المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كتاب الصلاة] [ - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ١

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

- ‌ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ

- ‌[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

- ‌[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]

- ‌ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ

- ‌[بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ]

- ‌ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

- ‌بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[كِتَاب الصَّلَاة] [

- ‌[بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[سُجُود السَّهْو]

- ‌ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا

- ‌[فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ]

- ‌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)

- ‌ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ

- ‌صَلَاةُ الْمَرِيضِ)

- ‌[طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة]

- ‌ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة]

- ‌ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ]

- ‌ بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌ بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ]

- ‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

- ‌ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]

- ‌ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ

- ‌ مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا

- ‌[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَاب فِي الزَّكَاة] [

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْحَجِّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله]

- ‌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ

- ‌ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ

- ‌ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا]

- ‌[الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم]

- ‌[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

- ‌ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ

- ‌[أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار]

- ‌[أَحْكَام الصَّيْدِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[أَحْكَام الْخِتَان]

الفصل: ‌[كتاب الصلاة] [

‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

(بَابٌ) فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ (أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّلَوَاتِ (وَ) بَيَانِ مَعْرِفَةِ (أَسْمَائِهَا) أَمَّا مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ فَوَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ كَالْأَعْمَى. وَالْأَوْقَاتُ جَمْعُ وَقْتٍ وَهُوَ الزَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلْعِبَادَةِ شَرْعًا، وَهُوَ إمَّا وَقْتُ أَدَاءٍ أَوْ وَقْتُ قَضَاءٍ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ إمَّا وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَإِمَّا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَإِمَّا وَقْتُ تَوْسِعَةٍ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَالْمُرَادُ بِهَا فِي الشَّرْعِ الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدُّعَاءِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ

ــ

[حاشية العدوي]

[كِتَاب الصَّلَاة] [

بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ]

بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: مَعْرِفَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ عِبَارَةٌ عَنْ إدْرَاكِهِ الْجَازِمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَلَيْسَ الْبَيَانُ مُتَعَلِّقًا بِهَا فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ بَيَانِ مُتَعَلِّقِ مَعْرِفَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النِّسَبُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَوْقَاتِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ الصَّلَوَاتِ] وَالْأَوْلَى تَرْجِعُ لِهَذِهِ بِأَنْ يُرَادَ الْجِنْسُ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتٌ. [قَوْلُهُ: فَوَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ] أَيْ فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ هَكَذَا عِنْدَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْقَرَافِيُّ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُولُ وَقْتِهَا لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ شَارِحِنَا لَا تُلَائِمُ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُنَافَاةِ لِكَلَامِ الْقَرَافِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزَّمَنُ إلَخْ] أَيْ فَالْوَقْتُ أَخَصُّ مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُدَّةُ حَرَكَةِ الْفَلَكِ وَقِيلَ هُوَ الْجَلِيُّ إذَا اُقْتُرِنَ بِخَفِيٍّ، فَإِذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَطُلُوعُ الشَّمْسِ وَقْتُ الْمَجِيءِ إذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيءُ خَفِيًّا، وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بِالنِّسْبَةِ لِمُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَسْجُونٍ مَثَلًا لَقُلْت طَلَعَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ مَجِيءِ زَيْدٍ، فَيَكُونُ الْمَجِيءُ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَقِيلَ مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةٌ لِلْإِبْهَامِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ إمَّا وَقْتُ أَدَاءً] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْهَا مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَحْدَهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.

[قَوْلُهُ: إمَّا وَقْتُ اخْتِيَارٍ] أَيْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرٌ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ ضَرُورَةٍ] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوقَعَ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا لِأَصْحَابِ الضَّرُورَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ فَضِيلَةٍ] وَهُوَ أَوَّلُهُ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ تَوْسِعَةٍ] أَيْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ وُسِّعَ لَهُ، أَيْ جُوِّزَ لَهُ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: فِي الشَّرْعِ] أَيْ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ] أَيْ جِنْسُ الرَّكَعَاتِ الْمُتَحَقِّقُ فِي وَاحِدَةٍ وَجِنْسُ السَّجَدَاتِ الْمُتَحَقِّقُ فِي اثْنَتَيْنِ لِتَدْخُلَ صَلَاةُ الْوِتْرِ.

أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ، وَيَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتَا بِصَلَاةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَقَدْ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ فَدَخَلَ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَفِي الثَّانِي سُجُودُ التِّلَاوَةِ.

ص: 240

أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَتَسْمِيَةُ الدُّعَاءِ صَلَاةً مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهِيَ مِمَّا عُلِمَ وُجُوبُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَجَاحِدُ وُجُوبِهَا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَكَذَلِكَ بَاقِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.

وَلِوُجُوبِهَا شُرُوطٌ خَمْسَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ، زَادَ عِيَاضٌ: وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ. وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، لِأَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْأَرْضِ، وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِهَا فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَقِيلَ: فُرِضَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قُصِرَ مِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ.

وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهَا فَوَاجِبَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ وَالتَّعْيِينُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدُّعَاءِ] أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَأَرَادَ بِالِاشْتِقَاقِ النَّقْلَ أَيْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ ثُمَّ نُقِلَتْ وَأُرِيدَ بِهَا تِلْكَ الْهَيْئَةَ الْمَخْصُوصَةَ.

[قَوْلُهُ: الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ] أَيْ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ {اهْدِنَا} [الفاتحة: 6] إلَخْ، وَعَلَى غَيْرِ الْفَاتِحَةِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ] وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مَعَ الرِّدْفِ وَقِيلَ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا تَصِلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا عُلِمَ إلَخْ] أَيْ عِلْمًا مُشَابِهًا لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَإِلَّا فَهِيَ فِي أَصْلِهَا نَظَرِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ] أَيْ مِنْ بَابِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ عَبَثٌ وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَهُوَ مُحَالٌ. [قَوْلُهُ: فَجَاحِدُ وُجُوبِهَا] أَيْ أَوْ رُكُوعَهَا أَوْ سُجُودَهَا وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ بِفِعْلِهَا وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهَا فَيُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَةً كَامِلَةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ. [قَوْلُهُ: مُرْتَدٌّ] وَصْفٌ مُخَصَّصٌ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ بَاقِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ] الَّتِي هِيَ الشَّهَادَتَانِ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ.

[قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ إلَخْ] هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ.

[قَوْلُهُ وَالْبُلُوغُ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهَا وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَرْبَعَةٌ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالِاسْتِقْبَالُ وَتَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ اثْنَانِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ الصَّعِيدِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَالسَّهْوِ. [قَوْلُهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ] أَيْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْقَرَافِيُّ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ سَبَبٌ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْ وَجَعَلَهُ الْحَطَّابُ هُوَ التَّحْقِيقُ لِصِدْقِ حَدِّ السَّبَبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ، نَعَمْ قَالَ الْقَرَافِيُّ الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطٌ، أَيْ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ اهـ.

لَفْظُ الْخَطَّابِ. [قَوْلُهُ: فِي السَّمَاءِ إلَخْ] أَيْ فِي جِهَةِ السَّمَاءِ الْعُلْيَا لِأَنَّهَا فُرِضَتْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَعَارِيجِ.

[قَوْلُهُ: بِسَنَةٍ] اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِسْرَاءِ فَقِيلَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي رَجَبٍ وَقِيلَ فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ فُرِضَتْ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ لِلْجُمْهُورِ، أَيْ إلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَإِنَّ الْأُولَى فُرِضَتْ ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«بِأَنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَلَى الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» .

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهَا إلَخْ] قَالَ عج وَقَدْ: يُبْحَثُ فِيهِ بِأَنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ مَثَلًا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ وَصَلَّاهَا وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا تُسَمَّى ظُهْرًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ التَّعْيِينِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ

ص: 241

فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ بَدَأَ الشَّيْخُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ:(أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ) الْفَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الضَّمِيرِ الْأَوَّلِ الْمُنْفَصِلِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ، وَجَوَابُ أَمَّا يَأْتِي وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الصُّبْحُ وَالْوُسْطَى وَالْفَجْرُ، وَبَقِيَ رَابِعٌ وَهِيَ الْغَدَاةُ وَالصُّبْحُ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَقِيلَ: مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ، وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ وَنِسْبَتُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهَا الْوُسْطَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَضِيًا لَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أَكَّدَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.

وَجَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ وَقْتِهَا) يَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ (انْصِدَاعُ) أَيْ انْشِقَاقُ (الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ) أَيْ الْمُنْتَشِرِ (بِالضِّيَاءِ فِي أَقْصَى) أَيْ أَبْعَدِ (الْمَشْرِقِ) وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَخَرَجَ بِالْمُعْتَرِضِ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ صَادِقٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ، وَكَاذِبٌ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَصْعَدُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ مُسْتَدِقًّا فَلَا يَنْتَشِرُ، وَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ. وَقَوْلُهُ:(ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَرْتَفِعَ فَيَعُمَّ) أَيْ يَسُدَّ (الْأُفُقَ) مُشْكِلٌ لَمْ يُصِبْ أَحَدٌ حَقِيقَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَهُ إنَّمَا يَتَأَوَّلُهُ بِالْحَزْرِ وَقَدْ نَقَلْنَا فِي

ــ

[حاشية العدوي]

مُرَادَهُ إذَا كَانَ التَّعْيِينُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ بَلْ مَعْرِفَةُ وَاحِدٍ مِنْهَا يَكْفِي اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ إلَخْ] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَعْيِينُ الشَّيْءِ وَتَخْصِيصُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ اهـ.

فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ [قَوْلُهُ: أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ] أَيْ أَمَّا صَلَاةٌ هِيَ الصُّبْحُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ [قَوْلُهُ: لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ] مُرَادُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْوَاقِعَةَ فِي الْجَوَابِ فَهِيَ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: الصُّبْحُ إلَخْ] وَيَكُون إضَافَةُ صَلَاةٍ إلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى اسْمِهِ [قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْبَيَاضِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ جَمَالِ الدُّنْيَا بِالضَّوْءِ.

[قَوْلُهُ: وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ انْفِجَارِ الْفَجْرِ، وَسُمِّيَتْ بِالْوُسْطَى لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ أَرْبَعٍ مُشْتَرَكَاتٍ الظُّهْرُ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَهِيَ مُسْتَقِلَّةٌ، أَوْ لِأَنَّ الْوُسْطَى مَعْنَاهَا الْفُضْلَى وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ حَضَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:{حَافِظُوا} [البقرة: 238] إلَخْ.

وَسُمِّيَتْ بِالْغَدَاةِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ الْغَدَاةِ وَهِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ إلَخْ] وَقِيلَ: الْعَصْرُ، وَمَالَ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْهُمْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاكِهَانِيُّ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الصُّبْحُ.

[قَوْلُهُ: بِالضِّيَاءِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ لِأَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ هُوَ الضِّيَاءُ الْمُنْتَشِرُ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ كَمَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ لَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الْخَطَّابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الضِّيَاءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضِعَهَا عَلَى الدَّوَامِ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَجْرَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَهِيَ تَارَةً تَطْلُعُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَجْرَ مَعْنَاهُ الْبَيَاضُ وَيَتَنَوَّعُ إلَى كَاذِبٍ وَصَادِقٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ الْكَاذِبَ لَا يَنْتَشِرُ لِدِقَّتِهِ وَيَنْقَطِعُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا قَرُبَ زَمَنُ الصَّادِقِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: أَبْيَضُ مُسْتَدَقٌّ مُسْتَطِيلٌ وَالصَّادِقُ يَنْتَشِرُ لِقُرْبِهَا وَيَعُمُّ الْأُفُقَ. [قَوْلَةُ: كَذَنَبِ السِّرْحَانِ] شَبَّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فِي أَنَّ لَوْنَهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ كَمَا أَفَادَهُ ح. [قَوْلُهُ: أَيْ الذِّئْبِ] اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ السِّرْحَانِ عَلَى الذِّئْبِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالْأَسَدِ فَفِي ح وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَيُوَافِقُهُ الْمِصْبَاحُ، حَيْثُ قَالَ: وَالسِّرْحَانُ بِالْكَسْرِ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَالْجَمْعُ سَرَاحِينُ وَيُقَال لِلْفَجْرِ الْكَاذِبِ سِرْحَانٌ عَلَى التَّشْبِيهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: الْأُفُقَ] بِضَمِّ

ص: 242

الْأَصْلِ وَجْهَ الْإِشْكَالِ وَتَأْوِيلَ الْمُتَأَوِّلِينَ لَهُ (وَآخِرُ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الصُّبْحِ (الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي إذَا سَلَّمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (بَدَا) أَيْ ظَهَرَ (حَاجِبُ) أَيْ طَرَفُ قُرْصِ (الشَّمْسِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ آخِرَهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْأَعْلَى، وَعَلَيْهِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ.

(وَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ انْصِدَاعُ الْفَجْرِ وَآخِرَهُ الْإِسْفَارَ الْبَيِّنَ فَ (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ وَاسِعٌ) لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ، مَتَى أَوْقَعهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا لِأَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

الْفَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَهُوَ مَا إلَى الْأَرْضِ مِنْ أَطْرَافِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: مُشْكِلٌ إلَخْ] الْمُسْتَشْكِلُ فِي الْأَصْلِ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ قَالَ: الْمُعْتَرِضُ بِالضِّيَاءِ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ، فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْمَشْرِقِ يَطْلُعُ ثُمَّ قَالَ ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْقِبْلَةِ يَطْلُعُ. وَقَوْلُهُ: إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْقِبْلَةَ لَهَا دُبُرٌ مَعَ أَنَّهَا لَا دُبُرَ لَهَا [قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلَ إلَخْ]

الْأَوَّلُ مِنْهَا أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى إلَى، وَالدُّبُرُ بِمَعْنَى الْجَوْفِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْتَشِرُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْقِبْلَةَ وَإِلَى دُبُرِهَا الْمَذْكُورِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقِبْلَةِ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَيْ الَّذِي هُوَ أَقْصَى الْمَشْرِقِ إلَى دُبُرِ النَّاظِرِ إلَيْهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِهَا الَّذِي هُوَ الْجَوْفُ أَيْ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَأَوَّلُ كَلَامِهِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ فِي زَمَنٍ آخَرَ.

وَأَجَابَ عج: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ وَالْمَشْرِقَ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا قَابَلَ الْمَغْرِبَ أَيْ وَالدُّبُرُ وَالْجَوْفُ لِأَنَّهُ قِيلَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقِبْلَةَ إذَا عُمِّيَتْ عَلَى الْمُصَلِّي جَعَلَ الْمَشْرِقَ أَمَامَهُ وَالْمَغْرِبَ خَلْفَهُ، فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا لِأَنَّهُ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْكَعْبَةِ يَكُونُ انْحِرَافًا يَسِيرًا. [قَوْلُهُ: الَّذِي إذَا سَلَّمَ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الَّذِي إنْ صَلَّى فِيهِ إذَا سَلَّمَ فَحَذَفَ الصِّلَةَ الَّتِي هِيَ إنْ صَلَّى فِيهِ وَالْعَائِدَ الْمَجْرُورَ بِفِي وَالصِّلَةُ يَجُوزُ حَذْفُهَا إذَا دَلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ.

فَإِنْ قِيلَ: الْعَائِدُ هُنَا مَجْرُورٌ وَمِنْ شَرْطِ حَذْفِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِمِثْلِ مَا جُرَّ بِهِ الْمَوْصُولُ (وَالْجَوَابُ) كَمَا أَفَادَهُ عج أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا حُذِفَ الْعَائِدُ وَحْدَهُ وَأَمَّا إذَا حُذِفَ مَعَ الصِّلَةِ كَمَا هُنَا فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: بَدَا] بِغَيْرِ هَمْزٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ ظَهَرَ [قَوْلُهُ: قُرْصُ الشَّمْسِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ إنْ أُرِيدَ مِنْ الشَّمْسِ نَفْسُ الْقُرْصِ وَمِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ إنْ أُرِيدَ بِهَا مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ الْقُرْصُ وَالشُّعَاعُ. [قَوْلُهُ: فَلَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ] عَزَا هَذَا عِيَاضٌ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. [قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْأَعْلَى إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِسْفَارِ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا اخْتِيَارِيًّا لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى أَيْ الَّذِي يَتَرَاءَى فِيهِ الْوُجُوهُ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْبَصَرُ الْمُتَوَسِّطُ فِي مَحَلٍّ لَا سَقْفَ فِيهِ وَلَا غِطَاءَ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِلصُّبْحِ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى إلَى جُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الطُّلُوعِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَمَا بَعْدَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى طُلُوعُ الشَّمْسِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: فَمَا بَعْدَهُ إلَخْ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ فَمَا بَعْدَ أَوَّلِ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى. نَعَمْ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ بَاقٍ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْآخِرِ وَآخِرُ الشَّيْءِ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ] أَيْ بِحَيْثُ إذَا أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ تَكُونُ وَاقِعَةً فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ [قَوْلُهُ: الْوَقْتَيْنِ] أَيْ وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ [قَوْلُهُ: مَتَى أَوْقَعَهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَهَا فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ يَكُونُ مُفَرِّطًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَوَّلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى

ص: 243

أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِي بِتَرْكِهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَرَادَ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ بَدَلٍ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ، وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ الْعَزْمِ عَلَى أَدَائِهَا.

(وَ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ كُلَّهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ فِي الْفَضِيلَةِ فَ (أَفَضْلُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ (أَوَّلُهُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا صَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغُسْلٍ» وَعَلَيْهِ وَاظَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ (إذَا زَالَتْ) أَيْ مَالَتْ (الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا وَكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ عَبَّرَ بِهِ عَنْ وَسَطِ (السَّمَاءِ) مَجَازًا لِأَنَّ الْكَبِدَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَيَوَانِ، فَلَمَّا كَانَ مَوْضِعُ الْكَبِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَسَطَهُ عَبَّرَ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ بِالْكَبِدِ، ثُمَّ فَسَّرَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ الْمُعَلَّلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ عَدَمُ التَّفْرِيطِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِيقَاعِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ الَّذِي قَبْلَ الْبَيِّنِ وَآخِرُهُ هُوَ الَّذِي بَعْدَ الْبَيِّنِ الَّذِي هُوَ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ، عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَقْتُ الِانْصِدَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ مَعَ الشَّارِحِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ظَاهِرٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ الِانْصِدَاعِ إلَى الْإِسْفَارِ وَقْتُ تَوْسِعَةٍ لَا ضِيقَ عَلَى الْمُصَلِّي فِيهِ، وَيَأْتِي الضِّيقُ فِي الْإِسْفَارِ الَّذِي إذَا سَلَّمَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ.

[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُضَيَّقًا، فَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ فَيَأْثَمُ مَاتَ أَوْ لَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ وَصَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا قَضَاءً عَمَلًا فِي ظَنِّهِ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.

قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْمَوْتِ ظَنَّ بَاقِي الْمَوَانِعِ الَّذِي طُرُوءُهَا مُسْقِطٌ كَالْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَوْ أَخَّرَتْ لَا تَقْضِي لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْإِثْمَ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ] أَيْ لِلصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ] رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ مُطْلَقًا. الثَّانِي: وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ أَفْضَلُ.

الثَّالِثُ: لِسَنَدٍ أَنَّ فِعْلَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنْ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ. الرَّابِعُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ.

[قَوْلُهُ: بِغَلَسٍ إلَخْ] الْغَلَسُ اخْتِلَاطُ ضَوْءِ الصُّبْحِ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَوَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» فَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» . وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَدْرَك الْفَجْرِ خَفِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَعُثْمَانُ] لَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا لَعَلَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ عَنْهُ حَالَةً مُعَيَّنَةً لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي زَمَنِهِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ إلَخْ] نَزَلَ جِبْرِيلُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ «وَصَلَّى بِهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، وَالصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَذَا الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَصَلَّاهَا حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ» .

وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ رَاعَى أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمُصَلِّي أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: مَجَازًا] أَيْ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ

ص: 244

الزَّوَالَ بِقَوْلِهِ: (وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ) التَّقْدِيرُ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ بِأَنْ يُقَامَ عُودٌ مُسْتَقِيمٌ، فَإِذَا تَنَاهَى الظِّلُّ فِي النُّقْصَانِ وَأَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ، وَلَا اعْتِدَادَ بِالظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي الْقَامَةِ بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ مُفْرَدًا عَنْ الزِّيَادَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ (فِي الصَّيْفِ) . ك: ظَاهِرُهُ أَوْ نَصُّهُ اخْتِصَاصُ التَّأْخِيرِ بِالصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ جَمَاعَةً وَأَفْذَاذًا. وَقَالَ ج: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي الصَّيْفِ بَلْ وَكَذَلِكَ الشِّتَاءُ وَالتَّأْخِيرُ الْمُسْتَحَبُّ مُسْتَمِرٌّ (إلَى أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ) مِمَّا لَهُ ظِلٌّ كَالْإِنْسَانِ (رُبْعُهُ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ الظِّلُّ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَطْلَقَ الظِّلَّ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ الظِّلَّ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْفَيْءِ لِمَا بَعْدَهُ (وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) أَيْ التَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ (فِي) حَقِّ (الْمَسَاجِدِ) خَاصَّةً (لِ) أَجْلِ أَنْ (يُدْرِكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي خَاصَّتِهِ (فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ (وَقِيلَ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ يُرِيدُ صَلَاةَ الظُّهْرِ (أَنْ يُبَرِّدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ أَنْ يَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَصْرُ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَةِ خَاصَّةً.

وَالثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ

ــ

[حاشية العدوي]

مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحِلِّ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ فَسَّرَ الزَّوَالَ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الزِّيَادَةِ لَيْسَ عَيْنَ مَيْلِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، نَعَمْ هُوَ لَازِمٌ لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ بِاللَّازِمِ لَا بِالْحَقِيقَةِ. [قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ] أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ لِلزَّوَالِ ظِلٌّ أَوْ حَدَثَ إنْ كَانَ ذَهَبَ لِأَنَّهُ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدْ يَبْقَى لِلْعُودِ ظِلٌّ قَلِيلٌ وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الظِّلِّ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَزَبِيدٍ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَبِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَرَّةً فِي السَّنَةِ وَهُوَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِيهَا. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَامَ إلَخْ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يُقَامُ عُودٌ مُسْتَقِيمٌ فِي أَرْضٍ مُسْتَقِيمَةٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ] أَيْ مَالَتْ الشَّمْسُ عِنْدَهُ.

[قَوْلُهُ: فِي الْقَامَةِ] أَيْ الْكَائِنِ فِي الْقَامَةِ. [قَوْلُهُ: بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ إلَخْ] كَذَا فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالْمَعْنَى بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ أَيْ ظِلُّ الشَّاخِصِ مُفْرَدًا عَنْ الزِّيَادَةِ بِذَلِكَ الظِّلِّ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّاخِصِ. [قَوْلُهُ: بَلْ وَكَذَلِكَ الشِّتَاءُ] لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِغَالُ فِي وَقْتِهَا وَهِيَ مَوْجُودٌ حَتَّى فِي وَقْتِهَا.

[قَوْلُهُ: وَالْفَيْءَ لِمَا بَعْدَهُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: إنَّمَا سُمِّيَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ عَنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ إلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ، وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ وَالْفَيْءُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ] وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] وَمِثْلُهُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا صَيْفًا وَشِتَاءً وَالْمُصَنِّفُ قَيَّدَ بِالصَّيْفِ.

قُلْت: إذَا قِيلَ فِي الصَّيْفِ بِأَنَّ الْفَذَّ يُقَدِّمُ فَأَوْلَى فِي الشِّتَاءِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْفَذِّ يُقَدِّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَيْ بَعْدَ النَّفْلِ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُثَابَرَةِ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الْعَصْرِ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَمَّا شِدَّةُ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُبَرِّدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ] قَالَ تت: أَيْ زِيَادَةً عَلَى رُبْعِ الْقَامَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ إلَخْ] لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُبَرِّدُ بِهَا أَيْ يُوقِعُهَا فِي وَقْتِ الْبَرْدِ، فَالْإِبْرَادُ الْإِيقَاعُ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ وَهُوَ لَيْسَ عَيْنَ انْكِسَارِ وَهَجِ الْحَرِّ، نَعَمْ انْكِسَارُ وَهَجِ الْحَرِّ تَفْسِيرٌ لِلْبَرْدِ لَا لِلْإِبْرَادِ. [قَوْلُهُ: وَهَجُ الْحَرِّ] بِفَتْحِ الْهَاءِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الْقَامُوسِ أَيْ شِدَّتُهُ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا] هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقَصُرَ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى الْمَسَاجِدِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا التَّقْدِيمُ وَمِثْلُهَا الْجُمُعَةُ.

وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَنْتَظِرُ

ص: 245

وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ فَيُسْتَحَبُّ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ، وَالْفَيْحُ لَهَبُ النَّارِ وَسُطُوعُهَا، وَحَدِيثُ التَّعْجِيلِ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» (وَآخِرُ الْوَقْتِ) الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ) اعْتِبَارُ النَّهَارِ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ بِخِلَافِ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

(وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) الْمُخْتَارِ هُوَ (آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) الْمُخْتَارِ فَعَلَى هَذَا هُمَا مُشْتَرَكَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَلَفَ التَّشْهِيرُ هَلْ الظُّهْرُ تُشَارِكُ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ الْعَصْرُ تُشَارِكُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَأَوْقَعَ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَانَتْ أَدَاءً، وَعَلَى الثَّانِي لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ عِنْدَمَا بَقِيَ مِقْدَارُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ الْقَامَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعَصْرَ تَقَعُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.

وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّيَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقَامَةِ الْأُولَى أَحَدُهُمَا صَلَّى الظُّهْرَ وَالْآخَرُ صَلَّى الْعَصْرَ، فَعَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ الصَّلَاتَانِ أَدَاءً الظُّهْرُ تَقَعُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ:) أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّك (إذَا اسْتَقْبَلْت الشَّمْسَ بِوَجْهِك) يَعْنِي بِبَصَرِك (وَأَنْتَ قَائِمٌ غَيْرُ مُنَكِّسِ رَأْسِك وَلَا مُطَأْطِئٍ لَهُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَالَ

ــ

[حاشية العدوي]

غَيْرَهَا فَالْأَوْلَى لَهَا التَّأْخِيرُ لِرُبْعِ الْقَامَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ، وَيُرَادُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَمْ لَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ أَيْ لِوَسَطِ الْوَقْتِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ، حَيْثُ قَالَ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَنْتَهِي بِالْإِبْرَادِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْتَهِي إلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا إلَى أَنْ كَانَ لِلتُّلُولِ وَالْجِدَارَاتِ فَيْءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ وَذَلِكَ وَسَطُ الْوَقْتِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَدْخِلُوا الصَّلَاةَ فِي الْبَرْدِ وَهُوَ سُكُونُ شِدَّةِ الْحَرِّ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَأَمَرَ بِالْإِبْرَادِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَا عِنْدَ الْحَرِّ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: «فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ» ] قِيلَ كَلِمَةُ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ زَائِدَةٌ وَأَبْرَدَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ بِمَعْنَى أَدْخِلُوهَا فِي الْبَرْدِ. [قَوْلُهُ: «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ] بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ.

[قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ] أَيْ فَأَبْرِدُوا عَلَى وَزْنِ أَكْرِمُوا. [قَوْلُهُ: أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ] الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ. [قَوْلُهُ: وَهَجُ الْحَرِّ] أَيْ شِدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَطْفُ قَوْلِهِ وَيَنْكَسِرَ إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: وَسُطُوعُهَا] أَيْ ارْتِفَاعُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَسُطُوعُهُ أَيْ اللَّهَبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى النَّارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَيْحَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ اللَّهَبِ وَارْتِفَاعِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ اسْمٌ لِلَّهَبِ الْمُرْتَفِعِ وَأَحْسَنُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَقْفَهْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَيْحِ جَهَنَّمَ نَفْسُهَا فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِالْهَاجِرَةِ] وَقْتِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ] الْمُرَادُ بِهِ الظِّلُّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] مُقَابَلَةٌ لِابْنِ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا: تَاللَّهِ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَصْرُ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مِقْدَارِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَرْبَعٌ هَذَا فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا السَّفَرُ فَبِقَدْرِ سَفَرِيَّتَيْنِ. [قَوْلُهُ: كَانَتْ أَدَاءً] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِهَذَا لِأَنَّهَا أَدَاءٌ وَلَوْ فُعِلَتْ فِي الضَّرُورِيِّ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى كَانَتْ بَاطِلَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] أَيْ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ آثِمًا لِوُقُوعِهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ.

[قَوْلُهُ: الظُّهْرُ تَقَعُ إلَخْ] لَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي

ص: 246

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُطَأْطِئًا يَعْنِي مُمِيلًا. يُقَالُ: طَأْطَأَ رَأْسَهُ أَمَالَهُ، وَالتَّطَأْطُؤُ أَخْفَضُ مِنْ التَّنْكِيسِ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إطْرَاقُ الْجُفُونِ إلَى الْأَرْضِ، وَالتَّطَأْطُؤُ الِانْحِنَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ (فَإِنْ نَظَرْت إلَى الشَّمْسِ بِبَصَرِك) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ عَلَى بَصَرِك (فَقَدْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِذَا لَمْ تَرَهَا بِبَصَرِك) فَإِنَّهُ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ وَإِنْ نَزَلَتْ عَنْ بَصَرِك) أَيْ جَاءَتْ تَحْتَ بَصَرِك (فَقَدْ تَمَكَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ) وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الظِّلِّ (وَاَلَّذِي وُصِفَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله) فِي تَحْدِيدِ آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلْعَصْرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَنَّ الْوَقْتَ فِيهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) الْقَرَافِيُّ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ حِينَئِذٍ أَيْ عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ تَكُونُ نَقِيَّةً وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ.

(وَوَقْتُ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) الِاخْتِيَارِيُّ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَهَا اسْمَانِ هَذَا لِأَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالْآخَرُ (صَلَاةُ الشَّاهِدِ يَعْنِي) أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدُ (الْحَاضِرُ) وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ مَا مَعْنَى الْحَاضِرِ فَقَالَ: (يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الْحَاضِرِ) . ك تَعْلِيلِ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ بِالشَّاهِدِ لِكَوْنِ الْمُسَافِرِ لَا يَقْصُرُهَا مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ، وَاَلَّذِي عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ يُسَمَّى الشَّاهِدُ، أَوْ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

ثَمَرَةِ الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَدْ تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لَهُ فَذِكْرُهُ تَكْرَارٌ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَائِلَهُ] وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ دُخُولَ الْوَقْتِ بِمَا ذُكِرَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَكُونُ فِي الصَّيْفِ مُرْتَفِعَةً، وَفِي الشِّتَاءِ مُنْخَفِضَةً.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحْوِ حَيْثُ تَظْهَرُ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْأَوْرَادِ وَأَهْلِ الصَّنَائِعِ. فَيُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَاطُ لِلْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّانِيَةَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ] أَيْ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ أَيْ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ إذْ لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ كَذَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّمْسَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلْقُرْبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْقُرْبَ بَلْ يَقْضِي بِالْبُعْدِ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ نَقِيَّةً عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ اصْفِرَارٌ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الْعَصْرِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَمْ يُنْقَضْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَعْقُبُ ذَلِكَ النَّقَاءَ الِاصْفِرَارُ أَفَادَهُ الدَّفَرِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ ذِرَاعٌ لَا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدَ الْحَاضِرَ] مُرَادُهُ أَنَّ ضَمِيرَ يَعْنِي يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى حَمَلَةِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ] رَدَّهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَقَالَ: إنَّهُ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ وَإِلَّا لَسُمِّيَتْ الصُّبْحُ بِذَلِكَ، وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَمَّا كَانَ عَدَدُهَا قَرِيبًا مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ الَّتِي تُقْصَرُ إلَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَسْمِيَتُهَا بِالشَّاهِدِ بِالصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعْهَدْ صَلَاةٌ هِيَ رَكْعَةٌ غَيْرَ الْوِتْرِ.

[قَوْلُهُ: تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ مُقَارَنَةَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيُفِيدُ كَوْنَ طُلُوعِ النَّجْمِ مَعْلُومًا دُونَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:«حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَظْهَرُ فِي التَّقْدِيرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّقْدِيرِ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ أَنَّ وُجُودَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ، فَالْمُقَارَنَةُ الْمُفَادَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَبَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لِي ذَلِكَ وَجَدْت شَارِحَ الْحَدِيثِ السِّنْدِيَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ:«حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» كِنَايَةٌ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ بِغُرُوبِهَا يَظْهَرُ الشَّاهِدُ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَيْئًا مَا مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعْجِيلُهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ طُلُوعَهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الصَّلَاةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ.

وَمُفَادُهُ أَيْضًا أَنَّ طُلُوعَ ذَلِكَ

ص: 247

هَذِهِ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَفِظَهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» . وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ وَاَلَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَهُ التُّونُسِيُّ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ إذَا عُلِمَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَقْتُ الْغُرُوبِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ إلَى قَوْلِهِ الْحَاضِرُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَوَقْتُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ) وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ لِطُولِ الْكَلَامِ. ك: وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا الْمُسْتَدِيرِ دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا فَقَوْلُهُ: (فَإِذَا تَوَارَتْ) أَيْ اسْتَتَرَتْ وَغَابَتْ (بِالْحِجَابِ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَيْ بِالْعَيْنِ الْحَمِئَةِ أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا لَا

ــ

[حاشية العدوي]

النَّجْمِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دَائِمًا لِأَنَّهُ نِيطَ الْحُكْمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: «عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِأُمَّتِهِ إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لِأُمَّتِهِ، فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا أُمَّةَ سُلَيْمَانَ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا مُتَعَبِّدِينَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى إلَى عِيسَى وَسُلَيْمَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَا يَكُونُ الْعَصْرُ مُخْتَصًّا بِسُلَيْمَانَ وَلَا بِأُمَّتِهِ الَّذِينَ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ الْكَائِنِينَ فِي زَمَنِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ عُمُومًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ كَسُلَيْمَانَ كَانَ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ أَحْكَامٍ تَعَبَّدَتْ بِهَا أُمَّتُهُ مَعَهُ.

[قَوْلُهُ: فَضَيَّعُوهَا] أَيْ تَرَكُوهَا رَأْسًا أَوْ لَمْ يُدَاوِمُوا عَلَيْهَا أَوْ خَلَّوْا بِشَرْطِهَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ حَفِظَهَا] أَيْ بِأَنْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا مَعَ شُرُوطِهَا. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَجْرُهُ إلَخْ] قَالَ السِّنْدِيُّ: أَيْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّوَابُ الْأَصْلِيُّ غَيْرُ التَّضْعِيفِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الْوُسْطَى.

[قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا] خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ [قَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ] أَيْ النَّجْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي يَطْلُعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَلَامِ بَعْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّيْثِ مُفَسَّرًا يُظْهِرُ لِلشَّاهِدِ الْوَاقِعَ فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ بَعْضٌ: سَمَّاهُ أَيْ النَّجْمَ الشَّاهِدَ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِاللَّيْلِ أَيْ يَحْضُرُ وَيَظْهَرُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ] أَيْ مِنْ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَطَّرِدُ.

[قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ إلَخْ] فِيهِ تَنَافٍ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: وَخَبَرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَوَقْتُهَا مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَغُرُوبُ الشَّمْسِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: فَوَقْتُهَا تَأْكِيدٌ لِلْمُبْتَدَأِ لَا أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ مُخْبَرٌ عَنْهُ بِخَبَرٍ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَكْرِيرِهِ إعَادَةُ لَفْظَةٍ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ لَا تَأْكِيدٌ أَوْ تَأْكِيدُ مَعْنًى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ الْغُرُوبُ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِثُبُوتِ الْغُرُوبِ لِلْوَقْتِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ] أَيْ غُرُوبُ قُرْصِهَا. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ جَبَلٌ فَيُنْظَرُ لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا ظَهَرَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِهَا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمِيلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَقُرْصُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَشُعَاعُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَغَابَتْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: الْحَمِئَةِ] بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ اسْتَتَرَتْ فِي الطِّينِ الْأَسْوَدِ أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا، وَإِلَّا فَهِيَ قَدْرُ كَرَّةِ الْأَرْضِ مِائَةً وَسِتِّينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ عِشْرِينَ مَرَّةً. [قَوْلُهُ: أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ] أَتَى بِذَلِكَ دَفْعًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ أَنَّ الْحَمْأَةَ وَصْفٌ لِلْعَيْنِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ ذَاتِ، وَظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا سَابِقًا أَنَّ الْغَيْبُوبَةَ فِي الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطِّينُ لَا فِي الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ] أَيْ الْحِجَابُ. [قَوْلُهُ: شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهَا غَابَتْ فِي الْحِجَابِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَلْ الْبَاءُ عَلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى غَابَتْ أَيْ لَمْ تَظْهَرْ لَنَا

ص: 248

يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ فَوَقْتُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُهَا لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ) تَأْكِيدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا غَيْرُ مُمْتَدٍّ هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام صَلَّى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ» دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ: وَقْتُهَا مُمْتَدٌّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّأِ: «إذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَخَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ» وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» . الْمَازِرِيُّ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ سَنَدًا وَقِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ.

(وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ) الْمُخْتَارُ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ (صَلَاةُ الْعِشَاءِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ (وَهَذَا الِاسْمُ) أَيْ الْعِشَاءُ (أَوْلَى بِهَا) فِي التَّسْمِيَةِ مِنْ الْعَتَمَةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ الَّذِي نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَتَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَمُؤَوَّلٌ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ سُمِّيَتْ بِالْعَتَمَةِ لِطُلُوعِ نَجْمٍ يَطْلُعُ فِي وَقْتِهَا يُسَمَّى الْعَاتِمُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ:(غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ (وَالشَّفَقُ) هُوَ (الْحُمْرَةُ الْبَاقِيَةُ فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ فِي نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ (مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا يُرَى مِنْ ضَوْئِهَا عِنْدَ رُدُودِهَا كَالْقُضْبَانِ (فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَغْرِبِ)

ــ

[حاشية العدوي]

بِسَبَبِ الْحِجَابِ الْحَائِلِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا [قَوْلُهُ: لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ] ظَاهِرٌ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَلَوْ مُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَلَوْ مُرْسَلِينَ لَا يَعْلَمُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ أَيْ دُونَ عَامَّةِ النَّاسِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ تَعْلَمُهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَجَبَتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَجَبَتْ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ] أَيْ اخْتِيَارِيٌّ، فَمَتَى أُخِّرَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ وَلَا تَصِيرُ قَضَاءً. [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُمْتَدٍّ] أَيْ فَوَقْتُهَا يُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا، فَوَقْتُهَا مُضَيَّقٌ وَيَجُوزُ لِمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ مُحَصِّلًا بِشُرُوطِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَسَتْرٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ تَأْخِيرُ فِعْلِهَا بِمِقْدَارِ تَحْصِيلِهَا، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالُ مُوَسْوِسٍ وَلَا مَنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ السُّرْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَقْتُهَا مُمْتَدٌّ] الرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا الِاسْمُ] أَيْ الْعِشَاءُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِشَاءَ أَوَّلًا مُرَادٌ مِنْهَا الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ لَا اللَّفْظُ، وَأَنَّ الِاسْمَ نَفْسُ اللَّفْظِ فَيَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ.

[قَوْلُهُ: مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ إلَخْ] لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا وَإِنَّهَا الْعِشَاءُ وَأَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ» وَقِيلَ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَسَكَتَ عَنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَيَحْتَمِلُ التَّصْرِيحَ فِيهَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنْ الْحُكْمِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ إلَخْ] فَفِي الْمُوَطَّإِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» . [قَوْله: لِبَيَانِ الْجَوَازِ] أَيْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَبَقِيَ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْقِيقِ أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْعَتَمَةِ بِحَيْثُ تَهْجُرُ تَسْمِيَتَهَا بِالْعِشَاءِ. الثَّانِي: أَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ عِنْدِي بَعْدُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ فَقَدْ قِيلَ لِتَأْخِيرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَعْتَمَ الْقَوْمُ إذَا حَبَسُوا إبِلَهُمْ فِي الرَّعْيِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: إذَا أَخَّرُوا قُرَاهُمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ] أَيْ لَا كُلِّ الْمَغْرِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ رُدُودِهَا] وَفِي نُسْخَةٍ وُرُودِهَا وَفِي نُسْخَةٍ دُبُورِهَا، أَمَّا الْأُولَى فَلَا يَظْهَرُ لَهَا وَجْهٌ، أَمَّا لَفْظًا فَلَمْ أَرَ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فِي الْقَامُوسِ وَلَا فِي الْمُخْتَارِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ

ص: 249

أَيْ نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ (صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ فَقَدْ وَجَبَ) أَيْ دَخَلَ (الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّمَ الصُّفْرَةَ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْحُمْرَةِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَفِي ذِكْرِ الصُّفْرَةِ مَعَ قَوْلِهِ وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ تَدَافُعٌ، وَفِي قَوْلِهِ: وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ الْبَاقِي فِي الْمَغْرِبِ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْبَيَاضُ دَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ» .

(فَذَلِكَ) أَيْ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ (لَهَا) أَيْ لِلْعِشَاءِ (وَقْتٌ) يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ مَبْدَؤُهُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَنِهَايَتِهِ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ع: وَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ: (مِمَّنْ يُرِيدُ) وَلَمْ يَقُلْ لِمَنْ يُرِيدُ (تَأْخِيرَهَا) وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (لِشُغْلٍ) أَيْ لِأَجْلِ شُغْلٍ مُهِمٍّ (أَوْ) لِأَجْلِ (عُذْرٍ) بَيِّنٍ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا إلَّا أَهْلُ الْأَعْذَارِ.

(وَ) أَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَ (الْمُبَادَرَةُ) أَيْ الْمُسَارَعَةُ لَهُ (بِهَا) أَيْ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا (أَوْلَى) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (وَ) إنْ كَانَ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ فَ (لَا بَأْسَ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَخِّرَهَا أَهْلُ الْمَسَاجِدِ قَلِيلًا لِ) أَجْلِ (اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِاعْتِبَارِ سَيْرِهَا لِلْمَغْرِبِ رَاجِعَةٌ كَمَا هُوَ مَدَارُ الْمَادَّةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رَدَدْت الشَّيْءَ رَدًّا رَجَّعْته اهـ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ وُرُودِهَا عَلَى الْجَبَلِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَمَعْنَاهَا عِنْدَ ذَهَابِهَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَدَبَرَ النَّهَارُ دُبُورًا مِنْ بَابِ قَعَدَ إذَا انْصَرَمَ اهـ.

[قَوْلُهُ: كَالْقُضْبَانِ] أَيْ أَنَّ ضَوْءُهَا يُشْبِهُ الْقُضْبَانَ وَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ قَضِيبٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ قُضْبَانِ الذَّهَبِ. [قَوْلُهُ: وَفِي ذِكْرِ الصُّفْرَةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ الشَّفَقُ الْأَبْيَضُ أَيْ وَهُوَ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ: لَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ تَدَافُعٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ مَغِيبِ] أَيْ غُيُوبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا: غُيُوبَةُ. وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْغَيْبُوبَةِ بِأَنَّهُ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ وَهَذَا لَا اسْتِمْرَارَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إلَى ثُلُثِ إلَخْ. أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلِيَّةُ.

أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ النِّهَايَةَ لَهَا اسْتِمْرَارٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: يَعْنِي أَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، أَيْ مِمَّا يَعْقُبُ غَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، أَيْ إلَى نِهَايَةِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. [قَوْلُهُ: مُهِمٍّ] إشَارَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الشُّغْلِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُهِمًّا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ التَّنْكِيرِ لِلتَّعْظِيمِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ عُذْرٍ] هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ، أَوْ يُمَثِّلُ لِلشُّغْلِ بِعَمَلٍ فِي حِرْفَتِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا.

وَقَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ عُذْرٍ بِالْمَرَضِ فَيَكُونُ مُغَايِرًا. [قَوْلُهُ: بَيِّنٍ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا. [قَوْلُهُ: لَا يُؤَخِّرُهَا] أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا أَهْلُ الْأَعْذَارِ] زَادَ تت فَقَالَ: وَهَلْ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مُنْتَهًى اخْتِيَارِيٌّ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ قَوْلَانِ اهـ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: جَائِزٌ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا إلَخْ] وَمِثْلُهُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تُنْكِرُ غَيْرَهَا.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ] أَيْ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً طَالِبِينَ غَيْرَهُمْ. [قَوْلُهُ: قَلِيلًا إلَخْ] قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِقَدْرٍ تَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا بِحَسَبِ الْعَادَةِ ذَكَرَهُ عج، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِهِ. [قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ إلَخْ] قَالَ تت: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا لَا تُؤَخَّرُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ.

تَنْبِيهٌ:

مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ] أَيْ خَوْفُ التَّمَادِي فِيهِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ لِاحْتِمَالِ نَوْمِ الْوَكِيلِ أَوْ

ص: 250

(وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ شُغْلٍ) مُهِمٍّ (بَعْدَهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ ذَلِكَ. ك: وَالْحَدِيثُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ مَخْصُوصٌ بِمَا اسْتَثْنَى مِنْ الْحَدِيثِ فِي الْعِلْمِ وَجَمِيعِ الْقُرُبَاتِ، قَالُوا: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْعَرُوسُ وَالضَّيْفُ وَالْمُسَافِرُ وَمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْإِنْسَانِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِثْلِ خُذْ وَكُلْ وَنَمْ. تَتْمِيمٌ

تَكَلَّمَ الشَّيْخُ رحمه الله عَلَى الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الضَّرُورِيِّ، أَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَمَبْدَأُ ضَرُورِيَّةِ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَمَبْدَؤُهُ فِي الْعَصْرِ الِاصْفِرَارُ وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَمَبْدَؤُهُ فِي الْمَغْرِبِ فَرَاغُهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ.

وَفِي الْعِشَاءِ أَوَّلُ ثُلُثِ اللَّيْلِ الثَّانِي وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَوْقَاتَ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهَا إلَّا لِأَصْحَابِ الضَّرُورَةِ وَهُمْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ أَصْلًا وَارْتِدَادًا، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ وَالنَّاسِي، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَهَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

نِسْيَانِهِ، وَجَازَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ غَيْرِهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا زَمَنُ نَوْمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ إلَخْ] أَيْ وَكَذَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا. بِغَيْرِ شُغْلٍ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا اهـ.

أَيْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى لِفَوَاتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً أَوْ فَوَاتِ وَقْتِهَا أَوْ فَوَاتِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّهَجُّدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْيَقَظَةِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَقِيلَ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ النَّوْمِ، لِأَنَّ النَّوْمَ نَقْصٌ، وَقِيلَ: النَّوْمُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى فِيهِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا وَالْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَالنَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَوْ جُوِّزَ نَوْمُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ.

[قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْعَرُوسُ] قَالَ عج: وَانْظُرْ مَا حَدُّ اللَّيَالِي الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا مَعَ الْعَرُوسِ هَلْ هِيَ سَبْعٌ فِي الْبِكْرِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّيِّبِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِتَأَنُّسِهَا بِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ.

تَنْبِيهٌ

يُسْتَثْنَى أَيْضًا مُحَادَثَةُ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحِكَايَةُ الصَّالِحِينَ.

[قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ] أَيْ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ أَوْ لِلتَّوَجُّهِ إلَى سَفَرٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: الِاصْفِرَارُ] أَيْ أَوَّلُ الِاصْفِرَارِ. [قَوْلُهُ: وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا غُرُوبُ الشَّمْسِ] لَا يُؤْخَذُ بِظَاهِرِ هَذَا إذْ الْعَصْرُ مُخْتَصَرٌ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَضَرُورِيٌّ الظُّهْرُ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، إلَى أَنْ لَا يَبْقَى لِلْغُرُوبِ إلَّا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَصْرُ، فَلَوْ أُوقِعَتْ الظُّهْرُ فَمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَتَكُونُ قَضَاءً. [قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ] لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ أَيْ الْمُنْتَهَى الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْهُ الَّذِي يَعْقُبُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ. [قَوْلُهُ: فَرَاغُهُ] أَيْ مَا يَعْقُبُ فَرَاغَهُ.

[قَوْلُهُ: وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا إلَخْ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْحَائِضُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمَا فِي تَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ أَصْلًا وَارْتِدَادًا إذَا أَسْلَمَ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى فِيهِ لَا إثْمَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] أَيْ إذَا أَفَاقَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى لَا إثْمَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَالنَّائِمُ وَالسَّاهِي] أَيْ إذَا اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ وَتَذَكَّرَ السَّاهِي فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَصَلَّى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَالْمَعْذُورُ غَيْرُ الْكَافِرِ وَالنَّائِمُ وَالسَّاهِي يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا قُدِّرَ الطُّهْرُ بِالتُّرَابِ لَا مِنْ الْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَا يُقَدَّرُ لَهُ سَتْرٌ وَلَا اسْتِقْبَالٌ وَلَا اسْتِبْرَاءٌ أَنْ لَوْ احْتَاجَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ بَعْدَ تَقْدِيرِ

ص: 251