الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ الْبُيُوعِ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ شَرَعَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمُعَامَلَاتِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْوَقْفِ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ وَهُنَا إلَيْهِ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ وَجُمِعَ لِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الْبُيُوعِ]
ِ (قَوْلُهُ: لَمَّا فَرَغَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةِ مَا يَأْتِي مَعَ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ خُصُوصِ الْوَقْفِ وَالْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِبَادَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ تَقَرُّبَ الْعَبْدِ إلَى الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ، وَنَيْلَ الثَّوَابِ وَالْجُودِ، كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوِهَا وَبِالْمُعَامَلَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ قَضَاءَ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَالْبَيْعِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنُ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا لِعَارِضٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، كَمَا لَا تَخْرُجُ الصَّلَاةُ مَعَ الرِّيَاءِ عَنْ كَوْنِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِبَادَةً. ثُمَّ إنْ مَا تَقَدَّمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ هُوَ حُقُوقُهُ - تَعَالَى -، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: عِبَادَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ، وَكَفَّارَاتٌ، فَالْمُعَامَلَاتُ فِي مُقَابَلَةِ حُقُوقِهِ - تَعَالَى -: وَأَرَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى شُرُوعُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ زَمَانٍ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْمَفْقُودِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَكَانَ النِّكَاحُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَكِنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيْضًا، بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، وَهِيَ تَحْصِينُ النَّفْسِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَكْثِيرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ قَالُوا: إنَّ التَّخَلِّيَ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ. وَقَدْ يُقَالُ الْأَوْلَى إيرَادُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ أَيْ الْتِقَاطِهِمَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَجِبُ فَلِذَا ذُكِرَ فِي حُقُوقِهِ - تَعَالَى -، وَكَذَا رَدُّ الْآبِقِ.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا لِمُنَاسَبَةٍ اقْتَضَتْهُ، وَكَذَا اللُّقَطَةُ وَنَحْوِهَا وَالشَّرِكَةُ، وَكَمَا ذَكَرُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ بَعْضَ الْعِبَادَاتِ كَالْأُضْحِيَّةِ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلذَّبَائِحِ، وَالْقَرْضِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْبَيْعِ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ: لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ الْإِزَالَةُ فِي الْوَقْفِ لَا تَنْتَهِي إلَى مَالِكٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ: الْإِمَامُ: هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ ط (قَوْلُهُ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ) أَيْ وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْمَوْجُودِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ. قَالَ: ط: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُرَكَّبًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهَا تَرْكِيبٌ، (قَوْلُهُ: وَجَمَعَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا وَالْمَصْدَرُ لَا يُجْمَعُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْحَدَثِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَقَدْ جَمَعَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَجُمِعَ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ، أَيْ فَإِنَّ أَنْوَاعَ الْمَبِيعَاتِ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ.
1 -
فَإِنَّ الْبَيْعَ الَّذِي
أَنْوَاعًا أَرْبَعَةً: نَافِذٌ مَوْقُوفٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ، وَمُقَايَضَةٌ صَرْفٌ سَلَمٌ مُطْلَقٌ مُرَابَحَةٌ تَوْلِيَةٌ، وَضِيعَةٌ مُسَاوَمَةٌ. (هُوَ) لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ مَالًا أَوْ لَا
ــ
[رد المحتار]
هُوَ الْحَدَثُ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ: نَافِذٌ إنْ أَفَادَهُ الْحُكْمُ لِلْحَالِ، وَمَوْقُوفٌ إنْ أَفَادَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَفَاسِدٌ إنْ أَفَادَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَبَاطِلٌ إنْ لَمْ يُفِدْ أَصْلًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ، أَيْ يَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مِنْ الْأَثْمَانِ: أَيْ النُّقُودِ، أَوْ ثَمَنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ بِثَمَنٍ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ مُقَايَضَةً، وَالثَّانِي صَرْفًا، وَالثَّالِثُ سَلَمًا، وَلَيْسَ لِلرَّابِعِ اسْمٌ خَاصٌّ، فَهُوَ بَيْعٌ مُطْلَقٌ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمِقْدَارِهِ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةٍ فَمُرَابَحَةٌ، أَوْ بِدُونِ زِيَادَةٍ فَتَوْلِيَةٌ، أَوْ أُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ فَوَضِيعَةٌ، أَوْ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَمُسَاوَمَةٌ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ خَامِسًا وَهُوَ الْإِشْرَاكُ: أَيْ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ: أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ مَثَلًا، وَتَرَكَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِوَصْفِ الثَّمَنِ كَكَوْنِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ لَيْسَ الْمُرَادُ اعْتِبَارَ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ أَيْ بِدُونِ تَعَلُّقِ بَيْعٍ بِهِ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِنَّ جَمْعَ الْبَيْعِ بَاقِيًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ حَقِيقَةٌ، بِخِلَافِ جَمْعِهِ مَنْقُولًا إلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُرُودِ أَنَّ الْمُرَادَ جَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ، لَكِنْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ لَا مَنْقُولًا إلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَنْوَاعًا أَرْبَعَةٌ) خَبَرُ الْكَوْنِ، وَقَوْلُهُ: نَافِذٌ إلَخْ، بَيَانٌ لِلْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَقَدْ عَلِمْتَ بَيَانَهَا. ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَ الْأَوَّلِ إلَى مَا ذُكِرَ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَحَدُ طَرِيقَيْنِ لِلْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْحَقُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَهُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ وَفَاسِدٍ وَمَوْقُوفٍ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمُقَابَلَةِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ، وَظَاهِرُهُ شُمُولُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَيْءٌ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَتَّى صَحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِالْمَالِ، وَكَذَا بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَالِ وَالْمِلْكِ وَالْمُتَقَوِّمِ (قَوْلُهُ: مَالًا أَوْ لَا) إلَخْ، الْمُرَادُ بِالْمَالِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا؛ فَمَا يُبَاحُ بِلَا تَمَوُّلٍ لَا يَكُونُ مَالًا كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَمَا يُتَمَوَّلُ بِلَا إبَاحَةِ انْتِفَاعٍ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَالَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَمَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الْإِبَاحَةِ، فَالْخَمْرُ مَالٌ لَا مُتَقَوِّمٌ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ لَا بِالْأَثْمَانِ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلَاتِ الصُّنَّاعِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ مِنْ التَّلْوِيحِ. وَمِنْ هَذَا قَالَ: فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ؛ وَلِذَا تُشْتَرَطُ
بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ وَبِاللَّامِ، يُقَالُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ، وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي: أَيْ بِلَا رِضَاهُ. وَشَرْعًا: (مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِمِثْلِهِ) خَرَجَ غَيْرُ الْمَرْغُوبِ كَتُرَابٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ
ــ
[رد المحتار]
الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ.
وَفِي التَّلْوِيحِ أَيْضًا مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدَّخَرَ لِلِانْتِفَاعِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَالتَّقْوِيمُ يَسْتَلْزِمُ الْمَالِيَّةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمِلْكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ، خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَأُمْكِنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ. اهـ.
قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْقَتْلُ وَالْإِهْلَاكُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَالِ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إهْلَاكُ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ بِلَا انْتِفَاعٍ أَصْلًا كَقَتْلِ الدَّابَّةِ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ: أَيْ إخْوَةُ يُوسُفَ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ، وَقِيلَ: بَاعُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَالْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَبِيعِ فِيهِ مَالًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَرِقُّونَ الْأَحْرَارَ وَيَبِيعُونَهُمْ، فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُرَّ يُمْلَكُ قَبْلَ شَرْعِنَا، بِدَلِيلِ - {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75]- ثُمَّ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْحُرَّ كَانَ مَالًا فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى اُسْتُرِقَّ السَّارِقُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ. اهـ. فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111]- {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} [التوبة: 111]- {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16]- وَنَحْوَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَافْهَمْ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ لُغَةً بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَوْلَى مِمَّا فِي الْفَتْحِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُقَابَلَةِ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ وَعَلَى ضِدِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79]- أَيْ قُدَّامَهُمْ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ بَاعَهُ إذَا أَخْرَجَ الْعَيْنَ مِنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَبَاعَهُ أَيْ اشْتَرَاهُ. اهـ. وَكَذَا الشِّرَاءُ بِدَلِيلِ - {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]- فَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ، لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا) أَيْ بِنَفْسِهِ إلَى مَفْعُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ) كَبِعْتُ مِنْ زَيْدٍ الدَّارَ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّهَا لِلتَّعْدِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ: وَبِاللَّامِ) أَيْ قَلِيلًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَطَّاعِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ: وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ مَكَانَ مِنْ، تَقُولُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ بِعْتُكَ الشَّيْءَ) مِثَالٌ لِلْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مِثَالَ التَّعَدِّي بِمِنْ (قَوْلُهُ: وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي) أَفَادَ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِعَلَى أَيْضًا فِي مَقَامِ الْإِجْبَارِ وَالْإِلْزَامِ (قَوْلُهُ: مُبَادَلَةُ شَيْءٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ الْأَوَّلِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَتَبَادَلَ الْمُتَبَايِعَانِ شَيْئًا مَرْغُوبًا فِيهِ بِمِثْلِهِ، فَشَيْئًا مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَبِمِثْلِهِ مَفْعُولٌ ثَانٍ بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرْغُوبٍ فِيهِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْغَبَ إلَيْهِ النَّفْسُ وَهُوَ الْمَالُ؛ وَلِذَا احْتَرَزَ بِهِ الشَّارِحُ عَنْ التُّرَابِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ؛ وَلِذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُلْتَقَى فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، فَقَدْ تَسَاوَى التَّعْرِيفَانِ فَافْهَمْ، نَعَمْ زَادَ فِي الْكَنْزِ بِالتَّرَاضِي.
عَلَى وَجْهٍ) مُفِيدٍ. (مَخْصُوصٍ) أَيْ بِإِيجَابٍ أَوْ تَعَاطٍ، فَخَرَجَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَخَرَجَ بِمُفِيدٍ مَا لَا يُفِيدُ،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْمَوْقُوفِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَيْعُ الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ بِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ النَّافِذِ، وَمَنْ تَرَكَهُ أَرَادَ الْأَعَمَّ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ لَا مَوْقُوفٌ فَقَطْ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِ النُّقَايَةِ. قُلْتُ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ كَذَلِكَ لَكِنْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فَاسِدٌ وَإِنْ خَالَفَ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وَأَفَادَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، وَأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَصِحُّ وَيَزُولُ الْفَسَادُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْإِجَازَةِ صِحَّتُهُ، فَصَحَّ كَوْنُهُ فَاسِدًا مَوْقُوفًا، وَظَهَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْهُ فَاسِدٌ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ، وَمِنْهُ صَحِيحٌ كَبَيْعِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ مَحْجُورَيْنِ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مُطْلَقًا بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَالْفَاسِدَ بَيْعٌ أَيْضًا وَإِنْ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَ التَّرَاضِي فِي التَّعْرِيفِ؛ وَلِذَا قَالَ: فِي الْفَتْحِ: إنَّ التَّرَاضِيَ لَيْسَ جُزْءَ مَفْهُومِ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، بَلْ شَرْطُ ثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا. اهـ.
أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءَ مَفْهُومِهِ شَرْعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بَاطِلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلْفَاسِدِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرَاضِي لِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ غَيْرَ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَعْرِيفَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ لِخُرُوجِ هَذَا مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ تَعْرِيفُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ أَكْثَرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَشْفِ وَالتَّلْوِيحِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، وَمَرَّ الْفَرْقُ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمَ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ فَافْهَمْ. وَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفُ فَقَطْ الْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ. قَالَ: ط: فَإِنَّ فِيهِمَا مُبَادَلَةَ مَالٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجَانِ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالتَّعَاطِي. اهـ.
إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْغُوبِ فِيهِ الْمَالُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَالْمَنْفَعَةُ غَيْرُ الْمَالِ كَمَا مَرَّ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُبَادَلَةَ هِيَ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ: أَيْ التَّمْلِيكُ الْمُطْلَقُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا مُقَيَّدًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مُفِيدٍ) هَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُفِيدٍ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا لَا يُفِيدُ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اتَّحَدَ وَزْنًا وَصِفَةً وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ شُمُولَ التَّعْرِيفِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَاسِدِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إخْرَاجِ نَوْعٍ مِنْهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ بَاطِلًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ، لَكِنَّ بُطْلَانَهُ بَعِيدٌ لِوُجُودِ الْمُبَادَلَةِ بِالْمَالِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِإِيجَابٍ أَوْ تَعَاطٍ) بَيَانٌ لِلْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَأَرَادَ الْإِيجَابَ مَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فَيَشْمَلُ الْقَبُولَ، وَإِلَّا لَمْ يَخْرُجْ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ ط فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَخْ) قَالَ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَشْمَلُ مُبَادَلَةَ رَجُلَيْنِ بِمَالِهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْهِبَةِ
فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اسْتَوَيَا وَزْنًا وَصِفَةً، وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ دَارِهِ بِحِصَّةِ الْآخَرِ صَيْرَفِيَّةٌ وَلَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَشْبَاهٌ
(وَيَكُونُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَمَّا الْقَوْلُ فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) وَهُمَا رُكْنُهُ
وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً، أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. اهـ.
قُلْتُ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْمُبَادَلَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النَّهْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ الرَّجُلُ عَوَّضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَر بِلَا شَرْطٍ فَهُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ الْمُبَادَلَةِ لَكِنْ مِنْ جَانِبِ الثَّانِي، وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَبْعَثُ إِلَيْهَا مَتَاعًا وَتَبْعَثُ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ هِبَةٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْعَارِيَّةَ رَجَعَ وَلَهَا أَيْضًا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ التَّعْوِيضَ عَنْ هِبَةٍ، فَلَمَّا لَمْ تُوجَدْ الْهِبَةُ بِدَعْوَى الْعَارِيَّةِ لَمْ يُوجَدْ التَّعْوِيضُ عَنْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهُ شَيْئًا مَعِيبًا فَهُوَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ الْمُبَادَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: اسْتَوَيَا وَزْنًا) أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِرِبَا الْفَضْلِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَقَوْلُهُ:" وَصِفَةً " خَرَجَ مَا اخْتَلَفَا فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ الْوَزْنِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا كَبِيرًا وَالْآخَرِ صَغِيرًا أَوْ أَحَدِهِمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرِ أَبْيَضَ. قُلْتُ: وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الذَّخِيرَةِ: بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، أَمَّا إذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ: بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ الْمُسْتَوِيَيْنِ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّارَ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَفْرُوزَةً عَنْ الْأُخْرَى فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَغْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعٌ مُفِيدٌ، بِخِلَافِ الْمُشَاعَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ الْبَيْعُ مِنَحٌ، وَالْأَظْهَرُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَهُوَ بَيَانٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ تَكْرَارًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا رُكْنُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَيُحْتَمَلُ إرْجَاعُهُ لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَحْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُهُ الْمُبَادَلَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَى التَّبَادُلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ التَّعَاطِي، فَرُكْنُهُ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا مَا يَشْمَلُ فِعْلَ اللِّسَانِ، وَبِالْفِعْلِ ثَانِيًا غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا: أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَا يُنَافِي الرِّضَا كَإِكْرَاهٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ عَيْنُهُ، وَإِذَا أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَيَكُونُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَا يَرِدُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْبَيْعِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ رَائِقَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ بِكَوْنِهِمَا عَاقِلَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ. مَطْلَبٌ: شَرَائِطُ الْبَيْعِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ شَرَائِطَ الْبَيْعِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: شَرْطُ انْعِقَادٍ وَنَفَاذٍ وَصِحَّةٍ وَلُزُومٍ. فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: فِي الْعَاقِدِ، وَفِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَفِي مَكَانِهِ، وَفِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَشَرَائِطُ الْعَاقِدِ اثْنَانِ: الْعَقْلُ وَالْعَدَدُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ، وَلَا وَكِيلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إلَّا فِي الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي، وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ، وَالرَّسُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ، فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّبِيِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَوْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ مَوْقُوفًا وَلِغَيْرِهِ نَافِذًا، وَلَا الْإِسْلَامُ وَالنُّطْقُ وَالصَّحْوُ. وَشَرْطُ الْعَقْدِ اثْنَانِ أَيْضًا: مُوَافَقَةُ الْإِيجَابِ لِلْقَبُولِ، فَلَوْ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ بِغَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِبَعْضِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا وَعَقَارًا فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ وَحْدَهُ، وَكَوْنُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي.
وَشَرْطُ مَكَانِهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ. وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سِتَّةٌ: كَوْنُهُ مَوْجُودًا مَالًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَهَذَا الْعَبْدُ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ، وَلَا بَيْعُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلَا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ مُسْلِمٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ، وَلَا بَيْعُ الْكَلَأِ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَالْمَاءِ فِي النَّهْرِ أَوْ بِئْرٍ، وَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ، إلَّا السَّلَمُ وَالْمَغْصُوبُ لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ مَوْقُوفٌ، وَبَيْعُ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ نَافِذٌ، وَلَا بَيْعُ مَعْجُوزِ التَّسْلِيمِ كَالْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَصَارَتْ شَرَائِطُ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ. قُلْتُ: صَوَابُهُ تِسْعَةٌ.
1 -
وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ شَرَائِطُ النَّفَاذِ فَاثْنَانِ: الْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَيْعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا، أَمَّا شِرَاؤُهُ فَنَافِذٌ.
قُلْتُ: أَيْ لَمْ يَنْعَقِدْ إذَا بَاعَهُ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ مَالِكِهِ لَكِنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ. وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهُ مَوْقُوفًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَالْوِلَايَةُ إمَّا بِإِنَابَةِ الْمَالِكِ كَالْوَكَالَةِ، وَالشَّارِعِ كَوِلَايَةِ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ وَصِيِّهِ، وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ مَرْهُونٍ وَمُسْتَأْجَرٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا لِمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ.
1 -
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: مِنْهَا عَامَّةٌ وَمِنْهَا خَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ لِكُلِّ بَيْعٍ شُرُوطُ الِانْعِقَادِ الْمَارَّةُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ لَا يَصِحُّ، وَعَدَمُ التَّوْقِيتِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَبِيعِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الثَّمَنِ بِمَا يَرْفَعُ الْمُنَازَعَةَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِحُكْمِ فُلَانٍ وَخُلُوُّهُ عَنْ شَرْطٍ مُفْسِدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالرِّضَا وَالْفَائِدَةِ، فَفَسَدَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَشِرَاؤُهُ كَمَا مَرَّ، وَالْخَاصَّةُ مَعْلُومَةُ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ ثَمَنُهُ، وَالْقَبْضُ فِي بَيْعِ الْمُشْتَرَى الْمَنْقُولِ، وَفِي الدَّيْنِ، فَفَسَدَ بَيْعُ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَرَأْسُ الْمَالِ وَبَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ وَكَوْنُ الْبَدَلِ مُسَمًّى فِي الْمُبَادَلَةِ الْقَوْلِيَّةِ، فَإِنَّ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَ وَمَلَكَ بِالْقَبْضِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا، وَالْخُلُوُّ عَنْ شُبْهَةٍ، وَوُجُودُ شَرَائِطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَعِلْمُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي مُرَابَحَةٍ، وَتَوْلِيَةٍ وَإِشْرَاكٍ وَوَضِيعَةٍ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ شَرَائِطُ اللُّزُومِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالنَّفَاذِ فَخُلُوُّهُ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبَاقِي الْخِيَارَاتِ
وَمَحَلُّهُ الْمَالُ.
وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ.
وَحِكْمَتُهُ نِظَامُ بَقَاءِ الْمَعَاشِ وَالْعَالَمِ.
وَصِفَتُهُ: مُبَاحٌ مَكْرُوهٌ حَرَامٌ وَاجِبٌ.
وَثُبُوتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ
(فَالْإِيجَابُ) هُوَ: (مَا يُذْكَرُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِ) أَحَدِ (الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَالْقَبُولُ مَا يُذْكَرُ ثَانِيًا مِنْ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَإِنْ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت
ــ
[رد المحتار]
الْآتِيَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَقَدْ صَارَتْ جُمْلَةُ الشَّرَائِطِ سِتَّةً وَسَبْعِينَ. اهـ.
مُلَخَّصًا أَيْ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا وَشَرَائِطَ النَّفَاذِ اثْنَانِ، وَشَرَائِطَ الصِّحَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَارَتْ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثِينَ، وَهِيَ كُلُّهَا شَرَائِطُ اللُّزُومِ مَعَ زِيَادَةِ الْخُلُوِّ مِنْ الْخِيَارَاتِ، لَكِنْ بِذَلِكَ تَصِيرُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ، نَعَمْ تَنْقُصُ ثَمَانِيَةً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ تِسْعَةٌ فَيَسْقُطُ مِنْهَا اثْنَانِ، وَمِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اثْنَانِ، وَمِنْ شَرَائِطِ اللُّزُومِ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ الْجُمْلَةُ تِسْعَةً وَسِتِّينَ نَعَمْ يُزَادُ فِي شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرِيَاهُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ الْمَالُ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَكَانَ عَلَيْهِ إبْدَالُهُ بِالْمُتَقَوِّمِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَالِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَيَخْرُجُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَمَا كَانَ مَالًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ) أَيْ فِي الْبَدَلَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَدَلٍ، وَهَذَا حُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ، وَالتَّابِعُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، وَوُجُوبُ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لَوْ عَقَارًا، وَعِتْقُ الْمَبِيعِ لَوْ مُحَرَّمًا مِنْ الْبَائِعِ بَحْرٌ، وَصَوَابُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي.
(قَوْلُهُ: وَحِكْمَتُهُ نِظَامُ بَقَاءِ الْمَعَاشِ وَالْعَالَمِ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: بَقَاءُ نِظَامِ الْمَعَاشِ إلَخْ فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى خَلَقَ الْعَالَمَ عَلَى أَتَمِّ نِظَامٍ وَأَحْكَمَ أَمْرَ مَعَاشِهِ أَحْسَنَ إحْكَامٍ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِحَرْثِ الْأَرْضِ وَبَذْرِ الْقَمْحِ وَخِدْمَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَحَصْدِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَتَذْرِيَتِهِ وَتَنْظِيفِهِ وَطَحْنِهِ وَعَجْنِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِيَدِهِ مَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ وَالْحَصْدِ وَنَحْوِهِ فَضْلًا عَنْ اشْتِغَالِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ فَاضْطُرَّ إلَى شِرَاءِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا الشِّرَاءُ لَكَانَ يَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ أَوْ السُّؤَالِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا قَاتَلَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَتِمُّ مَعَ ذَلِكَ بَقَاءُ الْعَالَمِ.
(قَوْلُهُ: مُبَاحٌ) هُوَ مَا خَلَا عَنْ أَوْصَافِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: مَكْرُوهٌ) كَالْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ فِي الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) كَبَيْعِ خَمْرٍ لِمَنْ يَشْرَبُهَا. (قَوْلُهُ: وَاجِبٌ) كَبَيْعِ شَيْءٍ لِمَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةِ) فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَاعَ وَاشْتَرَى وَأَقَرَّ أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَالْمَعْقُولِ اهـ.
ح؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ يَجْزِمُ الْعَقْلُ بِثُبُوتِهِ كَبَاقِي الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا انْتِظَامُ مَعَاشِهِ وَبَقَائُهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَالْإِيجَابُ إلَخْ) هَذِهِ الْفَاءُ الْفَصِيحَةُ وَهِيَ الْمُفْصِحَةُ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ: أَيْ إذَا أَرَدْتُ مَعْرِفَةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: الْإِيجَابُ الْإِثْبَاتُ لُغَةً لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْمُرَادُ هُنَا إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْخَاصِّ وَالدَّالِّ عَلَى الرِّضَا الْوَاقِعِ أَوَّلًا سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي، كَأَنْ يَبْتَدِئَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ، وَالْقَبُولُ الْفِعْلُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا إيجَابٌ: أَيْ إثْبَاتٌ فَسَمَّى الثَّانِيَ بِالْقَبُولِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ الْإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قَبُولًا وَرِضًا بِفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَالْقَبُولُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ؛ وَلِذَا قَالَ: الْمُصَنِّفُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْإِيجَابَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا عُلِمَ أَنَّ الْقَبُولَ هُوَ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا مِنْ كَلَامِ أَحَدِهِمَا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: مَا يُذْكَرُ ثَانِيًا مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ الْعَاقِدِ الْآخَرِ وَالتَّعْبِيرُ بِ يُذْكَرُ لَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ، وَعَرَّفَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الثَّانِي كَمَا مَرَّ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ، فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ: كُلُّ هَذَا الطَّعَامِ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ، وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ.
الدَّالُ عَلَى التَّرَاضِي) قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَإِنْ انْعَقَدَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ مَعَهُ.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ الْقَبُولُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي وَكَذَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ، فَفِي جَعْلِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ نَظَرٌ. اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَبْضَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَعَلَيْهِ فَتَعْرِيفُ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ. (قَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الرِّضَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ وَحْدُهُ بَلْ هُوَ مَعَ الْقَبُولِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى - {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]-. (قَوْلُهُ: وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ) اسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ بَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ لُغَةً إلَّا أَنَّهُ اسْتَبْدَلَهُ بِالتَّرَاضِي. اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكِفَايَةِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَقَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الرَّاغِبِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ) قَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ الْمُعَرَّفَ يَشْمَلُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ: الْبَيْعُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ بَيْعَ الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ: أَيْ لَا لِلِاحْتِرَازِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الْمُقَابِلَ لِلُّغَوِيِّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّرَاضِي فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، إذْ لَوْ كَانَ جُزْءُ مَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بَاطِلًا لَا فَاسِدًا، بَلْ التَّرَاضِي شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالشَّرْعِيِّ الْخَالِيَ عَنْ الْفَسَادِ فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرَاضِي لَا يُخْرِجُ بَقِيَّةَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لَهَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا التَّرَاضِيَ قَيْدًا فِي التَّعْرِيفِ. أَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي فَلَا لِكَوْنِهِ ذَكَرَهُ صِفَةً لِلْإِيجَابِ، فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الرِّضَا حَقِيقَةً فَلَا يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الْمُكْرَهِ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ مَعَ الْهَزْلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ إلَخْ) الْهَزْلُ فِي اللُّغَةِ: اللَّعِبُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يَوْضَعْ لَهُ، وَلَا مَا صَحَّ لَهُ اللَّفْظُ اسْتِعَارَةً، وَالْهَازِلُ يَتَكَلَّمُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ، لَكِنْ لَا يَخْتَارُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَلَا يَرْضَاهُ. وَالِاخْتِيَارُ: هُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ. الرِّضَا: هُوَ إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ، فَالْمُكْرِهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا: إنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْقَبَائِحَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِرِضَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ. وَشَرْطُهُ: أَيْ شَرْطُ تَحَقُّقِ الْهَزْلِ وَاعْتِبَارُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِاللِّسَانِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا، وَلَا يَكْتَفِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، فَيَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَاضَعَةُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ، فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ: أَيْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يُرِيدَانِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَرْفَعَا الْهَزْلَ وَلَمْ يَرْجِعَا عَنْهُ فَالْبَيْعُ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ هَكَذَا ذَكَرُوا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِوُجُودِ حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ.
وَأَمَّا الْفَاسِدُ
هَذَا وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ خَرَجَا مَعًا صَحَّ الْبَيْعُ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا قَالُوا فِي السَّلَامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ تَكْرَارُ الْإِيجَابِ مُبْطِلٌ لِلْأَوَّلِ إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ،
ــ
[رد المحتار]
فَحُكْمُهُ أَنْ يُمْلَكَ بِالْقَبْضِ حَيْثُ كَانَ مُخْتَارًا رَاضِيًا بِحُكْمِهِ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا بِهِ فَلَا. اهـ. مَنَارٌ وَشَرْحُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْعِلَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُنَافَاتِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَفْيِ الِانْعِقَادِ الصَّحِيحِ أَوْ يَتَمَشَّى عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْفَاسِدَ عَلَى الْبَاطِلِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي بَابِهِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُمَا لَوْ أَجَازَهُ جَازَ وَالْبَاطِلُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا، وَالْفَاسِدَ مَا كَانَ مُنْعَقِدًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَهَذَا مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ دُونَ وَصْفِهِ؛ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُطْلَانِ الْفَسَادُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَتَمَامُهُ فِيهَا. قُلْتُ: وَهَذِهِ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ. وَأَمَّا عَدَمُ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فَلِكَوْنِهِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ لَهُمَا، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ؛ وَلِذَا قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ: إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَاسِدًا مَلَكَهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى لَا يَمْلِكُهُ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ كَمَا فِي الْأُصُولِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَهُ لَهُ كَذَلِكَ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةً لَا يَمْلِكُهُ بِهِ. اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْهَزْلِ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ وَذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي الْإِكْرَاهِ. .
(قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ) أَيْ تَعْرِيفَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَيْثُ قَيَّدَ الْإِيجَابَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَالْقَبُولَ بِكَوْنِهِ ثَانِيًا ط. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالُوا فِي السَّلَامِ) أَيْ لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُسَلِّمِ مَعَ السَّلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْرَارِ هُوَ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لَمَّا بَطَلَ صَارَ الثَّانِي أَوَّلًا فِي التَّحْقِيقِ، عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِيجَابَيْنِ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَبُولِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: تَكْرَارُ الْإِيجَابِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: مُبْطِلٌ لِلْأَوَّلِ) وَيَنْصَرِفُ الْقَبُولُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي، وَيَكُونُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ بَحْرٌ، وَصَوَابُهُ بِالثَّمَنِ الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَشْبَاهِ الطَّلَاقَ بَلْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْبِيرِيُّ عَلَى الْأَشْبَاهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِتْقِ مَعَ أَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ ذَكَرَ الطَّلَاقَ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا كَالْبَيْعِ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ. اهـ. وَفِي الْبِيرِيِّ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ: لِغَيْرِهِ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ دِينَارٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ انْصَرَفَ قَبُولُهُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ: الْعَبْدُ قَبِلْتُ لَزِمَهُ الْمَالَانِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، وَرُجُوعُ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي عَامِلٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي يَعْمَلُ رُجُوعُهُ، وَإِذَا عَمِلَ رُجُوعُهُ بَطَلَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ وَانْصَرَفَ الْقَبُولُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي. أَمَّا رُجُوعُ الْمَوْلَى عَنْ إيجَابِ الْعِتْقِ لَيْسَ بِعَامِلٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ بِالْمَالِ تَعْلِيقٌ بِالْقَبُولِ، وَالرُّجُوعُ فِي التَّعْلِيقَاتِ
وَسَيَجِيءُ فِي الصُّلْحِ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
لَا يَعْمَلُ، فَبَقِيَ كُلٌّ مِنْ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَانْصَرَفَ الْقَبُولُ إلَيْهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي الصُّلْحِ) قَالَ: الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أُعِيدَ فَالثَّانِي بَاطِلٌ إلَّا فِي الْكَفَالَةِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَمَا فِي النَّظْمِ مِنْ تَكْرَارِ الْعَقْدِ، وَالْكَلَامُ فِي تَكْرَارِ الْإِيجَابِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
ح أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَتَكْرَارُهُ غَيْرُ تَكْرَارِ الْإِيجَابِ الَّذِي كَلَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ عَقْدٍ بَعْدَ عَقْدٍ جُدِّدَ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرَى: قَبِلْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي، وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ: بِعْتُهُ مِنْكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَقَالَ: الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ بَاعَ بِعَشَرَةٍ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَبْقَى الْأَوَّلُ بِحَالِهِ. اهـ. فَهَذَا مِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْإِيجَابِ فَقَطْ وَمِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: فَأَبْطَلَ الثَّانِيَ) أَيْ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا عَلِمْتَ؛ لِأَنَّهُ سُدَى أَيْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَضْحَى بَاطِلًا) هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ، فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ، وَيُفْسَخُ الْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ بِيرِيٌّ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ، وَبُطْلَانُ الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدُ الْإِرَادَةِ هُنَا فَالْمُنَاسِبُ حَمْلُ الصُّلْحِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْبَيْعِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا النِّكَاحُ) أَيْ فَالثَّانِي بَاطِلٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِيهِ إلَّا إذَا جَدَّدَهُ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ. قُلْتُ: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ إذَا جُدِّدَ الْعَقْدُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْكَافِي لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ الْأَلْفَانِ وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ إذْ الْعَقْدُ الثَّانِي لَغْوٌ فَيَلْغُو مَا فِيهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الثَّانِي وَإِنْ لَغَا لَا يَلْغُو مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَنَّ الثَّانِي هَزْلٌ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ مَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَقَطْ، وَبَعْضَهُمْ أَوْجَبَ كِلَا الْمَهْرَيْنِ وَأَنَّ قَاضِي خَانْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اللُّزُومَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دِيَانَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْهَزْلِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ: اعْتِمَادُ قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ مِنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَوْنِ الثَّانِي لَغْوًا أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِهِ. (قَوْلُهُ: مَا عَدَا مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَأَبْطَلَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مِنْهَا الشِّرَا بَعْدَ الشِّرَاءِ) بِقَصْرِ الشِّرَا الْأَوَّلِ لِلنَّظْمِ قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ أَطْلَقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِجِنْسٍ آخَر، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. اهـ.
وَكُلُّ عَقْدٍ بَعْدَ عَقْدٍ جُدِّدَا
…
فَأَبْطِلْ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ سُدَى
فَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَضْحَى بَاطِلَا
…
كَذَا النِّكَاحُ مَا عَدَا مَسَائِلَا
مِنْهَا الشِّرَا بَعْدَ الشِّرَاءِ صَحَّحُوا
…
كَذَا كَفَالَةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا
إذْ الْمُرَادُ صَاحَ فِي الْمُحَقِّقِ
…
مِنْهَا إذًا زِيَادَةُ التَّوَثُّقِ
(وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنَى التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ مَاضِيَيْنِ) كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْتُ: فَعَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ؛ وَلِذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ انْعَقَدَ الثَّانِي وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا هَلْ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ. اهـ.
قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْفَسِخُ. اهـ. لَكِنْ جَزَمَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ وَكَذَا قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِتِسْعَةٍ وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ بِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. اهـ.
رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: كَذَا كَفَالَةٌ) قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ: الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِيءَ الْكَفِيلَانِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِيءَ الْكَفِيلُ الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَالَ: وَأَشَارَ بِجَوَازِ تَعَدُّدِهَا إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ كَفِيلًا آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ.
[تَنْبِيهٌ] زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَسْخٌ لِلْأُولَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ: الْبَحْرُ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا اتَّحَدَتْ فِيهَا وَاتَّحَدَ الْأَجْرَانِ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَة كَالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُرَادُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا فِي الْحَقِيقَةِ إذَا أَيْ حِينَ كُرِّرَتْ إنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ التَّوَثُّقِ بِأَخْذِ كَفِيلٍ آخَرَ، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَبَةِ أَيِّهِمَا أَرَادَ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا عِبَارَةٌ إلَخْ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مُعَبَّرٌ بِهِمَا عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ. قَالَ: الزَّيْلَعِيُّ: وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَرَضِيتُ أَوْ أَعْطَيْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِكَذَا. اهـ.
أَوْ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ لِي عَلَيْك فَأَكَلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ، وَيَنْعَقِدُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ بِفِعْلِ قَلْبٍ كَإِنْ أَرَدْتَ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَوْ إنْ أُعْجِبْتَ أَوْ وَافَقَكَ فَقَالَ: أَعْجَبَنِي أَوْ وَافَقَنِي، وَأَمَّا إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ الثَّمَنَ فَقَدْ بِعْتُكَ فَإِنْ أَدَّى فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَشْرَكْتُكَ فِيهِ وَأَدْخَلْتُكَ فِيهِ، وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الرَّدِّ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. قُلْتُ: وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ قَالَ: أَرُدُّ عَلَيْكَ هَذِهِ الْأَمَةَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَبِلَ الْآخَرُ ثَبَتَ الْبَيْعُ. اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْتُ: وَفِي عُرْفِنَا يُسَمَّى بَيْعُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَمَانًا فَإِذَا قَالَ: ضَمَّنْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ بِكَذَا، وَقَبِلَ الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَكَذَا تَعَارَفُوا فِي بَيْعِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّوَابِّ لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ لَفْظَ الْمُقَاصَرَةِ، فَيَقُولُ: قَاصَرْتُكَ بِكَذَا وَمُرَادُهُ بِعْتُك حِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الدَّابَّةِ بِكَذَا فَإِذَا قَبِلَ الْآخَرُ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ عُرْفًا.
أَوْ حَالَيْنِ) كَمُضَارِعَيْنِ لَمْ يُقْرَنَا بِسَوْفَ وَالسِّينِ كَأَبِيعُكَ فَيَقُولُ أَشْتَرِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ حَالٌ.
(وَ) لَكِنْ (لَا يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي) فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا لَا إذَا اسْتَعْمَلُوهُ لِلْحَالِ كَأَهْلِ خُوَارِزْمَ فَكَالْمَاضِي وَكَأَبِيعُكَ الْآنَ لِتَمَحُّضِهِ لِلْحَالِ، وَأَمَّا الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَكَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا إلَّا الْأَمْرُ إذَا دَلَّ عَلَى الْحَالِ كَخُذْهُ بِكَذَا فَقَالَ أَخَذْتُ أَوْ رَضِيتُ صَحَّ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَلْيُحْفَظْ
(وَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى عُضْوٍ يَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ) كَوَجْهٍ وَفَرْجٍ (وَإِلَّا لَا) كَظَهْرٍ وَبَطْنٍ
(وَ) كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى بِعْت وَاشْتَرَيْت نَحْوُ: (قَدْ فَعَلْتُ وَنَعَمْ وَهَاتِ الثَّمَنَ) وَهُوَ لَكَ أَوْ عَبْدُكَ أَوْ فِدَاكَ أَوْ خُذْهُ (قَبُولٌ)
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَنْ لَفْظَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ: فُضُولِيٌّ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ فَبَلَغَهُ فَسَكَتَ مُتَأَمِّلًا فَقَالَ: ثَالِثٌ: هَلْ أَذِنْتَ لِي فِي الْإِجَازَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَأَجَازَهُ يَنْفُذُ، وَلَوْ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِنَعَمٍ فَلَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ الرَّأْسِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا يُعْتَبَرُ اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا قَالَ: لَهُ بِعْنِي كَذَا بِكَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ، فَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت وَحَصَلَ التَّسْلِيمُ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّسْلِيمُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَيْعِ التَّعَاطِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِشَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ لَمْ تُعْتَبَرْ إشَارَتُهُ إلَّا فِي أَرْبَعٍ الْكُفْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالنَّسَبُ وَالْإِفْتَاءُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَالَيْنِ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الصَّادِرُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ ط عَنْ الْمِنَحِ وَكَذَا الْمَاضِي فِيمَا لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّانِي) فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى الِاسْتِقْبَالَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ط. (قَوْلُهُ: لِلْحَالِ) أَيْ وَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلْوَعْدِ وَالِاسْتِقْبَالِ ط. (قَوْلُهُ: فَكَالْمَاضِي) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بَحْرٌ ط. (قَوْلُهُ: وَكَأَبِيعُكَ الْآنَ) عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى اهـ.
ح وَهَذَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَتْ نِيَّةُ الْحَالِ فَالتَّصْرِيحُ بِهِ أَوْلَى ط.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُتَمَحَّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ) كَالْمَقْرُونِ بِالسِّينِ وَسَوْفَ ط. (قَوْلُهُ: كَالْأَمْرِ) بِأَنْ قَالَ: الْمُشْتَرِي: بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَيَقُولُ: بِعْتُ أَوْ يَقُولُ: الْبَائِعُ: اشْتَرِهِ مِنِّي بِكَذَا فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى بِذَلِكَ الْحَالَ أَوْ لَا لِكَوْنِ الْأَمْرِ مُتَمَحَّضًا لِلِاسْتِقْبَالِ وَكَذَا الْمُضَارِعُ الْمَقْرُونُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ. (قَوْلُهُ: كَخُذْهُ بِكَذَا إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَكِنَّ خُصُوصَ مَادَّتِهِ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ، فَكَانَ كَالْمَاضِي إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَاسْتِدْعَاءَ خُذْ سَبْقَهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَيَثْبُتُ بِاشْتَرَيْتُ اقْتِضَاءً بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ بِلَا فَاءٍ لَا يَعْتِقُ.
(قَوْلُهُ: كَوَجْهٍ وَفَرْجٍ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك وَجْهَ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ فَرْجَ هَذِهِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا دَلَّ إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: قَبُولٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَكُلُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَبُولٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إيجَابًا مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَيَكُونُ إيجَابًا أَيْضًا قَالَ: فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ نَعَمْ إيجَابًا وَكَذَا تَقَعُ قَبُولًا
لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ بَدَأَ الْبَائِعُ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي بِنَعَمْ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ وَبِعَكْسِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَفِي الْقُنْيَةِ نَعَمْ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ كَهَلْ بِعْتَ مِنِّي بِكَذَا بِيعَ إنْ نَقَدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ دَلِيلُ التَّحْقِيقِ
وَلَوْ قَالَ: بِعْته فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ غَيْرُهُ جَازَ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ (عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ) فَلَوْ قَالَ بِعْتُ فُلَانًا الْغَائِبَ فَبَلِّغْهُ فَقَبِلَ لَمْ يَنْعَقِدْ (اتِّفَاقًا) إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا.
(كَمَا) لَا يَتَوَقَّفُ. (فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَظْهَرِ) خِلَافًا لِلثَّانِي،
ــ
[رد المحتار]
فِيمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: نَعَمْ. اهـ. وَنَحْوَهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِعْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرِي قَدْ فَعَلْتُ، فَهَذَا بَيْعٌ وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ: لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْت عَبْدَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: الْبَائِعُ قَدْ فَعَلْتُ، أَوْ قَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ: هَاتِ الثَّمَنَ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبُولًا مِنْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِعْتُكَ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْبَائِعِ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي وَالشِّرَاءُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْبَيْعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ أَيْضًا عَلَى الْمَتْنِ بِأَنَّهُ يَكُونُ إيجَابًا أَيْضًا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: كَهَلْ بِعْتَ مِنِّي بِكَذَا أَوْ هَلْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي بِكَذَا إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ إيجَابٌ فَقَطْ، فَكَانَ النَّقْدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَخَذْتُهُ أَوْ رَضِيتُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا كَمَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا عَنْ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: بِعْتُهُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا الْفَرْعِ عَقِبَ قَوْلِهِ الْآتِي إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ حِينَ قَالَ: بَلِّغْهُ فَقَدْ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الرِّضَا بِالتَّبْلِيغِ فَكُلُّ مَنْ بَلَّغَهُ كَانَ التَّبْلِيغُ بِرِضَاهُ فَإِنْ قَبِلَ صَحَّ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ ح. (قَوْلُهُ: شَطْرُ الْعَقْدِ) الْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ الصَّادِرُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ احْتِرَازٌ عَنْ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فَبَلَغَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِتَبْلِيغِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَمَّا لَوْ أَمَرَ أَحَدًا بِهِ فَبَلَّغَهُ وَقَبِلَ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلِّغُ غَيْرَ الْمَأْمُورِ كَمَا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ) صُورَةُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكْتُبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُ عَبْدِي فُلَانًا مِنْكَ بِكَذَا فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ قَالَ: فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا: وَصُورَةُ الْإِرْسَالِ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاذْهَبْ يَا فُلَانُ وَقُلْ لَهُ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ: فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَفِي النِّهَايَةِ وَكَذَا هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ بَحْرٌ. قُلْتُ: وَيَكُونُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا كَتَبَ اشْتَرَيْتُ عَبْدَكَ فُلَانًا بِكَذَا فَكَتَبَ إلَيْهِ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُ فَهَذَا بَيْعٌ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا) إي بُلُوغِ الرِّسَالَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ قَالَ: فِي الْهِدَايَةِ: وَالْكِتَابَةُ كَالْخِطَابِ وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابَةِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ مَبْسُوطِهِ: كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابَةِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفِ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ نِهَايَةٌ
(وَأَمَّا الْفِعْلُ فَالتَّعَاطِي) وَهُوَ التَّنَاوُلُ قَامُوسٌ. (فِي خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ
ــ
[رد المحتار]
خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْكِتَابُ وَالْخِطَابُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَخَاطَبَهَا بِالنِّكَاحِ، فَلَمْ تُجِبْ فِي مَجْلِسِ الْخِطَابِ، ثُمَّ أَجَابَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ وَفِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَهَا وَقَرَأَتْ الْكِتَابَ وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي قَرَأَتْ الْكِتَابَ فِيهِ، ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا كَلَامَهَا وَمَا فِي الْكِتَابِ يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكِتَابِ وَالْكِتَابُ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي فَصَارَ بَقَاءُ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ سَمِعَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَرَّرَ الْخِطَابُ مِنْ الْحَاضِرِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكَلَامِ، وَمَا وُجِدَ مِنْ الْكَلَامِ لَا يَبْقَى إلَى الْمَجْلِسُ الثَّانِي وَإِنَّمَا سَمِعَ الشُّهُودُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُكَ بِكَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ يَكُونُ مُجَرَّدَ خِطْبَةٍ مِنْهُ لَهَا، فَإِذَا قَبِلَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَرَأَتْ الْكِتَابَ ثَانِيًا وَفِيهِ قَوْلُهُ تَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا، وَقَبِلَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ صَحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ خَطَبَهَا بِهِ ثَانِيًا: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ كَذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ مِنْ الْكَاتِبِ، فَإِذَا قَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، فَقَدْ صَدَرَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، نَعَمْ بِالنَّظَرِ إلَى مَجْلِسِ الْكِتَابَةِ يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ بِعْتُكَ لَمْ يَلْغُ بَلْ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَبُولُ مُتَوَقِّفًا عَلَى قِرَاءَةِ الْكِتَابِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ الرُّجُوعُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ إذَا كَانَ بَاطِلًا فَلَا مَعْنَى لِلرُّجُوعِ عَنْهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِ الْحَاضِرِ، قَالَ: فِي الْمِنَحِ: ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْعَاقِدِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ، وَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، مُعَارَضَةً مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمِينٌ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَهُمَا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ فَحَيْثُ كَانَ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفِعْلُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْقَوْلُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّنَاوُلُ قَامُوسٌ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِصْبَاحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْ حَيْثُ قَالَ: إنْ حَقِيقَةَ التَّعَاطِي وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ اهـ. قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يُفِيدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، وَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي، خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّعَاطِيَ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: فِي خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ) النَّفِيسُ مَا كَثُرَ ثَمَنُهُ كَالْعَبْدِ وَالْخَسِيسُ مَا قَلَّ ثَمَنُهُ كَالْخُبْزِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفِيسَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَكْثَرَ وَالْخَسِيسَ بِمَا دُونَهُ وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ط عَنْ الْبَحْرِ. قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ: " وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ "، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي شُمُولِ التَّعَاطِي لِلْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، فَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْخَسِيسِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا
وَلَوْ) التَّعَاطِي (مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ) فَتْحٌ وَبِهِ يُفْتِي فَيْضٌ. (إذَا لَمْ يُصَرِّحْ مَعَهُ) مَعَ التَّعَاطِي (بِعَدَمِ الرِّضَا) فَلَوْ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ الْبَطَاطِيخَ وَالْبَائِعُ يَقُولُ: لَا أُعْطِيهَا بِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ خُلَاصَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ
ــ
[رد المحتار]
فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ التَّعَاطِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) صُورَتُهُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الثَّمَنِ ثُمَّ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ، وَيَذْهَبَ بِرِضَا صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الثَّمَنِ، أَوْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يَذْهَبَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ عَلَى الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا فِيمَا ثَمَنُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَمَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَالْمُرَادُ فِي صُورَةِ دَفْعِ الثَّمَنِ فَقَطْ أَنَّ الْمَبِيعَ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ دَفَعَ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ ط.
وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ: لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَقَالَ: مِائَةٌ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذهَا فَقَالَ: الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ لَكَ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ، وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ، وَقَدْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ قَالَ: رضي الله عنه: وَفِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا الِانْعِقَادُ بِالتَّعَاطِي. الثَّانِيَةُ: الِانْعِقَادُ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ: الِانْعِقَادُ بِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. الرَّابِعَةُ: كَمَا يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ. اهـ.
قُلْتُ: وَفِيهَا مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمُثَمَّنِ لِكَوْنِ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْعَقِدْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ عَادَةَ السُّوقَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَرْضَ بِرَدِّ الثَّمَنِ أَوْ يَسْتَرِدَّ الْمَتَاعَ وَإِلَّا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَيَصِحُّ خَلْفُهُ لَا أُعْطِيهَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ مَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قُنْيَةٌ. مَطْلَبٌ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ) أَيْ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ وَسَائِدِي وَسَائِدِ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ، وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ بَعْدُ وَلَمْ يَضْرِبَا لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ نَسَجَ الْوَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّهُمَا يُسَلِّمَانِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ السَّابِقِ، وَأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. اهـ.
وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّعَاطِي إنَّمَا يَكُونُ بَيْعًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ سَابِقٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا فَقَالَ: قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ. اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِرَقْمٍ لَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ وَعَنْ هَذَا قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى الرِّضَا فَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بِالتَّرَاضِي. اهـ. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِالتَّعَاطِي، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ، وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ وَسَلَّمَهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِي رِوَايَةٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ قَالَ: فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ وَأَوَّلُوا الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ يُجَابُ عَلَى بُعْدٍ بِحَمْلِ الِاشْتِرَاطِ عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّعَاطِي بَعْدَ الْمَجْلِسِ
فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَوَائِدِ إذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ. (وَقِيلَ: لَا بُدَّ) فِي التَّعَاطِي (مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْبَزَّازِيُّ. وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْبَيْعِ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَتَحَرَّرَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَدْ عَلِمْتَ الْمُفْتَى بِهِ وَحَرَّرْنَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ بِالتَّعَاطِي فَلْيُحْفَظْ.
ــ
[رد المحتار]
أَمَّا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُتَارَكَةِ أَمَّا فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا يُقَرَّرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَحْصُلَ الْمُتَارَكَةُ ضِمْنًا تَأَمَّلْ. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ فِي الْكُلِّ فِي بَيْعٍ ثُلُثُهُ إلَخْ.
هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْحُلْوَانِيِّ فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ جَزَمَ بِخِلَافِهِ فِي الْهِنْدِيَّةِ آخِرَ بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْعِلْمَ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَيَصِيرُ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى، وَهُوَ صَرِيحُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إنَّ التَّعَاطِيَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى السَّابِقِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ أَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ، فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَنَقَلْنَا عِبَارَتَهَا وَعِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِمَا قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِئَلَّا يُخَالِفَ كَلَامَ غَيْرِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَوَائِدِ) أَيْ فِي آخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَتَبَ عَلَى الْأَشْبَاهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: إذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ) بِالْكَسْرِ بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ بِالْفَتْحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بَطَلَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ، قَالَ: ح: وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْفَوَائِدِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. اهـ.
ط وَفِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَحْثٌ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ الْبَارِزَةِ. (قَوْلُهُ: فَتَحَرَّرَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ) هَذَا الِاخْتِلَافُ نَشَأَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَيْعَ التَّعَاطِي فِي مَوَاضِعَ، فَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَفَهِمَ مِنْهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ لَا يَكْفِي بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَحَرَّرْنَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إلَخْ) عِبَارَتَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. وَكَذَا الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَكَذَا الصَّرْفُ كَمَا فِي النَّهْرِ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ التَّتَارْخَانِيَّة: اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ، فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الصَّرْفُ جَائِزٌ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الصَّرْفُ بَاطِلٌ وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا. اهـ. [تَتِمَّةٌ] طَالَبَ مَدْيُونَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ شَعِيرًا قَدْرًا مَعْلُومًا وَقَالَ: خُذْهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ وَالسِّعْرُ لَهُمَا مَعْلُومٌ كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ فَلَا، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي تَسْلِيمُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ إلَى مَنْ يُطَالِبُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ مَا أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ وَمِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا جَاءَ الْمُودِعُ بِأَمَةٍ غَيْرِ الْمُودَعَةِ، وَحَلَفَ حَلَّ لِلْمُودِعِ وَطْؤُهَا وَكَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ: لِلْخَيَّاطِ لَيْسَتْ هَذِهِ بِطَانَتِي فَحَلَفَ الْخَيَّاطُ أَنَّهَا هِيَ وَسِعَهُ أَخْذُهَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ لِلدَّافِعِ وَمِنْهُ لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ بِهَا