المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في صفة العمل في الصلاة - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ١

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

- ‌ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ

- ‌[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

- ‌[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]

- ‌ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ

- ‌[بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ]

- ‌ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

- ‌بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[كِتَاب الصَّلَاة] [

- ‌[بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[سُجُود السَّهْو]

- ‌ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا

- ‌[فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ]

- ‌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)

- ‌ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ

- ‌صَلَاةُ الْمَرِيضِ)

- ‌[طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة]

- ‌ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة]

- ‌ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ]

- ‌ بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌ بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ]

- ‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

- ‌ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]

- ‌ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ

- ‌ مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا

- ‌[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَاب فِي الزَّكَاة] [

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْحَجِّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله]

- ‌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ

- ‌ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ

- ‌ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا]

- ‌[الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم]

- ‌[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

- ‌ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ

- ‌[أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار]

- ‌[أَحْكَام الصَّيْدِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[أَحْكَام الْخِتَان]

الفصل: ‌ باب في صفة العمل في الصلاة

9 -

‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

(بَابٌ)(فِي) بَيَانِ (صِفَةِ الْعَمَلِ) قَوْلًا وَفِعْلًا (فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ النَّوَافِلِ) كَالرُّكُوعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ.

(وَ) مَا يَتَّصِلُ بِهَا أَيْضًا مِنْ (السُّنَنِ) وَهُوَ الْوِتْرُ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ وَلَمْ يُمَيِّزْهَا وَنَحْنُ نُبَيِّنُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِصَلَاتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا رَتَّبَ وَلَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ سُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ كَانَ أَخَذَ وَصْفَهَا عَنْ عَالِمٍ وَقِيلَ: تَبْطُلُ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: حَاجَتُنَا إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ آكَدُ مِنْ حَاجَتِنَا إلَى مَعْرِفَةِ الصِّفَةِ فَأَوَّلُ الصِّفَةِ: (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ الدُّخُولُ (فِي الصَّلَاةِ)

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ]

بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ

[قَوْلُهُ: قَوْلًا وَفِعْلًا] حَالٌ مِنْ الْعَمَلِ لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِ وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ.

[قَوْلُهُ: كَالرُّكُوعِ إلَخْ] أَيْ وَكَالرُّكُوعِ قَبْلَ الظُّهْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَتْرُ إلَخْ] قَصَرَ الْمُتَّصِلَ مِنْ السُّنَنِ عَلَى الْوَتْرِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّصِلِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَالْوَتْرِ مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْعِشَاءِ، وَأَلْ فِي السُّنَنِ لِلْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي هُوَ الْوَتْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ إلَّا الْوَتْرَ، أَوْ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ.

تَنْبِيهٌ:

قَالَ الْحَطَّابُ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا عَنْ السُّنَنِ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا فِي الْبَابِ بَلْ يُفْرِدُ لَهَا أَبْوَابًا غَيْرَ هَذَا، ثُمَّ إنَّهُ قَدَّمَ النَّوَافِلَ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ كَانَتْ السُّنَنُ آكَدَ مِنْ النَّوَافِلِ لِكَثْرَةِ النَّوَافِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَقِلَّةُ السُّنَنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ النَّوَافِلِ يَشْمَلُ مِثْلَ التَّسْبِيحِ الَّذِي بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. [قَوْلُهُ: نُبَيِّنُ كُلًّا إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَنَحْنُ نُمَيِّزُ إلَخْ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِيُفِيدَ أَنَّ التَّمْيِيزَ وَالتَّبْيِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: كُلًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ إلَخْ] أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَمُسْتَحَبَّاتٍ، فَلَوْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا سُنَنًا أَوْ مَنْدُوبَاتٍ أَوْ الْفَرْضَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا فَتَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا كُلَّهَا فَرَائِضُ فَتَصِحُّ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا سَلِمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا، وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ أَوْ الْفَضِيلَةَ فَرْضٌ أَوْ السُّنَّةَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ الْعَكْسَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِمَّا يُفْسِدُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَخَذَ وَصْفَهَا مِنْ عَالِمٍ] بِأَنْ رَآهُ يَفْعَلُ أَوْ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ الْفِعْلِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ] أَيْ لِلْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ. [قَوْلٌ: فَأَوَّلُ الصِّفَةِ الْإِحْرَامُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ إمَّا النِّيَّةُ أَوْ التَّكْبِيرُ أَوْ هُمَا مَعَ الِاسْتِقْبَالِ وَقَدْ رَجَّحَهُ عج

ص: 258

فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ (أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ) إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْعَجَمِيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَدْخُلُ بِلُغَتِهِ وَسَمَّى هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلِمَةً نَظَرًا لِلُغَةٍ لَا لِلِاصْطِلَاحِ وَهُوَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ اتِّفَاقًا وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِذَا تَرَكَهُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِيَامُ لِغَيْرِ الْمَسْبُوقِ اتِّفَاقًا فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ أَجْزَأَهُ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إذَا كَبَّرَ قَائِمًا وَفَسَّرَهَا الْبَاجِيُّ بِمَا يَنْفِي

ــ

[حاشية العدوي]

أَقُولُ: فَالْإِضَافَةُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِمْ تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ مِنْ إضَافَةِ الْمُصَاحِبِ لِلْمُصَاحِبِ، وَعَلَى الثَّانِي بَيَانِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ وَالْقَرِيبُ لِشَارِحِنَا الْأَوَّلُ بِأَنْ يُرَادَ بِالدُّخُولِ النِّيَّةُ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّكْبِيرِ لِلْمُلَابَسَةِ. [قَوْلٌ: وَهُوَ إنْ يَقُولَ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَيْ وَهُوَ قَوْلُ لَا لَفْظَ اللَّهُ أَكْبَرُ.

[قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ] بِالْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ لِلَفْظِ الْجَلَالَةِ قَدْرَ أَلْفٍ فَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ كَمَا أَنَّ الذَّاكِرَ لَا يَكُونُ ذَاكِرًا إلَّا بِهِ، وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَعْرُوفَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِذِكْرِهَا يُرَاجَعُ فِيهَا شَرْحُ الْعِزِّيَّةِ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُ غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ] فَلَا يُجْزِئُ اللَّهُ الْعَظِيمُ أَوْ نَحْوُهُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا] بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا جُمْلَةً أَوْ قَدَرَ مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يُعَدَّ تَكْبِيرًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَإِنْ كَانَ يُعَدُّ تَكْبِيرًا عِنْدَهُمْ أَوْ لَهُ مَعْنًى لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَأَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ أُتِيَ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، فَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَمْ يَأْتِ بِهِ.

[قَوْلُهُ: يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَا يَكْفِي الدُّخُولَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَجَمِيَّةِ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ دُونَ قَوْلِهِمْ بِالْبُطْلَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ، وَضَعَّفَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَأَبُو الْفَرَجِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ اللَّيْثِيُّ أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ، لَهُ الْكِتَابُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَاوِي فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكِتَابُ اللُّمَعِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

[قَوْلُهُ: لَا لِلِاصْطِلَاحِ] لِأَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا كَلِمَةٌ فِي اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ] أَيْ التَّكْبِيرُ فَرْضٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمَأْمُومِ. [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَاجِبَةً اتِّفَاقًا عَلَى الْإِمَامِ كَالْفَذِّ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفِهِ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، فَحِينَئِذٍ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ شَارِحِنَا: عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُقْتَضِي لِوُجُودِ قَائِلٍ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِمَامِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَرَاجِعْ لَعَلَّك تَطَّلِعُ عَلَى صِحَّتِهِ، فَإِنِّي رَاجَعْت غَيْرَ مُصَنَّفٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّتِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ خِلَافًا فِيمَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ، وَالرَّاجِحُ الِابْتِدَاءُ فَهَذَا الَّذِي حَكَى فِيهِ الْخِلَافُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ.

[قَوْلُهُ: الطُّهُورُ] بِضَمِّ الطَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ أَيْ التَّطْهِيرُ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: التَّسْلِيمُ] أَيْ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْعَبْدِ فِي كُلِّ حَالٍ فَهُوَ بَذْلُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ] أَيْ التَّكْبِيرُ لِلْقِيَامِ أَيْ فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْبُوقٍ، فَلَا يُجْزِئُ إيقَاعُهَا جَالِسًا أَوْ مُنْحَنِيًا أَوْ مُسْتَنِدًا لِعِمَادٍ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ الْعِمَادُ لَسَقَطَ.

[قَوْلُهُ: لِلرُّكُوعِ] أَيْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ أَيْ الْإِحْرَامَ أَيْ أَوْ نَوَاهُ وَالرُّكُوعَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِمَا لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَ] ظَاهِرُهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادٌ بَلْ الْمُرَادُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الرُّكُوعُ بِمَعْنَى الرَّكْعَةِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إذَا كَبَّرَ قَائِمًا] أَيْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا، وَكَمَّلَهُ كَذَلِكَ

ص: 259

شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا مُقَارَنَةَ النِّيَّةِ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهَا فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِكَثِيرٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.

(وَ) إذَا أَحْرَمْتَ فَإِنَّك (تَرْفَعُ يَدَيْك) وَظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَانْتِهَاءُ رَفْعِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ (حَذْوَ) أَيْ إزَاءِ (مَنْكِبَيْك) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ وَهُوَ مَجْمُوعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَقِيلَ انْتِهَاؤُهُ إلَى الصَّدْرِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ دُونَ ذَلِكَ) أَيْ دُونَ الْمَنْكِبِ. ق: وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي حَدِّ

ــ

[حاشية العدوي]

وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِلرُّكُوعِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُشَارِفًا لِلرُّكُوعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَدَأَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ فَصَلَ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ فَصَلَ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ. هَذَا وَمُفَادُ الشَّامِلِ أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَأَنَّ قَوْلَ الْبَاجِيِّ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهَا الْبَاجِيُّ] أَيْ فَسَّرَ الْمُدَوَّنَةَ بِمَا يَنْفِي شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ أَيْ بِشَيْءٍ يَنْفِي كَوْنَ الْقِيَامِ شَرْطًا فِي التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، أَيْ بَلْ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ فَإِنْ قُلْت: مَا تَفْسِيرُ الْبَاجِيِّ الَّذِي يَنْفِي شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ؟ قُلْت: اعْتِبَارُ ظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ قَالَ: التَّكْبِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الِانْحِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُهَا، أَيْ فَلَوْ أَوْقَعَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ تِلْكَ فَتُجْزِئُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ فَصَلَ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الرَّكْعَةِ وَعَدَمِهَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ وَأَتَمَّهَا فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَالرَّكْعَةُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ فَصَلَتْ لَبَطَلَتْ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفَادَهُ شُرَّاحُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: فِيهِ أَيْضًا] أَيْ فِي التَّكْبِيرِ. وَقَوْلُهُ: مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ أَيْ مُقَارَنَتُهُ النِّيَّةَ أَوْ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ إيَّاهُ أَيْ نِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً مُقَيَّدَةً بِسَبَبِهَا كَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَبِوَقْتِهَا كَالْوَتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ، فَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا لِهَذِهِ لَمْ تُجْزِ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَيَكْفِي نِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِذَا صَلَّى مَثَلًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى نَافِلَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: الْمُعَيَّنَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى مُطْلَقَ الْفَرْضِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ تَخَالَفَ اللَّفْظُ وَالْعَقْدُ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَقْدِ أَيْ النِّيَّةِ أَيْ عِنْدَ الْغَلَطِ أَوْ النِّسْيَانِ لَا إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ لِلتَّلَاعُبِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَتْ] أَيْ النِّيَّةُ.

وَقَوْلُهُ: عَنْهَا أَيْ عَنْ التَّكْبِيرَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تُجْزِئُ] أَيْ التَّكْبِيرَةُ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، وَمُفَادُ مَيَّارَةُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا الْإِجْزَاءُ حَيْثُ قَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ إذْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْوَسْوَسَةِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا وَطَبْعًا، أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي التَّقْدِيمِ الْيَسِيرِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُصَاحِبَةً لِلتَّكْبِيرِ اهـ.

وَيُفِيدُهُ أَيْضًا صَاحِبُ التَّوْضِيحِ حَيْثُ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْآخَرِينَ تُشْتَرَطُ الْمُقَارَنَةُ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُصَاحِبَةً لِلتَّكْبِيرِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَحْرَمَتْ إلَخْ] أَيْ شَرَعْت فِي الْإِحْرَامِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَرَغَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّك تَرْفَعُ يَدَيْك] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَظُهُورُهُمَا إلَخْ] هَذِهِ صِفَةُ الرَّاهِبِ إلَخْ، فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنْ الشَّيْءِ يَنْقَبِضُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذَاهِبِ] وَمُقَابِلُهُ صِفَتَانِ صِفَةُ الرَّاغِبِ وَالنَّابِذِ، فَأَفَادَتْ الْأَوْلَى بِقَوْلِهِ: الرَّاغِبُ يَجْعَلُ بُطُونَ يَدَيْهِ لِلسَّمَاءِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَأَفَادَ غَيْرُهُ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَنْ يُحَاذِيَ بِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ قَائِمَتَيْنِ وَرُءُوسُ أَصَابِعِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ عَلَى صُورَةِ النَّابِذِ لِلشَّيْءِ. [قَوْلُهُ: مَنْكِبَيْك إلَخْ] تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ بِوَزْنِ مَجْلِسٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: مَجْمَعُ] أَيْ مَحَلُّ جَمْعِ عَظْمِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْعَضُدُ، وَيَنْتَهِي إلَى الْمِرْفَقِ وَالْكَتِفِ وَيَنْتَهِي إلَى الرَّقَبَةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ انْتِهَاؤُهُ] أَيْ الرَّفْعُ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ عَلَى

ص: 260

الرَّفْعِ سَوَاءٌ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْقَرَافِيُّ الْمَشْهُورِ أَنَّ مُنْتَهَى الرَّفْعِ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدُونَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الرَّفْعِ فَقَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلٍ: هُوَ سُنَّةٌ. وَعَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْفَضَائِلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الرَّفْعَ مُخْتَصٌّ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَلَا فِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ (تَقْرَأُ) أَيْ تُتْبِعُ التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ، فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ التَّسْبِيحَ وَالدُّعَاءَ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرَك (فَإِنْ كُنْت فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ قَرَأْت جَهْرًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) أَمَّا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَفَرْضٌ فِي الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ، وَهَلْ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ أَوْ فِي جُلِّهَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ؟ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَمُسْتَحَبَّةٌ فِي حَقِّهِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا جَهْرًا فَسُنَّةٌ، وَإِذَا قَرَأْت فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ (فَلَا تَسْتَفْتِحُ) الْقِرَاءَةَ فِيهَا (بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مُطْلَقًا (لَا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَشْهُورِ.

[قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَخْ] أَيْ هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَادِقًا بِجَعْلِهِمَا دُونَ الْمَنْكِبَيْنِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَا يُوَافِقُهُ قَالَهُ عج فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ بَلْ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَذَا] أَيْ قَوْلُ الْأَقْفَهْسِيِّ. [قَوْلُهُ: إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ] إلَى زَائِدَةٍ أَيْ مُنْتَهَى الرَّفْعِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ. [قَوْلُهُ: هُوَ سُنَّةٌ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَعَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُ عج. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ خُوَيْزٍ مَنْدَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقْرَأُ إلَخْ] ثُمَّ لِلْعَطْفِ لَا لِلتَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ إلَخْ] هَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ، وَفِي قَوْلِ شَارِحِنَا الْمَشْهُورِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِمَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَبِحَمْدِك] الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةً وَالْمُرَادُ بِالْحَمْدِ التَّوْفِيقُ وَالْإِعَانَةُ عَلَى التَّسْبِيحِ، وَالْمَعْنَى أُنَزِّهُك يَا اللَّهُ وَالْحَالُ أَنَّ تَنْزِيهِي لَك بِتَوْفِيقِك، وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَالْحَمْدُ لَك. [قَوْلُهُ: وَتَبَارَكَ اسْمُك] أَيْ تَعَاظَمَ مُسَمَّاك، فَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَتَعَالَى جَدُّك] الْجَدُّ الْعَظَمَةُ فَجَدُرَ بِنَا عَظَمَتُهُ، وَالْمَعْنَى تَعَالَيْت عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِك.

[قَوْلُهُ: فَفَرْضٌ فِي الصُّبْحِ إلَخْ] بَلْ وَكَذَلِكَ فَرْضٌ فِي النَّوَافِلِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا. [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا وُجُوبُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ ظَوَاهِرُ الْإِخْبَارِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا فِي الْأَكْثَرِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا فِي الْأَقَلِّ ضَعِيفٌ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأَقَلِّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الْأَقَلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ هُوَ الْأَقَلُّ بِالْإِضَافَةِ وَمَعْنَى الْأَقَلِّ مُطْلَقًا الْعَفْوُ عَنْهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ صُبْحًا أَوْ جُمُعَةً أَوْ ظُهْرًا لِمُسَافِرٍ، وَمَعْنَى الْأَقَلِّ بِالْإِضَافَةِ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ مِنْ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ لَا مِنْ ثُنَائِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ] أَيْ فِيمَا يَطْلُبُ الْإِسْرَارَ فِيهِ وَلَوْ قَدَّرَ أَنَّهُ جَهْرٌ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا جَهْرًا] أَيْ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه. [قَوْلُهُ: فَسُنَّةٌ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَهْرَ جَمِيعَهُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ حَلَّ الْمُوَافِقُ كَلَامَ خَلِيلٍ لَا أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِبَعْضٍ سُنَّةً، وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَرْكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَهُ بَالٌ كَتَرْكِ الْكُلِّ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي السِّرِّ فِي مَحَلِّهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تَسْتَفْتِحُ] التَّاءُ

ص: 261

وَلَا فِي السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا) لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا (إمَامًا كُنْت أَوْ غَيْرَهُ) وَالنَّهْيُ فِي كَلَامِهِ لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.

وَشُهِرَ لِمَا صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا أَبْغَضُ إلَيْهِ حَدَثًا فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ فَإِنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا فَلَا تَقُلْهَا إذَا أَنْتَ قَرَأْت. وَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا قِرَاءَتُهَا فِي النَّافِلَةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ التَّعَوُّذُ فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ (فَإِذَا قُلْت وَلَا الضَّالِّينَ فَقُلْ:) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (آمِينَ) بِالْمَدِّ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَشْهُورِ اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَنُونُهُ مَضْمُومَةٌ عَلَى النِّدَاءِ تَقْدِيرُهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفُتِحَتْ نُونُ آمِينَ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْيَاءِ قَبْلَهَا (إنْ كُنْت) تُصَلِّي (وَحْدَك) سَوَاءً كُنْت فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ أَوْ جَهْرِيَّةٍ (أَوْ) كُنْت تُصَلِّي (خَلْفَ إمَامٍ) صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً إنْ سَمِعْته يَقُولُ: وَلَا الضَّالِّينَ.

(وَ) لَا تَجْهَرُ بِهَا بَلْ (تُخْفِيهَا) فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً (وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ فِيمَا جَهَرَ) أَيْ أَعْلَنَ (فِيهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ) أَيْ أَخْفَى (فِيهِ) اتِّفَاقًا.

وَقَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلِهِ إيَّاهَا فِي الْجَهْرِ اخْتِلَافٌ) تَكْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ وَيَقُولُهَا

ــ

[حاشية العدوي]

وَالسِّينُ: زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ لِلطَّلَبِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبٌ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَذْهَبٌ إلَخْ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ بِوُجُوبِهَا وَقَوْلٌ عَنْ مَالِكٍ بِإِبَاحَتِهَا وَقَوْلٌ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ بِنَدْبِهَا. [قَوْلُهُ: ابْنُ مُغَفَّلٍ] بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ. [قَوْلُهُ: إيَّاكَ وَالْحَدَثُ] أَيْ إيَّاكَ وَأَنْ تُحْدِثُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ [قَوْلُهُ: قَالَ] أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ. [قَوْلُهُ: أَبْغَضُ إلَيْهِ] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ الدَّالُّ عَلَى حُبٍّ أَوْ بُغْضٍ يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى بِإِلَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ فَيَكُونُ حَدَثًا حِينَئِذٍ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يَبْغُضُ حَدَثًا وَالتَّقْدِيرُ لَمْ أَرَ رَجُلًا مَوْصُوفًا بِأَشَدِّيَّةِ بُغْضِهِ لِلْحَدَثِ مِنْهُ أَيْ مِنْ أَبِي أَيْ بَلْ أَبِي أَشَدُّ الصَّحَابَةِ بُغْضًا لِلْحَدَثِ. [قَوْلُهُ: فَإِنِّي صَلَّيْت] مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْأَبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا فِيهِ عج إذَا قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فَقَطْ أَوْ النَّفْلِيَّةِ فَقَطْ أَوْ هُمَا مَعًا قَصَدَ الْخُرُوجَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَوْ لَا نِيَّةَ أَصْلًا وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ، أَمَّا إنْ قَصَدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ لُغَةً وَسُنَّةً وَمُقَابِلُهُ أَمْرَانِ الْقَصْرُ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ وَالْمَدُّ مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ. [قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ نُونٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِ هُوَ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ لِطَلَبِ الْإِجَابَةِ مَعْنَاهُ: اسْتَجِبْ وَآمِنَّا خَيْبَةَ دُعَائِنَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهُ. [قَوْلُهُ: لِسُكُونِهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ سُكُونَهَا وَسُكُونَ الْيَاءِ أَيْ اجْتِمَاعِ هَذَيْنِ السَّاكِنَيْنِ لَا يُوجِبُ الْفَتْحَ إنَّمَا يُوجِبُ التَّحْرِيكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عِلَّةُ الْفَتْحِ فَالْخِفَّةُ. [قَوْلُهُ: إنْ سَمِعْته يَقُولُ: وَلَا الضَّالِّينَ] وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَبْلَهَا لَا إنْ لَمْ يَسْمَعْ آخِرَهَا، وَإِنْ سَمِعَ مَا قَبْلَهَا وَلَا يَتَحَرَّى. [قَوْلُهُ: وَلَا تَجْهَرُ بِهَا] أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: بَلْ تُخْفِيهَا] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: فِي الْحَالَتَيْنِ] أَيْ كُنْت وَحْدَك أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: اُنْظُرْ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ انْتَهَى.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يُؤَمِّنُ [قَوْلُهُ: وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ إلَخْ] أَيْ اسْتِحْبَابًا [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] تُوهِمُ التَّكْرَارَ بَعِيدٌ لِأَنَّ صَرِيحَهُ جَزْمُهُ أَوَّلًا بِقَوْلٍ ثُمَّ حِكَايَتُهُ الْقَوْلَيْنِ بُعْدٌ وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الْمُتَوَهِّمَ

ص: 262

الْإِمَامُ فِي السِّرِّ وَفِي الْجَهْرِ خِلَافٌ لَكَانَ أَوْجَزُ وَسَلِمَ التَّكْرَارُ، وَوَجْهُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ نَبَّهَ أَوَّلًا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ، ثُمَّ نَبَّهَ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقَابِلَ الْمَشُورِ لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ جَهْرًا (تَقْرَأُ) بَعْدَهَا (سُورَةً) كَذَلِكَ لَا تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِدُعَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَحُكْمُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ كَامِلَةً بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ الِاسْتِحْبَابُ وَالسُّنَّةُ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ أَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا هُوَ دَائِرٌ مَعَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا السُّورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ سُورَةً أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ لِلْعَمَلِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَتَيْنِ إذَا فَرَغَ وَالْإِمَامُ مُتَمَادٍ، وَالسُّورَةُ الَّتِي تَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ تَكُونُ (مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ مِنْ الْحُجُرَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُرْتَضَى، وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ وَطِوَالُهُ يَنْتَهِي إلَى عَبَسَ وَمُتَوَسِّطَاتِهِ مِنْ ثَمَّ إلَى وَالضُّحَى وَقِصَارُهُ إلَى الْخَتْمِ (وَإِنْ كَانَتْ) السُّورَةُ الَّتِي تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (أَطْوَلُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (فَ) ذَلِكَ (حَسَنٌ) أَيْ

ــ

[حاشية العدوي]

لِلتَّكْرَارِ نَظَرَ ثَانِيًا إلَى مُجَرَّدِ حِكَايَةِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّأْمِينِ لَا لِذِكْرِ الْخِلَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ.

[قَوْلُهُ: وَصَحِيحٌ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ] أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْمُوَطَّأِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: آمِينَ» وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالْمَشْهُورُ يُسْرُهَا وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ دَلِيلُ الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ] أَيْ جَهْرًا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُ قِرَاءَةٍ إلَخْ] أَيْ وَتَرْكُ الْإِكْمَالِ مَكْرُوهٌ.

[قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ] أَيْ لَوْ آيَةً أَوْ بَعْضَ آيَةٍ لَهُ بَال كَآيَةِ الدَّيْنِ. [قَوْلُهُ: بِدَلِيلٍ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يَسْجُدْ لِتَرْكِ التَّكْمِيلِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً خَفِيفَةً [قَوْلُهُ: أَنَّ السُّجُودَ] أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ أَيْ وَعَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ دَائِرٌ مَعَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ أَتَى بِالزَّائِدِ فَلَا سُجُودَ وَإِلَّا سَجَدَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَا سُورَةَ.

[قَوْلُهُ: لَا يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ] أَيْ وَلَا سُورَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالسُّنَّةُ حَصَلَتْ بِالْأُولَى وَتَعَلَّقَتْ الْكَرَاهَةُ بِالثَّانِيَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَدْ عَرَفْت مُقَابِلَهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقَابِلُ الْأَفْضَلِ خِلَافَ الْأَوْلَى.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ بِلَا بَأْسٍ إلَخْ] بَلْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَوْ أَعَادَ الْمُصَلِّي الْفَاتِحَةَ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ فَلَا تُجْزِئُهُ، وَلْيَقُلْهَا بَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ صَلَاتِهِ بِسُورَةٍ وَلَوْ كَرَّرَ سُورَةَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فَقِيلَ: مَكْرُوهٌ وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى كُلٍّ تَحْصُلُ السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: الْمُفَصَّلُ] سُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ. وَقِيلَ: مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي هُوَ الْبَيَانُ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ كُلُّهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْسُوخٌ ذَكَرَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الطَّاءِ] جَمْعُ طَوِيلٍ كَقَصِيرٍ وَقِصَارٍ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ الطَّوِيلُ يُقَالُ فِيهِ طَوِيلٌ وَطِوَالٌ فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الطُّولِ قِيلَ فِيهِ طُوَّالٌ مُشَدَّدًا، وَأَمَّا الطَّوَالُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ يُقَالُ: لَا أُكَلِّمُهُ طَوَالَ الدَّهْرِ وَطُولَ الدَّهْرِ أَيْ لَا أُكَلِّمُهُ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْحُجُرَاتِ] مِنْ زَائِدَةٍ [قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ الْمُرْتَضَى إلَخْ] وَمُقَابِلَةُ مَا قِيلَ أَنَّهُ مِنْ شُورَى، وَمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَقِيلَ مِنْ الْفَتْحِ وَقِيلَ مِنْ النَّجْمِ [قَوْلُهُ: يَنْتَهِي إلَى عَبَسَ] الْغَايَةُ خَارِجَةٌ [قَوْلُهُ: ثُمَّ] أَيْ مِنْ عَبَسَ إلَى وَالضُّحَى، وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الْقِصَارِ سُوَرٌ لَا تَنْقُصُ عَنْ مُتَوَسِّطَاتِهِ. [قَوْلُهُ: إلَى الْخَتْمِ] أَيْ الَّذِي هُوَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [سُورَةُ النَّاسِ] وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ وَقِصَارُهُ مِنْ ثَمَّ أَيْ مِنْ الضُّحَى كَمَا قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ جَعَلَ الَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَطْوَلُ مِنْ ذَلِكَ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَرَادَ مَا يُقَارِبُ طِوَالَ الْمُفَصَّلِ لَا أَنَّهُ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا لِأَنَّهُمَا أَطْوَلُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، لَكِنَّهُ لَا يَبْقَى مَعَهُ التَّغْلِيسُ فِي الْغَالِبِ فَعُلِمَ أَنَّ مَقْصُودَهُ مَا يُقَارِبُ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ التَّطْوِيلُ فِي الصُّبْحِ لِإِدْرَاكِ النَّاسِ جَمَاعَتَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا التَّطْوِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ إمَامٍ لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ أَوْ مُنْفَرِدٌ يَقْوَى عَلَى التَّطْوِيلِ لَا إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ

ص: 263

مُسْتَحَبٌّ (بِقَدْرِ التَّغْلِيسِ) وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظُّلْمَةِ وَالضِّيَاءِ (وَتَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهَا) أَيْ السُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا جَهَرْت بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَصِفَةُ الْجَهْرِ تَأْتِي.

(فَإِذَا تَمَّتْ السُّورَةُ) الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ (كَبَّرَتْ فِي) حَالِ (انْحِطَاطِك) أَيْ انْحِنَائِك (إلَى الرُّكُوعِ) أُخِذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا التَّكْبِيرُ وَهُوَ سُنَّةٌ، وَاخْتُلِفَ هَلْ جَمِيعُهُ مَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَصَوَّبَ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ شَيْخُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُمْ رَتَّبُوا السُّجُودَ فِي السَّهْوِ عَلَى تَرْكِ اثْنَتَيْنِ مِنْهُ وَلَمْ يُرَتِّبُوهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهَا. ثَانِيهَا: مُقَارَنَةُ التَّكْبِيرِ لِلرُّكُوعِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهَكَذَا عِنْدَ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِقْلَالِ.

ثَالِثُهَا: الرُّكُوعُ وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا وَلَهُ صِفَتَانِ صِفَةُ إجْزَاءٍ وَسَتَأْتِي وَصِفَةُ كَمَالٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَتُمَكِّنُ يَدَيْك) يَعْنِي كَفَّيْك (مِنْ رُكْبَتَيْك) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ: وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ وَضْعِهِمَا عَلَيْهِمَا مَانِعٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَلَوْ كَانَ بِيَدَيْهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِهِمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قِصَرٍ كَثِيرٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِانْحِنَاءِ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ أَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا وَضْعُ الْبَاقِيَةِ عَلَى رُكْبَتِهَا، وَحَيْثُ قُلْنَا

ــ

[حاشية العدوي]

إمَامُ قَوْمٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ عَدَمُ التَّطْوِيلِ.

[قَوْلُهُ: فَذَلِكَ حَسَنٌ] أَيْ مُسْتَحَبٌّ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا زَادَ عَلَى السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ وَلَوْ بِآيَةٍ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِقَدْرِ التَّغْلِيسِ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْإِسْفَارُ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَهُ تت، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغْلِيسٌ لَا يُطَوِّلُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِلَاطٌ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظُّلْمَةِ بِالضِّيَاءِ وَالضِّيَاءِ بِالظُّلْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَتَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهَا] أَيْ يُسَنُّ أَنْ تَجْهَرَ بِقِرَاءَتِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُمَا] أَيْ السُّورَةِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْجَهْرِ.

[قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً غَيْرَ تَكْبِيرِ الْعِيدِ سَهْوًا لَا يَسْجُدُ، وَإِنْ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ وَلَوْ جَمِيعَهُ يَسْجُدُ فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَطَالَ فَيَفْتَرِقُ الْقَوْلَانِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ تَبْطُلُ بِتَرْكِ السُّجُودِ لِمَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: شَيْخِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ كَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ رَتَّبُوا إلَخْ] أَيْ وَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُهُ سُنَّةً لَمَا رَتَّبُوا أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الْبَعْضِ أَنْ لَا يَسْجُدَ لَهُ [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرَتِّبُوهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ إلَخْ] كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا الرُّكُوعُ إلَخْ] هُوَ فِي اللُّغَةِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَشَرْعًا أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ كَانَتْ رَاحَتَاهُ قَرِيبَتَيْنِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا مِنْ مُتَوَسِّطِ الْيَدَيْنِ لَا مِنْ طَوِيلِهِمَا وَلَا مِنْ قَصِيرِهِمَا.

قَالَ عج: وَالْوَاقِعُ فِي التَّقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ بِحَيْثُ يَكُونُ طَرَفَ أَصَابِعِهِمَا عَلَى آخِرِ الرُّكْبَةِ مِنْ جِهَةِ الْفَخْذِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ اهـ. فَلَوْ سَدَلَهُمَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَخَالَفَ الْمَنْدُوبَ.

[قَوْلُهُ: وَلَهُ صِفَتَانِ إلَخْ] التَّحْقِيقُ أَنَّ الصِّفَاتِ ثَلَاثٌ دُنْيَا وَهُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قُرْبَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَوُسْطَى وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْكِينٍ، وَعُلْيَا وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ التَّمْكِينِ بَلْ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعٌ بِزِيَادَةِ سَدْلِ الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي كَفَّيْك] إشَارَةً لِلتَّحَرُّزِ فِي قَوْلِهِ: يَدَيْك. وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ أَيْ لَا مَقْطُوعَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقِصَرٌ كَثِيرٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَا يَمْنَعُ إلَخْ.

وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيُجَابُ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا عَدَا الْقِصَرِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْوِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الِانْحِنَاءِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الَّذِي عِنْدَهُ الْقِصَرُ [قَوْلُهُ: أَوْ قُطِعَتْ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَانَ بِيَدَيْهِ وَهُوَ مُحْتَرِزٌ سَالِمَتَيْنِ فَفِي الْعِبَارَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ.

[قَوْلُهُ:

ص: 264

يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ أَصَابِعَهُمَا لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَكَعَ فَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّهُمَا» .

(وَتُسَوِّي ظَهْرَك مُتَسَوِّيًا) أَيْ مُعْتَدِلًا لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَوِّي ظَهْرَهُ» (وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك وَلَا تُطَأْطِئُهُ) أَيْ لَا تُصَوِّبُهُ إلَى أَسْفَلَ (وَتُجَافِي) أَيْ تُبَاعِدُ (بِضَبْعَيْك) بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ عَضُدَيْك (عَنْ جَنْبَيْك) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاعِدُهُمَا جِدًّا وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَجْنَحُ بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ غَيْرِ أَنَّهَا تَنْضَمُّ، وَسَكَتَ عَنْ تَسْوِيَةِ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الِانْحِنَاءِ يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ تَسْوِيَةِ الْقَدَمَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرُنَهُمَا. وَهُوَ مَكْرُوهٌ.

(وَتَعْتَقِدُ) بِقَلْبِك (الْخُضُوعَ) أَيْ التَّذَلُّلَ (بِذَلِكَ) ع: بَعْضُهُمْ جَعَلَ الْإِشَارَةَ تَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَالتَّجَافِي وَتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَفْسِيرُهَا مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (بِرُكُوعِك وَسُجُودِك وَلَا تَدْعُو فِي رُكُوعِك) ك: هَكَذَا رَوَيْنَاهُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ» أَيْ حَقِيقٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ:«سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ،

ــ

[حاشية العدوي]

وَضَعَ الْبَاقِيَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ] أَيْ نَدْبًا أَيْضًا لِأَجْلِ التَّمْكِينِ، وَبِكَوْنِ الْوَضْعِ مَنْدُوبًا تَكُونُ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعًا أَدْنَاهَا السَّدْلُ. [قَوْلُهُ: ضَمَّهُمَا] أَيْ لِأَجْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.

[قَوْلُهُ: وَتُسَوِّي ظَهْرَك] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ. قَالَ عج: اعْلَمْ أَنَّ تَسْوِيَةَ الظَّهْرِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَأَنَّ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الظَّهْرَ فَلِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَفَاتَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ هُوَ وَتَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: مُسْتَوِيًا] حَالٌ مُؤَكِّدٌ [قَوْلُهُ: لَمَّا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ] بِالْهَاءِ وَصْلًا وَوَفْقًا.

[قَوْلُهُ: وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَلَا تُطَأْطِئُهُ أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَتُجَافِي] أَيْ نَدْبًا فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ [قَوْلُهُ: بِضَبْعَيْك] قَالَ تت: كَأَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تُجَافِي بِمَعْنَى تَنْبُو فَتَكُونُ لِلتَّعَدِّيَةِ. [قَوْلُهُ: يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِانْحِنَاءِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ عج [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرِنَهُمَا إلَخْ] أَيْ فَعَدَمُ الْإِقْرَانِ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ] أَيْ الْإِقْرَانُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَقْرِنُ.

[قَوْلُهُ: وَتَعْتَقِدُ بِقَلْبِك الْخُضُوعَ] أَيْ التَّذَلُّلَ إلَخْ، أَيْ تَعْتَقِدُ بِقَلْبِك أَنَّك مُتَذَلِّلٌ بِانْحِنَائِك وَتُجَافِيك وَتَسْوِيَةِ ظَهْرِك، أَيْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّك مُتَذَلِّلٌ لِلرَّبِّ بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ.

تَنْبِيهٌ:

حُكْمُ هَذَا الِاعْتِقَادِ النَّدْبُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِهَا الَّتِي لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْحَاصِلَةِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَشْيَاءُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدِّمِ كَقَوْلِهِمْ أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَعْنِي فَعَظَّمُوا لِلنَّدْبِ فَلَا يَنْتِجُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلُهُ الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ مَكْرُوهَةً لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ] أَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ فَيُصَدَّقُ بِالْكَرَاهَةِ الْمُرَادَةِ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُدَاوَمَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَأَتَمُّ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ

ص: 265

وَالْأَوَّلُ عَلَى بَيَانِ الْأَوْلَوِيَّةِ.

(وَقُلْ إنْ شِئْت سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ) ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ؟ (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ فِي الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ السُّجُودِ (تَوْقِيتُ قَوْلٍ) أَيْ تَحْدِيدُ مَا يَقُولُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِحَدٍّ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» . (وَلَا حَدَّ فِي اللُّبْثِ) أَيْ الْمُكْثِ فِي الرُّكُوعِ يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ.

وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ (تَرْفَعُ رَأْسَك وَأَنْتَ قَائِلٌ سَمِعَ) يَعْنِي اسْتَجَابَ (اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) إنْ كُنْت

ــ

[حاشية العدوي]

الدُّعَاءَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي تَبَعٌ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَبَّرُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاخِ مَنْ قَالَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّسْبِيحِ، فَأَيُّ لَفْظٍ قَالَهُ كَانَ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ اهـ.

وَسُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ فَالْمُرَادُ مُسَبِّحٌ مُقَدِّسٌ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ إلَخْ، فَمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمُبَرَّأُ مِنْ النَّقَائِصِ وَالشَّرِيكِ وَكُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِأُلُوهِيَّتِهِ، وَمَعْنَى الثَّانِي الْمُطَهَّرُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ اهـ.

وَإِذَا تَأَمَّلْت تَعْرِفُ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

[قَوْلُهُ: أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ] أَيْ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يَتَحَدَّدُ بِعَدَدٍ بِحَيْثُ إذَا نُقِضَ عَنْهُ يَفُوتُهُ الثَّوَابُ، بَلْ إذَا سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ الثَّوَابُ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ الثَّوَابُ بِزِيَادَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ السُّجُودُ] إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ السُّجُودُ إشَارَةً إلَى خُرُوجِهِ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي فِي الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْمُخَالَفَةُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ عَدَمُ التَّحْدِيدِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُفِيدُ التَّحْدِيدَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ صِفَةُ الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ فِعْلُهَا.

[قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّكُوعَ حَالَةَ خُضُوعٍ مُنَافِيَةً لِلتَّعْظِيمِ اللَّائِقِ بِمَقَامِ رَبِّ الْبَرِّيَّةِ فَنَاسَبَ وَصْفُ الْبَارِي بِهِ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا سَجَدَ قَالَ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَالِ سُجُودِهِ مُتَّصِفًا بِالسُّفْلِ وَوَصْفُهُ مُقَابِلٌ لِوَصْفِ الرَّبِّ تبارك وتعالى نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ صِفَةَ الرَّبِّ الْمُقَابِلَةِ لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ الْعُلُوُّ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةُ الرَّبِّ مَعْنَوِيَّةً وَصِفَةُ الْعَبْدِ حِسِّيَّةً فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي الرُّكُوعِ يُقَالُ هُنَا.

[قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلِ ثَلَاثًا أَدْنَاهُ، أَيْ التَّمَامُ أَيْ أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّمَامِ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَحِينَئِذٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ، أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلِ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا أَيْ لَا أَنْقَصُ فَلَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ] أَيْ الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ.

وَفِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّحْدِيدِ يَحُدُّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَفِي الْفَذِّ مَا لَمْ يُطَوِّلْ جِدًّا وَإِلَّا كُرِهَ. أَيْ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَهُ فِي النَّافِلَةِ التَّطْوِيلُ مَا شَاءَ.

[قَوْلُهُ: فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ] أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْ تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُك. [قَوْلُهُ: تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ وُجُوبًا حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: وَأَنْتَ قَائِلٌ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي اسْتِحْبَابَ إلَخْ] أَيْ اسْتِحْبَابَ اللَّهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ فَضْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى.

قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَيْ إرَادَةِ اسْتِحْبَابِ مَنْ سَمِعَ الْإِتْيَانُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَوْ كَانَ السَّمَاعُ عَلَى بَابٍ لَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّرْت دُعَاءً فَأَيْنَ هُوَ حَتَّى يُسْتَجَابَ أَوَّلًا، قُلْت: إنَّ الْحَامِدَ بِحَمْدِهِ

ص: 266

إمَامًا أَوْ فَذًّا (ثُمَّ تَقُولُ) مَعَ ذَلِكَ (اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) أَيْ تَقَبَّلْ وَلَك الْحَمْدُ (إنْ كُنْت وَحْدَك أَوْ خَلْفَ إمَامٍ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ) بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ سَمِعَ لِمَنْ حَمِدَهُ (وَلَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَ) إنَّمَا (يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) .

وَالْأَصْلُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ وَلَك وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. الْبِسَاطِيُّ: وَإِلْحَاقُ الْفَذِّ بِالْإِمَامِ أَظْهَرُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمَأْمُومِ (وَ) إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّك (تَسْتَوِي قَائِمًا مُطْمَئِنًّا) أُخِذَ مِنْهُ شَيْئَانِ الطُّمَأْنِينَةُ وَهِيَ فَرْضٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالِاعْتِدَالُ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ فِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَفَرْضٌ عِنْدَ أَشْهَبَ وَصُحِّحَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِدَالَ مَثَلًا نَصْبُ الْقَامَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ اسْتِقْرَارُ الْأَعْضَاءِ زَمَنًا مَا.

وَقَوْلُهُ: (مُتَرَسِّلًا) مُرَادِفٌ لَمُطْمَئِنًّا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُتَمَهِّلًا

(ثُمَّ) بَعْدَ رَفْعِك مِنْ الرُّكُوعِ (تَهْوِي) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ أَيْ تَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ (سَاجِدًا) أَيْ لِأَجْلِ السُّجُودِ فَيَكُونُ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ «لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ» وَالسُّجُودُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ (وَلَا تَجْلِسُ) فِي هُوِيَّك (ثُمَّ تَسْجُدُ) حَتَّى يَكُونَ سُجُودُك مِنْ جُلُوسٍ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ

ــ

[حاشية العدوي]

يَطْلُبُ الْفَضْلَ مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ دَاعٍ مَعْنًى، وَذَكَرَ بَعْضٌ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ حَمِدَك وَعَبَّرَ بِالسَّمَاعِ عَنْ الْمُكَافَأَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ.

[قَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. [قَوْلُهُ: رَبَّنَا] هُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ. [قَوْلُهُ: وَلَك الْحَمْدُ إلَخْ] اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ فِي وَلَك الْحَمْدُ اتِّبَاعًا لِمَنْ اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا أَرْبَعُ جُمَلٍ فَاَللَّهُمَّ جُمْلَةٌ وَكَذَلِكَ رَبَّنَا، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ. أَيْ يَا اللَّهَ يَا رَبَّنَا فَفِيهِ تَكْرِيرُ النِّدَاءِ وَجُمْلَةٌ مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ تَقَبَّلْ وَجُمْلَةُ وَلَك الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَقَبَّلْ] أَيْ الدُّعَاءَ الْحَاصِلَ مِنِّي بِقَوْلِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، هَذَا فِي الْفَذِّ أَوْ الْحَاصِلِ مِنْ الْإِمَامِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ، أَيْ الْقَائِلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مَأْمُومًا.

وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي تَأْوِيلَ اللَّهِ بِاسْتَجَابَ وَأَنَّهَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ فَوَجْهُهُ، أَنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِالِاسْتِجَابَةِ وَالْمُثْنِي عَلَى مَوْلَاهُ دَاعٍ. [قَوْلُهُ: وَلَك الْحَمْدُ] أَيْ عَلَى قَبُولِك أَوْ عَلَى تَوْفِيقِك لِي بِقَوْلِي اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَوْ تَوْفِيقُك بِأَدَائِي تِلْكَ الْعِبَادَةَ. [قَوْلُهُ: أَوْ خَلْفَ إمَامٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا الْوَجْهُ الصَّوَابُ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْفَذُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْمِينِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ] وَفِي رِوَايَةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ كَأَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلُ مِثْلُ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ وَحُضُورِ النِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْغَفْلَةِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي الْحَدِيثِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ مَا يَقُولُهُ الْمَأْمُومُونَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] أَيْ الصَّغَائِرِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ سبحانه وتعالى.

[قَوْلُهُ: وَإِلْحَاقُ الْفَذِّ بِالْإِمَامِ] أَقُولُ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَذُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مُلْحَقًا بِالْإِمَامِ وَحْدَهُ. كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الشَّارِحِ.

تَنْبِيهٌ:

الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي التَّكْبِيرِ مِنْ كَوْنِ جَمِيعِهِ سُنَّةً أَوْ كُلِّهِ يَأْتِي فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. [قَوْلُهُ: وَالِاعْتِدَالُ إلَخْ] أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَسْتَوِي. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُتَمَهِّلًا] أَيْ زِيَادَةً عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا سُنَّةٌ قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ التَّاءِ] أَيْ وَكَسْرِ الْوَاوِ فَهُوَ مِنْ بَابِ رَمَى كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ السُّجُودِ]

ص: 267

أَهْلِ الْعِلْمِ «لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام» ذَلِكَ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ لَمَّا بَدَنَ أَيْ ثَقُلَتْ حَرَكَةُ أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَةِ لِارْتِفَاعِ سِنِّهِ» ، هَذَا الْجُلُوسُ إنْ وَقَعَ سَهْوًا وَلَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ طَالَ سَجَدَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا.

فَالْمَشْهُورُ إنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ (وَتُكَبِّرُ فِي) حَالِ (انْحِطَاطِك لِلسُّجُودِ) لِيَعْمُرَ الرُّكْنُ بِالتَّكْبِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْبَقُ بِهِ إلَى الْأَرْضِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ إذَا هَوَى لِلسُّجُودِ وَتَأْخِيرُهُمَا عَنْ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ «لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ» ، وَبِهِ عَمِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ (وَ) إذَا سَجَدْت فَإِنَّك (تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ) يَعْنِي بِلَفْظِ التَّمْكِينِ أَنَّهُ يَضَعُهُمَا عَلَى أَبْلَغَ مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ.

وَأَمَّا الْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكْفِي وَضْعُ أَيْسَرَ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْجَبْهَةِ، وَإِذَا وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلَا يَشُدُّهَا بِالْأَرْضِ جِدًّا حَتَّى يُؤْثِرَ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ وَضَعَفَةِ النِّسَاءِ، وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَاجِبٌ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشْهُورُهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْفِهِ لَمْ يَجُزْهُ وَيُعِيدُ أَبَدًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ وَأَعَادَ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

جَعَلَ سَاجِدًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، إذْ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُبَيِّنُ لِلتَّعْلِيلِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُنْتَظِرَةً. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ] تَفْرِيغٌ عَلَى التَّعْبِيرِ بِتَهْوِي أَيْ وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجْلِسْ إلَخْ تَأْكِيدًا، إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي هُوِيِّك يَقْتَضِي أَنَّ الْهُوِيَّ يُجَامِعُ الْجُلُوسَ فَلَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ بِهِ مُفِيدًا لِكَوْنِهِ سَجَدَ مِنْ قِيَامٍ.

[قَوْلُهُ: كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] . أَفَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه حَيْثُ يَقُولُ إنَّ الْجُلُوسَ قَبْلَ السُّجُودِ بِوَجْهٍ خَفِيفٍ جِدًّا مِنْ سُنَّتِهِ.

[قَوْلُهُ: لَمَّا بَدُنَ] بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ نَقْلًا عَنْ زَرُّوقٍ وَإِنْ وَقَعَ عَمْدًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ] قَالَ عج فِي حَاشِيَتِهِ مَفْهُومُهُ إنْ طَالَ ضَرَّ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ يُعَدُّ الرَّائِي لَهُ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الصَّلَاةِ اهـ.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الطُّولَ قَدْرُ التَّشَهُّدِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ الْقَوْلُ بِالضَّرَرِ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: وَتُكَبِّرُ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: فِي حَالِ انْحِطَاطِك إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي تَكْبِيرِ السُّجُودِ قَبْلَ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لَيُعَمِّرَ الرُّكْنَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لَا قَبْلَهُ فَالتَّعْلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُعَلِّلَ. [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَجَدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَلِشَرِيكٍ فِيهِ مَقَالٌ وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّك تُمَكِّنُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ. [قَوْلُهُ: جَبْهَتَك] وَهِيَ مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِيَعْنِي لَا مُوجِبَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلَّفْظِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى أَبْلَغ إلَخْ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْوَضْعِ وَارِدًا عَلَى أَقْوَى وَضْعٍ يُمْكِنُهُ فَهُوَ مِنْ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَيْ تَحَقُّقُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا عَلَى جِهَةِ إلَخْ] أَيْ الْوَضْعُ عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَيَكْفِي فِيهِ.

[قَوْلُهُ: أَيْسَرُ] أَيْ أَقَلُّ جُزْءٍ يُمْكِنُ وَضْعُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ بَيَانِيَّةٌ مَشُوبَةٌ بِتَبْعِيضٍ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَشُدُّهَا إلَخْ] أَيْ لَا يُلْصِقُهَا بِالْأَرْضِ جِدًّا وَالْمَنْفِيُّ الْجِدِّيَّةُ وَأَصْلُ الشِّدِّيَّةِ لَيْسَ مَنْفِيًّا لِأَنَّهُ لِتَمْكِينِ الْمَطْلُوبِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَشُدُّهَا بِالْأَرْضِ] أَيْ فَلَا يُلْصِقُهَا بِالْأَرْضِ بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ذَلِكَ] أَيْ الشَّدُّ جِدًّا وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ الشَّدُّ جِدًّا مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ] أَيْ الرِّجَالِ الْجُهَّالِ، أَيْ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَقَوْلُهُ وَضَعَفَةِ النِّسَاءِ أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ الضَّعْفُ وَلَوْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ.

[قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ. [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهَا إلَخْ] ثَانِيهَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُ فِيهِمَا ثَالِثُهَا رِوَايَةُ أَبِي الْفَرَجِ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ] اعْتَمَدَ عج أَنَّهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَذَكَرَ

ص: 268

الْوَقْتِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْجَبْهَةُ سَالِمَةً وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهَا قُرُوحٌ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوْمَأَ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ (وَتُبَاشِرُ) فِي سُجُودِك (بِكَفَّيْك الْأَرْضَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ.

وَقَوْلُهُ: (بَاسِطًا يَدَيْك) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَتُبَاشِرُ بِكَفَّيْك الْأَرْضَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْبَسْطِ، وَإِنْ سَجَدَ وَهُوَ قَابِضٌ بِهِمَا شَيْئًا كُرِهَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (مُسْتَوِيَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ تَجْعَلُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ) أَمَّا

ــ

[حاشية العدوي]

الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ الضَّرُورِيُّ عَلَى مَا يَنْبَغِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَخَلِيلٍ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهُوَ وَاضِحٌ فِي الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ جَرَى خِلَافٌ فِي تَارِكِ السُّنَّةِ عَمْدًا فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ كَتَارِكِ السُّنَّةِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَدْفَعُ الْأَنْقَالَ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِلِاصْفِرَارِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَلِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مُغَايِرٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ عج وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهَا قُرُوحٌ] أَيْ جُرُوحٌ وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيُصَدَّقُ وَلَوْ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: أَوْمَأَ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ] أَيْ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ إنَّمَا يُطْلَبُ تَبَعًا لِلسُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ فَحَيْثُ سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ تَابِعُهَا، فَإِنْ وَقَعَ وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْإِيمَاءِ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ هُوَ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ أَوْ لَا، فَقِيلَ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَقِيلَ مُوَافِقٌ لِأَشْهَبَ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِحَدٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَوْ قَارَبَ الْمُومِئُ الْأَرْضَ لَأَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا، فَزِيَادَةُ إمْسَاسٍ بِالْأَرْضِ لَا يُؤَثِّرُ مَعَ أَنَّ الْإِيمَاءَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفُ مَنْ تَرَكَ الرُّخْصَةَ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَ اهـ.

أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ نَاظِرًا إلَى كَوْنِهِ مُومِيًا بِجَبْهَتِهِ إلَى الْأَرْضِ فَلَا وَجْهَ لِلْبُطْلَانِ، وَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ جَاعِلًا ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَقَطْ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى الْإِيمَاءِ بِالْجَبْهَةِ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ خَالِي الذِّهْنِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ. لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ تَتَضَمَّنُ نِيَّةَ أَجْزَائِهَا وَمِنْ أَجْزَائِهَا حِينَئِذٍ الْإِيمَاءُ بِالْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ التَّهْذِيبِ، أَيْ تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَجْعَلُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ، فَإِنْ جَعَلَ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ، أَيْ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ إلَخْ، وَالْكَوْرِ فَتْحُ الْكَافِ مُجْتَمَعُ طَاقَاتِهَا عَلَى الْجَبِينِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ.

[قَوْلُهُ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ] أَيْ إذَا كَانَ قَدْرُ الطَّاقَةِ وَالطَّاقَتَيْنِ اللَّطِيفَتَيْنِ، وَمَثَّلُوا لِلطَّاقَةِ اللَّطِيفَةِ بِلُغَةِ الْمَغَارِبَةِ بِالشَّاشِ الرَّفِيعِ. [قَوْلُهُ: وَتُبَاشِرُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَالْوَجْهِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْمُبَاشَرَةَ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّوَاضُعِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَى مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ وَتَنَعُّمٌ مِنْ صُوفٍ وَقُطْنٍ وَاغْتُفِرَ الْحَصِيرُ لِأَنَّهُ كَالْأَرْضِ وَالْأَحْسَنُ تَرْكُهُ فَالسُّجُودُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْأَوْلَى [قَوْلُهُ: يَدَيْك] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْقِبْلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِبَاسِطٍ أَوْ مَعْنَى بَاسِطًا مَادًّا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُسْتَوِيَتَيْنِ حَالًا مُؤَكِّدَةً.

[قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ إلَخْ] أَقُولُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ لِذَلِكَ بَلْ لِلتَّأْكِيدِ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَتُبَاشِرُ بِكَفَّيْك الْأَرْضَ مُسْتَوِيَتَيْنِ. إلَخْ لَتَمَّ الْكَلَامُ وَكَانَ مُلْتَئِمًا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ بَاسِطًا يَدَيْك. [قَوْلُهُ: مُسْتَوِيَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ] أَيْ نَدْبًا وَعَلَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ فَيَتَوَجَّهَانِ لَهَا.

تَنْبِيهٌ:

السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ] أَشَارَ بِهِ لِعَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي مَوْضِعِ وَضْعِهِمَا لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ لَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ نَعَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْمَنْكِبَيْنِ أَوْ الصَّدْرَ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ

ص: 269

تَوْجِيهُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ خَالَفَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بِكُلِّ ذَاتِهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ أَوْ دُونَهُمَا فَمُسْتَحَبٌّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعِهِمَا حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بَاسِطًا وَمِنْ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (غَيْرَ أَنَّك لَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْك فِي الْأَرْضِ) افْتِرَاشَ السَّبُعِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ (وَلَا تَضُمُّ عَضُدَيْك إلَى جَنْبَيْك وَلَكِنْ تَجْنَحَ) أَيْ تَمِيلَ (بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا) بِتَحْرِيكِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَهَذَا التَّجْنِيحُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» ، (وَتَكُونُ رِجْلَاك فِي سُجُودِك قَائِمَتَيْنِ وَبُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ) وَكَذَلِكَ بُطُونُ سَائِرِ الْأَصَابِعِ، وَيُزَادُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَأَنْ يَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ.

(وَتَقُولُ إنْ شِئْت فِي سُجُودِك سُبْحَانَك رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي أَوْ) تَقُولُ: (غَيْرَ ذَلِكَ إنْ شِئْت) . ع: التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَالتَّخْيِيرُ الثَّانِي بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ تَسْكُتُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَرُدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ التَّسْبِيحُ

ــ

[حاشية العدوي]

فَقَدْ قَالَ بِحَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ ابْنُ مَسْلَمَةَ، وَقَالَ بِحَذْوِ الصَّدْرِ ابْنُ شَعْبَانَ أَفَادَ ذَلِكَ تت. [قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَفَ] أَيْ لَمْ يُوَجِّهْهُمَا لِلْقِبْلَةِ لَمْ يَضُرَّهُ، أَيْ وَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضٌ.

[قَوْلُهُ: إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَ] أَيْ مِنْ الْوَضْعِ حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَمْ يُرِدْ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: لَا تَفْتَرِشْ إلَخْ] أَيْ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا [قَوْلُهُ: نَهَى] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَكَذَا لَا يَفْتَرِشُهُمَا عَلَى فَخْذَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ] أَيْ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَضُمَّ عَضُدَيْك] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي تت. تَثْنِيَةُ عَضُدٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا [قَوْلُهُ: فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ] أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً.

[قَوْلُهُ: جَافَى إلَخْ] أَيْ بَاعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ الْمُبَاعَدَةَ بَيْنَ الْيَدَيْنِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْعَضُدِ عَنْ الْإِبْطِ فَيَظْهَرُ بَيَاضُ الْإِبْطِ، أَوْ أَرَادَ جَافَى كُلَّ يَدٍ عَنْ جَنْبِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْدُوَ] أَيْ يَظْهَرَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ أَيْ بِحَيْثُ يُرَى أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ عِنْدَ لُبْسِ الْقَمِيصِ لَا يُرَى لِلنَّاظِرِ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَابِسًا لِقَمِيصٍ بَلْ سَاتِرًا لِعَوْرَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا بِدُونِ سَتْرِ الْيَدَيْنِ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ الْمُفِيدِ دَوَامَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الْكُلُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْبَعْضَ سُنَّةٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى أَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَتَكُونُ رِجْلَاهُ إلَخْ، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ ابْنُ الْقَصَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَاَلَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَغَارِبَةُ.

[قَوْلُهُ: وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ إلَخْ] رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ غَيْرَ حَامِلِ بَطْنِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخْذَيْهِ» . [قَوْلُهُ: وَتَقُولُ إنْ شِئْت] اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِهِ لِمَا قِيلَ، إنَّ آدَمَ عليه الصلاة والسلام قَالَهُ حِينَ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ بَعْدَ اسْوِدَادِهِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَمِلْت سُوءًا] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ ظَلَمْت نَفْسِي. [قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لِي] أَيْ اُسْتُرْ مَا وَقَعَ مِنِّي عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ يَوْمَ الْحِسَابِ.

[قَوْلُهُ: قَوْلُهُ التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ التَّتَّائِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالتَّرْكِ وَالثَّانِيَ بَيْنَ هَذَا وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ] أَيْ وَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ مَنْدُوبٌ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِتْيَانُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا بِهِ.

ص: 270

وَاجِبٌ وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ (وَتَدْعُو فِي السُّجُودِ إنْ شِئْت) ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ (وَلَيْسَ لِطُولِ ذَلِكَ) السُّجُودِ (وَقْتٌ) أَيْ حَدٌّ فِي الْفَرِيضَةِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مَا لَمْ يَطُلْ جِدًّا، فَإِنْ طَالَ كُرِهَ، وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي حَقِّ الْإِمَامِ أَيْضًا مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللُّبْثِ فِي السُّجُودِ (أَنْ تَطْمَئِنَّ) أَيْ تَسْتَقِرَّ (مَفَاصِلُك) عَنْ الِاضْطِرَارِ اطْمِئْنَانًا (مُتَمَكِّنًا) .

وَالْمَفَاصِلُ جَمْعُ مَفْصِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ: الْأَعْضَاءُ، وَأَمَّا مِفْصَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ، فَالطُّمَأْنِينَةُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ وَفِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. ع: لَيْسَ فِي الرِّسَالَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ إلَّا مِنْ هُنَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا هُوَ ظَوَاهِرُ وَاخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ سُنَّةٌ (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ (تَرْفَعُ رَأْسَك بِالتَّكْبِيرِ) أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ، وَهَذَا الرَّفْعُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُ السُّجُودِ بِغَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ أَنْ تَرْفَعَ رَأْسَك (فَ) إنَّك (تَجْلِسُ) وُجُوبًا بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ الِاعْتِدَالَ (تُثْنِي) أَيْ تَعْطِفُ (رِجْلَك الْيُسْرَى فِي جُلُوسِك بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَتَنْصِبُ) أَيْ تُقِيمُ رِجْلِك (الْيُمْنَى وَ) .

تَكُونُ (بُطُونُ أَصَابِعِهَا إلَى الْأَرْضِ) وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هِيَ صِفَةُ جَمِيعِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْ قَدَمِ الْيُسْرَى أَيْنَ يَضَعُهَا.

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَضَعُهَا تَحْتَ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ (وَ) إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ فَإِنَّك أَيْضًا (تَرْفَعُ يَدَيْك عَنْ الْأَرْضِ) فَتَجْعَلُهُمَا (عَلَى رُكْبَتَيْك) وَإِذَا لَمْ تَرْفَعْهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِك قَوْلَانِ، أَشْهُرُهُمَا عَلَى مَا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَتَدْعُو فِي السُّجُودِ] أَيْ بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ جَائِزٍ شَرْعًا وَعَادَةً لَا بِمُمْتَنِعٍ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ مُجَرَّدٌ عَنْ تَسْبِيحٍ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ إلَخْ] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا خَيَّرَ إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ.

[قَوْلُهُ: اطْمِئْنَانًا إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُتَمَكِّنًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَفِيهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ حَيْثُ وَصَفَ الِاطْمِئْنَانَ بِالتَّمَكُّنِ أَيْ الثُّبُوتِ. [قَوْلُهُ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ تَطْمَئِنَّ وُجُوبًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ جَعَلَهَا أَقَلَّ السُّجُودِ، أَيْ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي السُّجُودِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ فَيَكُونُ فَرْضًا لِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ فَهُوَ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ هُنَا] الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا هُوَ ظَوَاهِرُ] أَيْ كَقَوْلِهِ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ إلَخْ] قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَانْظُرْ مَا قَدْرُ هَذَا الزَّائِدِ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَوٍ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ التَّطْوِيلُ وَفِي غَيْرِهِ أَمْ لَا كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ السُّجُودِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَعْنِي خَلِيلًا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.

[قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي مَشَى إلَخْ] وَقِيلَ: وَاجِبٌ ذِكْرُهُ تت. [قَوْلُهُ: مَا يَسَعُ الِاعْتِدَالَ] أَيْ بِقَدْرِ زَمَنٍ يَسَعُ الِاعْتِدَالَ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ أَيْ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى زَمَنٍ يَسَعُهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ فَيَقُولُ فَإِنَّك تَجْلِسُ وُجُوبًا مُعْتَدِلًا. [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الصِّفَةُ إلَخْ] عِبَارَةُ غَيْرِهِ أَحْسَنُ وَنَصُّهَا لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي جُلُوسِك بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إذْ جُلُوسُهُ حَالَ التَّشَهُّدِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا جُلُوسُ مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَهُوَ التَّرَبُّعُ اسْتِحْبَابًا اهـ.

وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بُطُونُ إلَخْ، مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ بِجَعْلِ إبْهَامِهَا عَلَى الْأَرْضِ، أَيْ بَاطِنِ إبْهَامِهَا وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِهِ وَكَذَا بَاطِنُ بَعْضِ الْأَصَابِعِ فَالْأَحْسَنُ مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ.

[قَوْلُهُ: تَحْتَ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ] وَقِيلَ: بَيْنَ فَخْذَيْهِ وَقِيلَ خَارِجًا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. [قَوْلُهُ: فَتَجْعَلُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْك] قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ.

وَقَوْلُهُ عَلَى رُكْبَتَيْك، أَيْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ مُسْتَوِيَتَيْ

ص: 271

قَالَ ع: الْبُطْلَانُ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: عَدَمُ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَرْفَعَ رَأْسَك مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى مَعَ رَفْعِ يَدَيْك (تَسْجُدُ) السَّجْدَةَ (الثَّانِيَةَ كَمَا فَعَلْت أَوَّلًا) فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْأَرْضِ وَقِيَامِ الْقَدَمَيْنِ وَمُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ بِالْكَفَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِك مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (تَقُومُ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا أَنْتَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْك) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الِاعْتِمَادَ مُسْتَحَبٌّ، وَأَشَارَ بِهِ الشَّيْخُ إلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا يَقُومُ مُعْتَمِدًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(لَا تَرْجِعُ جَالِسًا لِتَقُومَ مِنْ جُلُوسٍ) إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ جُلُوسٍ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ (وَلَكِنَّ) الْفَضِيلَةَ عِنْدَنَا فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقِيَامِ (كَمَا ذَكَرْت لَك فِي السُّجُودِ) وَهُوَ أَنَّك تَهْوِي إلَيْهِ وَلَا تَجْلِسُ فِي هُوِيَّك لِيَكُونَ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ، فَكَذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ لِيَكُونَ قِيَامَك مِنْ سُجُودٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ.

(وَتُكَبِّرُ فِي حَالِ قِيَامِك) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْحَرَكَةِ وَالشُّرُوعَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَنْتَصِبَ قَائِمًا وَتَفْرُغُ مِنْ التَّكْبِيرِ (تَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ ثُمَّ تَقْرَأُ مَعَهَا سُورَةً (كَمَا قَرَأْت فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (أَوْ دُونَ ذَلِكَ) تَعْقُبُهُ ك بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ. ع: اُخْتُلِفَ عَلَى مَاذَا تَرْجِعُ الْإِشَارَةُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً) فَقِيلَ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ عَلَى الرُّكُوعِ.

وَقِيلَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَ وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ: ثُمَّ تَفْعَلُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ تَكْرَارًا اهـ.

(غَيْرَ

ــ

[حاشية العدوي]

الْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَسْجُدُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ إلَخْ] قَالَ: تت وَهَلْ يُطِيلُ السُّجُودَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ أَوْ لَا قَالَ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا.

[قَوْلُهُ: كَمَا أَنْتَ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِك ثَابِتًا عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْجُلُوسِ.

[قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِهِ الشَّيْخُ إلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ] أَيْ لِرَدِّ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ [قَوْلُهُ: لَا تَرْجِعُ جَالِسًا] قَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقِيلَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ] أَيْ إلَى خِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ] السُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَأَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ مَذْهَبِنَا. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ كَمَا ذَكَرْت إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ تَقُومُ مِنْ الْأَرْضِ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَالشُّرُوعُ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: كَمَا قَرَأْت فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى] أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي الطُّولِ وَقَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ الثَّانِيَةُ أَقْصَرَ مِنْ الْأُولَى وَكِلَا الْمَقْرُوءَيْنِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، فَالْأَوْضَحُ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يُفِيدَ وُضُوحًا أَنَّ الْمَقْرُوءَ فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءً كَانَ مُمَاثِلًا لِلْأُولَى أَوْ أَدْنَى مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ [قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إلَخْ] أَيْ وَيُكْرَهُ كَوْنُ الثَّانِيَةِ أَطْوَلَ مِنْ الْأُولَى كَمَا قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَنَظَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي الْمُسَاوَاةِ هَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى يَسِيرًا لَا نِصْفَهَا فَأَقَلُّ لِكَرَاهَتِهِ كَمَا قَالَ تت.

وَقَالَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ: الْأَقَلِّيَّةُ بِنَقْصِ الرُّبْعِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْفَاكِهَانِيِّ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى: بَلْ وَالْإِضْرَابُ إبْطَالٌ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ زَمَنًا وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى بِأَنْ رَتَّلَ فِي الْأُولَى.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ عَقِبَ هَذَا وَلَا يُنَكِّسُهُ فَإِنْ نَكَّسَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ إنْ فَعَلَ التَّنْكِيسَ الْمَكْرُوهَ كَتَنْكِيسِ السُّوَرِ أَوْ قِرَاءَةِ نِصْفِ سُورَةٍ أَخِيرٍ ثُمَّ نِصْفِهَا الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ التَّنْكِيسَ الْحَرَامَ فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ كَتَنْكِيسِ آيَاتِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا تَقَدَّمَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ

ص: 272

أَنَّك تَقْنُتُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (بَعْدَ) الرَّفْعِ مِنْ (الرُّكُوعِ وَإِنْ شِئْت) قَنَتَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ بَعْدَ تَمَامِ الْقِرَاءَةِ) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقُنُوتَ فَضِيلَةٌ لَا يَسْجُدُ فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَهُوَ قَبْلُ أَمْ بَعْدُ؟ فَقَالَ: قَبْلُ» «قِيلَ لِأَنَسٍ: إنَّ فُلَانًا يُحَدِّثُ عَنْكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ: كَذَبَ فُلَانٌ» . الْقَرَافِيُّ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَإِذَا قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُكَبِّرُ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا لَا يَرْفَعُ فِي التَّأْمِينِ وَلَا فِي دُعَاءِ التَّشَهُّدِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِسْرَارَ بِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ يَنْبَغِي الْإِسْرَارُ بِهِ حَذَرًا مِنْ الرِّيَاءِ، وَإِذَا نَسِيَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَنَتَ بَعْدَهُ وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَ، فَإِنْ رَجَعَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مُسْتَحَبٍّ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ فَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي قَضَائِهَا وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (وَالْقُنُوتُ) أَيْ لَفْظُهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إنَّا نَسْتَعِينُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْإِعَانَةَ عَلَى طَاعَتِك (وَنَسْتَغْفِرُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْمَغْفِرَةَ وَهِيَ السَّتْرُ عَنْ الذُّنُوبِ فَلَا تُؤَاخِذْنَا بِهَا.

(وَنُؤْمِنُ) أَيْ نُصَدِّقُ (بِك) أَيْ بِوُجُودِك (وَنَتَوَكَّلُ) أَيْ نَعْتَمِدُ (عَلَيْك) فِي أُمُورِنَا (وَنَخْنَعُ) أَيْ نَخْضَعُ وَنُذَلُّ (لَك وَنَخْلَعُ) الْأَدْيَانَ كُلَّهَا لِوَحْدَانِيِّتِك (وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك) أَيْ يَجْحَدُك وَيَفْتَرِي عَلَيْك الْكَذِبَ

ــ

[حاشية العدوي]

وَجْهٌ [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقِيلَ: غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ مُتَعَمِّدًا وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ.

[قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحِ] أَيْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالْمَسْبُوقِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه بِحُضُورِ الصَّحَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَقِيلَ يَجْهَرُ بِهِ كَمَا فِي بَهْرَامَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَهُ] قَالَ: عج هَلْ أَرَادَ بِالرُّكُوعِ الِانْحِنَاءَ وَحِينَئِذٍ فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَفُوتُ بِالِانْحِنَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حَصْرُهَا فِي الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَإِنْ أَرَادَ الرَّفْعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إذَا رَجَعَ لَهُ بَعْدَ أَنْ انْحَنَى وَتَذَكَّرَهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ لَمْ تَبْطُلْ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ خِلَافَهُ ثُمَّ إنَّهُ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَفُوتُ بِالِانْحِنَاءِ كَالسِّرِّ فِيهِ وَمَا مَعَهُ وَتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ مَنْ رَجَعَ لِتَشَهُّدٍ بَعْدَمَا اسْتَقَلَّ فَإِنَّ فِيهِ رُجُوعًا مِنْ فَرْضٍ إلَى غَيْرِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ] وَجْهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَهِيَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُنُوتٌ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي الْأُولَى هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ.

قَالَ عج وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي يَقْضِيهَا الْمَسْبُوقُ الْقِرَاءَةُ خَاصَّةً كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ كَالْقُنُوتِ وَمَا يُقَالُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَبِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِنَاءِ فِي الْأَفْعَالِ.

[قَوْلُهُ: الْإِعَانَةَ عَلَى طَاعَتِك] الْأُولَى عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ، أَيْ نَطْلُبُ مَعُونَتَك وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَهُ لِيَعُمَّ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ بِوُجُودِك] فِيهِ قُصُورٌ بَلْ مَعْنَاهُ، أَيْ نُصَدِّقُ بِمَا يَجِبُ لَك.

[قَوْلُهُ: وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك] قِيلَ: الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا زَيْدٌ فِي الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك، وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ لَفْظِ كُلِّهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْخَيْرَ غَيْرُ مُثْبَتٍ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُطِيقُ كُلَّ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَتَرْكُهُ خَيْرٌ قَالَهُ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ. [قَوْلُهُ: وَنَذِلُّ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

[قَوْلُهُ: وَنَخْلَعُ الْأَدْيَانَ كُلَّهَا] أَيْ الْأَدْيَانَ الْبَاطِلَةَ كُلَّهَا لِكَوْنِك وَاحِدًا أَيْ نَخْلَعُهَا مِنْ أَعْنَاقِنَا لِكَوْنِك إلَهًا وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَك. [قَوْلُهُ: وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك إلَخْ] أَيْ نَطْرَحُ مَوَدَّةَ الْعَابِدِ لِغَيْرِك وَلَا نُحِبُّ دِينَهُ وَلَا نَمِيلُ إلَيْهِ. وَلَا يُعْتَرَضُ هَذَا بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّ فِي تَزَوُّجِهَا مَيْلًا لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُرَادُ

ص: 273

(اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إيَّاكَ نَعْبُدُ) أَيْ لَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاكَ (وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى) أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ (وَنَحْفِدُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ نُسْرِعُ فِي الْعَمَلِ (نَرْجُو رَحْمَتَك) أَيْ نَطْمَعُ فِي نِعْمَتِك وَهِيَ الْجَنَّةُ (وَنَخَافُ عَذَابَك الْجِدَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الثَّابِتِ (إنَّ عَذَابَك بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى لَاحِقٌ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مُلْحِقُهُ بِالْكَافِرِينَ.

(ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فَإِنَّك تَهْوِي سَاجِدًا لَا تَجْلِسُ ثُمَّ تَسْجُدُ و (تَفْعَلُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (كَمَا تَقَدُّمُ مِنْ الْوَصْفِ) فَفِي السُّجُودِ تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْجُلُوسِ تُثْنِي رِجْلَك إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.

(فَإِذَا جَلَسْت بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ) مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِلتَّشَهُّدِ (نَصَبْت رِجْلَك الْيُمْنَى) أَيْ قَدَمَهَا.

(وَ) جَعَلْت (بُطُونَ أَصَابِعِهَا الْأَرْضَ وَثَنَيْت) أَيْ عَطَفْت رِجْلَك (الْيُسْرَى وَأَفْضَيْت) أَيْ أَلْصَقْت (بِأَلْيَتِك) أَيْ مُقْعَدَتِك الْيُسْرَى (إلَى الْأَرْضِ) . ع: هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَيُرْوَى بِأَلْيَتَيْك وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَيْهِمَا كَانَ إقْعَاءً وَهُوَ مَكْرُوهٌ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَقْعُدُ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى) تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ لَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ، وَإِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ لَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

هُوَ بُغْضُ الدِّينِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاكَ] فَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ لِلْحَصْرِ.

[قَوْلُهُ: وَلَك نُصَلِّي إلَخْ] ذَكَرَ الصَّلَاةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: إيَّاكَ نَعْبُدُ لِشَرَفِهَا وَذَكَرَ السُّجُودَ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ لِشَرَفِهِ قَالَ: عج، إنَّ السُّجُودَ أَشْرَفُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ.

[قَوْلُهُ: نَسْعَى أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ نَسْعَى بِنَعْمَلُ كَمَا فِي تت.

قَالَ عج وَيَدْخُلُ فِي هَذَا السَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ نَطْمَعُ فِي نِعْمَتِك وَهِيَ الْجَنَّةُ] قَالَ: تت وَالطَّمَعُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ، وَأَمَّا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَهُوَ رِجَالُ الْكَذَّابِينَ اهـ.

وَعَلَى تَفْسِيرِ الرَّحْمَةِ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ وَلَا مِنْ صِفَةِ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَقِيلَ: مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِك إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا إذَا قَصَدَ بِهِ الْجَنَّةَ، لِأَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ أَكْثَرُ لَا إنْ قَصَدَ بِهِ الذَّاتَ الْعَلِيَّةَ فَلَا شَكَّ فِي الْمَنْعِ قَالَهُ عج، وَجَمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لِأَنَّ شَأْنَ الْقَادِرِ أَنْ يُرْجَى فَضْلُهُ وَيُخَافَ نَكَالُهُ وَهَذِهِ حَالَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي حَالِ الْمَرَضِ فَتَغْلِيبُ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ أَفْضَلُ وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَغْلِبُ الْخَوْفُ. [قَوْلُهُ: الثَّابِتَ] تَفْسِيرٌ لِلْحَقِّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ] أَيْ أَنَّ الْفَتْحَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى مُسْتَقِيمٌ حَتَّى عَلَى الْفَتْحِ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ الضَّعْفِ إنَّ الْكَسْرَ فِيهِ أَبْلَغِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَنْ يُلْحِقُهُ بِالْكَافِرِ بَلْ هُوَ يُلْحِقُهُمْ بِذَاتِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَتْحِ فَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَاعِلٍ. [قَوْلُهُ: فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى لَاحِقٍ] أَيْ فَالْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْحَقَ اللَّازِمُ بِمَعْنَى لَحِقَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْحَقَ الْمُتَعَدِّي، أَيْ مُلْحِقٌ بِهِمْ الْهَوَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْفَتْحُ] أَيْ فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولِ مِنْ أَلْحَقَ الْمُتَعَدِّي. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ إلَخْ] أَيْ فَالْفَاعِلُ هُوَ الْمَوْلَى تبارك وتعالى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ هُوَ الْمَلَائِكَةُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: بِالْكَافِرِينَ] خَصَّهُمْ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعَاصِيَ يُعَذَّبُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَذَابُ الْمُحَتَّمُ شَرْعًا وَالْعَاصِي تَحْتَ الْمَشِيئَةِ.

[قَوْلُهُ: بِأَلْيَتَيْك] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّازِمِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَيْهِمَا كَانَ إقْعَاءٌ] أَيْ يُشْبِهُ الْإِقْعَاءَ لَا إقْعَاءٌ حَقِيقَةً فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَقْعَى إقْعَاءً أَلْصَقَ أَلْيَتَهُ بِالْأَرْضِ وَنَصَبَ سَاقَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَقْعَى الْكَلْبُ اهـ.

هَذَا تَفْسِيرٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَقْعُدْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى] أَيْ قَدَمِك الْيُسْرَى قَالَ: تت أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

ص: 274

يَجْلِسْ عَلَى وَرِكِهِ، وَالصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مِثْلُهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي جَمِيعِ جُلُوسِ الصَّلَوَاتِ (وَإِنْ شِئْت حَنَيْت الْيُمْنَى فِي انْتِصَابِهَا فَجَعَلْت جَنْبَ بُهْمِهَا) فَقَطْ (إلَى الْأَرْضِ) وَتَتْرُكُ الْقَدَمَ قَائِمًا (فَوَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (ثُمَّ) إذَا جَلَسْت بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (تَتَشَهَّدُ وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ لَفْظُهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا (التَّحِيَّاتُ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ (لِلَّهِ) تَعَالَى (الزَّاكِيَاتُ) أَيْ النَّامِيَاتُ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ (لِلَّهِ) تَعَالَى (الطَّيِّبَاتُ) أَيْ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ (الصَّلَوَاتُ) الْخَمْسُ (لِلَّهِ) تَعَالَى (السَّلَامُ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَيْ اللَّهِ (عَلَيْك) حَفِيظٌ وَرَاضٍ (أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) زَادَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ (وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ خَيْرَاتُهُ الْمُتَزَايِدَةُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَلَا تَقْعُدْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلُ: بِأَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ اهـ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى وَضْعِ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، عَلَى أَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ مُلَاصَقَةُ الْأَلْيَةِ الْيُسْرَى بِالْأَرْضِ.

فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ إذَا أَفْضَى بِأَلْيَتِهِ الْيُسْرَى لِلْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا عَلَى قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْوَرِكِ لُصُوقَهُ بِالْأَرْضِ، وَلَمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَضْعِ الْأَلْيَةِ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ تَلَازُمٌ صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُهُ وَإِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي وَجْهِ التَّكْرَارِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت حَنَيْت إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي جَنْبِ الْبَهْمِ خِلَافَ قَوْلِ الْبَاجِيِّ يَكُونُ بَاطِنُ إبْهَامِهَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ لَا جَنْبَهَا اهـ.

وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَالتَّشَهُّدُ] إنَّمَا سُمِّيت هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِالتَّشَهُّدِ لِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالتَّشَهُّدُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا أَوْ عِنْدَ غَيْرِنَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَفْظُهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُلْكِ] أَيْ كَمَلَكَ.

[قَوْلُهُ: مُسْتَحَقَّةٌ] بِفَتْحِ الْحَاءِ. [قَوْلُهُ: الزَّاكِيَاتُ] حُذِفَتْ الْوَاوُ اخْتِصَارًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ تَقْدِيرُهُ وَالزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ وَالطَّيِّبَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا تَزْكُو، أَيْ ثَوَابُهَا يَزْكُو وَيَنْمُو وَهِيَ تَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهَا لِأَنَّ تَحْسِينَ الْعَمَلِ سَبَبٌ فِي التَّوْفِيقِ لِزِيَادَتِهِ [قَوْلُهُ: هِيَ ذِكْرُ اللَّهِ] أَيْ الْمَذْكُورُ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَلِمَاتِ لَيْسَتْ هِيَ نَفْسُ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَلَمْ يَقُلْ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْمُسْتَلِذَّاتِ وَهِيَ لَا تَلِيقُ بِهِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا وَالَاهُ] أَيْ مَا نَاسَبَهُ وَشَابَهَهُ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ حَسَنٍ. [قَوْلُهُ: الْخَمْسُ] أَيْ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالتَّقْدِيرُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ قَصْدُ غَيْرِهِ بِهَا أَوْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ إخْلَاصِنَا الصَّلَوَاتِ لَهُ، أَيْ صَلَاتُنَا مُخْلِصَةٌ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ، أَيْ الدَّعَوَاتُ الَّتِي يُتَضَرَّعُ بِهَا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الرَّحْمَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ، أَيْ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَالْمُعْطِي لَهَا.

[قَوْلُهُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ] وَقِيلَ: مَصْدَرُ الْأَصْلِ يُسَلِّمُ اللَّهُ عَلَيْك سَلَامًا ثُمَّ نُقِلَ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: عَلَيْك] الْأَحْسَنُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ حَفِيظٌ وَرَاضٍ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ رَاضٍ عَلَيْك وَحَفِيظٌ، لَكِنْ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ حَفِيظٌ. [قَوْلُهُ: أَيُّهَا النَّبِيُّ] قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ إنَّمَا قَالَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِأَجْلِ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِالْخِطَابِ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ رَسُولًا عَامٌّ فِي رُسُلِ اللَّهِ وَرُسُلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا وَأَمَّا النَّبِيَّ فَلَفْظٌ خَاصٌّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَخَاطَبَهُ بِالْخَاصِّ فِي مَقَامِ الْخُصُوصِيَّةِ اهـ، وَهُوَ مَعْنًى لَطِيفٌ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يَنْبَغِي إذَا قَالَهُ الْمُصَلِّي أَنْ يَقْصِدَ حِينَئِذٍ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ. [قَوْلُهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَخْ] أَيْ إرَادَةُ إحْسَانِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ، فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ نَفْسَ الْإِحْسَانِ كَمَا قَالَ

ص: 275

(السَّلَامُ) أَيْ أَمَانُ اللَّهِ (عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ (أَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) فِي أَفْعَالِهِ (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ) بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةُ وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدُهُ (وَرَسُولُهُ) بِالضَّمِيرِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ سَلَّمْت بَعْدَ هَذَا) أَيْ بَعْدَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (أَجْزَأَك) أَيْ كَفَاك إلَى مُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةٌ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ.

(وَمِمَّا تُزِيدُهُ إنْ شِئْت وَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ) صلى الله عليه وسلم (حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ) أَيْ أَتَحَقَّقُ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ السَّاعَةَ) أَيْ الْقِيَامَةَ (آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ذَكَرَ الْقُبُورَ إمَّا لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ وَإِمَّا لِأَنَّ قَبْرَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت

ــ

[حاشية العدوي]

الْبَاقِلَّانِيُّ، فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ وَالرَّحْمَةُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ الْعُدُولُ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَمَانُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ فَسَّرَ السَّلَامَ أَوْ بِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَهَا هُنَا بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ كُلُّهُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِذَا تَرَى كَلَامَ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ: اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْنَا أَنَّنَا آمَنَّا بِك وَاتَّبَعْنَاك. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالصَّالِحِ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يَصُومُ أَوْ لَا يَحُجُّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلَفُ فِي صَلَاتِهِمْ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيُوَافِقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَالْمَلَائِكَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِلتَّبْعِيضِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] حَالٌ مِنْ اسْمِ الْجَلَالَةِ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ مُؤَسِّسَةٌ، أَيْ وَاحِدٌ فِي الذَّاتِ وَفِي الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: فِي أَفْعَالِهِ] بِهَذَا التَّقْدِيرِ يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَهُ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَك] وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَيْ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَعْضُهُ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً.

قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ غَيْرُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَجْزَأَك أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالصِّحَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَالْجَوَابُ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ أَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْت] أَيْ أَوْ تُسَلِّمُ وَلَا تَزِيدُهُ تَعَقُّبَ هَذَا بِأَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خُيِّرَ دَفْعًا لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ.

[قَوْلُهُ: لَا رَيْبَ فِيهَا إلَخْ] جَوَابُ عَمَّا يُقَالُ نَفْيُ الرَّيْبِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا رَيْبَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَرْتَابُوا أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ وَنَزَلَ رَيْبُ الْمُرْتَابِينَ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ أَوْ الْمَعْنَى لَيْسَ بِمَظِنَّةٍ لِلرَّيْبِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَغْلَبُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا] يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحْمَةِ إذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ، وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمُ مَعَنَا أَحَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لَقَدْ حَجَرْت " فَأَقَرَّهُ عَلَى دُعَائِهِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ.

[قَوْلُهُ: وَبَارِكْ] أَيْ اُنْشُرْ رَحْمَتَك. [قَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت] الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَرَحِمْت تَأْكِيدًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِ رَحِمْت هَلْ بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا مَعَ التَّخْفِيفِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّوَايَةَ

ص: 276

وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك الْمُقَرَّبِينَ) .

وَفِي نُسْخَةٍ وَالْمُقَرَّبِينَ بِزِيَادَةِ وَاوِ الْعَطْفِ (و) صَلِّ (عَلَى أَنْبِيَائِك الْمُرْسَلِينَ) وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

(وَ) صَلِّ (عَلَى أَهْلِ طَاعَتِك) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ (أَجْمَعِينَ) وَلَوْ كَانُوا عُصَاةً (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) الْمُؤْمِنِينَ (وَ) اغْفِرْ (لِأَئِمَّتِنَا) هُمْ الْعُلَمَاءُ (وَ) اغْفِرْ (لِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ (مَغْفِرَةً عَزْمًا) أَيْ عَاجِلَةً، وَقِيلَ: قَطْعًا وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: إنْ شِئْت لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك) هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إذْ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى مُخْتَصَّةٌ بِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا (وَأَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك) مِنْ كُلِّ شَرٍّ اسْتَعَاذَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الذُّنُوبِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.

(وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَخَّرْنَا) مِنْ الطَّاعَاتِ عَنْ أَوْقَاتِهَا.

(وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا

ــ

[حاشية العدوي]

بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ اهـ.

[قَوْلُهُ: عَلَى إبْرَاهِيمَ] تَنَازَعَتْهُ الْعَوَامِلُ الثَّلَاثَةُ وَلَفْظُ إبْرَاهِيمَ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ أَبٌ رَحِيمٌ [قَوْلُهُ: حَمِيدٌ] بِمَعْنَى مَحْمُودٍ. [قَوْلُهُ: مَجِيدٌ] بِمَعْنَى كَرِيمٍ أَوْ شَرِيفٍ أَوْ وَاسِعِ الْكَرْمِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَالْمُقَرَّبِينَ إلَخْ] أَيْ وَصَلِّ عَلَى عِبَادِك الْمُقَرَّبِينَ فَيَكُونُ شَامِلًا لِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا إسْقَاطُ الْوَاوِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ خَاصَّةً بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ تَشْرِيفًا لَهُمْ قَالَهُ: تت. [قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَيْضًا] أَيْ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانُوا عُصَاةً] أَيْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالطَّاعَةِ أَصْلَ الْإِيمَانِ.

[قَوْلُهُ: لِوَالِدَيْ] بِفَتْحِ الدَّالِ فَيَكُونُ مُثَنًّى وَيُحْتَمَلُ بِكَسْرِهَا فَيَكُونُ جَمْعًا قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَفِي كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِمَّنْ أَرَادَ قَبُولَ دُعَائِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَالِدَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ بِمُعَلِّمِيهِ قَبْلَ أَبَوَيْهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمُعَلِّمَ تَسَبَّبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى شَرَفِ الْوَالِدَيْنِ اهـ.

أَقُولُ وَيُقَوِّي الثَّانِيَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّ عَاقَّ الْمُعَلِّمِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِخِلَافِ عَاقِّ الْوَالِدَيْنِ. [قَوْلُهُ: هُمْ الْعُلَمَاءُ] قَالَ: تت لِدُخُولِ الْأُمَرَاءِ فِيهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي الْإِمَارَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الصَّحَابَةُ] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّابِقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ عَمَّمَ تت.

قَالَ: وَهُوَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَأَمَّا عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِك.

[قَوْلُهُ: قَطْعًا] أَيْ مِنْ صِفَةِ الْمَغْفِرَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْك يَا رَبُّ أَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ بِهَا. [قَوْلُهُ: وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ إلَخْ] إنَّمَا يَأْتِي هَذَا أَنْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذِكْرَ الدُّعَاءِ، وَيَقْطَعُ بِذَلِكَ أَيْ يَقْطَعُ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَيْ لَا تَقُولُ: اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: إنْ شِئْت إلَخْ] أَيْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدَّرْت غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ إظْهَارِ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِغِنَى الْعَبْدِ عَنْ الرَّبِّ، وَطَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَإِنَّ مَا شَاءَ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ فَتَكُونُ مَعْصِيَةً كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ.

[قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك» إلَخْ] وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدُّعَاءُ بِهِ مَنْدُوبٌ لِأَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الدُّعَاءِ وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الدُّعَاءَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا، وَأَخَذَ يُكْثِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:«قُلْ اللَّهُمَّ» .

[قَوْلُهُ: هَذَا عَامٌّ إلَخْ] أَيْ فَتَكُونُ مِنْ صِلَةٍ أَوْ بَيَانًا لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ، أَسْأَلُك شَيْئًا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ سَأَلَك مِنْهُ إلَخْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: إذْ الشَّفَاعَةُ إلَخْ] أَيْ وَغَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا اخْتَصَّ بِهِ صلى الله عليه وآله وسلم.

[قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ شَرٍّ] مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: بَعْضُهَا] بَدَلٌ مِنْ الذُّنُوبِ بَدَلُ بَعْضٍ وَقَوْلُهُ: عَلَى بَعْضٍ حَالٌ وَالتَّقْدِيرُ حَالُ كَوْنِ بَعْضِهَا كَائِنًا عَلَى بَعْضٍ، أَيْ مُتَرَادِفًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا أَخَّرْنَا مِنْ الطَّاعَاتِ إلَخْ] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الطَّاعَاتُ وَاجِبَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَالْمُرَادُ بِغُفْرَانِهَا عَدَمُ اللَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِبَارَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ

ص: 277

أَسْرَرْنَا) أَيْ أَخْفَيْنَا مِنْ الْمَعَاصِي عَنْ الْخَلْقِ (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَعْلَنَّا) أَيْ أَظْهَرْنَا لِلْخَلْقِ مِنْ الْمَعَاصِي (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا) أَيْ مَا وَقَعَ مِنَّا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ بِحُكْمِهِ أَوْ وَقَعَ مِنَّا عَمْدًا وَنَسِينَاهُ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قِيلَ: هِيَ الْعِلْمُ.

وَقِيلَ: هِيَ الْمَالُ الْحَلَالُ، وَقِيلَ هِيَ الزَّوْجَةُ الْحَسَنَةُ، وَقِيلَ هِيَ الْعَافِيَةُ (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) وَهِيَ الْجَنَّةُ (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً، وَقِيلَ عَذَابُ النَّارِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ فِي الدُّنْيَا (وَأَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا) وَهِيَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الْعِصْيَانُ.

(وَ) أَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ (الْمَمَاتِ) وَهِيَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ التَّبْدِيلُ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وَالْأَرْزَاقُ تَتْبَعُهُ، فَمَنْ تَبِعَهُ كَفَرَ وَهُوَ يَسْلُكُ الدُّنْيَا كُلَّهَا إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَيَبْقَى فِي الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْقَدَمَيْنِ لَا أَخْمَصَ لَهُمَا: وَقِيلَ: لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ أَيْ طَوَافِهِ فِيهَا فِي أَمَدٍ يَسِيرٍ وَوَصْفُهُ بِ (الدَّجَّالِ) لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى عليه السلام

ــ

[حاشية العدوي]

وَاغْفِرْ لَنَا ذَنْبَ مَا أَخَّرْنَا إلَخْ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مَا وَقَعَ مِنَّا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ بِحُكْمِهِ] أَيْ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَ مِنَّا عَمْدًا] لِأَنَّ مَا وَقَعَ حَالَ النِّسْيَانِ لَا إثْمَ فِيهِ لِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» . [قَوْلُهُ: الزَّوْجَةُ الْحَسَنَةُ] هِيَ الَّتِي إذَا رَأَيْتهَا سَرَّتْك وَحَفِظَتْك فِي مَالِك وَنَفْسِهَا وَالزَّوْجَةُ السُّوءُ بِالْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ الْعَافِيَةُ] وَهُوَ الْأَوْلَى قَالَ عج، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا الْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَافِيَةُ فِي الْآخِرَةِ وَلَوْ فُسِّرَتْ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ بِخَيْرِهَا مَا بَعُدَ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَنَّةُ] وَقِيلَ الْمَغْفِرَةُ وَقِيلَ: الْعَافِيَةُ فِي الْآخِرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً] كِنَايَةً عَنْ الْبُعْدِ مِنْهَا وَالْقُرْبِ مِنْ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِصْيَانُ] وَقِيلَ: الْمَالُ وَالْوَلَدُ وَالْأَحْسَنُ كُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنْ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: فِتْنَةَ الْمَحْيَا] وَالْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ بِمَعْنَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: التَّبْدِيلُ عِنْدَ الْمَوْتِ] وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَعَدَ مَعَهُ شَيْطَانَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَاَلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ عَلَى صِفَةِ أَبِيهِ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ، إنَّك لَتَعِزُّ عَلَيَّ وَإِنِّي عَلَيْك لَشَفِيقٌ وَلَكِنْ مُتْ عَلَى دِينِ النَّصَارَى فَهُوَ خَيْرُ الْأَدْيَانِ، وَاَلَّذِي عَنْ شِمَالِهِ عَلَى صِفَةِ أُمِّهِ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ مُتْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ فَهُوَ خَيْرُ الْأَدْيَانِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى قَبَضَ رُوحَهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا نَزَلُوا فَرَّ الشَّيْطَانُ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ] أَيْ عَدَمُ رَدِّ الْجَوَابِ حِينَ يَسْأَلُهُ يَقُولُ الْمَلَكُ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك، إلَخْ أَيْ فَلَا يُجِيبُ بِقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ إلَخْ [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجَعَلَهُ تت تَصْحِيفًا. [قَوْلُهُ: وَالْأَرْزَاقُ تَتْبَعُهُ] فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ وَالْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ وَأَنَّهُ يَزْرَعُ الزَّرْعَ وَيَحْصُدُهُ وَيُغَرْبِلُهُ وَيَطْحَنُهُ وَيَعْجِنُهُ وَيَخْبِزُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَقُولُ: مَنْ أَطَاعَنِي أَكَلَ مِنْ رِزْقِي وَأَدْخَلْته جَنَّتِي وَمَنْ عَصَانِي أَدْخَلْتُهُ نَارِي» .

[قَوْلُهُ: إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ إلَخْ] وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ فَلَا يَبْقَى مَوْضِعٌ إلَّا وَيَدْخُلُهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَبَلَ الطُّورِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَطْرُدُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا] رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَثْبُتُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: لَا اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ» .

[قَوْلُهُ: لَا أَخْمَصَ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَمْسُوحُ الْقَدَمَيْنِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَمِصَ الْقَدَمُ خُمُوصًا مِنْ بَابِ تَعِبَ ارْتَفَعَتْ عَنْ الْأَرْضِ فَلَمْ تَمَسَّهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: فِي أَمَدٍ يَسِيرٍ إلَخْ] هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ] فَقَدْ قَالَ الْحَطَّابُ: قِيلَ: مِنْ دَجَلَ، أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ دَجَلَ إذَا سَتَرَ وَغَطَّى وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَقَّ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: وَالْفَرْقِ] بِالْجَرِّ

ص: 278

وَسُمِّيَ عِيسَى عليه السلام مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَا مَسَحَ عَلَى ذِي عَاهَةٍ إلَّا وَبَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: لِسِيَاحَتِهِ فِي الْأَرْضِ فَعِيسَى عليه السلام مَسِيحُ الْهُدَى وَالدَّجَّالُ مَسِيحُ الضَّلَالِ.

(وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ عَذَابِ النَّارِ) وَقَوْلُهُ (وَسُوءُ الْمَصِيرِ) قِيلَ: إنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَالْمَمَاتِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَإِذَا فَرَغْت مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَلَا تُسَلِّمُ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ حَتَّى تَقُولَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا قَالَ ع وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) .

وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الْقَرَافِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّسْلِيمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَعَا.

وَعَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْك إلَخْ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ تُسَلِّمُ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ فَ (تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) وَهَذَا السَّلَامُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ إمَامٍ وَفَذٍّ وَمَأْمُومٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ، وَيَتَعَيَّنُ لَهُ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ.

وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ أَمْ لَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا بَطَلَتْ

ــ

[حاشية العدوي]

مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ بِالْبَرَكَةِ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَكَأَنَّ الْبَرَكَةَ شَيْءٌ حِسِّيٌّ كَالدُّهْنِ وَمَسْحُ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مَشْمُولٌ بِالْبَرَكَةِ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَنَّهُ إلَخْ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِسِيَاحَتِهِ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ فَكَانَ شَأْنُهُ صلى الله عليه وسلم. [قَوْلُهُ: مَسِيحُ الْهُدَى] أَيْ الْمَسِيحُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ لِلْهُدَى لِكَوْنِهِ مُتَّبَعًا [قَوْلُهُ: مَسِيحُ الضَّلَالِ] أَيْ الْمَسِيحُ الْمَنْسُوبُ لِلضَّلَالِ لِكَوْنِهِ مُتَّبِعًا لَهُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: قِيلَ إنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَصِيرَ مَعْنَاهُ الْمَرْجِعُ، أَيْ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ بِالْمَوْتِ فَالْخَاتِمَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فَتَفْسِيرُهُ، أَيْ سُوءُ الْمَصِيرِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ] بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ سُوءَ الِانْقِلَابِ، أَيْ التَّحْوِيلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَهُوَ تَكْرَارٌ. إلَخْ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ أَنْسَبُ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِعَذَابِ النَّارِ لِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى أُخْرَى مَوْجُودٌ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ بَعْضٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ، أَيْ عَنْ بَحْثِ الشَّارِحِ بِأَنَّ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ لَا يَقُولُ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ حَيْثُ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَى آخِرِ مَا فِي شَارِحِنَا، أَفَادَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَعَ ضَعْفِهَا هِيَ خَاصَّةٌ بِالْمَأْمُومِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَنْ مَالِكٍ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ الْمَشْهُورِ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ كَمَا هُوَ صَرِيحَةً. [قَوْلُهُ: وَيَتَعَيَّنُ لَهُ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] أَيْ بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّرْتِيبِ وَصِفَةُ الْجَمْعِ فَلَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامِي عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ أَسْقَطَ أَلْ لَمْ يُجْزِهِ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ، أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالتَّنْوِينِ فِي السَّلَامِ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ وَمَالَ إلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي عِمْرَانَ.

[قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَأَقَرَّهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا، لَكِنْ يُنْدَبُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَيْهِ نَعَمْ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ جُمْلَةً خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِنِيَّتِهِ، وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ حَيْثُ كَانَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُ مَعْنًى، فَلَوْ سَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ عَجْزًا عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَيَظْهَرُ لَنَا عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ] وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الِاشْتِرَاطِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ إمَامًا يَقْصِدُ بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ، وَيَقْصِدُ زِيَادَةً عَلَيْهِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْمَأْمُومِ يَنْوِي بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ نَدْبًا

ص: 279

صَلَاتُهُ وَصِفَتُهُ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّك إمَّا أَنْ تَكُونَ إمَامًا أَوْ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا وَإِلَى الْأَوَّلَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِك تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك وَتَتَيَامَنُ بِرَأْسِك قَلِيلًا هَكَذَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ) وَيَجْهَرَانِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ جَزْمُهُ، وَجَزْمُ الْإِحْرَامِ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا.

وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: عَنْ يَمِينِك أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِالْيُمْنَى وَظَاهِرَ قَوْلِهِ: تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْقِبْلَةِ أَجَابَ عَنْهُ. ع: بِأَنَّ الْأَخِيرَ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ حِينَ قَالَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِك كَيْفَ يُسَلِّمُ بِهَا عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك وَتَتَيَامَنُ بِرَأْسِك قَلِيلًا فَهُوَ يَبْدَأُ بِهَا إلَى وَيَخْتِمُ بِهَا مَعَ التَّيَامُنِ اهـ.

وَالتَّيَامُنُ بِقَدْرِ مَا تَرَى صَفْحَةَ وَجْهِك سُنَّةً عَلَى مَا قَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتَرَزَ بِقَلِيلٍ مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ جِدًّا، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَمِينِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ أُخْرَى حَتَّى تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إمَامًا أَوْ فَذًّا وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ سَلَامِهِمَا.

(وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَ) صِفَةُ سَلَامِهِ أَنَّهُ (يُسَلِّمُ

ــ

[حاشية العدوي]

وَبِالثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَالْفَذُّ يَنْوِي بِهَا التَّحْلِيلَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ نَدْبًا وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ اشْتَرَطَ مَعَهَا نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَدِّدٌ وَيَقَعُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَاحْتَاجَتْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لِمُصَاحَبَتِهَا النِّيَّةَ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزَ، وَأَيْضًا ضَعُفَ أَمْرُ التَّسْلِيمِ وَعَظُمَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَكْتَفِي بِكُلِّ مُنَافٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ.

[قَوْلُهُ: وَيَجْهَرَانِ بِهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا أَوْ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا، وَأَمَّا تَسْلِيمَةُ غَيْرِهِ وَلَا تَتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمَأْمُومِ فَالْأَفْضَلُ فِيهَا السِّرُّ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَحْصُلُ بِجَهْرِهِ التَّخْلِيطُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَجَهْرُهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا، وَيَنْدُبُ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ كَغَيْرِهَا لِلْإِمَامِ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ السِّرُّ كَالْفَذِّ.

[قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ جَزْمُهُ وَجَزْمُ الْإِحْرَامِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَكَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْرَاعُ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُ لَا تَرْكُ الْحَرَكَةِ، اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: بِالْيُمْنَى] أَيْ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بِالْقِبْلَةِ.

1 -

[قَوْلُهُ: فَهُوَ يَبْدَأُ بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ وَيَخْتِمُ بِهَا مَعَ التَّيَامُنِ، أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ، أَيْ التَّيَامُنُ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ وَانْظُرْ هَلْ الْبَدْءُ لِلْقِبْلَةِ وَالْخَتْمُ مَعَ التَّيَامُنِ مِنْ مَنْدُوبٍ وَاحِدٍ أَوْ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ إلَخْ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ جِدًّا] أَيْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَبْتَدَأَ السَّلَامَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِذَا تَحَوَّلَ جِدًّا فَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَلِّمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ] أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَنْدُوبًا وَهَلْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ الِابْتِدَاءُ بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُمَا مَأْمُورَانِ بِالِاسْتِقْبَالِ فِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ نُدِبَ انْحِرَافُهُ فِي أَثْنَائِهِ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ الِانْحِرَافُ دَلِيلًا لِنَحْوِ الْأَصَمِّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ.

[قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ] أَيْ قَاصِدًا التَّحْلِيلَ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَكَلَّمَ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ أُخْرَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ، فَسَوَاءٌ سَلَّمَ أَوْ لَا، تَكَلَّمَ أَوْ لَا، الْتِفَاتٌ إلَى ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ] أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّيَامُنَ وَهُوَ فَضِيلَةٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ الْبُطْلَانِ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّيَامُنَ.

[قَوْلُهُ: إمَامًا أَوْ فَذًّا] وَمِثْلُهُمَا الْمَأْمُومُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْيَسَارِ لِلْفَضْلِ عَمْدًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدِ لِلْأُولَى أَوْ سَاهِيًا يَظُنُّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرَى أَنَّ تَسْلِيمَةَ الْيَسَارِ فَضِيلَةٌ لَا تُخْرِجُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَطَالَ الْأَمْرُ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ بَطَلَتْ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا بُطْلَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ التَّسْلِيمُ لِلْفَضِيلَةِ

ص: 280

تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا وَيَرُدُّ أُخْرَى عَلَى الْإِمَامِ قُبَالَتَهُ) أَيْ قُبَالَةَ الْإِمَامِ وَهُوَ سُنَّةٌ (يُشِيرُ بِهَا إلَيْهِ) بِقَلْبِهِ وَقِيلَ: بِرَأْسِهِ إنْ كَانَ أَمَامُهُ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ تَرَكَ الْإِشَارَةَ بِرَأْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ (وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ كَانَ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ) إنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَى يَسَارِهِ شَيْئًا) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ. بَهْرَام: وَهَلْ يَرُدُّ الْمَسْبُوقُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ كَانَ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَرُدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ رِوَايَتَانِ، اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّدَّ.

وَلَوْ انْصَرَفَ مِنْ عَلَى يَسَارِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدَ وَكَانَ مَحَلُّهُ الْجُلُوسَ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ يَدَيْهِ فِي جُلُوسِهِ لَهُ وَكَيْف يَضَعُهُمَا وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَتَحْرِيكُهَا وَمَا يَعْتَقِدُهُ بِذَلِكَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ:.

الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ فِي تَشَهُّدَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ تَشَهُّدِهِ (عَلَى فَخْذَيْهِ) يُرِيدُ أَوْ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا الْجَعْلُ مُسْتَحَبٌّ. وَالثَّانِي شَيْئَانِ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ الْيُسْرَى

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَى الْيَسَارِ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَعَلَهُ مَعَ قَصْدِ الْإِتْيَانِ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ عَقِبَهُ صَارَ كَمَنْ قَدَّمَ فَضِيلَةً عَلَى فَرْضٍ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ] أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ. [قَوْلُهُ: يَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا] أَيْ يُوقِعُ جَمِيعَهَا عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلَ بِهَا، أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَأْمُومَ كَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى الرَّاجِحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا أَنَّ سَلَامَهُمَا وَرَدَّهُمَا فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ فَاسْتَقْبَلَا فِي أَوَّلِهِ الْقِبْلَةَ كَسَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ سَلَّمَ إمَامُهُ وَهُوَ تَبَعٌ لَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ أُخْرَى] أَيْ وَيُسَنُّ أَنْ يَرُدَّ أُخْرَى. [قَوْلُهُ: قُبَالَتَهُ] أَيْ يُوقِعُهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَتَيَامَنُ وَلَا يَتَيَاسَرُ بِهَا. [قَوْلُهُ: بِقَلْبِهِ] أَيْ لَا بِرَأْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ أَمَامَهُ أَوْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ، وَيُجْزِئُهُ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْك السَّلَامُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِرَأْسِهِ إنْ كَانَ أَمَامَهُ] هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَظَاهِرُ ذَلِكَ الْقَوْلِ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ عج.

وَقَالَ أَيْضًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ كَانَ أَمَامَهُ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ فَإِنَّهُ بِقَلْبِهِ اتِّفَاقًا أَيْ يَنْوِي الْإِشَارَةَ إلَيْهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَيَرُدَّ] أَيْ الْمَأْمُومُ، أَيْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ. [قَوْلُهُ: عَلَى يَسَارِهِ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الَّذِي سَلَّمَ عَلَيْهِ كَائِنًا عَلَى يَسَارِهِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى يَسَارِهِ إلَّا إذَا سَلَّمَ الَّذِي عَلَى يَسَارِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ لِذُهُولِهِ عَنْ السَّلَامِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَامِلًا لِصُورَتَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بِيَسَارِهِ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ وَلَا يَصِحُّ بَلْ مَا مَدْلُولُهُ إلَّا صُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ] أَيْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، فَمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لَا يَرُدُّ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ لِرَدِّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ سَلَّمَ قَبْلَ الْمَأْمُومِ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ السَّابِقُ بِالسَّلَامِ هُوَ الْمَأْمُومَ كَأَهْلِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ عَلَى الْإِمَامِ وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّدَّ] أَيْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فِي جُلُوسِهِ لَهُ] أَيْ لِلتَّشَهُّدِ. [قَوْلُهُ: وَكَيْفَ يَضَعُهُمَا] أَيْ جَوَابُ كَيْفَ يَضَعُهُمَا.

[قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: فِي تَشَهُّدَيْهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَمِثْلُهُمَا فِي حَالِ الدُّعَاءِ أَيْضًا إلَى السَّلَامِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةِ تَشَهُّدِهِ] يُرَادُ الْجِنْسُ وَهِيَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا فِيهِ تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ. [قَوْلُهُ: عَلَى فَخْذَيْهِ إلَخْ] تَثْنِيَةُ فَخْذٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ وَالْوَرِكِ وَكَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ.

وَفِي التَّتَّائِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَهُمَا قَرِيبَتَانِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ أَوْ رُكْبَتَيْهِ

ص: 281

تُخَالِفُ وَضْعَ الْيُمْنَى وَسَيَأْتِي.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيُمْنَى فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيَبْسُطُ) أَيْ يَمُدُّ (السَّبَّابَةَ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَسَابُّونَ بِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الدَّاعِيَةَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالْمُسَبِّحَةَ لِأَنَّهُ يُسَبَّحُ بِهَا وَمِذَبَّةً لِلشَّيْطَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَمُدُّ الْإِبْهَامَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الطِّرَازِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَبْضُ الْيُمْنَى إلَّا الْمُسَبِّحَةَ فَيَبْسُطُهَا دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ يَمُدُّهُ مَعَ السَّبَّابَةِ بَهْرَامُ: وَيَجْعَلُهُ تَحْتَ السَّبَّابَةِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ كَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ خَاصٌّ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَضَعُهُمَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْجُلُوسَيْنِ. ق: وَمَا قَالَاهُ لَا يُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ مَنْصُوصًا وَالثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (يُشِيرُ بِهَا) أَيْ السَّبَّابَةِ الْإِشَارَةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَسْطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمَدُّ، وَالْإِشَارَةُ النَّصْبُ حَتَّى كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَطْعَنَ شَخْصًا أَمَامَهُ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ أَنْ يَبْسُطَ وَلَا يُشِيرَ وَبِقَوْلِهِ:

ــ

[حاشية العدوي]

إلَخْ] مَرْدُودٌ إذْ لَا يُنْدَبُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، بَلْ يُنْدَبُ وَضْعُهُمَا بِقُرْبِهِمَا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ عَلَى فَخْذَيْهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ.

[قَوْلُهُ: كَانُوا يَتَسَابُّونَ بِهَا] أَيْ يُشِيرُونَ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ] أَيْ دُعَاءِ الْمَوْلَى تبارك وتعالى فِي طَلَبِ حَاجَةٍ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ، قُلْت: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ تَآلِيفِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَشْفُ الْيَدَيْنِ.

وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ فِيهِ بِإِصْبَعَيْنِ وَإِنَّمَا يُشِيرُ بِسَبَّابَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى، اهـ لَفْظُهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُسَبَّحُ بِهَا] أَيْ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ كَذَا قَالَ عج، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّسْبِيحِ أَيْ التَّنْزِيهِ عَنْ الشَّرِيكِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرِهِ سُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِإِشَارَةِ الْعَرَبِ بِهَا لِلسَّبِّ وَمُسَبِّحَةً لِلْإِشَارَةِ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ. [قَوْلُهُ: وَمُذِبَّةً لِلشَّيْطَانِ] فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ مُذِبَّةٌ لِلشَّيْطَانِ لَا يَسْهُو أَحَدُكُمْ مَا دَامَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ اهـ. وَمُذِبَّةٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةٍ آخِرُهُ تَاءٌ، أَيْ مُطْرِدَةٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُمَدُّ الْإِبْهَامُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَإِذَا قُلْنَا: يَقْبِضُ الْإِبْهَامَ فَقِيلَ: يَجْعَلُ طَرَفَهَا عَلَى الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى مِنْ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَقِيلَ: يَجْعَلُهُ دُونَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا يَعْطِفُهُ جِدًّا اهـ.

[قَوْلُهُ: دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ «كَانَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ وَأَنَّ الْإِبْهَامَ مَمْدُودَةٌ كَالسَّبَّابَةِ فَلَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَنَصُّهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةَ، وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى» اهـ. فَقَوْلُهُ وَدَلِيلُهُ، أَيْ دَلِيلُ كَوْنِهِ يُمِدُّهُ مَعَ السَّبَّابَةِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ بِتَمَامِهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَقْدُهُ يُمْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْهِ مَادًّا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُهُ تَحْتَ السَّبَّابَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى هَيْئَةِ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ وَالْوُسْطَى أَطْرَافَهُنَّ عَلَى اللَّحْمَةِ الَّتِي تَحْتَ الْإِبْهَامِ وَيَبْسُطُ الْمُسَبِّحَةَ وَيَجْعَلُ جَنْبَهَا إلَى السَّمَاءِ وَيُمِدُّ الْإِبْهَامَ بِجَنْبِهَا عَلَى الْوُسْطَى فَقَبْضُ الثَّلَاثَةِ وَوَضْعُ أَطْرَافِهِنَّ عَلَى اللَّحْمَةِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ هُوَ قَبْضُ تِسْعَةٍ وَمَدُّ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ هُوَ الْعِشْرُونَ. [قَوْلُهُ: عَامٌّ فِي الْجُلُوسَيْنِ] أَيْ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَالْجُلُوسِ الَّذِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَسْطِ] فَالْبَسْطُ الْمَدُّ

ص: 282

(وَقَدْ نَصَبَ حَرْفَهَا) أَيْ جَنْبَهَا (إلَى وَجْهِهِ) أَيْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ (احْتِرَازًا) مِنْ أَنْ يَبْسُطَهَا وَبَاطِنُهَا إلَى الْأَرْضِ وَظَاهِرُهَا إلَى وَجْهِهِ وَبِالْعَكْسِ.

وَالرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَاخْتُلِفَ فِي تَحْرِيكِهَا) فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحَرِّكُهَا.

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَا يُحَرِّكُهَا، وَإِذَا قُلْنَا يُحَرِّكُهَا فَهَلْ فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ أَوْ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ قَوْلَانِ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَهَلْ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ قَوْلَانِ وَالْخَامِسُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَقِيلَ يُعْتَقَدُ بِالْإِشَارَةِ بِهَا) أَيْ بِنَصْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ (أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَ) قِيلَ (يَتَأَوَّلُ) أَيْ يَعْتَقِدُ (مَنْ يُحَرِّكُهَا أَنَّهَا مَقْمَعَةٌ) أَيْ مَطْرَدَةٌ (لِلشَّيْطَانِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمِقْمَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ إذَا جَعَلْتهَا مَحَلًّا لِقَمْعِهِ وَإِنْ جَعَلْتهَا آلَةً لِقَمْعِهِ قُلْت مِقْمَعَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَأَحْسَبُ) أَيْ أَظُنُّ (تَأْوِيلَ) أَيْ مَعْنَى (ذَلِكَ) التَّحْرِيكِ (أَنْ يَذْكُرَ بِذَلِكَ) التَّحْرِيكِ (مِنْ أَمْرِ) أَيْ شَأْنِ (الصَّلَاةِ مَا يَمْنَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (عَنْ السَّهْوِ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ.

(وَ) مَا يَمْنَعُهُ عَنْ (الشُّغْلِ عَنْهَا) وَهُوَ مَا يُشْغَلُ بِهِ قَلْبُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى كَيْفِيَّةِ وَضْعِ

ــ

[حاشية العدوي]

وَالْإِشَارَةُ زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْبَسْطُ وَالْبَسْطُ لَا يَتَضَمَّنُهَا.

[قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] يُحَرِّكُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ ضَعِيفٌ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُزَيْنٍ أَصْلُهُ مِنْ طُلَيْطِلَةَ وَانْتَقَلَ إلَى قُرْطُبَةَ وَدَخَلَ الْعِرَاقَ وَسَمِعَ مِنْ الْقَعْنَبِيِّ وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ فِي جَمْعِ التَّشَهُّدِ] أَيْ مِنْ مَبْدَأِ التَّحِيَّاتِ إلَى رَسُولِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّكُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ الَّذِي آخِرُهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، هَذَا صَرِيحُ حِلِّ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لِكَلَامِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ يُحَرِّكُهَا لِآخِرِ الدُّعَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ بِنَصْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ] قَالَ عج بَعْدَ نَفْلِ كَلَامِهِ قُلْت: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ بِنَصْبِهَا سِوَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا فِي تَحْرِيكِهَا فَذَكَرَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ قَوْلَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَ قَوْلِهِ فَقِيلَ: يَعْتَقِدُ بِالْإِشَارَةِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَاحِدٌ] أَيْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ] أَيْ الْأُولَى كَمَا فِي عج فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمِقْمَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى إذَا جَعَلْتهَا مَحَلًّا لِقَمْعِهِ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: قُلْت مِقْمَعَةً إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَمَعْته قَمْعًا أَذْلَلْته وَقَمَعْته ضَرَبْته بِالْمِقْمَعَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَهِيَ خَشَبَةٌ يُضْرَبُ بِهَا الْإِنْسَانُ عَلَى رَأْسِهِ لِيُذَلَّ وَيُهَانَ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ] لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةُ التَّأْوِيلِ الَّتِي هِيَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَسَّرَهُ بِمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ عِلَّةُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَذْكُرَ] أَيْ تَذْكُرُهُ أَيْ اسْتِحْضَارُهُ.

[قَوْلُهُ: بِذَلِكَ التَّحْرِيكِ] أَيْ فَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَقِيلَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَقِيلَ عَلَيْهِمَا مَعًا.

قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَهُوَ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ. [قَوْلُهُ: مَا يَمْنَعُهُ] أَيْ شَيْئًا يَمْنَعُهُ وَهَذَا الشَّيْءُ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ تت الْآتِيَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ لِقَوْلِهِ وَأَحْسَبُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ لِقَوْلِهِ مَا يَمْنَعُهُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ] فَسَّرَ السَّهْوَ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ لَا بِحَقِيقَتِهِ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِهَا لَصَحَّ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَمْنَعُهُ] أَيْ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ.

[قَوْلُهُ: عَنْ الشُّغْلِ عَنْهَا] أَيْ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ، أَيْ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِأَمْرٍ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ لَيْسَ بَيَانًا لِمَا وَلَا بَيَانًا لِلشُّغْلِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَائِدٌ عَلَى مَا يُشْغَلُ بِهِ الْمَفْهُومُ مِنْ الشُّغْلِ كَحِسَابِ الْعَدَدِ مَثَلًا، إذْ هُوَ أَمْرٌ شَأْنُهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ قَلْبُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: قَلْبُهُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي اشْتِغَالُ الْجَوَارِحِ مَعَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ [قَوْلُهُ: خَارِجَ الصَّلَاةِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُشْغَلُ إلَخْ.

قَالَ تت وَإِنَّمَا خُصَّتْ السَّبَّابَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عِرْقًا مِنْهَا يَتَّصِلُ بِالْقَلْبِ، فَإِذَا تَحَرَّكَتْ تَحَرَّكَ الْقَلْبُ وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي تَرْكِ السَّهْوِ.

قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا يَمْنَعُهُ وَيَحْفَظُهُ عَنْ السَّهْوِ كَالْخَاتَمِ يَكُونُ فِي أُصْبُعٍ فَإِذَا

ص: 283

الْيُسْرَى بِقَوْلِهِ: (وَيَبْسُطُ) أَيْ يَمُدُّ (يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْأَيْسَرِ وَلَا يُحَرِّكُهَا) أَيْ السَّبَّابَةَ (وَلَا يُشِيرُ بِهَا) . ج: بَسْطُ الْيَدِ الْيُسْرَى مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَدُّهَا، وَهَلْ التَّحْرِيكُ مُرَادِفٌ لِلْإِشَارَةِ أَوْ مُغَايِرٌ؟ قَوْلَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُغَايِرَةُ لِعَطْفِهِ الْإِشَارَةَ عَلَى التَّحْرِيكِ.

(وَيُسْتَحَبُّ الذِّكْرُ بِأَثَرِ الصَّلَوَاتِ) الْمَفْرُوضَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِنَافِلَةٍ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ «رَجُلًا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَقَامَ يَتَنَفَّلُ فَجَذَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَجْلَسَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَا تُصَلِّ النَّافِلَةَ بِأَثَرِ الْفَرِيضَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَصَبْت يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ اللَّهُ بِك» وَالذِّكْرُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا أَنَّهُ (يُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَسْبِيحَةً.

(وَيَحْمَدُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَحْمِيدَةً (وَيُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَكْبِيرَةً (وَيَخْتِمُ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ع: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ بِتَرْكِ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ. وَيُرْوَى هُنَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ انْتَهَى. وَقَدَّمَ التَّحْمِيدَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَكَسَ فِي بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِثْلُ مَا هُنَا، وَفِي الْمُوَطَّأِ مِثْلُ مَا فِي بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً مَجْمُوعَةً لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاوِ لَا بِثُمَّ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ أَنْ يَقُولَهَا مُفَرَّقَةً فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمُ ذَلِكَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ (وَيُسْتَحَبُّ بِإِثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ

ــ

[حاشية العدوي]

صَلَّى رَكْعَةً يَنْزِعُهُ وَيَجْعَلُهُ فِي أُخْرَى. [قَوْلُهُ: أَيْ السَّبَّابَةَ] الْأَوْلَى عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ، أَيْ سَبَّابَتَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ ضَمِيرَ يُحَرِّكُهَا إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْيُسْرَى لِأَنَّهَا الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُشِيرُ بِهَا] وَلَوْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مُغَايِرٌ إلَخْ] الظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ.

[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَثَرِ الصَّلَوَاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَثَرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ بِفَاصِلٍ، فَلَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّرِيقَةُ الْمَشْرُوعَةُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إلَّا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، أَيْ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ تَسْبِيحٍ مُطْلَقٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَكْبِيرٍ، كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُهُ لَا لِذِكْرٍ مَشْرُوعٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَخَّرَهُ لِسَبَبِ الْإِتْيَانِ بِمَا شَرَعَ أَيْضًا عَقِبَ الصَّلَوَاتِ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ثَلَاثًا. وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي تَأْخِيرِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ إلَخْ، وَإِنَّمَا الْمُضِرُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَحَاجَةِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا شُرِعَ مِنْ الْأَذْكَارِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: أَصَابَ اللَّهُ بِك] أَيْ أَوْقَعَ اللَّهُ الصَّوَابَ مُلْتَبِسًا بِك أَيْ عَلَى يَدَيْك. [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ اللَّهَ] أَيْ بِمَدِّ الْجَلَالَةِ مَدًّا طَبِيعِيًّا. [قَوْلُهُ: لَهُ الْمُلْكُ] أَيْ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ] أَيْ مُشِيءٌ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُمَكَّنًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى] هَذَا مُقَابِلَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ] أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبْرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَخْتِمُ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ وَأَقُولُ فَيُسْتَفَادُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَقَالَ تت، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الثَّلَاثَةَ جُمْلَةً أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَحْوَطُ الْجَمْعُ بَيْنَ

ص: 284

التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ) .

ع: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الذِّكْرَ خِلَافُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِالذِّكْرِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُ الذِّكْرِ مَا بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ إلَخْ (إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ طُلُوعِهَا) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ تَامَّةً تَامَّةً» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ السَّلَفِ رضي الله عنهم، كَانُوا يُثَابِرُونَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا.

وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ (وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) قَدْ أُخِذَ مِنْهُ بَيَانُ وَقْتِهَا فَلَا تُجْزِئُ إذَا رَكَعَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ تَابِعَةً لِفَرِيضَةِ الْفَجْرِ، فَتَعَلَّقَتْ بِوَقْتِ الْمَتْبُوعِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ حُكْمُهَا، وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ قَوْلَيْنِ: الرَّغِيبَةُ وَالسُّنِّيَّةُ، وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ.

الثَّانِي: وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَمْتَازَا عَنْ النَّوَافِلِ، فَإِنْ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ نِيَّةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ تَجْزِيَاهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهُمَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (يُسِرُّهَا) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها

ــ

[حاشية العدوي]

الرِّوَايَاتِ يُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمُ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي وَيَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَهُ هَذَا الشَّرَفُ لِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَذْكَارِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَرَأَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِغْفَارِ، وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْلَى أَوْ الِاسْتِغْفَارُ؟ التَّادَلِيُّ وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لِقِلَّةِ الْحَامِلِينَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ لِخَبَرِ، «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» . [قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْغَايَةَ بِإِلَى خَارِجَةٌ وَتَعْبِيرَ الْحَدِيثِ بِحَتَّى يُفِيدَ الدُّخُولَ فَتَكُونُ إلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى حَتَّى، أَيْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ. [قَوْلُهُ: الْفَجْرِ] أَيْ الصُّبْحِ. [قَوْلُهُ: فِي جَمَاعَةٍ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ قَاصِرٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَحْتَاجُ قَوْلُهُ أَوْ قُرْبُ طُلُوعِهَا لِدَلِيلٍ كَمَا لَا يَخْفَى. [قَوْلُهُ: ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ] أَيْ رَكْعَتَيْ الضُّحَى. [قَوْلُهُ: تَامَّةً تَامَّةً] كَذَا فِي النُّسَخِ تَامَّةً تَامَّةً مَرَّتَيْنِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التِّرْمِذِيِّ ذِكْرَ تَامَّةٍ ثَلَاثًا، وَكَذَا فِي تت وَالْقَصْدُ التَّأْكِيدُ وَحَذْفُ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: يُثَابِرُونَ] أَيْ يُدَاوِمُونَ. [قَوْلُهُ: مُسْتَغْنًى عَنْهُ] اعْلَمْ أَنَّ فِي تت الْجَوَابَ وَنَصُّهُ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى خِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَيُسْتَحَبُّ. فَائِدَةٌ:

قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ أَحْرَى وَعِلَّةُ ذَلِكَ الشَّرَفُ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَقُمْ اللَّيْلَ وَأَمَّا مَنْ سَهِرَ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ اهـ.

[قَوْلُهُ: فَلَا تُجْزِئُ إذَا رَكَعَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] أَيْ تَحْقِيقًا تَحَرَّى أَمْ لَا وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَأَوْقَعَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَعَلَهَا بَعْدُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا إعَادَةَ وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا قَبْلُ فَيُعِيدُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ مَعَ الشَّكِّ بِدُونِ تَحَرٍّ فَلَا تُجْزِي وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِحْرَامَ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِهِ. [قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَفَاوُتُ الصَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّغِيبَةِ وَالنَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الِاسْتِحْبَابُ مُنْصَبٌّ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: يُسِرُّهَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا وَهَذَا

ص: 285

قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى أَقُولَ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟» وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » . شَيْخُنَا: وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ دَلِيلِ الْمَشْهُورِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ نَصٌّ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ.

وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَصَلَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ. وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ تَرَكَهُمَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الشَّمْسِ فَإِنَّ وَقْتَهُمَا مُمْتَدٌّ إلَى الزَّوَالِ، وَلَا يُقْضَى شَيْءٌ مِنْ النَّوَافِلِ غَيْرَهُمَا، وَإِذَا نَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ صَلَّاهُمَا بَعْدُ وَمَنْ نَسِيَهُمَا حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا يَرْكَعُهُمَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَرْكَعْهُمَا أَحْرَمَ وَجَلَسَ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَيَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِهِ ثُمَّ يَرْكَعَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ: (وَالْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ مِنْ الطِّوَالِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا) قَاعِدَةُ الشَّيْخِ عَلَى مَا قَالَهُ ج: أَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَوْفَى كَلَامِهِ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قِيلَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ مِنْ الطِّوَالِ فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِأَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَدُونَ ذَلِكَ فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِمَالِكٍ وَيَحْيَى.

(وَلَا يَجْهَرُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ (بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ) لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا بِمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَ) إنَّمَا (يَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا وَ) يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا سِرًّا) وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَجْهَرُ (وَيَتَشَهَّدُ فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلُ بِقَوْلِهِ: وَمِمَّا يَزِيدُهُ إلَخْ مَحَلُّهَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا الْأَوَّلِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَظْهَرُ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ يَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْإِسْرَاعُ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَصَلَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ] وَأَمَّا فِي الْبَيْتِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ فَوَجَدَ الصَّلَاةَ قَدْ أُقِيمَتْ فَإِنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ رِحَابِهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: تَرَكَهُمَا وَدَخَلَ] أَيْ وَلَا يَفْعَلُهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطَوِّلُ بِحَيْثُ يُحْرِمُ مَعَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِفِعْلِهِمَا بِخِلَافِ الْوَتْرِ تُقَامُ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِيَرْكَعَهَا حَيْثُ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامُ إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِالصُّبْحِ وَلَا يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ بِخِلَافِ الْوَتْرِ فَإِنَّهُ يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ حَتَّى يَفْعَلَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَجْرَ يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ بِخِلَافِ الْوَتْرِ.

[قَوْلُهُ: فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِأَشْهَبَ] يَعْنِي أَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقِرَاءَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لِمَالِكٍ] أَيْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْمَقْرُوءِ فِي الصُّبْحِ قَلِيلًا أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ.

وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَإِذَا قَرَأَتْ مَثَلًا بِالْفَتْحِ فِي الصُّبْحِ تَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْجُمُعَةِ أَوْ الصَّفِّ، وَلَا تَفْهَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ أَوَاسِطِ الْمُفَصَّلِ وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَوْلًا ثَالِثًا بِالتَّخْيِيرِ. [قَوْلُهُ: سِرًّا] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ الْمَوَّاقُ أَنَّ السِّرَّ جَمِيعَهُ فِي مَحَلِّهِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا أَنَّهُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ، وَيَأْتِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَقِيلَ: إنَّ الْإِسْرَارَ فِي الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا سُنَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمِثْلُهَا السُّورَةُ إلَّا أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَخَفِيفَةٌ فِي السُّورَةِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ إلَخْ] أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ تت بِجَوَابٍ سَهْلٍ فَقَالَ: وَلَمَا فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجْهَرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ سِرًّا وَلَكِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِي الْأُولَى كَمَا هُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ

ص: 286

فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ (يَقُومُ) إلَى الثَّالِثَةِ (فَلَا يُكَبِّرُ) عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِيَامِ بَلْ (حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا) عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلْعَمَلِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ رُكْنٍ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ سُنَّةٍ إلَى فَرْضٍ فَالْفَرْضُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ إلَى الثَّالِثَةِ كَالْمُسْتَفْتِحِ لِصَلَاةٍ جَدِيدَةٍ (هَكَذَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَ) لَا يَقُومُ إلَّا (بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ) وَيَفْرُغَ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ (يَقُومُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا فَإِذَا) قَامَ و (اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَمُقْتَدٍ بِهِ، فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَفْعَالِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا تَسْبِقُونِي بِرُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ» فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.

(وَيَفْعَلُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالرَّفْعُ مِنْهُمَا وَالِاعْتِدَالُ وَالطُّمَأْنِينَةُ (وَالْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي الْقِيَامِ (نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) دَلِيلُهُ «فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام وَتَعْلِيمُهُ النَّاسَ» وَلَا خِلَافَ فِيهِ (وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَشَارَ إلَى حُكْمِهِ وَعَدَدِهِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ لِلْمُصَلِّي (مِثْلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِيهِ كَالثَّانِي وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَةَ الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: هَكَذَا يَفْعَلُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيَتَشَهَّدُ إلَى قَوْلِهِ وَرَسُولُهُ فَالتَّحْدِيدُ فِي التَّشَهُّدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الْإِمَامِ وَتَكْبِيرِهِ سَوَاءً بَلَغَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ بِلَا تَحْدِيدٍ فِي حَقِّهِ فَهَذِهِ فَائِدَةُ الِاسْتِئْنَافِ. [قَوْلُهُ: فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ] أَيْ طَرِيقُ أَفْعَالِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَّمَهُ النَّاسَ. [قَوْلُهُ: وَعَدَدُهُ] أَيْ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ، وَأَمَّا مُطْلَقُ ثَوَابٍ فَيَحْصُلُ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ] وَأَوْلَى مَنْ حَافَظَ عَلَى أَكْثَرَ إذْ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ [قَوْلُهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ] أَيْ فَتَكُونُ الْمُدَاوَمَةُ الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا فِي عَدَمِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ جَسَدُهُ عَلَى النَّارِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْحَابُ السُّنَنِ] أَيْ الْأَرْبَعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، فَإِنْ قُلْت حَيْثُ وَرَدَ الْحَثُّ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلُ وَأَرْبَعٍ بَعْدُ فَلِمَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّنَفُّلِ بَعْدُ؟ قُلْت: تَنْبِيهًا عَلَى الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا فَقَطْ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: حَسَنٌ صَحِيحٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَرْدًا فَإِطْلَاقُ الصِّحَّةِ وَالْحَسَنِ عَلَيْهِ يَكُونُ لِتَرَدُّدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي حَالَةِ نَاقِلِهِ هَلْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ أَوْ قَصَّرَ عَنْهَا فَهُوَ صَحِيحٌ بِحَسْبِ الْأَوَّلِ حَسَنٌ بِحَسْبِ الثَّانِي، غَايَتُهُ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ حَرْفَ التَّرَدُّدِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَالْإِطْلَاقُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ إسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: غَرِيبٌ] الْغَرِيبُ حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ رَاوِيه بِرِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ التَّرَدُّدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَرِيبًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ] الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا خِلَافًا وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي ابْنِ نَاجِي الْمُفِيدُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ فِي الْمَذْهَبِ

ص: 287

يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» (وَيَفْعَلُ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَةِ الظُّهْرِ سَوَاءً) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ (إلَّا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ مِثْلُ وَالضُّحَى وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَنَحْوَهُمَا) وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ مُخَالِفَةً لِصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى السِّرِّ وَالْجَهْرِ أَتَى بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهَا) فَقَطْ وَيُسِرُّ فِي الثَّالِثَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.

(وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ الْأُولَيَيْنِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْقِصَارِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ.

(وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ) بِسُكُونِ الطَّاءِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى حَسْبَ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الدَّهْرِ فَهِيَ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَقُولُهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ سُورَةً (وَ) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (يَتَشَهَّدُ) وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُسَلِّمُ) عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الذِّكْرِ عَقِبَهَا (بِرَكْعَتَيْنِ)«لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام» ذَلِكَ (وَمَا زَادَ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (فَهُوَ خَيْرٌ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7](وَإِنْ تَنَفَّلَ) بَعْدَهَا

ــ

[حاشية العدوي]

لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا [قَوْلُهُ: رَحِمَ اللَّهُ إلَخْ] جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، أَيْ اللَّهُمَّ ارْحَمْ إلَخْ.

وَدُعَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجَابٌ [قَوْلُهُ: بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ] فَلَوْ افْتَتَحَهَا بِسُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ تَرَكَهَا وَقَرَأَ قَصِيرَةً.

[قَوْلُهُ: وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ] أَيْ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ» ، فَأُوِّلَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيَضُرَّهُمْ وَإِلَّا فَاَلَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ التَّخْفِيفُ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبَ، أَيْ وَالْفَاءُ لِتَزْيِينِ اللَّفْظِ وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبِ مَفْتُوحَةَ الْقَافِ سَاكِنَةَ الطَّاءِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَرْفَيْنِ وَحَسْبُ مُعْرَبَةً. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّهْرِ] أَيْ الزَّمَنِ الْمَاضِي [قَوْلُهُ: مَضْمُومَةُ الطَّاءِ] أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ لَا أَفْعَلُهُ قَطُّ لَحْنٌ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَطُّ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ مُشَدَّدَةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّفْيِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَطَطْته أَيْ قَطَعْته، فَمَعْنَى قَطُّ مَا فَعَلْته فِيمَا انْقَطَعَ مِنْ عُمْرِي لِأَنَّ الْمَاضِيَ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَبُنِيَتْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى مُذْ وَإِلَى إذْ الْمَعْنَى مُذْ أَنْ خُلِقَتْ إلَى الْآنَ، وَعَلَى حَرَكَةٍ لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ، وَكَانَتْ الضَّمَّةُ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، وَقَدْ تُكْسَرُ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ، وَقَدْ تَتْبَعُ قَافُهُ طَاءَه فِي الضَّمِّ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَاؤُهُ مَعَ ضَمِّهَا أَوْ إسْكَانِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ و {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لَمْ يَقْصِدْ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تُضَمَّ الْقِرَاءَةُ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ بِهَا تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي دُعَائِهِ اهـ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا فَعَلَهُ لَمَّا ظَهَرْت الرِّدَّةُ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْآكَدِيَّةِ لِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى آكَدِيَّةِ بَعْضِ ذَلِكَ الزَّائِدِ، وَهُوَ هَذَا الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَحْدُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ إلَخْ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُ الْمَحْدُودِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ. وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ أَنَّ التَّحْدِيدَ غَيْرُ شَرْطٍ إلَّا فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى

ص: 288

(بِسِتِّ رَكَعَاتٍ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي مُعْجَمَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا:«مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .

(وَالتَّنَفُّلُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْله تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] فَقَالَ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ بِمِلَاغَاتِ النَّهَارِ وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ» . الْمُلَاغَاتُ جَمْعُ مُلْغَاةٍ مِنْ اللَّغْوِ أَيْ تَطْرَحُ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْبَاطِلِ وَاللَّهْوِ (وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا فِي الثَّالِثَةِ (مِنْ شَأْنِهَا) أَيْ مِنْ صِفَتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الِانْحِطَاطِ مِنْ الرُّكُوعِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا فِيهِ (كَمَا) أَيْ مِثْلُ الَّذِي (تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهَا) مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَا بَعْدَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ.

(وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ) ع: هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ثَمَّ عِشَاءً أُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: لَا تُسَمَّى الْمَغْرِبُ عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَقَوْلُ مَالِكٍ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ تَغْلِيبٌ (وَهِيَ الْعَتَمَةُ وَاسْمُ الْعِشَاءِ أَخُصُّ بِهَا وَأَوْلَى) مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ (فَيَجْهَرُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهُمَا هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (وَقِرَاءَتُهَا) أَيْ السُّورَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ (أَطْوَلُ قَلِيلًا مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ وَ) يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ) مِنْ الْعِشَاءِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا ثُمَّ يَفْعَلُ فِي سَائِرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ) فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.

وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فَمَنْ صَلَّاهَا عَلَى مَا وَصَفَ فَقَدْ صَلَّاهَا عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

ذَلِكَ الْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ] أَيْ بِحَرَامٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمُبَاحُ إذَا كَثُرَ.

[قَوْلُهُ: عَدُلْنَ لَهُ عِبَادَةً] الَّذِي فِي تت عَنْ صَحِيحِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَدُلْنَ بِعِبَادَةٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إلَخْ] قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ عِبَادَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ] أَيْ رَغْوَتِهِ [قَوْلُهُ: تَتَجَافَى بِهِمْ إلَخْ] أَيْ تَرْتَفِعُ وَتَتَنَحَّى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ الْفُرُشِ وَمَوَاضِعِ النَّوْمِ.

[قَوْلُهُ: بِمُلَاغَاتٍ إلَخْ] بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَسَمِعْته مِنْ لَفْظِهِ. [قَوْلُهُ: وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ] أَيْ تُصَفِّي آخِرَهُ أَيْ بِذَهَابِ جَمِيعِ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ [قَوْلُهُ: وَاللَّهْوُ] عَيْنُ مَا قَبْلَهُ أَيْ تَطْرَحُ مَا اقْتَرَفَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِحَيْثُ لَا يُلَامُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجُرُّهُ إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مِنْ ذَنْبٍ صَغِيرٍ إلَى كَبِيرَةٍ، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَفْوِ عَنْ كَبِيرَةٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةَ أَوْ عَفْوَ اللَّهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقَوْلُ مَالِكٍ إلَخْ] نِسْبَةُ التَّثْنِيَةِ لِمَالِكٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِالتَّغْلِيبِ قُصُورٌ مَعَ كَوْنِ التَّثْنِيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْغَزَالِيِّ. [قَوْلُهُ: وَأَوْلَى] تَفْسِيرُ [قَوْلِهِ: فَيَجْهَرُ] فَإِنْ خَالَفَ وَأَسَرَّ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى سُنَنِهَا إنْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ لَا السُّورَةَ فَقَطْ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ فَاتَ التَّدَارُكُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: أَطْوَلُ قَلِيلًا] أَيْ فَيَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْمُتَوَسِّطَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْمَغْرِبِ مَعَ أَنَّ الْمَغْرِبَ أَقْرَبُ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا عَيَّنَ الْقِرَاءَةَ فِي الْعَصْرِ. [قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا] أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْحَدِيثِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَقَبْلَ فِعْلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. وَكَذَا يُكْرَهُ السَّهَرُ بِلَا كَلَامٍ خَوْفَ تَفْوِيتِ الصُّبْحِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا

ص: 289

مِنْهَا مَا يَجْهَرُ بِهِ وَمِنْهَا مَا يُسِرُّ بِهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ:(وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي يُسِرُّ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كُلُّهَا) بِالرَّفْعِ تَأْكِيدٌ لِلْقِرَاءَةِ (هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ) هَذَا أَدْنَى السِّرِّ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَاحْتُرِزَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ.

(وَ) اُحْتُرِزَ (بِالتَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ) أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِغَيْرِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ (وَأَمَّا الْجَهْرُ فَ) أَقَلُّهُ (أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه) وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ ك: وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ (إنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ غَالِبًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السِّرِّ وَالْجَهْرِ فَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ.

(وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ) وَهِيَ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً كَالتَّلْبِيَةِ فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا

ــ

[حاشية العدوي]

قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَامَ طَوِيلًا بِحَيْثُ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: هَذَا أَدْنَى السِّرِّ] بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْأَدْنَى هُوَ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَالْأَعْلَى مَا كَثُرَتْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ أَعْلَى السِّرِّ حَرَكَةُ اللِّسَانِ فَقَطْ وَأَدْنَاهُ سَمَاعُ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَجْرَاهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ أَوْ حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ إلَخْ] أَرَادَ بِالْعِبَارَةِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِنَا، وَأَرَادَ بِالْقُرْآنِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قُرْآنٌ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ التَّكَلُّفِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ بِالتَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ الْحَادِثِ وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَبْطُلُ] إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ لِأَجْلِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ. أَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَلِّلَ الْبُطْلَانَ بِالْمُخَالَفَةِ لِفِعْلِ الْمُصْطَفَى.

وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» نُسِخَ أَوْ لَا غُيِّرَ وَبُدِّلَ أَوْ لَا وَالتَّغْيِيرُ مُرَادِفٌ لِلتَّبْدِيلِ [قَوْلٌ: وَمَنْ يَلِيه] يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْمَعُهُ [قَوْلُهُ: غَالِبًا] أَيْ إنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامِ مَا يُطْلَبُ إمَّا فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ يَحْتَرِزُ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَحَصَلَتْ السُّنَّةُ بِسَمَاعِهِ مَنْ يَلِيه، بَلْ لَوْ أَسْمَعَ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ نَفْسَهُ وَزَادَ وَلَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ إسْمَاعُ مَنْ يَلِيه فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُجُودٌ كَمَا ذَكَرُوهُ، عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ سَابِقًا أَقَلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْجَهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ.

وَنَصُّهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّ فِي جَهْرِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى، فَأَدْنَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الزَّائِدِ عَلَى أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ ق: إنْ كَانَ وَحْدَهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّنْ يَقْرَبُ مِنْهُ مُصَلٍّ آخَرَ، فَحُكْمُهُ فِي جَهْرِهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ انْتَهَى وَنَحْوُهَا لِلزَّنَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ طَلَبِ الْجَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ حَيْثُ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَخْلِيطُ الْغَيْرِ وَإِلَّا نُهِيَ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّخْلِيطُ وَلَوْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَكِبُ مَحْرَمٌ لِتَحْصِيلِ السُّنَّةِ.

[وَقَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِلَّفْظِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَهْرِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: كَالتَّلْبِيَةِ] أَيْ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا خَاصَّةً بِالتَّلْبِيَةِ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا] أَيْ وَهُوَ إسْمَاعُ نَفْسِهَا فَقَطْ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّارِحِ الْأَقَلِّيَّةُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ فِي الْأَقَلِّ فَلَا يَظْهَرُ تَفْرِيعٌ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ

ص: 290

السِّرُّ وَالْجَهْرُ، أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ إذْ أَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةً وَلِذَلِكَ لَا تُؤَذِّنُ اتِّفَاقًا، وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِلضَّرُورَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ وَلَا تَفْرُجُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ تَنْضَمُّ فَكَانَ تَرْكُ الْوَاوِ أَوْلَى فَيَصِيرُ هَكَذَا غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ لَا تَفْرُجُ (فَخْذَيْهَا وَلَا عَضُدَيْهَا) .

وَقَوْلُهُ: (وَتَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً) تَكْرَارٌ لِأَنَّ الِانْضِمَامَ هُوَ الِانْزِوَاءُ وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ مَخَافَةَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ، وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: أَيْنَ تَكُونُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ؟ فَقَالَ: (فِي جُلُوسِهَا وَسُجُودِهَا وَأَمْرِهَا) أَيْ شَأْنِهَا (كُلِّهِ) وَمَا ذَكَرَهُ رِوَايَةَ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ سَاوَى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْهَيْئَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ (يُصَلِّيَ) الْعِشَاءَ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا (الشَّفْعَ) رَكْعَتَيْنِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِنِيَّةٍ أَوْ يَكْتَفِي بِأَيِّ رَكْعَتَيْنِ كَانَتَا؟ قَوْلَانِ، ظَاهِرُهُمَا الثَّانِي لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ فَوَاتَ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» .

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ يُصَلِّيَ (الْوَتْرَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقٍ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ السُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْأَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

أَعْلَى جَهْرِهَا إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا السِّرُّ] أَيْ أَعْلَى السِّرِّ لَا أَدْنَاهُ الَّذِي هُوَ حَرَكَةُ اللِّسَانِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ] أَيْ مَعَ أَعْلَى سِرِّهِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا أَيْ السِّرِّ وَالْجَهْرِ مُصَاحِبَيْنِ لِسِرِّ الرَّجُلِ أَيْ مُصَاحَبَةَ مُسَاوَاةٍ، أَيْ أَنَّ أَعْلَى سِرِّهَا وَجَهْرِهَا يُسَاوَيَانِ أَعْلَى سِرِّ الرَّجُلِ فَالْمُسَاوَاةُ الْأُولَى بَيْنَ أَعْلَى سِرِّ الْمَرْأَةِ وَجَهْرِهَا وَالْمُسَاوَاةُ الثَّانِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَعْلَى سِرِّ الرَّجُلِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ] نُوقِشَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَوْرَةً لَمَا سُمِعَ الْحَدِيثُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِنَّ، وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِدُونِ ضَرُورَةٍ رَاجِعْ حَاشِيَةَ الزَّرْقَانِيِّ.

[قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ لَا تُؤَذِّنُ اتِّفَاقًا] إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ قَوْلَانِ تَقَدَّمَا. قَالَ الشَّيْخُ؛ وَالظَّاهِرُ اسْتِوَاءُ حَالَتِهَا فِي الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ لِأَنَّهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ طُرُوِّ أَحَدٍ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا] أَيْ الْمُؤَدِّي لِلْمُحَادِثَةِ مَعَهَا لِلضَّرُورَةِ أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيعَ سِلْعَةً لَا لِضَرُورَةٍ حَدثَتْ لَهَا. [قَوْلُهُ: فَكَانَ تَرْكُ الْوَاوِ أَوْلَى] وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَتَكُونُ إلَخْ] أَيْ قَوْلُهُ ذَلِكَ كُلَّهُ تَكْرَارٌ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْضِمَامَ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمُكَرَّرَ هُوَ قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُنْضَمَّةً لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ، وَأَمَّا الِانْزِوَاءُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الِانْزِوَاءَ هُوَ الِانْضِمَامُ فَكَانَ أَيْضًا تَكْرَارٌ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَالِانْزِوَاءُ هُوَ الِانْضِمَامُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَخَافَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا] أَيْ مِنْ الرِّيحِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ أَيْ فِي الِاسْتِمْسَاكِ أَيْ بَلْ عِنْدَهَا رَخَاوَةٌ فَلَوْ فَرَّجَتْ بَيْنَ فَخْذَيْهَا لَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: مَخَافَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا مُهَيَّأَةٌ لِلْحَدَثِ.

[قَوْلُهُ: وَأَمْرُهَا كُلُّهُ] يَدْخُلُ فِيهِ الرُّكُوعُ فَلَا تَجْنَحُ كَالرَّجُلِ [قَوْله: وَهُوَ خِلَافٌ إلَخْ] الرَّاجِحُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادَةٍ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ ضَعِيفٌ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُمَا الثَّانِي] لَا مَعْنَى لِذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا إلَخْ] وَأَمَّا بِالْمُثَلَّثَةِ مَعَ كَسْرِ الْوَاوِ فَالْفِرَاشُ لِلْوَطْءِ وَمَعَ فَتْحِهَا مَاءُ الْفَحْلِ يَجْتَمِعُ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ إذَا أَكْثَرَ الْفَحْلُ ضِرَابَهَا وَلَمْ تُلَقَّحْ ذَكَرَهُ تت.

[قَوْلُهُ: آكَدُ السُّنَنِ]" أَلْ " لِلْجِنْسِ أَيْ آكَدُ جِنْسِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا آكَدُ مِنْ الْعِيدِ، وَالْعِيدُ آكَدُ مِنْ الْكُسُوفِ، وَالْكُسُوفُ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا لِلْجِنْسِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ آكَدُ مِنْ الْوَتْرِ كَمَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَذَلِكَ وَهُمَا أَيْضًا آكَدُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آكَدُ مِنْهَا أَيْضًا. وَانْظُرْ مَا بَيْنَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ] مَحَطُّ الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُ عَقِيبَ

ص: 291

يَكُونَ رَكْعَةً وَاحِدَةً عَقِيبَ شَفْعٍ. وَاخْتُلِفَ هَلْ الشَّفْعُ شَرْطُ كَمَالٍ أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ؟ قَوْلَانِ، ظَاهِرُ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَصَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِمَشْهُورِيَّةِ الثَّانِي.

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَعْذُورِ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةِ الْوَتْرِ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا الْمُقِيمُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِغَيْرِ شَفْعٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدُ وَتْرَهُ بِإِثْرِ شَفْعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ.

وَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ شَفْعٍ فَهَلْ يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِالْوَتْرِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ؟ قَوْلَانِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهُوَ الَّذِي يُعَضِّدُهُ ظَاهِرُ الْآثَارِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (جَهْرًا وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْإِجْهَارُ وَفِي نَوَافِلِ النَّهَارِ الْإِسْرَارُ وَإِنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَيْنِ (وَأَقَلُّ الشَّفْعِ رَكْعَتَانِ) .

وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) مِنْهُ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الشَّفْعِ رَكَعَ ثُمَّ رَفْعَ رَأْسَهُ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ.

(وَيَتَشَهَّدُ وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ (يُسَلِّمُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ يَقُومُ فَ (يُصَلِّي الْوَتْرَ رَكْعَةً) وَهَذَا الْفَصْلُ يُسْتَحَبُّ

ــ

[حاشية العدوي]

شَفْعٍ أَيْ فَكَوْنُهُ عَقِيبَ شَفْعٍ مَنْدُوبٌ أَيْ فَيَكُونُ الشَّفْعُ شَرْطَ كَمَالٍ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ الشَّفْعُ شَرْطُ كَمَالٍ أَوْ أَنَّ مَحَطَّ الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُ وَاحِدَةٌ فَيَكُونُ إشَارَةٌ إلَى أَفْضَلِيَّةِ فَصْلِ الْوَتْرِ عَنْ الشَّفْعِ وَهُوَ أَقْرَبُ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: هَلْ يَجُوزُ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةِ الْوَتْرِ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عِبَادَةٍ بَاطِلَةٍ مَفْقُودَةِ الشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةٍ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطُ صِحَّةٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً، وَيَحْرُمُ الْقُدُومُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عِبَادَةٍ مَفْقُودَةِ الشَّرْطِ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ فَقَطْ فَفِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ أَشْهَبُ يُعِيدُ وَتْرَهُ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنَّةِ إنْ كَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ: بِأَنَّ تَقَدُّمَ الشَّفْعِ شَرْطُ صِحَّةٍ أَوْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ إنْ كَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ: إنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَشْهَبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَنَا، هَكَذَا كَتَبْت ثُمَّ رَأَيْت عج يُفِيدُهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ شَفْعٍ] أَيْ أَنَّ تَقَدَّمَهُ شَرْطُ صِحَّةٍ أَيْ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ تَقَدُّمَ الشَّفْعِ شَرْطٌ كَمَال فَإِنَّهُ يُنْدَبُ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ اُسْتُحِبَّ إعَادَةُ الشَّفْعِ أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الشَّرْحِ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِالْوَتْرِ] أَرَادَ بِالِاتِّصَالِ مَا يَشْمَلُ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ [قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَحْوَطُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ التَّحْقِيقِ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْخِلَافِ أَيْ مَنْ يَقُولُ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَتَأَمَّلْ، وَبَعْدَ هَذَا فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَدَبَّرْ.

تَنْبِيهٌ:

الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ لِلْوَتْرِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ وَضَرُورِيَّةٍ مِنْهُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ عَقْدِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَفِعْلُهُ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ جَهْرًا] لَكِنْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ الْجَهْرِ فِي الْوَتْرِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا أَنَّهُ جَائِزٌ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ، وَرَجَّحَ اللَّخْمِيُّ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي تَفَهُّمِ الْقَارِئِ وَسَكَتَ عَنْ الْإِسْرَارِ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ جَائِزٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ تت [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ الشَّفْعِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ تَخُصُّهُ.

[قَوْلُهُ:

ص: 292

لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ (يَقْرَأُ فِيهَا) أَيْ فِي رَكْعَةِ الْوَتْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمُعَوِّذَتَيْن) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ «عَائِشَةَ رضي الله عنها سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] .

وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» . (وَإِنْ زَادَ مِنْ الْأَشْفَاعِ) جَمْعُ شَفْعٍ وَهُوَ الزَّوْجُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ابْتِدَاءً أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (جَعَلَ آخِرَ ذَلِكَ الْوَتْرَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) لِمَا رُوِيَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» أَيْ فِي اللَّيْلِ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَقِيلَ) كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ (عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ) الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام وَمُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّنَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» .

(وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ) أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ مِنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فَأَغْفِرُ لَهُ» . وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ

ــ

[حاشية العدوي]

وَالْمَذْهَبُ إلَخْ] مُقَابِلُهُ يَقُولُ بِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَهُمَا لِمَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَقْرَأُ فِيهِ الْمُتَهَجِّدُ مِنْ تَمَامِ حِزْبِهِ وَغَيْرِهِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَانَ لَهُ حِزْبٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ] لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا الْمُحْصَنَتَيْنِ مِمَّا يُؤْذِي [قَوْلُهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ] إطْلَاقُ الْوَتْرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْوَتْرَ عِنْدَنَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: قَالَتْ كَانَ يَقْرَأُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ مُطَابِقًا لِظَاهِرِ لَفْظِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ هَلْ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَقْرَأُ الْمُصْطَفَى فِي وَتْرِهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ] أَيْ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ [قَوْلُهُ: الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ.] أَيْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ التَّنَافِي؟ فَالْجَوَابُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَتَارَةٌ اعْتَبَرَتْهُمَا مِنْ الْوَرْدِ فَجَعَلَتْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَتَارَةٌ لَمْ تَعْتَبِرْهُمَا لِأَنَّهُمَا لِلْوُضُوءِ وَلِحَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ» . [قَوْلُهُ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ] يَعْنِي التَّهَجُّدَ فِيهِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ] أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ [قَوْلُهُ: قَبْلَكُمْ] أَيْ هِيَ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْكُمَّلُ السَّابِقُونَ [قَوْلُهُ: وَمَكْفَرَةٍ] عَلَى وَزْنِ مَفْعَلَةٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ مَكْفَرَةٌ وَنَظِيرُهَا مَطْهَرَةٌ وَمَرْضَاةٌ أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ] وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

[قَوْلُهُ: أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ بِمَعْنَى التَّهَجُّدِ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ الَّتِي لِلتَّعْلِيلِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ] أَيْ وَجَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْسَطُهُ لِخَبَرِ «أَنَّ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَهُ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . [قَوْلُهُ: الْأَخِيرُ] بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِثُلُثٍ، وَتَخْصِيصُهُ بِاللَّيْلِ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّهَجُّدِ وَغَفْلَةُ النَّاسِ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَالِصَةً وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَافِرَةً وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ.

[قَوْلُهُ: فَأَسْتَجِيبَ لَهُ] بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ فَأَنَا أَسْتَجِيبُ لَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أُعْطِيه فَأَغْفِرُ لَهُ، وَلَيْسَتْ السِّينُ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ وَالثَّلَاثَةُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالسُّؤَالُ إمَّا بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَذَكَرَهَا لِلتَّوْكِيدِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لِرَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَسَارِ وَهَذَا إمَّا دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ، فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إشَارَةٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي السُّؤَالِ إشَارَةٌ إلَى الثَّانِي، وَفِي الدُّعَاءِ إشَارَةٌ إلَى الثَّالِثِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ] لِأَنَّ الْمَجِيءَ الْحَقِيقِيَّ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ

ص: 293

أَفْضَلُ (فَمَنْ أَخَّرَ تَنَفُّلَهُ وَوَتْرَهُ إلَى آخِرِهِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ إلَّا مَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ فَلْيُقَدِّمْ وَتْرَهُ مَعَ مَا يُرِيدُ مِنْ النَّوَافِلِ أَوَّلَ اللَّيْلِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» (ثُمَّ إنْ شَاءَ) أَيْ الَّذِي الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ إذَا قَدَّمَ وَتْرَهُ وَنَفْلَهُ.

(إذَا اسْتَيْقَظَ فِي آخِرِهِ) أَيْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ (تَنَفَّلَ مَا شَاءَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَتْرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِئْنَافِ صَلَاةٍ بَعْدَهُ، وَالْأَفْضَلُ فِي التَّنَفُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُونَ (مَثْنَى مَثْنَى) أَيْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ:«صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (وَ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ تَنَفُّلِهِ (لَا يُعِيدُ الْوَتْرَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ. (وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) أَيْ اسْتَغْرَقَهُ النَّوْمُ (عَنْ حِزْبِهِ) أَيْ وِرْدِهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيُبَاحُ (لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي اشْتِهَارَ الضَّوْءِ يُقَالُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا اشْتَهَرَ ضَوْءُهُ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ سَفَرَتْ إذَا كَشَفَتْ عَنْ وَجْهِهَا إلَّا أَنَّ هَذَا ثُلَاثِيٌّ.

وَقَالَ ع. عَنْ بَعْضِهِمْ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ: إنَّ مَا بَيْنَ وَقْتِ انْتِبَاهِهِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ يَعْنِي الْإِسْفَارَ الَّذِي تَتَرَاءَى فِيهِ الْوُجُوهُ، فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي وِرْدَهُ وَوَتْرُهُ إلَى الْإِسْفَارِ ثُمَّ يُصَلِّي

ــ

[حاشية العدوي]

سبحانه وتعالى. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ الْغَالِبِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَتْرِ مَنْدُوبٌ فِي صُورَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ تَسْتَوِي حَالَتَاهُ، وَتَقْدِيمُهُ مَنْدُوبٌ فِي صُورَةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَغْلَبَ أَحْوَالِهِ النَّوْمُ إلَى الصُّبْحِ.

[قَوْلُهُ: يَرْفَعُهُ] أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[قَوْلُهُ: مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ] أَيْ بِأَنْ ظَنَّ عَدَمَ الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ طَمِعَ أَيْ بِأَنْ رَجَا ذَلِكَ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ مَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ [قَوْلُهُ: مَشْهُودَةٌ] أَيْ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ كَمَا أَفَادَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ [قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ شَاءَ إلَخْ] الْإِتْيَانُ بِثُمَّ بِدُونِ الِالْتِفَاتِ إلَى قَوْلِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بَدَا لَهُ نِيَّةُ النَّفْلِ أَنْ يَفْصِلَ نَفْلَهُ عَنْ وَتْرِهِ فَيَتَرَبَّصُ قَلِيلًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُوقِعَ النَّفَلَ عَقِبَ الْوَتْرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَكْفِي الْفَصْلُ وَلَوْ بِالْمَجِيءِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْوَتْرِ. [قَوْلُهُ: تَنَفَّلَ مَا شَاءَ] أَيْ نَدْبًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ النَّفْلِ بَعْدَ الْوَتْرِ أَوْ فِيهَا لَا إنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْوَتْرِ فَلَا يَكُونُ تَنَفُّلُهُ بَعْدَهُ جَائِزًا بَلْ مَكْرُوهًا [قَوْلُهُ: مَثْنَى مَثْنَى إلَخْ] قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بِأَرْبَعٍ اهـ.

[قَوْلُهُ: لَا يُعِيدُ الْوَتْرَ] أَيْ حَيْثُ وَقَعَ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ، أَيْ يُكْرَهُ لَهُ إعَادَةُ الْوَتْرِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا وَتْرَانِ» إلَخْ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» لِأَنَّ النَّهْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمْرِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا [قَوْلُهُ: وَحَسَّنَهُ] أَيْ التِّرْمِذِيُّ كَمَا رَأَيْته فِي التِّرْمِذِيِّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ إلَخْ] وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ حَصَلَ لَهُ إغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ وَزَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لَا إنْ تَعَمَّدَ تَأَخُّرَهُ فَلَا يُصَلِّيه وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مَعَ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَوْ الْوُجُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ.

وَالْغَلَبَةُ شَرْطٌ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا، وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ فَيُبَاحُ فَالظَّاهِرُ لِي الْأَوَّلُ إذْ النَّفَلُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ إلَخْ] أَيْ فَيُؤْذَنُ لَهُ لَا أَنَّهُ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ الْإِسْفَارِ] أَيْ فَشَرْطُ الْفِعْلِ أَنْ لَا يَخْشَى إسْفَارًا أَيْ وَأَنْ يَكُونَ نَامَ عَنْهُ غَلَبَةً عَلَى مَا قَرَّرْنَا، وَأَنْ لَا يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ تَرَكَهُ وَصَلَّى الصُّبْحَ بَعْدَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ لِأَنَّهُمَا يَفْعَلَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. [قَوْلُهُ: اشْتِهَارُ الضَّوْءِ] أَيْ ظُهُورُهُ [قَوْلُهُ: إنَّ مَا بَيْنَ وَقْتِ انْتِبَاهِهِ] خَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ أَيْ وَقْتٍ لِلْوِرْدِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ] أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: مَا بَيْنَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ

ص: 294

الصُّبْحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ، وَمَا حَدَّدَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافَ مَا حَدَّدَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ حَدَّدَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. وَهُوَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُ الْوَرْدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِشُرُوطٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ (ثُمَّ) إذَا صَلَّى مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْ حِزْبِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ (يُوتِرُ) لِأَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَضَرُورِيٌّ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُصَلِّي الصُّبْحَ) هَذَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ إلَّا

ــ

[حاشية العدوي]

اسْتَمَرَّ نَائِمًا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سَاكِتًا عَمَّا إذَا انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ تَمَامَ وِرْدِهِ.

أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ مُغَايِرًا وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِزَمَنٍ قَلِيلٍ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ جَمِيعَ الْحِزْبِ بَلْ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ذَلِكَ الْبَعْضَ فِيمَا بَيْنَ وَقْتِ الِانْتِبَاهِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي الْإِسْفَارَ الَّذِي إلَخْ] أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْإِسْفَارِ لَا التَّخْصِيصُ لِأَنَّ الْإِسْفَارَ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ بَعْدَ ذَلِكَ] أَيْ بَعْدَ الْإِسْفَارِ.

وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ أَيْ فِيمَا بَعْدَ دُخُولِ الْإِسْفَارِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مِنْ وَتْرٍ وَفَجْرٍ قَبْلَ الْإِسْفَارِ كَمَا فِي عج. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا فَلَا يُلْحِقُ الْوَتْرَ بِالْوِرْدِ فِي الْفِعْلِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، بَلْ وَلَوْ فِي الْإِسْفَارِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ يُصَلِّي وِرْدَهُ وَوَتْرَهُ لَا يَظْهَرُ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَدَّدَ إلَخْ] نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ تَرَكَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ فَاتَهُ الْوَرْدُ اخْتِيَارًا. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ] أَيْ وَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ الْحِزْبَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْوِرْدَ وَالشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحِزْبَ وَالشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ أَوْ انْتَبَهَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا.

أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ كَلَامُ الرِّسَالَةِ الْمُوَافِقُ لَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُ الرِّسَالَةِ وَالْحِزْبُ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مُوَافِقٌ لِلرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَ إسْفَارٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ إلَخْ] هِيَ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ غَلَبَهُ وَأَنْ يَكُونَ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ] أَيْ وَشَفَقٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ قَدِمَ الْعِشَاءَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي الْوَتْرَ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَتْرَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلَوْ سَهْوًا وَلَا بَعْدَ عِشَاءٍ فَاسِدَةٍ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الشَّفَقِ كَلَيْلَةِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ] أَيْ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْإِسْفَارِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِلْقَائِلِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْوَتْرَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَكَاهُ التَّتَّائِيِّ.

[قَوْلُهُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي الصُّبْحَ] أَيْ وَيَتْرُكُ الْفَجْرَ فَيُصَلِّيه بَعْدَ حَلِّ النَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ] أَيْ أَوْ أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَاخْتُلِفَ إذَا اتَّسَعَ لِأَرْبَعٍ هَلْ يَأْتِي بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَوْ فَاتَتْ رَكْعَةٌ مِنْ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْمُوَازِيَةِ أَوْ يَتْرُكُ الشَّفْعَ

ص: 295

لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَ الْوَتْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَى ضَرُورِيِّهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَقْضِي الْوَتْرَ مَنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ) نَحْوُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ نَسِيَ الْوَتْرَ وَتَذَكَّرَهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَطْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ فَذًّا، ثُمَّ يُصَلِّي الْوَتْرَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَاسْتَظْهَرَ مُقَابِلَهُ لِئَلَّا يَقْطَعَ الْأَقْوَى لِلْأَضْعَفِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّمَادِي.

وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ: الْقَطْعُ وَعَدَمُهُ، وَعَلَى الْقَطْعِ فَهَلْ يَسْتَخْلِفُ قِيَاسًا عَلَى الْحَدَثِ أَوْ لَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ قَالَهُ ع، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً فَإِنْ عَقَدَهَا تَمَادَى فَذًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وَقَالَ ع: الْخِلَافَةُ فِي الْقَطْعِ أَوْ التَّمَادِي إذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، أَمَّا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. .

(وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ) وَيُرْوَى مَسْجِدًا (وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ

ــ

[حاشية العدوي]

وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: تَرَكَ الْوَتْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ] وَمُقَابَلَةُ قَوْلِ أَصْبَغَ: يُصَلِّي الْوَتْرَ رَكْعَةً وَرَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ إلَّا لِرَكْعَةٍ تَعَيَّنَ الصُّبْحُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اتَّسَعَ لِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ صَلَّى الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالصُّبْحَ وَتَرَكَ الْفَجْرَ، وَإِنْ اتَّسَعَ لِسَبْعٍ صَلَّى الْجَمِيعَ، وَمُرَادُ الشَّارِحِ رحمه الله بِالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ تَحَرُّزًا عَنْ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُرَاعِي فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ فَيُصَلِّي هَذِهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ لِلطُّلُوعِ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِلَى ضَرُورِيِّهِ أَيْ إلَى انْقِضَاءِ ضَرُورِيِّهِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت فِي الْكَلَامِ لَا تَجِدُ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ مُنَاسِبًا لِأَنَّهُ قَدْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ وَأَنَّهُ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ فَصَارَ الْإِسْفَارُ خَالِيًا مِنْ صَلَاةِ الْحِزْبِ فِيهِ فَيَتَأَتَّى لَهُ فِعْلُ الْجَمِيعِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ إيرَادُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ هُنَا فَهَذِهِ التَّفَاصِيلُ تُفْرَضُ فِي إنْسَانٍ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؟ فَيُقَالُ: إنَّ الْوَقْتَ تَارَةً يَسَعُ كَذَا وَتَارَةٌ يَسَعُ كَذَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ وَنَامَ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَقَدْ بَقِيَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِقْدَارَ مَا يُدْرِكُ فِيهِ الصُّبْحَ وَهُوَ رَكْعَتَانِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاةَ الصُّبْحِ] أَيْ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْفَجْرَ بَعْدَ الْوَتْرِ، وَأَوْلَى لَوْ تَذَكَّرَ الْوَتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصُّبْحِ فَيُصَلِّي الْوَتْرَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَكَذَا إذَا صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ فَرْضٍ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّبْحِ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً فَإِنَّهُ بَعْدَ الْفَائِتَةِ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَإِنْ ذَكَرَ الْوَتْرَ فِي الْفَجْرِ فَقَوْلَانِ بِالْقَطْعِ وَعَدَمِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْقَطْعُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَقْطَعُ الصُّبْحَ فَأَوْلَى هِيَ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ مُقَابِلَهُ] الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْقَطْعِ وَهُوَ يُصَدِّقُ بِجَوَازِ الْقَطْعِ وَكَرَاهَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ لَا يَقْطَعُ وَيَتَبَادَرُ مِنْهَا الْحُرْمَةُ وَهَذَا الِاسْتِظْهَارُ لِلَّخْمِيِّ رحمه الله. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّمَادِي] أَيْ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ وَصَلَّاهَا أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِسَنَدٍ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّمَادِي مِثْلَهُ فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَائِلًا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمَادِي لَكِنَّ الْفِقْهَ مُتَّبَعٌ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ الْقَطْعُ] أَيْ نَدْبُ الْقَطْعِ وَقَوْلُهُ: وَعَدَمُهُ أَيْ عَدَمُ النَّدْبِ الصَّادِقِ بِالْجَوَازِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَذَا فِي صَرِيحِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ بِالْقَطْعِ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً] الرَّاجِحُ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ ابْنُ زَرْقُونٍ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ] أَيْ أَوْ لَا يَقْطَعُ بَلْ يَسْتَخْلِفُ وَيُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ اقْتَصَرَ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُسْفِرْ الْوَقْتُ جِدًّا أَيْ بِحَيْثُ يَخْشَى أَنْ يُوقِعَ الصُّبْحَ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ كَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَسْفَرَ حَيْثُ كَانَ يُوقِعُ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ التَّذَكُّرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالتَّذَكُّرُ فِيهَا فَنَقُولُ: إذَا كَانَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا يُصَلِّي الْوَتْرَ وَلَوْ أَدَّى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الضَّرُورِيِّ، وَإِذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِهَا يَقْطَعُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى فِعْلِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ

ص: 296

فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَلِلْبُخَارِيِّ:«إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهَذَا الْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ لَا الْوُجُوبِ، وَالنَّهْيِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَسْجِدَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ وَمَسْجِدَهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الرُّكُوعِ.

وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُشْتَرَطُ فِي فِعْلِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ شَرْطٌ وَهُوَ (إنْ كَانَ وَقْتٌ) بِالرَّفْعِ، وَيُرْوَى وَقْتًا عَلَى تَقْدِيرِ إنْ كَانَ وَقْتُهُ وَقْتًا (يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ (وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ) أَيْ سُنَّتَهُ خَارِجَهُ (أَجْزَأَهُ) بِمَعْنَى كَفَاهُ (لِذَلِكَ) أَيْ عَنْ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) وَلَا يَرْكَعُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يَرْكَعُهُمَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ اثْنَتَيْنِ،

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَسْجِدَ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ لُغَةً فَيَشْمَلُ مَا يَتَّخِذُهُ مَنْ لَا مَسْجِدَ لَهُمْ مِنْ بَيْتٍ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ أَوْ الْمَسْجِدَ الْمَعْرُوفَ كَذَا نَظَرَ الْجُزُولِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يَجْلِسُ] أَيْ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ، فَلَوْ كَثُرَ دُخُولُهُ بِأَنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ كَفَتْهُ الْأُولَى إنْ قَرُبَ رُجُوعُهُ لَهُ عُرْفًا وَإِلَّا طَلَبَ بِهَا ثَانِيًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمَارُّ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَلَّاهَا لَكَانَتْ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ] أَيْ لِمَنْ طَلَب بِهِ وَلَوْ نَدْبًا أَوْ أَرَادَهُ آفَاقِيًّا فِيهِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ وَهُوَ آفَاقِيٌّ، فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا وَلَمْ يُطْلَبْ بِطَوَافٍ وَلَمْ يُرِدْهُ بَلْ دَخَلَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ فِي هَذِهِ السَّادِسَةِ إنْ كَانَ وَقْتٌ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَإِلَّا جَلَسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ حَقُّ اللَّهِ وَالسَّلَامُ حَقُّ آدَمِيٍّ.

وَالْأَوَّلُ آكَدُ مِنْ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ابْتَدَأَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْعِبَادِ» اهـ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ] أَيْ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةُ، وَنَدْبًا فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ رَكَعَ لِقَطْعٍ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الْمَنْعِ وَنَدْبًا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَحْرَمَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ، وَعَلِمَ فِيهَا بِأَنَّهُ وَقْتُ نَهْيٍ إلَّا مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ جَهْلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَقْطَعُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي أَمْرِ الدَّاخِلِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالنَّفْلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ مُطْلَقُ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَمْ لَا مَا لَمْ يَتِمَّ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَارَّ أَوْ الدَّاخِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ لَا يُطْلَبُ بِالتَّحِيَّةِ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَأَدَّتْ التَّحِيَّةُ بِفَرْضٍ وَأَوْلَى بِسُنَّةٍ وَرَغِيبَةٍ أَيْ سَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ عِنْدَ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ أَوْ نِيَابَةِ الْفَرْضِ عَنْهَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ حُصُولُ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: أَيْ سُنَّتُهُ] أَيْ طَرِيقَتُهُ فَيُصَدِّقُ بِالرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ هُنَا. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَخْ] اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ لَا يُطْلَبُ فِيهِ تَحِيَّةٌ، وَالْإِجْزَاءُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الطَّلَبِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ

ص: 297

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَقْصُودَ افْتِتَاحُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ سُنَّةً كَانَتْ أَوْ فَرْضًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ (وَإِنْ رَكَعَ الْفَجْرَ) أَيْ سُنَّتَهُ (فِي بَيْتِهِ) أَوْ غَيْرِهِ (ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ) وَوَجَدَ الصَّلَاةَ لَمْ تَقُمْ (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ بَعْدَ رَكْعِ سُنَّةِ الْفَجْرِ خَارِجَهُ (فَقِيلَ: يَرْكَعُ) رَكْعَتَيْنِ (وَقِيلَ: لَا يَرْكَعُ) بَلْ يَجْلِسُ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأُولَى. ابْنُ شَاسٍ: وَإِذَا قُلْنَا يَرْكَعُ فَهَلْ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ بِنِيَّةِ إعَادَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؟ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَرْكَعْ إلَخْ مُوَهِّمًا لِجَوَازِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِقَوْلِهِ: أَجْزَأَهُ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) يَعْنِي حَتَّى تَرْتَفِعَ وَتَذْهَبَ مِنْهَا الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ لَا بِنَفْسِ طُلُوعِهَا وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ.

ــ

[حاشية العدوي]

إلَخْ] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً] جَائِزَةٌ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَلَا نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ، وَنَافِلَةٌ نَعْتٌ مُفْرَدٌ تَابِعٌ لِمُفْرَدٍ فَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ لِتَرَكُّبِهِ مَعَ اسْمِهَا وَالنَّصْبُ تَبَعًا لِمَحَلِّ صَلَاةٍ وَالرَّفْعُ تَبَعًا لِلَا مَعَ اسْمِهَا لِأَنَّ مَحَلَّهَا رَفْعٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَأَرَادَ بِالنَّافِلَةِ مَا قَابَلَ الْفَرْضَ. [قَوْلُهُ: إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ] أَيْ وَالْوِرْدُ لِنَائِمٍ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّفْعُ وَالْوَتْرُ مُطْلَقًا وَكَالْجِنَازَةِ الَّتِي لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُهَا وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَيُفْعَلَانِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ فَفِعْلُهُمَا فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى عَلَيْهَا التَّغَيُّرِ فَلَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْمَنْعِ وَلَا يُكْرَهُ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَتَى خَشِيَ تَغَيُّرَهَا لَا نَهْيَ وَلَا إعَادَةَ دُفِنَتْ أَوَّلًا وَقْتَ مَنْعٍ أَوْ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ التَّغَيُّرَ فَلَا إعَادَةَ إنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِوَقْتِ كَرَاهَةٍ دُفِنَتْ أَوَّلًا وَكَذَا بِوَقْتِ مَنْعِ إنْ دُفِنَتْ وَإِلَّا أُعِيدَتْ.

[قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ] فَإِذَا أُخِذَتْ فِي الطُّلُوعِ حُرِّمَتْ النَّافِلَةُ الشَّامِلَةُ لِلْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالنَّفَلُ الْمَنْذُورُ رَعْيًا لِأَصْلِهِ وَالْمُفْسِدُ حَتَّى يَتَكَامَلَ طُلُوعُهَا فَتَعُودُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ الَّذِي قَدْرَهُ اثْنَا عَشْرَ شِبْرًا بِالشِّبْرِ الْوَسَطِ. [قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ] أَيْ قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةَ إلَخْ.

وَلَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَرَاهَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْحُرْمَةُ فِي وَقْتِهِ.

ص: 298