الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[15 -
بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]
(بَابٌ) فِي بَيَانِ صِفَةِ (صَلَاةِ الْخَوْفِ)
وَهِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ يَحْضُرُ وَقْتُهَا وَالْمُسْلِمُونَ فِي مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَهَا هُنَا وَذَكَرَهُ فِي بَابِ جُمَلٍ فَقَالَ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ وَاجِبَةٌ يَعْنِي وُجُوبَ السُّنَنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هِيَ رُخْصَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ لِصِدْقِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] وَالسُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ صَلَّاهَا بَعْد مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَتُفْعَلُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَقَدْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى صِفَتِهَا فِي السَّفَرِ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ:(وَصَلَاةُ الْخَوْفِ) أَيْ وَصِفَتُهَا (فِي) حَالِ (السَّفَرِ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ (إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ)
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]
[قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ] قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ يُمْكِنُ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ فَرْضٍ مِنْ الْخَمْسَةِ وَلَوْ جُمُعَةً مَقْسُومًا فِيهِ الْمَأْمُومُونَ قِسْمَيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَمَعَ عَدَمِهِ لَانْقَسَمَ فِي قِتَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَيَدْخُلُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ وَكُلُّ قِتَالٍ جَائِزٍ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ] أَيْ وَكَانُوا بِصَدَدِ الْقِتَالِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ رُخْصَةٌ] لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِهَا سُنَّةً وَكَوْنِهَا رُخْصَةً؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمَشْرُوعُ] أَيْ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ إلَخْ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِعُذْرٍ وَهُوَ اضْطِرَارٌ. وَقَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ أَيْ مَعَ وُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْخَبَثُ فِي الْمَيْتَةِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ نَقُولُ هُنَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْخَوْفُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مَعَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ] وَادَّعَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ.
[قَوْلُهُ: الْكِتَابُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ.
[قَوْلُهُ: فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ] مِنْهَا مَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ بِسَنَدِهِ «أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وِجَاهَ الْعَدُوَّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» .
[قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ الْفِعْلِيُّ [قَوْلُهُ: وَفُرَادَى] هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي صَلَاةِ الِالْتِحَامِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ بِدُونِ قَوْلِهِ جَمَاعَةً [قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ خَبَرُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ خَبَرُ صَلَاةٍ وَالتَّقْدِيرُ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ نَقُولُ فِي شَأْنِهَا: إنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ فَالْحُكْمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ.
[قَوْلُهُ: إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ] أَيْ اعْتَقَدُوا ضَرَرَ الْعَدُوِّ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ظَنُّوهُمْ أَيْ ظَنُّوا ضَرَرَهُ. وَلَوْ فُسِّرَ الْخَوْفُ بِالظَّنِّ لَكَانَ أَحْسَنَ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ الِاعْتِقَادِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى.
أَوْ ظَنُّوهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْكُفَّارُ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ هُوَ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ (أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ وَيَدَعَ طَائِفَةً مُوَاجِهَةً لِلْعَدُوِّ) ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ تَسَاوِيهِمَا.
قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ يُقَابَلُ بِالنِّصْفِ، وَأَمَّا إذَا قُوبِلَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَوْقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا فِي الصَّلَاةِ كَيْفِيَّتَهَا خَوْفًا مِنْ التَّخْلِيطِ لِعَدَمِ إلْفِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهَا (فَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُصَلِّي الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا) ثُمَّ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ اتِّفَاقًا وَهُوَ مُخَيَّرٌ حِينَئِذٍ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ وَالسُّكُوتِ.
(وَ) أَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ فَإِنَّهُمْ (يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُونَ فَ) يَذْهَبُونَ (يَقِفُونَ مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ) مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ (ثُمَّ يَأْتِي أَصْحَابُهُمْ فَيُحْرِمُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) الْإِمَامُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَقَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ] وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُحَارِبِينَ مَا يَشْمَلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَذَا اللُّصُوصُ خَوْفًا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ السِّبَاعُ خَوْفًا عَلَى النَّفْسِ مِنْهَا.
فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رُخْصَةٌ وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّقْلُ هُوَ قِتَالُ الْكُفَّارِ، فَكَيْفَ قَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ وَمَا أَشْبَهَهُ؟ قُلْت: هُوَ مِنْ قِيَاسِ لَا فَارَقَ الَّذِي قَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ فِي الْقِيَاسِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْفِعْلِ الْخَوْفُ وَهُوَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ [قَوْلُهُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ] أَيْ لِيُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ [قَوْلُهُ: وَيَدَعَ طَائِفَةً] أَيْ يَتْرُكَ طَائِفَةً [قَوْلُهُ: كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا] وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِهَا صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ لِنَظَرِهِمْ لِعَدُوِّهِمْ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ إلَخْ] لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَسَمَهُمْ مُنَاصَفَةً [قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ] أَيْ قَسْمُهُمْ قِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ] أَيْ نِصْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُوقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ لَا يَقْسِمُهُمْ نِصْفَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ إذَا كَانَتْ تُقَابَلُ بِالثُّلُثِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالثُّلُثَيْنِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، وَيُصَلِّي بِالثُّلُثِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ.
[قَوْلُهُ: فَانْظُرْ ذَلِكَ] أَيْ هَلْ مَا قُلْنَا صَحِيحٌ؟ هَذَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تُسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ عِنْدَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ تَسَاوَيَا أَوْ لَا [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَلِّمَ إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِعَدَمِ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيمِ الْمَجْمُوعِ وَفِي عِبَارَةٍ عَلَى الْإِمَامِ أَيْ وُجُوبًا عِنْدَ الْجَهْلِ وَنَدْبًا عِنْد عَدَمِهِ.
[قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي إلَخْ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَيُصَلِّي بِهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْإِضْمَارِ لِظُهُورِ أَنَّ فَاعِلَ يُصَلِّي الْإِمَامُ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِلطَّائِفَةِ إلَّا أَنَّ عَادَتَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ، وَنَكَّرَ طَائِفَةً وَعَبَّرَ بِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تُسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ فِيهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ.
[قَوْلُهُ: يَثْبُتُ قَائِمًا] أَيْ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مُؤْتَمِّينَ بِهِ إلَى أَنْ يَسْتَقِلَّ ثُمَّ يُفَارِقُونَهُ فَإِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ عَمْدًا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَسَهْوًا أَوْ غَلَبَةً اسْتَخْلَفَ هُوَ أَوْ هُمْ مَنْ يَقُومُ بِهِمْ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمُسْتَخْلَفُ وَيَؤُمُّ مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْدَثَ وَلَوْ عَمْدًا بَعْدَ تَمَامِ قِيَامِهِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ فَلَا يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ لِانْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَنَظَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي حُكْمِ الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: بَيْنَ الدُّعَاءِ] أَيْ بِمَا عَنَّ لَهُ وَالْأَوْلَى بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرُ مِثْلُ الدُّعَاءِ: التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ.
وَقَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ أَيْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً] أَيْ أَفْذَاذًا فَإِنْ أَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَارَقَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الْجُمُعَةِ صَلَّتْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَفْذَاذًا فِيمَا يَظْهَرُ بِمَثَابَةِ مُدْرِكِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ إمَامٍ وَرَعْفِ رُعَافٍ بَنَاهُ فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى فَاتَ فِعْلُهَا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَحْدَهُ وَلَا يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً بِإِمَامٍ يَسْتَخْلِفُونَهُ.
وَتَوَقَّفَ عَجَّ فِي عَدَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ اثْنَيْ
(وَيُسَلِّمُ) عَلَى الْمَشْهُورِ (ثُمَّ) إنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ (يَقْضُونَ الرَّكْعَةَ) الْأُولَى (الَّتِي فَاتَتْهُمْ) مَعَهُ (وَيَنْصَرِفُونَ) .
وَقَوْلُهُ: (وَهَكَذَا يُفْعَلُ فِي صَلَاةِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا) تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (إلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِمَامَ (يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا تَمَّ تَشَهُّدُهُ ثَبَتَ قَائِمًا، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُشِيرُ إلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِالْقِيَامِ، فَإِذَا قَامُوا أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ فَيَقِفُونَ فِي مَكَانِ أَصْحَابِهِمْ.
(ثُمَّ) تَأْتِي الطَّائِفَةُ (الثَّانِيَةُ) فَيُحْرِمُونَ خَلْفَهُ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) أَيْ بِالطَّائِفَةِ (رَكْعَةً) ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتْهُمْ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ فِي حَالِ قِيَامِهِ لِانْتِظَارِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَدْعُوَ وَلَا يَقْرَأَ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ الثُّنَائِيَّةِ دُونَ الثُّلَاثِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ إنَّمَا يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، فَرُبَّمَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا قَبْلَ مَجِيءِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي قِيَامِ الثُّنَائِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ فَيُدْرِكُونَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَصَحَّحَ فِعْلَهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَهَا شَرْطَانِ: أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ جَائِزًا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَجُزْ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ يُمَكِّنَهُمْ التَّرْكُ، فَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُ الْمُرْصِدُ لَهُ لَمْ يَجُزْ.
الثَّانِي: إذَا انْقَطَعَ الْخَوْفُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمُّوا عَلَى صِفَةِ الْأَمْنِ، وَإِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ جَمَاعَةً ثُنَائِيَّةً وَثُلَاثِيَّةً.
ــ
[حاشية العدوي]
عَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ وَأَنْ يَحْضُرَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْخُطْبَةَ [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يُسَلِّمُ بَلْ يُشِيرُ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَتَقُومُ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَيُصَلُّونَهَا وَيُسَلِّمُ بِهَا فَتُدْرَكُ مَعَهُ الثَّانِيَةُ السَّلَامَ كَمَا أَدْرَكَتْ الْأُولَى الْإِحْرَامَ.
[قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ تَشَهُّدُهُ ثَبَتَ قَائِمًا إلَخْ] وَقِيلَ جَالِسًا، وَعَلَيْهِ فَمُفَارَقَةِ الْأُولَى بِتَمَامِ تَشَهُّدِهِ كَمَا فِي تت وَيُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ بِإِشَارَةٍ أَوْ جَهْرِهِ بِآخِرِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُشِيرُ إلَخْ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَقُولُ بِجُلُوسِهِ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلِّمُونَ] أَيْ عَلَى الْيَمِينِ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْيَسَارِ إنْ كَانَ عَلَى يَسَارِ الْمُسَلِّمِ أَحَدٌ، وَلَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ قَبْلَ سَلَامِهِ فَلَمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ سَلَامِهِمْ يَذْهَبُونَ إلَى الْعَدُوِّ [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ] فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قَرَأَهَا عَقِبَ قِيَامِهِ وَسَكَتَ أَوْ دَعَا بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَبْلَ رُكُوعِهِ حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، قُلْت: لِمُخَالَفَتِهِ لِلرُّخْصَةِ الْوَارِدَةِ وَلِعَدَمِ وُقُوعِ رُكُوعِهِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ [قَوْلُهُ: دُونَ الثُّلَاثِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ [قَوْلُهُ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ] وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْصَرِفُونَ قَبْلَ الْإِكْمَالِ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ صَلَاتَهَا وَقَامَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى فَقَضَتْ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ جَائِزًا] أَيْ مَأْذُونًا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ، وَالْمُبَاحَ كَقِتَالِ مُرِيدِ الْمَالِ.
وَقَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ حَرَامًا إلَخْ أَيْ كَقِتَالِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا إلَخْ] أَيْ وَأَنْ يَخَافَ خُرُوجُ الْوَقْتِ عَلَى أَقْسَامِ التَّيَمُّمِ مِنْ رَاجٍ وَمُتَرَدِّدٍ وَآيِسٍ.
قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يَجُزْ حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّفْرِقَةُ وَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ دَهَمَهُمْ الْعَدُوُّ وَانْهَزَمُوا صَلَّوْا عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا.
[قَوْلُهُ: فَإِذَا انْقَطَعَ إلَخْ] فَإِنْ حَصَلَ الْأَمْنُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا فَتَدْخُلُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُتِمُّ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ حَصَلَ مَعَ الثَّانِيَةِ وَقَدْ فَارَقَتْهُ الْأُولَى رَجَعَ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَمَنْ أَتَمَّ مِنْهُمْ صَلَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ، وَمَنْ
وَأَمَّا صِفَتُهَا فِي الْحَضَرِ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ (بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ مَعَهُ (فِي الْحَضَرِ لِشِدَّةِ خَوْفٍ صَلَّى بِهِمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) ك: قَبْلَ هَذَا إذَا كَانُوا مَطْلُوبِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا طَالِبِينَ فَلَا. وَعِبَارَةُ الْجَلَّابِ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ، وَنَصُّهُ إذَا نَزَلَ الْخَوْفُ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ لَمْ يَجُزْ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَجَازَ تَفْرِيقُهُمْ فِيهَا فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِيَامِ لِلْإِتْمَامِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَقُومُ إذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ فَيَنْتَظِرُ إتْمَامَهُمْ وَانْصِرَافَهُمْ وَمَجِيءَ الْآخَرِينَ قَائِمًا يَعْنِي سَاكِتًا، أَوْ دَاعِيًا لَا قَارِئًا، ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ، وَيَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقَدْ قِيلَ: يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يَقْضُوا مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ اهـ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَلِكُلِّ صَلَاةٍ) مِمَّا تَقَدَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمَاعَةً (أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ) لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ مُجْتَمِعٌ لَهَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فُرَادَى فَقَالَ: (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (صَلَّوْا وُحْدَانًا) أَيْ فُرَادَى (بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ) فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا إيمَاءً، وَيَكُونُ
ــ
[حاشية العدوي]
صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ أَيْ عَقَدَ رَكْعَةً انْتَظَرَ الْإِمَامَ حَتَّى يَفْعَلَ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ يَقْتَدِي بِهِ فِيمَا بَقِيَ وَلَوْ السَّلَامَ، فَإِنْ خَالَفَ بِأَنْ فَعَلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَالَفَ وَأَعَادَ مَعَ الْإِمَامِ مَا فَعَلَهُ حَالَ الْمُفَارَقَةِ حَمَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ إنْ كَانَ سَهْوًا لَا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ افْتِتَاحِهَا صَلَاةً مُسَايَفَةً فَالْحُكْمُ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا صَلَاةَ أَمْنٍ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَكِنْ فُرَادَى لِأَنَّهُمْ افْتَتَحُوهَا هَكَذَا، فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَأْتِي إلَّا بَعْدَ أَنْ تَذْهَبَ الْأُولَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَكَيْفَ يُعْقَلُ مَا ذَكَرَ؟ قُلْت: يُفْرَضُ مَا ذَكَرَ فِي مَسْبُوقِينَ أَدْرَكُوا مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ فَيَأْتِي فِيهِمْ مَا ذَكَرَ بِأَنْ تَذْهَبَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْبُوقَةٍ تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَتَخَلَّفَ هَذِهِ الْمَسْبُوقَةُ فَيَأْتِيَ فِيهَا مَا ذُكِرَ.
[قَوْلُهُ: قِيلَ هَذَا إلَخْ] هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِيَامِ] وَيَكُونُ فِي جُلُوسِهِ سَاكِنًا أَوْ دَاعِيًا وَإِنْ كَانَ الدُّعَاءُ فِي الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهًا فَقَدْ يُتَّفَقُ هُنَا عَلَى جَوَازِهِ [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَقُومُ] هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَهْرَامُ: فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْكِيَهُ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ [قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضٌ مُجْتَمَعٌ] فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَفِي الْحَضَرِ إنْ طَلَبَ غَيْرَهَا.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ سَهَا الْإِمَامُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى سَهْوًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُجُودُ سَجَدَتْ لِلسَّهْوِ بَعْدَ كَمَالِ صَلَاتِهَا لِنَفْسِهَا، الْقَبْلِيُّ قَبْلَ سَلَامِهَا وَالْبَعْدِيُّ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ تَسْجُدْ الْقَبْلِيَّ وَسَجَدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ تَرَتَّبَ عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ، وَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ سُجُودٌ قَبْلِيٌّ وَكَانَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا فَإِنَّهَا تُغَلِّبُ جَانِبَ النَّقْصِ، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ قَبْلَ إتْمَامِ مَا عَلَيْهَا وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهَا وَتَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ وَلَوْ تَرَكَهُ إمَامُهُمْ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَقَطْ إنْ تَرَتَّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ، وَلَا يَلْزَمُ الْأُولَى سُجُودٌ لِسَهْوِهِ مَعَ الثَّانِيَةِ لِانْفِصَالِهَا عَنْ إمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ مُوجِبُ السُّجُودِ مِمَّا لَا يَخْفَى كَالْكَلَامِ أَوْ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ شَبَهِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِشَارَتِهِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى أَشَارَ لَهَا فَإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بِالْإِشَارَةِ سَبَّحَ لَهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بِهِ كَلَّمَهَا، إنْ كَانَ النَّقْصُ مِمَّا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا يَنْبَغِي قَرَّرَهُ عَجَّ [قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَنْ ذَلِكَ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الْجَمَاعَةَ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَرَجُوا انْكِشَافَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بِحَيْثُ يُدْرِكُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ أَخَّرُوا
إيمَاؤُهُمْ لِلسُّجُودِ أَخَفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (مُشَاةً) أَيْ غَيْرِ رَاكِبِينَ (أَوْ رُكْبَانًا) عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ حَالَ كَوْنِهِمْ (مَاشِينَ أَوْ سَاعِينَ) أَيْ جَارِينَ (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) ثُمَّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إذَا أَمِنُوا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] : وقَوْله تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] فَأَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنْ تُصَلَّى الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا عَلَى حَسَبِ الْحَالِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعُ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
[حاشية العدوي]
اسْتِحْبَابًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ صَلَّوْا إيمَاءً [قَوْلُهُ: أَوْ رُكْبَانًا] أَيْ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، فَلَوْ كَانُوا رَاكِبِينَ عَلَى حَمِيرٍ أَوْ بِغَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ [قَوْلُهُ: مَاشِينَ] أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يَجُوزُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَعْنِي حَالَ اشْتِدَادِ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ مَشْيٌ كَثِيرٌ وَرَكْضٌ وَهُوَ تَحْرِيكُ الرِّجْلُ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْمَشْيِ وَطَعْنٌ بِرُمْحٍ وَرَمْيُ نَبْلٍ وَكَلَامٌ بِغَيْرِ إصْلَاحِهَا وَلَوْ كَثُرَ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ كَتَحْذِيرِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُرِيدُهُ أَوْ أَمْرُهُ بِقَتْلِهِ، وَكَتَشْجِيعٍ وَافْتِخَارٍ عِنْدَ الرَّمْيِ وَرَجَزٍ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ تَوْهِينُ الْعَدُوِّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحْتَاجِ لَهُ وَإِمْسَاكُ مُلَطَّخٍ بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ.