الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[14 -
بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ السَّعْيِ إلَى (صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِهِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ، وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا وَالْمَحِلِّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ صِفَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَمْعِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، وَابْتَدَأَ بِحُكْمِ السَّعْيِ فَقَالَ:(وَالسَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةُ وَاجِبٌ) وَإِذَا وَجَبَ وَهُوَ وَسِيلَةٌ فَأَحْرَى مَا سَعَى إلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ فَقَالَ: وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيُ إلَيْهَا فَرِيضَةٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ك قَالَ مَالِكٌ: السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ إلَى أَنْ قَالَ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ السَّعْيَ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ.
وَقَالَ ع وَق: الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ هُنَا الْمَشْيُ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْحُضُورِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ.
وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ» قَالَ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعِ فَقَالَ ك: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالسَّعْيُ إلَيْهَا إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا مَانِعَ، فَإِذَا كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ سَقَطَتْ وَهُوَ أَشْيَاءُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ كَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَهْلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَدَّ بِأَحَدِ وَالِدِيهِ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]
[قَوْلُهُ: بَيَانُ حُكْمِ السَّعْيِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: صَلَاةُ الْجُمُعَةُ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِيهَا إلَخْ وَهُنَاكَ لُغَةٌ رَابِعَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقُرِئَ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا] أَيْ بِقَوْلِهِ: وَذَلِكَ عِنْدَ جُلُوسِ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَالْمَحَلِّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ] وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ إلَخْ [قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا] وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهَا، وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً قُصَيٌّ فَإِنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا فِي يَوْمِهَا وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ] أَيْ بِوُجُوبِ مَا سَعَى إلَيْهِ [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ [قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ] عَطْفٌ مُرَادِفٌ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَشْيِ عَلَى الْأَرْجُلِ أَمْ لَا، وَاسْتَدَلَّ الْفَاكِهَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِس، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ أَوْ هُمَا مَعًا، أَفَادَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْحُضُورِ] أَيْ لِأَجْلِ الْحُضُورِ، وَمُرَادُ ع وَق بِالْمَشْيِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ لَا خُصُوصُ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ خُصُوصَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَسَاوَتْ عِبَارَتُهُمَا عِبَارَةَ ك. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهَا] أَيْ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ [قَوْلُهُ: لِقَوْمٍ] أَيْ فِي شَأْنِ قَوْمٍ [قَوْلُهُ: أُحَرِّقَ] بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبُيُوتَهُمْ مَفْعُولُ أُحَرِّقَ [قَوْلُهُ: كَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ إلَخْ] أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ [قَوْلُهُ: قَدْ اشْتَدَّ إلَخْ]
الْمَرَضُ أَوْ اُحْتُضِرَ أَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ.
وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ عَلَى مَالِهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ حَرِيقٍ، وَمِنْهَا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ وَالْوَحْلُ الْكَثِيرُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا وَخَافَ أَنْ يُحْبَسَ إنْ ظَهَرَ، وَمِنْهَا أَكْلُ الثُّومِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ الْعُرْسُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ بَيَّنَ الْوَقْتَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ، فَقَالَ:(وَذَلِكَ) أَيْ وُجُوبُ السَّعْيِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ يَكُونُ (عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا لَأَغْنَاهُ عَنْ قَوْلِهِ:(وَأَخَذَ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ بِفَتْحِ الْخَاء وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِمَعْنَى شَرَعَ (الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْآذَانِ) وَفِي بَعْضِهَا وَأَخْذِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَجَرَّ الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى الْإِضَافَةِ.
وَقَيَّدْنَا بِمَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ احْتِرَازًا مِمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَيْهَا فِي مِقْدَارِ مَا يَصِلُ فِيهِ عِنْدَ الزَّوَالِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ وَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَسْعَى حَتَّى يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا يَصِلُ إلَّا وَالْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: عِنْدَ جُلُوسِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَقُومُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ اُحْتُضِرَ يُفْهَمُ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأُولَى [قَوْلُهُ: أَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ] أَيْ أَوْ يَشْتَدُّ وَلَمْ يَحْتَضِرْ إلَّا أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ.
تَنْبِيهٌ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: أَحَدُ وَالِدِيهِ بَلْ وَمِثْلُهُ كُلُّ قَرِيبٍ خَاصٍّ كَذَلِكَ كَوَلَدٍ وَزَوْجٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمْرِيضَ لِلْقَرِيبِ الْخَاصِّ عُذْرٌ مُطْلَقًا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ لَا خَشِيَ بِتَرْكِهِ الضَّيْعَةَ أَوْ لَا، وَأَمَّا تَمْرِيضُ غَيْرِ قَرِيبٍ فَهُوَ عُذْرٌ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ وَخَشِيَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الضَّيْعَةَ، وَأَمَّا قَرِيبٌ غَيْرُ خَاصٍ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِابْنِ الْحَاجِبِ كَالْخَاصِّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَيْدَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى مَالِهِ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يُجْحِفُ بِهِ وَمِثْلُهُ مَالُ غَيْرِهِ.
وَكَذَا خَوْفٌ عَلَى عِرْضٍ أَوْ دِينٍ كَخَوْفِ إلْزَامِ قَتْلِ رَجُلٍ أَوْ ضَرْبِهِ [قَوْلُهُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ] وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ أَوَاسِطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ رُءُوسِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ الْوَحْلُ الْكَثِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ أَوَاسِطَ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ الْمِدَاسِ بِكَسْرِ الْمِيمِ [قَوْلُهُ: وَخَافَ أَنْ يُحْبَسَ] أَيْ لِيُثْبِتَ عُسْرَهُ [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَكْلُ الثُّومِ] أَيْ النِّيءِ وَمِثْلُ الثُّومِ غَيْرُهُ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَفُجْلٍ، وَحَرُمَ أَكْلُهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ ثُومٍ وَغَيْرِهِ بِمَسْجِدٍ وَكَذَا بِغَيْرِهِ لِمَنْ يُرِيدُ جُمُعَةً أَوْ جَمَاعَةً أَوْ مَجْلِسَ عِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ وَلِيمَةٍ أَوْ مُصَلَّى عِيدَيْنِ أَوْ جَنَائِزَ وَتَأَذَّوْا بِرَائِحَتِهِ، إلَّا إنْ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ بِمُزِيلٍ غَيْرِ جَوَازِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ. وَفِي جَوَازِ دُخُولِ آكِلِهِ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْمَوَّاقُ وَمِمَّا يُزِيلُ رَائِحَةَ الثُّومِ وَنَحْوِهِ مَضْغُ السَّعَفِ وَالسَّعْتَرِ.
[قَوْلُهُ: الْعُرْسُ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَبِسُكُونِهَا الِابْتِنَاءُ بِالزَّوْجَةِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُبِيحٍ لِلتَّخَلُّفِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ امْرَأَةُ الرَّجُلِ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا أَيْ الزَّوْجَةِ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهَا بِالسُّنَّةِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ] يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْخُلَفَاءِ وَجَائِزٌ لِغَيْرِهِمْ.
وَالْمَنْدُوبُ فِي حَقِّ مَنْ يَخْطُبُ عَلَى الْأَرْضِ وُقُوفُهُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضٌ الْوُقُوفَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ [قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ الْفِعْلِ] وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ جُمْلَةُ وَأَخَذَ حَالِيَّةً [قَوْلُهُ: مِقْدَارِ إلَخْ] إضَافَةُ مِقْدَارٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ.
أَيْ مِقْدَارٌ هُوَ زَمَنٌ يَصِلُ فِيهِ الْمَسْجِدَ عِنْدَ الزَّوَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَفَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْضُرُ الْخُطْبَةَ وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مُفَادِ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَقَطْ حَيْثُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ [قَوْلُهُ: يَدُلُّ إلَخْ] لَا دَلَالَةَ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَلَوْ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ الَّذِي هُوَ
الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ السَّعْيُ حِينَ يَجْلِسُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخُطْبَةِ.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْأَذَانِ وَكَانَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْآخِرُ فِي زَمَنِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَا مِنْ ذَا فَقَالَ: (وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنْ يَصْعَدُوا) بِمَعْنَى يَرْتَفِعُوا أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ (عَلَى الْمَنَارِ فَيُؤَذِّنُونَ) أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم مَنَارٌ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَهُ د: وَفِي كَلَامِ ك مُخَالَفَةٌ لَهُ اُنْظُرْهُ. (وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ (الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية العدوي]
مُفَادُ ابْنِ عَرَفَةَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا فِي مِقْدَارِ إلَخْ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا] يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَعِيدِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الزَّوَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلًا فَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فَيَجِبُ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا يُكْتَفَى بِحُضُورِ كُلِّهِمْ بَعْضَهَا وَلَا بِحُضُورِ بَعْضِهِمْ كُلَّهَا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: الَّذِي يَتَحَرَّرُ أَنْ تَقُولَ مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ زَادُوا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ عَلَيْهِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ حُضُورَ الْقَدْرِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْخِطَابُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَقَطْ حَيْثُ حَضَرَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ، وَمَا أَفَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي مِقْدَارِ مَا يَصِلُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَتَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ خِلَافًا لِشَارِحِنَا فِي جَعْلِهِ ذَلِكَ فِي الَّذِي بَعُدَتْ دَارُهُ وَتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ: يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ.
[قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ إلَخْ] أَيْ وَالطَّرِيقَةُ الْمَنْدُوبَةُ [قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مُفَادِ زَرُّوقٍ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَذَانٌ وَاحِدٌ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ أَحْدَثَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ أَذَانًا آخَرَ يُفْعَلُ قَبْلَ هَذَا عَلَى الْمَنَارِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ الْإِمَامُ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَئِذٍ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ مُخَالَفَةٌ إلَخْ] فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ» فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَكَذَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ سَابِقٍ عَلَى الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى الْمَنَارِ وَأَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ الزَّوْرَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَرْتَفِعُوا مِنْ السُّوقِ، فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَنِ إمَارَتِهِ نَقَلَ الْأَذَانَ الَّذِي كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَجَعَلَهُ مُؤَذِّنًا وَاحِدًا يُؤَذِّنُ عِنْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَنَارِ، فَإِذَا خَرَجَ هِشَامٌ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ أَوْ يُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَلَهَا أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْآخَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ وَثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ الْآنَ هُوَ مَا كَانَ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَحَوَّلَهُ هِشَامٌ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنَارِ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ
{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبْضِهِ.
(وَ) كَذَلِكَ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ (كُلُّ مَا يَشْغَلُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ (عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا) كَالْأَكْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّفَرِ (وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي) فِي الْأَحْدَاثِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْفِعْلِ (أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ) يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَوْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ لَكَانَ أُولَى لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ وَسَمَّاهُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَشَرَائِطُ أَدَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَالْأُولَى عَشَرَةٌ:
ــ
[حاشية العدوي]
مَوْضِعُ التَّأْذِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَنَارُ الْمَعْهُودُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُرَادُهُ بِمَوْضِعِ التَّأْذِينِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ الْأَذَانِ إلَخْ] الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَذَانِ بِأَوَّلِهِ لَا بِتَمَامِهِ فَإِنْ كَبَّرَ الْمُؤَذِّنُ حَرُمَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِالنِّدَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ.
[قَوْلُهُ: الْبَيْعُ] أَيْ وَالشِّرَاءُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ الصَّعِيدَ إلَّا بِالثَّمَنِ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ كَعَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا مَعَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا فَهَلْ تَتَعَدَّى إلَيْهِ الرُّخْصَةُ وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ لِضَرُورَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الرُّخْصَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ ابْنِ نَاجِي كَالْغُبْرِينِيِّ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ لِي الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَهُ تت لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَيْضًا فَالْبَيْعُ مَتَى جَازَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَازَ مِنْ الْآخَرِ وَمَتَى امْتَنَعَ امْتَنَعَ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا مَاشِيَيْنِ لِلْجَامِعِ، وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: يَمْضِي حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشْغَلْهُمَا عَنْ السَّعْي، نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ إلَخْ] أَيْ بِمُفَوِّتٍ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبَضَهُ أَيْ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حِينَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَهَذَا قَدْ مَضَى بِالْقِيمَةِ [قَوْلُهُ: كَالْأَكْلِ] أَدْخَلَتْ الْكَافُ الشَّرِكَةَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّفَرِ] أَيْ وَأَمَّا السَّفَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يُدْرِكَهَا فِي طَرِيقِهِ كَمُرُورٍ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ وَإِلَّا جَازَ لَهُ السَّفَرُ، وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا إذَا اُضْطُرَّ لِلسَّيْرِ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ كُلُّ مَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ مَالِيَّةٌ كَالتَّوْلِيَةِ لَا نَحْوُ النِّكَاحِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، وَلَوْ كِتَابَةً لِأَنَّهَا عِتْقٌ فَلَا يُفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ حَرُمَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ] أَيْ أَنْسَبُ
[قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُ أَدَاءِ] أَيْ صِحَّةِ [قَوْلُهُ: أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ] الذِّمَّةُ وَصَفٌّ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ وَيَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الذِّمَّةَ تَصِيرُ عَامِرَةً لَيْسَتْ بِخَالِيَةٍ بِسَبَبِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَعَمُرَ الْمَنْزِلُ بِأَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُمَا إمَّا لِكَوْنِ الشَّخْصِ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورِ فِي قُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ] أَيْ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِسَبَبِهَا أَيْ بِسَبَبِ حُصُولِهَا [قَوْلُهُ: الْإِعْلَامُ] الْأَوْلَى الْعِلْمُ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامَ لِلْغَيْرِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِهَا بَلْ جَارِيَةً فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ.
تَنْبِيهٌ:
الصَّحِيحُ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ.
الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْقُرْبُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مِنْهَا وَقْتُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَالِاسْتِيطَانُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَرْبَعَةٌ الْإِمَامَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْجَامِعُ وَالْخُطْبَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ فَقَالَ:(وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ بِالْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ) أَمَّا الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْمِصْرِ الْإِمَامُ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقُرَى تَأَمُّلٍ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ تَجِبُ بِالْمِصْرِ بِأَنْ يَقُولَ: يُرِيدُ أَوْ بِالْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَشَرْطُ أَدَاءً وَشَرْطُ صِحَّةٍ أَيْضًا وَلَا عَدَدَ مَحْصُورٌ لِلْجَمَاعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِدَفْعِ مَنْ يَقْصِدُهُ وَيُسَاعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَعَاشِ الْحَاجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ تُقَامُ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْقُرْبُ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ وَيُلْحَقُ بِالثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ رُبْعُ مِيلٍ أَوْ ثُلُثُهُ، وَابْتِدَاءُ الْأَمْيَالِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْمَنَارِ وَانْظُرْ لَوْ تَعَدَّدَ الْمَنَارُ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَنَارُ الَّذِي يُصَلِّي فِي جَامِعِهِ مَنْ سَعَى أَوْ الْمُعْتَبَرُ الْمَنَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْبَلَدِ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنَارُ الَّذِي فِي طَرَفِ الْبَلَدِ وَهَذَا كَمَا قَرَّرْنَا فِي الْخَارِجِ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُجَسَّدِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِيطَانُ] لَا يُقَالُ: اشْتِرَاطُ الْإِقَامَةِ يُغْنِي عَنْ الِاسْتِيطَانِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُقِيمِ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسْتَوْطِنِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا أَصَالَةً، وَالْإِقَامَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا تَبَعًا قَالَهُ عَجَّ. وَأَيْضًا الِاسْتِيطَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةُ أَيْ إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ لَا عَلَى التَّأْيِيدِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ خِلَافًا لِشَارِحِنَا فِي جَعْلِهِ الِاسْتِيطَانَ شَرْطَ وُجُوبٍ فَقَطْ إلَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ فَتَقُولُ: تَعْرِيفُ شَرْطِ الصِّحَّةِ بِمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ تَعْرِيفٌ لِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَقَطْ لَا لِشَرْطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا. [قَوْلُهُ: الْإِمَامُ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَصِّلُوا إمَامًا وَقَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ أَيْ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ جَمَاعَةُ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَوْلُهُ: وَالْخُطْبَةُ أَمْرُهَا ظَاهِرٌ.
[قَوْلُهُ: وَالْجَامِعُ] أَيْ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُعْتَادًا لِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ فَعَلَ أَهْلُ الْأَخْصَاصِ جَامِعًا مِنْ بُوصٍ وَنَحْوِهِ فَتَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا فَلَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ إلَّا فِي بَلَدٍ يَضِيقُ الْجَامِعُ الْقَدِيمِ بِأَهْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ طُرُقٌ مُتَّصِلَةٌ تَتَيَسَّرُ الصَّلَاةُ فِيهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ: حَاجَةُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ لِصَلَاتِهِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْ كَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ وَلَوْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالضِّيقِ وُجُودُ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بَلْ هَذَا رُبَّمَا يُقَالُ أَوْلَى [قَوْلُهُ: وَفِي الْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنَيَّانِ] أَيْ جِنْسِ الْقُرَى فَيَصْدُقُ بِالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اتِّصَالٌ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ ارْتِفَاقًا أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِهَا إمَامٌ يُقِيمُ الْحُدُودَ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي] وَهُوَ الْجَمَاعَةُ [قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةِ إلَخْ] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: فَشَرْطُ أَدَاءً فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَلَا عَدَدَ مَحْصُورٌ لِلْجَمَاعَةِ عِنْد مَالِكٍ] وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ كَالشَّافِعِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ] أَيْ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ.
وَقَوْلُهُ: مَنْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَيْ أَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جَمَاعَةٍ تَسْتَغْنِي وَتَأْمَنُ بِهِمْ قَرْيَةٌ بِأَنْ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ فِيهَا صَيْفًا وَشِتَاءً، وَالدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ لَا النَّادِرَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْجِهَاتِ مِنْ كَثْرَةِ الْخَوْفِ وَالْفِتَنِ وَقِلَّتِهَا بِلَا حَدٍّ مَحْصُورٍ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَيْ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ لَا تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ.
[قَوْلُهُ: وَيُسَاعِدُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَسْتَقِلُّ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ مَنْ يَقْصِدُهُمْ وَلَا يُسَاعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي
الْجُمَعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِتَمَامِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا بَالِغِينَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطٍ آخَرَ فَقَالَ:(وَالْخُطْبَةُ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةُ (وَاجِبَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا بِلَا خُطْبَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ، فَإِذَا صَلَّوْا بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَهَا ظُهْرًا.
وَلِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ: وَلِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنْ جَهِلَ وَصَلَّى بِهِمْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ أَعَادَ الصَّلَاةَ فَقَطْ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ أَعَادَهَا فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا فَلَا تُجْزِئُهُ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ: قَبْلَ الصَّلَاةِ يَعْنِي بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
فَإِنْ خَطَبَ وَاحِدَةً وَصَلَّى أَعَادَ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَة مَالَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ لَمْ تَجْزِهِمْ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ لَمْ يُجْزِهِ، وَقِيلَ: إنَّ أَقَلَّهُ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَعَاشِ الْحَاجِيِّ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَفِي شُرُوحِ خَلِيلٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: الْحَاجِيُّ] أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ كَوْنِ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ فِيمَا تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمَوْصُوفِينَ بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إلَخْ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ تُقَامُ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا تَقْرِيرُ الشَّارِحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى مَا كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَا عَشَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ بَاقِينَ لِسَلَامِهِ، لَا إنْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَافِعِيًّا لَمْ يُقَلِّدْ مَالِكًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ سُنَّةٌ حَكَاهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ [قَوْلُهُ: أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ] أَيْ أَعَادُوا جُمُعَةً مَا دَامَ وَقْتُهَا لِلْغُرُوبِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزَّوَالُ وَيَمْتَدُّ لِلْغُرُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ] أَيْ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، وَقَوْلُهُ: وَالتَّعْقِيبِ أَيْ فَمِنْ كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا لَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَ الِانْتِشَارِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ] أَيْ تَصِحُّ بِهِمْ دَوَامًا وَهُمْ الِاثْنَا عَشَرَ وَهُمْ الْأَحْرَارُ الذُّكُورُ الْمُتَوَطِّنُونَ بِهَا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا، وَلَا يَضُرُّ رُعَافُ بِنَاءٍ لِأَحَدِهِمْ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثَ عَشَرَ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ حَصَلَ عُذْرٌ لِوَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْحَاضِرِينَ لِلْخُطْبَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالثَّالِثِ عَشَرَ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ.
[قَوْلُهُ: اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ نَسِيَ الثَّانِيَةَ أَوْ تَرَكَهَا أَجْزَأَهُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ.
[قَوْلُهُ: أَعَادَ الْجُمُعَةَ إلَخْ] أَيْ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِالصَّلَاةِ يَسِيرٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى.
قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّصَالُ أَجْزَاءِ كُلِّ خُطْبَةٍ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ اهـ.
وَكَذَا يَجِبُ اتِّصَالُ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ كَمَا أَفَدْنَاهُ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَمِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَتَيْنِ اتِّصَالُهُمَا بِالصَّلَاةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَةِ] أَيْ أَوْ مِنْ الْأُولَى مَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ ظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَمَلَ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا لَهَا بَالٌ. [قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُسْجَعٌ مُخَالِفٌ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ
وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ، وَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ إذَا فَعَلَ مَا قَالَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الطَّهَارَةُ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.
(وَيَتَوَكَّأُ) أَيْ يَعْتَمِدُ (الْإِمَامُ) فِي قِيَامِهِ لَخُطْبَتِهِ اسْتِحْبَابًا بِيَدِهِ الْيُمْنَى (عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا يُقَالُ " عُصَاةٌ " وَهِيَ أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ بِالْبَصْرَةِ أَوْ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَالْخُلَفَاءِ ذَلِكَ (وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (وَفِي وَسَطِهَا) وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا وَفِي الْقِيَامِ لَهَا، فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ شَرْطًا.
وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لِلْأَذَانِ، وَشَهَرَ الْبَاجِيُّ سُنِّيَّةَ الْجُلُوسِ الثَّانِي وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ مِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
وَالْأَصْلُ فِيمَ ذَكَرَ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ مُنْذُ زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى هَلُمَّ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَتُقَامُ الصَّلَاةُ عِنْدَ فَرَاغِهَا) اشْتِرَاطُ اتِّصَالِ الصَّلَاةِ بِالْخُطْبَةِ، وَيَسِيرُ الْفَصْلُ عَفْوٌ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَطَبَ هُوَ الْإِمَامُ فَإِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ كَحَدَثٍ أَوْ رُعَافٍ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ اتِّفَاقًا وَإِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ التَّذْكِرَةِ، فَإِنْ أَتَى بِكَلَامٍ نَثْرٍ قَالَ تت: فَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُجْزِئُ بَعْدَهَا اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِهَا نَظْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَوُقُوعُهَا بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَغْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَعْرِفُهَا وَجَبَتْ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَطِيبُ عَرَبِيَّةً لَمْ تَجِبْ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا جَهْرًا وَسِرُّهَا لَغْوٌ وَتُعَادُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ كَالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالِابْتِدَاءِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالدُّعَاءُ لِلصَّحْبِ بِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَذِكْرُ السَّلَاطِينِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِدْعَةٌ لَكِنْ بَعْدَ إحْدَاثِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ فِي الْخُطَبِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يُخْشَى عَلَى الْخَطِيبِ غَوَائِلُهُ صَارَ رَاجِحًا أَوْ وَاجِبًا مَا لَمْ يَكُنْ مُجَاوَزَةً فِي وَصْفِهِ، وَتَصِحُّ الْخُطْبَةُ مِنْ مَحْضِ قُرْآنٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ كَسُورَةِ قِ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ أَقَلَّهُ حَمْدُ اللَّهِ] أَيْ فَلَا تُسَمَّى الْخُطْبَةُ إلَّا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ فَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ الِاسْتِحْبَابُ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ] زَادَ بَهْرَامُ: وَقُرْآنٌ وَنَسَبَهُ فِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا.
[قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ.
[قَوْلُهُ: قَوْسٍ] أَيْ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ لَا قَوْسِ الْعَجَمِ، وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِئَلَّا يَعْبَثَ بِيَدِهِ فِي لِحْيَتِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: تَخْوِيفُ الْحَاضِرِينَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ لَحْنٍ إلَخْ] فِي تت عَلَى خَلِيلٍ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعَصَا مَقْصُورٌ وَلَا يُقَالُ عَصَاةٌ الْفَرَّاءُ: أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ هَذِهِ عَصَاتِي اهـ.
فَجَعَلَ أَوَّلَ اللَّحْنِ عَصَاتِي لَا عُصَاةِ كَمَا هُنَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْبَصْرَةِ كَمَا هُنَا.
[قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهِمَا وَفِي وَسَطِهَا] وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْخُطَبِ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا.
[قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ شَرْطًا] أَيْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْقِيَامِ الْوُجُوبُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا أَسَاءَ وَصَحَّتْ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا فِي عَزْوِ ابْنُ عَرَفَةَ، فَالْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْقِيَامُ فَقَطْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْعِبَارَةِ.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ، فَحَاصِلُ كَلَامِ شَارِحِنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُلُوسَيْنِ سَنَةٌ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلَانِ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ [قَوْلُهُ: مُنْذُ زَمَانِهِ إلَخْ] مُنْذُ حَرْفُ جَرٍّ وَزَمَانِ مَجْرُورٌ بِمُنْذُ، وَيُشْتَرَطُ فِي مَجْرُورِهَا أَنْ يَكُونَ وَقْتًا وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لَا مُبْهَمًا مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا لَا مُسْتَقْبَلًا.
[قَوْلُهُ: إلَى هَلُمَّ] كَلِمَةٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ إلَى الشَّيْءِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: اسْمُ فِعْلٍ وَقِيلَ: فِعْلُ أَمْرٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفٌ.
فَالْوَجْهُ أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ دَاخِلٌ عَلَى مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ إلَى زَمَنٍ يُقَالُ فِيهِ: هَلُمَّ أَيْ تَعَالَ وَهُوَ زَمَنُ الْحَاضِرِ أَيْ زَمَنُ الشَّيْءِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُ قَوْلُهُ: وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَطَبَ هُوَ
قَرُبَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَحَيْثُ يَسْتَخْلِفُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ.
وَإِذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً بَعْدَ مَا خَطَبَ صَلَّاهَا ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ) اتِّفَاقًا فَإِنْ زَادَ عَمْدًا بَطَلَتْ وَإِنْ زَادَ سَهْوًا فَعَلَى حُكْمِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَوْ صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْوِي أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ.
وَعَلَى الثَّانِي يَنْوِي صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنْ أُخِّرَتْ جَازَ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا بَهْرَامَ: لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ أَوَّلَهُ زَوَالُ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ امْتِدَادُهُ إلَى الْغُرُوبِ، وَصِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ:(يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) إجْمَاعًا (يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِ) سُورَةِ (الْجُمُعَةِ) ع لَوْ اعْتَرَضَ قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ. (وَ) يَقْرَأُ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِ) سُورَةِ (
ــ
[حاشية العدوي]
الْإِمَامَ] أَيْ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَشْمَاوِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرُبَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ] وَذَهَبَ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ إلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ قَرِيبًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الدَّفَرِيُّ، وَمُفَادُ عِزٍّ وَالْحَطَّابِ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا، وَالْقُرْبُ قَدْرُ أَوَّلَتَيْ الرَّبَاعِيَةِ وَقِرَاءَتِهِمَا، حَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ قَرِيبًا يَجِبُ انْتِظَارُهُ، وَإِذَا كَانَ بَعِيدًا فَيَجِبُ الِاسْتِخْلَافُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا هُمْ، فَإِنْ تَقَدَّمَ إمَامٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ صَحَّتْ [قَوْلُهُ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَإِذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ يَسِيرِ الْفَصْلِ، وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا يَسْتَخْلِفُ وَحَرِّرْ.
[قَوْلُهُ: فَعَلَى حُكْمِ إلَخْ] فَتُبْطِلُ بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا، وَأَمَّا بِزِيَادَةِ أَرْبَعٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ فَلَا.
[قَوْلُهُ: هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ] هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا.
وَقَوْلُهُ: يَنْوِي أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَيْ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ نِيَّةُ كَوْنِهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً؛ إذْ لَوْ نَوَى أَنَّهَا جُمُعَةٌ لَصَحَّ.
وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي يَنْوِي صَلَاةَ الْجُمُعَةِ أَيْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ.
[قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ تُجْزِ] بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ، وَقَوْلُهُ: جَازَ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَخْ أَيْ صَحَّ، وَفَسَّرْنَا الْجَوَازَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ غَيْرُ جَائِزَةٍ بِدُونِ الْعُذْرِ مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ امْتِدَادُهُ إلَى الْمَغْرِبِ] وَمُقَابِلُ مَا قِيلَ: إنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسِ وَقِيلَ: حَتَّى يَبْقَى لِلْغُرُوبِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُقَابِلَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَحَيْثُ قُلْنَا يَمْتَدُّ لِلْغُرُوبِ هَلْ مَحَلُّهُ إنْ خَطَبَ وَصَلَّاهَا وَأَدْرَكَ بَعْدَهَا رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا ظُهْرًا. وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ عِيَاضٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إلَى الْغُرُوبِ حَقِيقَةً أَوْ لَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، بَلْ حَيْثُمَا أَدْرَكَ خُطْبَتَهَا وَفَعَلَهَا قَبْلَهُ وَجَبَتْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ كَانَتْ الْعَصْرُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا لَوْ قَدَّمُوا الْعَصْرَ نَاسِينَ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا لِلْغُرُوبِ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
[قَوْلُهُ: يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ] أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ، فَإِنْ قَرَأَ فِيهِمَا سِرًّا عَمْدًا كَانَ كَمُتَعَمِّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، وَالنَّاسِي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ أَسَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ إلَخْ] قَالَ بَعْضٌ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْرَأْ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا بِهَا، فَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] » فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَا يُقَالُ: سَبِّحْ لَيْسَتْ نَحْوَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقَصْدُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ نَفَى قِرَاءَةَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُرُودِ مُطْلَقِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ فَاتَتْهُ
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] وَنَحْوِهَا) وَهُوَ سَبِّحْ وَالْمُنَافِقُونَ.
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ لَهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ: (وَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ) اتِّفَاقًا إذَا وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ.
(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَى (مَنْ) هُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمِصْرِ إذَا كَانَ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمِصْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَبْدَأَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقِيلَ: مَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ بِالثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ لِلسَّمَاعِ، وَالسَّمَاعُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَنَارِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ:(فَأَقَلُّ) أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ تَحْدِيدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قُلْت: الزِّيَادَةُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَقْرِيبٌ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً يَسِيرَةً.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) اتِّفَاقًا (وَلَا عَلَى أَهْلِ مِنًى) غَيْرِ سَاكِنِيهَا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِمْ وَإِنْ دَخَلُوا فِيمَا قَبْلَهُ لِمَا يُتَوَهَّم مِنْ إقَامَتِهِمْ هُنَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِرَمْيِهِمْ الْجِمَارَ، وَأَمَّا سَاكِنُوهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَانُوا حُجَّاجًا أَوْ لَا،.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَجِبُ الْجُمُعَةُ (عَلَى عَبْدٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا) عَلَى (صَبِيٍّ) اتِّفَاقًا فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُسَافِرٍ» وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ الظُّهْرِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ حَضَرَهَا عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ فَلْيُصَلِّهَا) يَعْنِي وَتُجْزِئُهُ عَنْ الظُّهْرِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَبِاتِّفَاقٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لِيَشْهَدَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ تُجْزِئُهَا اتِّفَاقًا
ــ
[حاشية العدوي]
الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَيُنْدَبُ لِقِرَاءَتِهَا فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ قَرَأَهَا.
[قَوْلُهُ: وَنَحْوَهَا وَهُوَ سَبِّحْ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] يَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ سَبِّحْ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي الْأُولَى الْقِرَاءَةُ بِالْجُمُعَةِ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا بِهَلْ أَتَاك أَوْ سَبِّحْ أَوْ الْمُنَافِقُونَ هَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّدْبَ إنَّمَا هُوَ بِخُصُوصِ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ بِمَ صَلَّى فِيهَا فَلِذَلِكَ جَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَاسْتَظْهَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْمَنَارُ أَنْ يُعْتَبَرَ الَّذِي فِي طَرَفِ الْبَلَدِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّمَاعُ] أَيْ وَمُتَعَلِّقُ السَّمَاعِ الَّذِي هُوَ الْأَذَانُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَنَارِ [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
[قَوْلُهُ: زِيَادَةً يَسِيرَةً] أَيْ بِنَحْوِ الرُّبْعُ أَوْ الثُّلُثُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُقِيمًا وَمَنْ كَانَ خَارِجًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا، وَلَكِنْ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِمَنْ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَلَدِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنْهَا وَدَاخِلًا لِكَفَرْسَخٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ] الْمُرَادُ بِهِ مَنْ أَتَى مِنْ مَحَلٍّ خَارِجٍ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
وَقَوْلُنَا: مَنْ أَتَى إلَخْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مُسَافِرٍ مِنْ بَلَدِهِ وَأَدْرَكَهُ النِّدَاءُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، فَهَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لَهَا بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ إدْرَاكُهَا، وَلَوْ بِرَكْعَةٍ، وَمِثْلُ إدْرَاكِ النِّدَاءِ تَحَقُّقُهُ الزَّوَالَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْفَرْسَخِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا إمَامُهُ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَسْقَطَ السَّيِّدُ حَقَّهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ إلَخْ] الظَّاهِرُ إسْقَاطُ بَعْضٍ، وَيَقُولُ لَهَا: كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَتَى بِبَعْضٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله مَا ذَكَرَ فِيمَا بَعْدُ إلَّا الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] ظَاهِرٌ فِي الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُبَعَّضِ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ لَا فِي يَوْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَتَوَقَّفُ حُضُورُهُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ فَيُنْدَبُ لَهُ
وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ لَهَا، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَتُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا، وَالنَّفَلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَرُدَّ بِالِاتِّفَاقِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَضَرَتْهَا تُصَلِّيهَا بَيَّنَ مَوْقِفَهَا بِقَوْلِهِ:(وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ) وَلَمَّا أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا شَابَّةً أَوْ غَيْرَهَا رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَخْرُجُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (الشَّابَّةُ) وَهَذَا النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَائِقَةً فِي الْجَمَالِ فَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَجَالَّةَ تَخْرُجُ إلَيْهَا.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شَيْئَيْنِ وَاجِبَيْنِ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُمَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِهَا.
أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْصَتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَهُوَ السُّكُوتُ عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ (لِ) أَجْلِ سَمَاعِ (الْإِمَامِ) وَهُوَ (فِي) حَالِ (خُطْبَتِهِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَفِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا، سَبَّ
ــ
[حاشية العدوي]
مُطْلَقًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ فِي يَوْمِهِ كَالْمُكَاتَبِ سَوَاءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلسَّيِّدِ الْإِذْنُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَالْمُكَاتَبُ يُنْدَبُ حُضُورَهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ.
[قَوْلُهُ: وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ دُعَاءَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حِينَ يَدْعُو يُعَمِّمُ فِي الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَتُجْزِئُهُ إلَخْ] وَيُنْدَبُ لَهُ الْحُضُورُ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا خُيِّرَ كَذَا يَنْبَغِي قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ عَجَّ:
مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ مِنْ ذِي الْعَشْرِ
…
عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فَادْرِ
وَمَا عَلَى أُنْثَى وَلَا أَهْلِ السَّفَرْ
…
وَالْعَبْدِ فِعْلُهَا وَإِنْ لَهَا حَضَرْ
انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ إلَخْ] فَلَوْ صَلَّتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْهَا إلَّا أَنْ تَلْتَذَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي صَفِّ النِّسَاءِ كُرِهَ لَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ اهـ تت. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ فَائِقَةً فِي الْجَمَالِ] أَيْ أَوْ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ، أَوْ مُرَادُهُمْ بِفَائِقَةِ الْجَمَالِ مَخْشِيَّةُ الْفِتْنَةِ، وَخَشْيَةُ الْفِتْنَةِ تَحْصُلُ بِالزِّينَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَمُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ، وَحُسْنِ صُورَةِ الشَّابَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخَشْيَةِ الْفِتْنَةِ مَا جُعِلَ قَسِيمًا لِلتَّطَيُّبِ وَنَحْوِهِ.
[قَوْلُهُ: الْمُتَجَالَّةَ تَخْرُجُ إلَيْهَا] أَيْ جَوَازًا بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَفْضَلَ عَدَمُ الْخُرُوجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ خُرُوجُهَا حَرَامٌ، وَخُرُوجُ الْمُتَجَالَّةِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالشَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ يُكْرَهُ.
فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْمُتَجَالَّةِ، وَجَازَ حُضُورُ الشَّابَّةِ غَيْرِ الْمَخْشِيَّةِ لِغَرَضِ غَيْرِهَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَهُوَ مَظِنَّةٌ لِمُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ إلَخْ] مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَكَانَ بِالْجَامِعِ أَوْ رِحَابِهِ مَعَ مَنْ هُوَ بِأَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نِسَاءً أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَعَ خَارِجٍ عَنْهُمَا، وَأَمَّا مَا كَانَ بِالطُّرُقِ فَيُبَاحُ لَهُ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا وَلَوْ سَمِعَا الْخُطْبَةَ لَا عَلَى مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ رُحْبَتِهِ فَيَحْرُمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحَبَتِهِ أَوْ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْجُمُعَةِ أَوْ لَا كَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي كُلِّهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الطُّرُقِ وَتَكَلَّمَ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا، وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الطُّرُقِ مَعَ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الرِّحَابِ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِمُحَرَّمٍ وَالْوَسِيلَةُ لِلْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ، هَكَذَا ظَهَرَ لِلْفَقِيرِ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ وَانْظُرْهَا [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ سَمَاعِ الْإِمَامِ] يُؤَذِّنُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ السَّمَاعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ الْإِنْصَاتُ وَالْإِصْغَاءُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَنْ كَانَ فِي عَجُزِ
الْإِمَامُ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ الْكَلَامُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا، وَإِذَا عَطَسَ هُوَ حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يُجِبْ مَنْ تَكَلَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْت» سُمِّيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لَغْوًا فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَاللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ بَيْنَ النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ عِنْدَ سَبَبِهِ، وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَسْجِدِ مَثَلًا وَهُوَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
[قَوْلُهُ: إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ] بِأَنْ سَبَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مَدْحُهُ، أَيْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ كَقِرَاءَتِهِ كِتَابًا غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْخُطْبَةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ لِمَنْ سَمِعَ رَجُلًا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ يَرْحَمُك اللَّهُ [قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ السَّامِعُ [قَوْلُهُ: حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ أَيْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ، وَكَوْنُهَا سِرًّا مَنْدُوبٌ وَيُكْرَهُ جَهْرًا.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ] أَيْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا] وَلَوْ إشَارَةً كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَصِّبُ مَنْ تَكَلَّمَ] أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِالْحَصْبَاءِ.
[قَوْلُهُ: لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ] أَيْ: وَلَا يَأْكُلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ مَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَلَوْ غَيْرَ السَّامِعِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَتَحْرِيكِ شَيْءٍ يَحْصُلُ مِنْهُ تَصْوِيتٌ كَوَرِقٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ سُبْحَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فِي كُرَّاسٍ.
[قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ إلَخْ] وَمِنْ أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْآيَةَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، أَيْ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالسُّكُوتُ تَعْظِيمًا لَهُ.
[قَوْلُهُ: لِصَاحِبِكَ] أَيْ الَّذِي تُخَاطِبُهُ إذْ ذَلِكَ أَوْ جَلِيسُك، سُمِّيَ صَاحِبًا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي الْخِطَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ.
وَقَوْلُهُ: أَنْصِتْ أَيْ اُسْكُتْ مِنْ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَاسْتَمِعْ الْخُطْبَةَ، وَفِعْلُهُ أَنْصَتَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنْ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
[قَوْلُهُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ] ظَرْفٌ لَقُلْت، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ.
[قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ جَائِزٌ] أَيْ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ فِي الْإِقَامَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ، وَيَحْرُمُ إذَا أَحْرَمَ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّفْصِيلُ بِالْجُمُعَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِنْصَاتَ وَاجِبٌ فِي حَالِ التَّرَضِّي عَلَى الصَّحْبِ وَالتَّرَضِّي عَلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَيْنَ النُّزُولِ إلَخْ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] وَنُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ. قَالَ بَهْرَامُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْكَلَامُ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَيَصْدُقُ بِالْمَنْدُوبِ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ إلَخْ] بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الذِّكْرُ سِرًّا عِنْدَ السَّبَبِ وَكَذَا غَيْرُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ إذَا قَلَّ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَيَمْنَعُ الْكَثِيرَ أَوْ الْجَهْرَ بِالْيَسِيرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، بَقِيَ أَنَّ فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ أَنَّ هَذَا أَعْنِي الذِّكْرَ الْيَسِيرَ لَيْسَ مِمَّا اسْتَوَى طَرَفَاهُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَمِثْلُهُ لَتَّتْ فِي كَبِيرِهِ عَلَى خَلِيلٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَشَيْخِنَا، وَبَقِيَ الْجَهْرُ بِالْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ.
[قَوْلُهُ: وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ الْخَطِيبِ] يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْمِينُ وَالتَّعَوُّذُ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ سِرًّا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْثِرَ أَوْ يُقِلَّ، وَمُفَادُ عَجَّ تَرْجِيحُ نَدْبِ التَّأْمِينِ
الْخَطِيبِ لِمَغْفِرَةٍ أَوْ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ، وَالتَّعَوُّذُ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِ النَّارِ وَالشَّيْطَانِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَكَرِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالشَّيْءُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَيَسْتَقْبِلُهُ) أَيْ الْإِمَامَ (النَّاسُ) بِوُجُوهِهِمْ وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ وُجُوبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ آدَابِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَالْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا لِلْيَوْمِ (وَاجِبٌ) وُجُوبُ السُّنَنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرَ الْكِتَابِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ يَعْنِي مُؤَكَّدَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ هُنَا: فَهَذِهِ تَفْسِيرٌ لِتِلْكَ وَتِلْكَ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ سَبَبَهُ الْعَزْمُ عَلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ فَمَعْنَى لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى حُضُورِهَا.
وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَصُحِّحَ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَوَقْتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَعَهُ وَصِفَتُهُ كَصِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَ) مِنْ الْآدَابِ (التَّهْجِيرُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ. ع: وَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالتَّهْجِيرُ حَسَنٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: (وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) وَالْهَاجِرَةُ لَا تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ التَّهْجِيرُ يُطْلَقُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالتَّعَوُّذِ عِنْدَ السَّبَبِ.
[قَوْلُهُ: الْمَغْفِرَةِ] أَيْ لِطَلَبِ مَغْفِرَةٍ أَوْ طَلَبِ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ [قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ] هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ ذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا] أَيْ نَدْبًا وَيُكْرَهُ جَهَرًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْهَرُ بِذَلِكَ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي أَيْ وَإِلَّا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ] أَيْ عِنْد نُطْقِهِ بِالْخُطْبَةِ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ] أَيْ مَنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، لَكِنْ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ يُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ لِجِهَةِ ذَاتِهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُونَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَسْتَقْبِلُونَ جِهَتَهُ وَذَاتَهُ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ] هَذَا عَلَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ سَبَبَهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ أَيْ حُضُورُ وُجُوبِهَا، فَيُؤْمَرُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ اغْتَسَلْتُمْ لِهَذَا الْيَوْمَ» . فَجَعَلَ عِلَّةَ الْغُسْلِ الْيَوْمَ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ [قَوْلُهُ: فَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ] لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ شَامِلًا لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِالْفِعْلِ فَهُوَ عَازِمٌ بِالْقُوَّةِ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَعْزِمْ] وَأَمَّا إذَا عَزَمَ عَلَى حُضُورِهَا أُمِرَ بِهِ، أَيْ فَتُسَنُّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ كَانَ ذَا رَائِحَةٍ كَالْقَصَّابِ أَيْ اللَّحَّامِ أَمْ لَا، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ سُنِّيَّةَ الْغُسْلِ بِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ كَالْقَصَّابِ وَنَحْوِهِ وَاعْتَمَدَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: إلَى نِيَّةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ لِنِيَّةٍ.
[قَوْلُهُ: فَلَا يُجَزِّئُ إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِيعِ وَالْقَبَلِيَّةُ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ [قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ وَالْأَفْضَلُ الِاتِّصَالُ قَالَهُ بَهْرَامُ.
[قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ] أَيْ كَمَا إذَا تَرَاخَى لِإِصْلَاحِ ثِيَابِهِ وَتَبْخِيرِهَا، فَإِنْ اُشْتُغِلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُ بِغِذَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَعَادَهُ حَيْثُ طَالَ بِهِمَا حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارِيًّا، فَإِنْ كَانَ النَّوْمُ غَلَبَهُ أَوْ الْأَكْلُ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ إكْرَاهٍ فَلَا يُبْطِلُ، وَأَمَّا الْأَكْلُ أَوْ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَثُرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَعَرَقٍ أَوْ صُنَانٍ أَوْ جَنَابَةٍ فَيُبْطِلَانِ ثَوَابَهُ، وَلَوْ حَصَلَا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّةُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَكْلَ فِي طَرِيقِهِ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ] هِيَ وَقْتُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ كَمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْهَاجِرَةُ نِصْفُ
عَلَى الْمَشْيِ فِي الْهَاجِرَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّبْكِيرِ الْمُسْتَحَبِّ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَمَكْرُوهٌ اهـ.
وَمِنْ الْآدَابِ الطِّيبُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَتَطَيَّبْ) أَيْ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ (لَهَا) أَيْ لِلْجُمُعَةِ اسْتِحْبَابًا مَنْ يَحْضُرُهَا مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ مِمَّا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتَهُ كَالْمِسْكِ، وَيَقْصِدُ بِهِ امْتِثَالَ السُّنَّةِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْفَخْرَ وَالرِّيَاءَ، وَمِنْ الْآدَابِ التَّجَمُّلُ بِاللِّبَاسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابَهُ) أَيْ مَا يَعُدُّ النَّاسُ حَسَنًا احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حَسَنَةً وَلَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَالثِّيَابُ الْحَسَنَةُ فِي الشَّرْعِ الْبَيَاضُ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ الطِّيب إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
النَّهَارِ فِي الْقَيْظِ خَاصَّةً اهـ.
[قَوْلُهُ: وَالْهَاجِرَةُ لَا تَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ] . هَكَذَا الصَّوَابُ بِعَدَمِ وُجُودٍ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا فِي تت، وَالتَّحْقِيقُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرهَا وَوَجْهُ التَّنَاقُضِ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُسَلَّطُ إلَّا عَلَى الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِوُجُودِ الشَّيْءِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّهْجِيرِ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ الَّتِي هِيَ وَقْتُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ.
[قَوْلُهُ: وَيُطْلَقُ عَلَى التَّكْبِيرِ الْمُسْتَحَبِّ] أَيْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّهْجِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ، وَإِنَّمَا التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّبْكِيرَ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ حَيْثُ قَالَ: بَكَّرَ إلَى الشَّيْءِ بُكُورًا مِنْ بَاب قَعَدَ أَسْرَعَ أَيَّ وَقْتَ كَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَبَكَّرَ تَبْكِيرًا مِثْلُهُ، بَقِيَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْأُولَى الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فِي الْحَدِيثِ أَجْزَاءُ السَّابِعَةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَجْزَاءُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ أَيْ الَّتِي يَعْقُبُهَا الزَّوَالُ، وَالْحَدِيثُ:«مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» .
فَهَذِهِ السَّاعَاتُ أَجْزَاءُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ الَّتِي قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا السَّابِعَةِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ، فَالسَّاعَاتُ الْكَائِنَةُ فِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا فَلَكِيَّةٌ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَمَكْرُوهٌ] لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَخِيفَةُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةُ.
[قَوْلُهُ: لَهَا] أَيْ الْجُمُعَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِالطِّيبِ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ.
وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاتَهُ [قَوْلُهُ: مِمَّا خَفِيَ لَوْنُهُ] أَيْ الْأَحْسَنُ لِلرِّجَالِ اسْتِعْمَالُ هَذَا الطِّيبِ لِقَوْلِ التَّحْقِيقِ، وَخَيْرُ طِيبِ الرِّجَالِ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، وَخَيْرُ طِيبِ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَتْ رَائِحَتُهُ اهـ.
أَيْ كَالْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَبَعْضٌ أَفَادَهُ صَرِيحًا قَالَ: وَلَوْ مُؤَنَّثًا وَلَكِنْ نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ شَارِحِ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الطِّيبَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ طِيبُ الرِّجَالِ، وَنَصُّهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَمِنْ طِيبِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ:«وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ» .
وَهُوَ الْمَكْرُوهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ، فَأَبَاحَهُ هُنَا لِلرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ أَيْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ قَالَهُ شَارِحُ مُسْلِمٍ.
[قَوْلُهُ: امْتِثَالُ السُّنَّةِ] أَيْ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[قَوْلُهُ: مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ حَسَنًا] الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الشَّرْعِ أَيْ مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الشَّرْعِ حَسَنًا أَيْ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةُ وَهُوَ الْأَبْيَضُ وَإِنْ عَتِيقًا بِخِلَافِ الْعِيدِ، فَيُنْدَبُ فِيهِ الْجَدِيدُ وَهُوَ الْيَوْمُ فَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ لَبِسَ الْجَدِيدَ غَيْرَ الْأَبْيَضِ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالْأَبْيَضُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ عَتِيقًا كَمَا قَرَّرْنَا.
[قَوْلُهُ: مَا كَتَبَ اللَّهُ] أَيْ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَتْبِ الْأَمْرُ أَيْ ثُمَّ صَلَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ [قَوْلُهُ: إذَا خَرَجَ إمَامُهُ]
تَعَالَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» .
قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
وَمِنْ الْآدَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ يَنْصَرِفَ) مُصَلِّي الْجُمُعَةِ (بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَا يَتَنَفَّلَ فِي الْمَسْجِدِ) ظَاهِرُهُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا.
وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّنَفُّلَ إثْرَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ هَذَا حُكْمُ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلْيَتَنَفَّلْ) يَعْنِي الْمَأْمُومَ فِي الْمَسْجِدِ (إنْ شَاءَ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَجْلِس الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ التَّنَفُّلِ خَفَّفَ.
وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلَ قَبْلَ صَلَاةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُرَادُ إذَا شَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ [قَوْلُهُ: يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِهِ] يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهَا كَمَا تَبَيَّنَ.
[قَوْلُهُ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ] أَيْ اجْتِهَادًا مِنْ عِنْدِهِ وَزِيَادَةً: ثَلَاثَةُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: وَزِيَادَةً] أَيْ وَكَانَتْ كَفَّارَةُ الزِّيَادَةِ هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ أَيْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَا اجْتَهَدَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا، أَيْ فَمَا فَعَلَهُ حَسَنَةٌ وَهِيَ بِعَشْرٍ فَلِذَلِكَ كَفَّرَتْ لَهُ ذُنُوبَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَأَطْلَقَ الْحَسَنَةَ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَهُوَ غُفْرَانُ الذَّنْبِ وَلَعَلَّهُ مَجَازٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرُهُ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ الْجُمُعَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ مَا الْحُكْمُ؟ قُلْت: يُعْطَى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِمَا يُقَابِلُ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ.
تَنْبِيهٌ:
الْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالتَّهْجِيرِ وَالْمَشْيِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِهَا] أَيْ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ تَسْبِيحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ حَتَّى يُحْدِثَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَكْثَرُ الْمُصَلِّينَ لَا كُلُّهُمْ، وَيَجِيءُ وَقْتُ انْصِرَافِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفُوا [قَوْلُهُ: إمَامًا كَانَ إلَخْ] لَكِنْ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَشَدُّ [قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ] وَقَوْلُهَا الْآخَرُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَفِعْلُهُ فَيُثَابُ إنْ تَرَكَ أَوْ صَلَّى ذُكِرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ مُبِيحَةٌ لِلنَّفْلِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ حَصِينٌ أَوْ لَا تُبِيحُهُ؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا تت.
[قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ قَبِلَهَا] أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ الْأَذَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ يُكْرَهُ النَّفَلُ لِلْجَالِسِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَلَوْ الْأَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يُخْشَى مِنْهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا، وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِنَدْبِهَا وَلَيْسَ مُقْتَدًى بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا مُقَلِّدًا فِي فِعْلِهَا الْقَائِلَ بِطَلَبِهَا حِينَئِذٍ، وَقُلْنَا: لِلْجَالِسِ احْتِرَازًا مِنْ قَادِمٍ عِنْدَ الْأَذَانِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَ الْأَذَانِ وَاسْتَمَرَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا التَّنَفُّلُ [قَوْلُهُ: فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ] بَلْ إذَا خَرَجَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ، فَلَوْ تَنَفَّلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ وَأَحْرَى
الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ (الْإِمَامُ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ شَيْئًا. ع: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ عَامٌّ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ لِلْخُطْبَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:(وَلْيَرْقَ) أَيْ يَصْعَدُ (الْمِنْبَرَ كَمَا يَدْخُلُ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِهِ: وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ لَهُ إذَا أَتَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْطُبَ. وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّاسِ حِينَ دُخُولِهِ، وَلَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَمِنْ الْآدَابِ الْمُسْتَحَبَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادُ إنْ احْتَاجَ، وَالسِّوَاكُ وَالْمَشْيُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار.
ــ
[حاشية العدوي]
بَعْدُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ جَالِسًا أَوْ دَاخِلًا، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَنَفَّلَ عِنْدَهُ فَيَقْطَعُ ابْتَدَأَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا خُرُوجَهُ أَوْ الْحُكْمَ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا قَطَعَ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا إنْ أَحْرَمَ عَمْدًا لَا سَهْوًا عَنْ خُرُوجِ الْخَطِيبِ أَوْ جَهْلًا بِخُرُوجِهِ أَوْ الْحُكْمِ فَلَا قَطْعَ عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْخُطْبَةِ وَيَشْرَعْ فِي التَّرَضِّي فَإِنَّهُ كَمَا يُبَاحُ الْكَلَامُ يُبَاحُ التَّنَفُّلُ [قَوْلُهُ: خَفَّفَ] أَيْ نَدْبًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَحْرَمَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْهِ أَوْ جَهْلًا عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنَفُّلَ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْأَذَانِ مَنْدُوبٌ وَعِنْدَهُ مَكْرُوهٌ لِلْجَالِسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعِنْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ لِلْخُطْبَةِ حَرَامٌ، وَمِثْلُ خُرُوجِ الْخَطِيبِ دُخُولُهُ ذَاهِبًا لِلْمِنْبَرِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَيْ مِنْ الْخَلْوَةِ لِلْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَطَعَ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَ دُخُولِهِ] فِي إشَارَةٍ إلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْكَافُّ زَائِدَةٌ وَأَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلْيَرْقَ الْمِنْبَرَ وَقْتَ دُخُولِهِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ فِي الْعِبَارَةِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ وَلْيَرْقَ الْمِنْبَرَ إذَا جَاءَ وَقْتُ دُخُولِهِ وَهَذَا بَعْدَ الزَّوَالِ مُرِيدًا الْخُطْبَةَ لَا إنْ جَاءَ قَبْلَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ:[قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْطُبَ] بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ وَمِثْلُهُ حِين خُرُوجِهِ مِنْ دَارِ الْخَطَابَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ أَيْ يُكْرَهُ [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْدَادُ] هُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ [قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَ] رَاجِعٌ لِقَصِّ الشَّارِبِ وَمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْيُ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ عز وجل أَيْ الْمَشْيُ فِي الذَّهَابِ لِلْجَامِعِ لَا فِي الرُّجُوعِ [قَوْلُهُ: الْأَخْبَارِ] أَيْ الْأَحَادِيثِ.