الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ]
وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ وَالْجَابِي، فَإِنْ عَمِلُوا زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَلَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ لَا الْمَشْرُوطُ بَحْرٌ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ صُرِفَ النَّاظِرُ لَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ ضَمِنَ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ الظَّاهِرُ لَا لِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ
ــ
[رد المحتار]
غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْعَمَلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ عَلَى الْعَمَلِ فِي التَّعْمِيرِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ اهـ لَكِنْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَمِلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ عَمِلَ الْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ بِأَجْرٍ جَازَ وَيُفْتَى بِعَدَمِهِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ. اهـ.
وَعَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ: إذَا عَمِلَ الْقَيِّمُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاظِرَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ كُلُّ مَنْ عَمِلَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا أَيْ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ كَانَ الْحَاكِمُ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ هُوَ النَّاظِرُ، فَلَا شَبَهَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَحَيْثُ حَمَلْنَا كَلَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَا قُلْنَا صَارَ حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ زَمَنَ التَّعْمِيرِ أَيْ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْطَعُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ عَمِلَ فِي وَظِيفَتِهِ. نَعَمْ يُعْطَى لِكُلٍّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ إذَا عَمِلَ فِي الْعِمَارَةِ وَلَوْ هُوَ النَّاظِرُ لَكِنْ لَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ فِي غَيْرِ التَّعْمِيرِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْرُوطِ مَا يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الْوَقْفِ لَوْ كَانَ دُونَ كِفَايَتِهِ وَكَانَ لَا يَقُومُ بِعَمَلِهِ إلَّا بِهَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْقَاضِي الزِّيَادَةَ عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ، وَكَذَا الْخَطِيبُ.
قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْأَجِيرِ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُعْطَى إلَّا الْكِفَايَةَ فِي زَمَنِ التَّعْمِيرِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى دَفْعِ الزَّائِدِ الْمُؤَدِّي إلَى قَطْعِ غَيْرِهِ فَيُصْرَفُ الزَّائِدُ إلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، وَبَيْنَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الْمَشْرُوطَ. وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَرَّرَ وَتَحَرَّرَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالتَّعْمِيرِ الضَّرُورِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ الْغَلَّةِ صُرِفَتْ كُلُّهَا إلَيْهِ وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ وَلَوْ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ التَّعْمِيرِ شَيْءٌ يُعْطَى مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِمَّا فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّعْمِيرُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ بِأَنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي تَرْكُهُ إلَى خَرَابِ الْعَيْنِ، لَوْ أُخِّرَ إلَى غَلَّةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ ثُمَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ يُعْطَى الْمَشْرُوطَ لَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِلَّا يُزَادُ أَوْ يَنْقُصُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهَا إلَى غَلَّةِ الْعَامِ الْقَابِلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ بَاشَرَ وَظِيفَتَهُ مَا دَامَ الْوَقْفُ مُحْتَاجًا إلَى التَّعْمِيرِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْعِمَارَةِ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَا الْمَشْرُوطُ وَلَا قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ وَمَا ادَّعَاهُ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ بِمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) هَذَا إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ التَّعْمِيرِ خَرَابُ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ لِلْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ كَمَا فِي الزَّوَاهِرِ عَنْ الْبَحْرِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا) قِيَاسًا عَلَى مُودَعِ الِابْنِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ
وَمَا قُطِعَ لِلْعِمَارَةِ يَسْقُطُ رَأْسًا:
وَفِيهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ. ثُمَّ الْفَاضِلُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَزِمَ النَّاظِرَ إمْسَاكُ قَدْرِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ الْآنَ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا غَلَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ؛ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ لَهُ
وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ قَيِّمٌ
…
إمَامٌ خَطِيبٌ وَالْمُؤَذِّنُ يَعْبُرُ
الشَّعَائِرُ الَّتِي تَقَدَّمَ شَرَطَ أَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ هِيَ إمَامٌ وَخَطِيبٌ وَمُدَرِّسٌ وَوَقَّادٌ وَفَرَّاشٌ وَمُؤَذِّنٌ وَنَاظِرٌ، وَثَمَنُ زَيْتٍ وَقَنَادِيلُ وَحُصْرٌ وَمَاءُ وُضُوءٍ وَكُلْفَةُ نَقَلَهُ لِلْمِيضَأَةِ فَلَيْسَ مُبَاشِرٌ وَشَاهِدٌ، وَشَادٌّ، وَجَابٍ، وَخَازِنٌ وَكُتُبٍ مِنْ الشَّعَائِرِ، فَتَقْيِيدُهُمْ فِي دَفْتَرِ الْمُحَاسَبَاتِ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ
ــ
[رد المحتار]
بِلَا إذْنِهِ وَلَا إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِلَا رُجُوعٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بَحْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لَوْ هَلَكَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ نَهْرٌ.
أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ هِبَةً بَلْ هُوَ دَفْعُ مَالٍ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ قَائِمًا أَوْ مُسْتَهْلِكًا كَدَفْعِ الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ، بِخِلَافِ مُودَعِ الِابْنِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَنَقَلَ ط نَحْوَهُ عَنْ الْبِيرِيِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الظَّاهِرَ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لَا عَدَمُهُ مُطْلَقًا وَلَا التَّفْصِيلُ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قُطِعَ إلَخْ) فِي الْأَشْبَاهِ إذَا حَصَلَ تَعْمِيرُ الْوَقْفِ فِي سَنَةٍ وَقُطِعَ مَعْلُومُ الْمُسْتَحِقِّينَ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ فَمَا قُطِعَ لَا يَبْقَى دَيْنًا لَهُمْ عَلَى الْوَقْفِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ زَمَنَ التَّعْمِيرِ، وَفَائِدَتُهُ لَوْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفَاضَ شَيْءٌ بَعْدَ صَرْفِ مَعْلُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ لَا يُعْطِيهِمْ الْفَاضِلَ عِوَضًا عَمَّا قُطِعَ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَدْرِ الْعِمَارَةِ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ حَمَوِيٌّ وَيَصْرِفُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: وَلَا غَلَّةَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا غَلَّةَ لِلْأَرْضِ حِينَ يَحْدُثُ حَدَثٌ (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَالسُّكُوتِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَعَ السُّكُوتِ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا يُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَمَعَ الِاشْتِرَاطِ تُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْفَاضِلَ اهـ عَنْهَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ: لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا) صُورَتُهُ اسْتَأْجَرَ الْمُتَوَلِّي رَجُلًا فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِدِرْهَمٍ وَدَانَقٍ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ ضَمِنَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ زَادَ فِي الْأَجْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ، فَيَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا نُقِضَ الْأَجْرُ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ، كَانَ ضَامِنًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالدَّانَقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ وَالْمَدَارُ عَلَى مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَيْ مَا لَا يَقْبَلُ النَّاسُ الْغَبْنَ فِيهِ إذْ مَا دُونَهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ الشَّعَائِرُ إلَخْ قَصَدَ بِهَا لَفْظَهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ) أَيْ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ) مِنْ الْعُبُورِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَقَدَّمَ) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ (قَوْلُهُ: إمَامٌ وَخَطِيبٌ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَخَصَّهُ فِي النَّهْرِ بِالْخَطِيبِ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ فِي الْبَلَدِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَخْطُبُ حِسْبَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: مُبَاشِرٍ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَشَاهِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَاتِبُ الْغَيْبَةِ الْمَعْرُوفُ بِالنُّقْطَجِيِّ بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ (قَوْلُهُ: وَشَادٍّ) هُوَ الْمُلَازِمُ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا لِتَفَقُّدِ حَالِهِ مِنْ تَنْظِيفٍ وَنَحْوِهِ ط، وَقِيلَ: هُوَ الْمُسَمَّى بِالدَّعْجِي.
وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَا تَرَدُّدَ فِي تَقْدِيمِ بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ وَخَادِمِ مَطْهَرَةٍ انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ الْمُدَرِّسُ مِنْ الشَّعَائِرِ لَوْ مُدَرِّسَ الْمَدْرَسَةِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا مُدَرِّسُ الْجَامِعِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ لِغَيْبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَدْرَسَةِ حَيْثُ تُقْفَلُ أَصْلًا.
وَهَلْ يَأْخُذُ أَيَّامَ الْبَطَالَةِ كَعِيدٍ وَرَمَضَانَ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَشْبَاهٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ الْإِشَادَةُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشَّيْءِ وَتَعْرِيفُ الضَّالَّةِ وَالْإِهْلَالُ وَالشِّيَادَةُ الدُّعَاءُ بِالْإِبِلِ وَدَلْكُ الطِّيبِ بِالْجِلْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُزَمِّلَاتِيٍّ) هُوَ الشَّاوِي بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ دُرٌّ مُنْتَقَى وَقِيلَ: هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرٍ مَنْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ الصِّهْرِيجِ إلَى الْجِرَارِ. وَفِي الْقَامُوسِ مُزَّمِّلَةٌ كَمُعَظِّمَةٍ الَّتِي يُبَرَّدُ فِيهَا الْمَاءُ (قَوْلُهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ قَالَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: الشَّعَائِرُ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ: قُلْتُ وَلَا تَرَدُّدَ) رَدَّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَوْ مُدَرِّسَ الْمُدَرِّسَةِ) وَلَا يَكُونُ مُدَرِّسُهَا مِنْ الشَّعَائِرِ إلَّا إذَا لَازَمَ التَّدْرِيسَ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ، أَمَّا مُدَرِّسُو زَمَانِنَا فَلَا أَشْبَاهٌ وَلَوْ أَنْكَرَ النَّاظِرُ مُلَازَمَةَ الْمُدَرِّسِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَرِّسِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَكَذَا كُلُّ ذِي وَظِيفَةٍ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْبَحْرِ السَّادِسَةُ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ
وَفِي الْحَمَوِيِّ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ؟ أَجَابَ: إنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلتَّدْرِيسِ بِأَنْ حَضَرَ الْمَدْرَسَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِتَدْرِيسِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ، لَا مَكَانَ التَّدْرِيسِ لِغَيْرِ الطَّلَبَةِ الْمَشْرُوطِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُدَرِّسِ يَقُومُ بِغَيْرِ الطَّلَبَةِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ اهـ وسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ دَرَّسَ فِي غَيْرِهَا لِتَعَذُّرِهِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعُلُوفَةَ، وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي. .
مَطْلَبٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ الْوَظِيفَةَ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْقَاضِي مَا رُتِّبَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ بَطَالَتِهِ، فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: إنَّهُ يَأْخُذُ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِلْيَوْمِ الثَّانِي وَقِيلَ لَا. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْكِفَايَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ أَظْهَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَرِّسِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَطَالَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ عِنْدَ ذَوِي الْهِمَّةِ، وَلَكِنَّ تَعَارُفَ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا بَطَالَةٌ طَوِيلَةٌ أَدَّتْ إلَى أَنْ صَارَ الْغَالِبُ الْبَطَالَةَ، وَأَيَّامُ التَّدْرِيسِ قَلِيلَةٌ اهـ وَرَدَّهُ الْبِيرِيُّ بِمَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدَّرَ لِلدَّرْسِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الثُّلَاثَاءِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَصْرِفَ أَجْرَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ إلَى مَصَارِفِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ الْمَرَمَّةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَإِنْ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُدِّرَ لَهُ أَجْرٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ لَا. اهـ. ط قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قَدَّرَ لِكُلِّ يَوْمٍ دَرَسَ فِيهِ مَبْلَغًا أَمَّا لَوْ قَالَ يُعْطَى الْمُدَرِّسُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِيَوْمِ الْبَطَالَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْعُرْفِ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْبَطَالَةُ مَعْرُوفَةً فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَفِي رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ يَحِلُّ الْأَخْذُ، وَكَذَا لَوْ بَطَلَ فِي يَوْمٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لِتَحْرِيرِ دَرْسٍ إلَّا إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَقْيِيدِ الدَّفْعِ بِالْيَوْمِ الَّذِي يُدَرَّسُ فِيهِ كَمَا قُلْنَا. وَفِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ
وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ غَابَ فَلْيُحْفَظْ
(وَلَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) وَلَوْ مُتَعَدِّدًا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْغَلَّةِ إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ دُرَرٌ.
(وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ
(وَلَوْ أَبَى) مَنْ لَهُ السُّكْنَى (أَوْ عَجَزَ) لِفَقْرِهِ (عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ آجَرَهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَعَمَرَهَا (بِأُجْرَتِهَا) كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا مَنْ لَهُ السُّكْنَى زَيْلَعِيٌّ. وَلَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْعِمَارَةِ.
وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى
ــ
[رد المحتار]
وَمَنْ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لَا دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْكِتَابَةِ وَالتَّدْرِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عَنْ نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيرُ مَعَ السَّاكِنِينَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِحَقِّهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْوَقْفِ فَيُعَمِّرُ مَعَهُمْ وَإِلَّا تُؤَجَّرْ حِصَّتُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِهِ) فَإِذَا رَمَّ حِيطَانَهَا بِالْآجُرِّ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا جِذْعًا ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ نَزْعُهُ، بَلْ يُقَالُ لِمَنْ لَهُ السُّكْنَى بَعْدَهُ اضْمَنْ لِوَرَثَتِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ أَبَى أُوجِرَتْ الدَّارُ وَصُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، ثُمَّ أُعِيدَتْ السُّكْنَى إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِالْهَدْمِ وَالْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَ مَا رَمَّ الْأَوَّلُ مِثْلَ تَجْصِيصِ الْحِيطَانِ، وَتَطْيِينِ السُّطُوحِ وَشَبَهِ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَرَثَةُ بِشَيْءٍ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْآجُرِّ، وَالْجِذْعِ وَلَوْ بَنَى الْأَوَّلُ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ أُمِرَ الْوَرَثَةُ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي تَمَلُّكُهُ بِلَا رِضَاهُمْ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَوْ بَنَى وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الدَّارِ وَطَيَّنَ الْبَعْضُ وَجَصَّصَ الْبَعْضُ وَبُسِطَ فِيهِ الْآجُرُّ فَطَلَبَ الْآخَرُ حِصَّتَهُ لِيَسْكُنَ فِيهَا فَمَنَعَهُ حَتَّى يَدْفَعَ حِصَّةَ مَا أَنْفَقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالطِّينُ وَالْجِصُّ صَارَا تَبَعًا لِلْوَقْفِ وَلَهُ نَقْضُ الْآجُرِّ إنْ لَمْ يَضُرَّ.
مَطْلَبٌ فِي عِمَارَةِ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الْغَلَّةِ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ كَمَا حَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ) أَيْ الْمَضَرَّةُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْعُ الزِّيَادَةِ بِلَا رِضَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ رَمَّهَا مَرَمَّةً لَا غِنَى عَنْهَا، وَهِيَ مَا يَمْنَعُ مِنْ خَرَابِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ اهـ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ وَلَا إعَادَةُ مِثْلِ مَا خَرِبَ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. .
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيُؤَجِّرُ حِصَّتَهُ الْآبِي ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَوْ الْمُتَوَلِّي قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالُوا عَمَّرَهَا الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ) أَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ ط (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُنَا الْآنَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَيْ كَذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ عَيَّنَ لَهُمْ السُّكْنَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهِ. .
مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ آجَرَ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا مُسْتَحِقَّ غَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْسَمُ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا لَوْ ضَاقَتْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ كَمَا
بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي
(ثُمَّ رَدَّهَا) بَعْدَ التَّعْمِيرِ (إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ
ــ
[رد المحتار]
فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ بَقِيَ لَوْ آجَرَ وَلَمْ تَصِحَّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْفِ بَحْرٌ، لَكِنْ قَالَ الْحَانُوتِيُّ إنَّهُ غَاصِبٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْأُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ. اهـ. قُلْت: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُفْتَى بِهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ يُفْتِي بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ أَوْ السُّكْنَى لَهُ وَحْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْكُلِّ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَلَوْ أَبَى الْمُتَوَلِّي، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ فَالْقَاضِي يُؤَجِّرُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَأَبَى الْأَصْلَحُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ بَحْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فُرُوعًا وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وسَيَأْتِي أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيَّةٌ تَنَبَّهْ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِيجَارُ مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي، وَأَيَّدَهُ الرَّمْلِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَاسْتَنَدَ لَهُ بِالْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ أَوْقَافِ هِلَالٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ جَازَ قَالَ: وَظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ اهـ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ أَنَّ تَنْصِيصَهُمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَوْ الْقَاضِيَ يَقْتَضِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ فَلَا يُؤَجَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَامْتَنَعَ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ حُكْمَ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا لِصَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ كَانَتْ لَهُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَالْقَيِّمُ إنَّمَا أَجَّرَ لِأَجْلِهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا لَوْ عَمَّرَهَا بِنَفْسِهِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) حَقِّ الْوَقْفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَهَذَا مَعْلُومٌ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ دَارًا إلَخْ. مَطْلَبٌ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الدَّارُ سُكْنَاهَا بَلْ الِاسْتِغْلَالُ كَمَا لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى بَلْ الِاسْتِغْلَالُ اهـ وَمَا فِي الظَّاهِرِيَّةِ: مِنْ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ فِي غَلَّتِهَا وَلَمَّا كَانَتْ غَالِبُهَا لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْخَصَّافَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّ سُكْنَاهُ كَسُكْنَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فِيهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إذَا سَكَنَ لَا يُوجِبُ حَقًّا لِغَيْرِهِ وَادَّعَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّ الرَّاجِحَ هَذَا كَمَا قَدَّمْته قَرِيبًا وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ.
فَلَوْ سَكَنَ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ؟ الظَّاهِرُ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ لِلْعِمَارَةِ، فَيَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي لِيُعَمِّر بِهَا وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى عِمَارَتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيَعْمُرَهَا
وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ وَمُؤْنَتَهَا عَلَيْهِ صَحَّا
وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا؟ الظَّاهِرُ: لَا نَهْرٌ
وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَجِدْ الْقَاضِي مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ وَقْفُ الدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا عَلَى السُّكْنَى [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا لِلسُّكْنَى، أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كُتُبِنَا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ الْوَقْفَ فَهُوَ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا السُّكْنَى قَالَ فِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ:
وَمَنْ وُقِفَتْ دَارٌ عَلَيْهِ فَمَا لَهُ
…
سِوَى الْأَجْرِ وَالسُّكْنَى بِهَا لَا تَتَقَرَّرُ
ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ شَرْحِهِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ التَّجْنِيسِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ، وَذُكِرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.
مَطْلَبٌ: مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَبِالْعَكْسِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ أَوْ عَيَّنَ الِاسْتِغْلَالَ كَانَ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَإِنْ قُيِّدَ بِالسُّكْنَى تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِمَا كَانَ لَهُمَا جَرَيَانٌ عَلَى كَوْنِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى خِلَافَ مَا رَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ سَكَنَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) لِأَنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ دُفِعَتْ إلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي) أَيْ لَوْ كَانَ السَّاكِنُ فِي دَارِ الْغَلَّةِ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيُعَمِّرَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِنَصْبِ مُتَوَلٍّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ يُنَصِّبُ مُتَوَلِّيًا مُطْلَقًا لَا لِخُصُوصِ التَّعْمِيرِ لِظُهُورِ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَ فَيُتَأَمَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّارُ (قَوْلُهُ: صَحَّا) أَيْ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، لَكِنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَالْوَقْفُ جَائِزٌ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ اهـ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوَازَ الْوَقْفِ مُقْتَرِنًا بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ هَذَا الشَّرْطِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ الظَّاهِرُ لَا) هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى كَذَلِكَ. اهـ. وَاسْتَوْضَحَ فِي النَّهْرِ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ بِقَوْلِ الْهِدَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ مِنْهُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ الْمَرَمَّةَ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَ فِي إجْبَارِهِ إتْلَافُ مَالِهِ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَبْرَ فَائِدَةُ صِحَّةِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ. قُلْت: عُلِمَتْ أَنَّ صِحَّةَ الشَّرْطِ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَتَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ شَامِلٌ لِلشَّرْطِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَافْهَمْ، عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَيْثُ كَانَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ