المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في الإمامة - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ١

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

- ‌ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ

- ‌[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

- ‌[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]

- ‌ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ

- ‌[بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ]

- ‌ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

- ‌بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[كِتَاب الصَّلَاة] [

- ‌[بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[سُجُود السَّهْو]

- ‌ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا

- ‌[فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ]

- ‌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)

- ‌ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ

- ‌صَلَاةُ الْمَرِيضِ)

- ‌[طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة]

- ‌ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة]

- ‌ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ]

- ‌ بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌ بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ]

- ‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

- ‌ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]

- ‌ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ

- ‌ مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا

- ‌[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَاب فِي الزَّكَاة] [

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْحَجِّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله]

- ‌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ

- ‌ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ

- ‌ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا]

- ‌[الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم]

- ‌[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

- ‌ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ

- ‌[أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار]

- ‌[أَحْكَام الصَّيْدِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[أَحْكَام الْخِتَان]

الفصل: ‌ باب في الإمامة

10 -

‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

وَفِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَمَنْ يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ وَمَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ وَمَنْ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ (وَ) فِي بَيَانِ (حُكْمِ الْإِمَامِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْمَأْمُومِ) مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبَدَأَ بِبَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ فَقَالَ:(وَيَؤُمُّ النَّاسَ أَفْضَلُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ فَضْلًا مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ (وَأَفْقَهُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ فِقْهًا. ع: اُنْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ قَدَّمَ الصِّفَةَ الْمَفْضُولَةَ عَلَى الْفَاضِلَةِ إذْ فَضِيلَةُ الْفَقِيهِ أَعْلَى مِنْ فَضِيلَةِ الصَّالِحِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَنْ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَقَالَ:(وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ لَا رِجَالًا وَلَا نِسَاءً) فَإِنْ ائْتَمَّ بِهَا أَحَدٌ أَعَادَ أَبَدًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَالذُّكُورَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِمَامَةِ، وَلِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ أُخَرٌ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِلْمُ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ قِرَاءَةً وَفِقْهًا، وَالْعَدَالَةُ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ]

[قَوْلُهُ: الْإِمَامَةُ] هِيَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّقَدُّمِ وَاصْطِلَاحًا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنُهُ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا. [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ] هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَؤُمُّ النَّاسَ أَفْضَلُهُمْ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ، أَيْ بِالْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ إمَامَةَ الذَّكَرِ صَحِيحَةٌ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَا يَصِحُّ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ إلَخْ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ يَقِفُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْثَرُهُمْ فَضْلًا] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ وَاشْتَرَكُوا فِي الْفَضْلِ وَتَسَاوَوْا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ أَحَدُهُمْ فِي الْفَضْلِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ الزَّائِدُ.

[قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ] أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ وَقَوْلُهُ، أَيْ أَكْثَرُهُمْ فِقْهًا إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى اشْتَرَكُوا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ أَحَدُهُمْ فِيهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ زَادَ عَنْهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْفَضْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ.

وَفِيهِمْ مَنْ زَادَ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا وَلَمْ يُسَاوِهِ أَحَدٌ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ سَاوَاهُ فِي أَحَدٍ فَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الزَّائِدِ الْمَذْكُورِ، هَذَا إذَا كَانَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ كَمَا قَرَّرَ الشَّارِحُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، أَيْ فَأَفْضَلُهُمْ فَقِيهُهُمْ أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْفَاضِلِ عَلَى غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، أَيْ فَمُفَادُهُ أَنَّهُمْ لَوْ اشْتَرَكُوا فِي الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ وَبَعْضُهُمْ زَادَ فِي الْفَضْلِ وَآخَرُ زَادَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يُقَدَّمَ الزَّائِدُ فِي الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الزَّائِدُ فِي الْفِقْهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ] وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ أَبَدًا] أَيْ سَوَاءً كَانَ مِثْلَهَا أَمْ لَا وَصَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ نَوَتْ الْإِمَامَةَ.

وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَنْدَلُسِيُّ مَنْ أَمَّتْهُ مِنْ النِّسَاءِ أَعَدْنَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى ابْنُ أَيْمَنَ تَؤُمُّ أَمْثَالَهَا مِنْ النِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: فَالذُّكُورَةُ] أَيْ الْمُحَقَّقَةُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِنِّيُّ وَالْمَلَكُ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُرْسِلَ إلَى الْمَلَائِكَةِ» . [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَلَوْ تَحَقَّقَ مِنْهُ فِيهَا نُطْقٌ

ص: 299

وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالِاتِّفَاقُ فِي الْمُقْتَدَى فِيهِ، وَمُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَالْإِقَامَةُ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا جُزْءٌ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ.

[قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الصَّبِيِّ لِلْبَالِغِ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُتَنَفِّلٌ وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ خَلْفَ نَفْلٍ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَتَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ ابْتِدَاءً وَإِمَامَتُهُ لِمِثْلِهِ جَائِزَةٌ وَلَا يَتَعَرَّضُ فِي صَلَاتِهِ لِفَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، فَإِنْ تَعَرَّضَ لِلنَّفْلِ لَمْ تَبْطُلْ وَكَذَا لِلْفَرْضِ خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ بَعْضِهِمْ الْبُطْلَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَجْنُونِ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا وَلَوْ فِي حَالِ صَحْوِهِ.

تَنْبِيهٌ:

فِي عَدِّ هَذَا وَالْإِسْلَامِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ نَظَرٌ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهَا وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ بِالْإِمَامَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ إلَخْ] فَالْجَاهِلُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ الْفِقْهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي الْعَالِمِ بِهِ وَأَمَّا الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَقْرَأُ بِمِثْلِهِ فَتَصِحُّ عِنْدَ فَقْدِ الْإِمَامِ الْقَارِئِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَوْ طَرَأَ فِيهَا وُجُودُ قَارِئٍ لَمْ يَقْطَعْ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْمَذْكُورِ مَعْرِفَةُ فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا وَيَكْفِي مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَنْ أَخَذَ صِفَةَ الصَّلَاةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مِنْ عَالِمٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ خَلْفَهُ وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ فَرْضًا مِنْ سُنَّةٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الِائْتِمَامِ فَرْعٌ عَنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا كُلُّهَا فَرَائِضُ إذَا سَلَمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا فَتَكُونُ إمَامَتُهُ صَحِيحَةً. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] يُرَادُ بِهَا عَدَمُ الْفِسْقِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصَّلَاةِ، فَالْفَاسِقُ فِسْقًا مُتَعَلِّقًا بِهَا كَمَنْ يَقْصِدُ بِإِمَامَتِهِ الْكِبْرَ أَوْ يَقْرَأُ عَمْدًا بِالشَّاذِّ الْمُخَالِفِ لِلرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إمَامَتُهُ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ فَاسِقِ الْجَارِحَةِ كَمَنْ يَزْنِي فَتُكْرَهُ إمَامَتُهُ فَقَطْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَمَا فِي الشَّيْخِ خَلِيلٌ مِنْ بُطْلَانِهَا بِفَاسِقٍ الْجَارِحَةِ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ] أَيْ فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَاجِزِ عَنْ بَعْضِهَا فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ مُطْلَقًا كَالنَّفْلِ إنْ أَتَى بِهِ الْقَادِرُ مِنْ قِيَامٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ فَيَصِحُّ مَا لَمْ يَتَمَاثَلَا فِي الْعَجْزِ عَنْ رُكْنٍ مُعَيَّنٍ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْقِيَامِ وَالْآخَرُ عَنْ الْجُلُوسِ فَإِنْ عَرَضَ لِلْإِمَامِ عَجْزٌ فِي صَلَاتِهِ اسْتَخْلَفَ وَيَرْجِعُ هُوَ إلَى الصَّفِّ مَأْمُومًا. [قَوْلُهُ: وَالِاتِّفَاقُ فِي الْمُقْتَدَى فِيهِ] أَيْ شَخْصًا وَوَصْفًا وَزَمَانًا فَلَا يَصِحُّ ظُهْرٌ خَلْفَ عَصْرٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا أَدَاءٌ خَلْفَ قَضَاءٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا ظُهْرُ سَبْتٍ خَلْفَ ظُهْرِ أَحَدٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُ التَّسَاوِي عَلَى الِاحْتِمَالِ فَلَا يَقْتَدِي أَحَدُ شَخْصَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَاكٌّ فِي ظُهْرِ الْخَمِيسِ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلٍّ تَحْتَمِلُ الْفَرْضِيَّةَ وَالنَّفْلِيَّةَ.

[قَوْلُهُ: وَمُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ] فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُسْقِطُ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ يَتْرُكُ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مَثَلًا، ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّ اشْتِرَاطَهُ يُنَافِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِمُخَالَفَةٍ فِي الْفُرُوعِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالَفِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ لَا يُسْقِطَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ. بَلْ كَانَ يَأْتِي بِهَا كُلَّهَا وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَالْمَأْمُومُ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَالِكِيِّ الَّذِي يُوجِبُ الدَّلْكَ وَمَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُمَا إذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ وَلَمْ يَمْسَحْ جَمِيعَ الرَّأْسِ.

هَكَذَا جَزَمَ سَنَدٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَلَا تَضُرُّ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَالِكِيِّ الَّذِي يُوجِبُ الدَّلْكَ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُ وَلَا يَتَدَلَّكَ، وَمَنْ يُوجِبُ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ بِمَنْ يَكْتَفِي بِمَسْحِ بَعْضِهِ وَمَسَحَ بَعْضَهُ فَقَطْ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَوْ بِمُعِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُسَاوَاةٌ فِي شَخْصِ الصَّلَاةِ وَوَصَفَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ لِشَرْطِ صِفَةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْعَوْفِيِّ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ مَنْ يُوجِبُ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُ

ص: 300

الْجُمُعَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَبَقِيَّةُ شُرُوطِ الْكَمَالِ فِي الْكَبِيرِ مَشْرُوحَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ: (وَيَقْرَأُ) أَيْ الْمَأْمُومُ (مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ) وَيُرْوَى بِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ تَرْكَ قِرَاءَتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّفْكِيرِ وَالْوَسْوَسَةِ (وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ قَرَأَ مَعَهُ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] .

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى» {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَرَوَيْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ اهـ. (وَمَنْ أَدْرَكَ) مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْإِمَامِ (رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ» ، وَمَعْنَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ أَدْرَكَ حُكْمَهَا وَفَضْلَهَا، أَمَّا مَعْنَى أَدْرَكَ حُكْمَهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعْنَى أَدْرَكَ فَضْلَهَا

ــ

[حاشية العدوي]

وَلَمْ يَأْتِ بِهِ.

[قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ فِي الْجُمُعَةِ إلَخْ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ، إلَّا الْخَلِيفَةُ وَالْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الْخَارِجُ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْطُبَ فِيهَا إلَّا إذَا نَوَى إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ. [قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَبْدِ فِيهَا وَتُعَادُ جُمُعَةٌ إنْ أَمْكَنَ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ لِسُقُوطِهِمَا عَنْهُمَا، فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُشْبِهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ شُرُوطِ الْكَمَالِ] مِنْهَا السَّلَامَةُ مِنْ النَّقْصِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فَيُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ وَلَوْ بِمِثْلِهِ لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا وَكَذَا يُكْرَهُ إمَامَةُ صَاحِبِ السَّلَسِ لِلصَّحِيحِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَيَرْوِي بِهِ] أَيْ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ] أَيْ يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ الْإِنْصَاتُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ هَذَا مَا لَمْ يُرَاعِ الْخِلَافَةَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقِرَاءَةُ.

[قَوْلُهُ: فَبِئْسَ مَا صَنَعَ] أَيْ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا. [قَوْلُهُ: فَاسْتَمِعُوا] الْأَمْرُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. [قَوْلُهُ: فَنَزَلَ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ نَزَلَتْ الْآيَةُ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ] وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَةُ الْخُطْبَةِ قُرْآنًا تَجُوزُ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ اسْمَ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ وَهَلْ وُرُودُهَا فِي الْخُطْبَةِ لِكَوْنِ أَحَدٍ تَكَلَّمَ مُحْتَمَلٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ] أَيْ طَرِيقٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْخُطْبَةِ إلَخْ] فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ عَلَى الصَّلَاةِ فَالْقِرَاءَةُ حِينَئِذٍ مُخَالِفَةٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِسَبَبِ نُزُولِهَا وَعَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ فَقَطْ فَيَأْتِي مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ] وَأَوْلَى غَيْرُهَا مِمَّا كَانَ يَشْرَعُ جَمَاعَةٌ كَالْعِيدَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً] وَأَوْلَى أَكْثَرُ وَقَوْلُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، أَيْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ الْمَفْعُولَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَيْ حُكْمَهَا وَفَضْلَهَا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ] أَيْ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ يَكُونُ بِالِانْحِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ رُكُوعِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ سَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامَةِ، فَإِنْ زُوحِمَ عَنْهَا أَوْ نَعَسَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِمَا.

وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَأَقُولُ الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا الْحُصُولُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَدْرَكَهَا، أَيْ أَدْرَكَهَا قَبْلُ إلَخْ أَيْ صَارَ عَلَى يَقِينٍ بِمُجَرَّدِ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مِنْ إدْرَاكِ حُكْمِهَا وَفَضْلِهَا. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ] فَلَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُهُ فِي جَمَاعَةٍ وَيُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ، وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهَا فَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ

ص: 301

أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ مَنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِهَا كَامِلَةً وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهَذَا إذَا فَاتَهُ بَقِيَّتُهَا اضْطِرَارًا لَا اخْتِيَارًا، أَمَّا إذَا فَاتَهُ ذَلِكَ عَنْ اخْتِيَارٍ وَتَفْرِيطٍ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ بِوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا مُوقِنًا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ بَعْدَ قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا مُوقِنًا إلَخْ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَأْتِي، وَحُكْمُ الْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَأَكْثَرُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا فِي الْقَوْلِ بَانِيًا فِي الْفِعْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(فَلْيَقْضِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مَا) أَيْ الَّذِي (فَاتَهُ) قَبْلَ

ــ

[حاشية العدوي]

دُونَ الرَّكْعَةِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ] اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَفِي لَفْظٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَتَّى لَا يَتَنَافَيَا بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ تَفَضَّلَ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا ثَانِيًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِثَمَانٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاحِدَةً كَصَلَاةِ الْفَذِّ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا فَاتَهُ بَقِيَّتُهَا إلَخْ] هَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، وَكَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ قَالَهُ عج فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ] وَارْتَضَاهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ قَالَ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا أَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ الِاخْتِيَارِيِّ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ وَلَوْ أَخَّرَ اخْتِيَارًا، وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا يُعِيدُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا اهـ.

كَلَامُهُ قُلْت وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ فِي الَّتِي تَفُوتُهُ اضْطِرَارًا أَعْظَمُ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي الَّتِي تَفَوَّقَتْهُ اخْتِيَارًا، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَارْتَضَاهُ عج عَدَمُ الْحُصُولِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ بِوَضْعٍ إلَخْ] لَا يُشْتَرَطُ الْوَضْعُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ وَضْعَ يَدَيْهِ قُرْبَ رُكْبَتَيْهِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مُطْمَئِنًّا] هَذَا مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ تَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مَعَهُ.

[قَوْلُهُ: فَلَوْ شَكَّ هَلْ رَفَعَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ مَعَ الْإِمَامِ تَارَةً يَعْتَقِدُ الْإِدْرَاكَ أَوْ عَدَمَهُ أَوْ يَظُنُّ الْإِدْرَاكَ أَوْ عَدَمَهُ أَوْ يَشُكُّ وَبَعْدَ تَارَةٍ يَتَحَقَّقُ الْإِدْرَاكُ أَوْ عَدَمُهُ إلَخْ، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، فَإِذَا شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ فِي أَحْوَالِ الدُّخُولِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشْرَ فَإِنَّهُ يُلْغِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِرَفْعِهِ مَعَهُ وَلَوْ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا، فَإِذَا جَزَمَ بِالْإِدْرَاكِ اعْتَبِرْهَا بِأَحْوَالِ الدُّخُولِ الْخَمْسَةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ فَيَرْفَعُ مَعَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ حِينَ الْإِحْرَامِ اعْتَقَدَ الْإِدْرَاكَ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَّ سَاجِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ حِينَ الْإِحْرَامِ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ فَهَذَا يَخِرُّ سَاجِدًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَفَعَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا لَا نَاسِيًا إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ قَطْعٌ إذْ لَا قَطْعَ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ قَطْعَ مَعْنَاهَا قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي شَكَّ فِيهَا وَاسْتَأْنَفَ غَيْرَهَا وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَخْ] فَفَوَاتُ إدْرَاكِهَا بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ عَقْدُهَا وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَأْتِي] أَيْ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَشْهَبَ فِيهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي تت.

[قَوْلُهُ: قَاضِيًا فِي الْقَوْلِ] الْقَضَاءُ جَعَلَ مَا فَاتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا أَدْرَكَهُ آخِرَهَا، وَالْبِنَاءُ عَكْسُهُ وَهُوَ جَعَلَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَهَا وَمَا فَاتَهُ آخِرَهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ.

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَاضٍ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالثَّانِي بِأَنَّ فِيهِمَا، وَيَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي

ص: 302

دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْقَوْلِ (عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ) وَنَحْوِهَا فَمَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَرَأَ فِيهِ مِثْلَهُ، وَمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ جَهَرَ فِيهِ وَمَا أَسَرَّ فِيهِ أَسَرَّ فِيهِ.

وَنَحْوُ الْقِرَاءَةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَالْفَذِّ وَالتَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ، فَإِنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْجُلُوسُ لَوْ انْفَرَدَ بِأَنْ يُدْرِكَهُ فِي رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ، وَإِنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْجُلُوسُ لَوْ انْفَرَدَ بِأَنْ يُدْرِكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التَّنَاقُضَ نَقَلْنَاهُ فِي التَّكْبِيرِ.

(وَأَمَّا) الثَّانِي وَهُوَ الْبِنَاءُ (فِي) الْفِعْلِ كَ (الْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ فَفِعْلُهُ) فِيهِ (كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَالَ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ، إذْ الْبَانِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاتَهُ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا يُفْسِدُ لَهُ بَعْضَهَا وَصُوَرُهُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَرْكِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْبَانِي أَنْ يَجْعَلَ مَا صَحَّ عِنْدَهُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِمَا فَسَدَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا مَا أَفْسَدَ لَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْعِشَاءِ مِثْلًا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَيَسْجُدُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامَهُ قَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى بِالْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ مَعًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كِلَيْهِمَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ ثُمَّ بِالْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ اهـ.

[قَوْلُهُ: فِي الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا إلَخْ] الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ الْقِرَاءَةُ وَصِفَتُهَا مِنْ سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْقِرَاءَةِ سَمِعَ اللَّهُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْقِرَاءَةُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ إلَخْ] يُقَالُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ نَحْوُ الْقِرَاءَةِ لَاقْتَصَرَ عَلَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا الْإِمَامُ بَلْ نَقُولُ: فَجَمْعُهُ لِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَعَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ بَانِيًا فِيهَا وَنَزَلَتْ مَنْزِلَةُ الْفِعْلِ فَجَعَلَ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَا فَاتَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدٌ، أَيْ وَشَأْنُ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ لِلْقِيَامِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا فَرْعٌ لَا دَخْلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِبِنَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ فَالْأَحْسَنُ عَدَمُ إدْرَاجِهِ فِي هَذَا الْبَحْثِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ] لِأَنَّهُ جَلَسَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ يَرْفَعُ مِنْ سُجُودِهِ بِتَكْبِيرٍ جَلَسَ بِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْقِيَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ قَدْ ذَكَرُوهُ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّكْبِيرَ، إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ إلَى رُكْنٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَوْلًا أَنَّهُ إذَا جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ قَالَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَاضٍ لِلْمَاضِيَتَيْنِ، وَاَلَّذِي شُرِعَ فِي أَوَّلِهِمَا تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.

قَالَ ذَلِكَ بَهْرَامَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ رَاجِعٌ لِلْفَرْعَيْنِ، أَيْ مُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ وَمُدْرِكُ غَيْرِهِمَا.

[قَوْلُهُ: مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ] لَا مَفْهُومَ لِلتَّشَهُّدِ بَلْ حَيْثُ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ] بَيْنَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّنَاقُضُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ بِهِ مَانِعًا مِنْ تَكْبِيرِ مَنْ جَلَسَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَدْ جَلَسَ بِهِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ صَارَ كَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِتَكْبِيرٍ فِي أَوَّلِهَا. [قَوْلُهُ: أَحَالَ مَجْهُولًا] وَهُوَ فِعْلُ الْمَسْبُوقِ وَقَوْلُهُ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ الَّذِي تَبَيَّنَ بُطْلَانُ بَعْضِ صَلَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي انْتِهَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يَتَّضِحُ

ص: 303

قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقْصُ السُّورَةِ، وَالْجُلُوسُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَلَسَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَزَادَ الرَّكْعَةُ الْمُلْغَاةُ وَيُوَازِي هَذَا أَيْ يُقَابِلُهُ مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَيَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ كَذَلِكَ.

وَيُخَالِفُهُ فِي الْجُلُوسِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهَا وَجَلَسَ هُوَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ لَهُ، وَبَقِيَّةُ الْوُجُوهِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ (وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ) صَلَاةً مَفْرُوضَةً فِي غَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا وَلَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ (فَ) إنَّهُ يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ يُعِيدَ) مَا صَلَّى (فِي الْجَمَاعَةِ) وَهُوَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَيُعِيدُ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. ك: وَلَا بُدَّ مَعَ التَّفْوِيضِ مِنْ نِيَّةِ

ــ

[حاشية العدوي]

لَك ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَإِذَا ذَكَرَ مَا أَفْسَدَ لَهُ الرَّكْعَةَ إلَخْ] أَيْ تَذَكَّرَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَيُوَازِي هَذَا] أَيْ يُقَابِلُ وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ وَيُؤَازِي بِأَنْ تُبْدِلَ الْوَاوَ هَمْزَةً كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: فَيَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ] لَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْبِنَاءِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَقَامِ الْقَضَاءِ. [قَوْلُهُ: وَجَلَسَ هُوَ عَلَيْهَا] فَهُوَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ بِأَنَّ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا آخِرَ صَلَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْوُجُوهِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَانِي مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَتَكُونُ صَلَاتُهُ كُلُّهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ نَقَّصَ السُّورَتَيْنِ وَنَقَّصَ أَيْضًا الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْأَمْرُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ وَيُوَازِيه مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ فَيَأْتِي فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّ الْإِمَامَ كَذَلِكَ قَرَأَ فِيهِمَا وَوَافَقَ الْإِمَامَ أَيْضًا فِي جُلُوسِهِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا وَيَجْلِسُ هُوَ أَيْضًا عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْبَانِي مَا يُفْسِدُ لَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَهُ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَيَسْجُدُ أَيْضًا قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقَّصَ السُّورَةَ وَزَادَ الرَّكْعَةَ الْمُلْغَاةَ، وَيُوَازِيه حَالُ الْمُدْرِكِ إذَا فَاتَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْعَلُهَا مَعَ الَّتِي أَدْرَكَ وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا فَوَافَقَ فِي هَذَا فِعْلُ الْبَانِي، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ اهـ.

وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَنَقَّصَ أَيْضًا الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ، بِأَنْ يُقَالَ وَحْدَهُ، أَيْ حَكَمَ لَهُ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ حَتَّى يَشْمَلَ مَنْ صَلَّى بِصَبِيٍّ أَوْ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ وَحَتَّى يَخْرُجَ مَنْ صَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، فَذًّا مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ لَا يُعِيدُ فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَاحِدَةِ وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ إمَامًا رَاتِبًا فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا هُوَ رَاتِبٌ فِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا تُعَادُ بَعْدَهُ وَيُجْمِعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَلَا يُزِيدُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَخَالَفَ بَعْضٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ: يَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ] وَلَوْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ قَالَ عج الْإِعَادَةُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا تَكُونُ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَا يُعِيدُ إنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، ذَكَرَهُ سَنَدٌ وَنَحْوَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ خِلَافًا لِلْمَشَذَّالِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْوَقْتِ وَذَكَرَ سَنَدٌ أَنَّ الْفَائِتَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَاضِرَةِ فِي طَلَبِ الْجَمَاعَةِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ إذَا طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِعَادَةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الْفَرْضِيَّةَ سَوَاءً طَرَأَتْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ طَرَأَتْ لَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى جَازِمًا بِأَنَّهَا فَرْضُهُ قَاصِدًا أَنْ يُعِيدَهَا لِأَجْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، إنْ شَاءَ أَوْ إنْ وَجَدَ جَمَاعَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّ جَازِمًا حِينَئِذٍ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ لَا تُنْدَبُ.

[قَوْلُهُ: فِي الْجَمَاعَةِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُرَشِّحُ هَذَا قَوْلُ

ص: 304

الْفَرْضِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ الْغَيْرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ مَا عَدَا الصَّبِيِّ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى مَعَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ، وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى فِيهَا مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً فِي غَيْرِهَا لَا يُعِيدُ، وَإِذَا وَجَدَهُمْ فِيهَا أَعَادَ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ أَتَاهَا أَعَادَ فِيهَا مُنْفَرِدًا لِأَجْلِ فَضْلِهَا.

وَبِقَوْلِنَا: وَلَمْ تَقُمْ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَقَدْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْجَمَاعَةِ (لِ) تَحْصِيلِ (الْفَضْلِ) الْوَارِدِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَالصَّلَاةُ الَّتِي تُعَادُ لِتَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ الْفَرِيضَةِ (إلَّا الْمَغْرِبَ وَحْدَهَا) لِأَنَّهَا إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ شَفْعًا وَهِيَ إنَّمَا جُعِلَتْ ثَلَاثًا لِتُوتِرَ عَدَدَ رَكَعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَلَوْ أَوْتَرَ وَالْمَشْهُورُ لَا يُعِيدُ إذَا أَوْتَرَ لِاجْتِمَاعِ وَتْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونَ فِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوَتْرَ إذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ (وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَزْيَدَ خَيْرًا وَتَقْوَى هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُفَضَّلُ الْجَمَاعَةُ بِالْكَثْرَةِ وَفَضِيلَةِ الْإِمَامِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:

ــ

[حاشية العدوي]

الْعَلَّامَةِ خ وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ بَانَ مُؤْمِنًا ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ جِنِّيًّا أَوْ مَلَكًا أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التَّتَّائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا] لَا مَعَ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ] أَيْ فِي جَعْلِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ فَرْضُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مَعَ التَّفْوِيضِ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ] وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْوِ بِهَا النَّفْلِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِ أَوَّلًا لَمْ تُحْمَلْ نِيَّتُهُ هُنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ فَإِنْ تَرَكَ فِيهِ التَّفْوِيضَ وَنَوَى الْفَرِيضَةَ صَحَّتْ، وَإِنْ تَرَكَ نِيَّةَ الْفَرِيضَةِ صَحَّتْ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، فَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ وَلَا بُدَّ إلَخْ مُرَادُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لِإِجْزَاءِ هَذِهِ إنْ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا وَجَدَهُمْ] أَيْ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَعَادَ مَعَهُمْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا وَلَا يُعِيدُ فِيهَا فَذًّا وَلَوْ فَاضِلًا. [قَوْلُهُ: أَعَادَ فِيهَا مُنْفَرِدًا] وَأَوْلَى جَمَاعَةٌ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً خَارِجَهَا ثُمَّ أَتَاهَا فَيُعِيدُ فِيهَا جَمَاعَةً لَا مُنْفَرِدًا خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُعِيدُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي بَعْضِهَا فَذًّا فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ جَمَاعَةً لَا فَذًّا وَلَوْ كَانَ مَا دَخَلَ فِيهِ أَفْضَلُ مِمَّا صَلَّى فَذًّا فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي غَيْرِهَا مُنْفَرِدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِيهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا.

وَأَمَّا لَوْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً فَلَا يُعِيدُ فِيهَا إلَّا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُعِيدُهَا وَلَوْ فَذًّا وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ فَذَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَغْرِبَ] أَيْ فَإِنْ أَعَادَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ، فَإِنْ رَكَعَ شَفَّعَهَا وَقَطَعَ وَعَدَّهَا نَافِلَةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى مَعَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِرَابِعَةٍ بَعْدَهَا نَافِلَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا إعَادَةَ وَقِيلَ يُعِيدُ ذَكَرَهُ تت.

[قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونَ] وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اجْتِمَاعُ وَتْرَيْنِ وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِلْآخِرِ وَهُوَ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» ابْنُ بَشِيرٍ وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْإِعَادَةِ بِأَيِّ نِيَّةٍ تَكُونُ، فَإِنْ قُلْنَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَعَادَ الْوَتْرَ وَإِنْ قُلْنَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يُعِدْ وَكَذَا يَنْبَغِي إذَا قِيلَ أَنَّهُ يَنْوِي الْكَمَالَ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] أَيْ وَلَوْ مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُعِيدُهَا] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَزْيَدُ خَيْرًا وَتَقْوَى] عَطْفُ التَّقْوَى تَفْسِيرٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَيْ لِأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي تُشْرَعُ لَهُ الْإِعَادَةُ قَدْ حَصَلَ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ

ص: 305

«صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» إلَخْ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ أَوْ السُّجُودَ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ) أُخْرَى وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِهِ فَذًّا أَوْ يَقْطَعَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى إنْ رَجَاهَا، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَصِلْ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا مَنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ فَإِنَّهُ يَشْفَعُ وَيَقْطَعُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا سَوَاءً أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ وَجَعَلَهُ عَلَى سِتَّةِ مَرَاتِبَ الْأُولَى أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالرَّجُلُ الْوَاحِدُ) فَقَطْ أَوْ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ (مَعَ الْإِمَامِ) فَإِنَّهُ (يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَعَدَلَنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» ، وَالثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:(وَيَقُومُ الرَّجُلَانِ فَأَكْثَرُ خَلْفَهُ) لِمَا فِي

ــ

[حاشية العدوي]

ابْتِدَاءً مَعَ الْفُضَلَاءِ، وَفِي الْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ لَا تُشْرَعُ لِأَجْلِهِ الْإِعَادَةُ.

[قَوْلُهُ: بِالْكَثْرَةِ وَفَضِيلَةُ الْإِمَامِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَنْ صَلَّى مَعَ جَمَاعَةٍ أَنْ يُعِيدَ مَعَ أَفْضَلَ مِنْهَا أَوْ صَلَّى مَعَ إمَامٍ أَنْ يُعِيدَ مَعَ أَفْضَلَ مِنْهُ، هَذَا مُرَادُهُ عَلَى مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ وَقَدْ يَبْحَثُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَثِّ عَلَى إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ هُنَا وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً لَيْسَ مُكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ مَعَ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَمَا هُنَا عَلَى أَنَّ مُحَصِّلَ الْفَضْلِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِلْفَضْلِ الْحَاصِلِ.

[قَوْلُهُ: فَلَهُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَمَنْ صَلَّاهَا ابْتِدَاءً وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ هَذِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحُصُولِ الْفَضْلِ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ تَوَهُّمِ اعْتِقَادِ حُصُولِ الْفَضْلِ لَهُ. [قَوْلُهُ: إنْ رَجَاهَا] فَإِنْ لَمْ يَرْجُهَا كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَلَا يَقْطَعُهَا كَذَا صَرَّحُوا بِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَشْفَعُ] أَيْ نَدْبًا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً أَيْ سَوَاءً أَحْرَمَ بِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَفَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَإِنَّمَا يَشْفَعُ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ.

قَالَ الْكَافِي مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَأَدْرَكَ النَّاسَ جُلُوسًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ لَيْلًا يَكُونُوا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا دَخَلَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ فِي آخِرِهَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ اهـ. أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ حِينَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ نَافِلَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا وَأَمْرُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُ فَرْضَهُ أَيَّتُهُمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ رَفْضُ الْأُولَى أَجْزَأَتْهُ الْأُولَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ هَذِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ إلَخْ] أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ الطَّاعَةَ يُثَابُ عَلَيْهَا أَيْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ لِفَاعِلِهَا وَأَنَّ الْمَعْصِيَةَ يُعَاقِبُ عَلَيْهَا أَيْ يَحْصُلُ الْعِقَابُ لِفَاعِلِهَا إلَّا الصَّبِيَّ. [قَوْلُهُ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَقُومَ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَأْمُومِ وَتُكْرَهُ مُحَاذَاتُهُ. [قَوْلُهُ: فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ] إنَّمَا لَمْ يُدِرْهُ مِنْ أَمَامِهِ مَعَ أَنَّهُ أَسْهَلُ لِئَلَّا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ] الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْخُذْ بِيَدِ أَنَسٍ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بَلْ إنَّمَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيْ يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى، وَقَوْلُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كَذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ تَطَوُّعًا» . [قَوْلُهُ: وَيَقُومُ الرَّجُلَانِ] أَيْ يُصَلِّي

ص: 306

مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» . وَالثَّالِثَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الرَّجُلَيْنِ (قَامَتْ خَلْفَهُمَا) فِي مُسْلِمٍ قَالَ. أَنَسٌ: «صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» ، وَالرَّابِعَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةِ (رَجُلٌ صَلَّى) الرَّجُلُ (عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَ) صَلَّتْ (الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا) لِمَا فِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» . وَحُكْمُ جَمَاعَةِ النِّسْوَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالرَّجُلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَهُمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ. وَالْخَامِسَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ صَلَّى بِزَوْجَتِهِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْأَفْصَحُ فِيهِ زَوْجٌ كَالرَّجُلِ قَالَ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] يَعْنِي أَوْ بِمَحْرَمِهِ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ مِنْهُ (قَامَتْ خَلْفَهُ) وَالسَّادِسَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالصَّبِيُّ إنْ صَلَّى مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَا) أَيْ الصَّبِيُّ وَالرَّجُلُ (خَلْفَهُ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ دَلِيلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ، لَكِنْ قَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ هَذَا بِقَيْدٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ) ثَوَابَ مَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِثْمَ مَنْ قَطَعَهَا (لَا يَذْهَبُ وَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (مَنْ يَقِفُ مَعَهُ) فَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ الصَّبِيُّ مَا ذُكِرَ قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَيَتْرُكُ الصَّبِيَّ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ كُلِّهَا الِاسْتِحْبَابُ، فَمَنْ خَالَفَ مَرْتَبَتَهُ وَصَلَّى فِي غَيْرِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَقَدَّمَتْ إلَى مَرْتَبَةِ الرَّجُلِ أَوْ أَمَامِ الْإِمَامِ فَكَالرَّجُلِ يَتَقَدَّمُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ بِرُؤْيَتِهَا أَوْ بِمُمَاسَّتِهَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

(وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ) أَيْ

ــ

[حاشية العدوي]

الرَّجُلَانِ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّي جَالِسًا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا] قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ أَنَّهُمَا يَتَأَخَّرَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْمَرُ الْإِمَامُ بِالتَّقَدُّمِ أَمَامَهُمَا بَلْ يَسْتَمِرُّ وَاقِفًا وَهُمَا الْمَأْمُورَانِ بِالتَّأَخُّرِ خَلْفَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: امْرَأَةٌ مَعَهُمَا] وَمِثْلُهَا جَمَاعَةُ النِّسْوَةِ.

[قَوْلُهُ: وَيَتِيمٌ] اسْمُهُ ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ يَتِيمٍ بَلْ يَتِيمٌ مُعَيَّنٌ.

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ، وَتِلْكَ الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ نَافِلَةً كَمَا يُفِيدُهُ مُسْلِمٌ. [قَوْلُهُ: وَأُمُّ سُلَيْمٍ إلَخْ] هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةِ] بِقَرِينَةِ اسْمِ كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْمَرْأَةُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِهِمَا الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةَ. [قَوْلُهُ: رَجُلٌ] وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ. [قَوْلُهُ: صَلَّى الرَّجُلُ] أَيْ وَالصَّبِيُّ. [قَوْلُهُ: أَوْ خَالَتِهِ] شَكٌّ وَقَوْلُهُ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ أَيْ الَّتِي هِيَ أُمُّهُ أَوْ خَالَتُهُ.

[قَوْلُهُ: قَامَتْ خَلْفَهُ] وَلَا تَقِفُ عَلَى يَمِينِهِ فَلَوْ وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُحَاذَاةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ حُكْمَ الْخُنْثَى مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِجَالٍ كَالْأُنْثَى، وَأَمَّا مَعَ رِجَالٍ وَإِنَاثٍ فَيَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَالْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةُ خَلْفَهُ، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَحَرَّرَهُ شَرْحُ الشَّيْخِ. [قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ] أَيْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَمَثَلُ التَّقَدُّمِ لِمُحَاذَاةٍ وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ خَوْفُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَى الْإِمَامِ مَا لَا يَعْلَمُونَهُ مِمَّا يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ كُلُّ الْمَأْمُومِينَ عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ الْمَوَّاقُ.

وَفِي صَغِيرِ بَهْرَامَ إنْ تَقَدَّمُوا كُلُّهُمْ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا زَادَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عَزْمٍ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ وَتَبْطُلُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ اهـ، وَانْظُرْ مَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ] أَيْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ بِرُؤْيَتِهَا إلَخْ] ضَعِيفٌ إذْ الِالْتِذَاذُ بِرُؤْيَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا إنْزَالٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ.

[قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ إلَخْ] هُوَ مَنْ

ص: 307

الْمُنْتَصِبُ فِي مَسْجِدِ الْإِمَامَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا (إنْ صَلَّى وَحْدَهُ قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ) فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَفِي الْحُكْمِ فَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَلَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً أُخْرَى، وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ يُعِيدُ مَعَهُ بَعْضُهُمْ وَيَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ حَاصِلَةٌ فِي حَقِّهِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَزِيدُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَنْ تُجْمَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) قَبْلَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّشَاجُرِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَإِذَايَتِهِمْ. ق: وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يُؤْذِيَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

(وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا (فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا أَحَدًا) لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلًا، الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَيُعِيدُهُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ أَبَدًا جَمَاعَةً إنْ شَاءُوا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَفْذَاذًا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ (وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ) فِي صَلَاتِهِ (سَجَدَ لِسَهْوِهِ فَلْيَتْبَعْهُ مَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

أَقَامَهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ الْوَاقِفُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَإِنْ كُرِهَ وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ وَإِنْ أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: الْمُنْتَصِبُ فِي مَسْجِدٍ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ فِيهِ سَفِينَةٌ وَمَكَانٌ جَرَّتْ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ إلَخْ] أَيْ بِشَرْطِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَانْتِظَارِ النَّاسِ عَلَى الْعَادَةِ وَنِيَّةِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ كَمَا قَالَ سَنَدٌ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْفَذِّ فِي نَدْبِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَقْصِيرِهَا لَا كَالْإِمَامِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ طَلَبِ التَّقْصِيرِ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ إلَخْ] أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: يُعِيدُ مَعَهُ] أَيْ نَدْبًا وَقَوْلُهُ وَيَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ] أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَسْجِدٍ] أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ. [قَوْلُهُ: لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ] وَنَائِبُ الرَّاتِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّاتِبِ.

قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاتِبًا فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الَّتِي هُوَ رَاتِبٌ فِيهَا فَقَطْ اهـ.

وَأَمَّا مَا لَا رَاتِبَ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تُجْمَعَ الصَّلَاةُ فِيهِ مَرَّتَيْنِ] احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِيهِ بَعْدَ جَمْعِ الْإِمَامِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا كَقَبْلِهِ لِعُذْرٍ وَالْإِكْرَاهُ، أَيْ مَعَ الْخُرُوجِ قَبْلَ جَمْعِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ] أَيْ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَجْمَعَ وَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْ لِلرَّاتِبِ حِينَئِذٍ الْجَمْعُ فَإِذَا لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا فَيَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَعْدَ جَمْعِ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِلَّا كُرِهَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَعَهُ] ضَعِيفٌ لِمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً حَالَ صَلَاةِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ لَهَا سَوَاءً صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً اهـ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَخْ] هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ قَالَ تت: وَعَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَذِيَّةِ الْإِمَامِ أَوْ لِتَطَرُّقِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَوْ لِلتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ أَوْ لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْأُلْفَةِ أَقْوَالٌ. [قَوْلُهُ: يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ] أَيْ إلَّا أَنَّ الْفِقْهَ لَا حُرْمَةَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَجَوَّزَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَهُ تت.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ] أَيْ بِحَيْثُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ. [قَوْلُهُ: جَمَاعَةً إنْ شَاءُوا إلَخْ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ضَعِيفٌ: قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَمْ يَحْكِ ابْنُ بَشِيرٍ غَيْرَهُ، أَيْ غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى تُجْزِئُهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا أَعَادُوهَا جَمَاعَةً صَارَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَمُعِيدٍ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَرَاعَى فِي الْإِعَادَةِ مَذْهَبَ الْمُخَالِفِ لَا مَذْهَبَ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ، فَلَوْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ الْقَبْلِيُّ مَعَهُ وَتَرَكَهُ إمَامُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامِهِ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ

ص: 308

لَمْ يَسْهُ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ) ظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ، وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا وَجَمِيعِ هَيْئَاتِهَا. (وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ (رَأْسَهُ) مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ الْإِمَامِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» . (وَلَا يَفْعَلُ) أَحَدٌ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا ثُمَّ

ــ

[حاشية العدوي]

سِنِينَ وَطَالَ. [قَوْلُهُ: فَلْيَتْبَعْهُ] أَيْ وُجُوبًا.

[قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَبِيرِ] مَفْهُومُ لَقَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَنَصُّهُ الْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ إنْ كَانَ أَدْرَكَ مَعَهُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ كَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا، فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنَّ يَعْقِدَ مَعَهُ رَكْعَةً أَوْ لَا، فَإِنْ عَقَدَ مَعَهُ رَكْعَةً وَكَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدِيًّا لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَيَنْتَظِرُهُ جَالِسًا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالُوا وَيَكُونُ سَاكِتًا وَلَا يَتَشَهَّدُ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ مَعَهُ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ جَهِلَ فَقَالَ عِيسَى: يُعِيدُ أَبَدًا.

قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا وَعَذَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجَهْلِ فَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ النِّسْيَانِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ السُّجُودُ مَعَ الْإِمَامِ اهـ.

وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ رَكْعَةً لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ سُجُودُهُ الْبَعْدِيُّ، وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُهُ وَعَلَيْهِ إذَا خَالَفَ وَتَبِعَهُ بَطَلْت صَلَاتُهُ، اهـ. أَيْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا لَا سَهْوًا. [قَوْلُهُ: لِيُؤْتَمَّ بِهِ] أَيْ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَتَنْتَفِي الْمُقَارَنَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ، كَمَا قَالَ: فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَالرَّفْعُ قَبْلَهُ وَالْخَفْضُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لِيَرْفَعَ بَعْدَ رَفْعِهِ وَيَخْفِضَ بَعْدَ خَفْضِهِ، قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ وَكَذَا مِنْ اخْتِلَافِ أَنْ لَا يَتْبَعَهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ] أَيْ تَحْرِيمًا فَلَوْ خَالَفَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ وَهَلْ الرُّجُوعُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَوْلَانِ اقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ تَرَكَ الرُّجُوعَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا حَيْثُ أَخَذَ فَرْضَهُ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ لَا سَهْوًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ زُوحِمَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْخَفْضُ. [قَوْلُهُ: أَمَا] بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ] أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ] أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ يُمْسَخَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ، أَوْ يُحَوِّلُ هَيْئَتَهُ الْحِسِّيَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيُحْشَرَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، أَيْ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْبَلَادَةِ الْمَوْصُوفِ بِهَا الْحِمَارُ فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلْجَاهِلِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَعِيدَ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ ذَلِكَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَوْ فِي قَوْلَهُ أَوْ يَجْعَلُ إلَخْ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي. [قَوْلُهُ: إنِّي إمَامُكُمْ] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمُ الثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ] أَيْ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلِهِ، أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَيُدْرِكَهُ فِيهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّأَخُّرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ الْإِمَامُ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنِ] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ، أَوْ لَمْ يُقَوِّسْ وَقَوْلُهُ سَاجِدًا حَالٌ وَقَوْلُهُ: لَمْ نَقَعْ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ غَيْرِهِ وَالْعَيْنُ مَرْفُوعَةٌ، وَقَوْلُهُ: سُجُودًا حَالٌ وَهُوَ جَمْعُ سَاجِدٍ، أَيْ بِحَيْثُ يَتَأَخَّرُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِمْ عَنْ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ عليه السلام، وَيَتَقَدَّمُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِمْ عَلَى فَرَاغِهِ عليه السلام مِنْ السُّجُودِ، كَذَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَخْ، تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلُ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:.

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ

ص: 309

نَقَعَ سُجُودًا بَعْدَهُ» (وَيَفْتَتِحُ) أَيْ الْمَأْمُومُ بِالتَّكْبِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَتَى سَبَقَهُ بِهِ أَوْ سَاوَاهُ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَحْرَمَ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ مَعَهُ (وَيَقُومُ) الْمَأْمُومُ (مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ مُسْتَقِلًّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ) عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ مَتَى سَبَقَهُ بِهِ أَوْ سَاوَاهُ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالسَّلَامِ بَعْدَهُ كَالِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ (فَوَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ) أَيْ أَفْضَلُ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ مُسَاوَاتِهِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ (وَكُلُّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ) فِي حَالِ قُدْوَتِهِ بِالْإِمَامِ (فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالِ الْقُدْوَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَسَهَا فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَحُكْمُهُ الْآنَ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَسَائِلُ فَقَالَ:(إلَّا رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ أَوْ اعْتِقَادِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ) لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا فَرَائِضُ وَالْفَرَائِضُ لَا تَسْقُطُ بِالسَّهْوِ وَلَا يَجْزِي عَنْهَا السُّجُودُ.

(وَ) مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ (إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ) مِنْ الْفَرِيضَةِ (فَلَا يَثْبُتُ) فِي مَكَانِهِ (بَعْدَ سَلَامِهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا أَمْ لَا.

وَقَوْلُهُ: (وَلْيَنْصَرِفْ) تَكْرَارٌ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَثْبُتُ ق: وَهَلْ يَنْصَرِفُ جُمْلَةً وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ يَتَحَوَّلُ لَيْسَ إلَّا وَهَلْ انْصِرَافُهُ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِحْرَابِ أَوْ تَحْوِيلُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا؟ قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَوَّلُ إلَى

ــ

[حاشية العدوي]

بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ نَهَى فِيهِ عَنْ السَّبْقِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ الْمُصَاحَبَةِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ السَّبْقَ حَرَامٌ كَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَى رُكْنٍ آخَرَ وَالْمُصَاحَبَةُ مَكْرُوهَةٌ.

[قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ] أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْبِيرِ. [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] خَتَمَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، وَإِذَا ابْتَدَأَ بَعْدَهُ إنْ خَتَمَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ وَمَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ صَحِيحَةٌ فَالصُّوَرُ تِسْعٌ، وَمِثْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَفِي السَّلَامِ يُقَيَّدُ بِالْعَمْدِ لَا سَهْوًا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ السَّلَامِ.

تَنْبِيهٌ:

إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ إمَامِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُ وَلَا يُسَلِّمُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِمُخَالَفَتِهِ مَا أُمِرَ بِهِ.

وَقَالَ سَحْنُونَ يُسَلِّمُ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: فَوَاسِعٌ أَيْ جَائِزٌ إلَخْ] أَرَادَ بِالْجَوَازِ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ فَأَفْعَلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. [قَوْلُهُ: قُدْوَتِهِ] مُثَلَّثُ الْقَافِ كَمَا قَالَهُ تت فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. [قَوْلُهُ: فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ] أَيْ كَالتَّكْبِيرِ وَلَفْظِ التَّشَهُّدِ أَوْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ وَلَا مَفْهُومَ لِلسَّهْوِ فِي كَلَامِهِ، بَلْ يَحْمِلُ عَنْهُ بَعْضَ الْعَمْدِ كَتَرْكِ التَّكْبِيرِ أَوْ لَفْظِ التَّشَهُّدِ. [قَوْلُهُ: اعْتِقَادَ نِيَّةٍ إلَخْ] عَرَّفُوا النِّيَّةَ بِأَنَّهَا الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ فَأَرَادَ الِاعْتِقَادَ ذَلِكَ الْعَزْمَ، فَإِضَافَةُ اعْتِقَادٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. أَيْ اعْتِقَادٌ هُوَ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ أَيْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا رَكْعَةً، أَيْ إلَّا كَرَكْعَةٍ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَرْضًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ الْحَصْرَ لِأَنَّ إلَّا لَا تَكُونَ لِلْحَصْرِ إلَّا إذَا سَبَقَهَا نَفْيٌ إذْ بَقِيَ الْجُلُوسُ لِلسَّلَامِ وَالرَّفْعِ وَتَرْتِيبِ الْأَدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الرَّكْعَةَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَحْمِلُ السَّجْدَةَ فَأَوْلَى الرَّكْعَةَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّكْعَةِ الرُّكُوعَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ مَجَازٌ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ سَلَامِهِ] أَيْ وَلَوْ قِيلَ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ انْصِرَافُهُ إلَخْ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَلْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمُرَادُ بِانْصِرَافِهِ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِحْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِتَحْوِيلِهِ أَيْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَرُجِّحَ هَذَا أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّحْوِيلِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَيَكْفِي تَغْيِيرُ هَيْئَتِهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ.

ص: 310

أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الِانْصِرَافِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهَا وَقِيلَ لِئَلَّا يُخَالِطَهُ الرِّيَاءُ وَالْعُجْبُ، الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَوْلَى فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ سَلَامِهِ قَلِيلًا لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ انْصِرَافِ الْإِمَامِ بَعْدَ سَلَامِهِ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهِ) وَهُوَ دَارُهُ فِي الْحَضَرِ وَرَحْلُهُ فِي السَّفَرِ (فَذَلِكَ) يَعْنِي الْجُلُوسَ بَعْدَ سَلَامِهِ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ. فَائِدَةٌ:

الْقَرَافِيُّ كَرِهَ مَالِكٌ رضي الله عنه وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ، فَيَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقْدِيمُ وَشَرَفُ كَوْنِهِ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ وَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِي رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ، رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بِدَعَوَاتٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا لِأَنِّي أَخْشَى عَلَيْك أَنْ تَشْمَخَ نَفْسُكَ حَتَّى تَصِلَ الثُّرَيَّا، وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِكُلٍّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ اهـ. هَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى الرُّبْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّسَالَةِ.

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: فَقِيلَ لِأَنَّ إلَخْ] وَقِيلَ إنَّ الْعِلَّةَ التَّلْبِيسُ عَلَى الدَّاخِلِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِئَلَّا إلَخْ] فِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِانْصِرَافَ جُمْلَةً كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُمَا كَانَا إذَا سَلَّمَا يَنْهَضَانِ مِنْ الْمِحْرَابِ نَهْضَةَ الْبَعِيرِ الْهَائِجِ مِنْ عِقَالِهِ.

[قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَوْلَى فِي تَعْلِيلِ النَّهْي] وَجْهُ الظُّهُورِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَنْتَ السَّلَامُ] أَيْ الْمُخْتَصُّ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ لَا غَيْرَك، وَقَوْلُهُ وَمِنْك السَّلَامُ، أَيْ أَنَّ غَيْرَك فِي مَعْرَضِ النُّقْصَانِ وَالْخَوْفِ مُفْتَقِرٌ إلَى جَنَابِك بِأَنْ تُؤَمِّنَهُ وَلَا مَلَاذَ لَهُ غَيْرَك فَدَلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، وَقَوْلُهُ تَبَارَكْت تَعَظَّمْت وَتَمَجَّدْت أَوْ جِئْت بِالْبَرَكَةِ وَقَوْلُهُ يَا ذَا الْجَلَالِ أَيْ يَا ذَا الْعَظَمَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهِ] أَيْ أَوْ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَكَذَا مَحَلُّ غَيْرِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّهِ. [قَوْلُهُ أَيْ جَائِزٌ] أَيْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَاتُ] أَيْ وَأَنْ يَكُونُوا فِي مَسْجِدٍ.

[قَوْلُهُ: جَهْرًا] أَيْ وَأَمَّا سِرًّا فَأَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِيَاضٌ وَعَلَى الْإِمَامِ عَشْرُ وَظَائِفَ مُرَاعَاةُ الْوَقْتِ إلَى أَنْ قَالَ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فَيَجْتَمِعُ إلَخْ آتٍ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاجْتِمَاعَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عِظَمِ النَّفْسِ إلَخْ أَظْهَرَ فِي الْجَهْرِ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِيمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: فَيُوشِكُ] أَيْ يَقْرَبُ. [قَوْلُهُ: تَعَظُّمُ نَفْسِهِ إلَخْ] قَصَدَ الْإِيضَاحَ إذْ عِظَمُ النَّفْسِ فَسَادٌ لِلْقَلْبِ وَمَعْصِيَةُ الرَّبِّ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُنَازِعُ فِيهِ الْعَوَامِلُ الْمَذْكُورَةُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُعْطِيه] أَيْ مِنْ إطَاعَتِهِ أَيْ الرَّبِّ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَشْمَخَ] أَيْ تَرْتَفِعَ إلَخْ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْكِبْرِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي قُلْت وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَةَ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيته يَنْصُرُهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ وَرَدَ الْحَثُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَقَالَ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] اهـ.

وَعِبَارَةُ مَيَّارَةٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الشَّارِحِ نَصُّهَا وَحَاصِلُ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْغُبْرِينِيُّ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَوْ فَضَائِلِهَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالدُّعَاءُ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَضْلُهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ عِظَمُهُ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ.

ص: 311