الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[24 -
بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]
بَابٌ: (فِي) بَيَانِ حُكْمِ (زَكَاةِ الْعَيْنِ) وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ، (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْحَرْثِ) وَبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْمَاشِيَةِ وَ) بَيَانِ (مَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِمَّا (يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ) وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ، (وَ) فِي بَيَانِ (ذِكْرِ الْجِزْيَةِ) أَيْ ذِكْرِ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهَا (وَ) فِي بَيَانِ (مَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي (يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارٍ) بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ تَاجِرٍ كَفَاجِرٍ وَفُجَّارٍ، وَبِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ كَصَاحِبٍ وَصَاحِبِ.
(أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ) وَتَبَرَّعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكَلَامِ عَلَى شَيْئَيْنِ الرِّكَازِ وَزَكَاةِ الْعُرُوضِ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَلَهَا مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَهُوَ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ وَزَكَا الْمَالُ إذَا كَثُرَ، وَشَرْعِيٌّ وَهُوَ مَالٌ مَخْصُوصٌ يُؤْخَذُ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ يُصْرَفُ فِي جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ زَكَاةً أَنَّ فَاعِلَهَا يَزْكُو بِفِعْلِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يُرْفَعُ حَالُهُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَدْ بَدَأَ الشَّيْخُ رحمه الله بِالْحُكْمِ فَقَالَ: (وَزَكَاةُ الْعَيْنِ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشَرَفِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ وَيُسَمَّى
ــ
[حاشية العدوي]
[بَاب فِي الزَّكَاة] [
بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]
بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ
[قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ إلَخْ] لَوْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْحُكْمَ وَبَيَانَ الْقَدْرَيْنِ لَكَانَ أَحْسَنَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ لِقُصُورِهِ.
[قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْقَدْرِ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمَاشِيَةِ] أَيْ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانُ مَا أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] . أَيْ وَبَيَانُ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ [قَوْلُهُ: وَذِكْرِ الْجِزْيَةِ] زَادَ لَفْظَ ذِكْرِ إذْ لَوْ أَسْقَطَهَا لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُزَكَّى وَلَا قَائِلَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْقَدْرِ. . . إلَخْ] الْأَوْلَى حَذْفُ بَيَانِ لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى ذِكْرِ، أَيْ ذِكْرِ مَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَذِكْرِ الْقَدْرِ فَيَكُونُ مَشْمُولًا لِلْمُصَنِّفِ لَا خَارِجًا عَنْهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ حَمْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَتَبَرَّعَ] أَيْ ذَكَرَ هَذَيْنِ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ: النُّمُوُّ، وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ الْمَعْنَى لَا الذَّاتَ الزَّائِدَةَ [قَوْلُهُ: إذَا كَثُرَ] وَالْكَثْرَةُ نُمُوٌّ وَزِيَادَةٌ [قَوْلُهُ: مَالٌ مَخْصُوصٌ] رُبْعُ الْعُشْرِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: يُؤْخَذُ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ] وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا. وَقَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَقَوْلُهُ: يُصْرَفُ فِي جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَثَلًا.
[قَوْلُهُ: وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ] أَيْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ زَكَاةً. [قَوْلُهُ: أَنَّ فَاعِلَهَا] مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فَاعِلَهُ أَيْ مُخْرِجَهُ أَيْ مُخْرِجَ الْمَالِ الْمَخْصُوصِ، وَأَنَّثَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَمَّى زَكَاةً وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ يَزْكُو بِفِعْلِهَا. [قَوْلُهُ: بِفِعْلِهَا] أَيْ بِإِخْرَاجِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ يُرْفَعُ حَالُهُ] أَيْ مَرْتَبَتُهُ. [قَوْلُهُ: تُطَهِّرُهُمْ] أَيْ مِنْ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ وَتُزَكِّيهِمْ أَيْ تَرْفَعُ قَدْرَهُمْ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الذَّهَبُ] أَيْ الْعَيْنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ] أَيْ سُمِّيَ مَا ذُكِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِذَلِكَ أَيْ بِالْعَيْنِ أَيْ بِاسْمِ الْعَيْنِ وَهُوَ لَفْظُ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِشَرَفِهِ] أَيْ مَا ذُكِرَ أَيْ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ شَرِيفَةٌ. [قَوْلُهُ:
نَقْدًا أَيْضًا (وَالْحَرْثُ) وَهُوَ الْمُقْتَاتُ الْمُتَّخَذُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا (وَالْمَاشِيَةُ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (فَرِيضَةٌ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا ضُرِبَ وَأُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا وَتُجْزِئُهُ وَلَا يُكَفَّرُ. وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يُكَفَّرُ وَاسْتُبْعِدَ
وَلَهَا شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ إجْزَاءِ، أَمَّا الْأُولَى فَسَبْعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنِّصَابُ وَالْمِلْكُ، وَالْحَوْلُ فِي غَيْرِ الْمَعَادِنِ وَالْمُعْشِرَاتِ، وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ وَمَجِيءُ السَّاعِي فِي الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ سُعَاةٌ وَأَمْكَنَهُمْ الْوُصُولُ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَأَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ، وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ وُجُوبِهَا وَإِخْرَاجُهَا بَعْدَ
ــ
[حاشية العدوي]
مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَيْنِ] أَيْ الِاسْمُ مَنْقُولٌ مِنْ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ، أَيْ مِنْ اسْمِ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى نَقْدًا أَيْضًا] أَيْ يُسَمَّى مَا ذُكِرَ نَقْدًا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُقْتَاتُ] أَيْ الَّذِي يُقْتَاتُ أَيْ يُؤْكَلُ لِقِيَامِ الْبِنْيَةِ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِالْمَحْرُوثِ، وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] فُرِضَتْ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ الْهِجْرَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَبِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ كَمَا أَفَادَهُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَرِيضَةٌ خَبَرٌ عَنْ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْفَرِيضَةِ. [قَوْلُهُ: ضُرِبَ] أَيْ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا. [قَوْلُهُ: وَتُجْزِئُهُ] إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا وَإِنْ بِتَقَالٍّ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ نَائِبَةٌ عَنْ نِيَّتِهِ وَيُؤَدَّبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفَّرُ] أَيْ لَا يُكَفَّرُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَائِهَا.
[قَوْلُهُ: إجْزَاءٍ] أَيْ صِحَّةٍ [قَوْلُهُ: فَسَبْعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ] إنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ عَدَّ الْإِسْلَامِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَالْأَصَحُّ خِطَابُهُمْ بِهَا فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ شَرْطَ صِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ] فَلَا تَجِبُ عَلَى رِقٍّ وَلَوْ كَانَ فِي شَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْمِلْكُ] أَيْ التَّامُّ فَاحْتُرِزَ بِالْمِلْكِ مِمَّا لَا يَمْلِكُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ، وَبِقَوْلِنَا: التَّامُّ احْتِرَازًا عَنْ الْمِلْكِ لِلْقِيمَةِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، وَعَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ لِعَدَمِ تَمَامِ تَصَرُّفِهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْحَوْلِ عَنْ عَدَمِ كَمَالِهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَعَادِنِ] وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَفِيهَا خِلَافٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِمُجَرَّدِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَيَتَوَقَّفُ إخْرَاجُهُ الزَّكَاةَ عَلَى التَّصْفِيَةِ.
وَقَالَ بَعْضٌ: إنَّمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ مِنْ تُرَابِهِ لَا قَبْلَهُ، وَفَائِدَةُ هَذَا التَّرَدُّدِ لَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَقَبْلَ التَّصْفِيَةِ هَلْ يُحْسَبُ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْسَبُ لَا عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَالْمُعْشِرَاتِ] أَيْ مَا فِيهِ الْعُشْرُ. [قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُسْقِطُ زَكَاةَ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْحَرْثُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا فَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ثَمَّ سُعَاةٌ وَأَمْكَنَهُمْ الْوُصُولُ] وَعَدَّ وَأَخَذَ أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى قَوْمٍ فَالزَّكَاةُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا أَوْ وَصَلَ وَلَمْ يَعُدَّ أَوْ عَدَّ وَلَمْ يَأْخُذْ فَزَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بِمَوْتٍ أَوْ ذَبْحٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفِرَارَ فَالْمُعْتَبَرُ مَا وُجِدَ. [قَوْلُهُ: النِّيَّةُ] أَيْ عِنْدَ عَزْلِهَا أَوْ تَفْرِقَتِهَا فَأَحَدُهُمَا كَافٍ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَتَمُّ سَنَدٍ يَنْوِي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَنْوِي عَنْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَكَذَا الصَّغِيرُ. [قَوْلُهُ: وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ وُجُوبِهَا] أَيْ أَوْ قَرَّبَهُ أَيْ إنَّ تَفْرِقَتَهَا عَلَى نَوْعَيْنِ، نَوْعٌ هُوَ مَوْضِعُ الْوُجُوبِ وَنَوْعٌ هُوَ قُرْبُهُ، وَالْمُرَادُ بِقُرْبِهِ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِ الْوُجُوبِ مُسْتَحِقٌّ أَوْ كَانَ، وَفَضَلَ عَنْهُ أَوْ أُعْدِمَ أَوْ مِثْلٌ أَوْ دُونَ لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قَرَّبَهُ مُسْتَحِقٌّ أَوْ كَانَ أُعْدِمَ فَيُنْقَلُ أَكْثَرُهَا وُجُوبًا، فَإِنْ نَقَلَ كُلَّهَا لَهُ أَوْ فَرَّقَ الْكُلَّ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْإِجْزَاءُ، فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ دُونًا لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْهُ لَكِنْ فِي الْمُسَاوِي يُجْزِئُ وَفِي دُونٍ لَا يُجْزِئُ، وَالنَّقْلُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا مِنْ عِنْدِ
وُجُوبِهَا، وَدَفْعُهَا لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ فِي أَخْذِهَا، وَصَرْفُهَا إنْ كَانَ أَوْ لِأَرْبَابِهَا، وَشَرْحُ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا مَبْسُوطٌ فِي الْأَصْلِ.
ثُمَّ بَيَّنَ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْحَرْثِ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا زَكَاةُ الْحَرْثِ فَيَوْمَ حَصَادِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إنْ صَحَّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الطَّيِّبُ وَطَيِّبُ كُلِّ نَوْعٍ مَعْلُومٌ فِيهِ. وَفِي ك: الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ الْحَصَادِ وَالْإِخْرَاجُ بِيَوْمِ التَّنْقِيَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
(وَ) أَمَّا (الْعَيْنُ) غَيْرُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (وَالْمَاشِيَةُ) فَتَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهَا (فِي كُلِّ حَوْلٍ مَرَّةً) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَشَرْطُ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مَجِيءُ السَّاعِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ وَيَصِلُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِالْحَوْلِ اتِّفَاقًا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَمْ تَجُزْ.
ثُمَّ بَيَّنَ قَدْرَ النِّصَابِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْحَرْثِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ
ــ
[حاشية العدوي]
مُخْرِجِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيْءٌ أَوْ كَانَ وَلَا أَمْكَنَ نَقْلُهَا فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي بَلَدِ الْوُجُوبِ، وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا مِثْلُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُنْقَلُ إلَيْهِ إنْ كَانَ خَيْرًا وَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ ثَمَنَهَا.
تَنْبِيهٌ:
الْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ مَوْضِعُ الْمَالِكِ وَهَذَا فِي الْعَيْنِ كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِهِمَا أَيْ الَّذِي جُبِيَتَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَإِخْرَاجُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا] وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَاعٍ قَبْلَ الْحَوْلِ لِلْفُقَرَاءِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ مَا لَهَا سَاعٍ فَكَالْحَرْثِ لَا تُجْزِئُ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: فِي أَخْذِهَا] أَيْ عَدَلَ فِي أَخْذِهَا وَعَدَلَ فِي صَرْفِهَا، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهِمَا أَيْ الْمُتَحَقِّقُ عَدَالَتُهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ مَاشِيَةً أَوْ حَرْثًا. [قَوْلُهُ: أَوْ لِأَرْبَابِهَا] هُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمُشَارُ لَهَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] إلَخْ.
[قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّمْرِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَقَطْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا يُظْهِرُ قَوْلُ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحُبُوبِ قَوْلَيْنِ وَفِي الثِّمَارِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ قَالَ: إذَا أَزْهَتْ النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ وَأَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ؛ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِالْحَصَادِ وَلَا تَجِبُ فِي التَّمْرِ إلَّا بِالْجُذَاذِ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِيلَ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ.
وَالثَّالِثُ خَاصٌّ بِالتَّمْرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْخَرْصِ لِلْمُغِيرَةِ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ أَنَّ الطَّيِّبَ أَوَّلًا ثُمَّ الْخَرْصَ ثُمَّ الْجُذَاذَ. وَأَنَّ الْإِفْرَاكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْحَصَادَ اهـ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِالْإِفْرَاكِ فَكُلُّ مَا أُكِلَ مِنْهُ فَرِيكًا فَإِنَّهُ يَحْسُبُهُ وَيَتَحَرَّى زَكَاتَهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْهُ إذْ ذَاكَ أَجْزَأَهُ وَيُزَكِّي عَمَّا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ تَطَوُّعًا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ صَحَّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ وَالْآيَةَ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ مَا كَانَ يُتَصَدَّقُ بِهِ يَوْمَ الْحَصَادِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ لَا الزَّكَاةُ الْمُقَدَّرَةُ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ] هُوَ مُخَالِفٌ الْمَشْهُورَ إلَّا أَنَّ شُرَّاحَ خَلِيلٍ جَعَلُوا الْإِفْرَاكَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْيُبْسِ، فَقَدْ اعْتَمَدُوا هَذَا الْقَوْلَ أَعْنِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْحَصَادِ أَيْ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: مَجِيءُ السَّاعِي عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ سَوَاءٌ جَاءَ السَّاعِي أَوْ لَمْ يَجِئْ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ.
[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ وَيَصِلُ] أَيْ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَحَلُّ الْإِجْزَاءِ إنْ أَثْبَتَ
مِنْ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» . ع: اُنْظُرْ هَلْ تَدْخُلُ الْقَطَانِيُّ فِي الْحَبِّ وَالزَّبِيبِ وَالزَّيْتُونِ فِي التَّمْرِ أَمْ لَا؟ فَيَظْهَرُ مِمَّا قَالَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْقَطَانِيَّ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ، فَنَقُولُ: إنَّمَا تَعَرَّضَ هُنَا لِلنِّصَابِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ، وَذَكَرُوا لِلْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ ضَابِطَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْكَيْلِ، وَالْآخَرُ بِالْوَزْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَيَّنَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ (سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ وَرُبْعُ قَفِيزٍ) بِقَفِيزِ إفْرِيقِيَّةَ فِي زَمَنِهِ (وَالْوَسْقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَحَدُ أَوْسُقٍ وَهُوَ لُغَةً ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ قَالَ تَعَالَى:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ ضَمَّ وَجَمَعَ، وَاصْطِلَاحًا (سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ) أَيْ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم) وَقَدْ حُرِّرَ النِّصَابُ بِمُدٍّ مُعَبَّرٍ عَلَى مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوُجِدَ سِتَّةَ أَرَادِبَ وَنِصْفًا وَنِصْفَ وَيْبَةٍ بِأَرَادِبِ الْقَاهِرَةِ، وَأَمَّا ضَابِطُهُ وَزْنًا فَفِي الْجَلَّابِ الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَالْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رَطْلًا، فَمَبْلَغُ النِّصَابِ وَزْنًا أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَالرَّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا كُلُّ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ، أَيْ تَكُونُ الْحَبَّةُ مُتَوَسِّطَةً غَيْرَ مَقْشُورَةٍ وَقَدْ قُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا امْتَدَّ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:
تَكَلَّمَ الشَّيْخُ عَلَى النِّصَابِ وَسَكَتَ عَنْ الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ سُقِيَ بِغَيْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُخْرِجُ الْإِخْرَاجَ بِالْبَيِّنَةِ.
[قَوْلُهُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ] خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ تَدْخُلُ إلَخْ] بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَدْخَلَهَا فِي الْحَبِّ وَجَعَلَ الْحَبَّ شَامِلًا لِمَا عَدَا التَّمْرَ الَّذِي هُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ نَوْعًا وَهِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْعَلَسُ، وَالْقَطَانِيُّ السَّبْعَةُ الَّتِي هِيَ الْعَدَسُ وَاللُّوبْيَا وَالْفُولُ وَالْحِمَّصُ وَالتُّرْمُسُ وَالْبِسِلَّةُ وَالْجُلْبَانُ، وَذَوَاتُ الزُّيُوتِ وَهِيَ حَبُّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ، وَالسِّمْسِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُلْجُلَانِ وَالْقُرْطُمُ وَالزَّيْتُونُ وَالزَّبِيبُ فَهِيَ بِالتَّمْرِ عِشْرُونَ نَوْعًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ بَذْرِ الْكَتَّانِ أَوْ سَلْجَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَيَظْهَرُ مِمَّا قَالَ فِي الْبُيُوعِ إلَخْ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَتَمُّ وَنَصُّهُ فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ أَنَّ الْقَطَّانِيَّ خِلَافُ الْحُبُوبِ، وَالزَّبِيبَ وَالزَّيْتُونَ خِلَافُ التَّمْرِ، فَالْجَوَابُ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ هُنَا وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَنَقُولُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ.
[قَوْلُهُ: إنَّمَا تَعَرَّضَ هُنَا لِلنِّصَابِ] أَيْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا الْتَفَتَ هُنَا لِذِكْرِ النِّصَابِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ فَلَيْسَ الْمَقْصُودَ. [قَوْلُهُ: سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ] جَمْعُ قَفِيزٍ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَاعًا.
[قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَاحِدُ أَوْسُقٍ] كَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ وَالثَّانِي وَاحِدُ أَوْسَاقٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ ضَمَّ وَجَمَعَ] أَيْ مِنْ الظُّلْمَةِ وَالنَّجْمِ أَوْ لِمَا عَمِلَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: بِمُدِّهِ صلى الله عليه وسلم] وَالْمُدُّ مِلْءُ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا مَبْسُوطَتَيْنِ وَلَا مَقْبُوضَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ حُرِّرَ النِّصَابُ] أَيْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَوَقَعَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ. [قَوْلُهُ: سِتَّةَ أَرَادِبَ] وَالْإِرْدَبُّ سِتُّ وَيْبَاتٍ وَالْوَيْبَةُ سِتَّةَ عَشَرَ قَدَحًا وَقَدْ حَرَّرَهُ عج فِي زَمَنِهِ فَوَجَدَهُ بِالْأَقْدَاحِ أَرْبَعَمِائَةِ قَدَحٍ، وَبِالْأَرَادِبِ أَرْبَعَةَ أَرَادِبَ وَوَيْبَةً لِكِبَرِ الْكَيْلِ فِي زَمَنِهِ عَمَّا كَانَ فِي الْأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ.
وَعِبَارَةُ عج قَدْ حَرَّرَتْ الْمُدَّ فَوَجَدْته ثُلُثَ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ فَيَكُونُ الصَّاعُ قَدَحًا وَثُلُثَا، فَالْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَرْبَعُمِائَةِ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَرَادِبَ وَوَيْبَةٌ، وَالْإِرْدَبُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ مِصْرَ، وَظَاهِرُ الْقَامُوسِ أَنَّ فِيهِ لُغَةً بِالضَّمِّ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ.
[قَوْلُهُ:
مَشَقَّةٍ كَمَاءِ السَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ كَالدَّوَالِيبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ كَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِي: تُعْتَبَرُ الْأَوْسُقُ بَعْدَ وَضْعِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشَفِ وَالرُّطُوبَاتِ.
الثَّالِثُ: تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ يُؤْخَذُ لَهَا أَجْرٌ أَمْ لَا.
ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ مَجْمُوعِهَا نِصَابٌ زُكِّيَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّ الْأَجْنَاسَ لَا تُضَمُّ فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نِصَابٌ لَا يُزَكَّى فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ:(وَيُجْمَعُ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ) بِضَمِّ السِّينِ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَأَنَّهُ حِنْطَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ:(فِي الزَّكَاةِ) لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَمْعِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ زِرَاعَتُهَا؛ وَحَصَادُهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَا فِي عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ مَا نَبَتَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَيُضَافُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَلَا يُضَافُ مَا نَبَتَ فِي زَمَانٍ إلَى مَا نَبَتَ فِي زَمَانٍ آخَرَ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ الزِّرَاعَةُ فَإِنْ زُرِعَ الثَّانِي قَبْلَ
ــ
[حاشية العدوي]
كَمَاءِ السَّمَاءِ] وَمِثْلُهُ الْمَاءُ الْجَارِي أَوْ مَا يُسْقَى بِقَلِيلِ مَاءٍ كَالذُّرَةِ الصَّيْفِيِّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَإِنَّهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ قَلِيلُ مَاءٍ عِنْدَ وَضْعِ حَبِّهِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ لَا يُسْقَى بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَالدَّوَالِيبِ] أَيْ وَالدِّلَاءُ وَإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمَيْهِمَا حَيْثُ تَسَاوَيَا أَوْ تَقَارَبَا وَهُوَ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ فَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ ذِي السَّيْحِ وَنِصْفُهُ مِنْ ذِي الْآلَةِ وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَقِيلَ: الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ وَيُلْغَى الْأَقَلُّ.
وَقِيلَ: كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا عَلَى حُكْمَيْهِمَا أَنْ تُقَسِّمَ الْحَرْثَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ مَثَلًا فَثُلُثَاهُ يَخْرُجُ عُشْرُهُمَا وَثُلُثُهُ يَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِهِ إنْ كَانَ السَّقْيُ بِالسَّيْحِ الثُّلُثَيْنِ، وَبِالْآلَةِ الثُّلُثَ وَبِالْعَكْسِ الْعَكْسَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ مُدَّةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ الرَّاجِحُ، وَلَوْ كَانَ السَّقْيُ فِيهَا كَالسَّقْيِ فِي الْأَقَلِّ أَوْ دُونَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنْهَا شَهْرَانِ بِالسَّيْحِ وَأَرْبَعَةٌ بِالْآلَةِ، لَكِنَّ سَقْيَهُ بِالسَّيْحِ مَرَّتَيْنِ وَسَقْيَهُ بِالْآلَةِ مَرَّةً فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ مُدَّةً عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِ الْكُلِّ وَعَلَى الثَّانِي يُقْسَمُ الْحَبُّ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً فَثُلُثَاهُ يَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِهِمَا وَثُلُثُهُ عُشْرُهُ وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ سَقْيًا لَا مُدَّةً. [قَوْلُهُ: كَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ] مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ وَضْعِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشَفِ وَالرُّطُوبَاتِ إلَخْ] أَيْ فَالْخَارِصُ يُسْقِطُ بِاجْتِهَادِهِ مَا يَعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ إذَا جَفَّ التَّمْرُ أَوْ الزَّبِيبُ يَنْقُصُ مِنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ نَخْلَةٍ، يَقُولُ: مَثَلًا قَدْرُ مَا عَلَى هَذِهِ كَذَا وَإِذَا جَفَّ يَنْقُصُ كَذَا فَيُعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا مَا يَرْمِيهِ الْهَوَاءُ أَوْ يَأْكُلُهُ الطَّيْرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا لَمْ يُسْقِطْ هَذَا فَالْعَلَفُ وَالْأَكْلُ وَالْهَدَايَا مِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْإِسْقَاطِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ اعْتِبَارُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً مِنْ التِّبْنِ الَّذِي لَا يُخْتَزَنُ بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ مَزْرُوعَةً.
وَأَمَّا مَا وُجِدَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ نَابِتًا فِي الْجِبَالِ وَالْأَرَاضِي الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا تَكُونُ أَهْلُ قَرْيَةِ ذَلِكَ الْجَبَلِ أَحَقَّ بِهِ، وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ فَإِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلَّهِ. [قَوْلُهُ: أَجْرٌ] أَيْ خَرَاجٌ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ.
[قَوْلُهُ: ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ] أَيْ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ] تَعْبِيرُهُ بِهَذَا يُفِيدُ أَنَّ شَيْئًا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ فَقَالَ: وَقَوْلُ السُّيُورِيِّ وَتِلْمِيذِهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ فِي الْبُيُوعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ ضَمِّهِ هُنَا.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا] فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: فِي عَامٍ وَاحِدٍ] أَيْ فَصْلٍ وَاحِدٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: الْمُعْتَبَرُ مَا نَبَتَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ] أَيْ فَصْلٍ وَاحِدٍ [قَوْلُهُ: فَإِنْ زُرِعَ الثَّانِي إلَخْ] أَيْ وَإِنْ بِبَلَدَانِ، فَإِذَا زُرِعَ فِي ثَلَاثَةِ أَمَاكِنَ وَزُرِعَ
حَصَادِ الْآخَرِ ضُمَّ إلَيْهِ، وَإِنْ زَرَعَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ لَا يُضَمُّ إلَيْهِ.
وَالْأَوَّلُ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ، وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ الضَّمِّ بِقَوْلِهِ:(فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا) أَيْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلْيُزَكِّ ذَلِكَ) ع: فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مَا يَنُوبُهُ فَيُخْرِجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى عَنْ الْأَدْنَى وَالْأَوْسَطَ عَنْ الْأَوْسَطِ، فَإِذَا أَخْرَجَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْأَدْنَى عَنْ الْأَعْلَى لَمْ يَجْزِهِ، فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْحُبُوبِ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَنُوبُهُ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَوَاشِي أَنَّهُ يُخْرِجُ الْوَسَطَ.
وَاخْتُلِفَ فِي التَّمْرِ قِيلَ: هُوَ مِثْلُ الْمَوَاشِي، وَقِيلَ: مِثْلُ الْحُبُوبِ وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يُجْمَعُ أَصْنَافُ الْقُطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا فِيهِ أَجْنَاسٌ وَهِيَ الْبَسِيلَةُ وَالْحِمَّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِهَا، وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ وَالْفُولُ وَالتُّرْمُسُ وَاللُّوبْيَاءُ وَالْجُلْجُلَانُ وَحَبُّ الْفُجْلِ.
وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يُجْمَعُ أَصْنَافُ التَّمْرِ) فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا (وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ) تُجْمَعُ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا.
(وَ) مِنْ الثَّانِي (الْأُرْزُ) فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ أَحَدُهَا ضَمُّ الْهَمْزِ وَالرَّاءِ (وَالدُّخْنُ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الثَّانِي قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَزُرِعَ الثَّالِثُ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ وَسْقَانِ كَالثَّالِثِ وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْ حَبِّ الْأَوَّلِ إلَى حَصَادِ الثَّانِي مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، أَيْ فَلَا بُدَّ فِي زَكَاةِ الْجَمِيعِ عَنْ ضَمِّ الْوَسَطِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَبْقَى حَبُّ السَّابِقِ لِحَصْدِ اللَّاحِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَسَطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ نِصَابٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ وَسْقَانِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَكْمُلُ النِّصَابُ مِنْ الْوَسَطِ وَمِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَسَطِ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَفِي الْأَوَّلِ اثْنَانِ وَفِي الثَّالِثِ وَاحِدٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْقَاصِرِ وَلِابْنِ عَرَفَةَ اسْتِظْهَارٌ اُنْظُرْهُ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَوَاشِي] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهَا الْوَسَطُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا خِيَارًا كَأَكُولَةٍ أَوْ شِرَارًا كُلُّهَا كَسَخْلَةٍ أَيْ صَغِيرَةٍ وَتَيْسٍ وَهُوَ الذَّكَرُ الَّذِي لَيْسَ مُعَدًّا لِلضِّرَابِ فَإِنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَالِكُ دَفْعَ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَرَى السَّاعِي أَخْذَ الْمَعِيبَةِ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِكَوْنِهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا [قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِثْلُ الْمَوَاشِي إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَيَأْتِي [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] أَيْ وَمِنْ الْأَوَّلِ [قَوْلُهُ: أَصْنَافُ الْقُطْنِيَّةِ] أَيْ بِشَرْطِ زَرْعِ الْمَضْمُومِ قَبْلَ حَصَادِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ إلَخْ] كَذَا فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا وَقَالَ فِي لُغَاتِ الْمُخْتَصَرِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْقَافِ أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: وَأَصْلُهَا] أَيْ وَأَخْذُهَا مِنْ قَطَنَ وَذَلِكَ لِإِقَامَتِهَا بِالْمَكَانِ، وَعِلَّةُ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْحُبُوبِ قَائِمٌ بِالْمَكَانِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ] مُقَابِلُهُ مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَوْلًا بِعَدَمِ الضَّمِّ فَيُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ. [قَوْلُهُ: الْبَسِيلَةُ] بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَسُ] بِفَتْحِ الدَّالِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُلْبَانُ] بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا مُشَدَّدَةً قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَالتُّرْمُسُ] بِالضَّمِّ قَامُوسٌ.
[قَوْلُهُ: وَاللُّوبْيَاءُ] نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ مُذَكَّرٌ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُلْجُلَانُ] بِجِيمَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ جِيمٍ لَامٌ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَحَبُّ الْفُجْلِ] بِضَمِّ الْفَاءِ وَفِي عَدِّهِمَا مِنْ الْقَطَانِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الزُّيُوتِ. [قَوْلُهُ: سِتُّ لُغَاتٍ إلَخْ] أَرُزٌّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَأُرْزٌّ بِضَمِّهِمَا وَالزَّايُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَأُرْزٌ بِضَمِّهِمَا وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَالزَّايُ مُخَفَّفَةٌ فِيهِمَا
(وَالذُّرَةُ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ) عَلَى حِدَتِهِ (لَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِتَبَايُنِ مَقَاصِدِهَا وَاخْتِلَافِ صُوَرِهَا فِي الْخِلْقَةِ.
وَقَوْلُهُ: (فِي الزَّكَاةِ) إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الرِّبَا (وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ) ثَلَاثَةٌ (مِنْ التَّمْرِ) جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ (أَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ الْجَمِيعِ مِنْ وَسَطِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ أُخِذَتْ مِنْهُ جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ وَلَا بِالْأَفْضَلِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعَانِ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبُهُ بِحِصَّتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّدِيءُ قَلِيلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةُ كُلِّ عَيْنٍ مِنْ أَصْلِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«زَكَاةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ» فَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِالْمَاشِيَةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ الْوَسَطِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ قَالَهُ ك.
(وَيُزَكَّى الزَّيْتُونُ إذَا بَلَغَ حُبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَعُمُومُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا فِي كُلِّ مَا لَهُ زَيْتٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَاتٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ بِتَزْكِيَتِهِ إذَا بَلَغَ النِّصَابَ أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ زَيْتِهِ لَا مِنْ حَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْعُشْرُ إنْ سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّيْتِ بُلُوغُهُ نِصَابًا بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ بُلُوغُ الْحَبِّ نِصَابًا كَمَا صَرَّحَ
ــ
[حاشية العدوي]
كَرُسُلٍ وَرَسْلٍ وَرُزٍّ وَتَرْزٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ أَحَدُهَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ إمَّا مَعَ تَشْدِيدِ الزَّايِ أَوْ تَخْفِيفِهَا فَيَكُونُ الْبَاقِي خَمْسَةً. [قَوْلُهُ: وَالذُّرَةُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: حَبٌّ مَعْرُوفٌ وَمِنْهُ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ. [قَوْلُهُ: لَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ] وَقِيلَ: هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: لِتَبَايُنِ مَقَاصِدِهَا] هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ الْقَطَانِيِّ كَالتُّرْمُسِ وَالْجُلْبَانِ. [قَوْلُهُ: إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الرِّبَا] أَيْ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ مَشْهُورٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: أَصْنَافٌ إلَخْ] فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعَةٌ أَعْلَى وَدُونَ وَدُونَ وَدُونَ كَانَ الْوَسَطُ صِنْفَيْنِ إذْ الطَّرَفَانِ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا كَانَتْ خَمْسَةً مُتَفَاوِتَةً فَهَلْ الْوَسَطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ التَّمْرُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ التَّمْرِ مَا يَنُوبُهُ لَشَقَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَا فِي الْحَائِطِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إخْرَاجُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ اسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنْهُ أَخْذَ الرَّدِيءِ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِهِ.
قَالَهُ تت. وَمِثْلُ أَصْنَافِ التَّمْرِ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْوَسَطِ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ رِفْقًا بِالْمُزَكِّي وَبِالْفُقَرَاءِ إذْ لَوْ أُخِذَ مِنْ الْأَعْلَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْأَدْنَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ بِالْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْعَدْلُ الْوَسَطَ، وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ أُخْرِجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَسَطِهَا لِوُضُوحِ أَمْرِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
[قَوْلُهُ: بِحِصَّتِهِ] لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ أَصْلِهِ] الْأَوْلَى مِنْ أَصْلِهَا. [قَوْلُهُ: فَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ] أَيْ فَأَخْرَجَتْ السُّنَّةُ مِنْ عُمُومِهِ الْمَاشِيَةَ بِسَبَبِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْوَسَطِ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ] الْأَوْلَى مَا سِوَاهَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت: وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ ثَلَاثَةً جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَوَسَطًا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَخْذِ مُطْلَقًا.
[قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ] أَيْ مُقَدَّرَةُ الْجَفَافِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ] أَيْ صِحَّةٌ جَارِيَةٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُقْتَاتُ لَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَتْ فَلَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ إذْ هُوَ مُصْلَحٌ لِلْقُوتِ. [قَوْلُهُ: بِتَزْكِيَتِهِ] أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَزْكِيَتِهِ. الْمَشْهُورُ وَقَوْلُهُ إذَا بَلَغَ مُتَعَلِّقٌ بِتَزْكِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الصَّوَابُ قَوْلُ
بِهِ الشَّيْخُ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ حَبِّهِ لَمْ يَجْزِهِ (وَ) كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (يُخْرِجُ مِنْ الْجُلْجُلَانِ) وَهُوَ السِّمْسِمُ.
(وَ) فِي (حَبِّ الْفُجْلِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُعْصَرُ (مِنْ زَيْتِهِ) إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ الْعُشْرُ إنْ سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ وَنَفْضُهُ وَعَصْرُهُ عَلَى رَبِّهِ.
وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمَسَاكِينُ مُصَفًّى كَالْحَبِّ
ج: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ زَيْتِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْحَبِّ لَمَا أَجْزَأَهُ (فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ) أَيْ الزَّيْتُونَ وَمَا بَعْدَهُ (أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ) كَانَ الثَّمَنُ نِصَابًا أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى نِصَابُ الْحَبِّ خَاصَّةً لَا نِصَابُ الثَّمَنِ بَعْضُهُمْ إنَّمَا قَالَ:(إنْ شَاءَ اللَّهُ) لِضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الزَّيْتُونَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ لَهُ زَيْتٌ أَخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ كَزَيْتُونِ مِصْرَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجِفُّ كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا، وَالْفُولُ الْأَخْضَرُ يُزَكَّى مِنْ ثَمَنِهِ وَإِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ إذَا كَانَ خَرْصُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ إنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ (وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
ابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَخْرُجُ مِنْ حَبِّهِ، وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ مِنْ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: وَفِي حَبِّ] بِمَعْنَى مِنْ [قَوْلُهُ: وَالْفُجْلِ] بِضَمِّ الْفَاءِ. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ الْقُرْطُمُ إذَا بَلَغَ حَبُّ كُلٍّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَقَوْلُهُ: مِنْ زَيْتِهِ بَدَلٌ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ زَيْتِهِ إلَخْ] لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ حَبِّهِمَا وَحَبِّ الْقُرْطُمِ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِغَيْرِ الْعَصْرِ كَثِيرًا فَلَيْسَتْ كَالزَّيْتُونِ الَّذِي لَهُ زَيْتٌ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْ زَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: وَشَرْحِهِ] أَيْ شَرْحِ بَهْرَامَ أَيْ جِنْسِ شَرْحِهِ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ شُرُوحٍ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: أُخْرِجَ مِنْ زَيْتِهِ] عِبَارَةٌ مُجْمَلَةٌ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الزَّيْتُونَ لَهُ أَقْسَامٌ: عَصْرُهُ وَأَكْلُهُ قَبْلَ عَصْرِهِ وَبَيْعُهُ لِمَنْ يَعْصِرُهُ وَيَأْكُلُهُ، وَالْهِبَةُ لِثَوَابٍ كَبَيْعِهِ وَلِغَيْرِهِ كَأَكْلِهِ، فَإِنْ عَصَرَهُ الْمُزَكِّي أَخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ زَيْتِهِ، وَإِنْ أَكَلَهُ حَبًّا تَحَرَّى مَا يُخْرَجُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ بِحَبِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحَرِّيهِ سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْرَجَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ يَعْصِرُهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ إنْ وَثِقَ بِهِ أَيْ وَزَكَّى مِنْ الزَّيْتِ وَإِلَّا فَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُمْ زَكَّى مِنْ ثَمَنِهِ، وَظَاهِرُ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِتَحَرِّيهِ وَذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عج أَنَّهُ يُعْمَلُ بِتَحَرِّيهِ بَلْ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمُشْتَرِي، الرَّابِعَةُ. أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ لَا يَعْصِرُهُ يَحْتَمِلُ إخْرَاجَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ مِنْ حَبِّهِ، اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ مِنْ ثَمَنِهِ.
[قَوْلُهُ: كَزَيْتُونِ مِصْرَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ] أَيْ إنْ بَاعَهُ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ مَثَلًا يَوْمَ طِيبِهِ أَوْ إزْهَائِهِ إنْ لَمْ يَبِعْ. [قَوْلُهُ: كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا وَالْفُولُ الْأَخْضَرُ] لَا يَخْفَى أَيْضًا مَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ رُطَبَ مِصْرَ وَعِنَبَهَا يُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بَاعَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَإِذَا أَكَلَهُ أَخْرَجَ مِنْ قِيمَتِهِ نِصْفَ الْعُشْرِ أَوْ الْعُشْرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ حَبِّهِ بِأَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَأَوْلَى رُطَبًا وَعِنَبًا.
وَأَمَّا الْفُولُ الْأَخْضَرُ الْمَسْقَاوِيُّ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ يَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ لَا يَجِفَّانِ حَيْثُ حُكِمَ بِتَعَيُّنِ الْإِخْرَاجِ مِنْ ثَمَنِهِمَا أَوْ قِيمَتِهِ دُونَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِ الْيُبْسُ جَازَ النَّظَرُ لَهُ بِخِلَافِهِمَا، فَإِنْ تُرِكَ الْمَسْقَاوِيُّ حَتَّى يَبِسَ أُخْرِجَ مِنْ حَبِّهِ فَإِنْ قُلْت: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْفُولِ الْأَخْضَرِ وَالْفَرِيكِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالْيُبْسِ.
قُلْنَا: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ. وَقَوْلُهُ: كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا وَأَمَّا رُطَبُ وَعِنَبُ غَيْرِ مِصْرَ مِمَّا يَجِفُّ فَلَا يُخْرَجُ مِنْ ثَمَنِهِ بَلْ مِنْ حَبِّهِ إنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ لِمَنْ يُجَفِّفُهُ لَا لِمَنْ لَا يُجَفِّفُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ. وَقَوْلُنَا: أَيْ الْمَسْقَاوِيُّ احْتِرَازًا مِنْ النِّيلِيِّ مَثَلًا فَيُخْرِجُ مِنْ حَبِّهِ أَبْقَاهُ أَوْ أَكَلَهُ أَوْ بِيعَ أَخْضَرَ فَيَشْتَرِي يَابِسًا مِنْ جِنْسِهِ وَيُخْرِجُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: بِأَضْعَافِ ذَلِكَ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرَ
زَكَاةَ فِي الْفَوَاكِهِ) الْخَضِرَةِ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ (وَ) لَا فِي (الْخُضَرِ) لِمَا صَحَّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْبَعْلُ وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» .
وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ، وَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَصَبُ فَمَعْفُوٌّ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَلَا زَكَاةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِذَا بَلَغَتْ) الدَّنَانِيرُ (عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ) وَقَوْلُهُ: (رُبْعُ الْعُشْرِ) تَفْسِيرٌ لِنِصْفِ الدِّينَارِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ (فَمَا زَادَ) عَلَى الْعِشْرِينَ دِينَارًا (فَ) يُخْرِجُ مِنْهُ (بِحِسَابِ ذَلِكَ) أَيْ مَا زَادَ (وَإِنْ قَلَّ) وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ فِي الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَفِي الْفِضَّةِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْفِضَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ) أَيْ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ (خَمْسَةُ أَوَاقٍ) بِحَذْفِ الْهَاءِ وَثُبُوتِهَا مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً جَمْعُ أُوقِيَّةٍ.
(وَالْأُوقِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْمُشَارُ لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: الْخَضِرَةِ] هَذَا لِزَرُّوقٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي الْخَضِرَةَ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ وَلَا يُقْتَاتُ، وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ أَيْ الْمُصَنِّفُ كَانَتْ الْفَاكِهَةُ مِمَّا تُيَبَّسُ وَتُدَّخَرُ أَمْ لَا، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفَاكِهَةِ الَّتِي تُيَبَّسُ مِثْلَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ عَنْ مُعَاذٍ إلَخْ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ الْمُصَحِّحُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَعْلُ] هُوَ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ بِمَاءٍ وَبِآلَةٍ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا يَنْبُتُ مِنْ النَّخْلِ فِي أَرْضٍ يَقْرَبُ مَاؤُهَا فَرَسَخَتْ عُرُوقُهَا فِي الْمَاءِ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا اهـ مِنْ النِّهَايَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّيْلِ] غَلَبَ السَّيْلُ فِي الْمُجْتَمِعِ مِنْ الْمَطَرِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَعَطْفُهُ عَلَى السَّمَاءِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَانْظُرْ النُّكْتَةَ فِي تَوَسُّطِ الْبَعْلِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.
[قَوْلُهُ: بِالنَّضْحِ] أَيْ بِالْمَاءِ الَّذِي يَنْضَحُهُ النَّاضِحُ أَيْ يَحْمِلُهُ الْبَعِيرُ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِسَقْيِ الزَّرْعِ فَهُوَ نَاضِحٌ، وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ بِالْهَاءِ سُمِّيَ نَاضِحًا لِأَنَّهُ يَنْضَحُ الْعَطِشَ أَيْ يَبُلُّهُ بِالْمَاءِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَا سُقِيَ بِآلَةٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ] أَيْ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. [قَوْلُهُ: وَالْحُبُوبِ] أَيْ مَا عَدَا الْحِنْطَةَ. [قَوْلُهُ: وَالْبِطِّيخُ] بِكَسْرِ الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: فَمَعْفُوٌّ] أَيْ فَشَيْءٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَاعْتَبَرَهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَإِلَّا لَقَالَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهَا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الذَّهَبِ] بِمَعْنَى فِي وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا] وَوَزْنُ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ مِنْ وَسَطِ الشَّعِيرِ فَوَزْنُهُ مِنْ الْحَبَّاتِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ الْمِصْرِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ سِكَّةِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ فَقَدْ صَغُرَتْ عَنْ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى صَارَ النِّصَابُ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِينَارٍ وَخَرُّوبَةً وَسُبُعَيْ خَرُّوبَةٍ. [قَوْلُهُ: زِيَادَةُ إيضَاحٍ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَدْنَى تَأَمُّلٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْفُوعٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَعُبِّرَ بِزِيَادَةٍ نَظَرًا لِكَوْنِهِ فِي ذَاتِهِ وَاضِحًا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رُبْعَ الْعُشْرِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ] أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ فِي الزَّائِدَةِ عَلَى النِّصَابِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فِي الذَّهَبِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي الْوَرِقِ إذَا بَلَغَ زَكَاةً انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ] شَرْعِيَّةٍ وَوَزْنُ الْمِائَتَيْنِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمِصْرِيَّةِ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ عج مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ لِنَقْصِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ الدِّرْهَمِ الْمِصْرِيِّ خَرُّوبَةً وَعُشْرَ خَرُّوبَةٍ وَنِصْفَ عُشْرِ خَرُّوبَةٍ، وَالتَّعْوِيلُ فِي النِّصَابِ مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ عَلَى مَا يُسَاوِي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيَّةٍ وَزْنًا، لِأَنَّ الْأَنْصَافَ لَا ضَابِطَ لَهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْوَزْنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا مِقْدَارُهُ مِنْ الْقُرُوشِ، فَيَنْضَبِطُ لِانْضِبَاطِهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ نَوْعِهَا فَالْكِلَابُ وَالرِّيَالُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَرُبْعٌ لِاتِّفَاقِهِمَا وَزْنًا، وَأَمَّا النَّادِقَةُ فَالنِّصَابُ مِنْهَا عِشْرُونَ وَأَبُو طَاقَةٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمِائَتَيْ] ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ وَإِلَّا لَقَالَ أَيْ الْمِائَتَا.
زِنَتُهَا (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) بِالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ زِنَتَهُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ إلَى آخِرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ دِرْهَمُ الْكَيْلِ ثُمَّ فَسَّرَ الْأُوقِيَّةَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ بِقَوْلِهِ:(مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ أَعْنِي أَنَّ سَبْعَةَ دَنَانِيرَ) شَرْعِيَّةٍ (وَزْنُهَا عَشَرَةُ) أَيْ وَزْنُ عَشَرَةِ (دَرَاهِمَ) شَرْعِيَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّك إذَا اعْتَبَرْت مَا فِي سَبْعَةِ دَنَانِيرَ وَمَا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دِرْهَمِ الْكَيْلِ وَدَنَانِيرِ الْكَيْلِ وَجَدْتهمَا وَاحِدًا لِأَنَّ وَزْنَ الدِّرْهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ، وَكُلُّ دِينَارٍ وَزْنُهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، فَإِذَا ضَرَبْت عَشَرَةً فِي خَمْسِينَ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَتَبْقَى الْأَخْمَاسُ وَهِيَ عِشْرُونَ خُمُسًا بِأَرْبَعِ حُبُوبٍ، فَهَذِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُ حُبُوبٍ وَإِذَا ضَرَبْت سَبْعَةً فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُ حُبُوبٍ، فَاتَّفَقَ السَّبْعُ دَنَانِيرَ وَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَدَدِ الْحُبُوبِ وَكَرَّرَ قَوْلَهُ:(فَإِذَا بَلَغَتْ) الدَّرَاهِمُ مِنْ (هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِائَتَا دِرْهَمٍ) صَوَابُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَفِيهَا رُبْعُ عُشْرِهَا) وَهُوَ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ) عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ (فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَيُجْمَعُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي الزَّكَاةِ) لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ.
. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَمْعِ فَقَالَ: (فَمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَلْيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ مَالٍ رُبْعَ عُشْرِهِ) فَالْجَمْعُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَالْأُوقِيَّةُ] الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ أَوَاقٍ بِالْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنْكَرَ الْجُمْهُورُ وُقِيَّةً.
تَنْبِيهٌ:
أَوَاقٍ عَلَى وَزْنِ جَوَارٍ.
[قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ دِرْهَمُ الْكَيْلِ] أَيْ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْمَكَايِيلُ الشَّرْعِيَّةُ إذَا تَرَكَّبَ مِنْهَا الْأُوقِيَّةُ وَالرَّطْلُ وَالْمُدُّ وَالصَّاعُ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ] تَعَقَّبَ ابْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ فَأَحَالَ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَ الذَّهَبِ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحَالَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الدَّنَانِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَعْنِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ يُفَسِّرُهَا بِالدَّرَاهِمِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ ثُمَّ فَسَّرَ الْأُوقِيَّةَ لَا يَظْهَرُ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ تَفْسِيرًا لِلْأُوقِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
[قَوْلُهُ: وَدَنَانِيرُ الْكَيْلِ] اُنْظُرْهُ فَإِنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ الدِّرْهَمَ يُسَمَّى دِرْهَمَ الْكَيْلِ لِأَنَّ بِهِ عُرِفَتْ الْمَكَايِيلُ الشَّرْعِيَّةُ، فَمَا وَجْهُ تَسْمِيَةِ الدِّينَارِ بِكَوْنِهِ يُسَمَّى دِينَارَ الْكَيْلِ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ قَوْلَهُ] التَّكْرَارُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْفِضَّةِ فِي أَقَلَّ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِيهَا الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْ الدَّرَاهِمُ] أَيْ الْمُطْلَقَةُ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَيْ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ نَقَصَهَا وَزْنًا مَعَ كَوْنِهَا تُرَوَّجُ كَالْكَامِلَةِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَرْجُ كَالْكَامِلَةِ فَلَا وَأَمَّا إذَا كَمُلَتْ حِسًّا وَنَقَصَتْ مَعْنًى كَأَنْ تَكُونَ مَغْشُوشَةً أَوْ رَدِيئَةَ الْأَصْلِ فَالْأَوْلَى إنْ رَاجَتْ كَكَامِلَةٍ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِيَةُ يُزَكِّيهَا مُطْلَقًا رَاجَتْ كَكَامِلَةٍ أَمْ لَا لِأَنَّ رَدِيئَةَ الْأَصْلِ شَأْنُهَا أَنْ لَا تَنْقُصَ فِي التَّصْفِيَةِ فَيُزَكِّيَهَا مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرْنَا، فَإِنْ قِيلَ: زَكَاةُ النَّاقِصَةِ الَّتِي تُرَوَّجُ كَالْكَامِلَةِ مُنَافٍ لِلْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَوْ أَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ الَّذِي تُرَوَّجُ مَعَهُ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْفُلُوسُ الْجُدُدُ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا عَدَدًا. [قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ] هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ يُشْتَرَى بِهِ نَحْوُ طَعَامٍ مِمَّا يُمْكِنُ قَسْمُهُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ إلَخْ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ضَمَّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ
بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالْقِيمَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا يُخْرِجُ شَيْئًا، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْعُرُوضِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ) الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ الرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالرِّبَاعُ وَالثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْحَيَوَانِ إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ، وَهِيَ إمَّا لِلْقُنْيَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَإِمَّا لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا وَهِيَ إمَّا لِلْإِدَارَةِ وَسَتَأْتِي وَإِمَّا لِلِاحْتِكَارِ وَهِيَ الَّتِي يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ لِرِبْحٍ وَافِرٍ، وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(حَتَّى) أَيْ إلَّا أَنْ (تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) أَيْ يَنْوِي بِهَا التِّجَارَةَ فَقَطْ أَوْ التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ أَوْ الْغَلَّةِ احْتِرَازًا مِنْ عَدَمِ النِّيَّةِ كَأَنْ يُعَاوِضَ بِهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ، أَوْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالْقُنْيَةِ فَقَطْ أَوْ الْغَلَّةِ فَقَطْ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي هَذَا.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ أَيْ يُمْسِكُهَا إلَى أَنْ يَجِدَ فِيهَا رِبْحًا جَيِّدًا، وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ:(فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ) ثَالِثُهَا: أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته) احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضْت ثَمَنَهَا. رَابِعُهَا: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (فَفِي ثَمَنِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْفِضَّةَ إلَى الذَّهَبِ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا.
[قَوْلُهُ: فَالْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ] أَيْ بِالتَّجْزِئَةِ وَالْمُقَابَلَةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ] أَيْ فَصَرْفُ دِينَارِ الزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَدَنَانِير الْجِزْيَةِ بِخِلَافِ دَنَانِيرِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ] وَإِخْرَاجُ الْجُدُدِ عَنْهُمَا فَيُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْرَاجِ لِلْقِيمَةِ.
الثَّانِي: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي بَهْرَامَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ] احْتِرَازًا عَنْ الْعَرْضِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْمِثْلِيَّ وَمَا قَابَلَ الْحَيَوَانَ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ] أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ إلَخْ.
وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا قَصَرَتْ أَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ زَكَّى عَنْهَا فَلَا يُزَكِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا] أَيْ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ عَامٌّ فِي الِاحْتِكَارِ وَالْإِدَارَةِ كَقَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته، وَالْبَعْضُ خَاصٌّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ خَاصٌّ بِالِاحْتِكَارِ، وَأَمَّا النَّضُوضُ وَلَوْ دِرْهَمًا فَخَاصٌّ بِالْإِدَارَةِ. [قَوْلُهُ: التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ] أَيْ أَوْ التِّجَارَةَ وَالْقُنْيَةَ وَالْغَلَّةَ. [قَوْلُهُ: كَأَنْ يُعَاوِضُ بِهَا] الظَّاهِرُ قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ أَيْ كَأَنْ تَدْفَعَ عِوَضًا لَهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُعْطِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا نِيَّةَ لَهُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ فِي الْعَرْضِ، فَانْصَرَفَ عَدَمُ النِّيَّةِ إلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَعَ النِّيَّةِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ فَأَحْرَى. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ] لِأَنَّ شَأْنَ مَا يُبَاعُ بِالرُّخْصِ أَنْ لَا يَمْكُثَ حَوْلًا. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ] أَيْ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ مُحْتَرَزٍ.
قَوْلُهُ مُعَاوَضَةٌ وَقَوْلُهُ مَالِيَّةٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُعَاوَضَةِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْمَأْخُوذِ عَنْ خُلْعٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ] وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ هُرُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ] لَا إنْ لَمْ يَبِعْهَا أَصْلًا أَوْ بَاعَهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ الْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ مَجَازًا بِأَنْ يَسْتَهْلِكَهُ شَخْصٌ وَيَأْخُذَ التَّاجِرُ قِيمَتَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاعُ بِهِ نِصَابًا لِأَنَّ عُرُوضَ الِاحْتِكَارِ لَا تَقُومُ بِخِلَافِ الْمُدِيرِ فَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ مَا بَاعَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْوِيمُ بَقِيَّةِ عُرُوضِهِ.
الزَّكَاةُ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ) احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَبِيعَهَا بِعَرْضٍ، فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّي. خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ حَوْلًا فَمَا فَوْقَهُ وَيُمْكِنُ أَخْذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (قَامَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ حَوْلًا أَوْ أَكْثَرَ) وَمِنْ قَوْلِهِ: قَبْلُ: فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُرُوضِ الْإِدَارَةِ وَهِيَ الَّتِي تُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَتُبَاعُ بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهَا سُوقُ نِفَاقِ الْبَيْعِ، وَلَا سُوقُ كَسَادِ الشِّرَاءِ كَسَائِرِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ لِلسِّلَعِ، فَقَالَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ قَوْلِهِ فَفِي ثَمَنِهَا الزَّكَاةُ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا لَا يَسْتَقِرُّ) أَيْ لَا يَثْبُتُ (بِيَدِك عَيْنٌ وَلَا عَرْضٌ) بَلْ تَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْحَاضِرِ وَتُحْلِفُهَا وَلَا تَنْتَظِرُ سُوقَ نِفَاقِ الْبَيْعِ وَلَا سُوقَ كَسَادِ الشِّرَاءِ (فَإِنَّك تُقَوِّمُ عُرُوضَك كُلَّ عَامٍ) كُلُّ جِنْسٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ غَالِبًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قِيمَةُ عَدْلٍ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ الْبَيْعِ الضَّرُورَةِ، فَالدِّيبَاجُ وَشَبَهُهُ وَالرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ يُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ وَالثِّيَابُ الْغَلِيظَةُ وَاللَّبِيسَةُ وَشَبَهُهَا تُقَوَّمُ بِالْفِضَّةِ، وَابْتِدَاءُ التَّقْوِيمِ عِنْدَ أَشْهَبَ مِنْ يَوْمِ أَخَذَ فِي الْإِدَارَةِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ يَوْمِ زَكَّى الثَّمَنَ أَوْ مِنْ يَوْمِ إفَادَتِهِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَفِي ثَمَنِهَا] وَنَحْوُهُ فِي تت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الثَّمَنُ كَمَا يَكُونُ عَيْنًا يَكُونُ غَيْرَ عَيْنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ النَّظَرَ لِلْأَغْلَبِ. [قَوْلُهُ: لِحَوْلٍ وَاحِدٍ] سُمِّيَ الْحَوْلُ حَوْلًا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَحُولُ فِيهِ كَمَا سُمِّيَتْ السَّنَةُ سَنَةً وَالسَّنَةُ التَّغْيِيرُ، وَسُمِّيَ الْعَامُ عَامًا لِأَنَّ الشَّمْسَ عَامَتْ فِيهِ حَتَّى قَطَعَتْ جُمْلَةَ الْفَلَكِ. [قَوْلُهُ: خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا إلَخْ] لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُضِيِّ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْأَصْلَ أَوْ مَلَكَهُ، وَسَكَتَ عَنْ شَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَرْضِ عَيْنًا اشْتَرَاهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ عَرْضٍ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ بَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرْضَ لِقَصْدِ التِّجَارَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يَجُوزُ الِاحْتِكَارُ وَلَوْ فِي الْأَطْعِمَةِ لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ جَمِيعَ مَا فِي السُّوقِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُمْنَعُ وَلَا يُمَكَّنُ إلَّا مِنْ شِرَاءِ قَدْرِ حَاجَتِهِ [قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَخْذُهَا إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِيُمْكِنُ بَلْ هَذَا أَصْرَحُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: وَتُبَاعُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الْمُدِيرُ لَا يَرْصُدُ الْأَسْوَاقَ بَلْ يَكْتَفِي بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَرُبَّمَا بَاعَ بِغَيْرِ رِبْحٍ وَبِأَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَوْفًا مِنْ كَسَادِهَا. [قَوْلُهُ: سُوقُ نِفَاقِ الْبَيْعِ] أَيْ كَثْرَةُ طُلَّابِ الْبَيْعِ أَيْ الْمَبِيعِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: بَلْ تَبِيعُ إلَخْ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا عَرْضَ. وَقَوْلُهُ: وَلَا سُوقَ كَسَادِ الشِّرَاءِ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ عَيْنٌ. [قَوْلُهُ: كُلَّ جِنْسٍ بِمَا يُبَاعُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. [قَوْلُهُ: دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ] لِأَنَّ بَيْعَ الضَّرُورَةِ يَكُونُ بِالرُّخْصِ الْفَاحِشِ. [قَوْلُهُ: فَالدِّيبَاجُ إلَخْ] الدِّيبَاجُ مَا رَقَّ مِنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ. [قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ] أَيْ كَالثِّيَابِ الْقُطْنِ الرَّفِيعَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاللَّبِيسَةِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ أَيْ الْمَلْبُوسَةِ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا كَثْرَةُ اللُّبْسِ. [قَوْلُهُ: وَابْتِدَاءُ التَّقْوِيمِ إلَخْ] أَيْ ابْتِدَاءُ حَوْلِ التَّقْوِيمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِلَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ حَوْلًا وَسَطًا كَائِنًا بَيْنَ مِلْكِ الْأَصْلِ وَبَيْنَ شَهْرِ الْإِدَارَةِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا أَوْ يُزَكِّيَهُ عِنْدَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ يُدِيرُ بِهِ فِي رَجَبٍ، فَعَلَى فَهْمِ الْبَاجِيِّ تَجْعَلُ حَوْلَك الْمُحَرَّمَ فَتُقَوِّمُ عُرُوضَك وَتُزَكِّي عِنْدَ الْمُحَرَّمِ.
الثَّانِي: وَعَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ تُقَوِّمُ عِنْدَ رَجَبٍ وَعَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ رَبِيعُ الْأَوَّلُ مَثَلًا قَالَ خَلِيلٌ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَلْ حَوْلُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ وَسَطٍ مِنْهُ، وَمِنْ الْإِدَارَةِ تَأْوِيلَانِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا تَرْجِيحُهُمَا وَإِنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ يُسَوِّغُ الْعَمَلَ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي يَقُومُ عِنْدَ تَمَامِهِ وَأَمَّا حَوْلُ نَاضِّهِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا فَإِنَّهُ
(وَ) بَعْدَ أَنْ تَفْرُغَ مِنْ التَّقْوِيمِ (تُزَكِّي ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي قَوَّمْته مِنْ الْعُرُوضِ بِشَرْطِ أَنْ يَنِضَّ مِنْ أَثْمَانِهَا أَيْ: الْعُرُوضِ الْمُدَارَةِ شَيْءٌ مَا وَلَوْ دِرْهَمًا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ أَوْ نُضَّ لَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حِينَئِذٍ وَيَنْتَقِلُ حَوْلُهُ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ وَيُلْغَى الزَّائِدُ عَلَى الْحَوْلِ، وَكَذَلِكَ يُزَكِّي الْمُدِيرُ النَّقْدَ إنْ كَانَ مَعَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(مَعَ مَا بِيَدِك مِنْ الْعَيْنِ) وَكَذَلِكَ يُزَكِّي عَنْ دَيْنِهِ النَّقْدَ الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ (وَحَوْلُ رِبْحِ الْمَالِ حَوْلُ أَصْلِهِ) ظَاهِرُهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَقَامَ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً بَاعَهَا بَعْدَ شَهْرٍ بِعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْآنَ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُقَدَّرُ كَامِنًا فِي أَصْلِهِ (وَكَذَلِكَ حَوْلُ نَسْلِ الْأَنْعَامِ حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه عُدَّ
ــ
[حاشية العدوي]
حَوْلُ الْأَصْلِ قَطْعًا. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنِضَّ إلَخْ] قَضِيَّةُ جَعْلِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ أَنَّ دُونَهُ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَلَوْ دِرْهَمًا لَا أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا يَخْرُجُ عَمَّا قَوَّمَهُ مِنْ الْعُرُوضِ ثَمَنًا عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عَرْضًا بِقِيمَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ أَوَّلَ الْحَوْلِ] وَقِيلَ: يُرَاعَى النَّضُوضُ آخِرَ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الدِّرْهَمُ الَّذِي نَضَّ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ إلَخْ] هَذَا جَوَابُ أَمَّا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْطُوفِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: يُزَكِّي عَنْ دَيْنِهِ إلَخْ] أَيْ عَنْ عَدَدِهِ أَيْ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ، وَأَمَّا دَيْنُ الْقَرْضِ النَّقْدِ مُطْلَقًا فَيُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلٍ وَلَوْ مَكَثَ أَعْوَامًا عَلَى الْمَدِينِ. وَقَوْلُهُ: النَّقْدُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَرْضًا مَرْجُوًّا حَالًّا أَوْ لَا فَيُقَوَّمُ بِعَيْنٍ أَيْ وَهُوَ مِنْ بَيْعٍ، وَأَمَّا مِنْ قَرْضٍ فَلَا، وَقَوْلُهُ: الْحَالُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَالْحَالُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ فَإِذَا كَانَ مَرْجُوًّا قَوَّمَهُ بِعَرْضٍ ثُمَّ قَوَّمَ الْعَرْضَ بِعَيْنٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجُوًّا فَلَا تَقْوِيمَ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ نَقْدًا حَالًّا لَيْسَ مَرْجُوًّا فَلَا تَقْوِيمَ وَلَا زَكَاةَ.
تَنْبِيهٌ:
لَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ بَعْدَ التَّقْوِيمِ فَزَادَ ثَمَنُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِي الزِّيَادَةِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ بِيعَتْ بِبَخْسٍ فَلَا تُسْتَرَدُّ الزِّيَادَةُ مِنْ الْفَقِيرِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ إلَخْ] وَقِيلَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ يَسْتَأْنِفُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْآنَ] أَيْ حِينَ بَيْعِهِ بَعْدَ شَهْرٍ مُضَافٍ إلَى إقَامَتِهَا عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَيَصِيرُ حَوْلُهُ ثَانِيَ عَامٍ مِنْ يَوْمِ التَّمَامِ.
وَقَوْلُهُ: بَعْدَ شَهْرٍ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ وَلَوْ بِمُدَّةٍ أَيْ أَوْ حِينَ تَمَامِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُزَكِّي حِينَ الْبَيْعِ عِنْدَ تَمَامِ الْعَامِ أَوْ بَعْدَهُ بِمَا يُوفِي النِّصَابَ، ثُمَّ يُزَكِّي ثَانِيَ عَامٍ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْمُتَمِّمِ لِلْعَامِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي الْعِشْرِينَ عِنْدَ تَمَامِ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمُتَمِّمِ لِأَنَّهُ حَوْلُ الْأَصْلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ أَمْسِ مِمَّا حَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الشَّارِحُ، وَقَدْ حَمَلَ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الَّتِي أَمْسِ بِقَوْلِهِ حَوْلُ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ حَوْلَ أَصْلِهِ إنَّمَا تَمَّ بَعْدَ الرِّبْحِ، وَأَمَّا إنْ تَمَّ قَبْلَ الرِّبْحِ فَيُزَكِّي أَيْضًا سَاعَةَ تَمَامِ النِّصَابِ وَيَصِيرُ حَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ يَوْمِ التَّزْكِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ التَّزْكِيَةُ مَنْظُورًا فِيهَا لِحَوْلِ الْأَصْلِ.
تَنْبِيهٌ:
لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله حَوْلَ أَصْلِهِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا تَسَلَّفَهَا أَوْ عَرْضًا تَسَلَّفَهُ أَوْ عَرْضًا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ عَرْضًا اشْتَرَاهُ لِلْقُنْيَةِ وَبَدَا لَهُ التَّجْرِبَةُ، فَالْحَوْلُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِ الْقَرْضِ، وَفِي الثَّانِي: مِنْ يَوْمِ التَّجْرِ، وَفِي الثَّالِثِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَفِي الرَّابِعِ مِنْ يَوْمِ الْمَبِيعِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ] أَيْ مِثْلُ رِبْحِ الْمَالِ.
[قَوْلُهُ: حَوْلُ نَسْلِ الْأَنْعَامِ إلَخْ] وَلَوْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَوَلَدَتْ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ أَوْ كَانَ
عَلَيْهِمْ: السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَالرِّبْحُ كَالسِّخَالِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْمِدْيَانِ فَقَالَ: (وَمَنْ لَهُ مَالٌ) يَعْنِي مِنْ الْعَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ إلَخْ (تَجِبُ الزَّكَاةُ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) بِعِوَضٍ سَوَاءٌ كَانَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الَّذِي لَهُ وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا (أَوْ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (يَنْقُصُهُ) أَيْ يُنْقِصُ الْمَالَ الَّذِي مَعَهُ (عَنْ مِقْدَارِ مَالِ الزَّكَاةِ) أَيْ الْقَدْرَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ مَثَلًا (فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ مَهْرَ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ، وَعَلَى التَّشْهِيرِ الْآخَرِ لَا يُسْقِطُهَا وَظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ زَكَاةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدْنَا قَوْلَهُ: وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَوْلِنَا بِعِوَضٍ احْتِرَازًا مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ قَالَهُ ع: ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ سُقُوطِ زَكَاةِ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مَنْ لَهُ مَالٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَوْ دَيْنٌ يَنْقُصُهُ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ شَيْءٌ (مِمَّا لَا يُزَكَّى مِنْ عُرُوضٍ مُقْتَنَاةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالرِّبَاعُ وَالثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْحَيَوَانِ الْقَاصِرَةِ عَنْ النِّصَابِ فَقَوْلُهُ: (أَوْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُقْتَنَاةٍ أَوْ عَقَارٍ) بِالْفَتْحِ مُخَفَّفًا وَهِيَ الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَتَبَةٌ (أَوْ رَبْعٍ) وَهُوَ مَا لَهُ عَتَبَةٌ كَالدُّورِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (مَا) اسْمُ يَكُونُ بِمَعْنَى شَيْءٍ وَخَبَرُهَا الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِمَّا لَا يُزَكَّى إلَخْ بَيَانٌ فَفِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ دِينٌ مِثْلُهُ أَوْ يُنْقِصُهُ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ (فِيهِ وَفَاءٌ لِدَيْنِهِ) مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ عُرُوضِ الْقُنْيَةِ (فَلْ) يَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ
ــ
[حاشية العدوي]
عِنْدَهُ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ فَوَلَدَتْ تَمَامَ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ نَسْلَ الْحَيَوَانِ كَرِبْحِ الْمَالِ يُضَمُّ لِأَصْلِهِ.
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ النَّسْلُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ لَوْ نَتَجَتْ الْإِبِلُ غَنَمًا أَوْ الْبَقَرُ إبِلًا نِصَابًا لَكَانَ حَوْلُ النَّسْلِ حَوْلَ الْأُمَّهَاتِ، لَكِنْ يُرَاعَى النِّصَابُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّسْلُ مِنْ نَوْعِ الْأَصْلِ فَلَا يَضُمُّ الْإِبِلَ لِلْبَقَرِ. [قَوْلُهُ: السَّخْلَةُ] تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ سَاعَةَ تُولَدُ وَالْجَمْعُ سِخَالٍ، وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سَخْلٍ مِثْلَ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ إلَّا أَنَّ مُرَادَهُ أَيْ الْمُصَنِّفِ بِالسَّخْلَةِ الصَّغِيرَةُ، وَسِخَالٌ بِكَسْرِ السِّينِ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ. [قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ كَالسِّخَالِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ النَّسْلِ أَصْلٌ وَالرِّبْحَ فَرْعٌ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لَنَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَقِيسُ الْأَصْلَ عَلَى الْفَرْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَنْعَامُ، وَالْفَرْعَ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْعَيْنَ اُخْتُلِفَ فِي رِبْحِهَا، وَالْأُمَّهَاتِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا عِنْدَنَا. وَلَمْ يُفَرِّقْ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ] وَأَحْرَى إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ] وَعَلَى الرَّاجِحِ فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيل عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ دَيْنَ زَكَاةٍ أَوْ كَمَهْرٍ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ إلَخْ] وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَتُؤْخَذُ وَلَوْ كَرْهًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ.
[قَوْلُهُ: الْقَاصِرَةُ عَنْ النِّصَابِ] صِفَةٌ لِقَوْلِهِ الْقَمْحُ إلَخْ، ثُمَّ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ حُبُوبٌ أَوْ ثِمَارٌ أَوْ حَيَوَانٌ زُكِّيَتْ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُزَكِّي. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَتَبَةٌ] أَيْ كَالْأَرْضِ السَّاحَةِ أَقُولُ: وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ أَوْ رَبْعٌ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهُوَ لَا يَكُونُ كَعَكْسِهِ بِأَوْ، وَيُجَابُ بِأَنْ يُرَادَ الْعَامُّ مَا عَدَا الْخَاصَّ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَلْيَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] قَالَ بَهْرَامُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الدَّيْنَ يُجْعَلُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعُرُوضِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً اهـ.
[قَوْلُهُ:
بِشَرْطِ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ رَبِّهَا وَأَنْ تَكُونَ مِمَّا يُبَاعُ. مِثْلُهُ فِي الدَّيْنِ (يُزَكِّ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ) مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْعَيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ، أَوْ يُنْقِصُهُ عَنْ مِقْدَارِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يُوفِي دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ وَقْتَ الْوُجُوبِ آخِرَ الْحَوْلِ وَيَجْعَلُهَا فِي الدَّيْنِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَيُزَكِّي الْعَيْنَ هَذَا إذَا وَقَّتَ عُرُوضَهُ بِدَيْنِهِ.
(فَإِنْ لَمْ تُوَفِّ عُرُوضُهُ بِدَيْنِهِ حَسَبَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ فِيمَا) أَيْ الَّذِي (بِيَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَحْسِبَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ مِمَّا بِيَدِهِ (مَا) أَيْ شَيْءٌ (فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَاةٌ) مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَعَلَيْهِ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مَا يَفِي بِعَشَرَةٍ تَبْقَى عَشَرَةٌ مِنْ الثَّلَاثِينَ، وَيُعْطِيهَا فَتَبْقَى عِشْرُونَ فَيُزَكِّيهَا.
وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابٌ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْده عِشْرُونَ وَعَلَيْهِ عِشْرُونَ، وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يُوفِي بِعَشَرَةٍ فَتَبْقَى عَشَرَةٌ يُعْطِيهَا مِنْ الْعِشْرِينَ تَبْقَى عَشَرَةٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا.
وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الْعَيْنِ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ مَا عَدَاهُ فَقَالَ.
(وَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ وَلَا مَاشِيَةٍ) وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ مَعْدِنٍ وَلَا رِكَازٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَا عِنْدَهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُسْقِطُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعَيْنِ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ فَقَدْ بَعَثَ عليه الصلاة والسلام وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ الْخُرَّاصَ وَالسُّعَاةَ فَخَرَصُوا عَلَى النَّاسِ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ زَكَاةَ مَوَاشِيهِمْ وَلَمْ يَسْأَلُوهُمْ هَلْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَيُسْقِطُهَا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ لَهُ مَالٌ (فِي دَيْنٍ) أَصْلُهُ عَيْنٌ عِنْدَهُ أَوْ بِيَدِهِ عَرْضُ تِجَارَةٍ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) يُرِيدُ بِالدَّيْنِ دَيْنَ الْقَرْضِ وَدَيْنَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ فَيُسَلِّفَهُ لِرَجُلٍ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ يَبِيعَهَا بِدَيْنٍ. (وَإِنْ أَقَامَ) الدَّيْنَ (أَعْوَامًا) عِنْدَ الْمَدِينِ (فَإِنَّمَا يُزَكِّيهِ) رَبُّهُ (لِعَامٍ وَاحِدٍ) لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ (بَعْدَ قَبْضِهِ) إذَا كَانَ نِصَابًا أَوْ مُضَافًا إلَى مَالٍ عِنْدَهُ قَدْ جَمَعَهُ وَإِيَّاهُ الْحَوْلُ فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ.
ــ
[حاشية العدوي]
بِشَرْطِ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ] وَحَوْلُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَحَوْلُ الْمُعْشِرِ طِيبُهُ وَالْمَعْدِنِ خُرُوجُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا] لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْطَاءَ بِالْفِعْلِ لِجَوَازِ تَأَخُّرِ أَجَلِ الدَّيْنِ بَلْ الْمُرَادُ يُلَاحِظُ أَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ وَكَأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَخَذَهَا بِالْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ أَخْذُهَا الْآنَ لِعَدَمِ حُلُولِ الْأَجَلِ.
[قَوْلُهُ: الْخُرَّاصَ] هُمْ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الْأَوْسُقِ. وَقَوْلُهُ: فَخَرَصُوا نَاظِرٌ لِلْخُرَّاصِ الَّذِينَ هُمْ لِلثِّمَارِ. وَقَوْلُهُ: وَأَخَذُوا نَاظِرٌ لِلسُّعَاةِ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَوَاشِي، فَفِي الْعِبَارَةِ تَوْزِيعٌ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَيْ النَّاسِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ، وَالسُّعَاةُ لَيْسُوا قَاصِرِينَ عَلَى الْمَاشِيَةِ بَلْ كَمَا يَكُونُونَ لَهَا يَكُونُ لِمَا نَبَتَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ أَشْهَبَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ قَبْضِهِ] أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ حُكْمًا كَأَنْ وَهَبَهُ الْمُحْتَكِرُ لِغَيْرِ الْمَدِينِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَإِنَّ الْمُحْتَكِرَ يُزَكِّيهِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاهِبُ أَرَدْت أَنَّ الزَّكَاةَ مِنْهُ، وَأَوْلَى لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهُ لِلْمَدِينِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. [قَوْلُهُ: فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ] أَيْ فَيَكْمُلُ بِالْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُ
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إنَّمَا يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَرَكَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَوْلَهُ فِي دَيْنٍ بِقَوْلِنَا أَصْلُهُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضُ تِجَارَةٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، وَقَيَّدْنَا دَيْنَ الْبَيْعِ بِمَا إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مُدَبَّرًا فَإِنَّ حُكْمَ دَيْنِهِ حُكْمُ عُرُوضِهِ يُقَوَّمُ.
(وَكَذَلِكَ الْعَرْضُ) يَعْنِي عَرْضَ تِجَارَةِ الِاحْتِكَارِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا كَثِيرَةً. (حَتَّى يَبِيعَهُ) وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلُ: فَإِذَا بِعْته بَعْدَ حَوْلٍ إلَى آخِرِهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ) أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَلْيَسْتَقْبِلْ حَوْلًا بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ) يُعَبِّرُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ سَوَاءٌ تَرَكَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا. (وَعَلَى الْأَصَاغِرِ الزَّكَاةُ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: 103] وَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَلِينِي أَنَا وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
النِّصَابُ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ فِي دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ وَلَوْ أَخَّرَهُ أَيْ الْمُحْتَكِرُ فِرَارًا زَكَاةً لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِكُلِّ عَامٍ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْمُدَبَّرِ إذَا كَانَ قَرْضًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَيُزَكِّيه لِكُلِّ سَنَةٍ اتِّفَاقًا اهـ.
فَلْيُحْمَلْ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ عَلَى دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ وَتَعَقَّبَ الشُّيُوخُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] أَيْ لَيْسَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا عَرْضَ تِجَارَةٍ، أَيْ بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ مَثَلًا عَرْضًا مَأْخُوذًا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ مَثَلًا أَوْ كَانَ نَفْسُ الدَّيْنِ عَيْنًا وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مِيرَاثٍ مَثَلًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ مَثَلًا وَسَيَأْتِي.
[قَوْلُهُ: عَرْضَ تِجَارَةِ الِاحْتِكَارِ] أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ حُكْمِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ أَيْ الدَّيْنُ الْمُتَقَدِّمُ دَيْنُ الْقَرْضِ وَدَيْنُ الْمُحْتَكِرِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا] أَيْ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَالدَّيْنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ كَانَ أَصْلُهُ عَرْضًا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ سَوَاءٌ كَانَ عَرْضَ قُنْيَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرْضُ قُنْيَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ أَيْ أَصْلُهُ الثَّانِي لَا أَصْلُهُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: مِنْ مِيرَاثٍ] أَيْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ مِيرَاثٍ أَيْ أُتِيَ لَهُ مِنْ مِيرَاثٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ، أَوْ كَانَ الْعَرْضُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ مِيرَاثٍ أَيْ أَتَى لَهُ عَرْضٌ مِنْ مِيرَاثٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ] أَيْ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَلَى دَمٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ عَمَلِ يَدٍ سَوَاءٌ كَانَ تَرْكُهُ فِرَارًا أَمْ لَا، حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً بِيَدِ وَاهِبِهَا أَوْ مُتَصَدِّقِهَا أَوْ صَدَاقًا بِيَدِ زَوْجٍ أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ بِيَدِ دَافِعِهِ أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ بِيَدِ جَانِيهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ قَبْضِهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ فِرَارًا، وَلَوْ بَقِيَتْ الْعَطِيَّةُ بِيَدِ مُعْطِيهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ سِنِينَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِمَاضِي الْأَعْوَامِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا عَلَى الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلَا عَلَى الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ عِنْدَ سَحْنُونَ لِأَنَّ بِقَبُولِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ مِنْ يَوْمِ الصَّدَقَةِ، وَلِذَا تَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ مِنْ يَوْمِ الْعَطِيَّةِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ عَرْضٍ أَتَاهُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا، بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ عَرْضِ قُنْيَةٍ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا.
[قَوْلُهُ: لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ] فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: {تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] مَعْنَاهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْأَصَاغِرُ خَالِيَةٌ مِنْ الذُّنُوبِ. [قَوْلُهُ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ] هَذَا أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ابْنَ الْقَاسِمِ تِلْمِيذَ الْإِمَامِ.
حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، وَفِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُفْعَلُ وَلَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَلَا يُخْرِجُ وَلِيُّ الْأَيْتَامِ الزَّكَاةَ عَنْهُمْ إلَّا بَعْدَمَا يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِلْإِمَامِ، وَمِثْلُ الْأَصَاغِرِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الْمَجَانِينُ وَقَوْلُهُ:(وَزَكَاةُ الْفِطْرِ) رُوِيَ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ لِخَبَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ.
(وَلَا زَكَاةَ عَلَى عَبْدٍ) قِنٍّ (وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ) كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَادَاتِهِمْ عَنْهُمْ، مَا عُدِمَ وُجُوبُهَا عَلَى الْعَبْدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ فَلِأَنَّ الْمَالَ بِيَدِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ عِنْدِي تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِمَالِ الْعَبْدِ إمَّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا قَطْعًا لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ، وَلِلْعَبْدِ اسْتِمْرَارُهُ وَالْإِشَارَةُ (فِي) قَوْلِهِ (ذَلِكَ كُلِّهِ) عَائِدَةٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ. (فَإِذَا أُعْتِقَ) الْعَبْدُ أَوْ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ (فَلْيَأْنَفْ) أَيْ يَسْتَأْنِفْ (حَوْلًا) أَيْ عَامًا (مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهِ (بِمَا يَمْلِكُ) وَرُوِيَ بِمَا مَلَكَ (مِنْ مَالِهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ وَعَتَقَ قَبْلَ الطِّيبِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا إنْ عَتَقَ بَعْدَ الطِّيبِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ
(وَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي عَبْدِهِ وَخَادِمِهِ) ع: الْعَبْدُ تَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا وَلَا زَكَاةَ عَلَى عَبْدٍ (وَ) كَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي (فَرَسِهِ وَدَارِهِ) (وَلَا) فِي (مَا يَتَّخِذُ لِلْقُنْيَةِ مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعُرُوضِ) وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا زَكَاةَ إلَى آخِرِهِ لَا يَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: اتَّجِرُوا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَمَا يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِلْإِمَامِ] أَيْ أَوْ الْقَاضِي. حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْوَصِيِّ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَنُوطٌ بِهِ لَا بِمَذْهَبِ أَبِي الطِّفْلِ لِمَوْتِهِ وَانْتِقَالِ الْمَالِ عَنْهُ، وَلَا بِمَذْهَبِ الطِّفْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا فَلَا يُزَكِّيهَا الْوَصِيُّ إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ سُقُوطَهَا عَنْ الطِّفْلِ وَإِلَّا أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ كَانَ مَالِكِيٌّ فَقَطْ أَوْ مَالِكِيٌّ وَحَنَفِيٌّ، وَخَفِيَ أَمْرُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ إلَّا رَفْعَ الْمَالِكِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَنَفِيٌّ أَخْرَجَهَا الْوَصِيُّ الْمَالِكِيُّ إنْ خَفِيَ أَمْرُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَإِلَّا تُرِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ] لَكِنَّ الْمُطَالَبَ بِالْإِخْرَاجِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَبِالْجَرِّ] فِي الْجَرِّ رِكَّةٌ إذْ يَصِيرُ تَقْدِيرُهُ حِينَئِذٍ، وَعَلَى الْأَصَاغِرِ الزَّكَاةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ.
[قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ] أَيْ لَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ] مُتَعَلِّقُ كَلَامِهِ مَنْقُوضٌ بِالْمُكَاتَبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ قَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ. [قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ] خَبَرُ لَا النَّافِيَةِ مُتَعَلِّقٌ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ] أَيْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَيِّدُهُ أَخْذَ مَالِهِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَكُونُ لَهُ فِي الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ السَّيِّدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَبْقَى لِسَيِّدِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: وَرُوِيَ بِمَا مَلَكَ] وَنُسْخَةُ الْمُضَارِعِ مُتَّحِدَةٌ مَعَهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا يَمْلِكُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَالِ الْكَائِنِ بِيَدِهِ.
[قَوْلُهُ: يُطْلَقُ] أَيْ يُطْلِقُ الْمُصَنِّفُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا] أَيْ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَخَادِمِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأُنْثَى، وَلَوْ قَالَ فِي رَقِيقٍ لَشَمِلَهُمَا، وَالْمُرَادُ رَقِيقٌ اُتُّخِذَ لِلْقُنْيَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إلَخْ مُرَادُهُ بِهِ الذَّكَرُ لِأَنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا الْأَمَةُ أَيْ عَلَيْهَا فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً. [قَوْلُهُ: فِي فَرَسِهِ وَدَارِهِ] أَيْ الْمُتَّخَذَيْنِ لِلْقُنْيَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَا يُتَّخَذُ لِلْقُنْيَةِ مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعُرُوضِ] احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَّخَذِ لِلتِّجَارَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَالزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ] عَبَّرَ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا مَحْضًا لِأَنَّهُ تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: أَنَّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ بَعْضُهُمْ، كَرَّرَهُ إشَارَةً لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَزَادَ عَلَيْهِ مَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُقْتَنَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ.
قَوْلَهُ: (وَلَا فِيمَا يُتَّخَذُ لِلِّبَاسِ) لِلنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لِرَجُلٍ (مِنْ الْحَلْيِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَاحِدُ حُلِيٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَزَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَرِيضَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَلْيَ إذَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلْكِرَاءِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الزَّكَاةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ وَرِثَ عَرْضًا أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ زَرْعًا فَزَكَّاهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُبَاعَ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبْضِ ثَمَنِهِ بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ) اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ إلَى آخِرِهِ مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الزَّرْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ يُسَمَّى مَسْأَلَةَ زَكَاةِ الْفَوَائِدِ، وَالْفَائِدَةُ مَا تَجَدَّدَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ كَالْمَوْرُوثِ وَالْمَوْهُوبِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى يُبَاعَ بَاعَ بِالنَّقْدِ أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا تَرْكُهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ زَرْعًا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ إذَا رَفَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَرْضِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَزَكَّاهُ أَيْ الزَّرْعَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَيْضًا فَإِنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُزَكِّهِ.
ــ
[حاشية العدوي]
بَدَلٌ مِنْ حَدِيثٍ. وَقَوْلُهُ: وَزَادَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَيْ إشَارَةً لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ عَلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَيْ عَلَى مَا فِيهِ مَا يُقَاسُ عَلَى الْحَدِيثِ أَيْ عَلَى مَا فِيهِ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِلذِّكْرِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُتَّخَذُ لِلِّبَاسِ. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا رُتِّبَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ.
[قَوْلُهُ: لِلنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ إلَخْ] الْأَوْلَى عَدَمُ التَّخْصِيصِ، فَيَشْمَلُ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُلِّ حُلِيٍّ مُبَاحٍ سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ أَوْ تَكَسَّرَ، أَيْ إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَإِنْ نَوَى عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ تَهَشَّمَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ إصْلَاحَهُ إلَّا بِسَكْبِهِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا مِثَالُ مَا كَانَ مُبَاحًا لِلرَّجُلِ خَاتَمٌ وَأَنْفٌ وَأَسْنَانٌ وَحِلْيَةُ مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِالنَّصْلِ كَالْقَبْضَةِ أَوْ لَا كَالْغِمْدِ، وَأَمَّا مُحَرَّمُ الِاسْتِعْمَالِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَالْمِرْوَدِ وَالْمُكْحُلَةِ وَآلَةٍ نَحْوُ الْأَكْلِ مِنْ كُلِّ غَيْرِ مَلْمُوسٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ عَلَى الْمَرْأَةِ وَكَخَاتَمِ الذَّهَبِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مِنْ الْحُلِيِّ مَا تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ الْقُرُوشِ أَوْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَسْكُوكِ فَإِنَّ عَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاةَ. [قَوْلُهُ: كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ] وَقَدْ تُكْسَرُ الْحَاءُ مِثْلَ عِصِيٍّ.
[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الزَّكَاةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُتَّخَذِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ سَوَاءٌ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَلَوْ كَانَ أَوَّلًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ وَيُزَكِّيهِ لِعَامٍ مِنْ حِينِ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ أَيْ يُزَكِّي وَزْنَهُ كُلَّ عَامٍ إذَا كَانَ فِيهِ نِصَابٌ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ، وَكَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلْعَاقِبَةِ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِلِبَاسِهَا فَلَمَّا كَبِرَتْ اتَّخَذَتْهُ لِعَاقِبَتِهَا.
[قَوْلُهُ: أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ إلَخْ] يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكْتَرِيَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَكَاةُ النِّصَابِ وَالْأُخْرَى زَكَاةُ الثَّمَنِ، إذَا كَانَ نِصَابًا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْحَوْلِ إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا أَوْ يُقَوِّمُ إذَا كَانَ مُدِيرًا، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَرَّتَيْنِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكْرِيَهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَالْبَذْرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَيَزْرَعُ فِيهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ. [قَوْلُهُ: بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ] بَدَلٌ مِنْ بِهِ أَيْ يَسْتَقْبِلُ بِمَا يَقْبِضُ مِنْ ثَمَنِهِ أَيْ بِمَا يَقْبِضُهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِهِ بَيَانٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ: اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ أَيْ مَا عَدَا قَوْلَهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَائِدَةُ مَا تَجَدَّدَ إلَخْ] فِي كَلَامِهِ قُصُورٌ إذْ الْفَائِدَةُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ وَثَانِيهِمَا مَا تَجَدَّدَ عَنْ مَالٍ غَيْرِ مُزَكًّى كَثَمَنِ عَرْضِ الْقُنْيَةِ.
[قَوْلُهُ: إذَا رَفَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَرْضِهِ إلَخْ] كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: إذَا أَقَامَ
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ:(وَفِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ عَدَنَ بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْمَاضِي يَعْدِنُ بِكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُدُونًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ أَيْ إقَامَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ إنْ كَانَ اسْمُ مَكَانِ الْفَتْحِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بَيَانٌ لِمَا يُخْرَجُ (الزَّكَاةُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ نَدْرَةً بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ أَوْ عَمَلٍ يَسِيرٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ لَا الزَّكَاةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا تَخْصِيصُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا زَكَاةَ فِي مَعَادِنِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالزِّرْنِيخِ وَشَبَهِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (إذَا بَلَغَ) الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ (وَزْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ) بَلَغَ الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ وَزْنَ (خَمْسَةِ أَوَاقٍ فِضَّةً) وَانْظُرْ لِمَ أَثْبَتَ التَّاءَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ إذْ الْأُوقِيَّةُ مُؤَنَّثَةٌ (فَ) حِينَئِذٍ يَكُونُ (فِي ذَلِكَ) الْخَارِجِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) لَا الْخُمُسِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» .
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ وَالْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ وَالشُّرَكَاءَ كَالْوَاحِدِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْكَافِرِ وَالشُّرَكَاءُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَاعِي النِّصَابَ فِي حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْمَعْدِنَ شَبِيهٌ بِالزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَا يُزَكِّيهِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ حَتَّى يَصِيرَ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (يَوْمَ خُرُوجِهِ) أَيْ يَوْمَ خَلَاصِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ. ق: يُرِيدُ يَعْنِي الشَّيْخُ أَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا رَفَعَ شَيْئًا مِنْ الْمَعْدِنِ فَلَمْ يُصَفِّهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ فَمَنْ قَالَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ قَالَ بِزَكَاتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَنْ قَالَ تَجِبُ يَوْمَ خُرُوجِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ قَالَ يُزَكِّيهِ زَكَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَكَثَ أَحَوْلًا بِغَيْرِ تَصْفِيَةٍ انْتَهَى.
(وَكَذَلِكَ فِيمَا يَخْرُجُ) مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ رُبْعَ عُشْرِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ بِالنِّصَابِ الْمُخْرَجِ أَوَّلًا (وَإِنْ قَلَّ) وَهَذَا
ــ
[حاشية العدوي]
بِهِ] أَيْ بِالْمَكَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةً] سُمِّيَ بِذَلِكَ لِطُولِ إقَامَةِ النَّاسِ فِيهِ صَيْفًا وَشِتَاءً. [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ الْقِيَاسَ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْمَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِنْ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعِلٍ مَكْسُورِ الْعَيْنِ كَالْمَجْلِسِ، وَمِنْ يَفْعَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعَلٍ مَفْتُوحِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ] وَيُدْفَعُ ذَلِكَ الْخُمُسُ لِلْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِلَّا فُرِّقَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
[قَوْلُهُ: وَانْظُرْ] قَالَ تت: لَا نَظَرَ لِأَنَّ التَّاءَ لَا تَلْزَمُ فِي الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّك تَقُولُ طَلَعَ الشَّمْسُ وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَتَأَمَّلْهُ.
[قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ] أَيْ حِينَ قُلْنَا فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: لِعُمُومِ] أَيْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، أَيْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ خَمْسَةُ أَوَاقٍ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَعْدِنِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَصِيرَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَحَتَّى يَصِيرَ بِالْوَاوِ. [قَوْلُهُ: خَلَاصِهِ] أَيْ خُرُوجِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْفِيَتِهِ. وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لِإِخْرَاجِ الْفُقَرَاءِ وَقِيلَ بِتَصْفِيَتِهِ مِنْ تُرَابِهِ وَسَبْكِهِ لِإِزَالَةِ التُّرَابِ عَنْهُ فَقَطْ.
وَالْمَشْهُورُ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِتَصْفِيَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ] أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: الزَّكَاةُ] بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الزَّكَاةُ أَوْ أَنَّ الزَّكَاةَ مَجْرُورَةٌ بِإِضَافَةِ نِصَابٍ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ مُبْتَدَأٌ
الِاتِّصَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمَا مَعًا، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ. (فَإِنْ انْقَطَعَ نَيْلُهُ) أَيْ عَرَقُهُ الَّذِي فِي الْمَعْدِنِ (بِيَدِهِ) أَيْ بِعَمَلِهِ بِأَنْ تَبِعَهُ حَتَّى انْقَضَى فَأَطْلَقَ الْيَدَ هُنَا عَلَى الْعَمَلِ (وَابْتَدَأَ) آخَرُ (غَيْرُهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ) الْخَارِجُ بَعْدَ النِّصَابِ الَّذِي خَرَجَ أَوَّلًا (مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آخِرِ مَا خَتَمَ بِهِ التَّرْجَمَةَ وَهِيَ الْجِزْيَةُ فَقَالَ: (وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا) مِنْ (صِبْيَانِهِمْ وَلَا) مِنْ (عَبِيدِهِمْ) إنَّمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ قَاتَلَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ} [التوبة: 14] يَسْتَدْعِي مُقَاتِلِينَ وَهُمْ فِي الْغَالِبِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ فَإِنَّهُمْ مَالٌ تَبَعٌ لِمَالِكِيهِمْ.
وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ: الذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْكُفْرُ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قُرَشِيٍّ وَأَنْ يُقَرَّ عَلَى كُفْرٍ، فَالْقُرَشِيُّ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا لِمَكَانَتِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذْ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطَانِ الْعَقْلُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى أَدَائِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عِنْدَهُ (وَتُؤْخَذُ مِنْ الْمَجُوسِ) جَمْعُ مَجُوسِيٍّ مَنْسُوبٌ إلَى مَجُوسَةِ نِحْلَةٍ (وَ) تُؤْخَذُ (مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالْعَجَمُ وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية العدوي]
خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا يُخْرَجُ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ ثَلَاثَةٌ أَرْجَحُهَا
أَوَّلُهَا، فَقَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ أَيْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْعَمَلُ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ انْقَطَعَ النَّيْلُ أَيْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْعَمَلُ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلُ أَنْ يَتَّصِلَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلُ وَيُخْرِجَ نِصَابَ الزَّكَاةِ حَتَّى فِي الْخَارِجِ بَعْدَ النِّصَابِ.
ثَانِيًا أَنْ يَنْقَطِعَ النَّيْلُ وَيَتَّصِلَ الْعَمَلُ فَالْمَذْهَبُ لَا زَكَاةَ فِي الثَّانِي حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا لَا أَقَلَّ لَا أَنَّهُ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ لِغَيْرِهِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَنْقَطِعَا مَعًا فَلَا زَكَاةَ فِي الثَّانِي حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا اتِّفَاقًا، وَإِنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ دُونَ النَّيْلِ فَقِيلَ: يَضُمُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَبْتَدِئُ.
[قَوْلُهُ: وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ] عَرَّفَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ جَزَاءً عَلَى تَأْمِينِهِمْ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ مَعَ إقْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ لِأَنَّهُمْ قَابَلُوا الْأَمَانَ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ الْمَالِ فَقَابَلْنَاهُمْ بِالْأَمَانِ وَقَابَلُونَا بِالْمَالِ. [قَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ] وَصَفَهُمْ بِالْبَالِغِينَ لِيُخْرِجَ غَيْرَهُمْ وَهُوَ إمَّا تَأْكِيدٌ لِلرِّجَالِ وَإِمَّا لِأَنَّ الرَّجُلَ يُطْلَقُ عَلَى الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ. تت: وَعِبَارَةٌ أُخْرَى الْبَالِغِينَ زِيَادَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ إلَّا عَلَى الْبَالِغِ إلَى أَنْ قَالَ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْعُقَلَاءُ لِيُحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمَجَانِينِ لَكَانَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ مَالٌ تَبَعٌ لِمَالِكِيهِمْ] أَيْ فَشَأْنُهُمْ الشُّغْلُ بِخِدْمَةِ مُلَّاكِهِمْ. [قَوْلُهُ: فَالْقُرَشِيُّ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ] أَيْ لِمَكَانَتِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ قَالَ تت: وَحِكَايَةُ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهَا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ طَرِيقَةُ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُرْتَدُّ] وَكَذَا الْمُعَاهَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطَانِ إلَخْ] وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا لِأَهْلِ دِينِهِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُنْعَزِلِ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ كَالرُّهْبَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَهُّبُهُمْ طَرَأَ بَعْدَ ضَرْبِهَا فَلَا تُمْنَعُ لِاتِّهَامِهِمْ عَلَى قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَسْقُطُ بِالتَّرْهِيبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُنَا الْمُنْعَزِلُ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْمُنْعَزِلِ كَرُهْبَانِ الْكَنَائِسِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ احْتِرَازًا مِنْ الْمُعَاهَدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ. [قَوْلُهُ: الْعَقْلُ] احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْنُونِ، فَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُمْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ سَرِيعًا وَلَا يُنْتَظَرُ مِنْهُمْ مُرُورُ الْحَوْلِ. [قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَى مَجُوسَةِ نِحْلَةٍ] النِّحْلَةُ الدَّعْوَى كَمَا فِي الصِّحَاحِ. وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ أَيْ مِلَّةٌ مُدَّعَاةٌ وَهِيَ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ لَا بِالْمِيمِ.
[قَوْلُهُ: عَبْدُ الْوَهَّابِ]
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الشِّرْكَ قَدْ شَمِلَهُمْ فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ فَقَالَ: (وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ قَهْرًا وَغَلَبَةً، وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ حَمُوا بِلَادَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى شَيْءٍ يُعْطُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، أَمَّا إنْ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ أُخِذَ مِنْهُمْ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (وَ) إذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ (يُخَفَّفُ عَنْ الْفَقِيرِ) بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.
وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْفَقِيرِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ (وَتُؤْخَذُ مِمَّنْ تَجَرَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ. وَقَوْلُهُ: الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ إلَخْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّعْمِيمِ رَدُّ الْمُخَالِفِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ إلَّا الْقَتْلُ أَوْ الْإِسْلَامُ لِرَدِّهِ بِقَوْلِهِ وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَإِنَّمَا الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً فَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ.
تَنْبِيهٌ:
نَصَارَى بَنِي تَغْلِب فِرْقَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَالنَّصْرَانِيَّة لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِيهِمْ لِأَنَّ الْمُتَأَصِّلَ فِيهَا مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلُ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَاقِدَ لَهَا الْإِمَامُ فَلَوْ عَقَدَهَا مُسْلِمٌ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا أَسْرُهُ، وَيُفْعَلُ بِهِ غَيْرُهُمَا وَيَسْتَمِرُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ لِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشُبْهَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِزَعْمِهِمْ بِشَرْعٍ قَدِيمٍ فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى انْقَطَعَتْ شُبْهَتُهُمْ لِحُصُولِ مُعَايَنَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْمَوَاشِي فَعَلَيْهِمْ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ.
وَظَاهِرُ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُرَاضَاةٌ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِبِلِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَكَذَا أَهْلُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَغَيْرُهُمْ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ] أَيْ شَرْعِيَّةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَيْ شَرْعِيَّةً فَإِنْ كَانُوا أَهْلَهُمَا رُوعِيَ الْأَغْلَبُ إنْ كَانَ وَإِلَّا خَيَّرَ الْإِمَامُ وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلَ ذَهَبٍ، وَإِنْ تُعُومِلَ فِيهَا بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: وَغَلَبَةً] مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا [قَوْلُهُ: حَمَوْا بِلَادَهُمْ] أَيْ فَكَانَ فِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ إلَخْ] أَيْ فَالتَّنْقِيصُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ كَامِلَةً كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ.
تَنْبِيهٌ:
تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مُطْلَقًا آخِرَ الْحَوْلِ قَالَ بَعْضٌ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ فِيهِ الْيَسَارُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذْ ذَاكَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَخْذِهَا الْإِهَانَةُ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي دَفْعِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُصْفَعُ فِي قَفَاهُ وَيَبْسُطُ الْكَافِرُ كَفَّهُ فَيَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُ مِنْ كَفِّهِ لِتَكُونَ يَدُ الْمُسْلِمِ الْعُلْيَا. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى شَيْءٍ سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ صُلْحِيَّةً أَوْ عَنْوِيَّةً، وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ التَّحَيُّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِتَرَهُّبِهِ فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ التَّحَيُّلَ عَلَى إسْقَاطِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ.
[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: مِمَّنْ تَجَرَ] بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ [قَوْلُهُ: لَا عِمَالَتِهِ] إتْيَانُهُ بِلَا تَوْكِيدٍ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَعَطْفُ الْعِمَالَةِ عَلَى مَحَلِّ الْجِزْيَةِ تَفْسِيرٌ وَمُرَادُهُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ، وَالْأَقَالِيمُ خَمْسَةٌ مِصْرُ وَالشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَالْأَنْدَلُسُ وَالْمَغْرِبُ فَالِاعْتِبَارُ بِهَذَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ قَالَهُ تت
رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا بَالِغِينَ كَانُوا أَوْ صِبْيَانًا (مِنْ أُفُقٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَسُكُونِهَا (إلَى أُفُقٍ) أَيْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ جِزْيَتِهِ وَلَا عِمَالَتِهِ (عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عُشْرُ مَا يَدْخُلُونَ بِهِ كَالْحَرْبِيِّينَ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوا أَوْ يَشْتَرُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ لِحَقِّ الِانْتِفَاعِ أَوْ لِحَقِّ الْوُصُولِ إلَى الْقُطْرِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ إذَا اتَّجَرُوا فِي بِلَادِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ بَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرِ الثَّمَنِ فَقَالَ:(وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ تَرَدَّدُوا (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) وَقَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لَنَا مَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه وَلِتَكَرُّرِ الِانْتِفَاعِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ (وَإِنْ حَمَلُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالزَّيْتُ (خَاصَّةً) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ وَالْقَطَانِيُّ وَالزَّيْتُونُ وَالْأَدْهَانُ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ (إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ خَاصَّةً أُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ) وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ التَّنْصِيفِ، فَقِيلَ: لِيَكْثُرَ الْجَلْبُ إلَيْهِمَا لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا لِذَلِكَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ لِفَضْلِهِمَا.
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ قُرَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَيْسَتْ كَهُمَا، وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا.
الثَّانِي: ع: تَكَلَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نِصْفِ الْعُشْرِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْجَمْعِ.
ــ
[حاشية العدوي]
التَّحْقِيقُ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ عِنْدَ تَنَائِي الْأَقْطَارِ وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْحِجَازَ إقْلِيمٌ وَالرُّومَ إقْلِيمٌ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ تت وَالتَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِمَا مِنْ قُرَاهُمَا [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي كَلَامِ تت وعج: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْمَالًا تَفْصِيلُهُ أَنَّهُمْ إنْ قَدِمُوا مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ بِعَرْضٍ وَبَاعُوهُ بِعَيْنٍ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ وَاشْتَرَوْا بِهَا عَرْضًا أُخِذَ عُشْرُ الْعَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عُشْرُ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَرْضٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا آخَرَ فَعَلَيْهِمْ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْا لَا عُشْرُ عَيْنِ مَا قَدِمُوا بِهِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِتَكَرُّرِ بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ مَا دَامُوا بِأُفُقٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَاعُوا بِأُفُقٍ كَالشَّامِ أَوْ الْعِرَاقِ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ كَمِصْرِ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ فِي الْأَوَّلِ وَعُشْرٌ فِي الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ إنْ قَدِمُوا بَعْدَ ذَهَابِهِمْ لِبَلَدِهِمْ وَلَوْ مِرَارًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ بَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوا] أَيْ إذَا قَدِمُوا بِعُرُوضٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَشْتَرُوا إذَا قَدِمُوا بِعَيْنٍ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالزَّيْتُ خَاصَّةً] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ وَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ كَالْعَرْضِ وَاللَّبَنِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ثَمَنِهِ جَمِيعُ الْعُشْرِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ] أَيْ مِنْ أَدَمٍ وَمُصْلَحٍ. وَقَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ أَيْ مَا عَدَا الْقَطَانِيَّ لِأَنَّ الْقَطَانِيَّ مِنْهَا [قَوْلُهُ: الْحُبُوبُ وَالْقَطَانِيُّ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ وَقَوْلُهُ: وَالزَّيْتُونُ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ. وَقَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنْ الزَّيْتُونِ وَالْأَدْهَانِ أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُدْمِ. وَمِنْ الْمُصْلَحِ كَجُبْنٍ وَعَسَلٍ وَمِلْحٍ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ لِيَكْثُرَ إلَخْ] أَيْ فَقِيلَ فِي التَّعْدِيلِ لِيَكْثُرَ، وَلَوْ قَالَ: فَقِيلَ كَثْرَةُ الْجَلْبِ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا] وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فَهُوَ يُفِيدُ اعْتِمَادَهُ وَتَرْجِيحَهُ.
[قَوْلُهُ: وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ] مُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّهُ تَرَدُّدٌ مِنْهُ لَا إفَادَةُ خِلَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ [قَوْلُهُ: فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ كَثْرَةُ الْجَلْبِ إلَيْهِمَا لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا.
[قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ بَاعُوا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ
(وَيُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ الْعُشْرُ) أَيْ عُشْرُ مَا قَدِمُوا بِهِ ظَاهِرُهُ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا، وَسَوَاءٌ بَاعُوا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمَانُ مَا دَامُوا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَجَمِيعُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لِانْتِفَاعِهِمْ وَهُمْ غَيْرُ مَمْنُوعِينَ مِنْ بِلَادٍ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ نَفْعُهُمْ تَكَرَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْعُشْرِ وَإِنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يُزَادُ عَلَى الْعُشْرِ شَيْءٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَخَلُوا بِأَمَانٍ مُطْلَقٍ، وَأَمَّا إذَا شَارَطُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ عَقْدِ الْأَمَانِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْعُشْرِ فَيَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ بِحَسَبِ مَا شَارَطُوا عَلَيْهِ. ج: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ لِمُسْلِمٍ بِاتِّفَاقٍ، وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ لِغَيْرِهِ إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لَا إلَى أَنْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا ذِمَّةَ لَهُمْ فِيهَا، ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِمَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ.
(وَفِي الرِّكَازِ وَهُوَ) لُغَةً عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ يُقَالُ: لِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
إلَخْ] هَذَا التَّعْمِيمُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فَقَطْ بِوُصُولِهِمْ، وَلَوْ بَاعُوا بِأُفُقٍ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا بَاعُوا بِأُفُقٍ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ. وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ فَرْقَ الشَّارِحِ الَّذِي ذَكَرَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ الْأَخْذُ سَوَاءٌ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا كَالذِّمِّيِّينَ. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ] قَدْ أَفَدْنَاك أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُنَاسِبُ إلَّا مَا قُلْنَاهُ وَلَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ فَرْقًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلَّا إذَا بَاعُوا.
[قَوْلُهُ: لِانْتِفَاعِهِمْ] أَيْ لَا لِأَمْنِهِمْ وَقَوْلُهُ: وَهُمْ الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لِأَشْهَبَ أَيْضًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النُّزُولِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ إلَّا الْعُشْرُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِأَحَدٍ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ الْعُشْرِ سَوَاءٌ قَبْلَ النُّزُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِمَامِ دَلَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ] وَكَذَا صَرَّحَ تت بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: هَذَا] أَيْ قَوْلُ وَكَذَا لَا يُزَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَمَّا إذَا شَارَطُوا إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ كُلٍّ [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَا شَارَطُوا عَلَيْهِ] أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْعُشْرِ قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ لِغَيْرِهِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يُمَكَّنُونَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: إذَا حَمَلُوهُ إلَخْ] الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَنَصُّهُ: وَإِنْ قَدِمُوا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ مِنْهُمْ ذَلِكَ تُرِكُوا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَبْتَاعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ رُدُّوا بِهِ وَلَمْ يُتْرَكُوا يَدْخُلُونَ بِهِ، وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ لَهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: إذَا بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ الْقُدُومِ بِهِ إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ] بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا فِي إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَفِي الرِّكَازِ] مِنْ رَكَزَ فِي الْأَرْضِ إذَا ثَبَتَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى هَذَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: هِيَ كُنُوزُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هِيَ الْمَعَادِنُ، وَوَافَقَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْأَنْبَارِيَّ وَالْخَلِيلَ حَيْثُ قَالَ: الرِّكَازُ الْكَنْزُ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الْمَعْدِنِ اهـ.
[قَوْلُهُ: يُقَالُ لِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ] أَيْ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُونِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ
قِطَعِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرَقِ، وَاصْطِلَاحًا (دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ) زَادَ فِي الْوَاضِحَةِ خَاصَّةً، وَالْكَنْزُ يَقَعُ عَلَى دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَدِفْنِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّفْنُ: بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْمَدْفُونِ كَالذِّبْحِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] أَيْ مَذْبُوحٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُفْتَحَ دَالُهُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ نَحْوَ: الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ مَضْرُوبُهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِجِنْسِ النَّقْدَيْنِ أَوْ عَامٌّ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالطِّيبِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِي وَبَالَغَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ رِكَازٌ، وَلَوْ شَكَّ أَهُوَ جَاهِلِيٌّ أَمْ لَا لِالْتِبَاسِ الْأَمَارَاتِ أَوْ لِعَدَمِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ.
وَقَالَ ك: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْصِيصُهُ بِالنَّقْدَيْنِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ: (الْخُمُسُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:«وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . عَامٌّ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وَاجِدِهِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ وَلَوْ وُجِدَ بِنَفَقَةٍ كَثِيرَةٍ أَوْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ مُطْلَقًا وَقَرَّرَهُ ع بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ وَجَدَهُ فِي الْفَيَافِيِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لَهُ اتِّفَاقًا.
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَعْدِنِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يُقَالُ لَهُ رِكَازٌ لُغَةً. [قَوْلُهُ: دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ] الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ اصْطِلَاحُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ أَهْلُ الْفَتْرَةِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ جَاهِلِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ مَالٌ جَاهِلِيٌّ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَدْفُونَ وَغَيْرَهُ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. [قَوْلُهُ: كَالذِّبْحِ فِي قَوْلِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الذِّبْحَ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ فِي الْآيَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُفْتَحَ دَالُهُ] إنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى احْتِمَالٍ يُشْعِرُ بِقُوَّةِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْكَسْرُ لِأَشْهَرِيَّتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالزَّرْكَشِيُّ: وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا اهـ.
[قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِي] أَوْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَدَنِيًّا [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْغَالِبَ إلَخْ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمَدْفُونِ لَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّكِّ رِكَازٌ [قَوْلُهُ: لِالْتِبَاسِ الْإِمَارَاتِ] عِلَّةٌ لِلشَّكِّ وَيَدْخُلُ فِي الِالْتِبَاسِ صُورَتَانِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ وَانْطَمَسَتْ أَوْ عَلَيْهِ الْعَلَامَاتُ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَالِبَ إلَخْ] عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الشَّكِّ رِكَازًا [قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِهِمْ] أَيْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ إلَخْ] بَلْ رَجَعَ إلَى عَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِالنَّقْدَيْنِ، وَنَصَّ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً فِيهِ الْخُمُسُ ثُمَّ قَالَ: لَا خُمُسَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِهِ أَقُولُ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ لَا خُمُسَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ نِصَابًا، وَقَدْ وَجَّهَ الشَّارِحُ الْمَشْهُورَ وَوَجْهُ الْمُقَابِلِ أَنَّهُ عَيْنٌ فَوَجْهُ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ بِنَفَقَةٍ كَثِيرَةٍ] أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ عَمَلٍ] . أَيْ كَثِيرٍ أَيْ بِأَنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ وَعَبِيدِهِ، فَإِنْ قُلْت النَّقْلُ يُفِيدُ أَنَّ مَا طُلِبَ بِنَفَقَةٍ وَلَوْ قُلْت فِيهِ الزَّكَاةُ وَالشَّارِحُ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ شَأْنَ النَّفَقَةِ الَّتِي تُصْرَفُ فِي تَحْصِيلِ الرِّكَازِ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ] إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ إنْ وَجَدَهُ فِي الْفَيَافِيِ] أَيْ مَوَاتِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ: الرِّكَازُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا وُجِدَ مِنْهُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَفَيَافِيِ الْأَرْضِ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الصُّلْحِ فَهُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ وَلَا يُخَمَّسُ، وَمَا
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: يُعْطَى الْخُمُسُ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ يَصْرِفُهُ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ تَصَدَّقَ وَاجِدُهُ بِهِ.
الثَّانِي: مَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ دِفْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِعَلَامَةٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرَّفُ كُلَّ سَنَةٍ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ، وَمَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ أَوْ أَمَارَةُ الْكُفْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الدِّفْنَ وَالْكَنْزَ مِنْ شَأْنِهِمْ.
الثَّالِثُ: مَا لَفَظَهُ أَيْ طَرَحَهُ الْبَحْرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى شَاطِئِهِ كَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَسَائِرِ الْحِلْيَةِ الَّتِي يُلْقِيهَا فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا يُخَمَّسُ. ك: إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكُ مَعْصُومٍ فَقَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ مَا تَرَكَ بِمَضْيَعَةٍ عَجْزًا عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
وُجِدَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِجَمِيعِ. الْجَيْشِ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهُوَ لِجَمِيعِ مَنْ افْتَتَحَهَا. زَادَ الْبَاجِيُّ وَجْهًا خَامِسًا وَهُوَ إذَا كَانَ بِأَرْضٍ مَجْهُولَةٍ قَالَ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ الْخُمُسُ اهـ.
فَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لَهُ أَيْ وَلَوْ جَيْشًا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَالِكُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ جَيْشًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَهُوَ مَالٌ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ فَمَوْضِعُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الصُّلْحِ إلَخْ أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ دَفَنُوهُ أَوْ دَفَنَهُ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدُ الْمُصَالِحِينَ فِي دَارِهِ فَهُوَ لَهُ بِمُفْرَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُمْ لَا لَهُ [قَوْلُهُ: يَصْرِفُهُ فِي مَحَلِّهِ] الْمُرَادُ يَضَعُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِ النَّبِيِّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ يَصْرِفُهُ لِلْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَقُضَاةِ الدُّيُونِ وَتَزْوِيجِ الْأَعْزَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: تَصَدَّقَ وَاجِدُهُ بِهِ] قَضِيَّةُ كَوْنِ مَصْرِفِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ وَاجِدَهُ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لَا خُصُوصِ التَّصَدُّقِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ إلَخْ] لَوْ قَالَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِعَلَامَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الْمَدْفُونَ وَغَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: يُعَرَّفُ سَنَةً] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ دِفْنِ الْمُسْلِمِينَ وَدِفْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ هَذِهِ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ مَا فَوْقَهُ التَّافِهُ، وَدُونَ الْكَثِيرِ كَالدَّلْوِ وَالدُّرَيْهِمَاتِ وَالدِّينَارِ يُعَرَّفُ أَيَّامًا هِيَ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا وَلَا يُعَرَّفُ سَنَةً، وَأَمَّا التَّافِهُ وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ لَا يُعَرَّفُ أَصْلًا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ التَّعْرِيفِ مَا لَمْ يَتَقَادَمْ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَهْلَهَا انْقَرَضُوا وَإِلَّا فَيَكُونُ مِنْ الْمَالِ الْمَجْهُولِ رَبُّهُ وَلَا يُعَرَّفُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَمَارَةُ الْكُفْرِ] أَيْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْكُفَّارِ] أَيْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْكَنْزَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: لَفَظَهُ] بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ طَرَحَهُ إلَخْ] أَيْ مِنْ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ كَحَرْبِيٍّ فَلَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ كَالصَّيْدِ يَمْلِكُهُ الْمُبَادِرُ لَهُ لَا الرَّائِي لَهُ، وَالْعَنْبَرُ رَوْثُ دَوَابِّ الْبَحْرِ أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكُ مَعْصُومٍ] أَيْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْصُومِ. وَخَرَجَ بِهِ الْحَرْبِيُّ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ طَرَحَ مَتَاعَهُ خَوْفَ غَرَقِهِ أَخَذَهُ مِمَّنْ غَاصَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ يَغْرَمُ أَجْرَهُمَا، وَقِيلَ: لَا وَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَالظَّاهِرُ تَخْمِيسُهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَا تُرِكَ بِمَضْيَعَةٍ] أَيْ الْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا أَخَذَهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَعَاشَتْ وَعَلَى رَبِّهَا دَفْعُ كُلْفَةِ الَّذِي أَخَذَهَا كَأُجْرَةِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا إنْ قَامَ عَلَيْهَا لِرَبِّهَا، وَقِيلَ لَا. ابْنُ رُشْدٍ مُقَيِّدًا لِلْأَوَّلِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَخَذَهُ حِفْظًا لِرَبِّهِ أَوْ تَمَلُّكًا بِظَنِّهِ تَرْكَهُ رَبُّهُ وَلَوْ أَخَذَهُ اغْتِيَالًا فَلَا حِلَّ لَهُ، وَعِبَارَةُ بَهْرَامَ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَقِيلَ هُوَ لِمَالِكِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْهُ اخْتِيَارًا، وَقِيلَ لِوَاجِدِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ، وَالْخِلَافُ كَذَلِكَ فِيمَا تَرَكَهُ رَبُّهُ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ عَاجِزًا عَنْهُ فِي مَحَلِّ مَضْيَعَةٍ اهـ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا صِحَّةَ
اخْتِيَارِهِ كَعَطَبِ الْبَحْرِ أَوْ السَّلَبِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَئُونَتِهِ.
ــ
[حاشية العدوي]
لَهُ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَعَطَبِ الْبَحْرِ] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَيُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لِرَبِّهِ لَا لِوَاجِدِهِ كَمَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: أَوْ السَّلَبِ] مَا سَلَبَهُ إنْسَانٌ مِنْهُ فَهُوَ لِرَبِّهِ وَلَيْسَ مَحَلَّ خِلَافٍ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَئُونَتِهِ] لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي عَطَبِ الْبَحْرِ لَا فِيمَا سَلَبَهُ إنْسَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ.