الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[13 -
بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ صِفَةِ (صَلَاةِ السَّفَرِ) وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَمَحَلِّهَا وَبَعْضِ شُرُوطِهَا، وَبَعْضِ مَا يُبْطِلُ الْقَصْرَ، وَمَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِهَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ سَافَرَ إلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يُجَاوِزَ إلَخْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَمَنْ سَافَرَ) أَيْ قَصَدَ سَفَرًا فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ، وَاجِبًا كَانَ كَسَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَوْ مَنْدُوبًا كَسَفَرِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ، أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ التِّجَارَةِ (مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) جَمْعِ بَرِيدٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ. (وَهِيَ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ. (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ (الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَدَّاةَ فِي السَّفَرِ وَالْمَقْضِيَّةَ لِفَوَاتِهَا فِيهِ (فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا) ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ لَا نِصْفَ.
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]
[قَوْلُهُ: بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ] أَيْ مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ [قَوْلُهُ: وَحُكْمِهَا] أَيْ السُّنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَسَبَبِهَا وَهُوَ السَّفَرُ [قَوْلُهُ: وَمَحَلِّهَا] أَيْ صَلَاةِ السَّفَرِ، أَرَادَ بِالْمَحَلِّ مَا فَوْقَ بُيُوتِ الْمِصْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الرُّبَاعِيَّةَ؛ إذْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرُّبَاعِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُ شُرُوطِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ] أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: صِفَةِ صَلَاةِ السَّفَرِ وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَمَحَلِّهَا وَبَعْضِ شُرُوطِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يُجَاوِزَ] بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَافَرَ] أَيْ قَصَدَ فَفِيهِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ [قَوْلُهُ: وَاجِبًا إلَخْ] أَيْ لَا مَكْرُوهًا وَلَا حَرَامًا كَصَيْدِ اللَّهْوِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِيَ حَرَامٌ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْصُرَانِ كَمَا فِي ابْنِ عُمَرَ أَيْ تَحْرِيمًا فِي الْحَرَامِ وَكَرَاهَةً فِي الْمَكْرُوهِ، فَإِنْ قَصَرَا لَمْ يُعِيدَا عَلَى الرَّاجِحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَاصِيَ إمَّا بِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَإِمَّا فِيهِ كَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ. فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فَإِنْ تَابَ الْأَوَّلُ قَصَرَ إنْ بَقِيَ بَعْدَهَا مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَإِنْ عَصَى فِي أَثْنَائِهِ أَتَمَّ مِنْ حِينَئِذٍ.
[قَوْلُهُ: مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ] أَيْ مَسَافَةً هِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا] فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَهَا فَإِنْ كَانَ فِيمَا مَسَافَتُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا أَعَادَ أَبَدًا وَفِيمَا مَسَافَتُهُ أَرْبَعُونَ لَا إعَادَةَ، وَفِيمَا مَسَافَتُهُ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ هَلْ يُعِيدُ فِي جُلِّ الْوَقْتِ أَمْ لَا، أَيْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
وَفِي التَّوْضِيحِ يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا أَبَدًا عَلَى الْمَذْهَبِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ] فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَوْنَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَرْفِقِ إلَى آخِرِ الْأُصْبُعِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ بَطْنُ إحْدَاهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، كُلُّ شُعَيْرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَقَلِّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَحَدُّهَا بِالزَّمَانِ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ الْمُعْتَادَةِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وِتْرٌ وَلَا نِصْفَ لَهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إذْ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ نِصْفُ رَكْعَةٍ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ تُكْمَلْ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تُقَدِّرَ النِّصْفَ كَمَا فُعِلَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ وَفِيمَنْ طَلَّقَ نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَذَهَبَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْ كَوْنِ عَدَدِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وِتْرًا وَلِلشَّرْعِ قَصْدٌ فِي الْوِتْرِ، وَانْظُرْ لِمَ
لَهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِقْصَارُ فِيهِ وَاجِبٌ وَأَوَّلَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بِوُجُوبِ السُّنَنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَلِلْقَصْرِ شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ مَقْصُودَةً فِي ذَهَابِ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً مِثْلَ أَنْ يَمْشِيَ فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَمَامَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي ذَهَابِهِ وَلَوْ مَشَى أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، وَيَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ، ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِيهِ، فَيَدْخُلَ فِيهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، ثَالِثُهَا: عَلَى مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ. ابْنُ قَاسِمٍ فِي الْكِتَابِ: يُتِمُّ وَرَاءَهُ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتِمُّ، رَابِعُهَا: عَلَى مَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. ع: قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية العدوي]
سَكَتَ عَنْ الصُّبْحِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ قَصْرُهَا.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا بِأَنْ تُجْعَلَ رَكْعَةً، وَاَلَّذِي يُغْنِي عَنْ تَطْوِيلِ الْقَوْلِ فِيهَا وَفِي الْمَغْرِبِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُقْصَرَانِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلسَّفَرِ فِيهِمَا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ إلَخْ] سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ وَمُبَاحٍ وَفَرْضٍ كَمَا حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْبُلُوغُ وَلَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عَيْنَ الْحُكْمِ هَلْ هُوَ السُّنِّيَّةُ أَوْ النَّدْبُ وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ.
[قَوْلُهُ: بِوُجُوبِ السُّنَنِ] أَيْ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي تت
[قَوْلُهُ: فِي ذَهَابِ] الْأَوْلَى حَذْفُ ذَهَابِ.
[قَوْلُهُ: دَفْعَةً وَاحِدَةً] أَيْ مَقْصُودَةً دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَخَرَجَ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
الثَّانِي: أَنْ يُقِيمَ فِيمَا بَيْنَهَا إقَامَةً تُوجِبُ الْإِتْمَامَ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ، فَمَنْ قَصَدَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ وَنَوَى أَنْ يَسِيرَ مِنْهَا مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ ثُمَّ يُسَافِرَ بَاقِيَهَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقْطَعَهَا عَلَى ظَهْرٍ وَاحِدٍ أَيْ يَقْطَعَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَقْصُودَةً وَالثَّانِي دَفْعَةً، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ مُحْتَرَزُ مَقْصُودَةً، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَرَزُ دَفْعَةً، وَدَفْعَةٌ بِفَتْحِ الدَّالِ.
[قَوْلُهُ: يَظُنُّ أَنَّهَا أَمَامَهُ] بَلْ وَلَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا أَمَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ عَيْنَ مَوْضِعِهَا.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا] قَدَّمْنَا مُحْتَرَزَهُ.
[قَوْلُهُ: وَالْمُبَاحُ] أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
[قَوْلُهُ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً] هَذَا إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَأَمَّا إنْ نَوَى الْقَصْرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ.
وَقَوْلُهُ: لَا يُتِمُّ هَذَا إذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ وَإِلَّا بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ تَارَةً يَنْوِي الْإِتْمَامَ خَلْفَهُ، وَمِثْلُهُ الْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَتَارَةً يَنْوِي صَلَاةَ سَفَرٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً أَمْ لَا. فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا صَحَّتْ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتِمُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ إلَى طَوِيلَةٍ بِلَا عُذْرٍ.
[قَوْلُهُ: حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ] أَيْ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوتُ خَرَابًا لَا سَاكِنَ بِهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَسَاتِينُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيَةِ الْبَلَدِيِّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ الْمُتَّصِلَةَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا وَسُكَّانُهَا بِمَرَافِقِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ وَخَبْزٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْكُونَةِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَمِثْلُ الْبَسَاتِينِ الْقَرْيَتَانِ إذَا اتَّصَلَتَا أَوْ اشْتَدَّ قُرْبُهُمَا بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ أَهْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِأَهْلِ الْأُخْرَى فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُجَاوِزَ الْأُخْرَى وَيَنْفَصِلَ عَنْهُمَا لَا إنْ بَعُدَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَلَا يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ الْأُخْرَى، وَأَمَّا الْمَزَارِعُ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ رضي الله عنه إنْ كَانَتْ قَرْيَةَ
(وَتَصِيرُ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ أَمَامَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ شِمَالِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَمَّا بَيَّنَ مَبْدَأَ الْقَصْرِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مُنْتَهَاهُ فَقَالَ:(ثُمَّ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْبُيُوتِ (أَوْ يُقَارِبَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ) اسْتَشْكَلَ ع لَفْظَ الشَّيْخِ فَقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ مُسَافِرًا وَآخِرَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِيهِ مُقِيمًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا أَيْ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْهَا وَيَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا هُوَ قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَوَّلُ يُخَالِفُهَا لِأَنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ.
(وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَظْعَنَ) أَيْ يَرْتَحِلَ (مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَوْ يَكُونُ أَرَادَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَصْرَ بِشَرْطِهِ يَقْطَعُهُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَأَكْثَرَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً عِنْدَ سَحْنُونَ وَعَبْدِ الْمَلْكِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنْ قَدَّرَ بِالصَّلَوَاتِ حَسَبَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ فَيُتِمُّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنَّ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ
ــ
[حاشية العدوي]
جُمُعَةٍ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ مِنْ سُوَرِ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بُنْيَانِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْبَسَاتِينِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ مُجَاوَرَةِ الْبَسَاتِينِ، وَالْعَمُودِيُّ بِمُجَاوَزَتِهِ مَحِلَّتِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَنْزِلَ إقَامَتِهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْجَمِيعِ حَيْثُ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ اسْمُ الدَّارِ فَقَطْ أَوْ اسْمُ الْحَيِّ حَيْثُ كَانَ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِلَّا قَصَرَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبُيُوتَ أَوْ قُرْبَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ وَإِنْ سَاوَتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهَا أَنْ تُشِيرَ بِأَوْ إلَى قَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ.
بَقِيَ أَنَّ مُلَخَّصَ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ بِهَا بَسَاتِينُ أَمْ لَا، كَانَتْ الْبَسَاتِينُ قَلِيلَةً بِحَيْثُ تَكُونُ ثُلُثَ مِيلٍ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالظَّاهِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ دُخُولَ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَوْ حُكْمًا كَدُخُولِ الْبَلَدِ، أَيْ فَيُتِمُّ بِهِ وَالْقُرْبُ مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ مِيلٍ كَالْقُرْبِ مِنْ الْبَلَدِ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَيْ فَيَقْصُرُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي خِلَافًا لِشَيْخِهِ فِي عَدِّهَا أَيْ عَدِّ الْبَسَاتِينِ مِنْ الْمَسَافَةِ، فَظَهْرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَاعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى يَرْجِعَ لِلْبُيُوتِ أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِنْ الْبَسَاتِينِ الْمُتَّصِلَةِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إلَخْ] أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تَكُونُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا، وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا إنْ نَوَى ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نُدِبَ لَهُ شَفْعُهَا وَلَمْ تُجْزِئْ لَا حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً ثُمَّ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً، وَأَمَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَهَا أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ حَضَرِيَّةً أَيْ نَدْبًا قَالَ سَنَدٌ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا.
[قَوْلُهُ: حَتَّى يَظْعَنَ] بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَرْتَحِلَ وَيَصِيرَ إذَا ظَعَنَ كَالظَّاعِنِ مِنْ بَلَدِهِ فَيَقْصُرَ إذَا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُرَاعِي فِي قَطْعِ حُكْمِ السَّفَرِ الْأَرْبَعَةَ الْأَيَّامِ الصِّحَاحَ وَالْعِشْرِينَ صَلَاةً، مَنْ دَخَلَ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمٍ وَنَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ مُدَّةَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَالْإِقَامَةُ الْقَاطِعَةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ أَنْ يُقِيمَ إلَى عِشَاءِ الرَّابِعِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٌ بِلَيَالِيِهَا وَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ وَغَيْرُهُمَا حَيْثُ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الصِّحَاحِ بِلَيَالِيِهَا ذَكَرَهُ عَجَّ.
[قَوْلُهُ: وَقَصَرَ ظُهْرَ إلَخْ] هَذَا غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلُ
يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: نَوَى أَنَّ الْإِتْمَامَ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِتْمَامَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ، وَالْقَصْرُ فَرْعٌ يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ يَقْصُرُ مَا دَامَ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْقَصْرِ نِيَّةُ الْعَسْكَرِ الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ وَلَوْ نَوَوْا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْعَسْكَرُ يُقِيمُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَقْصُرُونَ إنْ طَالَ مُقَامُهُمْ وَلَيْسَ دَارُ الْحَرْبِ كَغَيْرِهَا، وَمِمَّا يَقْطَعُ الْقَصْرَ أَيْضًا الْعِلْمُ بِالْإِقَامَةِ عَادَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْحَاجِّ إذَا نَزَلَ الْعَقَبَةَ أَوْ دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَكَانَ الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْإِقَامَةِ كَافِيًا فِي الْإِبْطَالِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصَلَاةِ السَّفَرِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلسَّفَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلْحَضَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا. وَقَسَّمَ الْأَوَّلَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مَا يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا أَوْ لَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ خَرَجَ) أَيْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ)(صَلَّاهُمَا سَفَرِيَّتَيْنِ) اتِّفَاقًا إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا نَاسِيًا، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا عَامِدًا، وَيَكُونُ آثِمًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَافَرَ فِي وَقْتَيْهِمَا إذْ يُقَدَّرُ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ هَلْ يُرَاعَى قَبْلَهُ تَقْدِيرُ الطَّهَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ أَمْ لَا.
وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهِمَا (قَدْرُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً صَلَّى الظُّهْرَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَتَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ حَضَرِيَّةً.
(وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِي وَقْتِهَا وَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِالْعَصْرِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ لِئَلَّا يُفَوِّتَهَا عَنْ وَقْتِهَا.
وَقَالَ أَشَهْبُ: يَبْدَأُ بِأَيَّتِهَا شَاءَ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ (وَلَوْ دَخَلَ) مِنْ سَفَرِهِ (لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ) أَيْ وَإِذَا دَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (نَاسِيًا لَهُمَا صَلَّاهُمَا حَضَرِيَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِهِمَا الظُّهْرِ بِأَرْبَعٍ
ــ
[حاشية العدوي]
عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ أَشْيَاخُ عج مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مِنْ حِينِ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى فِيهِ ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ أَتَمَّهُ وَأَتَمَّ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِ لَا يُحْسَبُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يُقِيمُهَا وَلَا يُقَالُ: إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةَ زَمَنٍ يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً وَدَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقْدَحُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلدِّينِ بِالْقَصْرِ، بَلْ يَقْصُرُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَعِنْدَ الْأَوَّلِ يُتِمُّ الْجَمِيعَ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ] وَهُوَ تَعَدِّي الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ [قَوْلُهُ: بِدَارِ الْحَرْبِ] الْمُرَادُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَحَلُّ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا أَمْنَ وَأَفْهَمَ ذَلِكَ إتْمَامُ الْأَسِيرِ بِدَارِهِمْ، وَإِتْمَامُ الْعَسْكَرِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ] أَيْ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَدَّرُ الظُّهْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إذَا سَافَرَ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ، فَقَالَ بِالْأَوَّلِ اللَّخْمِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بِالثَّانِي آخَرُونَ.
وَمُفَادُ بَعْضٍ تَرْجِيحُهُ وَعَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ لَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الظُّهْرِ بِفَرْضِ أَنْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ.
وَانْظُرْ هَلْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؟ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ] أَيْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ
وَالْعَصْرِ بِرَكْعَةٍ، قَالُوا: وَحُكْمُ الْعَامِدِ كَالنَّاسِي وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النَّاسِي لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّانِي. بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ (بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَفَرِيَّةً (وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا فِي الْحَضَرِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ نَهَارًا خُرُوجًا وَدُخُولًا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ لَيْلًا كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي النَّهَارِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّقْسِيمِ. فَقَالَ:(وَإِنْ قَدِمَ فِي لَيْلٍ وَقَدْ بَقِيَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ) فِيمَا يُقَدَّرُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا (صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَدْرِك بِهِ الْعِشَاءَ فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَهَا حَضَرِيَّةً، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَلَا مَعْنَى لِذَكَرِهَا: ثُمَّ عَقَّبَ بِالْخُرُوجِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَقَالَ: (وَلَوْ خَرَجَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِهَا فِي السَّفَرِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ لِلْخُرُوجِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْتَقْبَلُ، وَيُقَدِّمُ لِلدُّخُولِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْتَقْبَلُ.
ــ
[حاشية العدوي]
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: قَالُوا] لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرِّي
[قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ إلَخْ] لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلًّا دُخُولٌ [قَوْلُهُ: فِيمَا قُدِّرَ] فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيْ مِمَّا يُقَدَّرُ أَيْ مِمَّا يُقَدَّرُ بِهِ.
[قَوْلُهُ: فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا] أَيْ كَذَا لَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا فِي الْآتِيَةِ.
[قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ] أَيْ قَاعِدَةُ هَذَا الْبَابِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُقَدِّرُ لِلْخُرُوجِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ] قَاصِرٌ عَلَى النَّهَارِيَّتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِهِمَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدُ وَيُقَدِّرُ لِلدُّخُولِ بِخَمْسٍ إلَخْ قَاصِرٌ عَلَيْهِمَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِهِمَا، فَلَا يَشْمَلُ النَّهَارِيَّتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِ وَاحِدَةٍ وَلَا اللَّيْلِيَّتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالنِّسْبَةِ لِلَّيْلَتَيْنِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ بِرَكْعَةٍ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَبِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّهَارِيَّتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ عَلَى التَّوْزِيعِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْخُرُوجِ إذَا بَقِيَ مَا يَسَعُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً، فَالثَّانِيَةُ سَفَرِيَّةٌ وَهَكَذَا لَكَانَ أَفْضَلُ.