجَرَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ حَيْثُ سُئِلَ فِي الْخُلُوِّ الْوَاقِعِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَافِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْأَوْقَافِ الرُّومِيَّةِ فِي الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا، هَلْ يَصِيرُ حَقًّا لَازِمًا لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ سُكْنَاهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَمْتَنِعُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حُكَّامِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ نَقْضُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ عِبَارَةَ الْأَشْبَاهِ وَوَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَمَسْأَلَةِ حَقِّ الْقَرَارِ وَمَسْأَلَةِ بَيْعِ السُّكْنَى. ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ: لَيْسَ الْغَرَضُ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْجُمَلِ الْقَطْعَ بِالْحُكْمِ بَلْ لِيَقَعَ الْيَقِينُ بِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِالْحُكْمِ حَيْثُ اسْتَوْفَى شَرَائِطَهُ مِنْ مَالِكِيٍّ يَرَاهُ أَوْ غَيْرَهُ صَحَّ وَلَزِمَ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ خُصُوصًا فِيمَا
لِلنَّاسِ
إلَيْهِ ضَرُورَةٌ لَا سِيَّمَا فِي الْمُدُنِ الْمَشْهُورَةِ كَمِصْرِ وَمَدِينَةِ الْمُلْكِ فَإِنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَهُ وَلَهُمْ فِيهِ نَفْعٌ كُلِّيٌّ وَيَضُرُّ بِهِمْ نَقْضُهُ وَإِعْدَامُهُ فَلَرُبَّمَا بِفِعْلِهِ تَكْثُرُ الْأَوْقَافُ، أَلَا تَرَى مَا فَعَلَهُ الْغُورِيُّ كَمَا مَرَّ؟ وَمِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ عَمَّرَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَمْوَالِ التُّجَّارِ وَلَمْ يَصْرِفْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْ أُمَّتِهِ، وَالدِّينُ يُسْرٌ وَلَا مَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ فِي الدِّينِ، وَلَا عَارَ بِهِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
مُلَخَّصًا. وَمِمَّنْ أَفْتَى بِلُزُومِ الْخُلُوِّ الَّذِي يَكُونُ
وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا للولوالجية: عِمَارَةٌ فِي أَرْضٍ بِيعَتْ فَإِنْ بِنَاءً أَوْ أَشْجَارًا
ــ
[رد المحتار]
بِمُقَابَلَةِ دَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا لِلْمُتَوَلِّي أَوْ الْمَالِكِ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ صَاحِبُ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ وَقَالَ: فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ، فَيُفْتِي بِجَوَازِ ذَلِكَ
لِلضَّرُورَةِ
قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ احْتِيَالًا عَلَى الرِّبَا إلَخْ. قُلْتُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا قُلْنَا إذَا كَانَ يَدْفَعُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَإِلَّا كَانَتْ سُكْنَاهُ بِمُقَابَلَةِ مَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَيْنَ الرِّبَا كَمَا قَالُوا: فِيمَنْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ دَارًا لِيَسْكُنَهَا أَوْ حِمَارًا لِيَرْكَبَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَرْضَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الدَّارِ أَوْ الْحِمَارِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الدَّرَاهِمِ يَنْتَفِعُ بِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْخُلُوِّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ يَلْزَمُ ضَيَاعُ حَقِّهِمْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَهُ الْمُتَوَلِّي صَرَفَهُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ، حَيْثُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى عِمَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مَعَ دَفْعِ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ اللَّازِمِ لِلْعِمَارَةِ، فَحِينَئِذٍ قَدْ يُقَالُ بِجَوَازِ سُكْنَاهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا مَرْصَدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
بَقِيَ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فِيهِ إنَّا نَنْظُرُ إلَى مَا دَفَعَهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ لِلْوَاقِفِ أَوْ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِلَى مَا يُنْفِقُهُ فِي مَرَمَّةِ الدُّكَانِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَرْغَبُونَ فِي دَفْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَأْجِرُونَ الدُّكَانَ بِمِائَةٍ مَثَلًا، فَالْمِائَةُ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا دَفَعَهُ هُوَ إلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ السَّابِقِ مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ طَمَعًا فِي أَنَّ أُجْرَةَ هَذِهِ الدُّكَانِ عَشَرَةٌ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَهُ مِنْ الْمَالِ الْكَثِيرِ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَحْضُ ضَرَرٍ بِالْوَقْفِ، حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدُّكَانِ بِدُونِ أُجْرَتِهَا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْوَقْفِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا. نَعَمْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ حِينَ يَسْتَأْجِرُ الدُّكَانَ بِالْأُجْرَةِ الْيَسِيرَةِ يَدْفَعُ لِلنَّاظِرِ دَرَاهِمَ تُسَمَّى خِدْمَةً هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَكْمِلَةُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ أَوْ نَزَلَ عَنْ خُلُوِّهِ لِغَيْرِهِ يَأْخُذُ النَّاظِرُ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْمَنْزُولِ لَهُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى تَصْدِيقًا فَهَذَا تُحْسَبُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَيْضًا، وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ صَرْفُهَا إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ: أَنَّ الْخُلُوَّ يَصْدُقُ بِالْعَيْنِ الْمُتَّصِلِ اتِّصَالَ قَرَارٍ وَبِغَيْرِهِ وَكَذَا الْجَدَكُ الْمُتَعَارَفُ فِي الْحَوَانِيتِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا كَالْقَهَاوِي تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ كَالْبِنَاءِ بِالْحَانُوتِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ فِي الْحُكْمِ بِجَامِعِ وُجُودِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّصِلِ اتِّصَالَ قَرَارٍ مَا وُضِعَ لَا لِيَفْصِلَ كَالْبِنَاءِ وَلَا فَرْقَ فِي صِدْقِ كُلٍّ مِنْ الْخُلُوِّ وَالْجَدَكُ بِهِ، وَبِالْمُتَّصِلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْخَشَبِ الَّذِي يُرَكَّبُ بِالْحَانُوتِ لِوَضْعِ عِدَّةِ الْحَلَّاقِ مَثَلًا، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ وُجِدَ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَكَذَا يَصْدُقَانِ بِمُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلدَّرَاهِمِ، لَكِنْ يَنْفَرِدُ الْجَدَكُ بِالْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ أَصْلًا كَالْبَكَارِجِ وَالْفَنَاجِينِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَهْوَةِ وَالْمِقَشَّةِ وَالْفُوَطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمَّامِ وَالشُّونَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفُرْنِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْجَدَكُ أَعَمَّ. بَقِيَ لَوْ كَانَ الْخُلُوُّ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. اهـ.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرَيَانِ الشُّفْعَةِ فِيهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ.
هَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ مِشَدِّ الْمَسْكَةِ مِنْ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ بَيْنَ الْمِشَدِّ وَالْخُلُوِّ وَالْجَدَكِ وَالْقِيمَةِ وَالْمَرْصَدِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي زَمَانِنَا إيضَاحًا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ. .
(قَوْلُهُ: وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْخُلُوَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا قَائِمَةً
جَازَ، وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كُرَى أَنْهَارٍ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَالٍ وَلَا بِمَعْنَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَسْكَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا رَهْنُهَا وَلِذَا جَعَلُوهُ الْآنَ فَرَاغًا كَالْوَظَائِفِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ.
ــ
[رد المحتار]
لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ جَازَ) تَرَكَ قَيْدًا ذَكَرَهُ فِي مُعِينِ الْمُفْتِي وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَرْكُهَا. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كَرْيَ أَنْهَارٍ) فِي الْمُغْرِبِ: كَرَبَ الْأَرْضَ كَرْبًا قَلَّبَهَا لِلْحَرْثِ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَكَرَيْت النَّهْرَ كَرْيًا حَفَرْته (قَوْلُهُ وَلَا بِمَعْنَى مَالٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ التُّرَابُ الْمُسَمَّى كَبْسًا وَهُوَ مَا تُكْبَسُ بِهِ الْأَرْضُ أَيْ تُطَمُّ وَتُسَوَّى فَتَأَمَّلْ: وَفِي ط وَهُوَ كَالسُّكْنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بِطَرِيقِ الْخُلُوِّ وَكَالْجَدَكِ عَلَى مَا سَلَفَ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مِشَدِّ الْمَسْكَةِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَسْكَةِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كِرَابِ الْأَرْضِ وَكَرْيِ أَنْهَارِهَا سُمِّيَتْ مَسْكَةً لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ مَسْكَةً بِهَا بِحَيْثُ لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا مِشَدَّ مَسْكَةٍ لِأَنَّ الْمِشَدَّ مِنْ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ أَيْ قُوَّةُ التَّمَسُّكِ وَلَهَا أَحْكَامٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَوَامِرَ سُلْطَانِيَّةٍ أَفْتَى بِهَا عُلَمَاءُ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ ذَكَرَتْ كَثِيرًا مِنْهَا فِي بَابِهَا مِنْ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تُورَثُ، وَإِنَّمَا تُوَجَّهُ لِلِابْنِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا دُونَ الْبِنْتِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ تُعْطَى لِلْبِنْتِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَلِلْأَخِ لِأَبٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلِلْأُخْتِ السَّاكِنَةِ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَلِلْأُمِّ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي خَرَاجِ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلِابْنِ وَلَا تُعْطَى الْبِنْتُ حِصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ ابْنًا بَلْ بِنْتًا لَا يُعْطِيهَا وَيُعْطِيهَا صَاحِبُ التَّيْمَارِ لِمَنْ أَرَادَ وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرَاضِيِ الَّتِي تَحْيَا وَتُفَلَّحُ بِعَمَلٍ وَكُلْفَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُعْطَى لِلْغَيْرِ بِالطَّابُو، فَالْبَنَاتُ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُ حِرْمَانُهُنَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي صَرَفَهُ أَبُوهُنَّ وَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِالْإِعْطَاءِ لَهُنَّ، لَكِنْ تُنَافِسُ الْأُخْتُ الْبِنْتَ فِي ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِجَمَاعَةٍ لَيْسَ لَهُنَّ غَرَضٌ، فَأَيُّ مِقْدَارٍ قَدَّرُوا بِهِ الطَّابُو تُعْطِيهِ الْبَنَاتُ وَيَأْخُذْنَ الْأَرْضَ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ التَّفْوِيضُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَعْنِي التَّيْمَارِيَّ الَّذِي وَجَّهَ السُّلْطَانُ لَهُ أَخْذَ خَرَاجِهَا لَا تَزُولُ الْأَرْضُ عَنْ يَدِ الْمُفَوِّضِ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ فِي يَدِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ عَارِيَّةً، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا فَتَفْوِيضُهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ لَا عَلَى إجَازَةِ التَّيْمَارِ، وَلَا تُؤَجَّرُ مِمَّنْ لَا مَسْكَةَ لَهُ مَعَ وُجُودِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا زَرَعَ أَجْنَبِيٌّ فِيهَا بِلَا إذْنِ صَاحِبِ الْمَسْكَةِ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَيَسْقُطُ حَقُّ صَاحِبِهَا مِنْهَا بِتَرْكِهِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ اخْتِيَارًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِذَا جَعَلُوهُ) أَيْ جَعَلُوا بَيْعَهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْهَا يَعْنِي أَنَّ الْمَسْكَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا، فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُهَا النُّزُولَ عَنْهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ جَعَلُوا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْفَرَاغِ كَالنُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُفْتَى أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِهِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ بِتَحْرِيرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هُنَاكَ هُوَ النُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ وَمَسْأَلَةُ الْخُلُوِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ هُنَاكَ لِلْمَسْكَةِ.