الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَوَاضِعِ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسَاكِينُ فَعَلَى مَسَاكِينِ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يُجْزِهِ وَإِذَا أَطْعَمَ فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَلَوْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ ثَمَنًا أَوْ عَرْضًا لَمْ يُجْزِهِ، وَالشَّيْءُ الْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) أَيْ أَوْ يَخْتَارُ عَدْلَ طَعَامِ الْمَسَاكِينِ (صِيَامًا) وَصِفَةُ ذَلِكَ (أَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلِكَسْرِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا) وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي كَسْرِ الْمُدِّ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ الصَّوْمُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَبْرُهُ بِالْكَمَالِ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ.
فَائِدَةٌ:
ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْعَدْلِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ الْخَلِيلُ: عَدْلُ الشَّيْءِ بِالْفَتْحِ مِثْلُهُ وَلَيْسَ بِالنَّظِيرِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا عَدَلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَهُ مِثْلٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالْأَرْنَبِ وَالْعُصْفُورِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ
قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةٌ فِي الْعُمُرِ) مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَهَا مِيقَاتَانِ مَكَانِيٌّ وَهُوَ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَزَمَانِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلَهَا أَرْكَانٌ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَلَيْسَ الْحِلَاقُ رُكْنًا فِيهَا، وَصِفَةُ الْإِحْرَامِ بِهَا فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَمَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَفَسَادِهَا بِالْجِمَاعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِهِ عَلَيْهِمْ] أَيْ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
[قَوْلُهُ: وَإِذَا أَطْعَمَ فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ] أَيْ لَا أَزْيَدَ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ نَزْعَ الزَّائِدِ إنْ بَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ ثَمَنًا أَوْ عَرْضًا لَمْ يُجْزِهِ] أَيْ وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي كَسْرِ الْمُدِّ] أَيْ وَيُنْدَبُ تَكْمِيلُ الْمُدِّ النَّاقِصِ. [قَوْلُهُ: كَالْأَيْمَانِ] حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْقَسَامَةِ، أَنَّ كَسْرَ الْيَمِينِ يَكْمُلُ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكُسُورِ، وَلَوْ أَقَلَّ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ لِلْمَقْتُولِ ابْنًا وَبِنْتًا وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمَا أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ الَّتِي هِيَ الْخَمْسُونَ يَمِينًا عَلَى الِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَمِينًا وَثُلُثٌ، وَعَلَى الْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَجُبِرَ الْكَسْرُ عَلَى الْبِنْتِ، فَلَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ عَلَى كُلِّ سِتَّةٍ عَشْرٌ وَثُلُثَانِ فَيَكْمُلُ عَلَى كُلٍّ فَيَحْلِفُ كُلُّ سَبْعَةَ عَشَرَ تَتِمَّةٌ يُضْطَرُّ إلَيْهَا الْحَكَمَانِ إنَّمَا يَطْلُبَانِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْقَاتِلِ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا فِيهِ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهَا طُلِبَ لَهُ الْحَكَمَانِ لِيَجْتَهِدَا فِيهِ.
وَإِنْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ الشَّارِعِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ النَّعَامَةَ فِيهَا بَدَنَةٌ سَمِينَةٌ لِكَوْنِهَا سَمِينَةً وَهَكَذَا أَوْ إذَا أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَمَّا حَكَمَا بِهِ فَلَهُ الِانْتِقَالُ وَلَوْ الْتَزَمَ خَرَاجَهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ يُعَادُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا يُعَادُ إنْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُمَا كَأَنْ حَكَمَا فِيمَا فِيهِ بَدَنَةٌ بِشَاةٍ. [قَوْلُهُ: عَدْلُ الشَّيْءِ بِالْفَتْحِ مِثْلُهُ] أَيْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِثْلٌ لِعَشَرَةِ أَمْدَادٍ فَالْمُمَاثَلَةُ عَلَى كَلَامِهِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِالنَّظِيرِ] النَّظِيرُ الْمُسَاوِي كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ أَنَّ صِيَامَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْعَشْرَةِ الْأَمْدَادِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَالْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُ تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: مَا عَدْلُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ] كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا عَدَلَتْ الْعَشَرَةَ الْأَمْدَادَ وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَقَوْلُهُ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ، أَيْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا هَلْ الْمِثْلِيَّةُ لَا تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْخَلِيلُ أَوْ تَقْتَضِيهِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرَّاءُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقُرْآنِ، مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرَّاءُ فَتَدَبَّرْ.
. [قَوْلُهُ: الْإِطْعَامُ] أَيْ قِيمَتُهُ طَعَامًا.
[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]
[قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ] وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا} [البقرة: 196] لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي الشُّرُوعَ فِي الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ يَجِبُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ مَنْدُوبَةً. [قَوْلُهُ: مَرَّةً] مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: مُفَسِّرٌ] لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ قَوْلُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مُتَأَخِّرًا عَنْ قَوْلِهِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِيقَاتُ الْحَجِّ] أَيْ
أَرْكَانِهَا كَالْحَجِّ.
وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
قَالَ ع: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَمَنْ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ اعْتَمَرَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّمِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَرَ فِي السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالْعُمْرَةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَّا لِحَاجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى، وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى انْتَهَى.
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ (عَابِدُونَ لِرَبِّنَا) بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا (حَامِدُونَ) لَهُ عَلَى ذَلِكَ (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ النَّصْرِ وَإِنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27](وَنَصَرَ عَبْدَهُ) مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
بِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ فَتَفْتَرِقُ الْعُمْرَةُ مِنْ الْحَجِّ فِي الْمِيقَاتِ
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ] أَيْ وَيُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ وَمَحَلُّ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ إجْمَاعًا قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى] وَهُوَ رَابِعُ النَّحْرِ فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جَمِيعِ الرَّمْيِ وَمِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا وَيَنْعَقِدُ، إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ كَانَ تَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَقَدْ رَمَى فِي يَوْمِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَا يَطُوفُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَطَوَافُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَلْيَقْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُهْدِي.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَيَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمَ سَبَبُ عَمَلِهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا وَقَدْ فَعَلَ أَمْرًا مَمْنُوعًا مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ] أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ
[قَوْلُهُ: لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ] وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي قَوْلِهِ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، أَيْ مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَتَدْخُلُنَّ} [الفتح: 27] إلَخْ.
[قَوْلُهُ: آيِبُونَ إلَخْ] بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ جَمْعُ آيِبٍ بِوَزْنِ رَاجِعٍ. [قَوْلُهُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ] وَقِيلَ مَعْنَى آيِبُونَ مِنْ الْإِيَابِ، أَيْ رَاجِعُونَ بِالْمَوْتِ إلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَائِبُونَ، أَيْ إلَى اللَّهِ مِنْ الذُّنُوبِ. [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ] أَيْ فَصِلَةُ حَامِدُونَ مَحْذُوفَةٌ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آيِبُونَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ] أَيْ فِي وَعْدِهِ وَأَرَادَ بِهِ مَا وَعَدَهُ بِهِ لِإِتْيَانِهِ بِمِنْ الْبَيَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّصْرِ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3] جَمْعُ حِزْبٍ وَالْحِزْبُ الطَّائِفَةُ مِنْ النَّاسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَبَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ مِنْ فَاعِلِ نَصَرَ أَوْ هَزَمَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُتَنَازَعًا فِيهِ بِهِمَا لِأَنَّ التَّنَازُعَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُهْمَلَ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ضَمِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ الضَّمِيرِ حَالًا، وَالضَّمِيرِ مَعْرِفَةً وَالْحَالِ نَكِرَةً. خَاتِمَةٌ:
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ وَمِنْ عَلَامَةِ الْمَقْبُولِ أَنْ يَزْدَادَ الشَّخْصُ بَعْدَ
النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم وَنَزَلُوا بِالْمَدِينَةِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَهُوَ الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» . وَهُوَ الرِّيحُ الْغَرْبِيُّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ قَوْلُ هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
ــ
[حاشية العدوي]
فِعْلِهِ خَيْرًا قَالَ الشَّيْخُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْكَبَائِرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَبِيُّ، وَأَمَّا التَّبِعَاتُ كَالْغَيْبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ فَعِنْدَ الْحَافِظِ تَسْقُطُ وَعِنْدَ الْقَرَافِيُّ لَا، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْكَفَّارَاتُ، وَالدُّيُونُ، وَالْوَدَائِعُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْغَيْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِحَجٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ، بِإِجْمَاعِ الشُّيُوخِ نَعَمْ، إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِمَوْتِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ فَلْيَلْجَأْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْ كَرْمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: الْمُشْرِكِينَ] مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَعَهُمْ الْيَهُودُ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَظَهَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَحْزَابُ الَّذِي هُوَ جَمْعُ حِزْبٍ بِمَعْنَى الطَّائِفَةِ.
[قَوْلُهُ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا] بَارِدَةً فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ فَسَفَّتْ التُّرَابَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَالْمَلَائِكَةَ، أَيْ فَنَصَرَهُ بِالْأَمْرَيْنِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَقَلَّعَتْ الْأَوْتَادَ وَقَطَّعَتْ الْأَطْنَابَ وَأَطْفَأَتْ النِّيرَانَ وَأَكْفَأَتْ الْقُدُورَ وَهَاجَتْ الْخَيْلُ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ مَسَاكِنَ الرِّيَاحِ تَحْتَ أَجْنِحَةِ الْكُرُوبِيِّينَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَتَهِيجُ مِنْ ثَمَّ فَتَقَعُ بِعَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتُعِينُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى جَرِّهَا ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ عَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتَقَعُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَقَعُ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ ثُمَّ تَهِيجُ فَتَقَعُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الشِّمَالُ فَإِنَّهَا تَمُرُّ بِجَنَّةِ عَدْنٍ فَتَأْخُذَ مِنْ عَرْفِ طِيبِهَا فَتَمُرُّ عَلَى أَرْوَاحِ الصِّدِّيقِينَ وَحَدُّهَا مِنْ كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.
وَأَمَّا الدَّبُورُ فَحَدُّهَا مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إلَى مَطْلِعِ سُهَيْلٍ، وَأَمَّا الْجَنُوبُ فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ سُهَيْلٍ إلَى مَطْلِعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الصَّبَا فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إلَى كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ فَلَا تَدْخُلُ رِيحٌ عَلَى أُخْرَى فِي حَدِّهَا وَمَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ فَهِيَ نَكْبَاءُ وَالْجَنُوبُ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَالشِّمَالُ مِنْ النَّارِ تَخْرُجُ فَتَمُرُّ بِالْجَنَّةِ فَتُصِيبُهَا نَفْحَةٌ مِنْهَا فَبَرْدُهَا مِنْ الْجَنَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ لَوْ حُبِسَتْ الرِّيحُ عَنْ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَأَنْتَنَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ «آيِبُونَ تَائِبُونَ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَالَهُ صلى الله عليه وسلم تَوَاضُعًا أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوْ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ حَجٌّ] لَا يَخْفَى أَنَّ تَحَزُّبَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَحَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا.