الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُمْ) بِالنَّصِّ (عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّصِّ.
وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ، ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ سَبَبَ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ:(أَمَّا) كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ وَفَصْلٍ، يَفْصِلُ بِهَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (بَعْدُ) ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ (أَعَانَنَا اللَّهُ) أَيْ خَلَقَ لَنَا قُدْرَةً عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ (وَإِيَّاكَ) وَغَيْرُهُ مِمَّا سَيَأْتِي لِمَنْ سَأَلَهُ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرِزٌ (عَلَى رِعَايَةِ) أَيْ حِفْظِ (وَدَائِعِهِ) وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ (وَ) أَعَانَنَا عَلَى (حِفْظِ مَا أُودِعْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ) جَمْعُ شَرِيعَةٍ، وَهِيَ الْأَحْكَامُ
ــ
[حاشية العدوي]
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالنَّظَرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ لَا بِالنَّظَرِ لِلثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ مَا تَوَقَّفَتْ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ يُثَابُ إذَا قَصَدَ الِامْتِثَالَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَا إنْ قَصَدَ عَدَمَ الِامْتِثَالِ، وَأَمَّا مَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ فَيَتَوَقَّفُ حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ لَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَ عَدَمَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْمُورِ.
وَأَمَّا الْمَنْهِيُّ فَثَوَابُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ فِي التَّرْكِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِنَابِ هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ عج فَرَاجِعْهُ.
[قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَوْا إلَخْ] لَازِمٌ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ عج بِقَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ بِالدَّلِيلِ بَدَلَ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِيهِمَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا النَّصُّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ مِنْ بَاقِي الْأَدِلَّةِ أَيْ كَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّصِّ نَصُّ الْأَئِمَّةِ فَيَشْمَلُ بَاقِيَ الْأَدِلَّةِ مَا وَرَدَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ حَتَّى لَا يَشْمَلَ. تَتِمَّةٌ:
لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْعَقْلِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ، هَلْ يَكُونُ حَلَالًا أَوْ يُوقَفُ عَنْهُ؟ هُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ اهـ.
[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]
[قَوْلُهُ: وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ إلَخْ] فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ بَيَانَ سَبَبِ التَّأْلِيفِ لَيْسَ مِنْ الْخُطْبَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ أَنَّ الْخُطْبَةَ مَا تُقَدَّمُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ فَيَشْمَلُ سَبَبَ التَّأْلِيفِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ مُصْطَلَحَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ اسْمٌ لِمَا احْتَوَى عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ [قَوْلُهُ: هَذَا الْكِتَابِ] الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ وَهِيَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا. [قَوْلُهُ: كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ] أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُفْتَتَحٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ عَنْ الَّذِي قَبْلَهَا فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ افْتِتَاحٌ يُنَافِي قَوْلَهُ فَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ أَوَّلًا، وَلَفْظُ فَصْلٍ يُشْعِرُ بِسَبْقِ كَلَامٍ، وَجَوَابُهُ مَا أَشَرْنَا لَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ افْتِتَاحٍ أَنَّ بَعْدَهَا كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهَا.
[قَوْلُهُ: أَعَانَنَا اللَّهُ إلَخْ] النُّونُ إمَّا لِلْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَإِيَّاكَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِكَوْنِهِ السَّائِلَ أَوْ لِلْعَظَمَةِ، إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ التَّعَاظُمِ بِالْعِلْمِ فَقَدْ جَدَّ الْأَثَرُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» وَمَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ عَظِيمًا بِالْعِلْمِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَحَلًّا لَهُ وَمَوْصُوفًا بِهِ وَلَمْ يَسْتَرْذِلْهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى التَّعَاظُمِ رُؤْيَةُ النَّفْسِ مُرْتَفِعَةً عَلَى الْغَيْرِ مُحْتَقِرَةً بِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَذَا قَالَ عج.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرَزٌ] بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ] السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَجُعِلَتْ وَدَائِعَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْوَدَائِعِ مِنْ الْمَالِ بِجَامِعِ الْحِفْظِ مِنْ التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ، فَاسْتِعْمَالُ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَتْ لَهُ تَلَفٌ لَهَا وَضَيَاعٌ، وَوَدَائِعُ جَمْعُ وَدِيعَةٍ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ.
[قَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ
بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً، وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَةً كَانَتْ أَوْ مَكْرُوهَةً، (فَإِنَّك) جَوَابُ أَمَّا التَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّك (سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً) وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ الْكَثِيرَةُ الْمَعْنَى، ثُمَّ بَيَّنَ الْجُمْلَةَ بِقَوْلِهِ:(مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ الدِّيَانَاتِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ (مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ) كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَ) مِمَّا (تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ) كَالْإِيمَانِ (وَ) مِمَّا (تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ) كَالصَّلَاةِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِقَوْلِهِ حِفْظِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَأَعَانَنَا عَلَى حِفْظِ إلَخْ] تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّعْبِيرِ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِالتَّكْرَارِ، فَعَبَّرَ بِرِعَايَةٍ فِي الْوَدَائِعِ وَبِالْحِفْظِ فِي الشَّرَائِعِ مَعَ أَنَّ مَعْنَى رِعَايَةٍ حِفْظٌ.
[قَوْلُهُ: مَا أَوْدَعَنَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ وَالشَّرَائِعِ مُودَعُ الْمُكَلَّفِ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهِ لَكِنْ حِفْظُ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: جَمْعُ شَرِيعَةٍ] إلَخْ هِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ وَشَرْعًا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ الْأَحْكَامُ تَفْسِيرٌ لِلشَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ لَا تَفْسِيرٌ لِلْمُفْرَدِ، فَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ تَقِفْ عَلَى الْمُرَادِ، وَالْحُكْمُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي قَوْلِك النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ.
[قَوْلُهُ: بِالْإِتْيَانِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: جَوَابُ أَمَّا] فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ لِشَرْطِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَك سَأَلْتنِي. [قَوْلُهُ: مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ] مُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ تَأَكُّدُ التَّقْدِيمِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ إلَخْ] أَيْ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَآمَنُوا بِاَللَّهِ إلَخْ، ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَفْعَالُ مُسْنَدَةً لِغَيْرِهِ عز وجل. [قَوْلُهُ: أَنْ أَكْتُبَ لَك] أَيْ أُصَنِّفَ لَك، وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى الْكَتْبِ تَوَاضُعًا لِمَا فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّأْلِيفِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَيْ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ الْمَوْلَى. [قَوْلُهُ: جُمْلَةً] أَيْ طَائِفَةً مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَقْصُودِ لِلسَّائِلِ، وَعَبَّرَ بِجُمْلَةٍ دُونَ الْجُمَلِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ إشْعَارًا بِقِلَّتِهَا.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظُ] تَفْسِيرٌ لِلْمُخْتَصَرَةِ أَيْ فَالِاخْتِصَارُ التَّعْبِيرُ بِاللَّفْظِ الْقَلِيلِ عَنْ الْمَعْنَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاقْتِصَارِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَا ذَكَرَ وَالِاقْتِصَارُ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ دُونَ بَعْضٍ، ثُمَّ يَرِدُ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِمَا ذَكَرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ. وَقَوْلُهُ: الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ لَفْظٌ وَلَا يَصِحُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْصُوفَ بِالْقِلَّةِ يُرَادُ مِنْهُ أَجْزَاءُ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ بِالْجُمْلَةِ، فَحَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وَاجِبٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَحْكَامِ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ، وَالْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ الْأَحْكَامِ بَلْ دَالَّةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ، فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ آخَرُ أَيْ مِنْ دَالِّ أَحْكَامٍ وَاجِبٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أُمُورِ] جَمْعُ أَمْرٍ بِمَعْنَى الشَّأْنِ فَيَشْمَلُ الْأَقْوَالَ وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّيَانَةِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا مِنْهَا الْقَوْلُ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَمِنْهَا الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَمِنْهَا أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ، وَإِضَافَةُ وَاجِبٍ إلَى أُمُورٍ مِنْ إضَافَةِ الْبَعْضِ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَعْضُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَإِضَافَةُ أُمُورٍ إلَى الدِّيَانَةِ لِلْبَيَانِ أَيْ أُمُورٍ هِيَ الدِّيَانَةُ، وَأَلْ فِي الدِّيَانَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَطَابَقَ الْبَيَانُ الْمُبَيَّنُ، وَالدِّيَانَةُ الْعِبَادَةُ [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ لَا الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ أَيْ أَنْوَاعٍ هِيَ الْعِبَادَاتُ.
[قَوْلُهُ: مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ] حَالٌ مِنْ وَاجِبِ أَيْ حَالَةِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بَعْضَ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اللِّسَانَ آلَةُ النُّطْقِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ إسْنَادُ النُّطْقِ إلَى اللِّسَانِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ مَا صَدَّقَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّطْقُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
[قَوْلُهُ: كَالْإِيمَانِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُعْتَقَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ (وَمَا يَتَّصِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (بِالْوَاجِبِ) لِلْعَهْدِ، وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْوَاجِبُ وَهُوَ عِنْدَنَا مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَيُذَمُّ تَارِكُهُ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَرَامُ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ وَيُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا،
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أَيْ الْهَيْئَةِ الْمَعْهُودَةِ خَارِجًا؛ لِأَنَّهَا الْمَعْمُولَةُ لِلْجَوَارِحِ
[قَوْلُهُ: وَمَا يَتَّصِلُ إلَخْ] الْمُرَادُ الِاتِّصَالُ رُتْبَةً؛ لِأَنَّ رُتْبَةَ السُّنَنِ بَعْدَ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ فُعِلَتْ قَبْلَهَا، أَوْ وَحْدَهَا كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ.
[قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْخَارِجِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، أَيْ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أُضْمِرَ لَتُوُهِّمَ رُجُوعُهُ لِمَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ حَالٌ مِنْ مَا أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَتَّصِلُ أَيْ وَاَلَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْوَاجِبُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الَّذِي يَتَّصِلُ بَعْضُ مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوَاجِبِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالِاحْتِمَالَانِ مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا اعْتَبَرْت الْوَاجِبَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْته مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْت الْمُتَّصِلَ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ يَكُونُ ذَلِكَ الْوَاجِبُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَهَكَذَا. وَإِنَّمَا قُصِرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ لِكَوْنِهِ بَيَّنَ الْمُتَّصِلَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا تَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ الْوَاجِبَ، فَلَا يَتَّصِلُ بِهِ رَغِيبَةٌ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْوَاجِبَ لَا تَتَّصِلُ بِهِ سُنَّةٌ وَلَا رَغِيبَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ فِيهَا مَا هُوَ سُنَّةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ رَغِيبَةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ فَضِيلَةٌ فَيَتَّصِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا، وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فِيهِ السُّنَّةُ كَقِرَاءَةِ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفَضِيلَةُ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ بِإِثْرِ الْفَرِيضَةِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ فِي حَالِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ فَقَطْ، وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فِيهِ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ كَاعْتِقَادِ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُ عِلْمُهُ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ.
[قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ إلَخْ] فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْإِيجَابُ لَا الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ [قَوْلُهُ: أَقْسَامُ الْأَحْكَامِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَقْسَامٌ هِيَ الْأَحْكَامُ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: الشَّرْعِيَّةِ] نِسْبَةٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْأَحْكَامُ فَفِيهِ نِسْبَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْعِ الْأَدِلَّةُ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مَجَازًا أَوْ يُرَادُ بِهِ الشَّارِعُ كَذَلِكَ أَيْ مَجَازًا؛ وَالشَّارِعُ حَقِيقَةً اللَّهُ تَعَالَى وَمَجَازًا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ عِنْدَنَا إلَخْ] الْمُحْتَرَزُ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُوَافِقُونَنَا عَلَى تَرَادُفِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْفَرْضُ يُغَايِرُ الْوَاجِبَ حَتَّى فِي غَيْرِ بَابِ الْحَجِّ، فَالْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ هَكَذَا يَقُولُونَ. ثُمَّ إنَّ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ أَوَّلًا مُرَادًا مِنْهُ الْمَعْنَى، وَأَطْلَقَهُ ثَانِيًا وَأَرَادَ بِهِ اللَّفْظَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَفَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ، أَيْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاجِبِ يُرَادِفُ لَفْظَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَادَفَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الْمَدْلُولِ الَّذِي تَرَادَفَ عَلَيْهِ اللَّفْظَانِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: مَا يُمْدَحُ] أَيْ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَإِنْ لَمْ يُمْدَحْ بِالْفِعْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَدْحَ الْمَوْلَى لَهُ. [قَوْلُهُ: فَاعِلُهُ] أَيْ اخْتِيَارًا فَالْمُكْرَهُ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا. [قَوْلُهُ: وَيُذَمُّ تَارِكُهُ] فَفَاعِلُ الْمَكْرُوهِ لَا يُذَمُّ وَإِنْ كَانَ يُلَامُ أَيْ اخْتِيَارًا فَمَنْ تَرَكَهُ مُكْرَهًا لَا يُذَمُّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى نِيَّةٍ يَتَوَقَّفُ الْمَدْحُ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ كَمَا قِيلَ فِي الثَّوَابِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ غَفْلَةً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ غَفْلَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِامْتِثَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا فِي الْأُولَى، وَأَوْلَى إذَا كَانَ خَوْفًا. [قَوْلُهُ: شَرْعًا] هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ فَلَا
وَالْمَكْرُوهُ وَهُوَ مَا فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ، وَالْمَنْدُوبُ وَهُوَ مَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ، وَالْمُبَاحُ مَا تَسَاوَى طَرَفَاهُ وَقَوْلُهُ:(مِنْ السُّنَنِ) بَيَانٌ لِمَا جَمْعُ سُنَّةٍ، وَهِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ (مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا) بَدَلٌ مِنْ السُّنَنِ وَالْمُؤَكَّدُ مِنْهَا مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ وَهِيَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَحُدَّهُ بِحَدٍّ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ نَحْوِ الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّهْرِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُدَاوِمُ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالرَّغَائِبُ جَمْعُ رَغِيبَةٍ وَهِيَ لُغَةً: التَّحْضِيضُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَجْهَ لِتَرْكِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ] يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْمُحَرَّمِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ] نَفْيُ الْعِقَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ اللَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُلَامُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ] لَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ نَفْيَ الْعِقَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ اللَّوْمِ إذْ يَتَرَتَّبُ اللَّوْمُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ اخْتِيَارًا. [قَوْلُهُ: مَا تَسَاوَى طَرَفَاهُ] أَيْ أَنَّ طَرَفَ الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِطَرَفِ التَّرْكِ، فَلَيْسَ فِي الْفِعْلِ ثَوَابٌ كَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَلَا عِقَابَ كَالْحَرَامِ وَلَا لَوْمَ كَالْمَكْرُوهِ، وَلَا فِي التَّرْكِ ثَوَابٌ كَالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَلَا عِقَابَ كَالْوَاجِبِ وَلَا لَوْمَ كَالْمَنْدُوبِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ] مُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ غَيْرَهُمَا.
[قَوْلُهُ: وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ] أَيْ فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ إلَخْ. فِي هَذَا التَّعْرِيفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ النَّوَافِلَ وَالرَّغَائِبَ، فَلَوْ قَالَ: مَا طُلِبَ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ لَشَمِلَ الْكُلَّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ مِنْ مُؤَكَّدِهَا بَيَانًا لِلسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا الْمَغَارِبَةِ الْمُفَرِّقِينَ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا التَّعْرِيفُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّغِيبَةِ وَالنَّافِلَةِ [قَوْلُهُ: وَدَاوَمَ عَلَيْهِ] قَالَ عج: أَيْ فُهِمَ مِنْهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ اهـ.
وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ دَاوَمَ عَلَيْهِ مَا فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ. وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ كَالتَّرَاوِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى سُنَّةً. [قَوْلُهُ: بَدَلٌ مِنْ السُّنَنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلُ مِنْ السُّنَنِ بِإِعَادَةِ مِنْ، فَالْبَدَلِيَّةُ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لَا مِنْ الْمَجْرُورِ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ لَا بَدَلَ كُلٍّ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ وَإِلَّا لَوَجَبَ حَذْفُ الضَّمِيرِ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكُلِّ لَا يَقْتَرِنُ بِالضَّمِيرِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ [قَوْلُهُ: مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ] هَذَا غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الرَّغِيبَةَ وَالْمَنْدُوبَاتِ الْمُؤَكَّدَةَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ الَّذِي هُوَ النَّوَافِلُ وَالرَّغَائِبُ.
[قَوْلُهُ: كَالْوِتْرِ] هُوَ آكَدُ مِمَّا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْعِيدَيْنِ] يَلِيَانِ الْوِتْرَ فِي الْآكَدِيَّةِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا آكَدَ مِنْ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَالْكُسُوفِ] يَلِي الْعِيدَيْنِ فِي الْآكَدِيَّةِ، وَأَمَّا الْخُسُوفُ فَمُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ.
[قَوْلُهُ: وَالِاسْتِسْقَاءِ] يَلِي الْكُسُوفَ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: الزِّيَادَةُ] أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ ثُبُوتُهُ لَا الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فُرِضَ مِنْ الْعِبَادَةِ لِقُصُورِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُدَّهُ] أَيْ بِعَدَدٍ أَيْ يَقْصُرْهُ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ النَّقْصُ عَنْهُ مَعُونَةً لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَصْدُقُ بِالْمُدَاوَمَةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً قَالَ: وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ التَّحْدِيدِ نَفْيُ الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ يَسْتَلْزِمُ تَحْدِيدَهُ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَحُدَّهُ قُلْت: لَا يَسْلَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِتَحْدِيدِهِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ إلَخْ] وَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ سَوَاءٌ الَّذِي لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ أَوْ دَاوَمَ عَلَيْهِ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْعَصْرِ. [قَوْلُهُ: كَأَنْ يُدَاوِمَ إلَخْ] أَيْ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ لِمَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: التَّحْضِيضُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحْضِيضَ هُوَ الْحَثُّ التَّامُّ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَهُوَ
عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَحَدَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةِ رَاجِعَةٌ لِلسُّنَنِ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (وَشَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْهَا) رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ، وَأَرَادَ بِالْآدَابِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْكِتَابِ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ مُخْتَصَرَةٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ كَمَسْأَلَةِ بُيُوعِ الْآجَالِ، فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ قَوْلُهُ:(وَفُنُونِهِ) جَمْعُ فَنٍّ وَهُوَ الْفَرْعُ (عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ، وَأَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَهُ، (وَ) بِ (طَرِيقَتِهِ)
ــ
[حاشية العدوي]
لَيْسَ الرَّغِيبَةَ لُغَةً إذْ هِيَ لُغَةً مَا رُغِّبَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الْمُخَيَّرِ] الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْقَيْدِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالرَّغِيبَةُ الْأَمْرُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْعَطَاءُ الْكَثِيرُ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَحَدَّهُ] خَرَجَ الرُّكُوعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ مَثَلًا فَإِنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ [قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْفَجْرِ] الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا رَغِيبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَغَائِبِهَا مُرَادًا مِنْهُ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي فَرْدٍ. [قَوْلُهُ وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ] أَيْ الَّتِي فِي مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا.
[قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ] غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ هُوَ بِصَدَدِ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ لَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا بِمَعْنَى السُّنَنِ الْمُبَيَّنَةِ بِقَوْلِهِ: مِنْ مُؤَكَّدِهَا إلَخْ بَلْ بِمَعْنَى وَاجِبٍ وَسُنَّةٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَتْ تِلْكَ السُّنَنُ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَابَلَ الْمُسْتَحَبَّ أَوْ لَا وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الْآدَابِ بَعْضُهُ وَاجِبٌ كَرَدِّ السَّلَامِ وَبَعْضُهُ سُنَّةٌ وَبَعْضُهُ مَنْدُوبٌ، وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى: أَكْتُبُ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ وَمِنْ السُّنَنِ وَمِنْ شَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْ شَيْءٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاتَّضَحَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَشَيْءٍ وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَاجِبٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُهَا عَنْ الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.
[قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] أَتَى بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ لِمَا قَالَهُ الطَّيَالِسِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصُولِ الْأَحَادِيثُ الْمُلَخَّصَةُ الْأَسَانِيدِ أَيْ الْمَحْذُوفَةُ الْأَسَانِيدِ، وَبِالْفُنُونِ الْآرَاءُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعُلَمَاءِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى خَطَأِ مَنْ فَسَّرَ أُصُولَ الْفِقْهِ بِأُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ اهـ.
[قَوْلُهُ: أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ] أَيْ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا جُمْلَةُ مَسَائِلَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَسْأَلَةِ، تَمْثِيلٌ لِمُفْرَدِ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِمَا.
[قَوْلُهُ: فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] أَيْ؛ لِأَنَّهَا الْبَيْعُ الْمُتَكَرِّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ إنْ أَدَّى إلَى مُحَرَّمٍ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ كُلِّيَّةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ] وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَرِدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَقَامِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا جَوَابُ مَا يُقَالُ: إنَّ الرِّسَالَةَ مُؤَلَّفَةٌ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ فَكَيْفَ يَقُولُ وَجُمَلٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ؟ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَصْلِيَّةَ الَّتِي ثَبَتَتْ لَهَا نِسْبِيَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
[قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ إلَخْ] الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتُ الْمَسَائِلِ. [قَوْلُهُ: وَفُنُونِهِ] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْفُرُوعُ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَهَا فُرُوعٌ، وَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ الْأَدِلَّةَ وَبِالْفُنُونِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْفُرُوعِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لَهَا قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ لَا أَدِلَّةٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مَذْهَبِ إلَخْ] هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالْحَدَثُ، ثُمَّ تُعُورِفَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ " مَذْهَبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمَذْهُوبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَذْهُوبٌ إلَيْهَا لَا فِيهَا. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ] أَيْ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَالِ بِعَامِلِهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا
قَوْلَ أَصْحَابِهِ (مَعَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا، مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جُمْلَةً، أَيْ سَأَلْتنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مُصَاحِبَةً لِ (مَا) أَيْ لِلَّذِي (سَهَّلَ) أَيْ بَيَّنَ (سَبِيلَ مَا) أَيْ طَرِيقَ الَّذِي (أَشْكَلَ) أَيْ الْتَبَسَ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا الْبَيَانُ مَأْخُوذٌ (مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ) أَيْ الثَّابِتِينَ فِي الْعِلْمِ.
(وَ) مِنْ (بَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ) أَرَادَ بِهِمْ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ فِي الْمُتَفَقِّهِ الْمُتَوَسِّطِ فِي الْفِقْهِ، وَأَضَافَ التَّفْسِيرَ لِلرَّاسِخِينَ وَالْبَيَانَ لِلْمُتَفَقِّهِينَ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ الْكَشْفُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ وَالْبَيَانُ التَّعْبِيرُ عَنْ إظْهَارِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ مُبَيِّنَةٍ عَنْ حَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَالْفَضْلُ لِكَاشِفِ الْمُرَادِ مِنْ أَصْلِهِ دُونَ الْمُعَبِّرِ عَنْهُ.
وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ وَمَا انْضَمَّ إلَيْهَا ثُمَّ بَيَّنَ سُؤَالَ السَّائِلِ
ــ
[حاشية العدوي]
حَالٌ مِنْ الْجُمْلَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ مُشْتَمِلَةً مِنْ اشْتِمَالِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْلُولِ عَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا الْإِمَامُ، أَيْ جِنْسُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لَا كُلُّهَا لِمُشَاهَدَةِ خِلَافِهِ.
[قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَهُ] أَيْ رَأْيَهُ أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي رَآهُ وَاعْتَقَدَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي وَرَأْيِ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا وَوَجْهُ كَوْنِ رَأْيِ أَصْحَابِهِ طَرِيقَتَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوَاعِدِهِ صَحَّ أَنْ يُجْعَلَ طَرِيقَةً لَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِطَرِيقَتِهِ مَذْهَبُهُ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ] قَدَّمَ الْفَتْحَ؛ لِأَنَّهُ الْفَصِيحُ. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ اسْمٌ لَا ظَرْفٌ. وَقَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جُمْلَةً مِنْ تَعَلُّقِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا وَقَوْلِهِ: مُصَاحَبَةً أَيْ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَهُوَ مَجَازٌ.
قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ: صُحْبَةٌ هَذَا مُفَادُ عِبَارَتِهِ مَعَ أَنَّ النُّحَاةَ ذَكَرُوا أَنَّهَا اسْمٌ لِمَكَانِ الِاصْطِحَابِ أَوْ وَقْتِهِ فَهِيَ ظَرْفٌ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَهِيَ ظَرْفٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَكْتُبُ لَك جُمْلَةً حَالَةَ كَوْنِهَا كَائِنَةً فِي مَكَانِ الَّذِي سَهَّلَ بِمَعْنَى مُصْطَحِبَةً مَعَ الَّذِي سَهَّلَ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ مُصَاحَبَةً حَلَّ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: أَيْ طَرِيقُ الَّذِي أَشْكَلَ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِسَبِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ] حَاصِلُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْتِبَاسٌ بَيَّنَهُ وَذَلِكَ الْبَيَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ كَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَصَدُوا إزَالَةَ مَا أَشْكَلَ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِ، وَمُفَادُ كَلَامِهِ حَيْثُ رَجَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْمَذْهَبِ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا أَشْكَلَ مِنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ، وَمُفَادُ عج. أَنَّ الْبَيَانَ تَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ هُنَا مَا يَشْمَلُ رَأْيَ أَصْحَابِهِ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا الْبَيَانُ] أَيْ وَهَذَا التَّبْيِينُ مَأْخُوذٌ، فَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ تَفْسِيرِ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ تَفْسِيرِ حَالًا مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ، مَا بَيْنَ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَيْنِ مَأْخُوذًا مِنْ تَفْسِيرِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ بَيَانِ] أَيْ تَبْيِينِ. [قَوْلُهُ: كَابْنِ الْقَاسِمِ] لِأَعْظَمِيَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُتَفَقِّهِ الْمُتَوَسِّطُ فِي الْفِقْهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْكَامِلُ كَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْكَامِلُ فِي الْفِقْهِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ إلَخْ] أَيْ إنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْمُتَفَقِّهَ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ لَا كَامِلُ الْفِقْهِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُشْعِرُ بِالتَّكَلُّفِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْبَيَانِ] أَيْ التَّبْيِينِ. [قَوْلُهُ: عَنْ إظْهَارِ] الصَّوَابِ حَذَفَ إظْهَارَ؛ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ وَصْفُ الْمُظْهَرِ وَلَيْسَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَخُلَاصَةُ الْكَلَامِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْكَشْفُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ بِعِبَارَةٍ فِيهَا خَفَاءٌ، وَالْبَيَانُ إيضَاحُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ الْخَفِيَّةِ بِعِبَارَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى.
[قَوْلُهُ: عَنْ حَقِيقَةِ] عَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ ضِمْنِ مُبِينَةٌ مُفْصِحَةٌ، وَإِضَافَةُ حَقِيقَةِ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَنْ حَقِيقَةِ وَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ.
[قَوْلُهُ: دُونَ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ] أَيْ فَقَطْ أَيْ بِدُونِ كَشْفٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْكَاشِفَ مُعَبِّرٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَاشِفَ جَمْعٌ بَيْنَ
بِقَوْلِهِ: (لِمَا رَغِبْتَ فِيهِ) بِفَتْحِ التَّاءِ خِطَابًا لِمُحْرِزٍ أَيْ لِمَا أَرَدْتَهُ (مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ) أَيْ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِلْوِلْدَانِ) أَيْ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا.
وَانْظُرْ كَيْفَ شَبَّهَ تَعْلِيمَ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِتَعْلِيمِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ) أَيْ الْقِرَاءَةَ الدَّالَّةَ عَلَى مَعَانِيهِ، وَالْمُشَبَّهُ بِالشَّيْءِ لَا يَقْوَى قُوَّتَهُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْعَقَائِدِ وَمَعْرِفَةَ الشَّرَائِعِ آكَدُ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يُتَعَلَّمُ حُرُوفُهُ دُونَ مَعَانِيهِ، وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْكَشْفِ وَالتَّعْبِيرِ، وَالْمُبَيِّنُ جَمْعٌ بَيْنَ الْإِيضَاحِ وَالْأَوَّلُ أَشْرَفُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ الْمَقَامِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ] أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ [قَوْلُهُ: وَمَا انْضَمَّ إلَيْهَا] هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ مَا سَهَّلَ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ سُؤَالَ السَّائِلِ] أَيْ بَيَّنَ سَبَبَ سُؤَالِ السَّائِلِ. [قَوْلُهُ: لِمَا أَرَدْته] أَيْ فَالرَّغْبَةُ الْإِرَادَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي شِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِالشَّيْءِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْجُمْلَةُ] وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ] وَيُلْتَحَقُ بِهِمْ جَهَلَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّمَ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ الْقُرْآنَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِ تَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُ حَرَامًا، وَهَلْ تَعْلِيمُهُمْ تِلْكَ الْجُمْلَةَ كَذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ الْقُرْآنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؟ نَعَمْ نَصَّ الْبُرْزُلِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ أَوْلَادِ الظَّلَمَةِ وَلَا أَوْلَادِ كَتَبَةِ الْمُكُوسِ الْخَطَّ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُوَصِّلُ لِلْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ.
[قَوْلُهُ: كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ] يُطْلَقُ الْقُرْآنُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْأَلْفَاظِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النُّقُوشَ تَدُلُّ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَالْأَلْفَاظُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ عَلَى الثَّانِي، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ أُرِيدَ مِنْ الْحُرُوفِ الْأَلْفَاظُ، فَلَوْ أُرِيدَ مِنْهَا النُّقُوشُ لَكَانَ مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْقِرَاءَةَ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا تُعَلِّمُهُمْ أَلْفَاظَهُ الدَّالَّةَ عَلَى مَعَانِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَصْفُ الْقَارِئِ فَلَيْسَتْ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مَعَانِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُشَبَّهُ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَهُنَا الْمُشَبَّهُ أَقْوَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ أَنْ تَعَلُّمَ الْحُرُوفِ وَاجِبٌ كَتَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَالشَّرَائِعِ.
[قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ.
1 -
[قَوْلُهُ: الْعَقَائِدِ] جَمْعُ عَقِيدَةٍ بِمَعْنَى مُعْتَقَدَةٍ إلَّا أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الْقَضِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُ وَاحِدٌ، وَعَلَى نِسْبَتِهَا الَّتِي هِيَ الْمُعْتَقَدَةُ [قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَةَ الشَّرَائِعِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَعْرِفَةٍ عُطِفَتْ عَلَى تَعْلِيمٍ أَوْ عَلَى الْعَقَائِدِ، أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ حَدِيثَنَا فِي التَّعْلِيمِ لَا فِي نَفْسِ الْمَعْرِفَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَ التَّعْلِيمِ أَيْ لَيْسَتْ مُعَلَّمَةً بَلْ نَاشِئَةً عَنْهُ بَلْ الْمُعَلَّمُ نَفْسُ الشَّرَائِعِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: آكَدُ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ] أَيْ بِارْتِفَاعِهِ إلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ الْوَاجِبُ إلَّا الْفَاتِحَةُ وَيُسَنُّ كَآيَةٍ وَمَا زَادَ فَمُسْتَحَبٌّ، فَالتَّفْضِيلُ عَلَى الْقُرْآنِ بِحَسَبِ أَغْلَبِهِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ.
وَقَالَ عج: التَّشْبِيهُ فِي التَّعْلِيمِ لَا فِي حُكْمِهِ فَإِنَّ حُكْمَ تَعْلِيمِ الْأَوَّلِ لَيْسَ كَحُكْمِ تَعْلِيمِ الثَّانِي إذْ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَوَاءٌ، وَمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يُتَعَلَّمُ حُرُوفُهُ] أَيْ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ. [قَوْلُهُ: دُونَ مُعَانِيهِ.] يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ تَعْلِيمُ الْمَعَانِي لَانْتَفَتْ تِلْكَ الْآكَدِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ الْفِقْهِيَّةَ لَا نُدْرِكُهَا مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُفِيدُ شَيْئًا فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَحَطُّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ] أَيْ بِالِارْتِقَاءِ إلَى دَرَجَةِ الْمَنْدُوبِ فَيَصْدُقُ بِالِارْتِقَاءِ إلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ كَأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِلَى دَرَجَةِ السُّنِّيَّةِ كَالسُّورَةِ، فَقَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا ذَكَرْنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ إذْ لَا وُجُوبَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَمَعْرِفَةُ الْعَقَائِدِ أَرْجَحُ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّرَائِعِ وَإِنْ
الْقُرْآنِ إلَّا أُمُّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ وَقَوْلُهُ:(لِيَسْبِقَ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ خَصَصْت الْأَوْلَادَ؟ فَقَالَ لِكَيْ يَسْبِقَ أَيْ يُسْرِعَ (إلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ دِينِ اللَّهِ) وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ.
(وَ) يَسْبِقَ إلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ (شَرَائِعِهِ) وَهِيَ فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (مَا) اسْمٌ مَوْصُولٌ فَاعِلُ يَسْبِقَ وَ (تُرْجَى لَهُمْ) أَيْ لِلْوِلْدَانِ (بَرَكَتُهُ وَتُحْمَدُ لَهُمْ عَاقِبَتُهُ) وَالرَّجَاءُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَطْبُوعٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ الْأَخْذِ فِي عَمَلٍ مُحَصَّلٍ لَهُ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْعَمَلِ فَهُوَ طَمَعٌ وَهُوَ قَبِيحٌ، وَالرَّجَاءُ حَسَنٌ وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ وَعَاقِبَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخَرَ، وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ دِينُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَزَادَ فَهْمُهُمْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُنَا ثَمَّ سُؤَالُ مُحْرِزٍ وَجَوَابُهُ وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلسُّؤَالِ بِالْجَوَابِ مِنْ قَوْلِهِ:(فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى سُؤَالِك
ــ
[حاشية العدوي]
اشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ يُفِيدُ اسْتِوَاءَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ [قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ] أَيْ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ قَالَ لَهُ أَيْ لِمُحْرَزٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَ أَيْ مُحْرَزٌ [قَوْلُهُ: مِنْ فَهْمِ دِينِ اللَّهِ] أَيْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ] أَرَادَ بِالدِّينِ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ، وَمُرَادُهُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي وَقَعَ مُضَافًا إلَيْهِ الِانْقِيَادُ الْبَاطِنِيُّ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا.
[قَوْلُهُ: فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ] أَرَادَ بِالْفُرُوعِ الْأَحْكَامَ الْفَرْعِيَّةَ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ حَيْثُ أُرِيدَ بِالشَّرِيعَةِ الْأَحْكَامُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ] أَيْ كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا. [قَوْلُهُ: اسْمٌ مَوْصُولٌ] أَيْ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. [قَوْلُهُ: وَتُحْمَدُ] مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: وَالرَّجَاءُ] أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ تُرْجَى. [قَوْلُهُ: تَعَلُّقُ الْقَلْبِ] أَيْ الْعَقْلِ، وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ وَالْحَقِيقَةُ نِسْبَةُ التَّعَلُّقِ لِلنَّفْسِ. [قَوْلُهُ: بِمَطْمُوعٍ] أَيْ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِكَوْنِهِ مَطْمُوعًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّعَلُّقِ، فَفِي الْعِبَارَةِ مَجَازُ الْأَوَّلِ.
[قَوْلُهُ: يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] أَيْ يُظَنُّ حُصُولُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَتَحَقَّقُ لِجَوَازِ عُرُوضِ مَانِعٍ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْعَمَلِ] أَيْ عَنْ الْأَخْذِ فِي الْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَبِيحٌ] أَيْ شَرْعًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ وَاجِبًا وَمَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ مَنْدُوبًا أَوْ عُرْفًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ دُنْيَوِيًّا.
[قَوْلُهُ: وَالرَّجَاءُ حَسَنٌ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَزِيَادَتُهُ] أَيْ كَيْفًا فَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْبَرَكَةَ إمَّا الزِّيَادَةُ كَمًّا وَكَيْفًا أَوْ كَمَالًا كَيْفًا أَوْ كَيْفًا لَا كَمًّا. [قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا] وَهِيَ الرُّسُوخُ وَالزِّيَادَةُ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا شَيْئًا يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلِمَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ لَا يُبَدَّلُ بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا يُبَدَّلُ بِمَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ سَيِّئَةٍ اهـ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَطْرُقُ الْقُلُوبَ زَمَنَ خُلُوِّهَا مِنْ شَوَاغِلِ الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا ثَبَتَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَأَحْكَامُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَزَادَ فَهْمُهُمْ] أَيْ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمُوهَا، وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ زِيَادَةِ الْفَهْمِ السُّهُولَةُ أَتَى بِهَا. [قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا يَذْكُرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ] حَالٌ مِنْ الْفَاءِ أَيْ الْفَاءُ حَالَةَ كَوْنِهَا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ ضَعِيفًا أَوْ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَيَانٌ لِلْجَوَابِ، أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي، مُتَعَلِّقٌ بِرَابِطَةٍ أَيْ رَبَطَتْ السُّؤَالَ بِالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ: فَأَجَبْتُك، أَوْ أَنَّ خَبَرَ جَوَابَ قَوْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْفَاءُ إلَخْ. جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ.
[قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُك إلَخْ] السُّؤَالُ هُنَا لَيْسَ عَنْ وَاجِبٍ فَالْجَوَابُ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ وَاجِبٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَالْجَوَابُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ الْمُجِيبُ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ.
[قَوْلُهُ: إلَى سُؤَالِك] بِمَعْنَى
وَاللَّامُ فِي (لِمَا) لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَوْصُولَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ سَأَلَتْنِي فَأَجَبْتُك لِأَجْلِ الَّذِي (رَجَوْتُهُ) أَيْ طَمِعْت فِيهِ (لِنَفْسِي وَلَكَ مِنْ ثَوَابِ) أَيْ جَزَاءِ (مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ) قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ؛ لِأَنَّ التَّأْلِيفَ تَعْلِيمٌ وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَمُحْرِزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ حَقِيقَةً ثُمَّ حَثَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ:(وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا) أَيْ أَحْفَظُهَا (لِلْخَيْرِ وَأَرْجَى) أَيْ أَقْرَبُ (الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ مَا) أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي (لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ قَبِلَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ أَحْسَنَ قَبُولٍ، وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ عَظُمَتْ الْحِيلَةُ فِي إزَالَتِهِ كَالْآنِيَةِ الْجَدِيدَةِ يُجْعَلُ
ــ
[حاشية العدوي]
مَسْئُولِك [قَوْلُهُ: أَيْ طَمِعْت] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ تَعَلَّقَ قَلْبِي بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّمَعَ قَبِيحٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَزَاءِ] فَسَّرَ الثَّوَابَ بِالْجَزَاءِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِ لِعِبَادِهِ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ الْحَسَنَةِ الْمَقْبُولَةِ. [قَوْلُهُ: مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ] الْمُرَادُ بِالدِّينِ مُطْلَقُ الْأَحْكَامِ، اعْتِقَادِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً.
[قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ] وَقِيلَ: إنَّ أَوْ تَنْوِيعِيَّةٌ فَالْمُعَلِّمُ الْمُصَنِّفُ، وَالدَّاعِي مُحْرَزٌ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِي الْعِبَارَةِ قَضِيَّةٌ مَحْذُوفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَصُورَتُهُ التَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيمٌ فَيَنْتُجُ: التَّأْلِيفُ تَعْلِيمٌ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ تُفِيدُهُ عِبَارَتُهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاعٍ] مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَضِيَّةٍ مَحْذُوفَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِالْقَضِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَحْذُوفَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: التَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْعِلْمِ إلَى التَّأْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ التَّنَاوُلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْلِيفِ بِدُونِ التَّنَاوُلِ، فَصَارَ الْمُصَنِّفِ: بِذَلِكَ دَاعِيًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: وَالتَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، وَالْعِلْمُ مَحْمُودٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ التَّأْلِيفِ فَبِهَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ دَاعِيًا. [قَوْلُهُ: وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ] أَيْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَلَّفَ فَيَكُونُ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي وَقَعَ مَوْضُوعًا لِلْقَضِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَخْ مُحْتَوٍ عَلَى دَعْوَتَيْنِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَهَا طَرَفَانِ الْأُولَى مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَهَذِهِ بِطَرَفَيْهَا ظَاهِرَةٌ وَإِلَيْهَا يُشِيرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ: مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ، وَحَقِيقَةُ الثَّانِيَةِ الْمُصَنِّفُ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَفِيهَا خَفَاءٌ مِنْ جِهَةِ الطَّرَفَيْنِ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: الْمُصَنِّفُ دَاعٍ بِقَوْلِهِ: فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِهِ عَلَى الْمَحْذُوفَةِ، وَبَيَّنَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ، وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَلَّفَ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا.
وَقَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ. [قَوْلُهُ: وَمُحْرَزٌ دَاعٍ] أَيْ دَاعٍ إلَى تَعْلِيمِ دِينِ اللَّهِ كَمَا يُفِيدُهُ تت، أَيْ إمَّا مِنْ حَيْثُ سُؤَالُهُ الْمُصَنِّفَ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَدْعُو الْوِلْدَانَ لِلتَّعْلِيمِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ.
تَنْبِيهٌ: تَرَجَّى الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لِلْعَمَلِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَالثَّوَابُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْقَبُولِ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ خَيْرَ] أَيْ أَحْسَنَهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ أَيْ ضِدُّ الشَّرِّ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْخَيْرَانِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَكَتْ فِي الْحُسْنِ وَحِفْظِ الْخَيْرِ وَأَحْسَنُهَا مَا كَانَ أَحْفَظَ لِلْخَيْرِ فَكُلٌّ مِنْ خَيْرِ الْأَوَّلِ، وَأَوْعَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ دُونَ خَيْرِ الثَّانِي فَلَيْسَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الشَّرِّ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي إلَخْ] جَعَلَ مَا اسْمًا مَوْصُولًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَيْ قَلْبٌ لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الشَّرُّ] أَيْ الْمَعْصِيَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ اعْتِقَادُ إذْ حُبُّ الْمَعْصِيَةِ شَرٌّ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا.
[قَوْلُهُ: يُجْعَلُ فِيهَا الْقَطِرَانُ] اقْتَصَرَ عَلَى
فِيهَا الْقَطِرَانُ فَلَا تَزُولُ مِنْهَا رَائِحَتُهَا إلَّا بَعْدَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ.
(وَ) اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ (أَوْلَى) أَيْ أَحَقَّ (مَا عُنِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنَى شُغِلَ (بِهِ النَّاصِحُونَ) أَيْ الْمُرْشِدُونَ لِلْخَيْرِ الْمُحَذِّرُونَ مِنْ الشَّرِّ (وَرَغِبَ فِي أَجْرِهِ الرَّاغِبُونَ) أَيْ الطَّالِبُونَ لِلْخَيْرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا:(إيصَالُ الْخَيْرِ) أَيْ تَبْلِيغُهُ (إلَى قُلُوبِ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لِ) كَيْ (يَرْسَخَ) أَيْ يَثْبُتَ (فِيهَا وَ) ثَانِيهَا: (تَنْبِيهُهُمْ) أَيْ إيقَاظُهُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَالْجَهَالَةِ (عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ) ، أَرَادَ بِهَا هُنَا قَوَاعِدَ الدِّينِ.
(وَ) ثَالِثُهَا: عَلَى (حُدُودِ الشَّرِيعَةِ) وَهِيَ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَحَقَّ بِمَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ (لِ) أَجْلِ أَنْ (يُرَاضُوا) أَوْلَادَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ يُذَلِّلُوا (عَلَيْهَا) مِنْ رُضْت الدَّابَّةَ أَيْ ذَلَّلْتهَا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَثْبُتُ الدِّينُ فِي قُلُوبِهِمْ وَتَنْقَادُ إلَيْهِ طَبَائِعُهُمْ وَيُطَاوِعُونَ لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ كَالْبَهِيمَةِ الَّتِي
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَطِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَعَلُّقًا مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَشَقَّةٍ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَحَقُّ] ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا [قَوْلُهُ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ] هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ زُكِمَ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي أَتَتْ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ فَسَّرَهَا بِشُغِلَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ عُنِيَ فَلَا يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّ عُنِيَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، فَلَوْ فَسَّرَهَا بِنَحْوِ اهْتَمَّ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ حَقِيقَةً فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُرْشِدُونَ لِلْخَيْرِ إلَخْ] أَيْ فَالنُّصْحُ بِالْإِرْشَادِ لِلْخَيْرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ الشَّرِّ، ثُمَّ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النُّصْحَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ فَأَحَدُهُمَا لَا يُقَالُ لَهُ نُصْحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ نُصْحٌ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الطَّالِبُونَ لِلْخَيْرِ] تَفْسِيرٌ لِلرَّاغِبِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّغْبَةَ الْإِرَادَةُ. [قَوْلُهُ: إيصَالُ الْخَيْرِ] قَالَ تت: مَنْ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ اهـ.
وَغَيْرُ الْعِلْمِ كَالْقُرْآنِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ تت أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَتَنْبِيهُهُمْ إلَخْ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ يُؤْذِنُ بِالْمُغَايَرَةِ بِحَيْثُ يُرَادُ بِالْخَيْرِ مَا عَدَا الْأَحْكَامِ مُطْلَقًا اعْتِقَادِيَّةً أَوْ عَمَلِيَّةً فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ] خَصَّ الْأَوْلَادَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَجْلِ قَوْلِهِ لِيَرْسَخَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ إلَخْ] السِّنَةُ: مَا تَقَدَّمَ النَّوْمَ مِنْ الْفُتُورِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَالْغَفْلَةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمُ تَذَكُّرِهِ لَهُ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ تَرَكَهُ إعْرَاضًا وَإِهْمَالًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] اهـ.
وَالْجَهَالَةُ عَدَمُ الْعِلْمِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ فَنَقُولُ: إنَّ عَطْفَ الْجَهَالَةِ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَإِضَافَةُ سِنَةٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيْ إيقَاظُهُمْ مِنْ الْجَهَالَةِ الشَّبِيهَةِ بِالسِّنَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهَا إلَخْ] الْمَعَالِمُ جَمْعُ مَعْلَمٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْأَثَرُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: أَرَادَ بِهَا هُنَا قَوَاعِدَ الدِّينِ هَكَذَا أَفَادَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي. وَقَوْلُهُ: هُنَا لَا مُحْتَرَزَ لَهُ.
[قَوْلُهُ: قَوَاعِدَ الدِّينِ] جَمْعُ قَاعِدَةٍ هِيَ أَسَاسُ الْبَيْتِ هَذَا فِي اللُّغَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلْعَقَائِدِ بِجَامِعِ مُطْلَقِ الِاعْتِمَادِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْفَرْعِيَّةَ لَا ثَبَاتَ لَهَا إلَّا بِالْأَصْلِيَّةِ أَيْ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ إلَّا إذَا قَامَ بِهِ الْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّةُ.
وَقَوْلُهُ: الدِّينَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدِّيَانَةَ اسْمٌ بِمَعْنَى الدِّينِ، وَظَهَرَ مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَيْ بِالدِّينِ الْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ قَاعِدَةً لِلْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَحْكَامُ] تَفْسِيرٌ لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ، وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ حُدُودٌ هِيَ الشَّرِيعَةُ. [قَوْلُهُ: مِنْ رُضْت الدَّابَّةَ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رُضْت الدَّابَّةَ رِيَاضَةً ذَلَّلْتهَا اهـ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ] الضَّمِيرُ لِلْحَالِ وَالشَّأْنِ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ إيصَالِ الْخَيْرِ إلَى قُلُوبِهِمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى مَعَالِمِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يُثَبِّتُ الدِّينَ] أَيْ الْأَحْكَامَ أَصْلِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يُثَبِّتُ الدِّينَ فِي قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: وَتَنْقَادُ إلَخْ] الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ يُثَبِّتُ؛ لِأَنَّ الثَّبَاتَ بَعْدَ الِانْقِيَادِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا أَوْ الْمُرَادُ
تُرَاضُ لِلتَّعْلِيمِ لِيَتَأَتَّى مِنْهَا الْمُرَادُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَلَّمْ كَانَتْ جَمُوحًا شَمُوصًا لَا تَنْقَادُ، وَقَوْلُهُ:(وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ وَقَوْلِهِ: (وَتَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: حُدُودُ الشَّرِيعَةِ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَى آخِرِهِ بِحَدِيثَيْنِ.
أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَأَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللَّهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ) الْإِطْفَاءُ الْإِخْمَادُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ رَدُّ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ بِالْغَضَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ إذْ مَعْنَاهَا لُغَةً غَلَيَانُ الدَّمِ، وَهُوَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ
ــ
[حاشية العدوي]
تَنْقَادُ طِبَاعُهُمْ إلَى الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوهُ. [قَوْلُهُ: لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ] أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَالْأَصْلُ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلتَّعْلِيمِ] الْمُنَاسِبُ لِلتَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفُ الدَّابَّةِ لَا التَّعْلِيمِ أَيْ الَّتِي تُذَلَّلُ لِتَعَلُّمِ الطَّحْنِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: الْمُرَادُ أَيْ الطَّحْنُ مَثَلًا.
[قَوْلُهُ: جَمُوحًا] بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُسْتَعْصِيَةً عَلَيْهِ فَتَغْلِبُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: شَمُوصًا] فِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ شَمُوصًا مَعْنَاهُ سَائِقًا سَوْقًا عَنِيفًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ لَا الدَّابَّةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّارِحِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ تَسَمَّحَ فِي وَصْفِ الدَّابَّةِ بِوَصْفِ الشَّخْصِ فَأَرَادَ مِنْهُ مَا أَرَادَ مِنْ جَمُوحًا مِنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ وَهُوَ الِاسْتِعْصَاءُ عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ: لَا تَنْقَادُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جَمُوحًا وَشَمُوصًا أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ.
[قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا إلَخْ] أَيْ بِالْمُرَادِفِ وَحَلَّهُ بَعْضٌ بِمَا يَدْفَعُ التَّكْرَارَ فَحَمَلَ قَوْلَهُ: مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَحَمَلَ مَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، وَحَمَلَ حُدُودَ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ مِنْ نَحْوِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ، وَمَا تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا اهـ.
أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّكْرَارَ وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى جَعْلِ مَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا عَلَيْهِمْ مَوْصُولَةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ الدِّينِ بَيَانٌ لِلشَّيْءِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ تَعْتَقِدَهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ: قُلُوبُهُمْ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعْتَقِدُهُ كَمَا يُوهِمُهُ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ اسْتِفْهَامِيَّةً وَالتَّقْدِيرُ أَيْ مَشَقَّةٌ تَلْحَقُهُمْ فِيهِ مَعَ كَبِيرِ فَائِدَتِهِ وَهِيَ الرُّسُوخُ فِي الْقَلْبِ وَالرِّيَاضَةُ وَالتَّأَنُّسُ وَحُصُولُ شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَا تَكْرَارَ أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَدَلَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ لَا كُلُّ أَفْرَادِهِ إذْ مِنْ أَفْرَادِهِ الْعِلْمُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: لِيَرْسَخَ فِيهَا، أَيْ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ يُفِيدُ الرُّسُوخَ وَالثُّبُوتَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ إلَخْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ إلَخْ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ أَوْلَى مَا عُنِيَ إلَخْ أَيْ إنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
[قَوْلُهُ: الْإِطْفَاءُ وَالْإِخْمَادُ] أَيْ الَّذِي هُوَ تَسْكِينُ لَهَبِ النَّارِ فَهُوَ مِنْ مُلَائِمَاتِ النَّارِ. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْعَذَابِ] الْمُنَاسِبُ السُّكُوتُ عَلَى قَوْلِهِ رَدُّ أَيْ فَأَرَادَ بِالْإِطْفَاءِ الرَّدَّ وَأَرَادَ بِالْغَضَبِ الْعَذَابَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالْغَضَبِ سَبَبِيَّةٌ وَالْمُرَادُ رَدُّ دَوَامِ الْعَذَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاقِعِ الْمُتَوَقَّعُ، وَأَلْجَأَنَا إلَى ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ] أَيْ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَاهُ لُغَةً الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ الدَّمِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْبَارِئِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، ثُمَّ تَجَوَّزَ بِهَا أَيْضًا عَنْ الْعَذَابِ، أَيْ فَالْغَضَبُ فِي الْمُصَنَّفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذَابِ مَجَازٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِ الدَّمِ وَعَلَاقَةُ الْأَوَّلِ السَّبَبِيَّةُ وَالثَّانِي اللُّزُومُ.
وَقَوْلُهُ: هُنَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْبَارِئِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمُرَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْغَضَبِ الْعَذَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُتَكَلَّفُ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِرَادَةُ إلَخْ] هَذَا إذَا جُعِلَ صِفَةَ ذَاتٍ، وَإِنْ جُعِلَ صِفَةَ فِعْل فَيُفَسَّرُ
تَعَالَى، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ يَرُدُّ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ آبَائِهِمْ أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ أَوْ عَنْ مُعَلِّمِهِمْ أَوْ عَنْهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَأَنَّ) أَيْ وَرُوِيَ أَنَّ (تَعَلُّمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ)(ع) زَادَ فِي النَّوَادِرِ: وَالتَّعَلُّمُ فِي الْكِبَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ، قُلْت: الْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي الْكِبَرِ كَاَلَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاءِ» .
وَأَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ:
أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ
…
وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ
وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا
…
وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ
فَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا
…
لَأَلْفَى فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ
وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ
…
إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ
ــ
[حاشية العدوي]
بِالِانْتِقَامِ. [قَوْلُهُ: الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ] أَيْ بِسَبَبِ إرَادَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْغَضَبِ الَّذِي يُضَافُ لِلَّهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِمَا عَلِمْته [قَوْلُهُ: عَنْ آبَائِهِمْ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَعْلِيمِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَلَوْ غَيْرَ آبَائِهِمْ.
[قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ] أَيْ جُمْلَةِ مَنْ تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا] أَيْ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْخَلْقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ مُعَلَّلًا لَهُ بِمَا وَرَدَ مَعْنَاهُ: لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ] أَيْ فَكَمَا أَنَّ النَّقْشَ فِي الْحَجَرِ لَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ مُسْتَمِرٌّ كَذَلِكَ التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَثَرَهُ ذَاهِبٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ.
[قَوْلُهُ: مِثْلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ إلَخْ] أَيْ مِثْلُ تَعَلُّمِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: نِفْطَوَيْهِ إلَخْ] قَالَ الدُّلَجِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الشِّفَاءِ.
قَالَ نِفْطَوَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: نِفْطَوَيْهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهِ وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ عِنْدَ النُّحَاةِ بِوَاوٍ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ مَا بَعْدَهَا، وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَاوُهُ سَاكِنَةٌ مَضْمُومٌ مَا قَبْلَهَا مَفْتُوحٌ مَا بَعْدَهَا ثُمَّ هَاءٌ وَالتَّاءُ خَطَأٌ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ اهـ. بِلَفْظِهِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَلَى قَوْلِهِ نِفْطَوَيْهِ: هُوَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَرَفَةَ الْأَزْدِيُّ النَّحْوِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ.
[قَوْلُهُ: أَرَانِي] أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: أَنْسَى أَيْ نَاسِيًا أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي حَالَةَ كَوْنِي نَاسِيًا مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ أَوْ أَعْلَمُ نَفْسِي نَاسِيًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ] لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ تَفَاوَتَ بِدَلِيلِ الْمَقَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا عَدَا الشَّبُوبَةَ وَبِالصِّبَا الشَّبُوبَةَ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَبْيَاتِ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ مَا يُفِيدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حَالَ الصِّغَرِ يَتَفَاوَتُ وَكُلَّمَا كَانَ أَنْزَلَ مِنْ الْبُلُوغِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَانَ التَّعَلُّمُ فِيهِ أَثْبَتُ مِمَّا كَانَ فَوْقَهُ مِمَّا كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْبُلُوغِ، وَلَفْظُ الْكِبَرْ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَكَذَا الرَّاءُ الْوَاقِعَةُ رَوِيًّا وَالْبُيُوتُ مِنْ الطَّوِيلِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا الْعِلْمُ] الرَّاسِخُ أَيْ وَمَا يَكُونُ الْعِلْمُ الرَّاسِخُ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا غَالِبِيٌّ فَقَدْ تَفَقَّهَ الْقَفَّالُ وَالْقُدُورِيُّ بَعْدَ الشَّيْبِ فَفَاقَا الشَّبَابَ. [قَوْلُهُ: وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ] بِاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْحِلْمُ الْأَنَاةُ وَالْعَقْلُ وَالتَّحَلُّمُ تَكَلُّفُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ، أَيْ وَمَا الْحِلْمُ الْمُعْتَبَرُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ أَيْ تَكَلُّفُهُ فِي الْكِبَرِ. وَالْمُتَكَلَّفُ فِيهِ يَأْتِي عَلَى أَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ.
[قَوْلُهُ: لَأَلْفَى فِيهِ إلَخْ] أَيْ لَوَجَدَ فِيهِ الْعِلْمَ، وَقَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ حِسًّا بَلْ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ رُسُوخِهِ وَثُبُوتِهِ، وَأَرَادَ بِالنَّقْشِ الْأَثَرَ الظَّاهِرَ فِي الْحَجَرِ لَا الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّيْبِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ الصِّبَا بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّبَا مَا يَشْمَلُ الشَّبُوبَةَ، وَالشَّيْبُ مَا عَدَاهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا تَعَسُّفٌ] الْمَعْنَى وَمَا الْعِلْمُ مُتَّصِفٌ بِحَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا لِتَعَسُّفٍ
وَمَا الْمَرْءُ إلَّا اثْنَانِ عَقْلٌ وَمَنْطِقٌ
…
فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دَمَرْ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَدْ مَثَّلْت) أَيْ بَيَّنْت (لَك) ، الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ (مَا) أَيْ الَّذِي (يَنْتَفِعُونَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ وَيَشْرُفُونَ بِعِلْمِهِ وَيَسْعَدُونَ بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ) الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّالِثِ ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَنْتَفِعُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَشْرُفُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَسْعَدُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ النَّفْعِ الْحِفْظَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حِفْظِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ الشَّرَفِ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الشَّرَفُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْأَقْرَانِ إذْ هُوَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ.
[قَوْلُهُ: إذَا كَلَّ] أَيْ عَيَّ وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ: بَعْدَ الشَّيْبِ، أَيْ لَا بَعْدَ الشَّيْبِ مُطْلَقًا بَلْ بِقَيْدِ كِلَالِ قَلْبِ الْمَرْءِ إلَخْ. أَوْ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِلشَّيْبِ أَيْ الشَّيْبُ الْكَائِنُ إذَا كَلَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَقْلٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْطِقٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِاللُّزُومِ أَيْ مِنْ حَيْثُ أَنْ كُلًّا لَهُمَا يَلْزَمُهُ فَوَاتُ النُّطْقِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا] أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إذَا كَلَّ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ هَذَا أَوْ هَذَا.
[قَوْلُهُ: فَقَدْ دَمَّرَ] أَيْ هَلَكَ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: أَيْ بَيَّنْت إلَخْ] أَيْ جَعَلْت لَك الْمَسَائِلَ وَاضِحَةً كَالْمِثَالِ. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ] وَعَلَيْهِ فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بَيَّنْت لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَجْلِ سُؤَالِك أَوْ أَنَّ " مِنْ " بَيَانٌ " لِمَا " وَالسُّؤَالُ بِمَعْنَى الْمَسْئُولِ. [قَوْلُهُ: بِحِفْظِهِ] قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إلَخْ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ يَنْتَفِعُونَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِسَبَبِ حِفْظِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ
1 -
[قَوْلُهُ: وَيَشْرُفُونَ] بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَاضِيهِ شَرُفَ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا نَالَ الْعُلُوَّ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِعِلْمِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْضًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي.
[قَوْلُهُ: وَيَسْعَدُونَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ السَّعَادَةَ إمَّا دُنْيَوِيَّةٌ وَإِمَّا أُخْرَوِيَّةٌ، فَالدُّنْيَوِيَّةُ امْتِثَالُ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْأُخْرَوِيَّةُ التَّمَتُّعُ فِي الْجَنَّةِ إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ إلَخْ الْبَاءُ فِيهِ لِلتَّصْوِيرِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلِلسَّبَبِيَّةِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ مَا يَنْتَفِعُونَ إنْ أُوقِعَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَسْئُولَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالِاخْتِصَارِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَتْنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعِلْمِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِعِلْمِ مَدْلُولِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ نَاظِرٌ لِأُصُولِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: بِالْعَمَلِ نَاظِرٌ لِلْفُرُوعِ وَإِنْ أُوقِعَتْ عَلَى جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمَدْلُولَةِ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَحْتَاجُ لِحَذْفِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ بِحِفْظِهِ، أَيْ حِفْظِ دَالِّهِ وَلَا يَحْتَاجُ لَهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ.
[قَوْلُهُ: ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ] أَيْ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ اللَّهُ السَّعَادَةَ بِاعْتِقَادِهِ وَتَكَفَّلَ بِتَوْضِيحِ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ، فَفِيهِ سَعِدَ فُلَانٌ يَسْعَدُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إلَى أَنْ قَالَ: وَيُعَدَّى بِالْحَرَكَةِ فِي لُغَةٍ، فَيُقَالُ أَسْعَدَهُ اللَّهُ يُسْعِدُهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَقُرِئَ فِي السَّبْعَةِ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إلَخْ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَسْعَدَهُ اللَّهُ اهـ.
[قَوْلُهُ: رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُمَلِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَمُرَادُهُ أَنَّهَا مَحْذُوفَةٌ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إلَخْ] أَيْ كَالْجُمْلَةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمَسْئُولَةِ أَيْ الِانْتِفَاعُ الْكَامِلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَنْتَفِعُ بِالرِّسَالَةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا. [قَوْلُهُ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ الشَّرَفَ] الْمُنَاسِبُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ الشَّرَفُ] أَيْ الْعُلُوُّ [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا إلَخْ] قَضِيَّتُهُ حَصْرُ الشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الشَّرَفُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَقْرَانِ] مُرَادُهُ بِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ أَوْ فِي أَوْصَافٍ غَيْرِ
أَشْرَفُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ وَالْمُرَادُ بِالسَّعَادَةِ هُنَا فِي الدُّنْيَا بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. (وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا) أَيْ الصِّغَارُ «بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (ع) ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ
وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ وَكَوْنُهُمْ مَأْمُورِينَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ بِالشَّرْعِ الْوَلِيُّ لِيَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ، أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ خِطَابَ تَكْلِيفٍ بَلْ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَلِيُّ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْعِلْمِ أَوْ فِي الْعِلْمِ مَا عَدَا هَذَا اُنْظُرْ الْمِصْبَاحَ. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ] حَقُّهُ أَنْ يَزِيدَ وَالْعَمَلَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ لَا الِاعْتِقَادُ وَحْدَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّعَادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ غَيْرُ الِاعْتِقَادِ مَعَ أَنَّهَا نَفْسُ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ إلَخْ] قَالَ عج: وَتَفْسِيرُهُ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ الِاعْتِقَادُ فِيمَا يُطْلَبُ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ أَيْ فِيمَا يَعْمَلُ، وَالْمُرَادُ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا] حَالٌ مِنْ السَّعَادَةِ، وَقَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ إلَخْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ شَيْءٌ مُصَوَّرٌ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: لِسَبْعِ سِنِينَ] أَيْ لِلدُّخُولِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: لِعَشْرٍ لِلدُّخُولِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ تَأْتِي لِمَالِكٍ بِالنَّهَارِ فَيُهْدِيهَا لَهُ بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: ابْنُ وَهْبٍ عَالِمٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقِيهٌ. [قَوْلُهُ: دَلِيلًا إلَخْ] هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى
[قَوْلُهُ: قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَطَاقَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ اهـ.
[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ] أَيْ فَكَيْفَ يُخَاطِبُهُ الشَّرْعُ بِالصَّلَاةِ.، [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ] جَوَابٌ بِالْمَنْعِ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيَظْهَرُ أَنْ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ إذْ الثَّوَابُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَلَا أَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّبِيِّ فَلَا ثَوَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّبِيَّ تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّ وَلِيٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِجَامِعَةِ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ] جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْآمِرِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ تَأْدِيبٌ وَلِلْوَلِيِّ تَكْلِيفٌ، وَلَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاطِبِ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَلِيَّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خِطَابُهُ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصَالَةً إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُخَاطَبُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَابَةً عَنْ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَعَادَ السُّؤَالُ، وَعَلَى الثَّانِي الشَّرْعُ هَذَا وَالْحَقُّ مَا قُلْنَا سَابِقًا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيُثَابُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ اهـ.
[قَوْله: مَحْمُولٌ عَلَى
مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا أُمِرَ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ دُونَ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ.
قَالَ بِهِ ابْنُ قَاسِمٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ هُنَا التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ، وَإِنْ كَانُوا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَالصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ:(فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمُوا) أَيْ الصِّغَارُ (مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) الْمُكَلَّفِينَ (مِنْ قَوْلٍ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَ) مِنْ (عَمَلٍ) وَهُوَ
ــ
[حاشية العدوي]
النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ بَطَّالٍ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوَلِيِّ أَمْرُ إيجَابٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ الْوَلِيُّ الْأَوْلَادَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
[قَوْلُهُ: دُونَ الصِّيَامِ] أَيْ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ إذْ الثَّوَابُ فِي فِعْلِ الْمَطْلُوبِ لَا فِي فِعْلِ الْمُبَاحِ وَلَا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ، هَذَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شَارِحَنَا غَايَةُ مَا أَفَادَ نَفْيَ الْأَمْرِ، وَالْجَوَازُ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ بَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يَجُوزُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّتِهِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ إلْزَامُ الصَّبِيِّ مَا فِي فِعْلِهِ مَشَقَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ] أَيْ إلَى حِفْظِهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمُتَكَرِّرَ شَأْنُهُ الثِّقَلُ عَلَى النَّفْسِ فَيَحْتَالُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالْأَمْرِ بِهِ نَدْبًا قَبْلَ وَقْتِهِ لِأَجْلِ التَّمَرُّنِ وَالِاعْتِيَادِ فَلَا يَحْصُلُ ثِقَلٌ فِي وَقْتِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ] أَيْ حَيْثُ ظَنَّ الْإِفَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْرِبْ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَقْصِدُهَا لَا تُشْرَعُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الصِّبْيَانِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ شَاهَدْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَلِّمِينَ الصُّلَحَاءَ يَضْرِبُ نَحْوَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ اهـ.
[قَوْلُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ] وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَهْشِمُ لَحْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً، وَمَحَلُّ الضَّرْبِ عِنْدَ الْعَشْرِ إذَا دَخَلَ فِيهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِالْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ] ظَاهِرُهُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ ثَوْبٌ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَابِسًا ثَوْبًا وَالْآخَرُ غَيْرَ لَابِسٍ لَمْ يَكْفِ فِي التَّفْرِقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. كَمَا قَالَ عج، أَقُولُ: وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَكِنْ نَقَلَ عج عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ سَبَبَ التَّفْرِيقِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْنَسُوا بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الِالْتِذَاذِ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
[قَوْلُهُ: وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ وَعَدَمُهَا يُكْرَهُ وَهُوَ أَيْضًا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِتْيَانُ فَيَنْبَغِي فِي التَّنْظِيرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِتَعْلِيمِهِمْ لِلْفُرُوضِ لَا بِأَمْرِهِمْ بِتَحْصِيلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ التَّعَلُّمِ التَّحْصِيلُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ كَالشَّهَادَتَيْنِ يُعَلَّمُونَهُ لِأَجْلِ أَنْ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِهِمْ وَهُوَ التَّحْصِيلُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ كَالصَّلَاةِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالِاعْتِقَادَاتُ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ كَثْرَةِ وُرُودِهَا عَلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُعَلَّمُونَهُ وَلَا يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعِبَارَةُ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَهُ لِلنَّدْبِ عَطْفُهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ إلَخْ، ثُمَّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَخْ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] إشَارَةٌ إلَى التَّخْصِيصِ فِي الْعِبَادِ لَا كُلِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ قَطْعًا وَكَذَا آدَم وَحَوَّاءُ، وَأَوْلَادُ آدَمَ إنَّمَا كُلِّفُوا عِنْدَ الْبُلُوغِ وَفِي الْجِنِّ نِزَاعٌ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ كَمَا ذَكَرَهُ عج أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلٍ] الْمُرَادُ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ لَا الْمَصْدَرُ وَلَا الْمَقُولُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْفَرْضِيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] أَيْ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ
جَمِيعُ أَعْمَالِ الطَّاعَةِ (قَبْلَ بُلُوغِهِمْ لِ) كَيْ (يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ الْبُلُوغُ وَقَدْ تَمَكَّنَ) أَيْ ثَبَتَ وَرَسَخَ (ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (مِنْ) بِمَعْنَى فِي (قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَتْ) أَيْ مَالَتْ (إلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ وَأَنِسَتْ) أَيْ اسْتَأْنَسَتْ (بِمَا) أَيْ بِاَلَّذِي (يَعْلَمُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (جَوَارِحُهُمْ) . وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (عَلَى الْقَلْبِ عَمَلًا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ) كَالْإِيمَانِ (وَعَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ عَمَلًا مِنْ الطَّاعَاتِ) كَالصَّلَاةِ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ
(وَسَأُفَصِّلُ) أَيْ أُفَرِّقُ (لَك) يَعْنِي غَالِبًا، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّبْوِيبَ فِي مَوَاضِعَ (مَا) أَيْ
ــ
[حاشية العدوي]
يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ، وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْكَافِ يَقُولُ: كَشَهَادَةِ لِيَدْخُلَ تَحْتَ الْكَافِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْفُرُوضِ الْقَوْلِيَّةِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى شَهَادَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ جَمِيعُ أَعْمَالِ الطَّاعَةِ] ظَاهِرُهُ شُمُولُهُ لِلْقَوْلِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَالْقُلُوبِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ، وَيُقَوِّيهِ كَمَا فِي تت قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» وَإِضَافَةُ أَعْمَالٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، وَأَلْ فِي الطَّاعَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَطَابَقَ الْبَيَانُ مَعَ الْمُبَيَّنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ [قَوْلُهُ: وَرَسَخَ:] مُرَادِفٌ لِثَبَتَ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فِي] رَدَّهُ عج بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِمِنْ يُفِيدُ أَنَّهُ امْتَزَجَ بِالْقَلْبِ وَثَبَتَ فِيهِ، وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ أَقُولُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَمَلِ الْقَلْبِيِّ، وَأَمَّا الْجَارِحِيُّ وَاللِّسَانِيُّ فَلَا؛ لِأَنَّ ظَرْفَهُمَا اللِّسَانُ وَالْجَوَارِحُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الرُّسُوخُ فِي الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْرِفَةُ وَعَدَمُ نِسْيَانِهِمَا أَصْلًا [قَوْلُهُ: وَسَكَنَتْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَالَتْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَتَكْرَارِ الْقَوْلِ وَحُصُولِ الْأَعْمَالِ أَيْ تَمِيلُ لِتَكْرَارِ الْقَوْلِ وَلِعَمَلِ الْجَارِحَةِ وَكَثْرَةِ حُضُورِ الْقَلْبِيِّ كَالِاعْتِقَادِيَّاتِ. [قَوْلُهُ: أَنْفُسُهُمْ] جَمْعُ نَفْسٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الرُّوحُ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَنِسَتْ إلَخْ] إسْنَادُ ذَلِكَ لِلْجَوَارِحِ، مَجَازًا، وَأَرَادَ بِالْجَوَارِحِ مَا يَشْمَلُ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمُرَادُ بِأَنِسَتْ عَدَمُ تَأَلُّمِهَا أَيْ الْجَوَارِحِ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأَنُّسُ فِي الْأَصْلِ ضِدُّ الِاسْتِيحَاشِ اهـ. لَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ إرَادَتِهِ أَيْضًا إذْ التَّجَوُّزُ مَوْجُودٌ عَلَى كُلٍّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الَّذِي يَعْلَمُونَ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِالصَّوْمِ أَصْلًا [قَوْلُهُ: عَلَى الْقَلْبِ] فِيهِ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ: وَعَلَى الْجَوَارِحِ إذْ الْفَرْضُ إنَّمَا هُوَ عَلَى النَّفْسِ. [قَوْلُهُ: كَالْإِيمَانِ] هُوَ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ تَمْثِيلُ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ كَيْفِيَّةٌ فَتَعَلُّقُ الْفَرْضِ بِأَسْبَابِهِ لَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَإِدْخَالُهُ فِي الِاعْتِقَادِ تَسَامُحٌ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ اعْتِقَادَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَنَحْوَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ غَيْرُ التَّصْدِيقِ فَقَدْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْإِذْعَانُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى الْجَوَارِحِ] أَدْخَلَ فِيهَا اللِّسَانَ وَأَطْلَقَ الْعَمَلَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ بَيْنَ مَا يُشَارِكُ فِيهِ الْقَلْبُ وَالْجَوَارِحُ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ أَوَّلًا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ بِخِلَافِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، فَلَا تَعَلُّقَ لِلْجَوَارِحِ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَلْبِ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْجَوَارِحِ وَهُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ وَمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا مَعًا كَالصَّلَاةِ فَلَوْ جَعَلَهَا هَكَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ عَمَلٍ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِعَمَلِ الْقَلْبِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ أُفَرِّقُ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بِمَعْنَى التَّفْرِيقِ، وَمِنْهُ تَفْصِيلُ الثَّوْبِ أَيْ تَفْرِيقُهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّبْوِيبَ فِي مَوَاضِعَ] كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَمَعَ جُمْلَةَ أَشْيَاءَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُبَوِّبْ لِكُلِّ قِسْمٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَرَكَ التَّبْوِيبَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُنَاكَ جَوَابَانِ آخَرَانِ أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بَابًا بَابًا أَيْ فِيمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ ثَانِيهِمَا تَرْجَمَةً بَعْدَ تَرْجَمَةٍ
الَّذِي (شَرَطْت لَك) الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ (ذِكْرَهُ) الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى مَا وَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَشَرْطُهُ الْتِزَامُهُ لِلْجَوَابِ حِينَ قَالَ: فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ، وَانْتَصَبَ (بَابًا بَابًا) عَلَى الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ إذْ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ (لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ) وَيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَالْفَهْمَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ فِي (وَإِيَّاهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (نَسْتَخِيرُ) لِلِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ، أَيْ نَخُصُّهُ بِالِاسْتِخَارَةِ فَلَا نَطْلُبُهَا إلَّا مِنْهُ (وَبِهِ نَسْتَعِينُ)
ــ
[حاشية العدوي]
ذَكَرَهُمَا فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: الْتِزَامُهُ لِلْجَوَابِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَشَرْطُهُ الْتِزَامُهُ ذِكْرَ الْجُمْلَةِ بِالْجَوَابِ حِينَ قَالَ: فَأَجَبْتُك، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَأُفَصِّلُ لَك جُمْلَةً الْتَزَمْت ذِكْرَهَا، فَالشَّرْطُ بِمَعْنَى الِالْتِزَامِ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ الْجُمْلَةِ لَا بِالْجَوَابِ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: بَابًا بَابًا] عَلَى الْحَالِ أَيْ مَجْمُوعُهُمَا هُوَ الْحَالُ عَلَى طَرِيقِ الزَّمَانُ حُلْوٌ حَامِضٌ فَإِنَّ مَجْمُوعَ حُلْوٍ حَامِضٍ هُوَ الْخَبَرُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُرَادِيِّ.
قَالَ: وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْفَاءِ وَالْمَعْنَى بَابًا فَبَابًا لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا. وَقَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْفَاءِ أَيْ أَوْ ثُمَّ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُكَرَّرَاتِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَعَلَى الثَّانِي الشَّيْخُ الرَّضِيُّ، وَبِأَنَّ الثَّانِيَ وَمَا قَبْلَهُ مَنْصُوبَانِ بِالْعَامِلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ الْحَالُ كَمَا تَبَيَّنَ [قَوْلُهُ: إذْ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا] يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ اسْمَ مَفْعُولٍ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ حَالًا مِنْ مَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ اسْمَ فَاعِلٍ حَالًا مِنْ فَاعِلِ أُفَصِّلُ، وَالْمَعْنَى وَسَأُفَصِّلُ لَك الَّذِي الْتَزَمْته بِإِجَابَتِي لَك حَالَةَ كَوْنِهِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِي مُفَصِّلًا بَابًا بَعْدَ بَابٍ فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ فِي مَعْنَى مُفَصِّلًا فَلَيْسَتْ الْحَالُ إلَّا مُؤَكِّدَةً، لِقَوْلِهِ: وَسَأُفَصِّلُ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ مُفَصِّلًا أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّنْوِيبِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فِعْلُ ذَلِكَ] أَيْ تَفْصِيلُهُ الْمُتَحَقِّقُ فِي كَوْنِهِ بَابًا بَابًا لَا أَنَّ الْمُرَادَ تَفْصِيلُهُ بَابًا بَابًا وَإِلَّا لَاقْتَضَى أَنَّ تَفْصِيلَهُ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقْرُبُ مَعَ أَنَّ الْحَالَ وَاحِدٌ [قَوْلُهُ: لِيَقْرُبَ] أَيْ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ. [قَوْلُهُ: وَيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ] لَمَّا كَانَ التَّفْصِيلُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقُرْبُ مِنْ الْفَهْمِ وَتَسْهِيلِ الْحِفْظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْأَوَّلَ أَتَى الشَّارِحُ بِالثَّانِي إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ الْقُرْبُ مِنْ الْفَهْمِ أَيْ قُرْبُ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ مِنْ الْفَهْمِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ إلَخْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْ قُرْبُ الْفَهْمِ مِمَّا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرُبَ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ مِنْ الْفَهْمِ فَقَدْ قَرُبَ الْفَهْمُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ] وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ لَهُمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّفْصِيلَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَالَ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَخْ نُعَلِّقُهَا بِفِعْلِهِ وَأَيْضًا الْأَنْسَبُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُسْنِدُ الْعَجْزَ إلَى نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَهْمَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ] أَيْ وَقُرْبَ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ، وَمَصْدُوقُ الْغَيْرِ إمَّا الْجُمْلَةُ أَوْ فَهْمُ مُتَعَلِّمِيهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: لِلِاخْتِصَاصِ] أَيْ عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَصْرُ أَيْ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: أَيْ نَخُصُّهُ رَاجِعٌ لِمَادَّةِ الِاخْتِصَاصِ.
[قَوْلُهُ: بِالِاسْتِخَارَةِ] طَلَبُ الْخِيَرَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا نَطْلُبُهَا] أَيْ الِاسْتِخَارَةُ لَكِنْ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يَطْلُبُ طَلَبَ الْخِيَرَةِ، بَلْ بِمَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ الْخِيَرَةُ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ وَهُوَ أَنْ تَذْكُرَ الشَّيْءَ بِمَعْنًى ثُمَّ تُعِيدُ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنًى آخَرَ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذَا طَاعَةٌ فَكَيْفَ يَسْتَخِيرُ؟ قُلْنَا: اسْتَخَارَ فِيهِ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ فَيَسِّرْهُ لِي وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخِرْ حِينَ بَدَأَ بِالْكِتَابِ
أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ الْإِعَانَةَ عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ، وَالْإِعَانَةُ التَّقَوِّي عَلَى مَا فِعْلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا (وَلَا حَوْلَ) عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ (إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ الْعَلِيِّ) بِالْمَنْزِلَةِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشَّبِيهِ (الْعَظِيمِ) الْقَدْرِ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ وَبِهِ وَنَسْتَعِينُ.
ــ
[حاشية العدوي]
بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَمَرْتَبَةُ الْمُصَنِّفِ تُنَافِي ذَلِكَ، قُلْت: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ الِاسْتِخَارَةَ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ] أَيْ مِنْ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةُ] أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهَا [قَوْلُهُ: التَّقَوِّي عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّقَوِّي مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَالْإِعَانَةُ وَصْفٌ لَهُ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْإِقْدَارُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَأَلْ فِي الْخَيْرَاتِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ وَلَوْ بِوَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا] أَيْ كَأَنْ يُعِينُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ يُعْقِبُهُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّحْصِيلِ تِلْكَ الْحَالَةَ أَعْنِي الصَّرْفَ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الصَّرْفِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَصَدَ تِلْكَ الْحَالَةَ فَنَفْسُ التَّحْصِيلِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخَيْرِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا، وَيُخَصُّ الْأَوَّلُ بِمَا كَانَ صُورَتُهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَحْصِيلُ الدَّرَاهِمِ إنَّمَا كَانَ فِعْلَ خَيْرٍ بِالنِّيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَتِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ] أَيْ بِحِفْظِهِ [قَوْلُهُ: بِعَوْنِ] اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَفْسِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْمَعْنَى فَقَطْ لَا الْإِعْرَابَ بِحَيْثُ تَقُولُ: إنَّ إلَّا بِاَللَّهِ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ إلَّا بِاَللَّهِ بِالطَّرَفَيْنِ مَعًا، وَالتَّقْدِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ ثَابِتَانِ إلَّا بِاَللَّهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ] أَيْ عُلُوًّا مُلْتَبِسًا بِالْمَنْزِلَةِ مِنْ الْتِبَاسِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ أَيْ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا.
[قَوْلُهُ: الْمُنَزَّهُ إلَخْ] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ الْمُعَلَّى بِالْمَنْزِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الضِّدِّ] هُوَ الْمُضَادُّ لِلْمَوْلَى بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا يَنْتَفِي الْآخَرُ، وَالضِّدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ مَعْنًى لَا ذَاتٌ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ. [قَوْلُهُ: وَالنِّدُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالنِّدُّ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ وَالنَّدِيدُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ أَنْدَادٌ مِثْلُ حَمْلٍ وَأَحْمَالٍ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ] الْمُشَابِهُ فَالْمُشَابَهَةُ الْمُشَارَكَةُ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي اهـ. مِنْ الْمِصْبَاحِ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى النِّدِّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَارَكَ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ الشَّبِيهُ أَعَمُّ مِنْ النِّدِّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّبِيهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: الْعَظِيمِ الْقَدْرِ] دَفَعَ بِقَوْلِهِ الْقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ تَكُونُ ذَاتُهُ كَالْجَبَلِ مَثَلًا، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ قَدْرُهُ، فَإِنْ قُلْت لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ الْقَدْرِ، أَوْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ بِالْقَدْرِ، أَيْ عَظِيمًا مُلْتَبِسًا بِالْقَدْرِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ . قُلْت: تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ، أَقُولُ: وَالْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَصْغُرُ إلَخْ] أَيْ حَقُّهُ أَنْ يَصْغُرَ إذْ كَثِيرًا مَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ الصِّغَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَآلِهِ وَصَحْبِهِ] أَرَادَ بِالْآلِ الْأَتْبَاعَ أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ، وَعَطْفُ الصَّحْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَنُكْتَتُهُ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: تَسْلِيمًا كَثِيرًا] أَتَى بِهِ فِي جَانِبِ السَّلَامِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ صَلَّى التَّصْلِيَةُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْإِحْرَاقُ فَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ الصَّلَاةِ احْتَاجَ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا إشَارَةٌ إلَى عِظَمِهِ كَمِيَّةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عِظَمِهِ كَيْفِيَّةً كَأَنْ يَقُولَ: عَظِيمًا، وَلَعَلَّهُ لَاحَظَ أَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوَانُ] الْمُشَارُ لَهُ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ وَقَوْلُهُ أَوَانُ أَيْ زَمَنُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: وَبِهِ نَسْتَعِينُ] جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ أَوْ حَالِيَّةٌ.