الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ لِوَلِيٍّ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ
…
يَجُوزُ جَهُولٌ ثُمَّ بَعْضٌ يَكْفُرُ
وَإِثْبَاتُهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ خَارِقًا
…
عَنْ النَّسَفِيِّ النَّجْمِ يُرْوَى وَيَنْصُرُ
بَابُ الْبُغَاةِ
ــ
[رد المحتار]
السَّالِكِينَ الْمَالِكِينَ لِضَبْطِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ قَبَائِحِ الْأَحْوَالِ، فَهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ إلَّا مِنْ الْإِلَهِ، وَلَا يَشْتَاقُونَ إلَّا لَهُ، إنْ ذَكَرُوهُ نَاحُوا، وَإِنْ شَكَرُوهُ بَاحُوا، وَإِنْ وَجَدُوهُ صَاحُوا، وَإِنْ شَهِدُوهُ اسْتَرَاحُوا، وَإِنْ سَرَحُوا فِي حَضْرَةِ قُرْبِهِ سَاحُوا، إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْوَجْدُ بِغَلَبَاتِهِ، وَشَرِبُوا مِنْ مَوَارِدِ إرَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَقَتْهُ طَوَارِقُ الْهَيْبَةِ فَخَرَّ وَذَابَ وَمِنْهُمْ مَنْ بَرَقَتْ لَهُ بَوَارِقُ اللُّطْفِ فَتَحَرَّكَ وَظَابَ، وَمِنْهُمْ مِنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْحُبُّ مِنْ مَطْلَعِ الْقُرْبِ سَكِرَ وَغَابَ، هَذَا مَا عَنَّ لِي فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَمَنْ يَكُ وَجْدُهُ وَجْدًا صَحِيحًا
…
فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِ الْمُغَنِّي
لَهُ مِنْ زَانَهُ طَرَبٌ قَدِيمٌ
…
وَسُكْرٌ دَائِمٌ مِنْ غَيْرِ دَنِّ
اهـ.
مَطْلَبٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ لِوَلِيٍّ إلَخْ) مَنْ مُبْتَدَأٌ وَقَالَ صِلَتُهُ وَجَهُولٌ خَبَرُهُ وَلِوَلِيٍّ مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ وَطَيُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَجُوزُ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: وَمَنْ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ يَجُوزُ لِوَلِيٍّ جَهُولٍ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَالْقَائِلُ بِكُفْرِهِ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنِ يُوسُفَ ط (قَوْلُهُ وَإِثْبَاتُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْكِبَارِ: كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ. وَإِشْبَاعِ الْجَمْعِ مِنْ الطَّعَامِ، وَخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ كَرَامَةً لِلْوَلِيِّ، وَطَيُّ الْمَسَافَةِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ» فَلَوْ جَازَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِلتَّخْصِيصِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ. اهـ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَالُوا فِيمَنْ كَانَ بِالْمَشْرِقِ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْمَغْرِبِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فَتَأَمَّلْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُؤَيِّدُ الْجَوَازَ. وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَنْعَ مِنْ وَأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ يَمِيلُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَحَكَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْمَرَضِيُّ عِنْدَنَا تَجْوِيزُ جُمْلَةِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي مَعْرِضِ الْكَرَامَاتِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَدْ يَرِدُ فِي بَعْضِ الْمُعْجِزَاتِ نَصٌّ قَاطِعٌ، عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَصْلًا كَالْقُرْآنِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِين سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ فَقَالَ: نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. قُلْت: النَّسَفِيُّ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ عُمَرُ مُفْتِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَأْسُ الْأَوْلِيَاءِ فِي عَصْرِهِ. اهـ. مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
[بَابُ الْبُغَاةِ]
ِ أَخَّرَهُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ، وَلِبَيَانِ حُكْمِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْكُفَّارِ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ بِكِتَابٍ إشَارَةً إلَى دُخُولِهِ تَحْتَ كِتَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ الْقِتَالَ مَعَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَّا شَهِيدًا كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَا يَخْتَصُّ الْجِهَادُ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْبُغَاةُ
الْبَغْيُ لُغَةً الطَّلَبُ، وَمِنْهُ {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] وَعُرْفًا: طَلَبُ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ فَتْحٌ. وَشَرْعًا (هُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَوْ بِحَقٍّ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. -
ــ
[رد المحتار]
جَمْعُ بَاغٍ، وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ اهـ وَإِنَّمَا جَمَعَهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ يَكُونُ لَهُ قُوَّةُ الْخُرُوجِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْبَغْيُ لُغَةً الطَّلَبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ، بَغَيْت كَذَا: أَيْ طَلَبْته. قَالَ تَعَالَى حِكَايَةَ ذَلِكَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى إمَامِ الْحَقِّ اهـ لَكِنَّ فِي الْمِصْبَاحِ: بَغَيْته أَبْغِيهِ بَغْيًا طَلَبْته، وَبَغَى عَلَى النَّاسِ بَغْيًا: ظَلَمَ وَاعْتَدَى فَهُوَ بَاغٍ وَالْجَمْعُ بُغَاةٌ، وَبَغَى: سَعَى فِي الْفَسَادِ، وَمِنْهُ الْفِرْقَةُ الْبَاغِيَةُ؛ لِأَنَّهَا عَدَلَتْ عَنْ الْقَصْدِ، وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ: إذَا تَرَامَى إلَى الْفَسَادِ اهـ وَفِي الْقَامُوسِ: الْبَاغِي الطَّالِبُ، وَفِئَةٌ بَاغِيَةٌ: خَارِجَةٌ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَنْ إمَامِ الْحَقِّ تَسَاهُلٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا. اهـ. قُلْت: قَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ يَذْكُرُ الْمَعَانِيَ الْعُرْفِيَّةَ مَعَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا عِيبَ بِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَدُلُّ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَى الْإِمَامِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ اللُّغَةِ نَعَمْ قَدْ يَعْتَرِضُ عَلَى الْفَتْحِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْبَغْيِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ مَعْنًى عُرْفِيٌّ فَقَطْ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّهُ لُغَوِيٌّ أَيْضًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ إلَخْ الْعُرْفِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ الْأَصْلَ وَمَدَارَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَى الطَّلَبِ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا هُمْ الْخَارِجُونَ) عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَالْبَغْيُ شَرْعًا هُمْ الْخَارِجُونَ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا أَفَادَهُ ح فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَالْبُغَاةُ عُرْفًا الطَّالِبُونَ لِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ وَشَرْعًا إلَخْ أَفَادَهُ ط. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَإٍ: أَيْ وَالْبُغَاةُ شَرْعًا إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمُتَغَلِّبَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ سَلْطَنَتِهِ وَنُفُوذِ قَهْرِهِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قَالَ: إنَّ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا فَلَا يُدْرَى الْعَادِلُ مِنْ الْبَاغِي كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ بِتَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَهُمْ لُصُوصٌ
وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمِنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ بِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ، عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ، فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرُوا إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ. فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ اللَّامِشِيِّ، وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَوْلَا عَلِيٌّ رضي الله عنه مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا تَدْرِي
ثُمَّ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ وَعُلِمَ حُكْمُهُمْ. وَبُغَاةٌ وَيَجِيءُ حُكْمُهُمْ وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَيَسْبُونَ نِسَاءَنَا، وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، -
ــ
[رد المحتار]
الْعَادِلَةَ وَالْبَاغِيَةَ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا. اهـ.
ط لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَهُمْ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ، يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ.
وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنَّهُ عَدَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةً، وَجَعَلَ هَذَا الثَّانِيَ قِسْمًا مِنْهُمْ مُسْتَقِلًّا مُلْحَقًا بِالْقُطَّاعِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ. وَفِي النَّهْرِ: هُنَا تَحْرِيفٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبُغَاةٌ) هُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَهُمْ قُطَّاعٌ كَمَا عَلِمْت. وَفِي الِاخْتِيَارِ: أَهْلُ الْبَغْيِ كُلُّ فِئَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَتَغَلَّبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ يَقُولُونَ الْحَقُّ مَعَنَا وَيَدَّعُونَ الْوِلَايَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبُغَاةِ هُوَ اسْتِبَاحَتُهُمْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيَّهُمْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ إذْ لَا تُسْبَى الذَّرَارِيُّ ابْتِدَاءً بِدُونِ كُفْرٍ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبُغَاةَ أَعَمُّ، فَالْمُرَادُ بِالْبُغَاةِ مَا يَشْمَلُ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْبُغَاةَ بِالْخَوَارِجِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الْبُغَاةُ أَعَمَّ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ، وَإِلَّا فَالْبَغْيُ وَالْخُرُوجُ مُتَحَقِّقَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْخَوَارِجِ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا (قَوْلُهُ: لَهُمْ مَنَعَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ عِزَّةٌ فِي قَوْمِهِمْ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَرُدُّهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: بِتَأْوِيلٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ يُؤَوِّلُونَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَكَمَ جَمَاعَةٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ، وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ؛ وَأَنَّ التَّحْكِيمَ كَبِيرَةٌ لِشُبَهٍ قَامَتْ لَهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهَا مَذْكُورَةً مَعَ رَدِّهَا فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ. مَطْلَبٌ فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَوَارِجِ فِي زَمَانِنَا
(قَوْلُهُ: وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم) عَلِمْت أَنَّ هَذَا غَيْرُ شَرْطٍ فِي مُسَمَّى الْخَوَارِجِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ خَرَجُوا عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِلَّا فَيَكْفِي فِيهِمْ اعْتِقَادُهُمْ كُفْرَ مَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ، كَمَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ نَجْدٍ وَتَغَلَّبُوا عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَكَانُوا يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَاسْتَبَاحُوا بِذَلِكَ قَتْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَتْلَ عُلَمَائِهِمْ حَتَّى كَسَرَ اللَّهُ تَعَالَى شَوْكَتَهُمْ وَخَرَّبَ بِلَادَهُمْ وَظَفِرَ بِهِمْ عَسَاكِرُ الْمُسْلِمِينَ عَامَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُ الْخَوَارِجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى كُفْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ بِبِدْعَتِهِ
بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ.
(وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا) بِأَمْرَيْنِ (بِالْمُبَايَعَةِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ، وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَإِنْ بَايَعَ النَّاسُ) الْإِمَامَ (وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ) عَنْ قَهْرِهِمْ (لَا يَصِيرُ إمَامًا، فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَجَارَ لَا يَنْعَزِلُ إنْ) كَانَ (لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ) لِعَوْدِهِ بِالْقَهْرِ فَلَا يُفِيدُ -
ــ
[رد المحتار]
دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ مَذْهَبٍ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ. مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي الْمُجْتَهِدِينَ
وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَايَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ فِيمَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَضَرُورِيَّاتِهِ: كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ، وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِهِ كَنَفْيِ مَبَادِئِ الصِّفَاتِ، وَنَفْيِ عُمُومِ الْإِرَادَةِ، وَالْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ إلَخْ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: إنَّ سَابَّ الشَّيْخَيْنِ وَمُنْكِرَ خِلَافَتِهِمَا مِمَّنْ بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ بَلْ مَحْضُ هَوًى اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قُلْت: وَكَذَا يَكْفُرُ قَاذِفُ عَائِشَةَ وَمُنْكِرُ صُحْبَةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبُ صَرِيحِ الْقُرْآنِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ) أَيْ مَنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ قَطْعِيَّ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَبْنِهِ عَلَى دَلِيلٍ كَمَا بَنَاهُ الْخَوَارِجُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَنَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ كَانَ فِي زَعْمِهِ إتْبَاعُ الشَّرْعِ لَا مُعَارَضَتُهُ وَمُنَابَذَتُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ) أَيْ الْإِمَامُ الْحَقُّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَرَاجِعْهَا.
مَطْلَبٌ الْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِالِاسْتِخْلَافِ مِمَّنْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ) وَكَذَا بِاسْتِخْلَافِ إمَامٍ قَبْلَهُ وَكَذَا بِالتَّغَلُّبِ وَالْقَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ إمَّا بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهُ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِمَّا بِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْي وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أُولِي الرَّأْيِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍ لِدَفْعِ الْإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَ الْمُعْتَزِلَةُ خَمْسَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ فِيمَنْ تَصَدَّى لِلْإِمَامَةِ وَكَانَ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا إثَارَةُ فِتْنَةٍ لَا تُطَاقُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ إمَامَتِهِ كَيْ لَا تَكُونَ كَمَنْ يَبْنِي قَصْرًا وَيَهْدِمُ مِصْرًا، وَإِذَا تَغَلَّبَ آخَرُ عَلَى الْمُتَغَلِّبِ وَقَعَدَ مَكَانَهُ انْعَزَلَ الْأَوَّلُ وَصَارَ الثَّانِي إمَامًا وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ عَادِلًا كَانَ أَوْ جَائِرًا إذَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، لَكِنَّ الثَّالِثَ فِي الْإِمَامِ الْمُتَغَلِّبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّغَلُّبِ مَعَ الْمُبَايَعَةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي سَلَاطِينِ الزَّمَانِ نَصَرَهُمْ الرَّحْمَنُ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ) أَيْ يُشْتَرَطُ مَعَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ نَفَاذُ حُكْمِهِ وَكَذَا هُوَ شَرْطٌ أَيْضًا مَعَ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا يَظْهَرُ، بَلْ يَصِيرُ إمَامًا بِالتَّغَلُّبِ وَنَفَاذِ الْحُكْمِ وَالْقَهْرِ بِدُونِ مُبَايَعَةٍ أَوْ اسْتِخْلَافٍ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ) أَيْ لَا يُفِيدُ عَزْلُهُ
(وَإِلَّا يَنْعَزِلْ بِهِ) لِأَنَّهُ مُفِيدٌ خَانِيَّةً، وَتَمَامُهُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ
(فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَتِهِ) أَوْ طَاعَةِ نَائِبِهِ الَّذِي رَضِيَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ دُرَرٌ (وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) اسْتِحْبَابًا (فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) إذْ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ (وَمَنْ دَعَاهُ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ قِتَالِهِمْ (اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةُ بَدَائِعُ (لَوْ قَادِرًا) -
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ الْعَزْلَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَنْعَزِلُ بِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَمَنَعَةٌ يَنْعَزِلُ بِهِ أَيْ بِالْجَوْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: يَنْحَلُّ عَقْدُ الْإِمَامَةِ بِمَا يَزُولُ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ كَالرِّدَّةِ وَالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، وَصَيْرُورَتِهِ أَسِيرًا لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ، وَكَذَا بِالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ، وَكَذَا بِخَلْعِهِ نَفْسَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بَلْ اسْتَشْعَرَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَلْعُ الْحَسَنِ نَفْسَهُ. وَأَمَّا خَلْعُهُ لِنَفْسِهِ بِلَا سَبَبٍ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَا فِي انْعِزَالِهِ بِالْفِسْقِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَإِذَا قَلَّدَ عَدْلًا ثُمَّ جَارٍ وَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ فِتْنَةٌ. اهـ. وَفِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ: إنَّ لِلْأُمَّةِ خَلْعَ الْإِمَامِ وَعَزْلَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ، مِثْلُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ اخْتِلَالَ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِكَاسَ أُمُورِ الدِّينِ كَمَا كَانَ لَهُمْ نَصْبُهُ وَإِقَامَتُهُ لِانْتِظَامِهَا وَإِعْلَائِهَا، وَإِنْ أَدَّى خَلْعُهُ إلَى فِتْنَةٍ اُحْتُمِلَ أَدْنَى الْمَضَرَّتَيْنِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَاتَلُونَا مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِلْبُغَاةِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ أَيْ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ طَاعَتِهِ) أَيْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةً اهـ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الدُّرَرِ وَجْهُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَكُونُ عَاجِزًا أَوْ جَائِرًا ظَالِمًا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَعَزْلُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ فِتْنَةٌ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ) الظَّاهِرُ إنَّ ذِكْرَ الْبَلَدِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَجَمُّعِهِمْ وَتَعَسْكُرِهِمْ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَظْهَرُ فِيهِ قَهْرُهُمْ وَالْغَالِبُ كَوْنُهُ بَلْدَةً، فَلَوْ تَجَمَّعُوا فِي بَرِيَّةٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إلَى طَاعَتِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ: وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ اسْتِحْبَابًا) أَيْ بِأَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ مِنْهُ أَزَالَهُ، وَإِنْ لِدَعْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالْوِلَايَةَ لَهُمْ فَهُمْ بُغَاةٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِلَا دَعْوَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ) أَيْ مَالُوا إلَى جِهَةٍ مُجْتَمِعِينَ فِيهَا أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) هَذَا اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خُوَاهَرْ زَادَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ، فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ. وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ بَحْرٌ، وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ بِأَهْوَنَ مِنْ الْقَتْلِ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ زَيْلَعِيٌّ.
مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: افْتَرَضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» وَرُوِيَ «مُجَدَّعٌ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ
وَإِلَّا لَزِمَ بَيْتَهُ دُرَرٌ. وَفِي الْمُبْتَغَى لَوْ بَغَوْا لِأَجَلِ ظُلْمِ السُّلْطَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْهُ لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ مُعَاوَنَةُ السُّلْطَانِ وَلَا مُعَاوَنَتُهُمْ
. (وَلَوْ طَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا) إلَيْهَا (إنْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ) كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ (وَإِلَّا لَا) يُجَابُوا بَحْرٌ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ، فَلَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ رُهُونًا وَأَخَذُوا مِنَّا رُهُونًا، ثُمَّ غَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُوا رُهُونَنَا لَا نَقْتُلُ رُهُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ إلَى أَنْ يَهْلِكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ) إذَا فَعَلُوا بِرُهُونِنَا ذَلِكَ لَا نَفْعَلُ بِرُهُونِهِمْ (وَ) لَكِنْ (يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً) لَنَا. (وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ) أَيْ أُتِمَّ قَتْلُهُ (وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ وَإِلَّا لَا) لِعَدَمِ الْخَوْفِ (وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ فِي أَسِرْهُمْ، إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ) حَتَّى يَتُوبَ أَهْلُ الْبَغْيِ، فَإِنْ تَابُوا حَبَسَهُ أَيْضًا حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً سِرَاجٌ
(وَنُقَاتِلُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْإِغْرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) كَنِسَاءٍ وَشُيُوخٍ (لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ) مَا لَمْ يُقَاتِلُوا، وَلَا يَقْتُلُ عَادِلٌ مَحْرَمَهُ مُبَاشَرَةً مَا لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ
ــ
[رد المحتار]
«عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِكُلِّ مَنْ يُؤَمَّرُ عَلَيْكُمْ مَا لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِمُنْكَرٍ» فَفِي الْمُنْكَرِ لَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ثُمَّ إذَا أَمَرَ الْعَسْكَرَ بِأَمْرٍ فَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ: إنْ عَلِمُوا أَنَّهُ نَفْعٌ بِيَقِينٍ أَطَاعُوهُ وَإِنْ عَلِمُوا خِلَافَهُ كَأَنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلِلْعَدُوِّ مَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ، وَإِنْ شَكُّوا لَزِمَهُمْ إطَاعَتُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَ بَيْتَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّهُمْ قَعَدُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ قَوْلِ الْفِتْنَةِ: إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ. وَمَا رُوِيَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبِيَّةً كَمَا يُتَّفَقُ بَيْنَ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَمَحَلَّتَيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمُلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلُ تَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ. اهـ.
قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ وُجُوبَ إعَانَتِهِمْ إذَا أَمْكَنَ امْتِنَاعُهُ عَنْ بَغْيِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُبْتَغَى، وَلَا تُمْتَنَعُ عَنْهُ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ) أَيْ الصُّلْحَ مِنْ تَرْكِ قِتَالِهِمْ ط (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أَيْ عَلَى الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا نَقْتُلُ رُهُونَهُمْ) أَيْ وَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ عَلَى أَنَّ أَيُّهُمَا غَدَرَ يَقْتُلُ الْآخَرُونَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا آمِنِينَ بِالْمُوَادَعَةِ أَوْ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ لَهُمْ حِينَ أَخَذْنَاهُمْ رَهْنًا وَالْغَدْرُ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً لَنَا) أَوْ بِمَعْنَى إلَّا فَلِذَلِكَ حَذَفَ النُّونَ ح (قَوْلُهُ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِي اُتُّبِعَ (قَوْلُهُ: أَيْ أُتِمَّ قَتْلُهُ) فِي الْمِصْبَاحِ: جَهَزْت عَلَى الْجَرِيحِ مِنْ بَابِ نَفَعَ وَأَجْهَزْت إجْهَازًا أَتْمَمْت عَلَيْهِ وَأَسْرَعْت قَتْلَهُ (قَوْلُهُ: وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ) أَيْ هَارِبُهُمْ لِقَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ كَيْ لَا يَلْحَقَ هُوَ أَوْ الْجَرِيحُ بِفِئَتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْحَقُونَ بِهَا لَا يُجْهَزُ وَلَا يُتْبَعُ (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ قَتَلَهُ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ فِئَةٌ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَعْنَى هَذَا الْخِيَارِ أَنْ يُحَكِّمَ نَظَرَهُ فِيمَا هُوَ أَحْسَنُ الْأَمْرَيْنِ فِي كَسْرِ الشَّوْكَةِ لَا بِهَوَى النَّفْسِ وَالتَّشَفِّي.
(قَوْلُهُ: كَنِسَاءٍ وَشُيُوخٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الصِّبْيَانَ وَالْعُمْيَانَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) أَيْ فَيُقْتَلُونَ حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْتُلُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ) فَإِذَا أَرَادَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ وَلَوْ بِقَتْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِيَقْتُلَهُ
(وَلَمْ تُسْبَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَتُحْبَسُ أَمْوَالُهُمْ إلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِمْ) فَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَبَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فَتْحٌ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْعَبِيدُ نَهْرٌ (وَنُقَاتِلُ بِسِلَاحِهِمْ وَحِيَلِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا) وَلَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ سِرَاجٌ.
(وَلَوْ قَالَ الْبَاغِي: تُبْت وَأَلْقَى السِّلَاحَ مِنْ يَدِهِ كُفَّ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ: كُفَّ عَنِّي لِأَنْظُرَ فِي أَمْرِي لَعَلِّي أَتُوبُ وَأَلْقَى السِّلَاحَ كُفَّ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِك وَمَعَهُ السِّلَاحُ لَا) لِأَنَّ وُجُودَ السِّلَاحِ مَعَهُ قَرِينَةُ بَقَاءِ بَغْيِهِ، فَمَتَى أَلْقَاهُ كُفَّ عَنْهُ وَإِلَّا لَا فَتْحٌ. (وَلَوْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ فَتْحٌ، فَلَا إثْمَ أَيْضًا، وَقَتْلَانَا شُهَدَاءُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى بُغَاةٍ بَلْ يُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ بَدَائِعُ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِهِمْ إلَى الْآفَاقِ) وَكَذَلِكَ رُءُوسُ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ؛ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ أَوْ فَرَاغُ قَلْبِنَا فَتْحٌ وَمَرَّ فِي الْجِهَادِ.
(وَلَوْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ عَمْدًا فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ إنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ الْمِصْرِ (أَحْكَامُهُمْ) وَإِنْ جَرَى لَا لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ (وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا وَرِثَهُ) مُطْلَقًا
ــ
[رد المحتار]
غَيْرُهُ كَعَقْرِ دَابَّتِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ مَحْرَمَهُ مِنْهُمْ مُبَاشَرَةً إلَّا الْوَالِدَيْنِ بَحْرٌ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْوَالِدَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ مُبَاشَرَةً، بَلْ لَهُ مَنْعُهُمَا لِيَقْتُلَهُمَا غَيْرُهُ إلَّا إذَا أَرَادَ قَتْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَهُ قَتْلُهُمَا مُبَاشَرَةً كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْجِهَادِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَا كَالْوَالِدَيْنِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ لَهُ قَتْلَ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ. وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ اُجْتُمِعَ فِي الْبَاغِي حُرْمَتَانِ: حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الْقَرَابَةِ. وَفِي الْكَافِرِ حُرْمَةُ الْقَرَابَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْبَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ) أَيْ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكَذَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى) بِضَمِّ الْكَافِ، مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ، لِمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْكُرَاعَ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مُسْتَدَقُّ السَّاعِدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنْ الْفَرَسِ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ يُجْمَعُ عَلَى أَكْرُعٍ وَالْأَكْرُعُ عَلَى أَكَارِعَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَكَارِعُ لِلدَّابَّةِ قَوَائِمُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْفَعُ) أَيْ أَنْفَعُ مِنْ إمْسَاكِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ لِلرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَأَلْقَى السِّلَاحَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَالَ (قَوْلُهُ: فَمَتَى أَلْقَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا لَمْ يُلْقِ السِّلَاحَ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ، وَمَتَى أَلْقَاهُ كُفَّ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفُّ عَنْهُ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ لَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَصَارَ كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَلُ بِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا إثْمَ أَيْضًا) أَخَذَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَقَتْلَانَا شُهَدَاءُ) أَيْ فَيُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ: بَلْ يُكَفَّنُونَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُغَسَّلُوا كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ: أَوْ أَنَّثَهُ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ أَيْ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) لِمَنْعِ كَوْنِهِ مُثْلَةً، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَنَعَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي رُءُوسِ الْبُغَاةِ؛ وَجَوَّزَهُ فِي رُءُوسِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَجْرِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهُمْ إمَامُ الْعَدْلِ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَى لَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ إذَا قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا
وَبِالْعَكْسِ (إذَا قَالَ) الْبَاغِي وَقْتَ قَتْلِهِ (أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) يَرِثُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا عَلَى حَقٍّ) فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَأَصَرَّ عَلَى دَعْوَاهُ (وَرِثَهُ) أَمَّا لَوْ رَجَعَ تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ دَخَلَ بَاغٍ بِأَمَانٍ فَقَتَلَهُ عَادِلٌ عَمْدًا لَزِمَهُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ.
ــ
[رد المحتار]
لِشَرِّهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْعَادِلُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا. وَوُفِّقَ الزَّيْلَعِيُّ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إتْلَافِهِ حَالَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالْخَيْلِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِعِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ حَمْلُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ أَوْ بَعْدَ كَسْرِهِمْ وَتَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، أَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُجْتَمِعِينَ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِدَلِيلِ حِلِّ قِتَالِنَا لَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ إذْ لَا يُؤْمَرُ بِقِتَالِهِمْ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَوْ أَتْلَفَ الْعَادِلُ مِنْهُمْ شَيْئًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضْمَنُهُ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ إذَا قَتَلَ بَاغٍ عَادِلًا (قَوْلُهُ وَقْتَ قَتْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ ذَلِكَ وَقْتَ قَتْلِهِ، بَلْ اللَّازِمُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَقْتَهُ، لَكِنْ قَدْ يَأْتِي لَفْظُ قَالَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ) وَهِيَ التَّأْوِيلُ بِاعْتِقَادِ كَوْنِهِ عَلَى حَقٍّ (قَوْلُهُ: وَرِثَهُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلُهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَلَوْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ تَغَلَّبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا وَقُدِّرَ عَلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْآخَرِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَلَا ضَمَانَ وَلَا قِصَاصَ، وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أَجْبُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّحَيُّزِ وَالْخُرُوجِ، وَبَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ يُؤْخَذُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلَا مَنْعَةَ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ التَّحَيُّزِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ.
قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ ذَوِي مَنَعَةٍ وَتَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ بِتَأْوِيلٍ سَقَطَ عَنْهُمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ دُونَ مَا كَانَ قَائِمًا، وَيَضْمَنُونَ كُلَّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا قَلِيلِينَ لَا مَنْعَةَ لَهُمْ أَوْ قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ أَوْ بَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَهُ وَقِيلَ يَضْمَنُونَهُ وَقَدَّمْنَا التَّوْفِيقَ (قَوْلُهُ: تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ) أَيْ تَأْوِيلُهُ الَّذِي كَانَ يَتَدَيَّنُ بِهِ وَأَسْقَطْنَا ضَمَانَهُ بِسَبَبِهِ، فَإِذَا رَجَعَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ فَلَا يَرِثُ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ. وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ دِيَانَةً بِدُونِ ضَمِيرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي ابْنِ كَمَالٍ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: عَمْدًا) لَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ، وَهَذِهِ تُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الْمَفْهُومِ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ. اهـ. ح.
(وَيُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ إنْ عُلِمَ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَبَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْحَدِيدِ) وَنَحْوِهِ يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ (لَا) لِأَهْلِ الْبَغْيِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِمْ لِعَمَلِهِ سِلَاحًا لِقُرْبِ زَوَالِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ زَيْلَعِيٌّ.
قُلْت: وَأَفَادَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَا قَامَتْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ يُكْرَه بَيْعُهُ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَتَنْزِيهًا نَهْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ: يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ لَوْ عَادِلًا وَإِلَّا لَا، وَلَوْ كَتَبَ قَاضِيهِمْ إلَى قَاضِينَا كِتَابًا، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ نَفَّذَهُ وَإِلَّا لَا.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَعْلِيلِهِمْ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ط (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) شَمِلَ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ) أَيْ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ كَالْحَدِيدِ، وَنَظِيرُهُ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْمَعَازِفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُقَامُ بِهَا عَيْنُهَا، وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ الْمُتَّخَذَةِ هِيَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْخَمْرِ لَا يَصِحُّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعِنَبِ. وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذَكَرْنَا فَتْحٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنُهَا مُنْكَرًا وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِي اسْتِعْمَالِهَا الْمَحْظُورِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُقَامُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهَا لَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا، فَإِنَّ عَيْنَ الْجَارِيَةِ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا وَالْغِنَاءُ عَارِضٌ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنَ النُّكُرِ، بِخِلَافِ السِّلَاحِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهُ هُوَ الْمُحَارَبَةُ بِهِ فَكَانَ عَيْنُهُ مُنْكَرًا إذَا بِيعَ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِمَا تُقَامُ الْمَعْصِيَةُ بِهِ مَا كَانَ عَيْنُهُ مُنْكَرًا بِلَا عَمَلِ صَنْعَةٍ فِيهِ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الْمُنْكَرِ، وَنَحْوُ الْحَدِيدِ وَالْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعْمَلُ مِنْهُ عَيْنُ الْمُنْكَرِ لَكِنَّهُ بِصَنْعَةٍ تَحْدُثُ فَلَمْ يَكُنْ عَيْنَهُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمْرَدِ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ مِثْلُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَلَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ) مُقْتَضَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَنْفِيُّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَالْمُثْبَتُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ سِلَاحًا كَانَ فِيهِ نَوْعُ إعَانَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) عِبَارَتُهُ: وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِهِ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالْعَصِيرِ وَالْخَشَبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْعَازِفُ، وَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْأَمْرَدِ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي بِهِ مُشْكِلٌ.
وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ جَارِيَةٍ مِمَّنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِمَا مَرَّ. وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَالْمَنْفِيُّ هُوَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ فِي الْكُلِّ تَنْزِيهًا، وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي الْإِعَانَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ (قَوْلُهُ: يُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: لَوْ عَادِلًا) أَيْ لَوْ كَانَ حُكْمُ قَاضِيهمْ عَادِلًا: أَيْ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعَدْلِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا عَلَى مَكَان غَلَبُوا عَلَيْهِ فَقَضَى مَا شَاءَ ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَرُفِعَتْ أَقْضِيَتُهُ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَ مِنْهَا مَا هُوَ عَدْلٌ وَكَذَا مَا قَضَى بِرَأْيِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهِدَاتِ نَافِذٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ قَاضِي الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَتَبَ قَاضِيهِمْ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَإِلَّا لَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ لِفِسْقِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَأَفَادَ صِحَّةَ تَوْلِيَةِ الْبُغَاةِ لِلْقَضَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.