المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب صفة الوضوء والاستنجاء والاستجمار] - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ١

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

- ‌ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ

- ‌[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

- ‌[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]

- ‌ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ

- ‌[بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ]

- ‌ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

- ‌بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[كِتَاب الصَّلَاة] [

- ‌[بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[سُجُود السَّهْو]

- ‌ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا

- ‌[فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ]

- ‌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)

- ‌ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ

- ‌صَلَاةُ الْمَرِيضِ)

- ‌[طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة]

- ‌ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة]

- ‌ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ]

- ‌ بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌ بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ]

- ‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

- ‌ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]

- ‌ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ

- ‌ مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا

- ‌[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَاب فِي الزَّكَاة] [

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْحَجِّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله]

- ‌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ

- ‌ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ

- ‌ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا]

- ‌[الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم]

- ‌[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

- ‌ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ

- ‌[أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار]

- ‌[أَحْكَام الصَّيْدِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[أَحْكَام الْخِتَان]

الفصل: ‌[باب صفة الوضوء والاستنجاء والاستجمار]

بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ (بَابٌ) أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ (صِفَةِ الْوُضُوءِ وَ) فِي بَيَانِ (مَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَ) فِي بَيَانِ (ذِكْرِ) حُكْمِ (الِاسْتِنْجَاءِ) وَهُوَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت بِمَعْنَى قَطَعْت فَكَأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ وَفِي بَيَانِ صِفَتِهِ (وَ) فِي بَيَانِ ذِكْرِ صِفَةِ (الِاسْتِجْمَارِ) وَأَنَّهُ مُجْزٍ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ فِي إزَالَةِ مَا عَلَى الْمَحَلِّ مِنْ الْأَذَى، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ:(وَلَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ بِهِ الْوُضُوءُ) وَلَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ يَجُوزُ تَفْرِقَتُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (لَا) يُعَدُّ (فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَلَا

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ قَدَّمَ صِفَةَ الْوُضُوءِ عَلَى صِفَةِ الْغُسْلِ لِتَكَرُّرِهِ وَتَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] إلَخْ [قَوْلُهُ: وَمَسْنُونِهِ] تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَفْرُوضِ، ذِكْرًا لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ، وَأَيْضًا الْمُتَوَضِّئُ إنَّمَا يَبْدَأُ بِالسُّنَنِ، وَأَرَادَ بِالْمَسْنُونِ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا، غَيْرَ جَازِمٍ لِيَتَنَاوَلَ الْمَنْدُوبَ فَإِنَّهُ بَيَّنَ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ، وَفِي إقْحَامِ بَيَانٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَسْنُونَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِفَةِ الْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ] أَيْ مَذْكُورٍ هُوَ حُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ فِعْلُ الْفَاعِلِ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ بَيَانَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ حُكْمًا وَصِفَةً فَيَجْعَلُ كَلِمَةَ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ، لَا أَنَّهُ يَقْصِرُهَا عَلَى الْحُكْمِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ وَفِي بَيَانِ صِفَةٍ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذِكْرٍ وَيَقُولُ وَالِاسْتِنْجَاءُ عَطْفًا عَلَى صِفَةٍ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَهُ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا صِفَتَهُ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ مُدَّةً بِحَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ الْمَحَلَّ خَلَا مِنْ الْقَذَرِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْغَسْلِ الْمَأْخُوذِ فِي مَفْهُومِهِ الدَّلْكُ، وَمُقْتَضَى جَرَيَانِهِ عَلَى بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ يَكْفِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ.

[قَوْلُهُ فَكَأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِكَأَنَّ نَظَرًا لِقَوْلِهِ يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ هُنَا، إنَّمَا هُوَ إزَالَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نَحْوِ اللَّحْمِ، أَوْ أَنَّ كَأَنَّ لِلتَّحْقِيقِ وَأَرَادَ يَقْطَعُ بِمَعْنَى يُزِيلُ.

[قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ] أَيْ مَذْكُورٍ هُوَ صِفَةُ الِاسْتِجْمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ الْآتِي، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفِي ذِكْرِ الِاسْتِجْمَارِ حُكْمًا وَصِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ] الْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالْأَحْجَارِ الصِّغَارِ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ تت بِقَوْلِهِ إزَالَةُ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْجَارِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ بِالصِّغَارِ.

[قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَدْخُلُ الِاسْتِجْمَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ الْآتِي، لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ إلَخْ] لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ وَمِنْ خُرُوجِ حَدَثٍ، [قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَفْرِقَتِهِ فِي الْمَكَانِ تَفْرِقَتُهُ فِي الزَّمَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْرِقَتِهِ فِي الزَّمَانِ تَفْرِقَتُهُ فِي الْمَكَانِ.

[قَوْلُهُ: لَا يُعَدُّ إلَخْ] هَذَا كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ إلَخْ، [قَوْلُهُ: وَلَا

ص: 172

فِي فَرَائِضِهِ) وَلَا فِي مُسْتَحَبَّاتِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إنْقَاءُ الْمَحَلِّ خَاصَّةً.

(وَهُوَ) كَمَا قَالَ (مِنْ بَابِ) أَيْ طَرِيقِ (إيجَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ (أَوْ بِالِاسْتِجْمَارِ لِئَلَّا يُصَلِّيَ بِهَا) أَيْ بِالنَّجَاسَةِ وَهِيَ (فِي جَسَدِهِ وَ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ (يُجْزِئُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ) الِاسْتِجْمَارُ وَ (غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الْمُتَنَجِّسِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: (وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ) الْكَامِلَةُ (أَنْ يَبْدَأَ بَعْدَ غَسْلِ) يَعْنِي بَلِّ (يَدِهِ) الْيُسْرَى.

وَفِي نُسْخَةٍ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَالثَّانِيَةُ مُشْكِلَةٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي بَلِّ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِبَلِّ الْيُسْرَى لِئَلَّا يُلَاقِيَ بِهَا النَّجَاسَةَ، وَهِيَ جَافَّةٌ فَتَبْقَى عَلَيْهَا رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ (فَيَغْسِلُ مَخْرَجَ الْبَوْلِ) قَبْلَ مَخْرَجِ الْغَائِطِ عَلَى جِهَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

فِي مُسْتَحَبَّاتِهِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إلَخْ] أَيْ إنَّمَا حُكْمُهُ مِنْ أَفْرَادِ بَابِ إيجَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَإِضَافَةُ بَابِ الْمُفَسَّرِ بِطَرِيقٍ لِلْبَيَانِ، أَيْ طَرِيقٍ هُوَ إيجَابٌ، أَيْ وُجُوبٌ إلَخْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْإِيجَابَ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَبَ الْأَكِيدَ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ، أَيْ وَحَيْثُ كَانَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ وَهِيَ النَّظَافَةُ [قَوْلُهُ: أَيْ الِاسْتِنْجَاءِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ وَحَكَاهُ تت بِقَوْلِهِ وَقِيلَ: يُطْلَقُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ أَيْضًا، وَصَدَّرَ بِمَا أَفَادَ الْمُبَايَنَةَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ، وَالِاسْتِجْمَارُ إزَالَةُ مَا عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَذَى بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ يُؤْذِنُ بِضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَارِحُنَا.

[قَوْلُهُ: أَوْ بِالِاسْتِجْمَارِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِي عَطْفِهِ عَلَى بِالْمَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ آلَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَالِاسْتِجْمَارُ الْمَعْطُوفُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الِاسْتِنْجَاءِ لَا آلَةٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُصَلِّيَ إلَخْ] عِلَّةٌ لِهَذَا الْمَحْذُوفِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ طَرِيقِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَا يَصِحُّ بِالْأَحْجَارِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

[قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَدُلُّ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَيُجْزِئُ إلَخْ الِاسْتِدْلَالَ، إنَّمَا قَصْدُهُ بَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ الْإِجْزَاءُ لِلْمُبْتَدِئِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِعْلُهُ] يُوهِمُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُهُ بِنِيَّةٍ.

قَالَ عج وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ النِّيَّةُ [قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الثَّوْبِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ بِصَدَدِ بَيَانِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ فَلَا تُطْلَبُ فِيهِ النِّيَّةُ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ مَعْلُومٌ وَالْمَجْهُولُ حَالُ الِاسْتِنْجَاءِ، فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْكُرَ فِي سَلْكِ الِاسْتِنْجَاءِ غَسْلَ الثَّوْبِ لِمَا قَرَرْنَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حِلِّهِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ الْحُكْمِ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْجِيمِ إلَخْ] وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَنْبِيهِ الطَّالِبِ فِي ضَبْطِ لُغَاتِ ابْنِ الْحَاجِبِ: النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِهَا الْمُتَنَجِّسُ.

[قَوْلُهُ: الْكَامِلَةُ] دَفَعَ بِهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي بَلَّ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ الَّذِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّلْكِ، بَلْ يَكْفِي الْبَلُّ، وَلَوْ بِغَيْرِ مُطْلَقٍ حَيْثُ لَمْ يُزَلْ مَا عَلَى الْمَحَلِّ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ مَا يُلَاقِي بِهِ الْأَذَى، وَهُوَ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.

[قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ مُشْكِلَةٌ] أُجِيبُ بِمَا فِيهِ بَعْدُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ بِالْيُمْنَى نَجَاسَةٌ [قَوْلُهُ: فَتَبْقَى عَلَيْهَا رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ] فِيهِ إشَارَةٌ تُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهُوَ نَدْبُ الْبَلِّ أَنَّهُ لَا

ص: 173

الِاسْتِحْبَابِ لِئَلَّا تَتَنَجَّسَ يَدُهُ إذَا مَسَّ مَخْرَجَ الْغَائِطِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ أَنَّهُ مَتَى مَسَّ مَخْرَجَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ أَدْرَكَهُ مِنْ ذَلِكَ قِطَارُ الْبَوْلِ فَلَا فَائِدَةَ إذًا فِي تَعْجِيلِ غَسْلِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ بِالسَّلْتِ وَالنَّتْرِ الْخَفِيفَيْنِ، وَصِفَةُ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ، وَيَجْذِبَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى الْحَشَفَةِ جَذْبًا رَفِيقًا، وَيَضَعَ رَأْسَ ذَكَرِهِ عَلَى أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ مَخْرَجِ الْبَوْلِ (يَمْسَحُ مَا فِي) أَيْ مَا عَلَى (الْمَخْرَجِ) وَهُوَ الدُّبُرُ (مِنْ الْأَذَى) إمَّا (بِمَدَرٍ) وَهُوَ الطُّوبُ وَقِيلَ الطِّينُ الْيَابِسُ (أَوْ بِغَيْرِهِ) مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الِاسْتِجْمَارُ مِمَّا سَيَأْتِي (أَوْ) بِأُصْبُعِ (يَدِهِ) الْيُسْرَى إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ يَدِهِ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْمَسْحِ تَقْلِيلُ الْمَاءِ وَلِيَأْتِيَ بِسُنَّةِ الِاسْتِجْمَارِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ

(ثُمَّ) بَعْدَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ (يَحُكُّهَا) أَيْ يَدَهُ الْيُسْرَى (بِالْأَرْضِ) لِيُزِيلَ عَنْهَا عَيْنَ النَّجَاسَةِ (وَيَغْسِلُهَا) مَعَ الْحَكِّ لِيُزِيلَ عَنْهَا أَثَرَ

ــ

[حاشية العدوي]

يَجِبُ زَوَالُ الرَّائِحَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يُنْدَبُ [قَوْلُهُ: فَيَغْسِلُ إلَخْ] تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ يَبْدَأُ إلَخْ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ بِغَسْلِ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِنِيَّةٍ، أَوْ كَذَلِكَ يُنْدَبُ تَقْدِيمُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ فِي الِاسْتِجْمَارِ [قَوْلُهُ: قِطَارُ] بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ تَتَابُعُ الْبَوْلِ [قَوْلُهُ: بِالسَّلْتِ] أَيْ مَعَ السَّلْتِ إلَخْ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مَعَ السَّلْتِ.

[قَوْلُهُ: وَالنَّتْرِ] بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ [قَوْلُهُ: الْخَفِيفَيْنِ] قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: لِأَنَّ قُوَّةَ السَّلْتِ وَالنَّتْرِ تُوجِبُ اسْتِرْخَاءَ الْعُرُوقِ بِمَا فِيهَا، فَلَا تَنْقَطِعُ الْمَادَّةُ وَيَضُرُّ بِالْمَثَانَةِ، وَرُبَّمَا أَبْطَلَ الْإِنْعَاظَ أَوْ أَضْعَفَهُ، وَهُوَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَوَصْفُ النَّتْرِ بِالْخِفَّةِ وَصْفٌ كَاشِفٌ؛ لِأَنَّ النَّتْرَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ جَذْبُهُ بِخِفَّةٍ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الِاسْتِبْرَاءِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلسَّلْتِ الْخَفِيفِ الْمُصَاحِبِ لِلِاسْتِبْرَاءِ.

[قَوْلُهُ: وَيَضَعُ رَأْسَ ذَكَرِهِ إلَخْ] لَيْسَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ صِفَةِ السَّلْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِجْمَارٌ فَيَكُونُ مُفِيدًا إلَى أَنَّهُ كَمَا يُطْلَبُ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْغَائِطِ يُطْلَبُ فِي الْبَوْلِ، لَكِنْ فِيهِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُصْبُعِ.

[قَوْلُهُ: أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى أَوْ الْبِنْصِرُ قَوْلَانِ، [قَوْلُهُ: أَيْ مَا عَلَى إلَخْ] فَفِي بِمَعْنَى عَلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ يَمْسَحُ مَا فِي فَمِ الْمَخْرَجِ، وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ دَفْعُ مَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يُدْخِلَ أُصْبُعَهُ، وَيُخْرِجَ الْأَذَى الدَّاخِلَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الطُّوبُ] الطُّوبُ الْآجُرُّ الْوَاحِدَةُ طُوبَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِأُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى] قِيلَ هِيَ الْوُسْطَى وَقِيلَ الْبِنْصِرُ قَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ وَلَا يَسْتَجْمِرُ بِسَبَّابَتِهِ، وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ بِهَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، فَخَالَفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِظْهَارِ الزَّرْقَانِيِّ.

[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ يَدِهِ] يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِجْمَارُ بِهَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا إنْ قَصَدَ اتِّبَاعَهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا فَوَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا جَازَ إنْ تَبِعَهَا اسْتِنْجَاءٌ بِالْمَاءِ، وَكُرِهَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَهُ عج: وَأَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا شَارِحُنَا لِلْمَسْحِ تُفِيدُ النَّدْبَ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا لَا الْجَوَازَ كَمَا قَالَ عج وَتُفِيدُ عَدَمَ التَّقَيُّدِ بِقَوْلِهِ، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُ عج بَعْدَ قَوْلِهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْمَسْحِ بِهَا سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِجْمَارٌ يَعْقُبُهُ اسْتِنْجَاءٌ ثُمَّ ذَكَرَ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ إنَّ الزَّرْقَانِيَّ نَظَرَ فِي كَلَامِ عج بِقَوْلِهِ: وَانْظُرْ لِمَ جَازَ بِهَا حَالَةَ وُجُودِ مَا يَسْتَجْمِرُ بِهِ غَيْرَهَا، وَأَرَادَ اتِّبَاعَهَا بِالْمَاءِ مَعَ كَوْنِهِ تَلَطُّخًا بِالنَّجَاسَةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَأَوْ فِي كَلَامِهِ] أَيْ أَوْ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ لِلتَّخَيُّرِ.

[قَوْلُهُ: وَلِيَأْتِيَ بِسُنَّةٍ] الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَمُفَادُ الْمَتْنِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ إنَّمَا يُطْلَبُ فِي الدُّبُرِ لَا فِي الْقُبُلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْلَبُ أَيْضًا فِي قُبُلِ الرَّجُلِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ كَمَا قَرَّرْنَا.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ] أَيْ الْمَسْحِ بِالْيَدِ، [قَوْلُهُ: لِيُزِيلَ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحُكُّ يَدَهُ أَوَّلًا لِيُزِيلَ الْعَيْنَ ثُمَّ يَغْسِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْحُكْمِ، فَقَوْلُ

ص: 174

النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَحُكَّ يَدَهُ وَيَغْسِلَهَا (يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ هُوَ الْأَفْضَلُ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ.

(وَ) عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (يُوَاصِلُ) أَيْ يُوَالِي (صَبَّهُ) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْإِزَالَةِ وَأَقْرَبُ لَهَا، (وَيَسْتَرْخِي) مَعَ ذَلِكَ (قَلِيلًا) ؛ لِأَنَّ الْمَخْرَجَ فِيهِ طَيَّاتٌ، فَإِذَا قَابَلَهُ الْمَاءُ انْكَمَشَ فَإِذَا اسْتَرْخَى تَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِهِ (وَيُجِيدُ عَرْكَ ذَلِكَ) الْمَخْرَجِ (بِيَدِهِ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ (حَتَّى يَتَنَظَّفَ) مِنْ الْأَذَى، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَنَابَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، وَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ وَيَسْتَرْخِي إيهَامٌ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَنْجِي لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا (غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ) صَوَابُهُ مِنْ الْمَخْرَجِ

ــ

[حاشية العدوي]

الشَّارِحِ مَعَ الْحَكِّ لَيْسَ الْمُرَادُ مُصَاحَبَةَ الْغَسْلِ لِلْحَكِّ فِي الزَّمَانِ، بَلْ الْمُرَادُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الْوُجُودِ فَلَا يُنَافِي أَنْ يَحُكَّ أَوَّلًا، ثُمَّ يَغْسِلَ أَيْ بِدُونِ حَكٍّ، وَيُحْتَمَلُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحُكُّهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَغْسِلُهَا مَعَ حَكٍّ آخَرَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ الْحَكِّ أَيْ جِنْسِ الْحَكِّ الْمُتَحَقَّقِ فِي فَرْدٍ آخَرَ.

[قَوْلُهُ: لِيُزِيلَ عَنْهَا أَثَرَ النَّجَاسَةِ] أَيْ الْحُكْمَ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْغَسْلِ، وَفَائِدَةُ الْحَكِّ ثَانِيًا عَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي زَوَالُ الرَّائِحَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَكِّ الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُزِيلُ الرَّائِحَةَ، وَفِي كِلَا التَّقْرِيرَيْنِ إشْكَالٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَكِّ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ الِاسْتِنْجَاءَ بَعْدُ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْغَسْلِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْغَسْلَ مَعَ الْحَكِّ يُغْنِي عَنْ الْحَكِّ أَوَّلًا وَحْدَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ جَوَابًا عَنْ الثَّانِي الْحَكُّ أَوَّلًا لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ وَأَمَّا الْغَسْلُ مَعَ الْحَكِّ الثَّانِي فَهُوَ لِزَوَالِ الْحُكْمِ وَالرَّائِحَةِ، وَقَدْ حَلَّ تت الْمُصَنِّفُ بِحَلٍّ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَنَصُّهُ، وَيَغْسِلُهَا بِمَا يُزِيلُ بِهِ الرَّائِحَةَ كَالصَّابُونِ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُزَلْ الرَّائِحَةُ إلَخْ] فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ذُكِرَ فَلَا بُطْلَانَ فَزَوَالُهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ] الْمُرَادُ لَا يُلَامُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الرَّائِحَةِ مَنْدُوبٌ، [قَوْلُهُ: يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ] وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَسْلِهَا بِكَتُرَابٍ إذْ غَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ إذَا اسْتَجْمَرَ بِهَا ابْتِدَاءً، ثُمَّ اسْتَنْجَى أَوْ اسْتَنْجَى بِدُونِ الِاسْتِجْمَارِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ بَلِّهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا اسْتَجْمَرَ ابْتِدَاءً بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ اسْتَنْجَى فَلَا يُطْلَبُ بِذَلِكَ وَكَهَذِهِ الصُّورَةِ، [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ ذَلِكَ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَرِّرْ.

[قَوْلُهُ: يُوَاصِلُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَيَسْتَرْخِي إلَخْ] أَيْ نَدْبًا أَيْ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَكَذَا حَالَ الِاسْتِجْمَارِ، وَلَكِنْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ رُبَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ حُلُولُو فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَذَا قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: تَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِهِ] أَيْ أَوْ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، [قَوْلُهُ: وَيُجِيدُ إلَخْ] الظَّاهِرُ نَدْبًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِرْخَاءِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَنَظَّفَ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَذْهَبَ النُّعُومَةُ وَتَظْهَرَ الْخُشُونَةُ وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ، [قَوْلُهُ: لِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَرٍ] أَيْ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لَا الْيُسْرَى فَقَطْ كَذَا قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] أَيْ كَسِمَنٍ [قَوْلُهُ: اسْتَنَابَ إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا أَوْ سُنَّةً عَلَى الْخِلَافِ، لَكِنَّ الزَّوْجَةَ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهَا فَقَطْ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَتَضَرَّرَ، وَيَلْزَمُهُ شِرَاءُ أَمَةٍ لِذَلِكَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا عَجَزَتْ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِنَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تُمَكِّنَ زَوْجَهَا إنْ طَاعَ وَيُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَ غَيْرَهُ وَلَوْ أَمَتَهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَوْرَةَ الْحُرَّةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَمَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

[قَوْلُهُ: سُرِّيَّةٍ] بِضَمِّ السِّينِ [قَوْلُهُ: إيهَامُ] أَيْ إيهَامُ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ [قَوْلُهُ: لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا] أَيْ بَلْ حَرَامٌ فَقَدْ قَالَ عج وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ إدْخَالَ الْأُصْبُعِ فِي أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَرَامٌ اهـ.

وَلَا يُقَالُ إنَّ الْحُقْنَةَ مَكْرُوهَةٌ فَمَا الْفَرْقُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُقْنَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُفْعَلَ لِلتَّدَاوِي، كَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ مِنْ الْمَخْرَجِ] أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ بِالْمَخْرَجَيْنِ الدُّبُرُ، وَقُبُلُ الْمَرْأَةِ فَالْمُصَوِّبُ لَاحَظَ الْعُمُومَ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ فَتُنْهَى الْمَرْأَةُ

ص: 175

بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ دَاخِلِهِ، وَانْظُرْ هَلْ الطَّلَبُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ) لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِلْمَنْعِ، بَعْضُ شُيُوخِ شَيْخِنَا لَمْ أَقِفْ لَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ فَلَيْسَ مُتَّبِعًا لِسُنَّتِنَا.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ، وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَا اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ فَقَالَ:(وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَخْرُجُ آخِرُهُنَّ نَقِيًّا) وَفِي نُسْخَةٍ نَقِيَّةً (أَجْزَأَهُ) بِهَمْزَةٍ أَيْ كَفَاهُ ذَلِكَ، أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ يُجْزِئُ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُؤْذٍ لَيْسَ مَطْعُومًا قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنْ تُدْخِلَ إصْبَعَهَا فِي قُبُلِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، إذْ هُوَ كَالْمُسَاحَقَةِ بَلْ الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ دُبُرَهَا كَالرَّجُلِ وَتَغْسِلُ مَا يَظْهَرُ مِنْ قُبُلِهَا حَالَ جُلُوسِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَغَسْلِ اللَّوْحِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا غَسَلَتْ مَا دُونَ الْعُذْرَةِ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَالْعُذْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ بَكَارَتُهَا.

[قَوْلُهُ: هَلْ الطَّلَبُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ النَّهْيُ.

[قَوْلُهُ: لِلْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ] الَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا] هُوَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ فَإِنَّهُ شَيْخُهُ وَشَيْخُ تت.

تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِطَهَارَةِ الرِّيحِ، [قَوْلُهُ: عَيْنِ الْحُكْمِ] أَيْ هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْحُرْمَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي النَّهْيِ الْمُحْتَمَلِ لَهُمَا [قَوْلُهُ: أَيْ لَيْسَ مُتَّبِعًا إلَخْ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنَّا أَنَّهُ كَافِرٌ خَرَجَ عَنْ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَافِرًا

[قَوْلُهُ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إلَخْ] فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّذْكِيرِ وَآخِرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى التَّأْنِيثِ، الثَّانِي أَنَّ فِيهِ جَمْعَ مَا لَا يَعْقِلُ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ، بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنَّثَ آخِرَهُنَّ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ الْأَحْجَارِ بِالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتَأَمَّلْهُ.

[قَوْلُهُ: نَقِيًّا إلَخْ] رَاعَى لَفْظَ آخِرُ؛ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ إلَخْ] وَجْهُهَا أَنَّ لَفْظَ آخِرُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ بِإِضَافَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْجَمَاعَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ: بِهَمْزَةٍ] أَيْ وَأَمَّا جَزَى عَنْهُ بِلَا هَمْزَةٍ فَمَعْنَاهُ قُضِيَ عَنْهُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48][قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ] وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ الْمَذْهَبِ، [قَوْلُهُ: بِكُلِّ جَامِدٍ] أَيْ لَا مُبْتَلَّ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ وَأَحْرَى الْمَائِعُ فَإِذَا اسْتَجْمَرَ بِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْمَحَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، وَإِنْ صَلَّى عَامِدًا قَبْلَ غَسْلِهِ أَعَادَ أَبَدًا.

[قَوْلُهُ: طَاهِرٍ] احْتِرَازًا مِنْ النَّجِسِ وَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْمُبْتَلِّ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا يُقَالُ فِي النَّجِسِ، [قَوْلُهُ: غَيْرِ مُؤْذٍ] احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَدَّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، حَيْثُ حَصَلَتْ لَهُ مِنْهُ أَذِيَّةٌ شَدِيدَةٌ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مَطْعُونًا] فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ جَمْعُ عُقَارٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَغَيْرِ الْخَالِصِ مِنْ النُّخَالَةِ وَالْمِلْحِ وَالْوَرَقِ الْمُنَشِّي.

[قَوْلُهُ: قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ] احْتِرَازًا مِنْ الْأَمْلَسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ الْأَثَرَ بَلْ تَبْقَى مَعَهُ النَّجَاسَةُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

[قَوْلُهُ: لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ] أَيْ لَا مَكْتُوبٍ وَلَوْ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا جِدَارِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرٍ، وَأَمَّا جِدَارُهُ فَظَاهِرُ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ بَلَلٌ فَيَلْتَصِقُ هُوَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ فَيُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ، وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ مِنْ دَاخِلٍ، وَيُحَرَّمُ مِنْ خَارِجٍ، وَيُكْرَهُ الِاسْتِجْمَارُ بِرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَفُ دَوَابِّ الْجِنِّ، وَالثَّانِيَ طَعَامُهُمْ أَيْ يُكْسَى لَحْمًا أَعْظَمَ مَا كَانَ، فَفِي الْحَدِيثِ يَصِيرُ الْعَظْمُ كَأَوْفَرِ مَا كَانَ لَحْمًا، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَرُدَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالشَّمِّ، وَمِنْهُمْ

ص: 176

وَلَا شَرَفٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَجْمَرَ بِدُونِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ وَلَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ، وَصِفَةُ الِاسْتِجْمَارِ بِالثَّلَاثَةِ فِي مَحَلِّ الْغَائِطِ أَنْ يَمْسَحَ بِالْأَوَّلِ الْجِهَةَ الْوَاحِدَةَ، وَبِالثَّانِي الْجِهَةَ الثَّانِيَةَ، وَبِالثَّالِثِ جَمِيعَ الْمَخْرَجِ، وَصِفَتُهُ فِي مَحَلِّ الْبَوْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَهَكَذَا حَتَّى يَجِفَّ ذَكَرُهُ، وَلَمَّا أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْأَحْجَارَ تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مُسَاوَاةُ ذَلِكَ لِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَحْدَهُ فِي الْفَضْلِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ:(وَالْمَاءُ أَطْهَرُ) لِلْمَحَلِّ إذْ لَا يُبْقِي عَيْنًا وَلَا أَثَرًا (وَأَطْيَبُ) لِلنَّفْسِ إذْ يُذْهِبُ الشَّكَّ (وَأَحَبُّ إلَى الْعُلَمَاءِ) كَافَّةً إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ فِعْلِ النِّسَاءِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

مَنْ قَالَ هُمَا طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ تَشُمُّ وَطَائِفَةٌ تَأْكُلُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ اللَّقَانِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَلَا شَرَفٍ] أَيْ لَا ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ لَكَفَاهُ، وَهَذَا الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْقُيُودُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْأَرْضِ كَحَجَرٍ وَكِبْرِيتٍ وَطِينٍ يَابِسٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا كَخَشَبٍ وَقُطْنٍ وَنُخَالَةٍ خَالِصَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمُخْرَجَاتِ إلَّا الرَّوْثَ وَالْعَظْمَ الطَّاهِرَيْنِ وَجِدَارَ نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ، وَمَحَلُّ النَّهْيِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ بِهِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ أَنْ يَتَّبِعَهَا بِالْمَاءِ فَيَجُوزُ إلَّا الْمُحْتَرَمَ مِنْ مَطْعُومٍ وَذِي شَرَفٍ مِنْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَمَكْتُوبٍ وَجِدَارِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ وَمُؤْذٍ أَذِيَّةً شَدِيدَةً كَنَجَسٍ كَمَا يُفِيدُهُ عج عَلَى خَلِيلٍ.

[قَوْلُهُ: بِدُونِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ إلَخْ] أَيْ تَبَعًا لِابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ دُونَ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ وَلَوْ أَنْقَى.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَصَلَ إلَخْ] لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ آخَرَ وَحَاصِلُهُ، أَنَّهُ يُنْدَبُ الْوَتْرُ إنْ أَنْقَى الشَّفْعُ، وَإِلَّا وَجَبَ الْوَتْرُ ثُمَّ النَّدْبُ يَنْتَهِي لِسَبْعٍ، فَإِذَا أَنْقَى بِثَمَانٍ لَمْ يُطْلَبْ بِتَاسِعٍ، وَهَكَذَا الْوَاحِدُ إنْ أَنْقَى فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَمْسَحَ الْأَوَّلَ الْجِهَةَ الْوَاحِدَةَ] أَيْ الْيُمْنَى كَمَا قَالَ السَّنْهُورِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ الْمَحَلِّ بِكُلِّ حَجَرٍ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْتَرَ، وَرُبَّمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَخْرُجُ آخِرُهُنَّ نَقِيًّا وَارْتَضَاهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَرْتَضِيهِ، وَقِيلَ لِكُلِّ صَفْحَةٍ حَجَرٌ وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ.

[قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الذَّكَرِ كَائِنًا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، [قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ أَطْهَرُ] أَيْ أَشَدُّ تَطْهِيرًا لِلْمَحَلِّ مِنْ تَطْهِيرِ الْحَجَرِ لَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي أَطْيَبَ مَأْخُوذَانِ مِنْ طَهَّرَ وَطَيَّبَ الْمُضَاعَفَيْنِ بَعْدَ حَذْفِ الزَّوَائِدِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ ثَانِي الْمُضَعَّفَيْنِ فَلَا يُرَدُّ مَا يُقَالُ أَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ طَهُرَ وَطَابَ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُبْنَى إلَّا مِنْ الثُّلَاثِيِّ، وَذَلِكَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَشَدُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَجَرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا.

[قَوْلُهُ: إذْ لَا يَبْقَى إلَخْ] أَيْ وَالْحَجَرُ إنَّمَا يُزِيلُ الْعَيْنَ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَأَطْيَبُ] عَطْفٌ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ، وَقَوْلُهُ أَيْ يُذْهِبُ الشَّكَّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَطْيَبُ وَفِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةٌ لَهُ أَيْ إنَّمَا كَانَ أَطْيَبَ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الشَّكَّ.

[قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَى الْعُلَمَاءِ] أَيْ مِنْ الْحَجَرِ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ، ثُمَّ الْمَاءُ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْحَجَرُ وَحْدَهُ، ثُمَّ غَيْرُ الْحَجَرِ وَحْدَهُ مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسَةٌ لَا ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِجْمَارِ فَقِيلَ صَارَ طَاهِرًا، وَقِيلَ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.

[قَوْلُهُ: إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَالْمُسَيِّبُ وَالِدُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْمُسَيِّبُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ سَعِيدٌ يَكْرَهُ فَتْحَهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِهِنَّ] أَيْ مُتَعَيَّنٌ فِي حَقِّهِنَّ فَلَا يَجْزِيهِنَّ الِاسْتِجْمَارُ فَلَمْ يُخَالِفْ الْجُمْهُورَ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ فِي حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَنِيٍّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِمَرَضٍ أَوْ عَدَمِ مَا يَكْفِي غَسْلُهُ، وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ أَوْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ أَوْ جَامَعَ

ص: 177

وَاجِبِهِنَّ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ؟ قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ قَالَ: هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» .

(وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَوْلٌ وَلَا غَائِطٌ) وَلَا غَيْرُهُمَا مِمَّا يَسْتَنْجِي (وَتَوَضَّأَ) أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ (لِ) أَجْلِ خُرُوجِ (حَدَثٍ) مُرَادُهُ بِهِ الرِّيحُ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتِ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» (أَوْ) أَرَادَهُ (لِ) أَجْلِ حُصُولِ (نَوْمٍ) مُسْتَثْقَلٍ (أَوْ) أَرَادَهُ لِ (غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ (فَلَا بُدَّ) لَهُ (مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ) بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) وَفِي

ــ

[حاشية العدوي]

فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنِيِّ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ فِي مُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَلَوُّثِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا.

قَالَهُ تت: قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ عَادَةِ كُلِّ شَخْصٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي الْمُنْتَشِرِ، فَيَغْسِلُ مَا جَاوَزَ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ فَقَطْ، وَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِي الْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَغْتَفِرُونَ الْيَسِيرَ مُنْفَرِدًا دُونَهُ مُجْتَمِعًا [قَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ] هُمْ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ، وَالْمُهَاجِرُونَ سُكَّانُ مَكَّةَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ السِّنْدِيُّ تَخْصِيصُهُمْ بِالْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْمُهَاجِرِينَ، كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ اهـ.

[قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا إلَخْ] أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108][قَوْلُهُ: قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ] فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ أَتَى لَهُمْ ذَلِكَ؟ قُلْت: وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَنْصَارِ:«يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطُّهُورِ فَمَا تَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا رَأَيْنَا جِيرَانَنَا مِنْ الْيَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ، وَيُرِيدُونَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ فَفَعَلْنَا نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعُوهُ أَبَدًا» اهـ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ الْمُوجِبِ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرُ كَمَا قَالَ شَارِحُهُ السِّنْدِيُّ.

[قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ أَيْ وَالطُّهُورُ فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ جَمَاعَةٌ، فَمَا وَجْهُ الْإِفْرَادِ قُلْت لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَّلَهُمْ لِشِدَّةِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَنْزِلَةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَفْرَدَ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ فَعَلَيْكُمُوهُ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَفِيهِ تَفَنُّنٌ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الثَّنَاءَ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَاءِ، وَنَصُّهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ. قَالُوا نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ، ثُمَّ نَتْبَعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُهُمَا] أَيْ كَوَدْيٍ وَمَذْيٍ، [قَوْلُهُ: كَمَا فَسَّرَهُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ حَصْرَ الْحَدَثِ فِي الرِّيحِ فَقَطْ، بَلْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ تَفْسِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، تَفْسِيرُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا، وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» اهـ.

[قَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مَلْزُومُهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، [قَوْلُهُ: فُسَاءٌ] بِضَمِّ الْفَاءِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْفُسَاءُ إلَخْ، يَخْرُجُ بِغَيْرِ صَوْتٍ يُسْمَعُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ ضُرَاطٌ] بِضَمِّ الضَّادِ، [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَحْدَاثِ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْأَحْدَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدَثَ يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ إلَّا الرِّيحَ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَالرِّدَّةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَالرَّفْضِ وَبَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ ثُمَّ أَقُولُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا

ص: 178

نُسْخَةٍ فِي إنَائِهِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا مَا يَقْتَضِي غَسْلَهُمَا لِلسُّنَّةِ، فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَنْجَى أَوْ لَا.

وَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ إيهَامُ الْفَرْضِيَّةِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (غَسْلُ الْيَدَيْنِ) إلَى الْكُوعَيْنِ (قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) أَوْ فِي نَهْرٍ (وَالْمَضْمَضَةُ) بِضَادَيْنِ غَيْرِ مُشَالَتَيْنِ وَهِيَ خَضْخَضَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ فَلَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ. (الِاسْتِنْشَاقُ) وَهُوَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْخَيَاشِيمِ بِالنَّفَسِ.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَالِاسْتِنْثَارُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (سُنَّةٌ) مُسْتَقِلَّةٌ (وَبَاقِيهِ)

ــ

[حاشية العدوي]

يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَوْ تَجْدِيدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَا يَقْتَضِي غَسْلَهُمَا] أَيْ بِأَنْ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: لِلسُّنَّةِ] أَيْ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، أَيْ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ فَهُوَ تَعَبُّدٌ أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى.

[قَوْلُهُ: فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ، [قَوْلُهُ: أَوَّلًا] هُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَالشِّقُّ الْأَوَّلُ أَعْنِي قَوْلَهُ سَوَاءٌ اسْتَنْجَى إلَخْ سَيَأْتِي.

[قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ [قَوْلُهُ: إيهَامُ الْفَرْضِيَّةِ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ مُوهِمًا فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ارْتِكَابِهِ، حَتَّى يُحْوِجَهُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِيهَامَ، قُلْت لَعَلَّهَا لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي خَبَرِ:«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» اهـ، فَهُوَ إنْ حَمَلَهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى السُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَدَبَ أَلَّا يَتْرُكَهَا الْإِنْسَانُ لِمَا فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ مِنْ التَّشْدِيدِ، وَلِذَا لَمَّا أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ.

وَقَالَ أَنَا أَعْرِفُ أَيْنَ تَبِيتُ يَدِي فَنَامَ، وَقَدْ لَقِيَ يَدَهُ فِي اسْتِهِ، أَيْ فِي دُبُرِهِ فَتَأَمَّلْ أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ إلَخْ] التَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ لَا لِلْوَحْدَةِ أَيْ مِنْ جِنْسِ السُّنَّةِ، فَصَحَّ التَّبْعِيضُ فَلَوْ جُعِلَتْ لِلْوَحْدَةِ لَمَا صَحَّ التَّبْعِيضُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ فِي نَهْرٍ] ضَعِيفٌ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْغَسْلُ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ حَيْثُ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا مُطْلَقًا، أَيْ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَلَا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا غَيْرَ جَارٍ، وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّةُ إلَّا بِالْغَسْلِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ، فَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا غَيْرَ جَارٍ، وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يُدْخِلُهُمَا فِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ مَشْكُوكَتَيْنِ أَوْ نَجِسَتَيْنِ وَلَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ بِدُخُولِهِمَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يُنَجَّسُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ بِغَيْرِ إدْخَالِهِمَا فِيهِ كَثَوْبِهِ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ، وَيَتَيَمَّمُ كَعَادِمِ الْمَاءِ [قَوْلُهُ: غَيْرِ مُشَالَتَيْنِ] أَيْ غَيْرِ مَرْفُوعَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: خَضْخَضَةُ إلَخْ] هَذَا تَعْرِيفُهَا اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ التَّحْرِيكُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ فِي إدْخَالِ الْمَاءِ، فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ وَحْدَهُ ثُمَّ خَضْخَضَهُ وَمَجَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَلَفْظُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي تَعْرِيفِهَا إدْخَالُ الْمَاءِ فِيهِ، فَيُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ فِي الْإِدْخَالِ فَلْيُحَرَّرْ.

[قَوْلُهُ: فَلَوْ ابْتَلَعَهُ] هَذَا مُحْتَرَزُ مَجِّهِ، وَمِنْ مُحْتَرَزِهِ مَا إذَا فَتَحَ فَاهُ، وَنَزَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ خَضْخَضَهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ.

[قَوْلُهُ: وَالِاسْتِنْشَاقُ] هُوَ لُغَةً الشَّمُّ، وَشَرْعًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْخَيَاشِيمِ إلَخْ، فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ أَنْفَهُ بِغَيْرِ إدْخَالٍ بِالنَّفَسِ بِأَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إدْخَالٍ أَوْ بِإِدْخَالٍ لَا بِالنَّفَسِ، فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، وَالنَّفَسُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، [قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالِاسْتِنْثَارُ] رُبَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ أَكْثَرَ النُّسَخِ عَلَى حَذْفِهَا مَعَ أَنَّ الصَّوَابَ هَذِهِ النُّسْخَةُ أَعْنِي الْمُثْبَتَةَ.

تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ فِي تِلْكَ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، كَذَا يُفِيدُهُ بَعْضُهُمْ قَالَ عج وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْكُلَّ فِي النِّيَّةِ كَأَنْ يَنْوِيَ سُنَنَ الْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ] صِفَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ

ص: 179

أَيْ بَاقِي الْوُضُوءِ (فَرِيضَةٌ) وَمَا قَالَهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ. الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ إلَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا بِأَنَّ مِنْ الْبَاقِي مَا هُوَ سُنَّةٌ كَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَ: بَاقِيهِ فَرِيضَةٌ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ لَيْسَ إلَّا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا كَمَا ذَكَرَ إذْ الرَّأْسُ فَرْضُهُ الْمَسْحُ وَالرَّدُّ تَبَعٌ لَهُ، وَأَمَّا التَّجْدِيدُ وَالتَّرْتِيبُ فَلَيْسَ بِعُضْوَيْنِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ فَرِيضَةٌ وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرَّأْسُ وَالرِّجْلَانِ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ نَوْمٍ) أَيْ مَنْ أَرَادَهُ إمَّا بِسَبَبِ نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ (أَوْ) بِسَبَبِ (غَيْرِهِ) مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ (فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) قَالُوا

ــ

[حاشية العدوي]

وَآخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ وَوَسَطَهُمَا مُقَابِلًا لِلْبَاطِنِ، دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ لِلْآخَرَيْنِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُمَا] الظَّاهِرُ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ وَالْبَاطِنُ، مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ.

[قَوْلُهُ: كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُنَّةً خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمَضْمَضَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ الْمَضْمَضَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ جُزْءَ سُنَّةٍ وَكَذَا مَا بَعْدَهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ] هَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الِاسْتِنْثَارُ [قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ] أَيْ لَا جُزْءُ سُنَّةٍ.

[قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِشْكَالَ يَأْتِي أَيْضًا عَلَى مَا فِي بَابِ جُمَلٍ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ كَالتَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَائِهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، [قَوْلُهُ: بَقِيَّةِ إلَخْ] أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْرِ اللَّامِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، أَيْ الْقَائِمُ بِبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ فَرِيضَةٌ، أَيْ فَرْضٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا تُرَدُّ النِّيَّةُ وَالدَّلْكُ وَالْفَوْرُ، وَإِنَّمَا احْتَجْنَا لِتَقْدِيرِ مُتَعَلِّقٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَفْسُ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ هِيَ الْفَرِيضَةُ.

[قَوْلُهُ: الْمَغْسُولَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ] صِفَةٌ لِلْأَعْضَاءِ، فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْأَنْفُ وَالْيَدَانِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْفَمُ، أَوْ صِفَةٌ لِلْبَقِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِهِ، وَأَرَادَ الْمَغْسُولَ بَعْضُهَا، وَالْمَمْسُوحَ بَعْضُهَا لَا أَنَّهَا قَائِمٌ بِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهَا الْأَمْرَانِ مَعًا، [قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ] أَيْ الْقَائِمُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الِاسْتِقْلَالُ.

[قَوْلُهُ: لَيْسَ إلَّا] أَيْ لَيْسَ الْبَاقِي شَيْئًا إلَّا بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ الْقَائِمُ بِالْبَاقِي عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ الْكَافِ وَيَقُولُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَا ذُكِرَ، أَيْ فَرْضًا [قَوْلُهُ: فَرْضُهُ الْمَسْحُ] أَيْ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا زِدْنَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مَسْحٌ أَيْضًا فَالْفَرْضُ هُوَ الْمَسْحُ الْأَوَّلُ، وَالسُّنَّةُ الْمَسْحُ الثَّانِي التَّابِعُ لِلْمَسْحِ الْأَوَّلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعُضْوٍ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ، وَكَذَا الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ الْمُسْتَحَبَّانِ.

[قَوْلُهُ: فَلَيْسَا بِعُضْوَيْنِ] أَيْ فَلَيْسَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ بِعُضْوَيْنِ بَلْ مُتَعَلَّقُهُمَا بِفَتْحِ اللَّامِ غَيْرُ عُضْوَيْنِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ التَّجْدِيدِ الْمَاءُ وَمُتَعَلِّقَ التَّرْتِيبِ الْغَسَلَاتُ بِخِلَافِ الرَّدِّ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعُضْوٍ، أَيْ فَمُتَعَلَّقُهُ بِفَتْحِ اللَّامِ عُضْوٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا كَالدُّعَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَبَقِيَّةِ الْمَنْدُوبَاتِ.

[قَوْلُهُ: وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ] أَيْ وَالْقَائِمُ بِبَاقِي الْأَعْضَاءِ قِيَاسًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ الْوَجْهُ] تَفْسِيرٌ لِبَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كُلَّهُ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ الْقَائِمُ بِالْوَجْهِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْقَائِمُ بِالرَّأْسِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْقَائِمُ بِالرِّجْلِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ أَرَادَهُ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَامَ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ حَقِيقَتَهُ [قَوْلُهُ: إمَّا بِسَبَبٍ إلَخْ] إمَّا إشَارَةً إلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ إلَخْ] نَحْوَ هَذَا لتت، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَهَلْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ؟ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَسْلَهُ تَعَبُّدِيٌّ وَأَنَّهُ يَغْسِلُهُمَا، وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ هَذَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَالظَّاهِرُ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: غَيْرِهِ] بَدَلٌ مِنْ سَبَبٍ، وَمُرَادُهُ سَبَبُ الْوُضُوءِ فَيُصَدَّقُ بِالْحَدَثِ وَسَبَبِهِ كَاللَّمْسِ.

ص: 180

حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، يُرِيدُ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا. (يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ) تَعَالَى قِيلَ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقِيلَ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ قَائِلِهِ. (وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ لَمْ يَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بِالْبُدَاءَةٍ بِالتَّسْمِيَةِ (مِنْ الْأَمْرِ) أَيْ الشَّأْنِ (الْمَعْرُوفِ) عِنْدَ السَّلَفِ، بَلْ رَآهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُنْكَرِ، ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ لِمَالِكٍ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى شَيْءٍ وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا وَبِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الِاسْتِحْبَابُ، وَشُهِرَتْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.

الثَّانِيَةُ: الْإِنْكَارُ وَقَالَ: أَهُوَ يَذْبَحُ؟ الثَّالِثَةُ: التَّخَيُّرُ (وَكَوْنُ الْإِنَاءِ) الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ (عَلَى يَمِينِهِ أَمْكَنَ لَهُ) أَيْ أَيْسَرَ وَأَسْهَلَ لَهُ (فِي تَنَاوُلِهِ) إنْ كَانَ مَفْتُوحًا كَذَا عَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، أَمَّا إنْ كَانَ ضَيِّقًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لَهُ.

(وَ) بَعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِنَاءَ الْمَفْتُوحَ عَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: قَالُوا إلَخْ] لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرِّي بَلْ قَصَدَ حِكَايَةَ مَا وَقَعَ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِبَعْضِهِمْ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ لَهُ.

[قَوْلُهُ: كَمَا هُنَا] أَيْ فَأَرَادَ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ابْنَ حَبِيبٍ وَغَيْرَهُ، وَأَفْصَحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ: وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَحَلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ فَسَمِعَ ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفًا وَابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَأَصْبَغَ بْنَ الْفَرَجِ وَانْصَرَفَ إلَى الْأَنْدَلُسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَقَدْ جَمَعَ عِلْمًا عَظِيمًا فَنَزَلَ بَلْدَةَ أَلْبِيرَةَ وَقَدْ انْتَشَرَ سُمُوُّهُ فِي الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، فَنَقَلَهُ الْأَمِيرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَى قُرْطُبَةَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْته يَخْرُجُ مِنْ الْجَامِعِ وَخَلْفَهُ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةٍ بَيْنَ طَالِبِ حَدِيثٍ وَفَرَائِضَ وَفِقْهٍ وَإِعْرَابٍ، وَقَدْ رَتَّبَ الدُّوَلَ عِنْدَهُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثِينَ دَوْلَةً لَا يُقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا الْفِقْهُ وَمُوَطَّأَ مَالِكٍ، وَكَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدِّيبَاجِ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ] جَعَلَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُهُ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ وَكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ وَابْنِ الْمُنِيرِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشُّرَّاحِ.

أَقُولُ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ] أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ هَذَا الْقَوْلِ إلَخْ. أَيْ هَلْ التَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورُ [قَوْلُهُ: بَلْ رَآهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُنْكَرِ] الْمُنْكَرُ يُصَدَّقُ بِالْحَرَامِ وَبِالْمَكْرُوهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَكْرُوهُ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ لَفْظِهِ] أَيْ لِعَزْوِهِ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهُمَا لِبَعْضٍ [قَوْلُهُ: وَشُهِرَتْ] وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ [قَوْلُهُ: لَا وُضُوءَ إلَخْ] أَيْ لَا وُضُوءَ كَامِلًا [قَوْلُهُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ] بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَوْلُهُ وَإِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ.

[قَوْلُهُ: أَهُوَ يَذْبَحُ] أَيْ حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَسْمِيَةٍ [قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ التَّخْيِيرُ] أَيْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ حِينَ أَنْكَرَ أَوْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ لَمْ يَسْتَحْضِرْ الْحَدِيثَ، وَاسْتَشْكَلَ أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِنْكَارِ وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الذِّكْرَ رَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ اقْتِرَانُ هَذَا الذِّكْرِ الْخَاصِّ بِأَوَّلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ لَا حُصُولُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذِكْرٌ قَالَهُ تت.

[قَوْلُهُ: وَكَوْنُ إلَخْ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: أَمْكَنُ خَبَرٌ، أَيْ وَوُجُودُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ أَسْهَلُ أَيْ فَيُنْدَبُ كَوْنُهُ عَلَى يَمِينِهِ [قَوْلُهُ: وَأَسْهَلُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَفْتُوحًا] مُرَادُهُ بِالْمَفْتُوحِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ كَانَ ضَيِّقًا] أَيْ لَا يُمْكِنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ إلَخْ] هَذَا فِي الْمُعْتَادِ أَوْ الْأَضْبَطِ الَّذِي يَعْمَلُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا

ص: 181

يَمِينِهِ أَوْ الضَّيِّقَ عَنْ يَسَارِهِ (يَبْدَأُ) وُضُوءَهُ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ) إلَى الْكُوعَيْنِ (قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا) تَعَبُّدًا مُفْتَرِقَتَيْنِ بِنِيَّةٍ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ لَا، قَامَ مِنْ نَوْمِهِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ) أَوْ أَمَذَى وَنَحْوَ ذَلِكَ (غَسَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَوْضِعَ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَنَحْوَهُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذَكَرَ.

(تَنْبِيهٌ) : فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ. ج: لَمْ تَزَلْ أَشْيَاخُنَا بِأَجْمَعِهِمْ يُنَبِّهُونَ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً، وَيَكُونُ قَوْلُهُ:(ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) مُتَعَلِّقًا بِهَا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: غَسَلَ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ فَعَلَ الْوُضُوءَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ:(ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ) مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، يَعْنِي ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْخَالُهَا فِيهِ (فَيَأْخُذُ الْمَاءَ) وَإِلَّا أَفْرَغَ فِي يَدَيْهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِلْمَضْمَضَةِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ (فَيُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ شَاءَ أَوْ) مِنْ (ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ) ذَكَرَ صِفَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا أَرْجَحُ كَمَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْأَعْسَرُ فَيَجْعَلُ نَدْبًا الْمَفْتُوحَ عَلَى يَسَارِهِ وَالضَّيِّقَ عَلَى يَمِينِهِ.

[قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّثْلِيثَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: إنَّ الْأُولَى سُنَّةً، وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَرُجِّحَ وَيُدَلِّكُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا كَغَسْلِ الْفَرْضِ.

[قَوْلُهُ: تَعَبُّدًا] هُوَ مَا أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى [قَوْلُهُ: مُفْتَرِقَتَيْنِ] لَيْسَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مِنْ آثَارِ التَّعَبُّدِ [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ يَغْسِلُ يَدَيْهِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ لَا] هَذَا مِنْ آثَارِ التَّعَبُّدِ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ غَسْلَهُمَا إذَا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ إلَخْ] أَيْ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ، وَأَمَّا لَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فَطَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْضِعَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمَوْضِعِ ذِكْرٌ حَتَّى تَصِحَّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِذَلِكَ، قُلْت: لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ يَسْتَلْزِمُ مَوْضِعًا فَكَأَنَّ الْمَوْضِعَ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فَصَحَّتْ الْإِشَارَةُ لَهُ [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ] أَيْ مِنْ الْبَوْلِ وَنَحْوَهُ أَيْ فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ.

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَارُ لَهُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى فَاعِلِ غَسَلَ، وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ غَسَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَيْ أَزَالَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ.

[قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ] هُوَ مَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: الِاسْتِنْجَاءَ] اسْمُ إنَّ أَيْ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ إلَخْ أَنَّ غَسْلَ مَوْضِعِ الْبَوْلِ مَثَلًا الَّذِي هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ] أَيْ فَلَا يَكُونُ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إلَخْ] جَوَابٌ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ [قَوْلُهُ: تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ] أَيْ جُمْلَةُ فَإِنْ كَانَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: مُعْتَرِضَةً أَيْ بَيْنَ قَوْلِهِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ [قَوْلُهُ: بِهَا] أَيْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ الْأُولَى أَيْ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ أَيْ يَغْسِلُ يَدَيْهِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ أُولَى مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُدْخِلُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَتِمَّ وُضُوءُ مَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى وُضُوءِ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ.

[قَوْلُهُ: فَيُمَضْمِضُ إلَخْ] لَكِنَّ الْأُولَى سُنَّةٌ وَكُلٌّ مِنْ

ص: 182

سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ.

(وَإِنْ اسْتَاكَ) الْمُتَوَضِّئُ (بِأُصْبُعِهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا كَذَلِكَ، فَهَذِهِ تِسْعُ لُغَاتٍ، وَفِيهِ لُغَةٌ عَاشِرَةٌ أُصْبُوعٌ وَيَعْنِي بِهَا هُنَا السَّبَّابَةَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَيُرْوَى بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ وَظَاهِرُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْأُصْبُعَ كَغَيْرِهِ.

قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَصْلُ مَا بَعْدُ، وَقَيَّدَ التَّادَلِيُّ كَلَامَ الشَّيْخِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ لِيُوَافِقَ مَا فِي الرِّوَايَةِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ يُجْزِئُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَاكُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ أَوْ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَكُونُ عَرْضًا إلَّا فِي اللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَسْتَاكُ فِيهِ طُولًا، وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا إلَّا الصَّائِمَ فَيُكْرَهُ لَهُ الِاسْتِيَاكُ بِالرَّطْبِ، وَلَا يُسْتَاكُ بِالرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ فَإِنَّهُمَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْبَاقِيَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ، وَالْغَرْفَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَغْرُوفِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: بِأُصْبُعِهِ] اُخْتُلِفَ إذَا اسْتَاكَ بِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَغْسِلُهَا. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ] أَيْ مَعَ تَثْبِيتِ الْبَاءِ أَيْ فَهُوَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ يَخْرُجُ تِسْعَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: السَّبَّابَةَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى] أَيْ وَيُكْرَهُ بِالْيُسْرَى كَمَا أَفَادَهُ مِنْ شَرْحِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى بِأُصْبُعَيْهِ] قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ الْأُصْبُعَ خَبَرٌ [قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ] أَيْ الْأُصْبُعَ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ فِي الِاسْتِيَاكِ أَيْ وَالْأَرَاكِ وَغَيْرُهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَصَالَةِ؟ قُلْت: أَنْ يُقَدِّمَ أَيْ الْأُصْبُعَ نَدْبًا عَلَى غَيْرِهِ إذَا وُجِدَ. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ التَّادَلِيُّ إلَخْ] قَالَ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ: التَّادَلِيُّ نِسْبَةٌ إلَى تَادَلَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مِنْ جِبَالِ الْبَرْبَرِ بِالْمَغْرِبِ اهـ.

[قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا إلَخْ] مَفْهُومُهُ لَوْ وَجَدَ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ لَا يُجْزِئُهُ [قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ.

أَقُولُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، فَقِيلَ: يَسْتَاكُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَهَلْ مَعَ كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ مَعَ الْبَعْضِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَاكُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَهُ لِيُخْرِجَ الْمَاءُ مَا حَصَلَ بِالسِّوَاكِ أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ رَدَّهُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى «أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْتَاكُ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ، يَقُولُ: أُعْ أُعْ وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ اهـ.

وَذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ بَعْضَهُمْ تَرْجَمَ هَذَا الْحَدِيثَ بِاسْتِيَاكِ الْإِمَامِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَيَكُونُ عَرْضًا إلَخْ] أَيْ وَيَكُونُ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ حَتَّى بَاطِنِهَا كَمَا نَصَّ عَلَى نَدْبِهِ بِهَا الْمُنَاوِيُّ مُخَالَفَةً لِلشَّيْطَانِ أَيْ فَإِذَا كَانَ عَرْضًا فَيَكُونُ أَسْلَمَ لِلِّثَةِ مِنْ التَّقَلُّحِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِيَ لَحْمَ أَسْنَانِهِ فَإِذَا خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَاكُ فِيهِ طُولًا] وَكَذَا يَكُونُ طُولًا فِي الْحَلْقِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ] ذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ النَّوَوِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ، حَصَلَ السِّوَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ اهـ.

الْمُرَادُ مِنْهُ قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ

ص: 183

يُحَرِّكَانِ عِرْقَ الْجُذَامِ، وَلَا بِالْقَصَبِ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الْأَكِلَةَ وَالْبَرَصَ، وَكَذَلِكَ قَصَبُ الشَّعِيرِ وَالْحَلْفَاءُ وَالْعُودُ الْمَجْهُولُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِّرَ مِنْهُ.

(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ (يَسْتَنْشِقُ) كَ: اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: (بِأَنْفِهِ الْمَاءَ) فَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِنْشَاقُ بِغَيْرِ الْأَنْفِ، وَقَوْلُهُ:(وَيَسْتَنْثِرُهُ) صَرِيحٌ بِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ عِنْدَهُ غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمُفْرَدِهِ (ثَلَاثًا) مَفْعُولُ يَسْتَنْشِقُ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِنْثَارِ أَنَّهُ (يَجْعَلُ يَدَهُ) يَعْنِي أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى (عَلَى أَنْفِهِ) ، وَيَرُدُّ الْمَاءَ مِنْ خَيْشُومِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ، وَيَشُدُّ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ مَا هُنَالِكَ (كَ) مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي (امْتِخَاطِهِ) فَالتَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ لَا يُسَمَّى اسْتِنْثَارًا، وَكُرِهَ عِنْدَ مَالِكٍ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ امْتِخَاطِهِ كَامْتِخَاطِ الْحِمَارِ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِعُودٍ مُتَوَسِّطٍ لَا شَدِيدِ الْيُبْسِ يَجْرَحُ وَلَا رَطْبٍ لَا يُزِيلُ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِالْقَصَبِ] الْقَصَبُ بِفَتْحَتَيْنِ كُلُّ نَبَاتٍ يَكُونُ سَاقُهُ أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ.

قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: وَالْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ مِنْهُ صُلْبٌ غَلِيظٌ تُعْمَلُ مِنْهُ الْمَزَامِيرُ وَتُسَقَّفُ بِهِ الْبُيُوتُ، وَمِنْهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَقْلَامُ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِالْقَصَبِ مُطْلَقُهُ لَا الْفَارِسِيُّ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الْأَكِلَةَ] أَيْ فِي الْأَسْنَانِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْأَكِلَةُ كَفَرِحَةٍ دَاءٌ فِي الْعُضْوِ يَأْتَكِلُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قَصَبُ الشَّعِيرِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْقَصَبِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ، بَلْ وَكَذَلِكَ قَصَبُ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ [قَوْلُهُ: وَالْعُودُ الْمَجْهُولُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مِنْ قَصَبِ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِّرَ مِنْهُ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ الْحَلْفَاءِ.

تَتِمَّةٌ: حُكْمُ الِاسْتِيَاكِ فِي الْأَصْلِ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَإِزَالَةِ مَا يُوجِبُ بَقَاؤُهُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَوْلَاهُ، وَقَدْ تَعْرِضُ حُرْمَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزَاءِ فِي زَمَنِ الصَّوْمِ، وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ لِلصَّائِمِ، وَيَكُونُ مُبَاحًا كَبَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ] ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَقَطْ لَا لِلتَّرَاخِي [قَوْلُهُ: يَسْتَنْشِقُ] بِأَنْ يَجْذِبَ [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ إلَخْ] أُجِيبُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، فَفِي مُسْلِمٍ:«فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخَرَيْهِ الْمَاءَ» [قَوْلُهُ: غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ إلَخْ] أَيْ سُنَّةُ غَيْرِ الِاسْتِنْشَاقِ فَهُوَ كَقَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ اهـ.

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمُفْرَدِهِ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الصَّرِيحِ مَعَ أَنَّهُ عَيْنُهُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَرُبَّمَا يَقْتَضِي سُقُوطُهُ أَنَّهُ مَعَ الِاسْتِنْشَاقِ مِنْهُ وَاحِدَةٌ، وَإِلَيْهِ نَحَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: مَفْعُولُهُ يَسْتَنْشِقُ] أَيْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ اسْتِنْشَاقًا ثَلَاثًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِنْثَارُ ثَلَاثًا [قَوْلُهُ: مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ اسْتِحْبَابًا.

[قَوْلُهُ: خَيْشُومُهُ] هُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِرِيحِ الْأَنْفِ] إذْ لَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يُسَمَّ اسْتِنْثَارًا [قَوْلُهُ: وَيَشُدُّ أُصْبُعَيْهِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ] أَيْ يَجْعَلُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَمَا يَجْعَلُهَا فِي امْتِخَاطِهِ.

[قَوْلُهُ: فَالتَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ] أَيْ وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَنْفِ [قَوْلُهُ: لَا فِي الْحُكْمِ] لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي حَالِ الِامْتِخَاطِ مَنْدُوبٌ وَوَضْعَهَا فِي الِاسْتِنْثَارِ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَيْئَيْنِ: طَرْحُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ وَوَضْعُ الْيَدِ، فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ لَمْ يُسَمَّ اسْتِنْثَارًا، وَذَهَبَ بَعْضٌ إلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ، فَالْوَضْعُ مُسْتَحَبٌّ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِنْثَارِ. وَظَاهِرُ تت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ وَكَذَا ظَاهِرُ غَيْرِهِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ عِنْدَ مَالِكٍ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ غَيْرِهِ فَلْيُرَاجَعْ.

[قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام إلَخْ] أَيْ وَالْمُسْتَنْثِرُ يُخْرِجُ مَا فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنْ الْمُخَاطِ فَهُوَ امْتِخَاطٌ فِي

ص: 184

الْأَذَى

(وَيُجْزِئُهُ) أَيْ يَكْفِيهِ (أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ تَمَضْمُضَاتٍ (فِي الْمَضْمَضَةِ وَ) أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ اسْتِنْشَاقَاتٍ فِي (الِاسْتِنْشَاقِ) هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ أَعْنِي الْمَفْعُولَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ. وَيُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا، وَدَلِيلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرَفَاتِ، وَبَدَأَ بِالْمَفْضُولِ فَقَالَ:(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُتَوَضِّئِ (جَمْعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) وَلَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ، وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ، وَالْأُولَى أَفْضَلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْ تَنْكِيسِ الْعِبَادَةِ (وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ) أَيْ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ، وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ ثَلَاثَ تَمَضْمُضَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَثَلَاثَ اسْتِنْشَاقَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِيَسْلَمَ مِنْ تَنْكِيسِ الْعِبَادَةِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ (يَأْخُذُ الْمَاءَ إنْ شَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَإِنْ شَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حِكَايَةَ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ.

فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى التَّقْلِيلِ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَفْتُوحًا أَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ وَنَحْوَهُ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ (يَنْقُلُهُ إلَى وَجْهِهِ) ج: ظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ شَرْطٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ، وَإِنَّمَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَعْنَى

[قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ إلَخْ] أَيْ يَكْفِيهِ، فَالسُّنَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بَلْ تَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: تَمَضْمُضَاتٍ] جَمْعٌ لِتَمَضْمُضَةٍ مَصْدَرُ تَمَضْمَضَ تَمَضْمُضًا، كَتَنَفَّسَ تَنَفُّسًا فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ إلَخْ] أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَفْعُولَاتِ [قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ مَرَّةً إلَخْ] أَيْ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَرَأَيْت فِي خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ بَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا، قُلْت: وَهَلْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَثَلَاثًا وَهَلْ الْأَغْلَبُ التَّثْلِيثُ؟ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِذَلِكَ، بَلْ كُلُّ مَفْعُولَاتِ الْوُضُوءِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبَّةٌ [قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ إلَخْ] وَيُمْكِنُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مَرَّةً ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ] أَيْ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ لَا مِنْ الْوَاحِدَةِ إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْحُسْنِ صِيغَةُ أَفْعَلَ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّةً مِنْ غَرْفَةٍ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مَرَّةً مِنْ غَرْفَةٍ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ مَالِكٍ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَسْوِسِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ وَحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَفْتُوحًا] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا يُمْكِنُ أَخْذُ الْمَاءِ سَوَاءً كَانَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ] أَيْ إلَّا الرَّأْسَ، فَإِنَّ نَقْلَ الْمَاءِ لَهُ شَرْطٌ إذَا مَسَحَ، وَأَمَّا إذَا غَسَلَ وَلَوْ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ، فَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ نَزَلَ مِنْ مِيزَابٍ مَثَلًا فَلَا يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ النَّقْلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] عِنْدَ مَالِكٍ امْسَحُوا بَلَلَ أَيْدِيكُمْ

ص: 185

الْمَطْلُوبُ إيقَاعُ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ الْوَجْهِ كَيْفَمَا أَمْكَنَ، وَلَوْ بِمِيزَابٍ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ:(فَيُفْرِغُهُ عَلَيْهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْطِمَ بِالْمَاءِ وَجْهَهُ كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ، وَعَوَامُّ الرِّجَالِ ق: وَمَنْ تَوَضَّأَ كَذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ.

وَقَالَ ع: أَجْزَأَهُ. وَقَوْلُهُ: (غَاسِلًا لَهُ) حَالٌ فَاشْتَرَطَ الْمَعِيَّةَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْغَسْلِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ يَتَدَلَّكُ بِيَدَيْهِ بِأَثَرِ صَبِّ الْمَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (بِيَدَيْهِ) أَنَّ التَّدَلُّكَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى الْوُضُوءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ، أَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ أَجْزَأَهُ، وَتَلْزَمُهُ النِّيَّةُ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ خَاصَّةً، وَيُدَلِّكُ هُوَ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ:(مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِغَاسِلًا. ابْنُ شَعْبَانَ: السُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَسْفَلِهَا أَجْزَأَهُ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِيمَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ، وَالْجَبْهَةُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِرُءُوسِكُمْ فَالرَّأْسُ مَاسِحٌ لِبَلَلِ الْيَدَيْنِ لَا مَمْسُوحٌ كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عج.

وَانْظُرْ فِي الْجُنُبِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ وَيَمْسَحُهَا لِضَرَرٍ هَلْ يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْمَاءِ اعْتِبَارًا بِالْحَالِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

أَقُولُ: وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا كَانَ فَرْضُهُ مَسْحَ الْوَجْهِ لِضَرُورَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ إيقَاعُ الْمَاءِ إلَخْ] وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ النَّقْلِ حِينَئِذٍ هَلْ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ، وَكَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ يُفِيدُ الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَاءِ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَى وَجْهِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ نَقَلَ الْعُضْوَ إلَى الْمَاءِ أَجْزَأَهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْطِمَ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ [قَوْلُهُ: كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كُنَّ عَالِمَاتٍ بِالْحُكْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الرِّجَالِ الْعَوَامّ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِ الضَّعْفِ شَأْنَهُنَّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَجْزَأَهُ إلَخْ] أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَعُمَّ بِالْمَاءِ عُضْوَهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا إذَا عَمَّ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْته مُصَرِّحًا بِهِ بِعَيْنِهِ [قَوْلُهُ: فَاشْتَرَطَ الْمَعِيَّةَ] أَيْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمُقَارَنَةَ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ فَالْمُقَارَنَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الْغَسْلِ ثُمَّ يَتَدَلَّكُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُقَارَنَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيَدَيْهِ] الْمُرَادُ بَاطِنُ كَفَّيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلْكَ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ، فَلَا يُجْزِئُ الدَّلْكُ بِظَاهِرِ كَفِّهِ وَلَا بِمِرْفَقِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ، وَأَحْرَى غَيْرُهُمَا، وَقَيَّدْنَا بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يَجُوزُ فِيهِ دَلْكُ الْأَعْضَاءِ بِبَعْضِهَا [قَوْلُهُ: إنَّ التَّدَلُّكَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ قَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ، إنَّمَا الْأَخْذُ مِنْ قَوْلِهِ: غَاسِلًا لِأَنَّ الدَّلْكَ شَرْطٌ فِي حَقِيقَةِ الْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الدَّلْكَ فَرْضٌ لِنَفْسِهِ لَا لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ وَقِيلَ: يَجِبُ لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْعُضْوِ لَا لِذَاتِهِ، حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُبَاشِرُ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ، وَلَوْ دَلَّكَ بِوَاحِدَةٍ لَكَفَى [قَوْلُهُ: عَلَى الْوُضُوءِ] الْأَظْهَرُ أَنْ لَوْ قَالَ عَلَى الدَّلْكِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ] أَيْ شَأْنُ هَذَا أَنْ لَا يَصْدُرَ إلَّا عَنْ مُتَكَبِّرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ فَاعِلِهِ كَسَلًا لَا تَكَبُّرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تُنْتِجُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ أَجْزَأَهُ إلَخْ] أَيْ بَلْ يَجِبُ كَأَقْطَعَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِنَابَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُدَلِّكُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِنَابَةٍ [قَوْلُهُ: وَتَلْزَمُهُ النِّيَّةُ] أَيْ الْمُسْتَنِيبُ [قَوْلُهُ: إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ] أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِغَاسِلًا] وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِيُفْرِغُهُ أَوْ بِهِمَا مَعًا وَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيغُ الْمَاءِ وَالْغَسْلُ مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ.

[قَوْلُهُ: السُّنَّةُ] أَيْ الطَّرِيقَةُ، فَلَا يُخَالِفُ كَوْنُ الْبَدْءِ مِنْ الْأَوَّلِ مُسْتَحَبًّا [قَوْلُهُ: وَبِئْسَ مَا صَنَعَ] هَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا خِلَافَ الْأُولَى [قَوْلُهُ: لِيمَ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ اسْتَحَقَّ اللَّوْمَ حَصَلَ لَوْمٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الْأُمَّةِ أَنْ تَلُومَهُ

ص: 186

إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَوَّلُ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ:(وَحَدُّ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ) تَفْسِيرًا لِأَعْلَى الْجَبْهَةِ أَيْ أَعْلَى الْجَبْهَةِ، هُوَ حَدُّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ، يَعْنِي الْمُعْتَادَ، وَقَيَّدْنَاهُ بِهَذَا لِنَحْتَرِزَ عَنْ الْأَغَمِّ وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ الشَّعْرُ فِي جَبْهَتِهِ، وَعَنْ الْأَصْلَعِ وَهُوَ الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَيَدْخُلُ مَوْضِعُ الْغَمَمِ فِي الْغَسْلِ، وَلَا يَدْخُلُ مَوْضِعُ الصَّلَعِ.

ك: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنَابِتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِيعَابُ، وَالْوَجْهُ لَهُ طُولٌ وَلَهُ عَرْضٌ فَأَوَّلُ طُولِهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، وَآخِرُهُ طُولًا (إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ) وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعَنْفَقَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِ فِي الْغَسْلِ وَحْدَهُ عَرْضًا مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَدَوْرُ وَجْهِهِ كُلِّهِ مِنْ حَدِّ عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إلَى صُدْغَيْهِ) تَثْنِيَةُ صُدْغٍ بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَيُقَالُ

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَى ذَلِكَ رَجَاءَ الْكَفِّ عَنْهُ، وَهَلْ نَدْبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ] أَيْ طَلَبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُعَلِّمُوهُ ذَلِكَ، وَهَلْ نَدْبًا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لِفِعْلِ مَنْدُوبٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: وَالْجَبْهَةُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَخْ] هَذَا التَّفْسِيرُ لَا يَشْمَلُ أَعْلَى مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ.

وَقَالَ ح: الْجَبْهَةُ مَا يُصِيبُ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَالْجَبِينَانِ مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ اهـ.

أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا مَا يَشْمَلُ مَا يُصِيبُ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَالْجَبِينَيْنِ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت بَعْضَ مَنْ شَرَحَ خَلِيلًا ذَكَرَ مَا اسْتَظْهَرْته حَيْثُ قَالَ: وَالْجَبْهَةُ هُنَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ فَشَمَلَ جِهَةَ الْجَبِينَيْنِ لَا الْجَبْهَةَ الْآتِيَةَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[قَوْلُهُ: إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ] الْغَايَةُ بِإِلَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْتَضِي الدُّخُولَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الدُّخُولُ فَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بَعْدَ فِعْلِي هَذَا إلَخْ الْمُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيَتَكَمَّلَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَى الْجَبْهَةِ هُوَ مُنْتَهَى مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ: وَحَدُّ إلَخْ تَفْسِيرًا لِأَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَاَلَّذِي قَالَ بِذَلِكَ أَيْ بِوُجُوبِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ إلَخْ الْجُزُولِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: كَمَا يَجِبُ مَسْحُ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ لِيَتَكَمَّلَ الرَّأْسُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلٌ] أَيْ مَبْدَأُ الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: هُوَ حَدُّ] أَيْ أَعْلَى الْجَبْهَةِ هُوَ مُنْتَهَى مَنَابِتِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فِي الْغَسْلِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ [وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنَابِتِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَحَدُّ حَيْثُ جُعِلَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ الْإِيعَابُ] لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحَدُ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَفِي ابْنِ نَاجِي مَا حَاصِلُهُ أَنَّ فِي غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ خِلَافًا جَارِيًا عَلَى هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَفِي عج: وَانْظُرْ أَيَّ الْمَقَالَتَيْنِ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ اعْتِمَادُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ] الْغَايَةُ دَاخِلَةٌ وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ظَاهِرَهَا وَلَوْ طَالَتْ [قَوْلُهُ: اللَّحْيَيْنِ] بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ، وَحُكِيَ الْكَسْرُ فِي الْمُفْرَدِ وَالتَّثْنِيَةِ، وَاللِّحْيَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَحْتَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِمَجْمَعِ اللَّحْيَيْنِ وَالْعَنْفَقَةُ فَنْعَلَةٌ قِيلَ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ تَحْتَ الشَّفَةِ السُّفْلَى، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقَنِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ لَا، وَالْجَمْعُ عَنَافِقُ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَدَوْرَ إلَخْ] مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَيَغْسِلُ دَوْرَ إلَخْ [قَوْلُهُ: مِنْ حَدِّ] أَيْ مُنْتَهَى عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْأَضْرَاسِ كَمَا فِي تت وَالتَّحْقِيقُ مُنْتَهِيًا إلَى صُدْغَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اللَّحْيُ عَظْمُ الْحَنَكِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ، وَهُوَ مِنْ الْأَسْنَانِ حَيْثُ يَنْبُتُ الشَّعْرُ وَهُوَ أَعْلَى وَأَسْفَلُ وَجَمْعُهُ إلَخْ.

وَلَحْيٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَأَفْلَسَ وَفُلُوسٍ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَفْسَ الْعَرْضِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ فَفِي

ص: 187

بِضَمِّهَا أَيْضًا، وَبَعْضُ الْعَرَبِ تَقْلِبُ الصَّادَ سِينًا مُهْمَلَةً، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُ فِي الْغَسْلِ، فَإِلَى فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى مَعَ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْوَجْهِ مَوَاضِعُ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا مَخَافَةَ أَلَّا يُدْرِكَهَا الْمَاءُ، فَيَكُونُ تَارِكًا لِبَعْضِ الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَقَالَ:(وَيُمِرُّ) يَعْنِي وُجُوبًا (يَدَيْهِ عَلَى مَا غَارَ) أَيْ غَابَ وَخَفِيَ (مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ وَ) يُمِرُّ أَيْضًا عَلَى (أَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ) جَمْعُ أَسْرَارٍ وَسُرُرٍ وَاحِدُهَا سَرَرٌ، وَهِيَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجَبْهَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَجْهِهِ جُرْحٌ بَرِئَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ أَوْ خُلِقَ غَائِرًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، (وَ) يُمِرُّ أَيْضًا عَلَى (مَا تَحْتَ مَارِنِهِ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ:(مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ) مِنْ بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ شَفَتَيْهِ وَلَا يُطْبِقُهُمَا فِي حَالِ غَسْلِ الْوَجْهِ (يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا) يَعْنِي عَلَى الصِّفَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ إلَخْ نَظَرٌ.

[قَوْلُهُ: وَيُقَالُ بِضَمِّهَا] مُفَادُهُ أَنَّ الضَّمَّ قَلِيلٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ] لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ يَشْمَلُ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعَيْنِ وَشَعْرِ الصُّدْغَيْنِ وَيَشْمَلُ الصُّدْغَ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ وَتَحْتَهُ كَمَا يَشْمَلُ الْبَيَاضَ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ وَتَحْتَهُ، وَيَقْتَضِي أَنَّ فِي الْكُلِّ خِلَافًا، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُ وُجُوبُ الْغَسْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَشَعْرِ الصُّدْغَيْنِ بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ غَسْلِ شَعْرِ الصُّدْغِ أَوْ مَنْبَتِهِ وَالْبَيَاضِ اللَّذَيْنِ فَوْقَ الْوَتَدِ بَلْ يُمْسَحَانِ فَقَطْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ فِي الْبَيَاضِ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْوَتَدِ مِنْ شَعْرٍ وَبَيَاضٍ وَمَا حَاذَى الْوَتَدَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا تَحْتَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ النُّصُوصِ.

[قَوْلُهُ: وَيُمِرُّ] بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ أَمَرَّ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، فَالتَّعْبِيرُ بِيَعْنِي غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلَوْ قَالَ: أَيْ لَكَانَ أَحْسَنَ إلَّا أَنَّهُ رَاعَى حَالَ الْمُبْتَدِئِ [قَوْلُهُ: وَخَفَى] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَفْنُ الْعَيْنِ غِطَاؤُهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلِهَا، وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْجَمْعُ جُفُونٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَجْفَانٍ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ جَمْعَهُ عَلَى أَجْفَانٍ قَلِيلٌ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى الْقَلِيلِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ظَاهِرٌ عَمَّا كَانَ دَاخِلَ الْعَيْنِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ [قَوْلُهُ: جَمْعُ أَسْرَارٍ وَسُرُرٍ] كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخٍ يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهُ، وَفِي بَعْضِهَا جَمْعُ أَسْرَارٍ وَاحِدُهَا سَرَرٌ وَهِيَ ظَاهِرَةُ صَوَابٍ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَمْعُ أَسْرَارٌ كَأَعْنَابٍ اهـ.

وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعِنَبُ جَمْعُهُ أَعْنَابٌ اهـ. فَأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ وَفِي التَّحْقِيقِ وتت وَبَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ: الْأَسَارِيرُ جَمْعُ أَسِرَّةٍ جَمْعِ سِرَرٍ بِوَزْنِ عِنَبٍ فَأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ] رَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْجَبْهَةُ هُنَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ فَشَمَلَ جَبْهَةَ الْجَبِينَيْنِ لَا الْجَبْهَةَ الْآتِيَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ اهـ.

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ أَيْ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ] أَيْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ إدْخَالُ أُصْبُعِهِ فِيهِ وَتَدْلِيكُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ أَمْكَنَهُ تَدْلِيكُهُ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَدَلَّكَهُ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدْلِيكُ، وَأَمْكَنَهُ الصَّبُّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ غَوْرُهُ كَثِيرًا بِأَنْ يُرَى أَسْفَلُهُ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَوْرُهُ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ لَا يُرَى أَسْفَلُهُ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ فَلَا صَبَّ عَلَيْهِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الصَّبُّ وَالدَّلْكُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا سَقَطَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَإِلَّا سَقَطَ الطَّلَبُ بِلَا تَفْصِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَانَ] تَفْسِيرٌ لِلْمَارِنِ لَا مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ يُقَالُ لَهُ وَتَرَةٌ، وَهِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَ طَاقَتَيْ الْأَنْفِ.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَاَلَّذِي تَحْتَهُ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ الَّذِي جَعَلَهُ بَيَانًا لِمَا تَحْتَ الْمَارِنِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ] الْمُرَادُ بِظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الِانْطِبَاقِ الطَّبِيعِيِّ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُطَبِّقُهُمَا] أَيْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ

ص: 188

الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَالدَّلْكِ وَتَتَبُّعِ الْمَغَابِنِ (ثَلَاثًا) يَعْنِي ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَيَنْوِي بِالْأُولَى فَرْضَهُ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الْفَضِيلَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَيُصَمِّمُ اعْتِقَادَهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبِغَةِ فَهِيَ فَضِيلَةٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ سَنَدٌ وَصَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَوْلُهُ:(يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَجْهِ تَأْكِيدٌ (وَيُحَرِّكُ لِحْيَتَهُ) الْكَثِيفَةَ (فِي حَالِ غَسْلِ وَجْهِهِ بِكَفَّيْهِ لِ) أَجْلِ أَنْ (يُدَاخِلَهَا الْمَاءُ) إذْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ ظَاهِرَ الشَّعْرِ (لِدَفْعِ الشَّعْرِ لِمَا) أَيْ لِلَّذِي (يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَاءِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ (فِي الْوُضُوءِ فِي) مَشْهُورِ (قَوْلِ مَالِكٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَاطِنَهَا لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ، إذْ الْوَجْهُ مَا يُوَاجِهُ بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا، وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ، وَتَقْيِيدُنَا بِالْكَثِيفَةِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَفِيفَةِ الَّتِي تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْأَهْدَابِ وَالشَّارِبِ وَالْعِذَارِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي.

ــ

[حاشية العدوي]

الْوَاجِبِ [قَوْلُهُ ثَلَاثًا] وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُحَقَّقَاتِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي غَسْلَةٍ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ فَفِي كَرَاهَتِهَا وَنَدْبِهَا قَوْلَانِ بِخِلَافِ الرَّابِعَةِ الْمُحَقَّقَةِ فَفِي مَنْعِهَا وَكَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ إلَّا لِنَحْوِ نَزْفٍ أَوْ تَنَظُّفٍ [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] مَحَطُّ الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ عَلَى وَجْهٍ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ فَرْضٌ [قَوْلُهُ: وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الْفَضِيلَةُ] أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِمَّا زَادَ يَنْوِي أَنَّهَا فَضِيلَةٌ لَا أَنَّ مَجْمُوعَهَا هُوَ الْفَضِيلَةُ.

[قَوْلُهُ: وَيُصَمِّمُ اعْتِقَادَهُ] أَيْ وَيَجْعَلُ مُعْتَقَدَهُ أَيْ مُتَعَلِّقَ اعْتِقَادِهِ [قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ] أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِحُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْمَحَلِّ بِالْأُولَى فَإِذَا هُوَ لَمْ يَعُمَّ بِهَا لَمْ يَجْزِهِ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ وَكَذَا السُّنَّةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ.

[قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ] أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يَنْقُلهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَيُحَرِّكُ] أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: يُدَاخِلَهَا] أَيْ يُدَاخِلَ ظَاهِرَهَا [قَوْلُهُ: فِي مَشْهُورِ قَوْلِ مَالِكٍ] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ بِهَا. [قَوْلُهُ: بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا قَالَتْ: يُمِرُّهُمَا عَلَيْهَا بِلَا تَخْلِيلٍ اهـ.

أَيْ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ: بِلَا تَخْلِيلٍ الْكَرَاهَةُ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْإِضْرَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَيُصَدَّقُ بِالِاسْتِحْبَابِ الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا] قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ بِاسْتِحْبَابِ التَّخْلِيلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ تَخْلِيلَهَا مَكْرُوهٌ، وَعَلَى وُجُودِ تَخْلِيلِهَا أَوْ نَدْبِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: لِدَاخِلِ الشَّعْرِ فَقَطْ، وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ: أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يُدَاخِلَهَا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ تَعْمِيمُ الظَّاهِرِ فَهُوَ دُخُولٌ مُتَعَلِّقٌ بِالظَّاهِرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِبُلُوغِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ. [قَوْلُهُ: الْمَغْرِبِيُّ] الْمُرَادُ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ، كَذَا سَمِعْت مِنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَرَأَيْته تَقْيِيدًا [قَوْلُهُ: وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا] أَيْ إلَى الْبَشَرَةِ لَا الْخَفِيفَةِ كَمَا هُوَ سِيَاقُهُ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشَّعْرِ خَفِيفًا وَالْبَعْضُ كَثِيفًا لَجَرَى كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ، وَعَطْفُ الْإِيصَالِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ.

تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْكَثِيفَةِ يَجْرِي فِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ شَعْرِ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ خَفِيفًا كَمَا يُفِيدُهُ عج خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيلَ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَالْعِذَارُ إلَخْ] هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَارِضِ وَهُوَ صَفْحَةُ الْخَدِّ، وَالظَّاهِرُ الْإِتْيَانُ بِالتَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَهُ عِذَارَانِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا] أَيْ الْكَثِيفَةِ فِي الْغُسْلِ كَمَا يَجِبُ تَخْلِيلُ الْخَفِيفَةِ فِيهِ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ

ص: 189

(وَ) إذَا سَقَطَ وُجُوبُ التَّخْلِيلِ فَلَا بُدَّ أَنْ (يُجْرِيَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ) بِالْمَاءِ (إلَى آخِرِهَا) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّ اللِّحْيَةِ إذَا سَقَطَتْ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ.

فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ لَغْوٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُعِيدُ الْمَسْحَ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ.

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَجْهُ يَنْتَقِلُ إلَى غَسْلِ الْوَاجِبِ الثَّانِي وَهُوَ الْيَدَانِ فَ (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا)، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ مُسْتَحَبَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» . وَانْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ خَيَّرَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِقَوْلِهِ: (ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ) وَلَمْ يُخَيَّرْ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَصِفَةُ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنَّهُ (يُفِيضُ) أَيْ يَصُبُّ (عَلَيْهَا الْمَاءَ وَيَعْرُكُهَا) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيُدَلِّكُهَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْأُولَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْغُسْلَ لِنُدُورِهِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَالْوُضُوءُ فِيهِ مَشَقَّةٌ لِتَكَرُّرِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهَا] أَيْ مُنْتَهِيًا إلَى آخِرِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَثِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا مَعَ الْمَاءِ وَيُحَرِّكُهَا؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا حُرِّكَ يَحْصُلُ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ الظَّاهِرِ وَهَذَا التَّحْرِيكُ خِلَافُ التَّخْلِيلِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ عَنْ مُحَاذِي الذَّقَنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ لِلْمَبَادِئِ فَيَجِبُ، أَوْ الْمُحَاذِي وَهُوَ الصَّدْرُ فَلَا يَجِبُ [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلَيْنِ] الرَّاجِحُ مِنْهُمَا عَدَمُ وُجُوبِ الْغَسْلِ سَوَاءٌ سَقَطَتْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ حُلِقَتْ أَوْ نُتِفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ عج فِي شَرْحِهِ لِخَلِيلٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً، وَأَمَّا الْغَسْلُ فَيُتَّفَقُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ أَوْ أَنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِيهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ لَغْوٌ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيُتَّفَقُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ إعَادَةِ مَوْضِعِ حَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعِيدُ الْمَسْحَ] فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ وَتَرَكَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا فَإِنَّ وُضُوءَهُ يَبْطُلُ، وَالنَّاسِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِنِيَّةٍ، وَالْعَاجِزُ إنْ بَطَلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا أَفَدْنَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُقَالُ: وُضُوءٌ بَطَلَ بِغَيْرِ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ.

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ أَيْ فِي الْوُضُوءِ وَأَوْلَى الْغُسْلُ، وَفِي عج أَنَّ الْخِلَافَ كَمَا هُوَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ، وَنَصُّهُ وَخَالَفَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فَأَوْجَبَ إعَادَةَ مَوْضِعِ الْقَلْمِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ اهـ.

الْمُرَادُ مِنْهُ وَانْظُرْ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الظُّفْرِ فِي الْغُسْلِ كَمَا قِيلَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَوْ تَوَضَّأَ وَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةُ لَحْمٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ قِشْرٌ مِنْهَا قِشْرَةٌ أَوْ جِلْدَةٌ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِ الْجِلْدِ كَمَا ذَكَرَ ح.

[قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ نَفْسُ الْوَجْهِ وَنَفْسُ الْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ هُوَ غَسْلُهُمَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَعْلِ إضَافَةِ غَسْلٍ لِلْوَاجِبِ بَيَانِيَّةً وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَجْهُ أَيْ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ [قَوْلُهُ: بِالْمَيَامِنِ] جَمْعُ يَمِينٍ وَالْمَيَاسِرُ جَمْعُ يَسَارٍ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ خَيَّرَ إلَخْ] ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجْهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْفَرْقُ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِلْوَجْهِ مَغَابِنُ وَجَوَانِبُ وَالْيَدَانِ مَسْطُوحَتَانِ لَا جَوَانِبَ فِيهِمَا.

قُلْت: وَبَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَيْضًا أَنَّ فِي الرِّجْلَيْنِ شُقُوقًا وَمَغَابِنَ وَشَأْنُهُمَا الْأَوْسَاخُ وَالْأَقْذَارُ فَنَاسَبَ فِيهِمَا التَّثْلِيثُ.

قَالَ تت: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ بِالتَّخْيِيرِ اسْتِوَاءَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْحَرَجِ اهـ.

قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ آكَدِيَّةُ الثَّالِثَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الثَّالِثَةِ فِي الْيَدَيْنِ [قَوْلُهُ: يُفِيضُ] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَفَاضَ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ [قَوْلُهُ: أَيْ يَصُبُّ] تَفْسِيرٌ لِيُفيضُ أَيْ وَيَأْخُذُهُ بِالْيَمِينِ كَمَا ذَكَرَهُ تت.

ص: 190

وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ (وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ) يَعْنِي: يُدْخِلُ أَصَابِعَ إحْدَى يَدَيْهِ فِي فُرُوجِ الْأُخْرَى، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَصَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّةِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُخَلِّلُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا لَا مِنْ بَاطِنِهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيكٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» .

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا وَصَفَ فِي الْيُمْنَى (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى (بِالْغَسْلِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مُحْتَمِلًا لِإِدْخَالِهِمَا فِي الْغَسْلِ وَعَدَمِهِ،، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ إدْخَالِهِمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ:(يُدْخِلُهُمَا فِي غَسْلِهِ) فَإِلَى فِي كَلَامِهِ كَالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ بِمَعْنَى مَعَ وَإِلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ قِيلَ) يَنْتَهِي (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (حَدُّ الْغَسْلِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إدْخَالُهُمَا فِيهِ) ج: وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَإِدْخَالُهُمَا فِيهِ أَحْوَطُ) قَوْلًا ثَالِثًا بِالِاسْتِحْبَابِ (لِزَوَالِ

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ الْإِفَاضَةُ بِشَرْطٍ إذْ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ صَحَّ.

[قَوْلُهُ: وَيُدَلِّكُهَا] مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ نَصَرَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى] وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ لَأُعَرِّكَنَّهُ عَرْكَ الْأَدِيمِ، أَيْ لَأُدَلِّكَنَّهُ ذَلِكَ الْجِلْدَ قَالَهُ ح [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ] أَيْ يُنْدَبُ [قَوْلُهُ: مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ] أَيْ مُقَارِنًا لِلصَّبِّ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِضَافَةِ فِي كُلِّ مَغْسُولٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ جَوَازَ التَّعْقِيبِ مَعَ الِاتِّصَالِ اهـ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] أَيْ يُدْخِلُ الْيُسْرَى فِي فُرُوجِ الْيَمِينِ عِنْدَ غَسْلِهَا، وَيُدْخِلُ الْيَمِينَ فِي فُرُوجِ الْيُسْرَى عِنْدَ غَسْلِهَا، وَجَمَعَ بَيْنَ التَّخْلِيلَيْنِ فِي الذِّكْرِ لِلِاخْتِصَارِ، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ الْآنَ فِي غَسْلِ الْيُمْنَى، فَإِنْ قُلْت إذَا أَدْخَلَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي فُرُوجِ الْيَمِينِ فَقَدْ دَخَلَتْ الْيُمْنَى فِي فُرُوجِ الْيُسْرَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَخْلِيلِ الْيُسْرَى بَعْدُ، قُلْت هَذَا التَّخْلِيلُ الْوَاقِعُ لِلْيُسْرَى عِنْدَ تَخْلِيلِ الْيُمْنَى لَيْسَ مَقْصُودًا ذَاتِيًّا فَلَمْ يَكْتَفُوا بِهِ.

[قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ إلَخْ] أَيْ إلَّا أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ ظَاهِرٌ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَيُخَلِّلُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا] أَيْ نَدْبًا، وَهَذَا صَوَابٌ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَشْبِيكٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ كَرَاهَةُ التَّشْبِيكِ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ بَلْ الْعِلَّةُ فِي التَّخْلِيلِ مِنْ الظَّاهِرِ كَوْنُهُ أَمْكَنَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ، وَالْخَدْشَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِلَّةِ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ نَعَمْ قَالَ بَعْضٌ بِكَرَاهَةِ التَّشْبِيكِ حَتَّى فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ فِي الْوُضُوءِ، فَكَلَامُ شَارِحِنَا حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ.

[قَوْلُهُ: فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ إلَخْ] الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدَيْنِ لِلْوُجُوبِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلرِّجْلَيْنِ لِلنَّدْبِ [قَوْلُهُ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ] فَلَوْ خُلِقَتْ يَدُهُ كَالْعَصَا مِنْ غَيْرِ مِرْفَقٍ هَلْ يُقَدِّرُ لَهَا قَدْرَ مَا لَهَا مِرْفَقٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهَا لِلْإِبِطِ، احْتِيَاطًا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ فِيهِ الْعَكْسُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ اهـ.

وَالْمِرْفَقُ هُوَ آخِرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُتَّصِلُ بِالْعَضُدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَّكِئَ يَرْتَفِقُ بِهِ إذَا أَخَذَ بِرَاحَتِهِ رَأْسَهُ مُتَّكِئًا عَلَى ذِرَاعِهِ [قَوْلُهُ: وَإِلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فِيهِ.

[قَوْلُهُ: حَدُّ الْغَسْلِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ حَدٌّ هُوَ الْغَسْلُ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ] أَيْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: ج وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِدْخَالُهُمَا إلَخْ] يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الثَّانِي أَيْ أَنَّ صَاحِبَ

ص: 191

تَكَلُّفِ) أَيْ مَشَقَّةِ (التَّحْدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ إلَيْهِمَا يَنْتَهِي حَدُّ الْغَسْلِ أَنْ يُحَدِّدَ نِهَايَةَ الْغَسْلِ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ.

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الْوَاجِبِ الثَّانِي: يَنْتَقِلُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ الثَّالِثِ: فَ (يَأْخُذُ الْمَاءَ) عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَيُفْرِغُهُ عَلَى بَاطِنِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا) أَيْ بِيَدَيْهِ (رَأْسَهُ) كُلَّهُ، وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَإِ الْوَجْهِ وَآخِرُهُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَعَظْمُ الصُّدْغَيْنِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الرَّأْسِ فَيَجِبُ مَسْحُهُ، وَالْأَصْلُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، وَمَا قِيلَ إنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَمَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ.

ع: عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ فَيُحِيطُ بِالشَّعْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ الْمُسْتَحَبَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ. (يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِهِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَمُقَدَّمُهُ (مِنْ أَوَّلِ مَنَابِتِ

ــ

[حاشية العدوي]

الْقَوْلِ الثَّانِي يَنْفِي الْوُجُوبَ، وَيُثْبِتُ الِاسْتِحْبَابَ.

قَالَ زَرُّوقٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا أَوْ مِنْ اخْتِيَارِهِ [قَوْلُهُ: مَشَقَّةُ التَّحْدِيدِ] أَيْ الْمَشَقَّةُ اللَّازِمَةُ لِلتَّحْدِيدِ.

أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَازِمَةٌ لِذَلِكَ الْقَوْلِ إذْ غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّ غَسْلَيْهِمَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، فَالْمَشَقَّةُ لَا تَنْتَفِي إلَّا إذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَلِذَلِكَ حَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَوَافَقَ الشَّارِحُ فِي تَقْرِيرِ الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ الثَّانِيَ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَالثَّالِثَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: فِعْلِ الْوَاجِبِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ فَعَلَ هُوَ الْوَاجِبَ لِأَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْأَفْعَالُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ الْفِعْلَ بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَأْخُذُ بِيَدَيْهِ مَعًا كَمَا قَالَ تت [قَوْلُهُ: مِنْ مَبْدَإِ الْوَجْهِ] أَيْ فَحِينَئِذٍ مَبْدَأُ الْوَجْهِ يُغْسَلُ فِي حَالِ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَيُمْسَحُ فِي حَالِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ إلَخْ [قَوْلُهُ: الْجُمْجُمَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجُمْجُمَةُ عَظْمُ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدِّمَاغِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ] أَيْ مَسْحًا مُلَاصِقًا لِلرَّأْسِ.

[قَوْلُهُ: لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ اللُّغَةِ] فَقَدْ قَالَ تت فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّ مَسَحَ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِالْبَاءِ، فَهُوَ الْآلَةُ نَحْوَ مَسَحْت يَدَيَّ بِالْحَائِطِ، فَالْحَائِطُ آلَةٌ وَالْيَدُ الْمَمْسُوحَةُ أَوْ مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ فَالْيَدُ آلَةٌ وَالْحَائِطُ الْمَمْسُوحُ، فَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ مِثْلُهَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ اهـ، فَالْمَمْسُوحُ الْيَدُ وَآلَةُ الْمَسْحِ الرَّأْسُ.

[قَوْلُهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ] الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا صَرِيحٌ إلَخْ] أَقُولُ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مَسْحٌ جَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُ بِدَلِيلِ احْتِوَائِهِ عَلَى الرَّدِّ، الَّذِي نَقُولُ بِسُنِّيَّتِهِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهَا إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ هُوَ الْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْوَسَطِ وَالْبَدَاءَةُ مِنْ الْمُؤَخَّرِ [قَوْلُهُ: مِنْ مُقَدَّمِهِ] بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَفِيهِ سُكُونُ الثَّانِي وَكَسْرُ الثَّالِثِ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ الِاسْتِحْبَابُ [قَوْلُهُ: وَمُقَدَّمُهُ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوَّلِ بَيَانٌ لِمُقَدَّمِهِ، أَيْ أَنَّ الْمُقَدَّمَ هُوَ أَوَّلُ مَنَابِتَ، وَالْمَعْنَى وَمُقَدَّمُهُ هُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ، إلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ هُوَ الْمُقَدَّمُ بَلْ مَبْدَأُ الْمُقَدَّمِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لَا حَقِيقَةٌ، فَإِنْ قُلْت مَا مَنَعَك عَنْ كَوْنِكِ تَجْعَلُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ ابْتِدَائِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ وَمُقَدَّمُهُ مُبْتَدَأُ مِنْ أَوَّلِ

ص: 192

شَعْرِ رَأْسِهِ الْمُعْتَادِ) فَلَا يُعْتَبَرُ شَعْرُ أَغَمَّ وَلَا أَصْلَعَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَجْهِ، (وَ) تَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَالَةَ كَوْنِهِ (قَدْ قَرَنَ) أَيْ جَمَعَ (أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهِ) مَا عَدَا إبْهَامَيْهِ (بَعْضَهَا بِبَعْضٍ) أَيْ مَعَ بَعْضٍ (عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ) الصُّدْغَانِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا، وَالْإِبْهَامَانِ تَثْنِيَةُ إبْهَامٍ وَهِيَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى مِنْ الْأَصَابِعِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَشْهَرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أُبْهِمَتْ عَنْ سَائِرِ الْأَصَابِعِ فَلَمْ تَخْتَلِطْ بِهَا (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَجْمَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ (يَذْهَبُ بِيَدَيْهِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مَاسِحًا إلَى طَرَفِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (شَعْرِ رَأْسِهِ) الْمُعْتَادِ (مِمَّا يَلِي قَفَاهُ) وَهُوَ آخِرُهُ، وَهُوَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ طَوِيلَ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ مَا طَالَ مِنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ مَا طَالَ.

(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَنْتَهِيَ بِالْمَسْحِ إلَى آخِرِ الرَّأْسِ (يَرُدُّهُمَا) أَيْ يَدَيْهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (إلَى حَيْثُ) أَيْ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي (بَدَأَ مِنْهُ) مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ (وَيَأْخُذُ) أَيْ يَمُرُّ (بِإِبْهَامَيْهِ خَلْفَ أُذُنَيْهِ) تَثْنِيَةُ أُذُنٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ ضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَيَنْتَهِي الْمُرُورُ بِإِبْهَامَيْهِ (إلَى صُدْغَيْهِ) ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَالَ:(وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوْعَبَ) أَيْ عَمَّ (رَأْسَهُ كُلَّهُ) بِالْمَسْحِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (أَحْسَنُ) مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

مَنَابِتِ إلَخْ، قُلْت: مَنَعَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ أَنَّ مَبْدَأَهُ كَذَا وَنِهَايَتَهُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيَانَ نِهَايَتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَمَعَ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ الْبَدْءِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا وَجَمْعِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ كَأَنْ تَقُولَ الْبَدْءُ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا مُسْتَحَبٌّ وَجَمْعُ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، وَكَذَا جَعْلُ إبْهَامَيْهِ مُسْتَحَبٌّ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ نَصًّا فِي ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: بَعْضَهَا بِبَعْضٍ] بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَطْرَافَ بَدَلُ بَعْضٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج: 40] فَجَعَلَ الْجَلَالُ أَنَّ بَعْضَهُمْ بَدَلٌ مِنْ النَّاسِ بَدَلَ بَعْضٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَشْهَرِ] قَالَ تت وَالْإِبْهَامُ هِيَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أَشْهَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، اهـ فَقَوْلُ شَارِحِنَا عَلَى الْأَشْهَرِ أَيْ أَنَّ التَّأْنِيثَ أَشْهَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ مَعَ وُرُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الْمِصْبَاحِ ذَكَرَ كَلَامَ شَارِحِنَا حَيْثُ قَالَ: الْإِبْهَامُ مِنْ الْأَصَابِعِ أُنْثَى عَلَى الْمَشْهُورِ، اهـ فَمُفَادُهُ خِلَافُ مُفَادِ تت.

[قَوْلُهُ: أُبْهِمَتْ] أَيْ أُبْعِدَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ سَاقَ إلَيْهِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ أَبْهَمْته إبْهَامًا لَمْ تُبَيِّنْهُ.

[قَوْلُهُ: إلَى طَرَفٍ] أَيْ إلَى مَحَلِّ طَرَفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعْرٌ، وَإِلَى الطَّرَفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ شَعْرٌ [قَوْلُهُ: مِمَّا يَلِي قَفَاهُ] مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَوْضِعِ الطَّرَفِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ مَوْضِعِ ذَلِكَ الطَّرَفِ هُوَ مَا يَلِي قَفَاهُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ آخِرُهُ أَيْ هَذَا الَّذِي يَلِي الْقَفَا آخِرُ الرَّأْسِ فَالْقَفَا خَارِجٌ مِنْ الرَّأْسِ كَالرَّقَبَةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَسْحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَ عج.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ] أَيْ وَذَلِكَ الْآخِرُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] تَبِعَ ابْنُ عُمَرَ وَاعْتَرَضَهُ تت بِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَسْحَ شَعْرِ رَأْسِهِ إذَا طَالَ مَسَحَهُ إلَى قَفَاهُ دُونَ مَا طَالَ مِنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ إلَى طَرَفِ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَإِنَّمَا تَحَرَّزَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَمْسَحَ شَعْرَ الْقَفَا كَمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ اللَّخْمِيِّ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَنْتَهِي لِآخِرِ الْجُمْجُمَةِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: يَرُدُّهُمَا] هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَوْ لَهُ شَعْرٌ قَصِيرٌ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إذْ لَا تَتِمُّ الْمَرَّةُ الْأُولَى الْوَاجِبَةُ إلَّا بِهِ، ثُمَّ تَطْلُبُ مِنْهُ السُّنَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ بَدْءًا وَرَدًّا، لَكِنَّ مَحَلَّ طَلَبِ تِلْكَ السُّنِّيَّةِ إذَا بَقِيَ بَلَلٌ بِيَدَيْهِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ فَإِنْ بَقِيَ بَلَلٌ يَكْفِي الْبَعْضَ فَيَمْسَحُهُ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ] أَيْ فَالتَّجْدِيدُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ] أَيْ سُمِّيَتْ الْأُذُنُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ بِذَلِكَ أَيْ بِلَفْظِ أُذُنٍ وَقَوْلُهُ مِنْ أُذُنٍ، أَيْ مِنْ أَجْلِ

ص: 193

غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَهِيَ لِمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فَقَالَ:(وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا مَبْلُولَتَيْنِ وَمَسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَفَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ يَنْتَقِلُ إلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ إلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَى الْأَوَّلِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ (يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ) تَثْنِيَةُ سَبَّابَةٍ وَهِيَ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إلَى السَّبِّ فِي الْمُخَاصَمَةِ (وَ) عَلَى (إبْهَامَيْهِ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا (وَإِنْ شَاءَ غَمَسَ ذَلِكَ) أَيْ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ (فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا) وَهُوَ مَا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى الصَّحِيحِ (وَبَاطِنَهُمَا) وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَتَبَّعَ غُضُونَهُمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ بِالْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَالتَّتَابُعُ يُنَافِيهِ (وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ) رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا (كَمَا ذَكَرْنَا) فِي مَسْحِ الرَّجُلِ مِقْدَارًا وَصِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ك: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ كَمَا تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ.

(وَتَمْسَحُ) الْمَرْأَةُ (عَلَى دَلَّالِيهَا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ شَعْرِهَا. ك: وَالْمَشْهُورُ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنَّ لَفْظَ الْأُذُنِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَنِ بِالْفَتْحِ [قَوْلُهُ: إذَا أَوْعَبَ] أَيْ وَلَوْ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ [قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ] وَهُوَ قَوْلُهُ بَدَأَ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ وَمَعَ كَرَاهَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا مُفَادُهُ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ، وَفَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنْتِجُ الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْمُسْتَحَبِّ يُصَدَّقُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَخِلَافُ الْأُولَى.

[قَوْلُهُ: وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ إلَخْ] هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ] وَعَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ [قَوْلُهُ: وَإِلَى الْأَوَّلِ يُشِيرُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ مَجْمُوعُ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ [قَوْلُهُ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ] بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَيُفْرِغَهُ عَلَى سَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى مَعَ إبْهَامِهَا، وَمَا اجْتَمَعَ فِي كَفِّ الْيُسْرَى يُفْرِغُهُ عَلَى سَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى مَعَ إبْهَامِهَا، كَذَا فِي عج وَالتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: إلَى السَّبِّ] أَيْ عِنْدَ السَّبِّ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَلَيْسَ السَّبُّ مَدْلُولًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ إلَخْ] أَشَارَ إلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَالصِّفَةُ الْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذِهِ لِمَالِكٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ بَاطِنَهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، وَظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا كَزِرِّ الْوَرْدِ، فَإِذَا تَكَمَّلَ خَلْقُهَا انْفَتَحَتْ عَلَى الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ لِلْجَبِينِ الْآنَ كَانَ بَاطِنًا وَالْبَاطِنُ كَانَ ظَاهِرًا، فَهَلْ يُعْتَبَرُ حَالُ الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ أَوْ الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ حَالَةَ وُرُودِ الْخِطَابِ، وَهُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ، لَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَا مِنْ الرَّأْسِ.

قَالَهُ عج فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَسْحُ الْجَمِيعِ سُنَّةً، فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَصِفَةُ مَسْحِهِمَا عَلَى مَا قَالَ تت أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ وَيُمِرَّهُمَا لِلْآخِرِ، وَآخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ. وَوَسَطَهُمَا مُلَاقِيًا لِلْبَاطِنِ دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اهـ.

هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ دَاخِلٌ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَالْكُلُّ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ أَنَّ الْمَوَّاقَ حَكَى أَنَّهُ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا، فَأَقَلُّ مَا هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِحُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الصِّفَةِ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: مِقْدَارًا وَصِفَةً] الْمِقْدَارُ كَوْنُ الْمَمْسُوحِ مَا بَيْنَ الْقَفَا وَمُنْتَهَى الْوَجْهِ، وَالصِّفَةُ كَوْنُهُ يَبْدَأُ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَيُخْتَمُ بِالْمُؤَخَّرِ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] هَذَا دَلِيلٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَقَطْ غَيْرُ شَامِلٍ لِلْأُذُنَيْنِ الدَّاخِلَتَيْنِ فِي الْمُدَّعَى.

[قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ إلَخْ] لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ خَالَفَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ، [قَوْلُهُ: أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ] أَيْ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ وَغَلَّبَ الرِّجَالَ.

[قَوْلُهُ: وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ إلَخْ] أَعَادَ الْعَامِلَ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ مَا انْفَرَدَتْ بِمَسْحِهِ، [قَوْلُهُ: عَلَى دَلَالَيْهَا] بِفَتْحِ الدَّالِ تَثْنِيَةُ دَلَالٍ.

[قَوْلُهُ: أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ شَعْرِهَا] أَيْ عَلَى الصُّدْغِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ فَعَلَيْهِ

ص: 194

وُجُوبُ مَسْحِ مَا اسْتَرْخَى مِنْ شَعْرِ الرَّجُلِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ (لَا تَمْسَحُ عَلَى الْوِقَايَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ شَعْرَ رَأْسِهَا بِهَا لِتَقِيَهُ مِنْ الْغُبَارِ، وَكَذَلِكَ لَا تَمْسَحُ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ خِمَارٍ وَحِنَّاءٍ وَنَحْوَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَائِلٌ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ مِثْلُ اللَّزْقَةِ تُضَمَّدُ بِالسِّدْرِ وَالْحِنَّاءِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ جَرٍّ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي مَسْحِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى عِمَامَتِهِ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ، وَإِذَا مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ

ــ

[حاشية العدوي]

يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْمُفْرَدِ أَوْ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى الصُّدْغَيْنِ مَعًا فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلدَّلَالَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهُوَ دَلَالٌ فَإِذَا أُرِيدَ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَيْهِمَا قِيلَ دَلَالَانِ، وَكَذَا مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى الْوَجْهِ تَمْسَحُهُ، وَهَلْ يُسَمَّى دَلَالًا؟ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ يَقُولُ: أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى وَجْهِهَا وَعَلَى صُدْغَيْهَا، إلَّا أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْجَمْعِ لَا لِلْمُثَنَّى وَيُشِيرُ الْفَاكِهَانِيُّ حَيْثُ قَالَ هُمَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْخِي عَلَى وَجْهِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى تَفْسِيرِهِ يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْمُفْرَدِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ.

[قَوْلُهُ: مَسْحِ مَا اسْتَرْخَى] أَيْ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُفِيدُهُ تت وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُ فَالْمَشْهُورُ يَنْظُرُ لِلْمُبَادِي، وَالْمُقَابِلُ يَنْظُرُ لِلْمُحَاذِي، وَأَمَّا الْجُزْءُ الْقَائِمُ بِالرَّأْسِ فَيُمْسَحُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ مُفَادُهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ مَا اسْتَرْخَى عَلَى الرَّأْسِ، أَيْ كَانَ قَائِمًا بِهَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ غَيْرُ مُرَادٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ] أَيْ يَسْتَرْخِي عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، أَيْ عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْمُنَاسِبُ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمَشْهُورِ كَمَا قَرَّرْنَا أَنْ يَقُولَ مَا اسْتَرْخَى مِنْ أَثَرِ الرِّجَالِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ، بِحَيْثُ نَزَلَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ عَلَى الْوَجْهِ، وَأَمَّا الْقَائِمُ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ تت أَنَّهُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ.

[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ] وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ مَصْدَرٌ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ.

[قَوْلُهُ: الَّتِي تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ شَعْرَ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَضُمُّ الشَّعْرَ، وَتَرْبِطُهُ بِتِلْكَ الْخِرْقَةِ فَالْخِرْقَةُ رَابِطَةُ الشَّعْرِ لَا الرَّأْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّبْطَ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ، وَيَلْزَمُ مِنْ رَبْطِ الرَّأْسِ رَبْطُ الشَّعْرِ، [قَوْلُهُ: وَحِنَّاءٍ] أَيْ مُتَجَسِّدَةٍ لَا اللَّوْنُ الَّذِي يَمْكُثُ بَعْدَ إزَالَةِ الثُّفْلِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ أَيْ جُرْمُهُ لَا أَثَرُهُ هَذَا فِي الثُّفْلِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي مُسْتَبْطَنِ الشَّعْرِ دُونَ أَعْلَاهُ فَلَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ مُسْتَبْطَنَهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَسْحِ.

[قَوْلُهُ: تُضَمَّدُ بِالسِّدْرِ] أَيْ تُشَدَّدُ بِالسِّدْرِ وَالْحِنَّاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ، وَالْمُرَادُ تَجْعَلُ عَلَيْهَا سِدْرًا وَحِنَّاءً.

[قَوْلُهُ: مِنْ حَرٍّ وَشَبَهِهِ] أَيْ حَرٍّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحَرِّ فَلَا يَكُونُ مُسَوِّغًا، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ حَالَ الْعَرُوسِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهَا نَزْعُ مَا عَلَى شَعْرِهَا مِنْ زِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَنْ رَخَّصَ لِلْعَرُوسِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ الْمَسْحَ عَلَى الْحَائِلِ.

[قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ مَالِكٌ] إنَّمَا قَالَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ اخْتِيَارًا وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ نَاجِي قَوْلَ أَحْمَدَ قَائِلًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ [قَوْلُهُ: فِي مَسْحِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى عِمَامَتِهِ] أَيْ بَعْضِهَا وَكَانَ قَدْ مَسَحَ النَّاصِيَةَ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ] أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لِضَرُورَةٍ.

[قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ] أَيْ يُكْمِلَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَقِيلَ لَا يُطْلَبُ بِالتَّكْمِيلِ، وَقِيلَ يُطْلَبُ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَكَذَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كُلِّهَا إذَا خَافَ بِنَزْعِهَا ضَرَرًا، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسْحِ مَا هِيَ مَلْفُوفَةٌ عَلَيْهِ كَالْمُزَوَّجَةِ، فَإِنْ قَدَرَ مَسَحَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْعِمَامَةِ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ نَقْضُهَا وَعَوْدُهَا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ وَكَانَ لِبْسُهُ لَهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِضَرَرٍ فَهَلْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا كَانَ يُقَرِّرُهُ الشَّيْخُ عُثْمَانُ الْعِزِّيُّ أَمْ لَا وَهُوَ مَا كَانَ يُقَرِّرُهُ

ص: 195

عَلَى عِمَامَتِهِ.

(وَ) إذَا مَسَحَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا فَإِنَّهَا (تُدْخِلُ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِ عِقَاصِ شَعْرِهَا فِي رُجُوعِ يَدَيْهَا فِي الْمَسْحِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَقْصُ أَنْ تَلْوِيَ الْخُصْلَةَ مِنْ الشَّعْرِ، ثُمَّ تَعْقِدَهَا حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ، ثُمَّ تُرْسِلُهَا وَكُلُّ خُصْلَةٍ عَقِيصَةٌ، وَالْجَمْعُ الْعِقَاصُ وَالْعَقَائِصُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا فِي الْوُضُوءِ كَمَا قَالَ فِي الْغُسْلِ لِلْمَشَقَّةِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ عِقَاصُهَا مِثْلَ عِقَاصِ الْعَرَبِ تَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ، أَمَّا إنْ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْخُيُوطُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ (يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) وَهُوَ الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَتَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ الْخَفْضِ بِتَآوِيلَ كَثِيرَةٍ.

قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الرُّءُوسِ فَهُمَا يُمْسَحَانِ إذَا كَانَ

ــ

[حاشية العدوي]

غَيْرُهُ؟ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِنَقْضِهَا وَعَوْدِهَا، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا قَطْعًا [قَوْلُهُ: تُدْخِلُ يَدَيْهَا] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ح فِي شَرْحِهِ لِلْقُرْطُبِيَّةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِتَوَقُّفِ التَّعْمِيمِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدَ تَعْمِيمِ رَأْسِهَا بِالْمَسْحِ يُسَنُّ فِي حَقِّهَا الرَّدُّ وَتُدْخِلُ يَدَيْهَا تَحْتَهُ فِي الرَّدِّ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا حَيْثُ بَقِيَ بِيَدَيْهَا بَلَلٌ.

[قَوْلُهُ: الْعَقْصُ] بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ عَقَصَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا عَقْصًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَنْ تَلْوِيَ الْخُصْلَةَ] بِضَمِّ الْخَاءِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَعْقِدُهَا] أَيْ مَعَ خُصْلَةٍ أُخْرَى بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

[قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ] أَيْ حَتَّى يَبْقَى الِالْتِوَاءُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْقَدْ يَذْهَبُ الِالْتِوَاءُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْأَسَاسِ، حَيْثُ قَالَ حَتَّى يَبْقَى الْتِوَاءٌ بِهَا وَعَلَى هَذَا فَالْعَقْصُ مُبَايِنٌ لِلضَّفْرِ؛ لِأَنَّ الضَّفْرَ كَمَا يُضَفَّرُ الْخُوصُ وَالْعَقْصُ عَلَى هَذَا خُصْلَةٌ مَرْبُوطٌ طَرَفُهَا مَعَ طَرَفِ غَيْرِهَا بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ، وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُرَادِفًا، حَيْثُ قَالَ، وَالْعِقَاصُ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الْخُصْلَةُ مِنْ الشَّعْرِ تُضَفِّرُهَا ثُمَّ تُرْسِلُهَا فَهُمَا طَرِيقَتَانِ، هَذَا وَصَدْرُ عِبَارَةِ الْمِصْبَاحِ تَقْتَضِي إطْلَاقَ الْعَقِيصَةِ عَلَى مُجَرَّدُ لَيِّ الشَّعْرِ وَجَعْلِ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ.

[قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي الْغُسْلِ] أَيْ لَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا، [قَوْلُهُ: تَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ] أَيْ تَرْبِطُ أَطْرَافَ الْعِقَاصِ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ، وَقَوْلُهُ أَمَّا إنْ كَثُرَتْ، أَيْ بِأَنْ زَادَتْ عَلَى خَيْطَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا رحمه الله وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَوٍ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ مِنْ أَنَّ الْخَيْطَيْنِ لَا يَنْقُصَانِ فِيهِمَا مُطْلَقًا اشْتَدَّ الرَّبْطُ أَمْ لَا، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَأَكْثَرُ فَيَنْقُضُ اشْتَدَّ أَمْ لَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا لِلزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْفَرِيضَةُ إلَخْ] أَيْ غَسْلُ رِجْلَيْهِ الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ.

[قَوْلُهُ: عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ] أَيْ أَنَّ كَوْنَ الرِّجْلَيْنِ يُغْسَلَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ فَرْضُهُمَا الْمَسْحُ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ خِلَافُ الْقِرَاءَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] خَفْضًا وَنَصْبًا فَعَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الرَّأْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ] هُوَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ وَسَمَّاهُ الْمُفْهِمَ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ الْمُحَدِّثُ، مَاتَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ وَالتَّفْسِيرِ، فَإِنَّ ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ وَكَانَ أَيْ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الْمَشْغُولِينَ بِمَا يَعْنِيهِمْ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، أَوْقَاتُهُ مَعْمُورَةٌ مَا بَيْنَ تَوَجُّهٍ وَعِبَادَةٍ وَتَصْنِيفٍ، وَكَانَ قَدْ طَرَحَ التَّكَلُّفَ يَمْشِي بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ، وَكَانَ مُسْتَقِرًّا بِمُنْيَةِ ابْنِ خَصِيبٍ، وَتُوُفِّيَ بِهَا وَدُفِنَ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ رحمه الله هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ شَارِحُ مُسْلِمٍ وُلِدَ بِقُرْطُبَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَسَمِعَ بِهَا، وَقَدِمَ مِصْرَ وَحَدَّثَ بِهَا وَاخْتَصَرَ الصَّحِيحَيْنِ، ثُمَّ شَرَحَ مُخْتَصَرَ مُسْلِمٍ وَذُكِرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عَنْهُ أَيْ عَنْ شَارِحِ مُسْلِمٍ الْحَافِظِ شَرَفِ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالثَّانِي الَّذِي هُوَ مُصَنِّفُ التَّفْسِيرِ وَالتَّذْكِرَةِ فَصَاحِبُهُمَا تِلْمِيذُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ شَارِحُ مُسْلِمٍ.

[قَوْلُهُ: هَذَا

ص: 196

عَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَتَلَقَّيْنَا هَذَا الْقَيْدَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رِجْلَيْهِ إلَّا وَعَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ غَسْلُهُمَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَالَ الَّذِي يَمْسَحُ فِيهِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِمَا أَنَّهُ (يَصُبُّ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَعْرُكُهَا) أَيْ يُدَلِّكُهَا (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) عَرْكًا (قَلِيلًا قَلِيلًا) أَيْ رَفِيقًا رَفِيقًا (يُوعِبُهَا) أَيْ يَسْتَكْمِلُ غَسْلَهَا (بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ اسْتِحْبَابًا وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَحْدُودٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْإِبَاحَةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ خَلَّلَ أَصَابِعَهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي حَالِ الْغَسْلِ (وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ) ج: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، ثَانِيهِمَا الِاسْتِحْبَابُ لِابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ:(وَالتَّخْلِيلُ أَطْيَبُ) أَيْ أَدْفَعُ (لِ) وَسْوَسَةِ (النَّفْسِ) وَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ تَخْلِيلِهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْفَلَ يَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، فَيَبْدَأُ الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا وَيَخْتِمُ الْيُمْنَى بِهِ، وَلَمَّا كَانَ فِي الرِّجْلِ مَوَاضِعُ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ أَخَذَ يُنَبِّهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ

ــ

[حاشية العدوي]

الْقَيْدَ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَاتِرُ] مُبْتَدَأٌ وَغَسْلُهُمَا هُوَ الْخَبَرُ، أَيْ وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ غَسْلُهُمَا أَيْ دَائِمًا عِنْدَ عَدَمِ الْخُفَّيْنِ، فَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَتِمُّ التَّعْلِيلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ الَّتِي زِدْنَاهَا.

[قَوْلُهُ: الْحَالَ الَّذِي يَمْسَحُ فِيهِ] أَيْ وَهُوَ عِنْدَ اللُّبْسِ لِلْخُفِّ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصُبُّ إلَخْ] الصَّبُّ يَكُونُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ النَّقْلُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْغَسْلِ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُمْنَى] قَالَ تت: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِيَدِهِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْمَاءَ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إلَّا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ.

قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ يُدَلِّكُهَا] مِنْ بَابِ قَتَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُسْرَى] فَلَا يَكْفِي دَلْكُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى وَفِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِهِ مَا يُشْعِرُ بِاعْتِمَادِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي دَلْكُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى [قَوْلُهُ: عَرْكًا قَلِيلًا قَلِيلًا] أَيْ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُشُونَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ بِالْغَسْلِ دَفْعَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّ قَلِيلًا لَيْسَ رَاجِعًا لِصُبَّ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فَرُجُوعُهُ لَهُ يَصِيرُ فِي الْعِبَارَةِ تَكْرَارًا [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابًا] أَيْ أَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأُولَى فَرْضٌ لَكِنْ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ] يَأْتِي هَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ.

[قَوْلُهُ: مَحْدُودٌ إلَخْ] هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ فَالْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ فِي غَسْلِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا هُوَ وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْقَاءِ إنْقَاءُ مَا يَلْزَمُ إزَالَتَهُ فِي الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَإِنَّمَا خَالَفَ الرِّجْلَانِ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِكَوْنِهِمَا مَحَلَّ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ غَالِبًا، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ النَّقِيَّتَيْنِ أَمَّا النَّقِيَّتَانِ فَكَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ اتِّفَاقًا. وَجَمَعَ الْمَازِرِيُّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي النَّظِيفَتَيْنِ وَالْإِنْقَاءَ فِي غَيْرِهِمَا.

[قَوْلُهُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ إلَخْ] وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ الْوُجُوبُ وَالْإِنْكَارُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ هَذَيْنِ لِمَا فِي الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ.

وَالْخَامِسُ يُخَلِّلُ مَا بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ فَقَطْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي وَهَذَا فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَقِيلَ: وَاجِبٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَاشِيَتِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْفَلَ] أَيْ وَيُخَلِّلُهُمَا بِخِنْصَرِهِ، وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ بِالْمُسَبِّحَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ شِدَّةُ الْتِصَاقِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَهُمَا الْبَاطِنَ أَوْ لِلْخِلَافِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ [قَوْلُهُ: يَبْدَأُ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الْمُسْتَحَبِّ الْمَذْكُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا آخَرَ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ مِنْ

ص: 197

الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ فَقَالَ: (وَيَعْرُكُ) أَيْ وَلْيَعْرُكْ يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ (عَقِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عَقِبٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهِيَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ (وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (عُرْقُوبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عُرْقُوبٍ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الْمُتَوَتِّرُ فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ.

(وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (مَا لَا يَكَادُ) أَيْ الَّذِي لَا (يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ) فَيَكَادُ زَائِدَةٌ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ جَسَاوَةٍ) بِجِيمٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ غِلَظٌ فِي الْجِلْدِ نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ (أَوْ شُقُوقٍ) أَيْ تَفَاتِيحُ تَكُونُ مِنْ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْجِلْدِ فِي أَهْلِ الْأَجْسَامِ الْغَلِيظَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِعَرْكِ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ مُصَلِّيًا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَقَالَ:(فَلْيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ مَعَ) كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِ (صَبِّ الْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَى (بِيَدِهِ) إنْ أَمْكَنَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَكَّدَ مَا أَمَرَ بِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مُعَبِّرًا بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَقَالَ:(فَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ

(جَاءَ الْأَثَرُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» قِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَسْفَلُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْبُدَاءَةُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى إلَخْ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ.

[قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ] التَّعْبِيرُ بِيَعْنِي لَيْسَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ فَقَصَدَ مُجَرَّدَ الْإِيضَاحِ [قَوْلُهُ: فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ] لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ لِلْعَقِبِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِالْعُرْقُوبِ فَالْعُرْقُوبُ أَقْرَبُ مِنْ السَّاقِ.

قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ: الْعَقِبُ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، وَالْعُرْقُوبُ الْقَصَبَةُ النَّاتِئَةُ مِنْ الْعَقِبِ إلَى السَّاقِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ، وَأَيْضًا فَتِلْكَ النِّسْبَةُ تُؤْذِنُ بِوُجُودِ عَقِبٍ لَيْسَ مَنْسُوبًا لِلسَّاقِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَيَكَادُ زَائِدَةٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ زِيَادَتَهَا لَيْسَتْ مُتَعَيِّنَةً بَلْ عَدَمُ زِيَادَتِهَا صَحِيحٌ أَيْ وَمَا لَا يَقْرُبُ مُدَاخَلَةُ الْمَاءِ لَهُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ] الْقَشَفُ عَدَمُ تَعَهُّدِ النَّظَافَةِ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَشِفَ الرَّجُلُ قَشَفًا فَهُوَ قَشِفٌ مِنْ بَابِ تَعِبٍ أَيْ لَمْ يَتَعَهَّدْ النَّظَافَةَ، وَتَقَشَّفَ مِثْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِ كَسَوْدَاءَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ تت. قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غَلَبَتْ إحْدَى الطَّبِيعَتَيْنِ تَحْصُلُ تِلْكَ الشُّقُوقُ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ] أَيْ لِاحْتِمَالٍ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَوْفَ إنْ كَانَ وَهْمًا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَإِنْ كَانَ شَكًّا أَوْ ظَنًّا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: فَلْيُبَالِغْ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ الْعَرْكُ الْمَذْكُورُ مُتَعَلِّقًا بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْخَفِيَّةِ فَيَتَفَرَّعُ طَلَبُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْقَى] أَيْ لِأَنَّ الْعَرْكَ الْمُقْتَرِنَ بِالصَّبِّ أَنْقَى مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الصَّبُّ بَعْدَ الْعَرْكِ أَوْ قَبْلَ الْعَرْكِ. [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْعَرْكِ [قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَهُ] أَيْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ، وَيَبْعُدُ تَرْجِيعُهُ لِقَوْلِهِ: مَعَ كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِصَبِّ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِوُجُودِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: بِيَدِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَرْكِ [قَوْلُهُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ عَرْكِ عَقِبَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ كَمَا قَالَ تت فِي إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقَعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمَوْقُوفِ.

وَأَمَّا فُقَهَاءُ خُرَاسَانَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْمَرْفُوعَ خَبَرًا وَالْمَوْقُوفَ أَيْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَثَرًا، فَقَدْ جَرَى عَلَى إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ الْأَثَرِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: لِلْأَعْقَابِ] يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ حِينَ رَأَى قَوْمًا تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْبَاجِيُّ لِمَا ذُكِرَ قُلْت: لَا اسْتِبْعَادَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُشَرِّعٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ، فَالْمَعْنَى وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ] أَيْ وَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ النَّارِ تَبْعِيضِيَّةً، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ وَيْلٌ كَائِنٌ لِلْأَعْقَابِ حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ النَّارِ، أَيْ بَعْضَ النَّارِ، وَيُرَادُ مِنْ النَّارِ دَارُ الْعِقَابِ، وَعَبَّرَ بِقِيلَ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ.

وَكَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: وَيْلٌ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْهَلَاكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا

ص: 198

الْأَعْقَابِ. قَالُوا: وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَعْقَابِ خَاصَّةً بَلْ شَامِلٌ لِكُلِّ لَمْعَةٍ تَبْقَى فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا حِينَ رَأَى أَعْقَابَ النَّاسِ تَلُوحُ وَلَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ. (وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَ) هُوَ (آخِرُهُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَفْعَلُ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْيُمْنَى سَوَاءٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُنْتَهَى الْغَسْلِ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُمَا الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ السَّاقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْوُضُوءِ،

وَلَمَّا قَدَّمَ فِيهَا أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا حَقُّهُ الْغَسْلُ ثَلَاثًا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ) الَّتِي حَقُّهَا الْغَسْلُ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِأَمْرٍ لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَكِنَّهُ) أَيْ التَّحْدِيدَ بِالثَّلَاثِ (أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ) وَلَا فَضِيلَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الرَّابِعَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.» هَذَا مَعَ تَحَقُّقِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَقِيلَ: يَبْنِي عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

الْهَلَاكُ. [قَوْلُهُ: تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ] فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَمَا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ؟ قُلْت: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا نَسَبَ الْعَذَابَ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْعَذَابَ لِصَاحِبِهَا إمَّا لِشِدَّتِهِ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُعَذَّبٍ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ التَّعْذِيبِ بِالْأَعْقَابِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا خَصَّ التَّعْذِيبَ بِغَيْرِ مَحَلِّ السُّجُودِ، وَيَجْرِي هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ إلَخْ] جَوَابٌ عَلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُصْطَفَى؟ [قَوْلُهُ: تَلُوحُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ بَدَا اهـ. أَيْ تَظْهَرُ بِدُونِ مَاءٍ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ آخِرُ إلَخْ] قَدَّرَ هُوَ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَطْفَ الْآخِرِ عَلَى الطَّرَفِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَقِبُ وَالطَّرَفُ الَّذِي هُوَ الْآخِرُ مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّرْقَانِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيُطْلَقُ الْعَقِبُ عَلَى طَرَفِ الرِّجْلِ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُقَالُ عَلَى مُقَدَّمِ الرِّجْلِ عَقِبٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: وَهُمَا الْكَعْبَانِ إلَخْ] التَّثْنِيَةُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ اكْتِفَاءً مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخِلَافِ وَالِاسْتِدْلَالُ وَاحِدٌ، فَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ.

[قَوْلُهُ: بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ إلَخْ] أَقُولُ: لَا يُسَلَّمُ لَهُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ مَا يَشْمَلُ الْكَرَاهَةَ، فَيَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: وَقَدْ أَشَارَ لَهُمَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ، وَالْأَوْلَى وَهَلْ تُكْرَهُ الزَّائِدَةُ لِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ أَيْضًا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَتْ الرَّابِعَةُ فَمَا زَادَ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ بِالْأَوَّلِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَصَلَ بِالْمُتَجَدِّدِ تَمَامُ تَثْلِيثِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ إزَالَةَ الْأَوْسَاخِ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: فَأَرَاهُ ثَلَاثًا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بِحَضْرَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَسَاءَ] أَيْ ارْتَكَبَ أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ وَقَوْلُهُ: تَعَدَّى وَظَلَمَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْمِصْبَاحِ تَرَادُفُهُمَا، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ كَالْمُتَرَادِفَةِ.

[قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] هُوَ صلى الله عليه وسلم.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا لِلْقَوْلِ بِهِ، وَصَاحِبُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ يَقُولُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْعِصْيَانِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ التَّنْفِيرِ فَلَا يَلْزَمُ الْحُرْمَةُ، فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذِهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ وَخُصُوصًا الْمُقَابِلُ هُوَ الْحُرْمَةُ.

ص: 199

الْأَقَلِّ كَالشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ: عَلَى الْأَكْثَرِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ. ج: وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَبِهِ أَدْرَكْت مَنْ لَقِيتُهُ يُفْتِي (وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ) أَيْ يُسْبِغُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ (بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ثَلَاثِ غَسَلَاتٍ (أَجْزَأَهُ) فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ (إذَا أَحْكَمَ) أَيْ أَتْقَنَ (ذَلِكَ) الْفِعْلَ، وَقَدْ حَدَّدَ الْأَكْثَرَ وَلَمْ يُحَدِّدْ الْأَقَلَّ إذْ الْأَقَلُّ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ وَالِاثْنَيْنِ، وَلَمَّا شَرَطَ فِي إجْزَاءِ الْوَاحِدَةِ الْإِحْكَامَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (ذَلِكَ) الْغَسْلِ (سَوَاءً) عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ بِالْوَاحِدَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ مَا يُحْكِمُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِالثَّلَاثِ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِاثْنَيْنِ نَوَى بِهِمَا الْفَرْضَ، وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ.

وَلَمَّا بَيَّنَ صِفَةَ الْوُضُوءِ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَالَ: (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ» بِسُكُونِ الرَّاءِ يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بَصَرَهُ «إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ» قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ إلَخْ] أَيْ شَكٍّ فِي الَّتِي قَصَدَ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ، وَاَلَّذِي فَعَلَهُ اثْنَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ ثَلَاثٌ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ] وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ] أَيْ فَيُكْرَهُ لَهُ فِعْلُهَا [قَوْلُهُ: فِي الْمَحْظُورِ] أَرَادَ بِهِ الْمَمْنُوعَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَرَاهَةِ لِيَجْرِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا احْتَاجَ لِذِكْرِهِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ.

وَقَوْلُهُ: فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ الْمُنَاسِبِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْأَقَلُّ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ ذَلِكَ] لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ، وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ يَحْتَمِلُ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الْإِتْقَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَتَى بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِتْقَانُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَهُ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ حُدِّدَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ] أَيْ أَكْثَرِ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ الَّتِي الْحَدِيثُ فِيهَا [قَوْلُهُ: إذْ الْأَقَلُّ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَمَّا كَانَ مَحْصُورًا فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ فَحَالُهُ مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَبَّهَ [قَوْلُهُ: بِالْوَاحِدَةِ] أَيْ بِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ [قَوْلُهُ: نَوَى الْفَرْضَ] ظَاهِرُهُ نَوَى بِالْغَرَفَاتِ الْفَرْضَ، وَلَا يَصِحُّ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ نَوَى بِالْغَسْلِ بِهَا الْفَرْضَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.

[قَوْلُهُ: نَوَى بِهَا الْفَرْضَ إلَخْ] مُرُورٌ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ هَلْ الْأَوْلَى التَّعْيِينُ أَوْ يُعَمَّمُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا أَسْبَغَ أَوَّلًا يَكُونُ الْفَرْضُ. [قَوْلُهُ: وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ] فِي الْمَقَامِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ: أَنْ تَكُونَ الْفَضِيلَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ، فَلَيْسَتْ الْفَضِيلَةُ حَاصِلَةً بِالثَّالِثَةِ فَقَطْ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَيْنِ يُحْتَمَلُ مِنْ وُجُودِ حَائِلٍ، وَقَدْ زَالَ بِالْفَرْضِ، الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِرَابِعَةٍ، فَفَضِيلَةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى مُسْبِغَةً فَإِنْ لَمْ تُسْبِغْ وَإِنَّمَا أَسْبَغَ بِالثَّانِيَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يُسْبِغْ إلَّا بِالثَّلَاثِ سَقَطَ نَدْبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، هَذَا ظَاهِرُهُ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ بِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ أَيْ الْفَضِيلَةُ الْأُولَى، وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَأْتِي بِفَضِيلَةٍ ثَانِيَةٍ.

[قَوْلُهُ: شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَتَى بِفَرَائِضِهِ وَقِيلَ أَخْلَصَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَلَوْ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

قَالَ عج: وَهُوَ اللَّائِقُ بِصَاحِبِ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [قَوْلُهُ: يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تُفَسِّرُ الطَّرْفَ بِأَنَّهُ الْبَصَرُ، وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى السُّكُونِ؛ لِأَنَّ الطَّرْفَ بِالسُّكُونِ الْبَصَرُ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ آخِرُ الشَّيْءِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: إلَى السَّمَاءِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا لِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ لِمَانِعٍ بِهِ، كَذَا وَقَعَ فِي مَجْلِسِ الْمُذَاكَرَةِ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الشَّيْخِ دَاوُد مَا

ص: 200

عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (أَنْ يَقُولَ بِإِثْرِ الْوُضُوءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ) الَّذِينَ كُلَّمَا أَذْنَبُوا تَابُوا (وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) مِنْ الذُّنُوبِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلْنَا لَفْظَهُ وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الْكَبِيرِ وَأُخِذَ مِنْ الْحَدِيثِ جَوَازُ رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قِبْلَةً وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ

ــ

[حاشية العدوي]

يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ لِلسَّمَاءِ بِالْفِعْلِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَفَكَّرُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالسِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ هُوَ شَغْلُ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلِسَانِهِ قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ] الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ عج أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ. [قَوْلُهُ: فُتِحَتْ إلَخْ] يُرْوَى مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا عج. [قَوْلُهُ: الثَّمَانِيَةُ] هِيَ بَابُ الصَّلَاةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ وَبَابُ الصِّيَامِ وَبَابُ الْجِهَادِ وَبَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ، وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَاشِيَةِ مُسْلِمٍ لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّائِمِينَ الْفَرْضُ وَمُلَازَمَةُ النَّوَافِلِ وَكَثْرَتُهَا كَذَلِكَ قَالَهُ عج وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَبْوَابَ تُفْتَحُ حَقِيقَةً.

[قَوْلُهُ: يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ] أَيْ بَعْدَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ قَبْلَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ عج: وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ» ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الدُّخُولَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ يُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيُزَيِّنُ لَهُ غَيْرَهُ اهـ.

وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ الشَّافِعِيُّ: فُتِحَتْ أَيْ إكْرَامًا لَهُ وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا مِنْ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ أَيْ سُهِّلَتْ لَهُ أَبْوَابُ الطَّاعَةِ الْمُوَصِّلَةُ لِلْجَنَّةِ.

تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْفَتْحِ بِالثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ عَدَّ أَبْوَابَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَابًا، هَكَذَا اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ خَضِرٌ الشَّافِعِيُّ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْكِبَارُ الْمَشْهُورَةُ، وَمِنْ دَاخِلِ كُلِّ بَابٍ صِغَارٌ دُونَهَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.

[قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] ظَاهِرُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَضْلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ ثَلَاثًا. [قَوْلُهُ: بِإِثْرِ الْوُضُوءِ] أَيْ وَإِثْرِ الذِّكْرِ الْمُتَقَدِّمِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ] قَالَ تت: وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِ التَّوَّابِينَ عَلَى الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَقْنَطُوا. وَأَخَّرَ الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَعْجَبُوا اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي هَذَا الدُّعَاءِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ آخِرَهُ مُضَمَّنُهُ الدُّعَاءُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِذَنْبٍ، وَأَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّائِبِينَ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تَلَبَّسُوا بِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقَعَ مِنِّي ذَنْبٌ فَاجْعَلْنِي مِنْ التَّائِبِينَ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الْأَقْوَالِ. [قَوْلُهُ: لَفْظَهُ] أَيْ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَيْ الْآتِيَةِ مِنْ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْكَبِيرِ] كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا نَصُّهُ صَدَقَ وَلَقَدْ أَحْسَنَ، وَمِمَّا فِيهِ مُلَخَّصًا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَمَا أَشَارَ لَهُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ لِرِوَايَةٍ، وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَقُلْ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَزَادَ هُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَكِنْ بِلَفْظِ: ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ وَإِنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُمَا وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ] يَشْمَلُ الْوُضُوءَ وَغَيْرَهُ وَذَلِكَ وَارِدٌ فِي الْوُضُوءِ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ

ص: 201

السَّمَاءُ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ النِّيَّةَ وَهِيَ فَرْضٌ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تُؤْخَذُ النِّيَّةُ مِنْ كَلَامِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِي الرِّسَالَةِ أَصْلًا.

وَقَالَ: بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ احْتِسَابًا) أَيْ خَالِصًا (لِلَّهِ تَعَالَى) لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ وَطَمَعًا فِي ثَوَابٍ مُدَّخَرٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (لِ) أَجْلِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِالْغَيْرِ الْجِنْسَ الْمُتَحَقِّقَ فِي وَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ.

[قَوْلُهُ: وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: مَا السِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ وَالْمَدْعُوُّ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وَلَا مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَكَان وَكَذَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ؟ قُلْت: أَمَّا رَفْعُ الطَّرْفِ فَيُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ سِرُّ ذَلِكَ شَغْلَ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ الدُّنْيَا فَهُوَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَةِ لِسَانِهِ لِمَا يُشَاهِدُهُ وَيَسْتَحْضِرُهُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَقَدْ ابْتَدَأَ اللَّهُ بِالسَّمَاوَاتِ فِي آيَةِ التَّفَكُّرِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] .

وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْمَدْعُوِّ مِنْ الْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ اهـ.

فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ اشْتِغَالَ النَّظَرِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَعَلَ عِلَّةَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا؛ لِأَنَّ شَارِحَنَا جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ كَوْنَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ.

فَإِنْ قُلْت: إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَيْسَتَا دُعَاءً قُلْت: إنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا شُكْرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فَهُوَ دُعَاءٌ فِي الْمَعْنَى، بَقِيَ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَمْنَعُ النَّظَرَ لِلسَّمَاءِ حَتَّى عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَكَيْفَ يَعْمَلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ] أَيْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا، حَكَاهَا الْمَازِرِيُّ نَصًّا فِي الْوُضُوءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ فِي الْغُسْلِ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَحْفَظْ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْ الَّذِي هُوَ ابْنُ رُشْدٍ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ خِلَافًا بَلْ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَنْوِي عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ] هَذَا التَّقْيِيدُ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي الرِّسَالَةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ إلَخْ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أَمَرَهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَنَقَلَهُ تت. قُلْت: وَمِنْ قَوْلِهِ احْتِسَابًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِصًا، وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ عَلَى مَا قَالَهُ شَارِحُنَا.

[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ] أَيْ مُرِيدِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: عَمَلَ الْوُضُوءِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَمَلًا هُوَ الْوُضُوءُ.

[قَوْلُهُ: احْتِسَابًا] حَالٌ مِنْ عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُوهُ بِإِحْسَانٍ أَوْ مَدْحٍ أَوْ يَعْظُمُ جَاهُهُ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ اهـ.

الْمُرَادِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَطَمَعًا إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ خَالِصًا إشَارَةٌ إلَى الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا مِنْ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ، إذْ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ دُنْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِكَوْنِهِ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا، وَعُلْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِأَجْلِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَمِلَ لِأَجْلِ اسْتِحْقَاقِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَالْعُلْيَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي الْعَمَلِ اسْتِحْقَاقَ الذَّاتِ بَلْ عَمِلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ الْعَمَلِ لِلذَّاتِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ حَيْثُ أَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ الطَّمَعَ الْمَذْكُورَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً فَلَمْ يُرِدْ بِهِ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْهَا فَتَدَبَّرْ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ إشَارَةٌ إلَخْ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ صَادِقٌ بِالصُّوَرِ

ص: 202

(مَا أَمَرَهُ) اللَّهُ (بِهِ) مِنْ الْإِخْلَاصِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِخْلَاصِ وَالنِّيَّةُ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ الشَّيْءَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِجْزَاءُ عِنْدَنَا أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِاللِّسَانِ، قِيلَ: هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذْ اللِّسَانُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّيَّةِ، وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ الْمَنْعَ الْمُتَرَتِّبَ، أَوْ يَنْوِيَ أَدَاءَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ.

ق: مَنْ أَرَادَ الْكَمَالَ فَلْيَنْوِ الْجَمِيعَ، وَمِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: وَطَمَعًا مُفَسِّرًا لِلْمُرَادِ وَالْوُجُوبُ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الصَّادِقِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ.

وَأَقُولُ إذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ الصَّوَابَ حَذْفَ قَوْلِهِ: وَطَمَعًا إلَخْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ احْتِسَابًا أَيْ خَالِيًا عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ لِأَنَّ حَيْثِيَّةَ الطَّمَعِ سَيُشِيرُ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَرْجُو تَقَبُّلَهُ إلَخْ.

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ إلَخْ بِاعْتِبَارِ قَيْدِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ احْتِسَابًا أَيْ خَالِصًا، وَالتَّقْدِيرُ وَيُطْلَبُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا الْعَمَلُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ خَالِصًا لِأَجْلِ الْإِخْلَاصِ الَّذِي طَلَبَهُ رَبُّنَا طَلَبًا جَازِمًا، فَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْرِ هُنَا الْوُجُوبُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى صَحِيحٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَيْسَ عِلَّةً لِطَلَبِهِ طَلَبًا جَازِمًا، وَإِنْ لَاحَظْت الْإِخْلَاصَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَجْعُولَ عِلَّةً بِاعْتِبَارِ أَمْرِ اللَّهِ بِهِ فَيُؤَوَّلُ الْأَمْرُ إلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ أَمْرَ اللَّهِ يَلْزَمُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ.

[قَوْلُهُ: وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُنَافِي مُفَادَ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْلَاصِ إفْرَادُ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ: لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ أَيْ الطَّمَعُ فِي ثَوَابٍ مُدَّخَرٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى [قَوْلُهُ: فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ لَا تَكُونُ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ الْإِخْلَاصِ فَالتَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَالصِّحَّةُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ بِمَعْنَى الْكَمَالِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى فَالصِّحَّةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا.

[قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ إلَخْ] التَّقْيِيدُ بِالْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ يَجِبُ، وَإِلَّا فَالصَّبِيُّ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَإِنَّهَا قَصْدُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ شَمِلَ الصَّبِيَّ [قَوْلُهُ: فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ] أَيْ وَحَيْثُ فُسِّرَتْ النِّيَّةُ بِالْقَصْدِ فَيَكُونُ مَحَلُّهَا الْقَلْبَ [قَوْلُهُ: أَيْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ] أَيْ يَنْوِي فِي قَلْبِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ.

[قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ الْأَفْضَلُ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ، أَيْ عَدَمُ النُّطْقِ هُوَ الْأَفْضَلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُقَابِلَهُ يَقُولُ: إنَّ النُّطْقَ أَفْضَلُ فَقَدْ قَالَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ: إنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ أَفْضَلُ. [قَوْلُهُ: رَفْعَ الْحَدَثِ إلَخْ] الْحَدَثُ لَهُ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعٌ: الْمَنْعُ وَالْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ وَالْخَارِجُ وَالْخُرُوجُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَقَامِ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، أَعْنِي الْمَنْعَ وَالْوَصْفَ، فَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَنْعِ قُصُورٌ.

[قَوْلُهُ: الْمُتَرَتِّبَ] أَيْ عَلَى خُرُوجِ الْخَارِجِ [قَوْلُهُ: أَوْ يَنْوِيَ أَدَاءَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ] فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ لَا مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَانْظُرْ لَوْ نَوَى الصَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِالْفَرْضِ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ هَلْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ تَلَاعَبَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِكَوْنِهِ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ إنْ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ تَارِكًا لَهُ: وَقَوْلُنَا: قَبْلَ الْوَقْتِ أَيْ.

وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فَيَصِحُّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَيَرُدُّ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ كَالْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْفَرْضُ بِدُخُولِ وَقْتِهِ صَحَّتْ

ص: 203

شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ وَاجِبٍ مِنْهُ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَنْهُ بِكَثِيرٍ لَمْ تُجْزِ اتِّفَاقًا، وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.

قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ وَتَكُونُ مُسْتَصْحَبَةً إلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَاتَّفَقُوا

ــ

[حاشية العدوي]

إرَادَةُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا اهـ.

وَانْظُرْ أَيْضًا لَوْ نَوَى الصَّبِيُّ فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ وُضُوءُهُ بَاطِلًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ] السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، أَيْ إبَاحَةُ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ بِنِيَّتِهِ الْفِعْلَ الْمُسْتَبَاحَ أَيْ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: مَا أَرَادَ بِالْحَدَثِ فِي قَوْله: مَا كَانَ الْحَدَثُ؟ قُلْت: أَرَادَ بِهِ الْوَصْفَ أَوْ الْمَنْعَ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَجَازًا عَقْلِيًّا.

أَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى اسْتِبَاحَةَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَانِعًا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَصْفَ سَبَبٌ فِي الْمَنْعِ فَنِسْبَتُهُ الْمَنْعَ لَهُ مِنْ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: مَنْ أَرَادَ الْكَمَالَ فَلْيَنْوِ الْجَمِيعَ] أَيْ فَنِيَّةُ الْجَمِيعِ مَنْدُوبَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ إلَخْ] أَيْ الشَّرْطِ الْمُتَّفِقِ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ وَاجِبٍ] أَيْ لَا مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ] أَيْ أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ غَسْلُ الْوَجْهِ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَنَا سُنَّةٌ، فَغَسْلُ الْوَجْهِ لَيْسَ أَوَّلَ الْوَاجِبِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ وَاجِبٍ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لَا الْوُجُوبِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَنْهُ بِكَثِيرٍ] أَيْ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عِنْدَ أَوَّلِهِ أَيُّ شَيْءٍ تَفْعَلُ؟ لَمْ يُجِبْ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ إذْ لَوْ أَجَابَ بِذَلِكَ لَكَانَتْ النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ مُقَارِنَةً وَهِيَ كَافِيَةٌ [قَوْلُهُ: وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ] أَيْ كَحَمَّامِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَشْهَرَهُمَا الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ.

[قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ] وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبَّ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُسْتَصْحَبَةً] أَيْ نَدْبًا إنْ قُلْنَا إنَّ التَّقَدُّمَ بِيَسِيرٍ لَا يَضُرُّ، وَوُجُوبًا إنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُسْتَصْحَبْ فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ.

وَفِي تَقَدُّمِهَا أَيْ النِّيَّةِ عَلَى مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ بِيَسِيرٍ خِلَافٌ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ التَّقَدُّمَ بِيَسِيرٍ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى الْوُضُوءِ جُمْلَةً لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ فَرْضٍ، قُلْت: لَوْ الْتَزَمْنَا ذَلِكَ لَلَزِمَنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ ثُمَّ حَصَلَ طُولٌ حَتَّى غَسَلَ الْوَجْهَ ذَاهِلًا عَنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ نُصُوصَهُمْ أَنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ.

قَالُوا: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا، ثُمَّ اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ شَارِحِنَا وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ إشَارَةٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ إنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي ح، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ مَحَلَّهَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِدُخُولِ غَسْلِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا لَزِمَ عُزُوبُهَا عَنْهَا، وَإِنْ نَوَى لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْوُضُوءِ نِيَّتَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَبْدَأَ بِهَا أَوَّلَ الْفِعْلِ وَيَسْتَصْحِبَهَا لِأَوَّلِ فَرْضٍ كَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَبِعَهُ بَعْضٌ مِنْ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ.

ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ شَارِحِنَا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ. إذْ نُصُوصُهُمْ كَمَا قَالَ ح كَالصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ يَنْوِي أَوَّلًا نِيَّةَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُحَصِّلْ السُّنَّةَ وَيَنْوِي الْفَرِيضَةَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ نُصُوصَهُمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى نِيَّتَيْنِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَشْهُورَ فَهَذَا اللَّازِمُ لِلْمَشْهُورِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ.

ص: 204

عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُجْزِئُهُ.

وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً إلَخْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا اُغْتُفِرَ، (وَ) إذَا عَمِلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ خَالِصًا قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ (يَرْجُو) أَيْ يَطْمَعُ مَعَ ذَلِكَ (تَقَبُّلَهُ وَثَوَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ بِهِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ يَخْرُجُ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً] فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا إنْ كَانَ بِأَسْبَابٍ اخْتِيَارِيَّةٍ فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَلَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ: اُغْتُفِرَ أَيْ أَنَّ وُضُوءَهُ لَيْسَ بَاطِلًا فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ أَيْ فَاسْتِصْحَابُهَا لِفَرَاغِهِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا عَمِلَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: يَرْجُو تَقَبُّلَهُ جَوَابٌ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ يَعْمَلُ أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ حَالَ كَوْنِهِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَقَبُّلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا حَلَّ مَعْنًى.

[قَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: خَالِصًا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ خَالِصًا أَنَّهُ قَاصِدٌ إلَخْ.

لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُوصِ الطَّمَعُ فِي جَنَّتِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ قَصْدَ الِامْتِثَالِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ لُوحِظَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوُضُوءُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَإِنْ لُوحِظَ النِّيَّةُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهَا، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ أَيْ بِعَمَلِ الْوُضُوءِ أَيْ فَلَاحَظَ عَمَلَ الْوُضُوءِ، فَالِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَقَوْلُهُ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النِّيَّةِ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ إنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ النِّيَّةُ لَا وُجُوبُهَا إلَّا أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْأَمْرِ [قَوْلُهُ: يَرْجُو] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي عج.

ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ رَجَاءُ التَّقَبُّلِ وَالثَّوَابِ وَالتَّطْهِيرِ مِنْ الذُّنُوبِ مَطْلُوبًا مُقَارَنَتُهُ لِقَصْدِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ يُضَعِّفُ الثَّوَابَ؟ فَإِنْ قُلْت: الطَّلَبُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الرِّيَاءِ قُلْت: الرِّيَاءُ مُنْدَفِعٌ بِقَصْدِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ يَطْمَعُ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجَاءَ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَطْمُوعٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ الْأَخْذِ فِي عَمَلٍ مُحَصِّلٍ لَهُ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ طَمَعٌ وَهُوَ مَذْمُومٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّارِحِ تَفْسِيرُ الرَّجَاءِ بِالطَّمَعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ طَمَعًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، أَيْ مُصَاحِبًا لِلْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ فَلَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ الطَّمَعِ.

[قَوْلُهُ: تَقَبُّلَهُ] ضَمِيرُهُ إمَّا رَاجِعٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْوُضُوءِ، فَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ، وَالثَّانِي مِنْ إضَافَتِهِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: وَثَوَابُهُ إلَخْ] لَمَّا كَانَ الثَّوَابُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مُتَفَرِّعَيْنِ عَلَى الْقَبُولِ أَخَّرَهُمَا.

وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَدِّمَ التَّطْهِيرَ عَلَى الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَيُرَادُ مِنْ الثَّوَابِ إعْطَاءُ مَرَاتِبَ فِي الْجَنَّةِ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: وَإِثَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّجَاءُ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلُهُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: يَرْجُو وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا مِنْ الْمَوْلَى تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا لَا يُنْتِجُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ يَتَرَجَّاهُ مِنْ اللَّهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَرْتَبَةٌ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ، فَالْكُمَّلُ الْقَاصِدُونَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا هَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ لَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ قَاصِدِينَ لَهُ لِكَوْنِهِ مَرْتَبَةً دَنِيئَةً، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ دَلِيلًا لِجَمِيعِ أَطْرَافِ الْمَرْجُوِّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: إذَا تَوَضَّأَ] أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ] قَالَ الْبَاجِيُّ: شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي عَلَى الظَّاهِرِ.

قَالَ غَيْرُهُ: وَفِيهِ تَحَرِّي الْمَسْمُوعِ، وَإِلَّا فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّرَادُفِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ مُتَرَادِفَيْنِ

ص: 205

مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ» . الْحَدِيثَ.

(وَ) مَعَ ذَلِكَ (يُشْعِرُ) أَيْ يُعْلِمُ (نَفْسَهُ أَنَّ ذَلِكَ) الْوُضُوءَ (تَأَهُّبٌ) أَيْ اسْتِعْدَادٌ (وَتَنَظُّفٌ) مِنْ الذُّنُوبِ وَالْأَدْرَانِ، وَرُوِيَ تَأَهُّبًا وَتَنَظُّفًا بِالنَّصْبِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ أَنَّ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ أَنَّ (لِمُنَاجَاةِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ.

[قَوْلُهُ: يَخْرُجُ إلَخْ] جَوَابُ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: كُلُّ خَطِيئَةٍ] أَيْ إثْمٍ [قَوْلُهُ: نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ] بِالْإِفْرَادِ وَيُرْوَى بِالتَّثْنِيَةِ، أَيْ نَظَرَ إلَى سَبَبِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ مُبَالَغَةً، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْخَطَايَا. [قَوْلُهُ: مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ] شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَقِيلَ: لَيْسَ بِشَكٍّ بَلْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ نَظَرًا إلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَاءِ وَالنِّهَايَةَ بِآخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ كَذَا قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ خَرَجَتْ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ إلَخْ.

قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ: وَتَخْصِيصُ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْوَجْهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَيْنِ أَكْثَرُ فَإِذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَقَلُّ، فَالْعَيْنُ كَالْغَايَةِ لِمَا يُغْفَرُ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْعَيْنَ طَلِيعَةُ الْقَلْبِ وَرَائِدُهُ فَإِذَا ذُكِّرَتْ أَغْنَتْ عَنْ سِوَاهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: قَطْرِ الْمَاءِ] مَصْدَرُ قَطَرَ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ سَيَلَانِهِ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ اهـ. زَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ:«مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ ظُفْرِهِ» .

قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الَّتِي يُكَفِّرُهَا الْوُضُوءُ الصَّغَائِرُ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ اهـ.

كَلَامُ التَّحْقِيقِ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّأْسُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُكْتَسَبَ بِهَا الْمُحَرَّمُ كَأَنْ تَكُونَ قَلَنْسُوَةٌ تُسَاوِي دِرْهَمًا مُعَلَّقَةً فَيَلْقَفُهَا بِرَأْسِهِ أَوْ يَتَفَكَّرُ فِي أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ عج إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَادِرٌ، وَالْفِكْرُ فِي الْقَلْبِ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ قَالَ عج: لَكِنْ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ. «فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» اهـ. وَهُوَ قَوْلُهُ: نَقِيًّا أَيْ نَظِيفًا.

وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُغْفَرُ لَهُ بِهَذَا الْكَبَائِرُ إذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا أَمْ لَا يُغْفَرُ سِوَى الصَّغَائِرِ؟ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَظَالِمُ الْعِبَادِ، وَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ: لَا يَبْعُدُ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ تُغْفَرُ لَهُ الْكَبَائِرُ وَالصَّغَائِرُ بِحَسَبِ مَا يُحْضِرُهُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَيُرَاعِيهِ مِنْ الْإِحْسَانِ وَالْآدَابِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ إنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كَتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَاتٍ، وَرَفَعَ بِهِ دَرَجَاتٍ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ اهـ.

مِنْ شَارِحِ الْمُوَطَّإِ. [قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ عَمَلِهِ عَمَلَ الْوُضُوءِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُشْعِرُ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَمَعَ ذَلِكَ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: يُشْعِرُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَمَا قَالَهُ عج، وَيُشْعِرُ مِنْ أَشْعَرَ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اسْتِعْدَادٌ] مُتَعَلِّقُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ لِمُنَاجَاةٍ فَاللَّامُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَتَنَظُّفٌ مِنْ الذُّنُوبِ] أَيْ ذُو تَنَظُّفٍ مِنْ الذُّنُوبِ.

ثُمَّ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْمَعَ فِي التَّطْهِيرِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَ نَفْسَهُ أَنَّ ذَلِكَ التَّنْظِيفَ الْمَرْجُوَّ كَائِنٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ الرَّبِّ.

[قَوْلُهُ: وَالْأَدْرَانِ] هِيَ الْأَوْسَاخُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الدَّرَنُ الْوَسَخُ وَقَدْ دَرِنَ الثَّوْبُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ دَرِنٌ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ فَعَطْفُ الْأَدْرَانِ مُغَايِرٌ [قَوْلُهُ: وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ] أَيْ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ أَيْ فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ هُنَا هَيْئَةٌ تَكُونُ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَبَرٌ لِكَانَ، وَالتَّقْدِيرُ وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ. وَقَوْلُهُ: وَخَبَرُ أَنَّ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ لَكِنْ

ص: 206

رَبِّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ) .

حَاصِلُ مَا قَالَ إنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ طَامِعًا فِي أَنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهُ مِنْهُ وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَأَنْ يُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يُطَهِّرَهُ بِهِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا (لِ) أَجْلِ (أَدَاءِ فَرَائِضِهِ) أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ.

(وَ) لِأَجْلِ (الْخُضُوعِ) أَيْ التَّذَلُّلِ (لَهُ) تَعَالَى (بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِأَنَّ بِهِمَا يَقَعُ التَّذَلُّلُ؛ وَلِأَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَإِذَا أَشْعَرَ نَفْسَهُ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِهِ الْإِجْلَالُ

ــ

[حاشية العدوي]

أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِيهِ رِكَّةً بِاعْتِبَارِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَعْنِي التَّأَهُّبَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ مُنَاجَاةُ رَبِّهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ ثَابِتٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَخْذِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ.

[قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] بِكَسْرِ إنَّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ حَاصِلُ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُكَلَّفَ إلَخْ [قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] التَّقْيِيدُ بِالْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الصَّبِيِّ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا] هَذَا أَمْرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ بِأَنْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى فَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَيْ فَيَطْلُبُ اللَّهُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَنْ يَفْعَلَهُ لَمَا اُحْتِيجَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ بِعَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ الثَّوَابُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ وَهَذَا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ حِلُّهُ أَوَّلًا فَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَحْذِفَ وَطَمَعًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُطَهِّرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ لِأَجْلِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِثَابَةُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ ثَمَرَاتِ الْقَبُولِ فَكَأَنَّهُمَا هُوَ فَصَحَّ مَا قَالَ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ الْفِعْلُ بِالْفِعْلِ؟ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ أَيْ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ إلَخْ] هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى نَصْبِ تَأَهُّبٍ وَتَنَظُّفٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَهُ إمَّا رَفْعُهُمَا أَوْ نَصْبُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ خَبَرُ أَنَّ وَالتَّقْدِيرُ وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمُعَلَّلَ بِالتَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ كَائِنٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ الرَّبِّ، فَالتَّعْلِيلُ بِمُنَاجَاةِ الرَّبِّ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ لَهُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ التَّأَهُّبُ وَالتَّنَظُّفُ، هَذَا مَدْلُولُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ إلَخْ] عِيَاضٌ: مُنَاجَاةُ اللَّهِ إخْلَاصُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ السِّرِّ لِذِكْرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فِي الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَلِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ] الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ مُقَدَّمٌ اعْتِبَارًا عَلَى الْمُنَاجَاةِ [قَوْلُهُ: وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا] رَدَّهُ تت بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُتَوَضِّئِ لِلْمُنَاجَاةِ حِسِّيٌّ اهـ.

وَرَدَّهُ عج بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُصَلِّي لَا يَكُونُ حِسِّيًّا دَائِمًا كَمَنْ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ جَالِسًا، فَحَمْلُ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ لِكُلِّ مُصَلٍّ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْوُقُوفِ.

وَأَمَّا الْبَيْنِيَّةُ فَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ جَزْمًا [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي الْمُنَاجَاةَ وَالْوُقُوفَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ] أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ فَرَائِضِهِ وَفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيْ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْفَرَائِضَ بِالذِّكْرِ لِآكَدِيَّتِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ] حَذَفَ الْعَائِدَ وَالتَّقْدِيرُ مَا فَرَضَهُ أَوْ مَا فَرَضَهَا بِاعْتِبَارِ مُرَاعَاةِ لَفْظِ مَا أَوْ مَعْنَاهَا.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا] أَيْ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ التَّذَلُّلَ بِغَيْرِهِمَا أَيْضًا.

[قَوْلُهُ: يَقَعُ التَّذَلُّلُ] أَيْ. يَحْصُلُ التَّذَلُّلُ أَعْنِي الْكَامِلَ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَخَبَرُهَا جُمْلَةُ يَقَعُ إلَخْ.

وَقَوْلُهُ: بِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَقَعُ وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَقْرَبَ إلَخْ] أَقْرَبُ مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَكَانَ تَامَّةٌ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُرْبِ وَلَيْسَتْ مِنْ تَفْضِيلِيَّةً، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ لِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ لَا بِأَمْرَيْنِ كَالْإِضَافَةِ وَمِنْ

ص: 207

وَالتَّعْظِيمُ (فَ) يُنْتِجُ لَهُ هَذَا أَنَّهُ (يَعْمَلُ) الْوُضُوءَ (عَلَى يَقِينٍ بِذَلِكَ) الْخُضُوعِ (وَتَحَفُّظٍ) بِذَلِكَ.

ق: الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى الْخُضُوعِ، أَيْ فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْضَعَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ ع: يَحْسُنُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عَمَلِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى قَوْلِهِ يَرْجُو تَقَبُّلَهُ إلَخْ.

أَيْ وَيَتَحَفَّظُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ عَنْ النَّقْصِ وَلِدَفْعِ

ــ

[حاشية العدوي]

فَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ هَاهُنَا بِأَمْرَيْنِ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ إذَا كَانَ.

وَقَوْلُهُ: وَهُوَ سَاجِدٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ كَانَ الْعَائِدُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ أَقْرَبَ حَالِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ أَيْ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ يَتَحَقَّقُ وَقْتَ وُجُودِهِ الْمُقَيَّدِ بِالسُّجُودِ أَيْ إنَّ وَقْتَ وُجُودِهِ الْمُقَيَّدَ بِالسُّجُودِ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ أَقْرَبُ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ كُلِّيٌّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وُجِدَ لَهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ السُّجُودُ أَيْ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْكُلِّيُّ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ، أَيْ فَلَمَّا تَحَقَّقَ هَذَا الْكُلِّيُّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لَا غَيْرُ نَاسَبَ تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنْتِجُ الِاقْتِصَارَ عَلَى السُّجُودِ وَحَذْفَ الرُّكُوعِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْ رَبِّهِ أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ. قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ.

[قَوْلُهُ: ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْوُضُوءَ تَأَهُّبٌ وَاسْتِعْدَادٌ إلَخْ. [قَوْلُهُ: الْإِجْلَالُ] أَيْ إجْلَالُ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَتَعْظِيمُهُ لَهُ وَعَطْفُ التَّعْظِيمِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ [قَوْلُهُ: فَيُنْتِجُ لَهُ هَذَا] الْإِتْيَانُ بِإِشَارَةِ الْقَرِيبِ وَهُوَ لَفْظَةُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ الْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ، وَأَنَّ هَذِهِ النَّتِيجَةَ إنَّمَا هِيَ نَتِيجَتُهُ لَا نَتِيجَةُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَيْ أَنَّ الْأَوْضَحَ أَنْ يَجْعَلَ نَتِيجَتَهُ هَذَا، وَإِنْ صَحَّ جَعَلَهُ نَتِيجَةً لِلْمُصَرَّحِ بِهِ، وَإِفْرَادُ الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ نَظَرًا لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنًى.

[قَوْلُهُ: يَعْمَلُ الْوُضُوءَ] أَيْ يُحَصِّلُ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: عَلَى يَقِينٍ] أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى يَقِينٍ بِالْخُضُوعِ، أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى جَزْمِهِ بِوُجُوبِ الْخُضُوعِ لِمَوْلَاهُ عَلَى قَوْلِ الْأَقْفَهْسِيِّ الْمَذْكُورِ.

ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزْمَ بِوُجُوبِ الْخُضُوعِ نَاشِئٌ مِنْ الْأَمْرِ لَا مِنْ إجْلَالِهِ الْقَائِمِ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ إجْلَالُهُ الْقَائِمُ بِهِ يَنْشَأُ مِنْ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ.

[قَوْلُهُ: وَتَحَفُّظٍ] سَيَأْتِي مُتَعَلِّقُهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْ تَحَفُّظٍ عَنْ الْوَسْوَسَةِ فِيهِ [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] أَيْ بِالْخُضُوعِ أَيْ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ أَيْ يَتَحَفَّظُ فِي الْوُضُوءِ عَنْ النَّقْصِ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِجْلَالَ وَالتَّعْظِيمَ يُنْتِجُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَحَفُّظٍ فِي الْوُضُوءِ مِنْ النَّقْصِ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ يَجْعَلَ السَّبَبَ فِي الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ الْإِجْلَالَ وَالتَّعْظِيمَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ الْخُضُوعَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ] أَيْ يُحَصِّلُ الْخُضُوعَ لِلَّهِ بِسَبَبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهُمَا سَبَبَانِ لِتَحْصِيلِ الْخُضُوعِ أَيْ التَّذَلُّلِ، أَوْ أَنَّهَا لِلتَّصْوِيرِ أَيْ فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحَصِّلَ الْخُضُوعَ لِلَّهِ مُصَوِّرًا ذَلِكَ أَيْ الْخُضُوعَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عَمَلِ الْوُضُوءِ] أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ عَلَى يَقِينٍ بِهِ أَيْ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُهُ سَهْوٌ وَلَا غَفْلَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ.

[قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى قَوْلِهِ يَرْجُو تَقَبُّلَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَعْنَى تَيَقُّنِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِرَجَاءِ التَّقَبُّلِ أَوْ عَلَى مَعْنَى يَتَيَقَّنُ نَفْسَ رَجَائِهِ أَيْ نَفْسَ هَذَا الْفِعْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ الرَّجَاءُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، أَوْ عَلَى مَعْنَى يَتَيَقَّنُ أَنَّ تَقَبُّلَهُ مَرْجُوٌّ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ يُتَقَبَّلُ وَفِي كُلٍّ بَحْثٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى تَمَكُّنِ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ تَيَقُّنُ الْمَطْلُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَيَقُّنَ الْمَطْلُوبِيَّةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى فَيُنْتِجُ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ إجْلَالِهِ الْمَوْلَى وَتَعْظِيمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَيَقِّنًا لِرَجَائِهِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ، أَيْ

ص: 208

وَسْوَسَةِ النَّفْسِ، فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ (فَإِنَّ تَمَامَ) أَيْ صِحَّةَ (كُلِّ عَمَلٍ) مِمَّا النِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِ (بِحُسْنِ النِّيَّةِ) أَيْ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ (فِيهِ) وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ.

ــ

[حاشية العدوي]

لَا يَشُكُّ فِيهِ بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْهُ أَيْ لَا يَقُولُ هَلْ حَصَلَ مِنِّي رَجَاءٌ أَوْ لَا، بَلْ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ رَجَاءٌ سَابِقًا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الرَّجَاءُ مُتَعَلِّقًا بِالْوُضُوءِ أَيْ قَائِمًا بِهِ وَقْتَ فِعْلِهِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ لَا أَنَّهُ حَصَلَ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ مُسْتَحْضِرًا لِهَذَا الَّذِي حَصَلَ وَانْقَضَى أَمْرُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْقَائِمُ بِهِ عَلِمَهُ لَا هُوَ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى أَيْضًا لِكَوْنِهِ يَتَيَقَّنُ أَنَّ التَّقَبُّلَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ رَجَاؤُهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّذِي لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ جَعَلَ التَّقَبُّلَ مَرْجُوًّا فَلَا يَكُونُ مُتَيَقَّنًا، وَأَيْضًا فَالْأَدَبُ فِي رَجَاءِ الْقَبُولِ لَا تَيَقُّنِهِ فَإِنْ قُلْت: يُعَارِضُ ذَلِكَ اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّجَاءُ لَا حَقِيقَةُ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْيَقِينِ مُبَالَغَةً فِي قُوَّةِ الرَّجَاءِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَيْ وَيَتَحَفَّظُ إلَخْ] شُرُوعٌ فِي تَفْسِيرِ تَحَفُّظٍ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَحَفَّظَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ التَّحَفُّظِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَقَامِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ: عَنْ النَّقْصِ، إذْ مَادَّةُ التَّحَفُّظِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلِدَفْعِ إلَخْ] الْأَوْلَى حَذْفُ وَلِدَفْعِ وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى النَّقْصِ، وَالتَّقْدِيرُ وَتَحَفَّظَ عَنْ النَّقْصِ وَوَسْوَسَتِهِ [قَوْلُهُ: فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ إلَخْ] دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهُ: بِهَذَا أَيْ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَازِمَةٌ لَهُ أَوْ فُسِّرَ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي وُجُوبِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَمَامَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ عَلَى حَلِّهِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا نَظَرْت لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَجِدُ قَوْلَهُ: فَإِنَّ تَمَامَ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينٍ إلَخْ.

أَيْ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِحُسْنِهَا اشْتِمَالَهَا أَيْ اقْتِرَانَهَا بِالْخُضُوعِ وَالتَّحَفُّظِ عَنْ الْوَسْوَسَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ صِحَّةَ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّمَامِ الْكَمَالَ. [قَوْلُهُ: النِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِ] أَيْ أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِيهِ، فَأَرَادَ بِالشَّرْطِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ التَّهَافُتِ فَإِنَّهُ فِي مَقَامِ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ] تَفْسِيرٌ لِحُسْنِ النِّيَّةِ أَيْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ النِّيَّةُ حَسَنَةٌ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ.

أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ أَصْلِ النِّيَّةِ لَا حُسْنُهَا أَيْ مُوَافَقَتُهَا لِلسُّنَّةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِهِ، فَالتَّعْلِيلُ فَاسِدٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَيْضًا، وَحَاصِلُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَخْدُوشٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.

[قَوْلُهُ: صِفَةِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إلَخْ.

وَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ الْوُضُوءِ لَا أَنَّهَا الْوُضُوءُ، فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ عَلَى صِفَةِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى.

ص: 209