الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ
(بَابٌ) أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ (طَهَارَةِ الْمَاءِ) أَيْ طَهُورِيَّتِهِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَبَيَانِ صِفَتِهِ وَصِفَةِ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا.
(وَ) فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ (الثَّوْبِ وَ) فِي بَيَانِ طَهَارَةِ (الْبُقْعَةِ) لِلصَّلَاةِ (وَ) فِي بَيَانِ (مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِقَوْلِهِ: ( «وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ» وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَمُنَاجَاةُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَا افْتَتَحَ بِهِ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ]
[قَوْلُهُ: طَهَارَةِ الْمَاءِ] الطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ أَوْ فَتْحِهَا لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ، وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِ شَهِيرٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: طَهُورِيَّتِهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بَيَانَ صِفَةِ الْمَاءِ مِنْ طَهَارَتِهِ الَّتِي تُوجِبُ لَهُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بَيَانُ طَهُورِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ الثَّوْبُ مَثَلًا الَّذِي أُزِيلَ بِالْمَاءِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا، أَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ بِقَوْلِهِ: أَيْ طَهُورِيَّتِهِ، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا عَبَّرَ بِالْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الطَّهُورِيَّةُ، وَيَكُونُ فِي غُنْيَةٍ عَنْ التَّأْوِيلِ؟ قُلْت: قَالَ بَعْضٌ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِطَهَارَةٍ لِأَجْلِ الْمَعَاطِيفِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْمَكَانَ إنَّمَا يُوصَفَانِ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَاءِ اهـ.
[قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ] أَيْ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاطِ وَفِيهِ قُصُورٌ فَإِنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ أَيْضًا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِمَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِمَا [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ صِفَتِهِ] أَيْ صِفَةِ الْمَاءِ الْمَوْصُوفِ بِالطَّهُورِيَّةِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْبُقْعَةِ] أَيْ اشْتِرَاطِ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَرَتَّبَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبُقْعَةِ [قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ] مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاطِ الْمَحْذُوفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الصَّلَاةِ مَحْذُوفٌ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ الْأَخِيرِ عَلَيْهِ، أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يُجْزِئُ إلَخْ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّرَهُ فِي الثَّوْبِ فَيَقُولَ: هَكَذَا طَهَارَةُ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْبُقْعَةِ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ إنَّ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْ الْبَدَنِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّلَطُّخَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا هُوَ فَالتَّلَطُّخُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ، وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شُرُوطِهَا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ إلَخْ] وَنَصُّ الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» .
[قَوْلُهُ: عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ] الْمُنَاسِبُ حُضُورُ الْقَلْبِ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ النَّفْسَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ إنَّمَا هُوَ النَّفْسُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَهُ عَلَيْهَا.
[قَوْلُهُ: وَالْخُشُوعُ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَعَدَمُ الْخُشُوعِ سَبَبُهُ الْخَوَاطِرُ، وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ وَتَارَةً بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ هَاجِسٌ، وَاَلَّذِي مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ وَسْوَاسٌ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَمْعِ النُّفُوسِ وَحُكْمُ الْخُشُوعِ الْوُجُوبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى مُنَاجَاةِ
التَّرْجَمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:(فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (أَنْ يَتَأَهَّبَ) أَيْ يَسْتَعِدَّ (لِذَلِكَ) أَيْ الصَّلَاةِ، وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنَاجَاةِ (بِالْوُضُوءِ أَوْ بِالطُّهْرِ) أَيْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لِعِظَمِ شَرَفِهَا مُسْتَحِقَّةٌ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا، وَتَشْرِيفُهَا وَتَعْظِيمُهَا الْوُضُوءُ أَوْ الطُّهْرُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الطُّهْرَ بِقَوْلِهِ:(إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ بِأَحَدِ مُوجِبَاتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِالْغُسْلِ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا وَجَبَ، وَالِاسْتِعْدَادَ بِالْوُضُوءِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ وُجُوبٍ إذْ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً (وَيَكُونُ ذَلِكَ) الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ (بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَشُوبٍ) أَيْ غَيْرِ مَخْلُوطٍ (بِنَجَاسَةٍ) غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا بِمَا قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ) يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (لِشَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ) تَكْرَارٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَكَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية العدوي]
الرَّبِّ مُسَارَرْتُهُ أَيْ تَحَدُّثُهُ مَعَهُ أَيْ بِقَوْلِهِ إيَّاكَ نَعْبُدُ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ] أَيْ وُجُوبًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَنَدْبًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا احْتَوَتْ أَوْ وُجُوبًا فَقَطْ بِالنَّظَرِ لِلْمَجْمُوعِ، [قَوْلُهُ: أَيْ لِلصَّلَاةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ إنَّمَا الْمَدْلُولُ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنَاجَاةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْمُصَلِّي فِي قَوْلِهِ وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ] أَيْ الصَّلَاةَ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْحَالَتَانِ قُلْت لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ مُحْتَوِيَةً عَلَى الْمُنَاجَاةِ عُدَّتْ حَالَةً وَاحِدَةً.
[قَوْلُهُ: لِعِظَمِ شَرَفِهَا] أَمَّا الْمُنَاجَاةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا خِدْمَةٌ لِلرَّبِّ.
[قَوْلُهُ: وَتَعْظِيمُهَا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ.
[قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ] أَيْ بِالْوُضُوءِ إلَخْ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُبَالَغَةٌ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ، فَتُفِيدُ الْحَصْرَ وَهُوَ إضَافِيٌّ، أَيْ لَا عَدَمُهُمَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِهَا إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَيْضًا الطَّهَارَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَلَا يَكُونَ كَمَنْ بَنَى دَارًا حَسَّنَ ظَاهِرَهَا وَتَرَكَ بَاطِنَهَا مَمْلُوءًا بِالنَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْبَاطِنَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِالْغُسْلِ] أَيْ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ فَأَرَادَ الْوُضُوءَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُصَاحِبًا لِطُهْرٍ.
[قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ] لَا مَفْهُومَ لِفَرْضٍ، بَلْ وَمِثْلُهُ صَلَاةُ النَّفْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، أَيْ لَا لِغَيْرِهَا كَمَسِّ مُصْحَفٍ وَلَوْ صَلَّى بِهِ فَرْضًا [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِ] أَيْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلَا مَفْهُومَ لَهُ، إذْ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ] أَيْ وَلَا يُسَنُّ [قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ] أَيْ لَا نَقُولُ بِالسُّنِّيَّةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْجُمُعَةَ يُسَنُّ الْغُسْلُ لَهَا وَلَا يَرِدُ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً] رُبَّ لِلتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ [قَوْلُهُ: بِمَاءٍ طَاهِرٍ] الْأَوْلَى طَهُورٍ [قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرِ مَخْلُوطٍ] أَيْ لِأَنَّك تَقُولُ شُبْت اللَّبَنَ بِالْمَاءِ أَشُوبُهُ، فَهُوَ مَشُوبٌ أَيْ مَخْلُوطٌ وَهُوَ تَوْضِيحٌ لِلْمَاءِ الطَّهُورِ، لَا أَنَّهُ قَيْدٌ لَهُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ قَدْ يَكُونُ مَشُوبًا بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرَ مَشُوبٍ.
[قَوْلُهُ: غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ] أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ فَلَا يَضُرُّ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَضُرُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَنَخُصُّ هَذَا بِمَا عَدَا الْقَلِيلَ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَقَلِيلُ الْمَاءِ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَالتَّقْدِيرُ فَلَا يَصِحُّ بِمَا شَابَتْهُ نَجَاسَةٌ غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا بِمَا.
[قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ قَصْرَ التَّغَيُّرِ عَلَى اللَّوْنِ وَحْدَهُ، [قَوْلُهُ: لِشَيْءٍ خَالَطَهُ] اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ شَيْءٍ خَالَطَهُ أَيْ مَازَجَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ أَيْ مُفَارِقٌ غَالِبًا مَازَجَ الْمَاءَ وَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ، وَمَفْهُومُ خَالَطَ أَمْرَانِ مُجَاوِرٌ غَيْرُ مُلَاصِقٍ وَمُجَاوِرٌ مُلَاصِقٌ فَأَمَّا الْمُجَاوِرُ الْمُلَاصِقُ فَحُكْمُهُ كَالْمُمَازِجِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا، وَيُمْكِنُ شُمُولُ الْمُصَنِّفِ لَهَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْمُخَالِطِ الْمُلَابِسُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُلَاصِقِ فَلَا يَضُرُّ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا لَوْ فَرَضْنَا أَوْ رِيحًا فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: نَجِسٍ] كَالْبَوْلِ
قَوْلُهُ: (إلَّا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ) أَيْ الْمَاءُ (بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا وَمُلَازَمَتِهِ لَهَا (مِنْ سَبَخَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ مِلْحٍ وَرَشْحٍ مُلَازِمٍ (أَوْ حَمْأَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ طِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ (وَنَحْوِهِمَا) كَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ مِمَّا يَكُونُ قَرَارًا لَهُ فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ قَرَارٌ لَهُ فَغَيَّرَهُ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا، وَالتُّرَابُ وَالْمِلْحُ الْمَطْرُوحُ فِيهِ قَصْدًا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(وَمَاءُ السَّمَاءِ) الْمُرَادُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَوْ طَاهِرٍ] كَاللَّبَنِ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْقَطِرَانُ يَكُونُ دِبَاغًا لِلْقِرْبَةِ، فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِبَاغًا فَيَضُرُّ تَغَيُّرُ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ، لَا الرِّيحِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ الْقَطِرَانُ فِي أَسْفَلِ الْمَاءِ أَوْ أَعْلَاهُ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ] ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَشُوبٍ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْمَخْلُوطِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَيِّرَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ بِحَسَبِهِ، فَالتَّكْرَارُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ طَرَفٍ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَوْ طَاهِرٍ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ غَيْرَ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الطَّرَفَ الَّذِي لَيْسَ تَكْرَارٌ بِحَسَبِهِ الَّذِي هُوَ طَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: إلَّا مَا غَيَّرَتْ إلَخْ] اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ طَاهِرًا مُنْقَطِعًا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُخَالِطُ الْحَالُّ وَمُتَّصِلًا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُلَابِسُ. [قَوْلُهُ: لَوْنَهُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ الْمُقَرِّ غَالِبًا.
[قَوْلُهُ: الَّتِي هُوَ بِهَا] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ تَغَيُّرُهُ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا [قَوْلُهُ: حَالَ اتِّصَالِهِ] سَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي هُوَ بِهَا قَيْدٌ، وَقَوْلُهُ وَحَالَ قَيْدٌ آخَرُ [قَوْلُهُ: وَمُلَازَمَتِهِ] عَيَّنَ الَّذِي قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَالْمُوَحَّدَةِ] أَيْ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ] أَيْ فَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَتَى لَفْظَ سَبَخَةٍ بِفَتْحِ الْأَحْرُفِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِمُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَكَذَا رِوَايَةُ الْفَاكِهَانِيِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَصَدَّرَ تت، بِأَنَّهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ أَقُولُ: وَفِي عِبَارَتِهِ بَحْثٌ عَنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِثُمَّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ التَّاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مَفْتُوحًا، وَيُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِيضَاحَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ] أَيْ السَّبَخَةُ وَقَوْلُهُ وَرَشْحٍ أَيْ الْمِلْحِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَقَضِيَّةُ الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ مُلَازِمٍ، أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ لُزُومِهِ لَا يُقَالُ لَهَا سَبَخَةٌ، وَانْظُرْهُ ثُمَّ أَقُولُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُغَيِّرَ نَفْسُ الْأَرْضِ، مَعَ أَنَّ الْمُغَيِّرَ مَا حَلَّ فِيهَا مِنْ الْمِلْحِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ وَمُفَادُهُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَيْسَتْ مِلْحًا بَلْ تَرْشَحُ مِلْحًا، هَذَا وَاَلَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ أَرْضٌ سَبَخَةٌ أَيْ مَلِحَةً، وَفِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَالسَّبَخَةُ الْمَالِحَةُ أَيْ الَّتِي لَا تُنْبِتُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا، [قَوْلُهُ: مُنْتِنٌ] هَذَا النَّتْنُ ذَاتِيٌّ لَا مِنْ شَيْءٍ طَارِئٍ.
[قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمُشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ سَبَخَةٍ، وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَ بِالْجِيرِ أَوْ الْفَخَّارِ وَجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَلَوْ صُنِعَتْ وَكَذَلِكَ بِالْحَدِيدِ وَصَدَئِهِ، [قَوْلُهُ: فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ] مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا، هَذَا إذَا أُرِيدَ مِمَّا هُوَ قَرَارٌ لَهُ بِالْفِعْلِ، فَلَوْ أُرِيدَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ قَرَارًا لَهُ كَانَ قَرَارًا لَهُ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا فَيَكُونَ مُحْتَرِزًا لِلْقَيْدَيْنِ مَعًا [قَوْلُهُ: وَالتُّرَابُ إلَخْ] تَخْصِيصُهُ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْخِلَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِمَا كَالتُّرَابِ كَمَا فِي بَهْرَامَ وَأَجَابَ شَيْخُنَا رحمه الله عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، بِأَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَاءِ، وَأَبْعَدِهَا وَهُوَ الْمِلْحُ لِكَوْنِهِمَا طَرَفَيْ غَايَةٍ لِيُعْلَمَ مَا بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ، فَأَلْ فِي الْمِلْحِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمِلْحِ كَانَ أَصْلُهُ مَاءً وَجَمَدَ أَوْ صُنِعَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ بِنَارٍ أَوْ حِجَارَةٍ مِنْ مَعْدِنِهِ، نَعَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ أَرَاكٍ فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
[قَوْلُهُ: قَصْدًا] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التُّرَابَ أَوْ غَيْرَهُ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ بَهْرَامُ، [قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ] أَيْ عِنْدَ التَّغَيُّرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لِلْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَطْرُوحَ
بِهِ الْمَطَرُ وَالنَّدَى وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَنَحْوُهُ ذَابَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ، (وَمَاءُ الْعُيُونِ وَمَاءُ الْآبَارِ) حَتَّى مَاءِ زَمْزَمَ (وَمَاءُ الْبَحْرِ) الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ (طَيِّبٌ) فِي ذَاتِهِ لِكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ مَا دَامَ غَيْرَ مُخَالَطٍ بِنَجِسٍ (مُطَهِّرٌ لِ) غَيْرِهِ كَا (لنَّجَاسَاتِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ مَا دَامَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَعَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَصْدًا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لِانْفِكَاكِ الْمَاءِ عَنْهُ
[قَوْلُهُ: وَالثَّلْجُ] هُوَ مَاءٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَنْعَقِدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَذُوبُ بَعْدَ جُمُودِهِ.
[قَوْلُهُ: وَالْبَرَدُ] بِفَتْحَتَيْنِ شَيْءٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّحَابِ يُشْبِهُ الْحَصَا قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ] أَيْ كَالْجَلِيدِ مَا يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ النَّدَى فَيَجْمُدُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ [قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْآبَارِ] وَلَوْ آبَارَ ثَمُودَ فَيَصِحُّ الْوُضُوءُ بِمَائِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ، كَذَا قَالَ عج إلَّا أَنَّ شَارِحَ الْحُدُودِ جَزَمَ بِالْبُطْلَانِ فَيَقْدَحُ فِي قَوْلِ عج [قَوْلُهُ: حَتَّى مَاءِ زَمْزَمَ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي أَنَّهُ لَا تُزَالُ بِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ إكْرَامًا لَهُ كَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ تت، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَعْبَانَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ، فَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْمَنْعِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، فِي كَرَاهَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَأَفَادَ الْحَطَّابُ، أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِهِ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَحَاصِلُ هَذِهِ الْغَايَةِ الَّتِي فِي كَلَامِ شَارِحِنَا إنَّمَا هِيَ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى حَمْلِ عِبَارَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي خُصُوصِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، أَوْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَعْضَاءِ نَجَاسَةٌ.
[قَوْلُهُ: الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَالِحُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّغْيِيرِ إذْ طَعْمُهُ مُرٌّ مَالِحٌ وَرِيحُهُ مُنْتِنٌ.
[قَوْلُهُ: طَيِّبٌ طَاهِرٌ إلَخْ] قَالَ تت: وَحَذْفُ طَاهِرٍ طَيِّبٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ، لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ اهـ، أَوْ أَنَّهُ لَا حَذْفَ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ وَاحِدًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِالْإِضَافَةِ.
[قَوْلُهُ: طَيِّبٌ فِي ذَاتِهِ إلَخْ] أَيْ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ [قَوْلُهُ: لِكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ] أَيْ عَادَةً أَوْ عِبَادَةً فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ تَفْصِيلٌ لَهُ، فَأَشَارَ بِطَاهِرٍ إلَى الْعَادَاتِ وَأَشَارَ بِمُطَهِّرٍ إلَى الْعِبَادَاتِ، هَذَا مُرَادُ شَارِحِنَا وَقِيلَ إنَّ الطَّاهِرَ مُرَادِفٌ لِلطَّيِّبِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ [قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ [قَوْلُهُ: مَا دَامَ غَيْرَ مُخَالَطٍ بِنَجِسٍ] أَيْ أَصْلًا، وَلَا نَقُولُ أَوْ خَالَطَ وَلَمْ يُغَيَّرْ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَادَاتُ فَقَطْ، وَالشَّيْءُ إذَا نُظِرَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ يَتَحَقَّقُ فِي مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَوْ قَلِيلَةً نَجَّسَتْهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَغَيُّرًا.
[قَوْلُهُ: كَالنَّجَاسَاتِ] أَيْ كَمَحَلِّ النَّجَاسَاتِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمَحَلُّ لَا عَيْنُ النَّجَاسَةِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَخْ] إنْ قُلْت لِمَ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَحْدَاثِ، حَتَّى احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى زِيَادَتِهَا قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ تَطْهِيرَهُ لِلنَّجَاسَاتِ لِلْخِلَافِ فِيهَا، فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا تُطَهَّرُ بِالْمُضَافِ، وَأَمَّا رَفْعُهُ لِلْحَدَثِ فَبِاتِّفَاقٍ فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ.
[قَوْلُهُ: أَصْلِ خِلْقَتِهِ] إضَافَةُ أَصْلٍ إلَى الْخِلْقَةِ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَنْفَكُّ إلَخْ] صَادِقٌ بِأَنْ لَا يُغَيَّرَ أَصْلًا أَوْ يُغَيَّرَ بِمَا لَا يَنْفَكُّ، وَمِمَّا لَا يَنْفَكُّ تَغَيُّرُ النَّدَى بِالْبِرْسِيمِ يُجْمَعُ مِنْ فَوْقِهِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِقَرَارِهِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ إذَا كَانَ فِي الْبَعْضِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَاءِ السَّمَاءِ خِلَافٌ، وَكَذَا مَاءُ الْبَحْرِ، عَلَى مَا أَفَادَتْهُ عِبَارَتُهُ مِنْ ذِكْرِهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فَلَا يُعْقَلُ مِنْ كَلَامِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خِلَافٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى مَا أَفَادَتْهُ عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْآبَارِ إلَخْ] أَيْ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21][قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ شَعْبَانَ] هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ
بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُغَيِّرِهِ، وَبَدَأَ بِالْمُغَيِّرِ إذَا كَانَ طَاهِرًا فَقَالَ:(وَمَا غُيِّرَ لَوْنُهُ) أَيْ لَوْنُ الْمَاءِ يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِشَيْءٍ طَاهِرٍ) مِمَّا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا كَالْعَجِينِ (حَلَّ) أَيْ وَقَعَ (فِيهِ فَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ (غَيْرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُسْتَعْمَلُ (فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ) أَيْ غُسْلٍ اتِّفَاقًا (أَوْ) فِي (زَوَالِ نَجَاسَةٍ) فَمَنْ اسْتَنْجَى بِهِ أَعَادَ الِاسْتِنْجَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ دُونَ حُكْمِهَا، وَلَوْ أُزِيلَ بِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ لَاقَى مَحَلُّهَا وَهُوَ مَبْلُولٌ مَحَلًّا آخَرَ لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجِسِ فَقَالَ:(وَمَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ) كَالْعَذِرَةِ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ أَمْ لَا (فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ) فِي نَفْسِهِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ (وَلَا مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ) فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَيْضًا هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتُهُ أَوْ أَخْبَرَهُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ بِنَجَاسَتِهِ، وَكَانَ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
كَانَ أَرْأَسَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ فِي وَقْتِهِ وَأَحْفَظَهُمْ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ شَيْخَ الْفَتْوَى حَافِظَ الْبَلَدِ، وَكَانَ يَلْحَنُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ قَالَهُ فِي الدِّيبَاجِ [قَوْلُهُ: كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ لِأَنَّهُ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام هُوَ طَعَامٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافُهُ إلَّا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، فَيُجَلُّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ طَهَّرَ اهـ، أَقُولُ وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ أَمَّا
أَوَّلًا فَإِنَّ خِلَافَ ابْنِ شَعْبَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، لَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا
ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ طَعَامًا أَنَّهُ يُحَرَّمُ لَا يُكْرَهُ الَّتِي تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّنْزِيهِ
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا شَيْءٌ آخَرُ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ] أَيْ فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عَلَى مُفَادِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ] أَيْ الْبَحْرُ الْمَالِحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ.
قَالَ وَسُمِّيَ بَحْرًا لِعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ.
[قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ إلَخْ] قَالَ تت: وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى اللَّوْنِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّرَ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ غَالِبًا اهـ.
[قَوْلُهُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ] تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّهُ أَيْ الِاسْتِعْمَالَ فِي الْعِبَادَاتِ لَيْسَ لَازِمًا تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لِوُجُودِهِ فِي مَاءِ الْعَجِينِ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْعِبَادَاتِ، [قَوْلُهُ: فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ أَيْ غُسْلٍ] وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ غَيْرَ وَاجِبَيْنِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ فِي زَوَالِ نَجَاسَةٍ] أَيْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ] قَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أُزِيلَتْ بِهِ الْعَيْنُ، بَلْ كَثُرَتْ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالطَّعَامِ يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ، أَيْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا مُشْكِلٌ غَايَةَ الْإِشْكَالِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِلْقَابِسِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنَجَّسُ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ دَهَنَ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ بِالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ أَيْ وَاسْتَنْجَى مِنْهُ، فَيُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءُ دُونَ غَسْلِ ثِيَابِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَعَ غَسْلِهَا عَلَى الثَّانِي.
[قَوْلُهُ: هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتَهُ] أَيْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ كَثِيرَةٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغَيُّرٌ [قَوْلُهُ: الْوَاحِدُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ وَالْأَكْثَرُ قَالَهُ النَّاصِرُ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ.
[قَوْلُهُ: الْعَدْلُ] أَيْ عَدْلُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ غَيْرُ الْفَاسِقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ
مَذْهَبِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَلَا يُعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ غَيَّرَتْهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ يَكُونُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ (وَقَلِيلُ الْمَاءِ) كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَآنِيَةِ الْغُسْلِ لِلْمُغْتَسِلِ (يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ
وَقَدْ تَبَرَّعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَسْأَلَةٍ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (الْغُسْلِ) وَتَعْمِيمِهِ فِي الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ (سُنَّةٌ) قِيلَ أَرَادَ بِهَا الْمُسْتَحَبَّ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ: (وَالسَّرَفُ مِنْهُ) أَيْ الْإِكْثَارُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ (غُلُوٌّ) أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ (وَبِدْعَةٌ) أَيْ مُحْدَثٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَرَامٌ،
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْ عَبْدًا [قَوْلُهُ: وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا رحمه الله.
[قَوْلُهُ: فَلَا يَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ] أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ قَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِخَبَرِهِ مُشْتَبَهًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْت لِمَ اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ يَكُونُ طَهُورًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ قُلْت إنَّمَا اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ شَأْنَ خَبَرِ الْمُخْبِرِ، أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الشَّكِّ قَالَهُ عج: وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِطَهَارَتِهِ أَوْ طَهُورِيَّتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَصَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى هَذَا وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ خَبَرَهُ إنْ بَيَّنَ وَجْهًا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا قَالَهُ عج أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: وَآنِيَةِ الْغُسْلِ لِلْمُغْتَسِلِ] لَا مَفْهُومَ لِلْمُغْتَسِلِ بَلْ هِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ] أَيْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ] أَيْ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النَّجَاسَةُ فَوْقَ الْقَطْرَةِ وَيُرْجَعُ فِي مِقْدَارِهَا لِلْعُرْفِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ جَارِيًا، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَوْ كَانَتْ قَطْرَةً أَوْ كَانَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ أَوْ جَارِيًا فَلَا كَرَاهَةَ فَلَوْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ، وَقَوْلُنَا بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ الْحَالُ طَاهِرًا فَلَا كَرَاهَةَ أَيْ مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ وَالْأَسْلَمُ الطَّهُورِيَّةُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لَا أَبَدًا وَلَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةً لَهُ أَيْ لِلْمَشْهُورِ.
[قَوْلُهُ: كَانَ حَقُّهَا إلَخْ] يُنَافِي قَوْلَهُ تَبَرَّعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذِكْرُهَا هُنَا مُخَالِفًا لِلْمَطْلُوبِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ مَحْمُودٌ وَهَذَا خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَقِلَّةُ الْمَاءِ] أَيْ تَقْلِيلُهُ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: أَيْ إتْقَانِ الْغَسْلِ] أَيْ تَيَقُّنِ الْغَسْلِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكْفِي [قَوْلُهُ: الْغَسْلِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ.
[قَوْلُهُ: وَتَعْمِيمِهِ] أَيْ الْغَسْلِ [قَوْلُهُ: فِي الْعُضْوِ] أَرَادَ بِهِ جِنْسَ الْعُضْوِ فَيَصْدُقُ بِكُلِّهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَذِكْرُهُ فِي أَحَدِهِمَا ذِكْرٌ لِلْآخَرِ مَعَهُ.
[قَوْلُهُ: قِيلَ أَرَادَ بِهَا الْمُسْتَحَبَّ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ فَلَمْ يُرِدْ بِهَا حَقِيقَتَهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ التَّضْعِيفَ بِالتَّعْبِيرِ بِقِيلَ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَرَادَ بِهَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ] أَيْ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ سُنَّةٌ أَيْ وَاجِبَةٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ مَا يَدُلُّ الشَّرْعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ جَزْمًا.
قَالَ عج: وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَكُونُ إلَّا مُحَرَّمَةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ هُوَ الْمُوَافِقُ إلَخْ أَيْ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ
وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ فِي كَلَامِهِ هُنَا الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ وَيَتْرُكَ التَّدْلِيكَ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَمْسُوحَ لَا يَطْلُبُ أَحْكَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَلَا تُطْلَبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَاءِ بِقَوْلِهِ: ( «وَقَدْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمُدٍّ» وَهُوَ وَزْنُ رِطْلٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْبِدْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا حَرَامًا، بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ] أَيْ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ لَا تُقَابِلُ الْبِدْعَةَ [قَوْلُهُ: وَالسَّرَفُ مِنْهُ] الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَادَّةَ تَتَعَدَّى بِفِي وَإِنْ كَانَ الْإِكْثَارُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا لَا يَتَعَدَّى بِفِي.
[قَوْلُهُ: الْإِكْثَارُ مِنْ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ، وَالْإِكْثَارُ لِصَبٍّ لِتَكُونَ اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: 32] أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ قَالَ وَقَوْلُ النَّاسِ أَكْثَرْت مِنْ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَكْثَرْت الْفِعْلَ مِنْ الْأَكْلِ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ اهـ.
[قَوْلُهُ: فِي الْوُضُوءِ] الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فِي الْغَسْلِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ بِضَمِّ الْغَيْنِ، [قَوْلُهُ: زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ] أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَوْ فِي بِمَعْنَى عَلَى أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينِ.
[قَوْلُهُ: وَبِدْعَةٌ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ أَوْ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْدَثٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَيْثُ كَانَ بِدْعَةٌ مُقَابِلًا، لِقَوْلِهِ سُنَّةٌ فَلَا دَاعِيَ لِقَوْلِهِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَيْ مُحْدَثَةٌ بِالتَّاءِ، وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ تِلْكَ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ هِيَ الْأَمْرُ الْمُحْدَثُ فَلَا تُؤْخَذُ التَّاءُ فِي التَّفْسِيرِ.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ حَرَامٌ] أَيْ وَالْبِدْعَةُ حَرَامٌ إشَارَةً إلَى قِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ تَقُولَ السَّرَفُ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ حَرَامٌ يَنْتِجُ السَّرَفُ حَرَامٌ، ثُمَّ أَقُولُ وَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْحُرْمَةُ لِصِدْقِهَا بِالْكَرَاهَةِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْبِدْعَةَ بِقَوْلِهِ أَيْ مَنْهِيًّا عَنْهُ نَهْيًا جَازِمًا لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدْعَةِ، إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ مَا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَمَا أَفَادَهُ عج.
[قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ ظَاهِرٍ [قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ] ضِدُّ الْإِفْرَاطِ أَيْ التَّقْلِيلُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ وَاجِبَيْنِ أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: وَالسَّرَفُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِمَا وَاحْتَرَزْنَا بِذَلِكَ عَنْ السَّرَفِ فِي غَيْرِهِمَا كَغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ الْإِنَاءِ لِزِيَادَةِ التَّنْظِيفِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ لِزِيَادَةِ الْغَسَلَاتِ فِيهِ، لِنَحْوِ تَبَرُّدٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدَ فَيَحْمِلُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ فِي تَوْجِيهِهِ فَالْمُرَادُ أَيْ فَيَكُونُ ذَاهِبًا إلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي الْمَقَامِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ.
[قَوْلُهُ: الْكَرَاهَةُ] أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مِلْكَ الْغَيْرِ وَإِلَّا حُرِّمَ.
[قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي قَصْرَ كَرَاهَةِ الْإِسْرَافِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَوْضِيَةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْإِسْرَافِ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ السَّرَفُ غُلُوًّا وَبِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ فِي عِبَادَةٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّرْعِ التَّقْلِيلُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ عج، إنَّهُ يَشْمَلُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ] الْمُنَاسِبُ فِي الْمَقَامِ أَنْ يُضْمِرَ فَيَقُولَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ هُوَ كَثْرَةُ صَبِّ الْمَاءِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَظْهَرَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِسْرَافَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ.
[قَوْلُهُ: فَلَا تُطْلَبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ] فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ عَيْنَ الْحُكْمِ فِي الْمُبَالَغَةِ هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ، وَحَرَّرَ ثُمَّ أَقُولُ إنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْأَحْكَامِ الْمُبَالَغَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُفَسَّرُ بِالْمُبَالَغَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهِ الْيَقِينِ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ تَوَضَّأَ] أَيْ