الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]
وَاَلَّذِي يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ شَيْئَانِ أَسْبَابٌ وَسَتَأْتِي، وَأَحْدَاثٌ جَمْعُ حَدَثٍ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ وَبَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَقَالَ:(الْوُضُوءُ يَجِبُ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ (لِمَا) أَيْ لِأَجْلِ الشَّيْءِ الَّذِي (يَخْرُجُ) مُعْتَادًا عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ (مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ) الْمُعْتَادَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَقَيَّدْنَا بِ (مُعْتَادًا) لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَالْحَصَى وَالدُّودِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَلَوْ بِبِلَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِوَفْقِ الْعَادَةِ لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ لِعِلَّةٍ كَالسَّلَسِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَبِالْمُعْتَادِينَ لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِمَا كَدَمِ الْفِصَادَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ، وَالْحَدَثِ الْخَارِجِ مِنْ فَتْقٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
تَحْصِيلُهُ، هَذَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَيُرَادُ بِشَرْطِ الْوُجُودِ مَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَشَرْطِ الصِّحَّةِ مَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ
[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]
[قَوْلُهُ: شَيْئَانِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرِّدَّةُ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ وَالرَّفْضُ فَلَيْسَتْ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَلَا مِنْ الْأَسْبَابِ،.
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مَيَّارَةُ بِقَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ رُجُوعُ الرِّدَّةِ وَالرَّفْضِ فِي الْمَعْنَى إلَى الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْوُضُوءُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَذَا الرَّفْضُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْوَاقِعُ كَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَقِيلَ: وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ لِمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالشَّكُّ فِي السَّابِقِ مِنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَبَ فِيهِمَا احْتِمَالُ الْحَدَثِ احْتِيَاطًا فَالنَّقْضُ بِالشَّكِّ مِنْ النَّقْضِ بِالْحَدَثِ حَقِيقَةً اهـ.
[قَوْلُهُ: وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] أَيْ لَا وُجُوبَ السُّنَنِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يُضَافُ لِلْفَرَائِضِ لِلسُّنَنِ فَمَعْنَى الْأَوَّلِ تَحَتُّمُهَا أَيْ الْفَرَائِضِ وَلُزُومُهَا بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهَا، وَمَعْنَى الثَّانِي تَأْكِيدُهَا أَيْ السُّنَنِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي، فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَإِلَّا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى التَّقَيُّدِ قُلْت: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ يَسْتَعْمِلُ كَثِيرًا الْوُجُوبَ فِي تَأَكُّدِ السُّنَنِ [قَوْلُهُ: مُعْتَادًا] هَذَا قَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: الْمُعْتَادَيْنِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ صِفَةً مَحْذُوفَةً مَفْهُومَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْمَخْرَجَيْنِ لِلْعَهْدِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَخَلَّ بِقَيْدٍ وَهُوَ تَقْيِيدُ الْمَخْرَجَيْنِ بِالِاعْتِيَادِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ مُعْتَادٍ] حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي يَخْرُجُ [قَوْلُهُ: كَالْحَصَى وَالدُّودِ إلَخْ] أَيْ الْمُتَخَلِّقِ فِي الْبَطْنِ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَلَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ عَلَى الرَّاجِحِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِنَحْتَرِزَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ بِبَلَّةٍ] أَيْ شَيْءٍ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ كَانَتْ قَدْرَهُ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا أَفَادَهُ عج: وَتَوَقَّفَ تِلْمِيذُهُ فِي شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَرَّرَهُ نَقْلًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلُ ذَلِكَ إنْ كَثُرَ، وَلَمْ يَأْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: لَا يَنْقُضُ، وَلِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِبَلَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ الْمُبَالَغَةِ رُجُوعَهُ لَهَا فَقَطْ، فَرَدَّ بِالْأَوَّلِ عَلَى ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْحَصَى وَالدُّودَ يَنْقُضَانِ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ، وَالْمَشْهُورُ يُعْتَبَرُ الْخَارِجُ وَبِالثَّانِي عَلَى ابْنِ نَافِعٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ مُبْتَلًّا نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُ الْحَصَى وَالدُّودِ الدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فَلَا نَقْضَ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَلَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَصَى وَالدُّودِ أَنَّ حُصُولَ الْفَضْلَةِ مَعَ الْحَصَى وَالدُّودِ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُمَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَلَا نَقْضَ بِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ.
[قَوْلُهُ: كَالسَّلَسِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ] هُوَ مَا إذَا لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ، فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ.
وَفِي الْأَخِيرَيْنِ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْ بِالْغَالِبِ عَمَّا إذَا لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالزَّمَنِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَوْ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ؟ قَوْلَانِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ نَجِسٌ، وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ فَتْقٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ] بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِي الْأَفْصَحِ وَبِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ فَسُكُونٍ وَبِكَسْرِ أَوَّلَيْهِ قَالَ
الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ.
أَمَّا إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ كَالْخَارِجِ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ: سِتَّةٌ مِنْ الْقُبُلِ الْبَوْلُ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالْمَنِيُّ كَذَلِكَ، وَالْهَادِي وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنْ الْحَامِلِ عِنْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ السِّقْطِ، وَاثْنَانِ مِنْ الدُّبُرِ الْغَائِطُ وَالرِّيحُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا الشَّيْخُ مَا عَدَا الْهَادِيَ وَالْمَنِيَّ وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا، فَقَالَ:(مِنْ بَوْلٍ) وَهُوَ مِنْ الْقُبُلِ (أَوْ غَائِطٍ) وَحَقِيقَتُهُ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ الْفَضْلَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّبُرِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ، (أَوْ رِيحٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ لِمَا) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا لِلشَّيْءِ الَّذِي (يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ مِنْ مَذْيٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ، وَبِكَسْرِهَا الِاسْمُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّشْدِيدُ فِيهِ أَحْسَنَ
ــ
[حاشية العدوي]
ابْنُ حَجَرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالصَّدْرِ فَالْمُنْخَسِفُ مِنْهَا أَيْ الْمَعِدَةِ وَالسُّرَّةِ لِمَا تَحْتَهَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: السُّرَّةُ مِنْ الْمَعِدَةِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] أَيْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ بِأَنْ لَا يَنْسَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ النَّقْضِ وَكَذَا الْقَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الْعَدَمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فَوْقَهَا أَوْ فِيهَا مُطْلَقًا أَيْ، وَلَوْ انْسَدَّا أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا دَائِمًا، وَأَمَّا إذَا انْسَدَّا دَائِمًا فَالنَّقْضُ كَمَا قَالَ عج.
وَقَالَ أَيْضًا: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ خَلِيلٍ يَصْدُقُ فِيمَا إذَا انْسَدَّ أَحَدُهُمَا مِمَّا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مَا يَخْرُجُ مِمَّا انْسَدَّ أَمْ لَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ فَيَنْقُضُ إذَا انْقَطَعَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ وَانْسَدَّ دَائِمًا وَإِلَّا فَلَا، تَسَاوَى الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ.
[قَوْلُهُ: وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ إلَخْ] دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ الْمُعْتَادَةِ وَأَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ [قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الصَّوْمِ] أَرَادَ بِهِ مَا إذَا لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ، وَأَمَّا إذَا لَازَمَ الْكُلَّ أَوْ الْجُلَّ أَوْ النِّصْفَ فَلَا نَقْضَ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ فِي الْأَخِيرَيْنِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَنِيُّ كَذَلِكَ] أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَلَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ، وَأَمَّا إذَا لَازَمَ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا نَقْضَ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا نَزَلَ فِي مَاءٍ حَارٍّ مَثَلًا وَأَمْنَى فَإِنَّهُ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْهَادِي إلَخْ] أَيْ إذَا تَوَضَّأَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْهَادِي فَيَنْقُضُ وُضُوءُهَا هَذَا مُرَادُهُ، إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ [قَوْلُهُ: أَوْ السِّقْطِ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَمْلِ، فَأَرَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مَا تُعُورِفَ مِنْ الْوَضْعِ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ [قَوْله: سُمِّيَ بِهِ الْفَضْلَةَ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ يُسَمَّى بِاسْمِهِ الْفَضْلَةَ [قَوْلُهُ: بِمَا قَرُبَ مِنْهُ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُ، أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَلَاقَتُهُ الْمَحَلِّيَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْآنَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا.
[قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى مَا] فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَالْأَوْلَى عَلَى لِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُسَامَحَةَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ] أَيْ الَّذِي هُوَ خُرُوجُ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ وَفِعْلُهُ مَذَى مِنْ بَابِ رَمَى كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: وَبِكَسْرِهَا الِاسْمُ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ، وَفِي كَلَامِهِ شَيْءٌ إذْ هُوَ بِالسُّكُونِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
[قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ أَيْضًا إذْ مَعَ الْكَسْرِ وَجْهَانِ التَّشْدِيدُ كَمَا قَالَ، وَالتَّخْفِيفُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمِصْبَاحِ لَا بِالتَّشْدِيدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّخْفِيفِ يُعْرَبُ إعْرَابَ الْمَنْقُوصِ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِي بِمَعْنَى الِاسْمِ لَهُ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ سُكُونُ الدَّالِ وَكَسْرُهَا مَعَ التَّثْقِيلِ وَكَسْرُهَا مَعَ التَّخْفِيفِ، فَقَوْلُهُ: يَكُونُ التَّشْدِيدُ أَحْسَنَ لَا وَجْهَ لِلْحُسْنِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ فِيهِ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنْ يَقُولَ صَوَابًا، وَذَكَرَ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ مَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: بِفَتْحِ
لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالْخُرُوجِ لَا الْفِعْلَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَعَادَ يَخْرُجُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:(مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ) دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . " وَلَفْظُ الْفَرْجِ فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي جُمْلَةِ الذَّكَرِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ فِيهِ الْغَسْلُ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مُصَرَّحًا بِهِ:«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَاءَ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الْحِجَارَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ غَسْلَهُ كُلِّهِ قَوْلَانِ، وَفِي افْتِقَارِ الْغَسْلِ الْمَذْكُورِ إلَى نِيَّةٍ قَوْلَانِ، اسْتَظْهَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ الِافْتِقَارَ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ، وَعَلَيْهِ إذَا غَسَلَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ، ثُمَّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ ثُمَّ الْكَسْرِ مَعَ التَّخْفِيفِ [قَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْيُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّفْصِيلُ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَعَادَ يَخْرُجُ] وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا أَعَادَ لِمَا يَخْرُجُ إلَخْ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ] فِيهِ شَيْءٌ إذْ لَوْ قَالَ أَوْ مَذْيٍ مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ لَاسْتَقَامَ [قَوْلُهُ: مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الذَّكَرِ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَعَبُّدًا أَشْبَهَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ اهـ.
[قَوْلُهُ: إنَّ عَلِيًّا إلَخْ] لَمْ يُبَاشِرْ السُّؤَالَ بِنَفْسِهِ اسْتِحْيَاءً لِكَوْنِهِ مُتَزَوِّجًا بِابْنَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شَارِحُ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: إذَا دَنَا إلَخْ] أَيْ قَرُبَ بِمُلَاعَبَةٍ أَوْ لَمْسٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِهِ أَيْ حَلِيلَتِهِ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ» ] الْمُشَارُ إلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْيِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نَضْحَ الْفَرْجِ يَتَرَتَّبُ عَلَى وِجْدَانِ الْمَذْيِ مُطْلَقًا حَصَلَ قُرْبٌ أَمْ لَا، لَكِنْ بِقَيْدِهِ الْمَعْلُومِ كَمَا يَتَبَيَّنُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمِنْ بَابِ نَفَعَ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ فَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِكَسْرِ الضَّادِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَبِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ. [قَوْلُهُ:«وَلْيَتَوَضَّأْ» إلَخْ] لِمَا كَانَ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ: فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَتَى بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلْيَتَوَضَّأْ أَيْ كَمَا يَتَوَضَّأُ إذَا قَامَ لَهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ كَمَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَطْعُ احْتِمَالِ حَمْلِ الْمُتَوَضِّئِ عَلَى الْوَضَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِ الْفَرْجِ فَإِنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ قَدْ يُسَمَّى وُضُوءًا أَيْ وَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ فِيهِ الْغَسْلُ] أَيْ لَا الرَّشُّ وَلَا الْبَلُّ فَلَا يَكْفِيَانِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ الَّذِي هُوَ الْبَلُّ مَعَ الدَّلْكِ هَذَا حَقِيقَةُ الْغَسْلِ عِنْدَنَا، وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ فَلْيُحَرَّرْ
[قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ] أَيْ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ الْغَسْلُ أَيْ لَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلِّ وَالرَّشِّ الَّذِي ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ تَفْسِيرًا لَهُ [قَوْلُهُ: وَيَتَوَضَّأُ] لَمْ يَزِدْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: أَوْ صَرِيحُهُ] أَيْ بَلْ صَرِيحُهُ فَأَوْ لِلْإِضْرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْإِجْزَاءُ بِهَا [قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَ غَسْلَهُ كُلَّهُ] التَّرْكُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَيْدِ فَقَطْ أَيْ فَيَكُونُ غَسْلُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْقَوْلَانِ [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ] أَيْ بِنِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ كُلِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عج [قَوْلُهُ: الْغَسْلِ الْمَذْكُورِ] أَيْ الَّذِي هُوَ غَسْلُهُ كُلِّهِ أَيْ مَنْ يَقُولُ بِغَسْلِهِ كُلِّهِ يَخْتَلِفُ فَبَعْضٌ يَقُولُ: تَجِبُ النِّيَّةُ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إيجَابُ غَسْلِهِ كُلِّهِ، وَبَعْضٌ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ تت. وَأَفَادَهُ عج أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَفْتَقِرُ الْغَسْلُ لِنِيَّةٍ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ خ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهِ كُلِّهِ. [قَوْلُهُ: اسْتَظْهَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَاحِبُهُمَا هُوَ الْعَلَّامَةُ
يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَتَهُ عِنْدَ اعْتِدَالِ الطَّبِيعَةِ وَصِفَةَ خُرُوجِهِ فَقَالَ:(وَهُوَ) أَيْ الْمَذْيُ (مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ بِالْإِنْعَاظِ) أَيْ قِيَامِ الذَّكَرِ (عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّذْكَارِ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ التَّفَكُّرِ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا وُضُوءَ فِيهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِنْعَاظَ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَا وُضُوءَ فِيهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إذَا تَفَكَّرَ وَالْتَذَّ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُنْعِظْ لِذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ
ــ
[حاشية العدوي]
خَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إذَا غَسَلَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ يُعِيدُ الصَّلَاةَ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ يَتَّفِقُ عَلَى الْبُطْلَانِ عِنْدَ تَرْكِ النِّيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ اخْتَلَفُوا عِنْدَ تَرْكِ النِّيَّةِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَسَلَهُ كُلَّهُ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ مُرَاعَاةً لِلْآخَرِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَظَاهِرُ خَلِيلٍ كَانَ التَّرْكَ عَمْدًا أَمْ لَا، وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَعْضِ كَانَ تَارِكًا لِلْبَعْضِ الْآخَرِ عَمْدًا أَمْ لَا مَعَ نِيَّةٍ أَمْ لَا فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ الْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَشْهُورًا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ وَلَوْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْبُطْلَانِ فِي تَرْكِ الْغَسْلِ رَأْسًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ بَعْضَهُ وَصَلَّى، وَقُلْنَا بِعَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَهَلْ يُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَوْلَانِ.
تَنْبِيهٌ:
عَرَفْت حَالَ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا أَمْذَتْ فَإِنَّهَا تَغْسِلُ مَحَلَّ الْأَذَى فَقَطْ.
قَالَ عج: بِلَا نِيَّةٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِهِ اهـ. فَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ هُوَ يُخَالِفُ ذَلِكَ غَيْرَ مُنَاسِبٍ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ صِفَتَهُ] أَيْ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ [قَوْلُهُ: عِنْدَ اعْتِدَالِ الطَّبِيعَةِ] الطَّبِيعَةُ مِزَاجُ الْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَخْلَاطِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ، أَيْ فَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهَا عَلَى غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالِاعْتِدَالِ.
[قَوْلُهُ: وَصِفَةَ خُرُوجِهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ صِفَتَهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ بِالْإِنْعَاظِ هَذَا مُرَادُهُ رحمه الله. ثُمَّ أَقُولُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ صِفَةِ نَفْسِ الْخُرُوجِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّذَّةِ] أَيْ اللَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ تِلْكَ الصِّفَةَ اتِّكَالًا عَلَى الْمَوْقِفِ، وَاللَّذَّةُ الِانْتِعَاشُ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الِانْتِعَاشُ الظَّاهِرِيُّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
[قَوْلُهُ: بِالْإِنْعَاظِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خُرُوجِهِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ حَصَلَ إنْعَاظٌ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ التَّاءِ] قَالَ عج: لَيْسَ لَنَا مَصْدَرٌ عَلَى تِفْعَالٍ بِالْكَسْرِ غَيْرَ تِلْقَاءٍ وَتِبْيَانٍ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ لَذَّةٍ] أَيْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ يَصْدُقُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَصْلًا أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، كَمَا إذَا حَكَّ لِجَرَبٍ فَأَمْذَى بِالْتِذَاذِهِ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَلَا وُضُوءَ فِيهِ] ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ السَّلَسِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ، فَإِنْ لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ نِصْفَهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَازَمَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ، وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الذَّكَرِ لَكِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ حَيْثُ اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ فِيمَا إذَا لَازَمَ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ، وَيَحْصُلُ النَّدْبُ بِالْحَجَرِ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا حَاجَةَ لِتَرَدُّدِ عج، وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الْأَخِيرَةِ يَجِبُ إزَالَتُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَأَمَّا إذَا اسْتَنْكَحَهُ بِأَنْ أَتَى كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ لَا بِحَجَرٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَكِنْ يُنْدَبُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَيَكْفِي الْحَجَرُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ كَانَ بِلَذَّةٍ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ مَذْيٌ أَوْ غَيْرُهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا وُضُوءَ فِيهِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّ الْإِنْعَاظَ الْبَيِّنَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَالْخِلَافُ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ شَاسٍ فِي الْإِنْعَاظِ الْكَامِلِ فَلَا خِلَافَ فِي
الْمَعْرُوفُ، وَكَذَلِكَ إذَا الْتَذَّ بِالنَّظَرِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مَذْيٍ.
(وَأَمَّا الْوَدْيُ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَنْ رَوَاهُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَقَدْ صَحَّفَ وَلَك فِيهِ وَجْهَانِ، وَدِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهَا (فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ أَيْ ثَخِينٌ (يَخْرُجُ) غَالِبًا (بِإِثْرِ الْبَوْلِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا (يَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ) وَهُوَ الْوُضُوءُ لِمُعْتَادِهِ وَالِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ، وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجِ بِالسَّلْتِ وَالنَّتْرِ الْخَفِيفَيْنِ وَغَسْلِ مَحَلِّهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِ (غَالِبًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بَوْلٍ أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ، وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْيِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَفِي الصِّفَةِ أَتَى بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا.
، وَلَمَّا ذَكَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ وَكَانَ الْمَنِيُّ مِنْ جُمْلَتِهِ وَكَانَ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ فَقَطْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، ذَكَرَهُ بَيْنَ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ اسْتِطْرَادًا، وَأَتَى بِأَمَّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْيِ وَالْوَدْيِ فِي الصِّفَةِ فَقَالَ:(وَأَمَّا الْمَنِيُّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَهُوَ الْمَاءُ الدَّافِقُ) بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ أَيْ الْمَصْبُوبِ (الَّذِي يَخْرُجُ) دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى) بِالْجِمَاعِ غَالِبًا (رَائِحَتُهُ) إذَا كَانَ رَطْبًا مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
نَفْيِ الْوُضُوءِ عَمَّنْ لَمْ يُكْمِلْ إنْعَاظُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْعِظْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ أَنْعَظَ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُلْتَذِّ، وَأَمَّا التَّذَكُّرُ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ اتِّفَاقًا [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ بُكَيْرٍ الْإِبْيَانِيِّ. [قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ] أَيْ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا كَوْنُهُ مَعْرُوفًا فِيهِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا.
[قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ
[قَوْلُهُ: فَقَدْ صَحَّفَ] أَيْ غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِصْبَاحِ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا قَالَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ نَقَلَ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ مَا نَقَلَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ] أَيْ وَكَسْرِ الدَّالِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهَا] أَيْ مَعَ سُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي مَيَّارَةَ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ التَّشْدِيدَ أَشْهَرُ وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّعْبِيرِ بِ (وَجْهَانِ) أَنْ يَقُولَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا [قَوْلُهُ: يَخْرُجُ بِإِثْرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ وَجَبَ بِالْبَوْلِ، فَلَا يَظْهَرُ لَهُ حُكْمٌ إلَّا إذَا خَرَجَ وَحْدَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوُضُوءُ إلَخْ] أَيْ الَّذِي يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ هُوَ الْوُضُوءُ لِمُعْتَادِهِ أَيْ الْبَوْلِ كَمَا يُفِيدُهُ زَرُّوقٌ، أَيْ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ [قَوْلُهُ: بِالسَّلْتِ] أَيْ مَدِّهِ وَسَحْبِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَإِبْهَامِ يُسْرَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصَابِعِهَا، وَيُمِرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى الْكَمَرَةِ أَيْ رَأْسِ الذَّكَرِ [قَوْلُهُ: وَالنَّتْرِ] أَيْ الْجَذْبِ وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ [قَوْلُهُ: الْخَفِيفَيْنِ] فَلَا يَسْلِتُهُ وَلَا يَنْتُرُهُ بِقُوَّةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالضَّرْعِ، فَإِذَا سَلَتَ أَوْ نَتَرَ بِقُوَّةٍ أَعْطَى النَّدَاوَةَ فَيَتَسَبَّبُ عَدَمُ التَّنْظِيفِ.
[قَوْلُهُ: وَغَسْلُ مَحَلِّهِ] أَيْ أَوْ الِاسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بَوْلٍ] كَأَنْ يَخْرُجَ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ أَيْ وَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ] وَلَا يَظْهَرُ لَهُ حُكْمٌ [قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ] أَيْ فَيُخَالِفُهُ فِي غَسْلِ مَحَلِّهِ فَقَطْ
[قَوْلُهُ: وَكَانَ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ] هَذَا الْبَعْضُ غَيْرُ صُورَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ فِيهَا الْغَسْلُ، وَالْبَعْضُ الْمَذْكُورُ هُوَ مَا إذَا أَنْزَلَ فِي يَقَظَةٍ بِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَفَارَقَ أَكْثَرَ الزَّمَنِ [قَوْلُهُ: فِي الصِّفَةِ] بَلْ وَفِي الْحُكْمِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ] أَيْ فَاسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّفْقَ صَبٌّ فِيهِ دَفْعٌ وَالدَّفْقُ إنَّمَا هُوَ لِصَاحِبِهِ، وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ يُقَالُ: دَفَقْت الْمَاءَ صَبَبْته وَدَفَقَ بِنَفْسِهِ انْصَبَّ اهـ.
فَعَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ اسْمَ مَفْعُولٍ أَوْ مَجَازًا عَقْلِيًّا بِأَنْ يُجْعَلَ مِنْ الثَّانِي الَّذِي هُوَ دَفَقَ بِنَفْسِهِ انْصَبَّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الدَّافِقُ بِمَعْنَى الْمُنْصَبِّ.
[قَوْلُهُ: بِالْجِمَاعِ] أَيْ اللَّذَّةِ الْكَائِنَةِ بِالْجِمَاعِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَوْ مَعَهُ [قَوْلُهُ: غَالِبًا] أَيْ لِأَنَّ اللَّذَّةَ
صَحِيحِ الْمِزَاجِ (كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِيهِ لُغَةٌ الطَّلْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَمْلِ النَّخْلَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ غُبَارٌ، وَتَقْيِيدُنَا بِ (رَطْبًا) احْتِرَازًا مِنْ الْيَابِسِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ، وَبِصَحِيحِ الْمِزَاجِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ مَنِيُّهُ، وَتَخْتَلِفُ رَائِحَتُهُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ لَوْ انْتَبَهَ فَوَجَدَ بَلَلًا رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ، هَذَا صِفَةُ مَنِيِّ الرَّجُلِ (وَ) أَمَّا (مَاءُ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي مَنِيَّهَا فَصِفَتُهُ (مَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (يَجِبُ مِنْهُ) إذَا بَرَزَ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَالصِّحَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَرَضِ وَالسَّلَسِ.
(الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ بُرُوزُهُ بَلْ يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا إحْسَاسُهَا بِهِ، وَقَوْلُهُ:(فَيَجِبُ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ (طُهْرُ جَمِيعِ) ظَاهِرِ (الْجَسَدِ) تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَيَجِبُ الطُّهْرُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَصَّ الْحُكْمَ بِالْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ؟ قِيلَ: لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ امْرَأَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غُسْلٌ مِنْ مَنِيِّهَا، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَمَعْرُوفٌ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ، وَقَوْلُهُ:(كَمَا يَجِبُ) غُسْلُ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ (مِنْ طُهْرِ) أَيْ انْقِطَاعِ (الْحَيْضَةِ) أَيْ الْحَيْضِ، تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ: لَا يُقَاسُ إلَّا مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا
ــ
[حاشية العدوي]
الْكُبْرَى قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ كَأَنْ يَلْمِسَ امْرَأَةً فَيُمْنِيَ، وَخِلَافُ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى اللَّذَّةُ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الْمَذْيُ [قَوْلُهُ: الْمِزَاجِ] بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ الطَّبِيعَةِ مِنْ مَزَجَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى خَلَطَهُ [قَوْلُهُ: كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ] أَيْ كَرَائِحَةِ غُبَارِ الطَّلْعِ كَمَا فِي تت وَغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ حَمْلِ النَّخْلَةِ] يُنَافِيهِ مَا نَقَلَ تت عَنْ التَّادَلِيِّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ مِنْ فَحْلِ النَّخْلِ دُونَ إنَاثِهَا اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُخَالَفَةَ بِجَعْلِ التَّاءِ فِي النَّخْلَةِ لِلْوَحْدَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ النَّخْلُ اسْمُ جَمْعٍ الْوَاحِدَةُ نَخْلَةٌ [قَوْلُهُ: يَسْقُطُ عَنْهُ غُبَارٌ] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُرَادَةَ رَائِحَةُ ذَلِكَ الْغُبَارِ لَا رَائِحَةُ نَفْسِ الطَّلْعِ [قَوْلُهُ: أَشْبَهُ شَيْءٍ] أَيْ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ، أَيْ أَنَّهُ اشْتَرَكَ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمُشَابَهَةِ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ إلَّا أَنَّهُ أَعْظَمُهَا شَبَهًا بِهَا، وَالْمُرَادُ الْبَيْضُ الْمَشْوِيُّ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ فَصٍّ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ بَيَاضُ الْبَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْبَيْضِ عِنْدَ يُبْسِهِ اهـ.
فَإِنْ أَرَادَ بِالْيُبْسِ الشَّيْءَ اتَّفَقَ الْكَلَامَانِ. [قَوْلُهُ: وَتَخْتَلِفُ رَائِحَتُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقُلْنَا ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْمَقَامِ فَإِنَّنَا فِي شَأْنِ الرَّائِحَةِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ [قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ] أَيْ تَبْيِينِ الرَّائِحَةِ [قَوْلُهُ: لَوْ انْتَبَهَ إلَخْ] جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ [قَوْلُهُ: يَعْنِي فِيهَا] لَمَّا كَانَ تَفْسِيرُ الْمَاءِ بِالْمَنِيِّ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ قَالَ يَعْنِي [قَوْلُهُ: فَصِفَتُهُ] عَبَّرَ بِهِ نَظَرًا لِلرِّقَّةِ وَالصُّفْرَةِ الدَّالِّ عَلَيْهِمَا رَقِيقٌ أَصْفَرُ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ بَيَانٌ لَهُ لَا لِصِفَتِهِ، وَرَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ طَلْعِ الْأُنْثَى مِنْ النَّخْلِ وَطَعْمُهُ مَالِحٌ بِخِلَافِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ مُرٌّ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ] اُحْتُرِزَ عَمَّا إذَا بَرَزَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ [قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بُرُوزُهُ] ضَعِيفٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَنِيُّهَا فِي الْيَقَظَةِ، وَأَمَّا فِي النَّوْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ بِاتِّفَاقٍ [قَوْلُهُ: جَمِيعِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ] احْتِرَازٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِخِلَافِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ [قَوْلُهُ: تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ يَجِبُ مِنْهُ الطُّهْرُ هَذَا ظَاهِرٌ.
[قَوْلُهُ: وَمَعَ مَا يَأْتِي] لَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ التَّكْرَارُ إنَّمَا يُنْسَبُ لِلثَّانِي، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْآتِي هُوَ التَّكْرَارُ مَعَ هَذَا [قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ] هَذَا الْإِيرَادُ بِحَسَبِ حِلِّهِ وَإِلَّا فَقَدْ حَلَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِالتَّعْمِيمِ، فَقَالَ: أَيْ يَجِبُ مِنْ أَجْلِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ الطُّهْرُ إلَخْ. فَلَا يَرِدُ سُؤَالٌ وَعَلَى هَذَا فَالْإِشَارَةُ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ عج مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، أَوْ فِي الْبَعِيدِ إذْ اللَّفْظُ عَرَضٌ يَزُولُ بِانْقِضَائِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَالْبَعِيدُ تَحْتَهُ صُورَتَانِ بَعِيدٌ جِدًّا وَبَعِيدٌ لَا جِدًّا اهـ.
[قَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ] أَيْ نَفْيُهُ أَوْ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ ثُبُوتُهُ بَلْ ثُبُوتُهُ مَجْزُومٌ بِهِ لَا مُتَوَهَّمٌ فَقَطْ [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضِ إلَخْ]
عَلَيْهِ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ كِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا لَوْ عَلَيْهِ نَقْتَصِرُ: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ أَشْهَرُ مِنْ الْغُسْلِ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلِذَا «أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ حِينَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها: أُفٍّ لَك، وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى خَاتِمَةِ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْإِحْدَاثِ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مِنْ عِرْقِ فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، (فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ) إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ إتْيَانُهُ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ.
(وَ)
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَيْضَةِ مَا تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ وَتَأَخَّرَهَا طُهْرٌ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الْحَيْضُ مُطْلَقًا تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا تَأَخَّرَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إفَادَةِ الْحُكْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ إلَخْ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ: يُحْتَمَلُ التَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ اهـ.
أَيْ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَعْلُومُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَحُكْمِ هَذَا أَيْ نَظِيرِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْغُسْلُ مِنْ طُهْرِ الْحَيْضَةِ مُشَبَّهًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ] فِي إيرَادِ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُصَنِّفُ نَاقِلٌ لَا قَائِسٌ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ إلَخْ] الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَالْحَيْضِ فَلَا مُوجِبَ لِقِيَاسِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَيْضِ إذَا عَلِمْت مَا قَرَرْنَاهُ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَارِدٌ عَنْ الْإِمَامِ فَلِمَ شَبَّهَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا إلَخْ] نَذْكُرُ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَنَقُولُ الثَّانِي: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْغُسْلَ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ بِالسُّنَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحَيْضَ أَقْوَى مِنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْجَنَابَةُ لَا تَمْنَعُ إلَّا بَعْضَهَا [قَوْلُهُ: أُمُّ سُلَيْمٍ] هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أُفٍّ لَك] كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِنْكَارُ، وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ، وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ، وَالسَّابِعَةُ إفَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ اهـ.
[قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْمَرْأَةُ] الْكَافُ مَكْسُورَةٌ لِأَنَّهَا لِخِطَابِ الْمُؤَنَّثِ [قَوْلُهُ: تَرِبَتْ يَمِينُك] أَيْ الْتَصَقَتْ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ افْتِقَارِهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ صلى الله عليه وسلم الدُّعَاءَ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.
وَقَالَ بَعْضٌ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى الْحَاجَةَ خَيْرًا لَهَا، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ] أَيْ أَنَّ شَبَهَ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهَا وَمِنْ مَاءِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أَنَّهَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَيُقَالُ شَبَهُ وَشِبْهُ لُغَتَانِ إحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَهُوَ الدَّمُ السَّائِلُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ] قَالَ النَّوَوِيُّ: فَمُهُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ، وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمِصْبَاحِ فِيهِ لُغَةً أُخْرَى بِالرَّاءِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُقَالُ: اللَّامُ هِيَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ كَثِيرٌ عَلَى إيرَادِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ إهْمَالَهَا [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الزَّائِدِ عَلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ، وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَافٍ حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَحَكَمَ ثَانِيًا بِاسْتِحْبَابِهِ أَصْلَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ
لَكِنْ (يُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْقَأُ دَمُهَا يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ (وَلِسَلِسِ الْبَوْلِ) بِكَسْرِ اللَّامِ الَّتِي بَيْنَ السِّينَيْنِ اسْمُ فَاعِلٍ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْخَارِجِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لِصَاحِبِ سَلَسِ الْبَوْلِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكْثُرَ بَوْلُ الْإِنْسَانِ بِلَا حُرْقَةٍ، (أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ.
وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ فَرْجِهِمَا قَوْلَانِ وَأَمَّا إنْ لَازَمَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ سَلَسُ الْبَوْلِ وَلَمْ يُفَارِقْ فَلَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْوُضُوءِ مَعَ سَيَلَانِ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ كَثْرَةُ الْمُلَازَمَةِ وَقِلَّتُهَا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا؟ قَوْلَانِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِسُقُوطِ الْوُضُوءِ عَنْ صَاحِبِ السَّلَسِ فَهَلْ يَكُونُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجِبُ الْوُضُوءُ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مُلَازَمَةُ النِّصْفِ أَوْ الْأَكْثَرِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا إذَا إلَخْ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ إتْيَانُهُ إلَخْ] تَرَكَ مَا إذَا لَازَمَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْحَالَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ مِنْهَا الْوُضُوءُ وَعِنْدَ مُلَازَمَةِ كُلِّ الزَّمَنِ يَنْتَفِي الِاسْتِحْبَابُ [قَوْلُهُ: لَا يَرْقَأُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَرَقَأَ الدَّمُ وَالدَّمْعُ رَقْئًا مَهْمُوزًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَرُقُوءًا عَلَى فُعُولٍ انْقَطَعَ بَعْدَ جَرَيَانِهِ اهـ.
[قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ] أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ فَيَصْدُقُ بِمُلَازَمَةِ كُلِّ الزَّمَنِ وَبِمُفَارَقَةِ أَكْثَرِهِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا مُرَادَيْنِ، وَبِمُلَازَمَةِ الْجُلِّ أَوْ النِّصْفِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ النَّوَوِيِّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالِاسْتِحَاضَةُ أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلِسَلِسِ الْبَوْلِ إلَخْ] لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَوْلِ بِالذِّكْرِ بَلْ سَلِسُ كُلِّ حَدَثٍ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ مَنِيًّا فَالْجَمِيعُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِاَلَّذِي خَرَجَ مِنْهَا، وَلَازَمَ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ رَفْعِهِ بِتَدَاوٍ أَوْ تَسَرٍّ أَوْ تَزْوِيجٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا إلَّا فِي مُدَّةِ تَدَاوِيهِ [قَوْلُهُ: اسْمُ فَاعِلٍ] فَهُوَ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْخَارِجِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لَا بَيَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْبَيَانِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ.
[قَوْلُهُ: بِلَا حُرْقَةٍ] اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَاقِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ يَكْثُرُ بَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَرَى احْتِرَاقًا أَيْ حَرَارَةً؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الِاحْتِرَاقِ تَكُونُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى إمْسَاكِ الْبَوْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ هَذَا صَادِقٌ بِالْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُنَا فِي الَّذِي يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ هُوَ الْمُلَازِمُ لِلْجُلِّ وَالنِّصْفِ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَهُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ مِنْ تَمَامِ الْمُسْتَحَبِّ أَيْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْبَابَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا اتَّصَلَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَصِلْهُ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوُضُوءَ فِي ذَاتِهِ مُسْتَحَبٌّ، وَكَوْنُهُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ إلَخْ] أَيْ فَصَاحِبُ الطِّرَازِ يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَسَحْنُونٌ يَقُولُ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَخَفُّ مِنْ الْحَدَثِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ] وَكَذَا إذَا شَقَّ فِي حَالَتَيْ الِاسْتِحْبَابِ لَا نَدْبَ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ صَاحِبُ السَّلَسِ خُرُوجَ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيِ مَثَلًا فَإِنْ تَعَمَّدَ بِأَنْ لَاعَبَ زَوْجَتَهُ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُلَازَمَةِ حُكْمَا مَا إذَا كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَحْدَثَ وَإِذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَتَيَمَّمَ فَلَا فَإِنَّ وُضُوءَهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ أَفَادَهُ عج.
[قَوْلُهُ: بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ] وَهِيَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَأَمَّا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ فَلَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ، وَاعْتَمَدَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْقَوْلَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَغَيْرَ وَقْتِهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ فَأَتَاهُ فِيهَا، وَفِي مِائَةِ دَرَجَةٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْقُضُ لِمُفَارَقَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَنِ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْإِطْلَاقُ لَا يَنْقُضُ لِمُلَازَمَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَنِ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْإِتْيَانُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْضَبِطًا بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ أَوْ يُؤَخِّرُ، فَإِذَا كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ وَقْتَ الظُّهْرِ كُلَّهُ فَيُؤَخِّرُهَا لِوَقْتِ الْعَصْرِ، وَإِذَا كَانَ يَأْتِيهِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ يَكُونُ
ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ أَوْ سُقُوطِ ذَلِكَ بِجَعْلِ الْخَارِجِ كَالْعَدَمِ فِيهِ؟ قَوْلَانِ، مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا جَوَازُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ.
، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ فَجَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ وَاصْطِلَاحًا مَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالُ الْعَقْلِ وَلَمْسُ مَنْ تُشْتَهَى وَمَسُّ الذَّكَرِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(وَيَجِبُ الْوُضُوءُ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ (مِنْ زَوَالِ) بِمَعْنَى اسْتِتَارِ (الْعَقْلِ) وَاسْتِتَارُهُ يَكُونُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إمَّا (بِ) سَبَبِ (نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ الَّذِي يُخَالِطُ الْقَلْبَ، وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فَعَلَ، وَهُوَ إمَّا طَوِيلٌ فَيَنْقُضُ اتِّفَاقًا أَوْ قَصِيرٌ فَيَنْقُضُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مُسْتَثْقَلٍ أَنَّ الْخَفِيفَ الَّذِي يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِأَدْنَى سَبَبٍ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا لِمَا فِي مُسْلِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ كَذَا حَمَلَ عِيَاضٌ الْحَدِيثَ عَلَى الْخَفِيفِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْ الطَّوِيلِ الْوُضُوءُ.
ثَانِيهَا:
ــ
[حاشية العدوي]
قَبْلَ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ كَذَا ظَهَرَ لِلْمَنُوفِيِّ.
[قَوْلُهُ: مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ] هَذَا الْحِلُّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَعَدَمُ صِحَّتِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ أَيْ كَرَاهَةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ تَرْكُ الْإِمَامَةِ حِينَ وَجَدَ سَلَسَ الْمَذْيِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ وَالدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالدَّفَرِيُّ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ
[قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ إلَخْ] قَالَ تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ بِحَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِلْمِ قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84] أَيْ عِلْمًا [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي] أَيْ مُصَوَّرٌ بِمَا يُؤَدِّي [قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] اُنْظُرْ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ فَيَكُونَ الْمُرَادُ لَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] بِمَعْنَى مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ لَا وُجُوبَ السُّنَنِ بِمَعْنَى تَأَكُّدِهَا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اسْتِتَارِ] أَيْ لَا بِمَعْنَى ذَهَابِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يَعُدْ إذْ الْفَرْضُ فِي إنْسَانٍ يَلْحَقُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ يَعُودُ لَهُ عَقْلُهُ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: إمَّا بِسَبَبِ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ إمَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِنَوْمٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْقَافِ] اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ بِسَبَبِ نَوْمٍ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ ثَقِيلًا [قَوْلُهُ: يُخَالِطُ الْقَلْبَ] أَرَادَ بِهِ الْعَقْلَ فَقَوْلُهُ: وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْقَلْبَ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْعَقْلُ، وَلَمَّا كَانَ الذَّهَابُ فَرْعَ الْمُخَالَطَةِ قَدَّمَ الْمُخَالَطَةَ عَلَى الذَّهَابِ وَفِي الْعَقْلِ تَفَاسِيرُ فَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لِلْإِدْرَاكَاتِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فُعِلَ] يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَانَ فَعَلَهُ أَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا سَقَطَ لُعَابُهُ أَوْ حَبْوَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ الْكُرَّاسُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَشْعُرْ لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ أَوْ سَقَطَ وَشَعَرَ، وَقَيَّدْنَا الْحَبْوَةَ بِالْيَدِ لَا إنْ كَانَتْ الْحَبْوَةَ الْمَعْلُومَةَ فَهُوَ كَالْمُسْتَنِدِ وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا سُقُوطُهُ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ سَقَطَ، لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ فَلَيْسَ بِثَقِيلٍ وَيُنْقَضُ بِالثَّقِيلِ، وَلَوْ سَدَّ مَخْرَجَهُ سَدًّا مُحْكَمًا إنْ دَامَ لَا إنْ لَمْ يَدُمْ، وَجَزَمَ الْغَرْنَاطِيُّ بِعَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ مَعَ الدَّوَامِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ كَمَا قَرَّرَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَضُمَّ شَيْئًا وَيُلْصِقَهُ بِدُبُرِهِ وَيَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِتَاحَ الدُّبُرِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يُدْخِلُ شَيْئًا فِي دُبُرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لَا [قَوْلُهُ: كَذَا حَمَلَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: عِيَاضٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْحَاكِمِينَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ؟ قُلْت الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ مُطْلَقًا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا فَحَمَلَهُ عِيَاضٌ عَلَى الْخَفِيفِ فَقَطْ فَخَرَجَ الثَّقِيلُ، فَخُلَاصَةُ حَمْلِهِ إخْرَاجُ الثَّقِيلِ لَا عَدَمُ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى بَلْ هُوَ أَيْ عَدَمُ
أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ إغْمَاءٍ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. ثَالِثُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ سُكْرٍ) ظَاهِرُهُ سُكْرٌ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، رَابِعُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ) إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِالنَّوْمِ مَعَ كَوْنِهِ أَخَفَّ حَالًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِيَسِيرِ الِانْتِبَاهِ كَانَ وُجُوبُهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى.
، وَالسَّبَبُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ) وَهُوَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43](لِ) أَجْلِ قَصْدِ الـ (لَّذَّةِ) وَجَدَهَا أَوْ لَا أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَوْ إغْمَاءٍ إلَخْ] الْإِغْمَاءُ مَرَضٌ فِي الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: سُكْرٍ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ] أَيْ كَمَنْ شَرِبَ لَبَنًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْكِرٍ فَسَكِرَ مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ تَخَبُّطٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ يَكُونُ بِالْجُنُونِ وَالتَّخَبُّطُ مُصَاحِبٌ لِزَوَالِ الْعَقْلِ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجُنُونِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَبْعًا أَوْ مِنْ الْجِنِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي جُنُونٍ يَتَقَطَّعُ لَا إنْ كَانَ مُطْبِقًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ [قَوْلُهُ: إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَخْ] أَيْ فَهَذِهِ الْأُمُورُ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّوْمِ كَمَا أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّصَّ عَنْ الشَّارِعِ إنَّمَا جَاءَ فِي النَّوْمِ وَقِيسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ] أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ طَوِيلِهَا وَقَصِيرِهَا وَلَا بَيْنَ ثَقِيلِهَا وَخَفِيفِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمَ بِزَوَالِ التَّكْلِيفِ مَعَهَا بِخِلَافِ النَّوْمِ فَصَاحِبُهُ مُخَاطَبٌ، وَإِنْ رُفِعَ الْإِثْمُ عَنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الِاسْتِتَارَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَبِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْيِيزِ فِي مَجَازِهِ وَهُوَ زَوَالُهُ [قَوْلُهُ: وَالتَّمْيِيزِ] مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى آلَتِهِ [قَوْلُهُ: لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ] أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ لِابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَاعِدًا وَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ لِهَمٍّ أَوْ سُرُورٍ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ ح وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَيْخُنَا، ثُمَّ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ غَيْبُوبَةُ الْعَقْلِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّوْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَغْرَقَهُ الْوَجْدُ فِي حُبِّ اللَّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقِظُ الْقَلْبِ أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ. [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ إلَخْ] خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ قَلَّمَا جُنَّ إنْسَانٌ إلَّا وَأَنْزَلَ
[قَوْلُهُ: مِنْ الْمُلَامَسَةِ إلَخْ] الْمُرَادُ اللَّمْسُ وَهُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِبَارِ، وَالْمَسُّ هُوَ الِالْتِقَاءُ مُطْلَقًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اللَّمْسُ نَاقِضًا عِنْدَنَا إلَّا مَعَ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا حَسُنَ التَّعْبِيرُ عِنْدَنَا بِاللَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ لَمْسُ الذَّكَرِ نَاقِضًا مُطْلَقًا حَسُنَ التَّعْبِيرُ بِالْمَسِّ وَشَمَلَ كَلَامُهُ لَمْسَ الْأَمْرَدِ إذَا قُصِدَ بِمُلَامَسَتِهِ اللَّذَّةُ كَمَا أَفَادَهُ تت، وَيُفْهَمُ مِنْ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ أَنَّ مِثْلَهُ ذُو اللِّحْيَةِ النَّابِتَةِ عَنْ قُرْبٍ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَتَلَذَّذُ بِهِ عَادَةً. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ الصَّحَابَةِ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ جَامَعْتُمُوهُنَّ أَيْ فَفَسَّرَ الْمُلَامَسَةَ بِالْجِمَاعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ بِالْقُبْلَةِ فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ.
[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ قَصْدِ اللَّذَّةِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ مَنْطُوقَ الْمُصَنِّفِ قَصْدَ اللَّذَّةِ مُطْلَقًا مَعَهُ وِجْدَانٌ أَمْ لَا، فَيَكُونُ سَوْقُهُ مَسْأَلَةَ الْوُجُودِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ لِأَجْلِ كَوْنِهَا مَفْهُومَةً بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّذَّةِ لَا اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهِ أَخَلَّ بِهَا، وَأَقُولُ بِحَمْدِ اللَّهِ: لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُحْتَوٍ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ صَادِقٌ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهَا أَوْ
اللَّامِسُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، كَانَ الْمَلْمُوسُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا، كَانَتْ الْمُلَامَسَةُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَأَبْقَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ خَفِيفًا، وَقَيَّدَ ابْنُ نَاجِي كَلَامَ الشَّيْخِ إذَا كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَلْمُوسُ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ عَادَةً احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهَا عَادَةً، وَكَذَا الْمَحْرَمُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الْعَادِي.
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي اللَّامِسِ، وَأَمَّا الْمَلْمُوسُ فَإِنْ بَلَغَ وَالْتَذَّ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْصِدْ اللَّذَّةَ فَيَصِيرُ لَامِسًا قَوْلُهُ:(وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْجَسَدِ لِلَّذَّةِ) حَشْوٌ.
(وَ) كَذَلِكَ يَجِبُ الْوُضُوءُ
ــ
[حاشية العدوي]
وُجُودُهَا أَوْ هُمَا مَعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةً بِيَجِبُ، وَكَذَا لَوْ عُلِّقَتْ بِالْمُلَامَسَةِ، وَتَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ لِلْعِلَّةِ وَبِاعْتِبَارِ الْوِجْدَانِ لِلْعَاقِبَةِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَمِنْ الْقَصْدِ حُكْمًا قَصْدُهُ بِاللَّمْسِ الِاخْتِبَارَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِهَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا إنْ قَصَدَ لَمْسًا بِدُونِ اخْتِبَارٍ فَلَا نَقْضَ إلَّا بِوُجُودِهَا.
[قَوْلُهُ: أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ إلَخْ] وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوِجْدَانُ حَالَ اللَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَاللَّذَّةِ بِالتَّفَكُّرِ. [قَوْلُهُ: كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا] أَيْ بَالِغًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ [قَوْلُهُ: أَوْ امْرَأَةً] أَيْ بَالِغَةً، وَالْمَلْمُوسُ لَهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى مَا فِي ح. فَقَدْ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ لِمِثْلِهَا وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ اهـ.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْمَلْمُوسُ لِلْمَرْأَةِ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: كَانَ الْمَلْمُوسُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا] أَيْ الْمُتَّصِلَيْنِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَانِ فَلَا نَقْضَ وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ وَمِثْلُهُمَا فِي التَّفْضِيلِ السِّنُّ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ هُنَا كَوْنُهُ بِعُضْوٍ أَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ لَهُ إحْسَاسٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَرِ، فَمَتَى حَصَلَ اللَّمْسُ هُنَا بِعُضْوٍ وَلَوْ زَائِدًا لَا إحْسَاسَ لَهُ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ قَصْدٌ أَوْ وِجْدَانٌ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ يَبْعُدُ الثَّانِي هَكَذَا ذَكَرُوا أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا لَمَسَ بِظُفْرِهِ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا فَيَنْقُضُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَأَبْقَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ] سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ، وَلِذَلِكَ اسْتَظْهَرَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ شَيْخُ الشَّارِحِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ التَّقْيِيدُ بِالْخَفِيفِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ الْبَرْمُونِيُّ: وَالْقَائِلُ بِالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى نَحْوِ الْقَبَاءِ، وَأَمَّا إذَا وُضِعَ عَلَى الْكَثِيفِ جِدًّا نَحْوَ الطَّرْحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اهـ.
وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ خِلَافَهُ كَمَا قَالَ عج، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: خَفِيفٌ وَكَثِيفٌ لَا جِدًّا وَكَثِيفٌ جِدًّا فَالْأَوَّلَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى مَا عَلِمْت، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَالنَّقْضُ فِي الْقَصْدِ دُونَ الْوِجْدَانِ، وَكَلَامُ ابْنِ مَرْزُوقٍ هَذَا يُعْلَمُ تَرْجِيحُهُ مِنْ قَوْلِنَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ خَفِيفًا] أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُحِسُّ اللَّامِسُ فِيهِ بِرُطُوبَةِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ الْكَثِيفِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ ضَمٌّ وَلَا قَبْضٌ وَإِلَّا فَالنَّقْضُ اتِّفَاقًا حَيْثُ قَصَدَ لَذَّةً، أَوْ وَجَدَهَا قَالَهُ ح [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّامِسُ امْرَأَةً فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ الِالْتِذَاذُ عَادَةً.
[قَوْلُهُ: عَادَةً] أَيْ عَادَةَ النَّاسِ لِإِعَادَةِ اللَّامِسِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ] أَيْ غَيْرِ الْمُطِيقَةِ وَمِثْلُهَا الدَّابَّةُ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَنْتَقِضُ وَلَوْ الْتَذَّ إلَّا الِالْتِذَاذَ بِمَسِّ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الدَّابَّةِ، فَالنَّقْضُ لِاخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ بِالِالْتِذَاذِ بِفَرْجِهِمَا فَإِنَّ عج وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَقْوَالِهِمْ أَجْسَادَ الدَّوَابِّ مِنْ اللَّذَّةِ غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ بِغَيْرِ جَسَدِ آدَمِيَّةِ الْمَاءِ،، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَقْبِيلِ فَمِهَا مَا جَرَى فِي تَقْبِيلِ فَمِ الْإِنْسَانِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَحْرَمُ] ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ مَعَ وُجُودِ اللَّذَّةِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهَا وَمَعَ الْقَصْدِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِقِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحْرَمِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَصْدُهَا لِلْفَاسِقِ فِي الْمَحْرَمِ نَاقِضٌ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ مَنْ مِثْلُهُ يَلْتَذُّ بِمَحْرَمِهِ أَيْ ثَبَتَ فِسْقُهُ قَبْلُ لَا بِهَذَا اللَّمْسِ خِلَافًا لعج كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا [قَوْلُهُ: حَشْوٌ] يَرُدُّ مَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ نَاصِرُ الدِّينِ إذَا الْتَقَى الْجِسْمَانِ سُمِّيَ ذَلِكَ
مِنْ (الْقُبْلَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ (لِلَّذَّةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى الْفَمِ تَنْقُضُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ غَالِبًا مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ عَلَى قَصْدِ الرَّحْمَةِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الْمَوَدَّةِ، وَأَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ لَا تَنْقُضُ إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا.
وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ) أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ (مَسِّ الذَّكَرِ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» " وَأَمَّا حَدِيثُ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ» فَضَعِيفٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، أَعْنِي مَسَّ ذَكَرِ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَسَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا مَسُّهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا مِنْ الْكَمَرَةِ أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
الِالْتِقَاءُ مَسًّا، وَإِنْ كَانَ الِالْتِقَاءُ بِالْفَمِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ قُبْلَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْجَسَدِ سُمِّيَ مُبَاشَرَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْيَدِ سُمِّيَ لَمْسًا اهـ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ أَنَّ الْمَسَّ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّمْسِ وَمِنْ الْقُبْلَةِ وَمِنْ الْمُبَاشَرَةِ قَالَهُ عج، وَأَقُولُ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ بِخُصُوصِ الْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِالْجَسَدِ اهـ.
أَيْ مَا عَدَا الْيَدَ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ عَلَى فَمِ مَنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً فَلَا نَقْضَ بِتَقْبِيلِ فَمِ صَغِيرَةٍ لَا يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً، وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ وَكَذَا لَا نَقْضَ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ كَثِيفٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَمِ] وَأَوْلَى النَّقْضُ بِالتَّقْبِيلِ عَلَى فَرْجِ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْفَرْجِ أَوْ مَسَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ عَلَى الْخَدِّ فَيَجْرِي عَلَى الْمُلَامَسَةِ [قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ] الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّذَّةُ وَهَذَا صَادِقٌ بِالْقَصْدِ أَوْ الْوِجْدَانِ وَأَوْلَى الْأَمْرَانِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ [قَوْلُهُ: تَنْقُضُ مُطْلَقًا] قَصَدَ وَوَجَدَ أَمْ لَا، وَلَا يُشْتَرَطُ طَوْعٌ وَلَا عِلْمٌ.
فَمَنْ قُبِّلَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَافِلَةً فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَكَذَا لَوْ قُبِّلَ غَافِلًا أَوْ مُكْرَهًا. [قَوْلُهُ: غَالِبًا] لَا حَاجَةَ لَهُ مَعَ التَّعْبِيرِ بِالْمَظِنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ دَائِمَةٌ، وَالْغَلَبَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوُجُودِ بِالْفِعْلِ فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ. [قَوْلُهُ: لِلَّذَّةِ] مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهِ صَارِفَةً وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ أَيْ صَارِفَةً اللَّذَّةَ [قَوْلُهُ: كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ] أَيْ صَغِيرَةٍ يُلْتَذُّ بِهَا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ وَخَصَّ الصَّغِيرَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تُرْحَمَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَالْأَجْنَبِيَّةُ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ التَّابِعِ لَهُ الشَّارِحُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ النَّقْضِ فِي قَصْدِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْتِذَاذٌ [قَوْلُهُ: أَوْ الْمَوَدَّةِ] أَيْ الْمَحَبَّةِ، وَهُوَ يَرْجِعُ لِلرَّحْمَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ، وَأَفَادَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ النَّقْضَ بِتَقْبِيلِ الْأَمْرَدِ أَوْ ذِي اللِّحْيَةِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُلْتَذَّ بِهِ لَا إنْ كَانَ شَأْنُهُ عَدَمَ الِالْتِذَاذِ بِهِ فَلَا نَقْضَ.
قَالَ ح: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ لِمِثْلِهَا وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ اهـ. فَيَكُونُ تَقْبِيلُهَا أَوْلَى إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ الْمُقَبَّلَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً.
[قَوْلُهُ: إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ] أَيْ مَعَ قَصْدِهَا أَوْ وُجُودِهَا
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَاَلَّذِي رَجَعَ عَنْهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِمَسِّهِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي [قَوْلُهُ: «إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» ] بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، زَادَ الْعَلْقَمِيُّ وَقَدْ تُضَمُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ طَلْقٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْهُ» [قَوْلُهُ: مُتَكَلَّمٌ فِيهِ] أَيْ فَقَدْ قَالُوا طَلْقٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ فَيَسْقُطُ حَدِيثُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مُقَابِلًا بِأَنَّهُ إذَا لَمَسَ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْقُضُ كَمَسِّهِ ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الدَّفَرِيَّ الْمَالِكِيَّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ حَكَى عَدَمَ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ ذَكَرِ الْغَيْرِ، أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَوْ يَجِدْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ [قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَ] اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَصِلِ فَلَا نَقْضَ
غَيْرِهَا الْتَذَّ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَظَاهِرُهُ أَيْضًا مَسُّهُ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا مَسَّهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَوْ بِجَانِبِهِمَا، وَلَوْ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لِلْأَصَابِعِ فِي التَّصَرُّفِ وَالْإِحْسَاسِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ مَسَّ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ مُشْكِلًا نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْكِلٍ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْقُضُ إذَا مَسَّهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ مُطْلَقًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانَ كَثِيفًا فَلَا نَقْضَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا فَرِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَسَّ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ
وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا أَقْوَى مِنْ الْخِلَافِ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
بِمَسِّهِ، وَلَوْ الْتَذَّ بِهِ [قَوْلُهُ: الْكَمَرَةِ] الْحَشَفَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا يُقَابِلُ الْأَوَّلَ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ إنْ تَعَمَّدَ تَوَضَّأَ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ، وَإِنْ نَسِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي لِابْنِ نَافِعٍ إنْ مَسَّ الْكَمَرَةَ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا، وَمُقَابِلُ الْأَخِيرِ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ: إنْ الْتَذَّ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَاسُّ لِذَكَرِهِ بَالِغًا فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ صَغِيرٍ ذَكَرَهُ. [قَوْلُهُ: بِأَيِّ عُضْوٍ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا تَعَمَّدَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، لَكِنْ بِشَرْطِ وُجُودِ اللَّذَّةِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ شَارِحِنَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَذَّةً فَلَا نَقْضَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ، وَمُرَادُهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَفَادَ هَذَا كُلَّهُ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا إذَا مَسَّهُ بِبَاطِنِ إلَخْ] فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ ظُفْرٍ وَحْدَهُ طَالَ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: أَوْ بِجَانِبِهِمَا] وَدَخَلَ رَأْسُ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْجَنْبِ [قَوْلُهُ: مُسَاوِيَةٍ لِلْأَصَابِعِ] سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُسَاوَاةُ مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا فَالشَّكُّ فِي الْمُسَاوَاةِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ الْمَذْكُورَةِ دَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَكَذَا خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ، وَظَهَرَ لِلشَّيْخِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الزَّائِدَ الَّذِي فِيهِ إحْسَاسٌ كَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ غَيْرَهُ قَائِلًا عَلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ جَزْمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِنَقْضِ وُضُوءِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمَسِّ ذَكَرِهِ إلَخْ.
وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَا قَالَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاتُهَا لِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ بِجَانِبِهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا مُطْلَقُ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ، أَيْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ لِلْأَصَابِعِ أَيْ جِنْسِ الْأَصَابِعِ الْمُتَحَقِّقِ فِي وَاحِدٍ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْأَصَابِعِ فِي مَحَلِّهَا الْمَخْصُوصِ لَهَا عَادَةً، وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِلْأَصَابِعِ أَرْبَعَةٌ مَثَلًا أَوْ أَقَلُّ، وَكَانَ وَاحِدٌ بَعِيدًا مُتَمَيِّزًا عَنْهَا بِحَيْثُ يُقَالُ لَهُ: إنَّهُ زَائِدٌ فَيُعْطَى حُكْمَ الزَّائِدِ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْسَاسِ فِي الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَيَنْتَقِضُ أَيْضًا بِمَسِّ ذَكَرِهِ الزَّائِدِ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْسَاسٌ فِيهِ انْتَهَى.
وَصَرَّحَ الشَّيْخُ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ لَا نَقْضَ بِالْمَسِّ بِهَا، وَانْظُرْ مَسَّهُ بِكَفٍّ بِمَنْكِبٍ أَوْ بِيَدٍ زَائِدَةٍ هَلْ يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ أَوْ يَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ فَمَا يَجِبُ غَسْلُهُ يَجْرِي الْمَسُّ بِهِ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ وَمَا لَا فَلَا. [قَوْلُهُ: الْخُنْثَى] هُوَ الَّذِي لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُشْكِلًا أَمْ لَا، وَانْظُرْ هَلْ هُنَاكَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ مُوَافِقٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الصَّوَابُ [قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ إلَخْ] فَإِنْ حُكِمَ لَهُ بِالذُّكُورَةِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: فَلَا نَقْضَ قَوْلًا وَاحِدًا] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَاخْتُلِفَ إذَا مَسَّهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
ثَالِثُهَا إنْ كَانَ خَفِيفًا نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
[قَوْلُهُ: فَرِوَايَتَانِ] فَرُوِيَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ] قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْخَفِيفِ مَا كَانَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ [قَوْلُهُ: إنْ مَسَّ الدُّبُرَ إلَخْ] أَيْ دُبُرَ نَفْسِهِ وَكَذَا الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَمَّا دُبُرُ الْغَيْرِ وَأُنْثَيَاهُ فَيَجْرِي عَلَى الْمُلَامَسَةِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَخَرَّجَ حَمْدِيسٌ الدُّبُرَ عَلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ