الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[19 - بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ] وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى ثُلُثِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ ابْتَدَأَ الثُّلُثَ الثَّانِيَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ: (بَابُ مَا) أَيْ فِي بَيَانِ الَّذِي (يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا، الْمَيِّتِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَجَلَهُ حَضَرَهُ (وَفِي) بَيَانِ كَيْفِيَّةِ (غُسْلِ الْمَيِّتِ) وَمِنْ يُغَسِّلُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) فِي بَيَانِ (كَفَنِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ وَفِي بَيَانِ عَدَدِهَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَ) فِي بَيَانِ (تَحْنِيطِهِ) وَتَحْنِيطِ كَفَنِهِ (وَ) فِي بَيَانِ (حَمْلِهِ) تَرْجَمَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ (وَ) بَيَانِ كَيْفِيَّةِ (دَفْنِهِ) أَيْ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ، وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ:(وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْمُحْتَضَرِ) حِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَيُوقَنُ بِمَوْتِهِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ إشْخَاصُ بَصَرِهِ وَلَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَصَدْرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (إغْمَاضُهُ) أَيْ تَغْلِيقُ عَيْنَيْهِ (إذَا قَضَى) نَحْبَهُ، وَيُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]
بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَاسِبُ الْفَتْحَ وَفِي زَرُّوقٍ وَالْمِصْبَاحِ: بِفَتْحِ الضَّادِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْكَسْرَ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَضَرَتْهُ لِنَزْعِ رُوحِهِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ لِحُضُورِ أَهْلِهِ غَالِبًا أَوْ لِحُضُورِ الشَّيَاطِينِ لِفِتْنَتِهِ، وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا تُنَاسِبُ الْفَتْحَ الَّذِي هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ قَامَ بِهِ الِاحْتِضَارُ، وَالْأَجَلُ لَهُ إطْلَاقَانِ مُدَّةُ الْحَيَاةِ وَانْتِهَاءُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَلَا تَقْدِيرَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَيْ آخِرِ أَجَلِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي غُسْلِ الْمَيِّتِ] لَمْ يُضْمَرْ بِأَنْ يَقُولَ: وَفِي غُسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُغَسَّلُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يُسَمَّى مُحْتَضَرًا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ.
[قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْغُسْلِ كَكَوْنِهِ يَعْصِرُ بَطْنَهُ رِفْقًا.
[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا] فَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ مَا يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَأَمَّا السُّكُونُ فَهُوَ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي الْكَفَنِ أَيْ فِي بَيَانِ حُكْمِ كَفَنِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ وَفِي بَيَانِ عَدَدِ إلَخْ] رَاجِعٌ لِلْفَتْحِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ مِمَّا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَمَّصَ وَيُعَمَّمَ [قَوْلُهُ: وَتَحْنِيطِهِ إلَخْ] أَيْ حُكْمُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: تَرْجَمَ لَهُ إلَخْ] وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ الْحَمْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ لِأَجْلِ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحَمْلَ.
[قَوْلُهُ: كَيْفِيَّةِ دَفْنِهِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الدَّفْنِ لَا نَفْسُ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يُوضَعُ فِيهِ] أَيْ مِنْ اللَّبِنِ. [قَوْلُهُ: حِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ] أَيْ حِينَ يَغْلِبُ الْحَالُ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ وَيُوقِنُ بِمَوْتِهِ عَطْفٌ لَازِمٌ. [قَوْلُهُ: إشْخَاصُ بَصَرِهِ] يُقَالُ: أَشْخَصَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ إذَا فَتْحَ عَيْنَيْهِ لَا يَطُوفُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَقْبَلُ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ.
[قَوْلُهُ: أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ] كَمَا يُنْدَبُ أَنْ يُوضَعَ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَضْعِهِ لِلْغُسْلِ فَيُسْتَحَبُّ وَضْعُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَبْدَأَ بِغُسْلِ الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ. [قَوْلُهُ: وَصَدْرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ] عِبَارَةُ تت وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: إذَا قَضَى نَحْبَهُ] النَّحْبُ النَّذْرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ حَيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ فَكَأَنَّهُ نَذْرٌ لَازِمٌ، فَإِذَا مَاتَ قَضَى نَحْبَهُ أَيْ نَذْرَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَاتَ، بِالْفِعْلِ جَزْمًا وَلِذَلِكَ أَتَى بِإِذَا
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا شَدُّ لَحْيَيْهِ بِعِصَابَةٍ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَوَضْعُ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَتَلْقِينُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَيُلَقَّنُ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (عِنْدَ الْمَوْتِ) وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ لَا لِلشَّيْطَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَهُ مُتْ عَلَى دِينِ كَذَا فَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ. (وَإِنْ قُدِرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ) جَسَدُهُ (طَاهِرًا وَمَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُفِيدَةِ لِلتَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إغْمَاضُهُ لِأَنَّ فَتْحَ عَيْنَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ كَمَا أَنَّ فَتْحَ فِيهِ كَذَلِكَ، وَمِنْ عَلَامَاتِ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ انْقِطَاعُ نَفْسِهِ وَانْفِرَاجُ شَفَتَيْهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَوَلَّى إغْمَاضَهُ مَنْ هُوَ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُغَمَّضْ وَانْفَتَحَتْ عَيْنَاهُ وَشَفَتَاهُ يَجْذِبُ شَخْصٌ عَضُدَيْهِ وَآخَرُ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَنْغَلِقَانِ.
[قَوْلُهُ: وَيُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ] أَيْ نَدْبًا أَيْ عِنْدَ الْإِغْمَاضِ. [قَوْلُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ] أَيْ إغْمَاضِي كَائِنٌ بِسْمِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَى سُنَّةِ أَيْ وَكَائِنٌ ذَلِكَ الْإِغْمَاضُ عَلَى سُنَّةِ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ إلَخْ خَتَمَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَحَمْدِ اللَّهَ لِتَعُودَ بَرَكَتُهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ الَّتِي مِنْهَا التَّوْفِيقُ لَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى مَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: لِمِثْلِ هَذَا] أَيْ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَوْتُ أَيْ لِهَذَا وَمِثْلِهِ.
[قَوْلُهُ: وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ] أَيْ هَذَا الْمَوْتُ مَوْعُودٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا إلَخْ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَشُدَّ لَحْيَيْهِ الْأَسْفَلَ مَعَ الْأَعْلَى بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَرْبِطَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ لَحْيَاهُ فَيُفْتَحَ فَاهُ فَيَدْخُلَ الْهَوَامُّ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ وَيَقْبُحَ بِذَلِكَ مَنْظَرُهُ، وَهَذَا أَيْضًا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ.
[قَوْلُهُ: وَتَلْيِينِ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ] أَيْ عَقِبَ مَوْتِهِ، فَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ لِعَضُدَيْهِ وَيَمُدُّهُمَا وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَمُدُّهُمَا وَرَجُلَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا.
[قَوْلُهُ: وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ] أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى سَرِيرٍ خَوْفَ إسْرَاعِ الْهَوَامِّ فَيَحْصُلَ لَهُ التَّشْوِيهُ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِحِفْظِهِ قَبْلَ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ] أَيْ وَنُدِبَ سَتْرُهُ بِثَوْبٍ زِيَادَةً عَلَى مَا فِيهِ حَالَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا قَوِيًّا مِنْ الْمَرَضِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ.
[قَوْلُهُ: وَوَضْعُ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ] أَيْ مِنْ حَدِيدٍ خَوْفَ انْتِفَاخِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَطِينٌ مَبْلُولٌ كَذَا قَالَهُ بَهْرَامُ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ هَذَا التَّرْتِيبِ قَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو: نَدْبُ تَلْيِينِ الْمَفَاصِلِ وَالرَّفْعِ عَنْ الْأَرْضِ وَوَضْعِ الثَّقِيلِ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَتَلْقِينُهُ] أَيْ الْمُحْتَضَرُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فَهِيَ لِمَنْ مَاتَ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْجَالِسُ عِنْدَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ. [قَوْلُهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدُ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ إذْ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَوْتِ] أَيْ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ التَّلْقِينُ لِيَتَذَكَّرَهُمَا بِقَلْبِهِ فَيَمُوتَ وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِهِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَهَا مَرَّةً ثُمَّ تَكَلَّمَ أُعِيدَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ تُرِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ غَيْرَ وَارِثِهِ مِمَّنْ لَهُ بِهِ مَحَبَّةٌ وَإِلَّا فَأَرْأَفُهُمْ بِهِ.
[قَوْلُهُ: لِلشَّيْطَانِ] لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ عَلَى صِفَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِذَا قَالَهَا الْمُحْتَضَرُ لَا تُعَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَتُعَادُ عَلَيْهِ لِتَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ.
تَنْبِيهٌ:
يُلَقَّنُ الْمُحْتَضَرُ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيَّزًا وَمُلَازَمَةُ الْمُحْتَضَرِ تَجِبُ عَلَى أَقَارِبِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى جِيرَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَعَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ قُدِرَ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى أَنْ يُنْدَبُ لَنَا أَنْ نَجْعَلَ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ وَجَسَدَهُ طَاهِرًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: جَسَدُهُ] لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ كَانَ مَحْذُوفٌ بَلْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيْ جَسَدُهُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى حَسَنٌ] أَيْ وَلَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى
عَلَيْهِ) وَاَلَّذِي تَحْتَهُ (طَاهِرًا فَهُوَ أَحْسَنُ) بِمَعْنَى حَسَنٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ) بِإِغْمَاضٍ وَلَا غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُمَا أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُمَا فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا (وَأَرْخَصَ) بِمَعْنَى اسْتَحَبَّ (بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ رَأْسِهِ) أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (بِسُورَةِ يس) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُقْرَأُ عِنْدَ رَأْسِهِ سُورَةُ يس إلَّا هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ» (وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ (عِنْدَ مَالِكٍ) رحمه الله (أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ) وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ، وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ تَلْقِينُهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ) بِمَعْنَى يُبَاحُ الْبُكَاءُ (بِالدُّمُوعِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاحْتِضَارِ (وَحَسُنَ التَّعَزِّي) وَهُوَ تَقْوِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ بِمَا نَزَلَ بِهَا (وَالتَّصَبُّرُ) وَهُوَ
ــ
[حاشية العدوي]
بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى بَابِهِ لَاقْتَضَى أَنَّ فِي عَدَمِ ذَلِكَ حَسَنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعِلَّةُ ذَلِكَ حُضُورُ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِيغَةُ أَفْعَلَ عَلَى بَابِهَا اسْتِعْمَالًا لِلُّغَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ.
[قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ] ع: حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمُزَاوَلَةِ فِي الْإِغْمَاضِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةُ أَيْدِيهِمَا، أَيْ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ حَلِّ شَارِحِنَا، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَرْكِ حُضُورِهِمَا لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ أَوْ جُنُبٌ» وَكَذَا يُنْدَبُ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ كَلْبٌ وَلَا تِمْثَالٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَكْرَهُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الَّذِي يَعُبُّ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ، وَنُدِبَ أَنْ يُحْضَرَ عِنْدَهُ طِيبٌ وَحُضُورُ أَحْسَنِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَلْقًا وَخُلُقًا وَدِينًا، وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرَيْنِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ، وَنُدِبَ إبْعَادُ النِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَإِظْهَارُ التَّجَلُّدِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اسْتَحَبَّ] وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ] وَكَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْكِتَابِ، فَالْمُرَادُ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ رَجُلَيْهِ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ رَأْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: سُورَةِ يَس] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ سُورَةٍ هِيَ يَس. [قَوْلُهُ: يَقْرَأُ عِنْدَ رَأْسِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكُونُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَس» فَهَذَا هُوَ الصَّارِفُ عَنْ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ قُلْت: يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا هَوَّنَ اللَّهُ إلَخْ] وَرَدَ «إذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ يَس بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى عَبْدِي الْمَوْتَ» .
[قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ] جَوَابُ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولُ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ أَيْ الْقِرَاءَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ] لَا خُصُوصِيَّةَ لَيْسَ بِالذِّكْرِ بَلْ يُكْرَهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ يَس أَوْ غَيْرِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ عَلَى قَبْرِهِ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا فُعِلَتْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ، وَأَمَّا لَوْ فُعِلَتْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَرَجَاءَ بَرَكَتِهَا فَلَا أَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالْقُرْآنِ، فَلَا يَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ الِاحْتِضَارِ] أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: أَيْ حِينَ يُحْتَضَرُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ عِوَضٌ مِنْ الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] تَفْسِيرٌ لَحُسْنِ التَّعَزِّي لَا التَّعَزِّي لِأَنَّ التَّعَزِّيَ التَّقَوِّي مُطْلَقًا وَالتَّقَوِّي عَلَى الصَّبْرِ بِمَا نَزَلَ بِالنَّفْسِ أَيْ عَلَى مَا نَزَلَ بِالنَّفْسِ حُسْنٌ فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ وَحُسْنُ التَّعَزِّي مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ التَّعَزِّي الْحَسَنُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ حَسَنٍ، وَيَقُولُ: وَالتَّعَزِّي وَالتَّصَبُّرُ أَجْمَلُ أَيْ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ عَلَى عِبَارَتِهِ يَلْغُو الْأَخْبَارَ بِقَوْلِهِ: أَجْمَلُ أَيْ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّصَبُّرُ] عَطْفٌ عَلَى حُسْنِ التَّعَزِّي مِنْ عِطْفِ الْمُغَايِرِ، لِأَنَّ التَّعَزِّيَ هُوَ تَقْوِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ بِحَيْثُ يُرَسَّخُ فِيهَا، وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ
حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ (أَجْمَلُ) أَيْ أَحْسَنُ (لِمَنْ اسْتَطَاعَ) وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ عَلَى أَجْرِ الْمَصَائِبِ.
(وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ الصُّرَاخِ وَالنِّيَاحَةِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَصَلَقَ وَخَرَقَ» . الْحَالِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالصَّالِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَالْخَارِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَخْرِقُ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» .
ــ
[حاشية العدوي]
رُسُوخٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَحْسَنُ] أَيْ مِنْ الْبُكَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْبُكَاءَ لَا حُسْنَ فِيهِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ] أَيْ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] إلَى آخِرَ الْآيَةِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ مَعَهُ اللَّهُمَّ أَجُرْنِي عَلَى مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ» ، فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ التَّصَبُّرُ أَحْسَنَ فَلِمَ أَهْمَلَهُ صلى الله عليه وسلم وَبَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا لِلتَّشْرِيعِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ.
[قَوْلُهُ: وَيُنْهَى بِمَعْنَى وَنُهِيَ] لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ سَبَقَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ حَيْثُ اسْتَلْزَمَ أَمْرًا مُحَرَّمًا، وَهُوَ مَا كَانَ بِصَوْتٍ مَعَ قَوْلٍ قَبِيحٍ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِصَوْتٍ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ قَبِيحٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا بَعْدَهُ.
[قَوْلُهُ: الصُّرَاخِ] فِي الصِّحَاحِ بِضَبْطٍ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ الصُّرَاخُ بِضَمِّ الصَّادُ.
[قَوْلُهُ: وَالنِّيَاحَةِ] فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ وَالنِّيَاحَةُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعُ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسْجَعِ اهـ. فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنَّا] أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَلَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِنَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُرُوجَهُ عَنْ الدِّينِ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا يُكَفَّرُ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ نَعَمْ يُكَفِّرُ بِاعْتِقَادِ حِلِّهَا.
وَعَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَرِهَ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِهِ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ. [قَوْلُهُ: ضَرَبَ الْخُدُودَ] إنَّمَا خَصَّ صلى الله عليه وسلم الْخُدُودَ بِالضَّرْبِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْهُنَّ، وَلِأَنَّ أَشْرَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ الْوَجْهُ فَلَا يَجُوزُ امْتِهَانُهُ وَإِهَانَتُهُ بِضَرْبٍ وَلَا تَشْوِيهٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشِينُهُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْخُدُودَ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا خَدَّانِ لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى:{وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] وَقَالَتْ الْعَرَبُ: شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَفْرِقٌ وَاحِدٌ، فَكَأَنَّهُمْ سَمَّوْا كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَفْرِقِ مَفْرِقًا وَهَذَا إذَا جَعَلْنَا مِنْ وَاقِعَةً عَلَى مُفْرَدٍ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا وَاقِعَةً عَلَى جَمْعٍ فَلَا إشْكَالَ، وَالْمُرَادُ بِشَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادُهَا بِالْقَطْعِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ السُّخْطِ وَعَدَمِ إظْهَارِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ مَعَ مَا فِي شَقِّ الْجُيُوبِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ: وَإِنَّمَا جَمَعَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا خَدَّانِ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْجَمْعِ، وَالْجُيُوبُ بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جَيْبٍ مِنْ جَابَهُ أَيْ قَطَعَهُ وَهُوَ مَا يُفْتَحُ مِنْ الثَّوْبِ لِتَدْخُلَ فِيهِ الرَّأْسُ لِلُبْسِهِ.
[قَوْلُهُ: وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ] هِيَ زَمَانُ الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ قَالَ فِي بُكَائِهِ مَا يَقُولُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ شَرْعًا كَوَا جَمَلَاهُ وَاعْضُدَاهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَسْطَلَّانِيُّ.
[قَوْلُهُ: بِالنَّدْبِ إلَخْ] هُوَ تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ.
وَقَوْلُهُ: وَالنِّيَاحَةُ تَقَدَّمَ أَنَّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ، فَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُرْتَكَبَ التَّجْرِيدُ فَيُرَادَ مِنْهَا النَّدْبُ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ مُرَادِفًا، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى هِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِتَعْدَادِ الْمَحَاسِنِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ مَوْتِهَا] أَيْ قَبْلَ حُضُورِ مَوْتِهَا، وَقَيَّدَ بِهِ إيذَانًا بِأَنَّ شَرْطَ التَّوْبَةِ أَنْ يَتُوبَ وَهُوَ يُؤَمِّلُ الْبَقَاءَ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ ذَكَرَهُ التُّورْبَشْتِيُّ.
[قَوْلُهُ: تُقَامُ] أَيْ تُحْشَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُقَامُ حَقِيقَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ، وَالْمَوْقِفُ جَزَاءٌ عَلَى قِيَامِهَا فِي النِّيَاحَةِ. [قَوْلُهُ:«سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ» ] السِّرْبَالُ الْقَمِيصُ وَالْقَطِرَانُ دُهْنٌ يُدْهَنُ بِهِ الْجَمَلُ الْأَجْرَبُ فَيُحْرَقُ
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْتَضَرِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ وَبَدَأَ بِالْغُسْلِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ) غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ عِنْدَ مَالِكٍ (حَدٌّ وَلَكِنْ) الْمَقْصُودُ عِنْدَهُ أَنَّهُ (يُنْقَى) اعْتَرَضَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْدِيدِ بِقَوْلِهِ: (وَيُغَسَّلُ وِتْرًا) فَإِنَّهُ تَحْدِيدٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحْدِيدَ هُوَ الَّذِي لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَالْوِتْرُ يَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ وَحُكْمُ الْغُسْلِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلِ السُّنِّيَّةُ وَشُهِرَ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَصُحِّحَ وَهُوَ تَعَبُّدٌ لَا لِلنَّظَافَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاج التَّعَبُّدُ إلَى نِيَّةٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُغْسَلُ. ك: مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُذَابَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بَدَنُ الْمَيِّتِ وَيُدَلَّكُ بِهِ. ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ كَذَلِكَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
بِحِدَّتِهِ وَحَرَارَتِهِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى لَذْعِ الْقَطِرَانِ وَحُرْقَتِهِ وَإِسْرَاعِ النَّارِ فِي الْجِلْدِ وَقَوْلُهُ: وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ أَيْ يَصِيرُ جِلْدُهَا أَجْرَبَ حَتَّى يَكُونَ جِلْدُهَا كَقَمِيصٍ عَلَى أَعْضَائِهَا وَالدِّرْعُ قَمِيصُ النِّسَاءِ اهـ.
[قَوْلُهُ: غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ] الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يَطْلُبُ تَغْسِيلَهُ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ احْتِرَازًا عَنْ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ وَعَنْ الْكَافِرِ وَعَنْ السَّقَطِ وَعَمَّنْ وُجِدَ دُون جَلَّهُ، فَلَا يُغَسَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَلْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُ الْكَافِرِ وَشَهِيدِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ تَغْسِيلُ السِّقْطِ وَمَنْ وُجِدَ دُونَ جُلِّهِ، فَمَنْ وُجِدَ نِصْفُهُ وَرَأْسُهُ بَلْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَدُونَ ثُلُثَيْهِ وَلَوْ مَعَ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْإِسْلَامُ الْحُكْمِيُّ فَيَدْخُلُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ أَوْ أَبِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْغُسْلِ شُرُوطًا اسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ، وَعَدَمُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَرْبِ، وَوُجُودُ كُلِّ الْمَيِّتِ أَوْ جُلِّهِ، وَإِسْلَامُهُ وَلَوْ حُكْمًا.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَمُقَابِلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثٌ.
[قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُثْبَتَ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ، فَالْمَنْفِيُّ الْحَدُّ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُثْبَتُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ وَالْخَمْسَةَ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ ثَلَاثًا] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ سَبْعًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا إيتَارَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْإِنْقَاءَ.
[قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ] أَيْ مَا عَدَا الْوَاحِدَ فَلَا نَدْبَ فِيهِ فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَاجِبٌ] أَيْ كِفَائِيٌّ وَصُحِّحَ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مُسْلِمٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَمَعَهُ ذِمِّيٌّ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُغَسِّلُهُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ يُغَسِّلُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ ذَلِكَ الْغُسْلِ كَالْغُسْلِ فِي الْجَنَابَةِ، الْإِجْزَاءُ كَالْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالُ كَالْكَمَالِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ مِنْ التَّكْرَارِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمَاءُ وَجَبَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَهُوَ وَرَقُ النَّبْقُ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَاءِ فَيَدْخُلُ مَاءُ زَمْزَمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ، وَطَلَبُ السِّدْرِ تَفَاؤُلًا بِسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. [قَوْلُهُ: بِالْمَاءِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُذَابُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْحَنُ وَيُذَابُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بِهِ بَدَنُ الْمَيِّتِ أَيْ يُدَلَّكُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُدَلَّكُ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ يُعْرَكُ بِهِ بَعْدَ خَضْخَضَتِهِ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ رَغْوَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مَسْحُوقًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَابَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يُخْلَطَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ غَسْلَةٍ] أَيْ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ أَيْ وَلَا بُدَّ عَلَى كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ مِنْ صَبِّ مَاءِ الْقَرَاحِ بَعْدَ دَلْكِهِ، وَهَذَا إذَا خَلَطَ السِّدْرَ بِالْمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ كَلَامِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهِ بِأَنْ وَضَعَهُ عَلَى جَسَدِهِ وَعَرَّكَ بِهِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَاءُ. ثَانِيًا لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ وَضْعِ السِّدْرِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ لَا يُضِيفُهُ وَإِنَّمَا يُضِيفُهُ خَلْطُهُ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْعُضْوِ طَهُورًا لَا يَضُرُّ إضَافَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ،
(وَيُجْعَلُ فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (كَافُورٌ) لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَامَ غَيْرُهُ مِنْ الطِّيبِ مَقَامَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ السِّدْرِ عِنْدَ عَدَمِهِ الْأُشْنَانُ وَنَحْوُهُ.
(وَإِذَا جُرِّدَ) الْمَيِّتُ لِلْغُسْلِ (تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ) وَهِيَ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ وُجُوبًا وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَا تُبِنْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» . (وَلَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ وَلَا يُحْلَقُ شَعْرُهُ) فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ وَضُمَّ مَعَهُ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
وَلِذَا لَا يَضُرّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُضَافًا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ حَصَلَ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ وَجُعِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ لَا فِي ابْتِدَائِهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْغُسْلَ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ يُبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يُضَافُ السِّدْرُ إلَى الْمَاءِ فِيمَا بَعْدُ، وَنَسَبَ عَجَّ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالَ: الْغَسْلَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ لِلتَّطَيُّبِ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يَخْلِطَ الْكَافُورَ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلَ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ لِلتَّطْيِيبِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يُخْلَطَ الْكَافُورُ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلُ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَإِنَّهَا صَبُّ الْمَاءِ بَعْدَ عَرَكَ الْمَيِّتِ بِهِ مَخْلُوطًا بِمَاءٍ قَلِيلٍ، أَيْ أَوْ بِلَا مَاءٍ أَصْلًا عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضِيفُ الْمَاءَ.
[قَوْلُهُ: لَأَمْرِهِ إلَخْ] وَلِأَنَّهُ يَشُدُّ جَسَدَ الْمَيِّتِ وَيَحْفَظُهُ عَنْ مُسَارَعَةِ الْفِنَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَا تَبْلَى أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَهُ عَجَّ. [قَوْلُهُ: الْأُشْنَانُ] بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ مُعَرَّبٌ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: الْحَرَضُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَاسُولُ. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ كَالنَّطْرُونَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ.
[قَوْلُهُ: عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ] أَيْ أَنَّ اللَّخْمِيَّ فَهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْرَةِ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً، وَضَعَّفَ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَائِلًا، لَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ قِيلَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْ الَّذِي هُوَ السَّتْرُ مِنْ السُّرَّةِ لِلرُّكْبَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ قَالَ بِأَثَرِهِ: وَيُفْضِي بِيَدَيْهِ إلَى فَرْجِهِ إنْ احْتَاجَ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ نَفْسَ الْفَرْجِ لَمَا ذَكَرَ الْفَرْجَ بِلَفْظٍ آخَرَ اهـ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ مَرَّ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ سَتْرَ وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ أَيْ خَشْيَةَ تَغَيُّرِهِمَا فَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ قَدْ عَرَفْتهَا وَعَرَفْت الرَّاجِحَ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: وُجُوبًا] أَيْ سَتْرٌ وُجُوبًا.
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا إلَخْ. ذَهَبَ ابْنُ نَاجِي إلَى أَنَّ سَتْرَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُعِينٌ فَيَجِبُ اتِّفَاقًا، أَيْ وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لَا تُبِنْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، أَيْ لَا تُظْهِرُهُ لِغَيْرِك. وَقَوْلُهُ: وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ فَإِنَّهُ عَامٌّ حَتَّى فِي الزَّوْجَيْنِ هَذَا مُرَادُهُ.
وَأَقُولُ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ فَخِذُ حَيٍّ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سُنَنِهِ قَوْلُهُ وَلَا مَيِّتٍ بِأَنْ تَقُولَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يُفِيدُ سَتْرَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَا خُصُوصَ السَّوْأَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ.
تَنْبِيهٌ:
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تُبِنْ بِتَاءٍ وَبَاءٍ وَنُونٍ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَبْرُزُ بِرَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ مَاجَهْ فَرَاجَعْت ابْنَ مَاجَهْ فَوَجَدْته كَمَا قَالَ أَيْ بِرَاءٍ وَزَايٍ، وَاَلَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ] وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ فِعْلُ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا إنْ قَصْدَ بِهِ الْإِرَاحَةَ بِإِزَالَةِ نَحْوِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ تُنْكَأَ قُرُوحُهُ، وَإِنَّمَا يُزَالُ مَا سَالَ عَنْهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ السَّائِلُ دُونَ دِرْهَمٍ قَصْدًا لِلنَّظَافَةِ. [قَوْلُهُ: وَضَمَّ مَعَهُ] أَيْ وُجُوبًا. وَقِيلَ نَدْبًا، وَعِبَارَةُ تت هُنَا أَفْيَدُ وَنَصُّهَا.
كَفَنِهِ (وَيُعْصَرُ بَطْنُهُ) اسْتِحْبَابًا قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ (عَصْرًا رَفِيقًا) مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ يُلَطِّخُ الْكَفَنَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ (وَإِنْ وُضِّئَ) الْمَيِّتُ (وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَ) هُوَ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبُّ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْغَيْرِ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ مَعَ تَكْرَارِ الْغُسْلِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ:(وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: فَحَسَنٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِهِ حِينَ أَمَرَ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ رضي الله عنها» ، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أُزِيلَتْ وَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ وَلَا وُضُوءُهُ بَلْ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ فَقَطْ.
(وَيُقْلَبُ الْمَيِّتُ لِجَنْبِهِ فِي الْغُسْلِ أَحْسَنُ) مِنْ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ وَأَرْفَقُ بِالْمَيِّتِ، فَيُجْعَلُ أَوَّلًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيُغْسَلُ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ تَفَاؤُلًا، ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُغْسَلُ شِقُّهُ الْأَيْسَرُ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَهُ (وَإِنْ أُجْلِسَ) فِي الْغُسْلِ (فَذَلِكَ) الْجُلُوسُ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي مُنَاوَلَةِ غُسْلِهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ الْحَيُّ مُقَدَّمٌ فِي غُسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ الْأَوْلِيَاءِ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْغُسْلِ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ
ــ
[حاشية العدوي]
تَتِمَّةٌ:
لَوْ قُصَّتْ أَظْفَارُهُ أَوْ حُلِقَ شَعْرُهُ أَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهِ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ. [قَوْلُهُ: إنْ اُحْتِيجَ إلَخْ] بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّ شَيْئًا مُتَهَيِّئٌ لِلْخُرُوجِ.
وَقَوْلُهُ: مَخَافَةَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ وُضِّئَ الْمَيِّتُ] أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى كَالْجُنُبِ وَيَتَعَهَّدُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ لِإِزَالَةِ مَا يُكْرَهُ رِيحُهُ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ قَالَ تت: اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ يُغْسَلُ كُلُّ عُضْوٍ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّةً؟ قَوْلَانِ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ وَدَفَعَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وُضُوءَ الصَّلَاةِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ مَرَّةً مَرَّةً فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ إلَخْ] الرَّاجِحُ عَدَمُ التَّكْرَارِ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارِ] ذَكَرَ تت أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَالْوُجُوبِ، فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فَحَسَنٌ وَلِدَفْعِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَيْضًا الْوَاجِبُ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: حِينَ أَمَرَ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ] أَيْ أُمِّ كُلْثُومٍ.
[قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أُزِيلَتْ] وَكَذَا لَوْ وَطِئَ شَخْصٌ مَيِّتَةً بَعْدَ غُسْلِهَا وَوُضُوئِهَا لَا تُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِمَا وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ وُطِئَتْ بَعْدَ وُضُوئِهَا وَغُسْلِهَا وَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَيُقَلِّبُ إلَخْ] أَيْ وَيُحَوَّلُ الْمَيِّتُ لِجَنْبِهِ، وَقَوْلُهُ: أَحْسَنُ خَبَرُ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ أَحْسَنُ أَيْ الْقَلْبُ أَحْسَنُ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ أَوَّلًا عَلَى شِقِّهِ] وَلَا يُقَلِّبُهُ عَلَى ظُهْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَشْوِيهٌ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْلَبُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَلَا يُجْلَسُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْجَنَابَةِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ الشِّقُّ الْأَيْمَنُ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلشِّقِّ الْأَيْسَرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ يُكْمِلُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ ثُمَّ يُكْمِلُ الْأَيْسَرَ فَلْيَفْعَلْ هُنَا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَجْلَسَ] هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: أَحْسَنُ أَيْ مِنْ إجْلَاسِهِ أَوْ قَلْبِهِ عَلَى ظَهْرِهِ.
وَقَوْلُهُ الشَّارِحِ: أَيْ جَائِزٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْغَاسِلُ مِنْ وُقُوفِهِ عَلَى الدِّكَّةِ وَيَجْعَلُ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بَلْ الْمَطْلُوبُ وُقُوفُهُ بِالْأَرْضِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدِ الْوَهَّابِ] أَيْ فَعِنْدَهُ الْإِجْلَاسُ أَحْسَنُ.
[قَوْلُهُ: فِي مُنَاوَلَةِ] أَيْ تَحْصِيلِ غُسْلِهِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ] أَيْ فَيُنْدَبُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ مُحْرِمًا فَيُنْهَى عَنْ التَّغْسِيلِ كَرَاهَةً، فَإِنْ فَعَلَ أَهْدَى إنْ أَمْدَى، وَالْمُرَادُ الزَّوْجَانِ الصَّحِيحَا النِّكَاحِ وَلَوْ بِفَوَاتِ الْفَاسِدِ، وَيَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ غَيْرَهُ أَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ خِيَارَهُ. [قَوْلُهُ: مُقَدَّمٌ فِي غُسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ] بَلْ وَعَلَى مَنْ أَوْصَاهُ الْمَيِّتُ أَيْضًا وَيُنْدَبُ لَهُ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ كَمَا قَرَّرْنَا.
[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْغُسْلِ] أَيْ بِخِلَافِ الْمَوْلَى مِنْهَا وَالْمَظَاهِرُ مِنْهَا
غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ. وَفِي حُكْمِ الزَّوْجَيْنِ السَّيِّدُ وَأَمَتُهُ وَمُدَبَّرَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ اتِّفَاقًا.
(وَالْمَرْأَةُ) الْمُسْلِمَةُ (تَمُوتُ فِي السَّفَرِ لَا نِسَاءَ) مُسْلِمَاتٍ (مَعَهَا وَلَا مَحْرَمَ) لَهَا (مِنْ الرِّجَالِ) وَإِنَّمَا مَعَهَا رِجَالٌ أَجَانِبُ (فَلْيُيَمِّمْ رَجُلٌ) مِنْهُمْ (وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) إلَى الْكُوعَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِخِلَافِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِفَقَطْ احْتِرَازًا مِمَّا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ فَعَوْرَةٌ لَا يَجُوزُ كَشْفُهُ وَلَا لَمْسُهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَيَّدْنَا النِّسَاءَ بِالْمُسْلِمَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: تُعَلَّمُ الْغُسْلَ وَيُحْتَاطُ لَهَا بِالتَّيَمُّمِ (وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا يَمَّمَ النِّسَاءُ) الْأَجَانِبُ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لِمِرْفَقَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ) مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ (يُغَسِّلُهُ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ فَإِنْ كَانَتْ) مَعَ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ
ــ
[حاشية العدوي]
فَلَهُمَا التَّغْسِيلُ بِالْقَضَاءِ، وَالْكِتَابِيَّةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِصِفَةِ الْغُسْلِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ] وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَتَعَدَّدَتْ زَوْجَاتُهُ وَطَلَبْنَ التَّغْسِيلَ اسْتَظْهَرَ عَجَّ الْقُرْعَةَ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ اشْتَرَاك الْجَمِيعِ فِي الْمُبَاشَرَةِ لَاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْقُرْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ قُلْت: وَبِقَوْلِ الشَّيْخِ أَقُولُ.
[قَوْلُهُ: وَأَمَتُهُ] أَيْ الْقَنِّ أَفَادَ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُبَعَّضَةَ وَالْمُعْتَقَةَ لِأَجَلٍ وَالْمُشْتَرَكَةَ لَا يَحِلُّ لِلْحَيِّ مِنْهُنَّ تَغْسِيلُهُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَكَذَا أَمَةُ الْمَدْيُونِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، لَكِنْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي مَنْعِهَا مِنْ تَغْسِيلِهِ نَظَرٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إبَاحَةَ الْوَطْءِ لِلْمَوْتِ بِرِقٍّ تُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَيُقَدَّمُ السَّيِّدُ عَلَى أَوْلِيَاءِ أَمَتِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَى أَوْلِيَاءِ سَيِّدِهَا، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ أَيْ الْأَمَةِ وَالْمُدَبِّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ كَمَا قُرِّرَ.
[قَوْلُهُ: تَمُوتُ فِي السَّفَرِ] أَيْ وَفِي الْحَضَرِ، وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَإِنَّمَا خَصَّ السَّفَرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ شَأْنَهُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ.
[قَوْلُهُ: لَا نِسَاءَ مَعَهَا] لَا أَقَارِبَ وَلَا أُجَانِبَ [قَوْلُهُ: مُسْلِمَاتٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَيَّدْنَا النِّسَاءَ بِالْمُسْلِمَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: تُعَلَّمُ الْغُسْلَ وَتُغَسِّلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَحْرَمَ لَهَا مِنْ الرِّجَالِ] لَا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالرَّضَاعِ وَلَا بِالصِّهْرِ.
[قَوْلُهُ: فَلْيُيَمَّمْ رَجُلٌ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ الزَّرْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا جَازَ مَسُّهُمَا لِلْأَجْنَبِيِّ دُون الْحَيَاةِ لِنُدُورِ اللَّذَّةِ هُنَا، وَلَا يُتَمِّمُ الْمُصَلِّي إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ تَيَمُّمِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا لَمْسُهُ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لَمْسُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الزَّرْقَانِيِّ وَلِمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ] ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا إلَخْ] فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ جَازَ لَهَا أَنْ تُيَمِّمَ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ إلَى مِرْفَقَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا إلَى مِرْفَقَيْهَا مَعَ شِدَّةِ مَيْلِ النِّسَاءِ إلَى الرَّجُلِ؟ فَالْجَوَابُ شِدَّةُ حَيَاءِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَيَضْعُفُ مَيْلُ النِّسَاءِ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ أَوْ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلًّا إذَا يَمَّمَ غَيْرَهُ يَمَسُّ وَجْهَهُ. وَتَوَقَّفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَانْظُرْ كَيْفَ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَمْسَ وَجْهِ الْآخَرِ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَقَدْ عَلِمْت الْجَوَابَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ. [قَوْلُهُ: وَيَدَيْهِ لِمِرْفَقَيْهِ] قَالَ عَجَّ: وَيَنْبَغِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْمِرْفَقَيْنِ وَاجِبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ، وَرَدَّ عَلَى ابْنِ فُجْلَةَ فِي جَعْلِهِ مِنْ الْكُوعَيْنِ إلَيْهِمَا سُنَّةً.
تَنْبِيهٌ:
إذَا يَمَّمَتْهُ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ لَمْ يَعُدْ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أُعِيدَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَلْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِعَادَةِ إذَا جَاءَ الرَّجُلُ حَالَ صَلَاتِهِ.
(امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ) نَسَبًا أَوْ صِهْرًا (غَسَّلَتْهُ وَسَتَرَتْ عَوْرَتَهُ) فَقَطْ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَصُحِّحَ لِأَنَّ جَسَدَهُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَالتَّأْوِيلُ الْآخَرُ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ) الْمَرْأَةِ (الْمَيِّتَةِ) فِي السَّفَرِ (ذُو مُحْرِمٍ) مِنْ مَحَارِمِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ (غَسَّلَهَا) مَحْرَمُهَا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا) وَصُورَةُ غُسْلِهَا أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ صَبًّا وَلَا يُبَاشِرُ جَسَدهَا بِيَدِهِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَلَا مِنْ تَحْتِهِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْغُسْلِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى التَّكْفِينِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ) غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ (فِي وِتْرٍ) (ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ] وَلَوْ كَافِرَةً [قَوْلُهُ: نَسَبًا أَوْ صِهْرًا] أَيْ أَوْ رَضَاعًا، وَيُقَدَّمُ مُحَرَّمُ النَّسَبِ عَلَى مُحَرَّمِ الرِّضَاعِ، ثُمَّ مُحَرَّمُ الرَّضَاعِ عَلَى مُحَرَّمِ الصُّهَارَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ. [قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ] أَيْ فَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ جَسَدَهُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الرُّؤْيَةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرَى مِنْ مُحْرِمِهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمَسِّ لَا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَطْ، وَالْجَوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ فَجُوِّزَ هُنَا لِلضَّرُورَةِ فَقِيسَ الْمَسُّ عَلَى النَّظَرِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَالتَّأْوِيلُ الْآخَرُ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ.
قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُلْصِقَ الثَّوْبَ بِالْجَسَدِ وَتُحَرِّكَهُ فَتُغَسِّلَ مَا بِهِ اهـ.
وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فَقَطْ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا عَدَاهَا مِنْ جَسَدِهِ. [قَوْلُهُ: ذُو مَحْرَمٍ] وَلَوْ لِصِهْرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: إنَّ الْمَحْرَمَ لَا يُغَسِّلُهَا بَلْ يُيَمِّمُهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ] بِأَنْ يَجْعَلَ الْغَاسِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ مِنْ السَّقْفِ إلَى أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَصِيرُ نَظَرُهُ إلَى الثَّوْبِ لَا إلَى جَسَدِهَا، وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ تَحْتِ ذَلِكَ الثَّوْبِ وَيَجْعَلُ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ غَلِيظَةً، فَكَمَا لَا يَنْظُرُ إلَى جَسَدِهَا لَا يُبَاشِرُ بِيَدِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ بَعْدَ تَعْلِيقِ الثَّوْبِ الْمَانِعِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى جَسَدِهَا وَبَعْدَ خِرْقَةٍ غَلِيظَةٍ عَلَى يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا الذَّكَرَ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهِ حَيْثُ لَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً كَثِيفَةً، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِتْرُهُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا مَحْرَمَ لَهُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا سَيِّدًا ذَكَرًا أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ تَرْجِعُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا تُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوَّلًا وُصُولٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ وَيُدْفَنُ، وَيَنْبَغِي إذَا يَمَّمَهُ رَجُلٌ أَنْ يُيَمِّمَهُ إلَى كُوعَيْهِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ يَمَّمَتْهُ امْرَأَةٌ يَمَّمَتْهُ إلَى مِرْفَقَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الرَّجُلِ، وَلَوْ يَمَّمَتْ النِّسَاءُ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ غَسَّلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ قَالَهُ عَجَّ. وَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ غُسِّلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَ الطِّخِّيخِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ خَلِيلٍ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ أَمْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ طَلَبِ الْإِسْرَاعِ بِدَفْنِ الْأَمْوَاتِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ التَّغْسِيلُ وَالتَّيَمُّمُ لِدَفْنٍ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ عَجَّ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّقَانِيِّ.
[قَوْلُهُ: مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ] أَيْ وَلَا يُبَاشِرُ بِيَدِهِ لَا مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ، وَلَا مِنْ تَحْتِهِ أَمَّا مِنْ تَحْتِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْ فَوْقِهِ فَيُفْرَضُ فِي ثَوْبٍ مَرْفُوعٍ يُمْكِنُ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ فَوْقِهِ.
[قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ] قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ لِلرَّجُلِ وَخِمَارٌ لِلْمَرْأَةِ، وَالْأُزْرَةُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ، وَلَا فَضْلَ فِي الْوَاحِدَةِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْوِتْرِ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ شَفْعًا لِزِيَادَةِ السَّتْرِ، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لِمَا فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ السَّتْرِ وَالْوِتْرِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ خَمْسَةٌ وَهِيَ الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ لِلرَّجُلِ أَوْ الْخِمَارُ لِلْمَرْأَةِ، وَالْأُزْرَةُ وَلِفَافَتَانِ يُدْرِجُ فِيهِمَا الْمَيِّتَ، وَتُجْعَلُ الْعُلْيَا أَوْسَعَ مِنْ السُّفْلَى، وَالْخَمْسَةُ أَفْضَلُ مِنْ السِّتَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَلَى خَمْسَةٍ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ سَبْعَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَيُزَادُ لَهُمَا عَلَى الْخَمْسَةِ
خَمْسَةَ أَوْ سَبْعَةَ) تَكَلَّمَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَسَكَتَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ جَسَدِهِ، وَقِيلَ: الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَشُهِرَ وَظَاهِرُ مَا قَالَ الشَّيْخُ: أَنَّ اسْتِحْبَابَ السَّبْعَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيعِ بِالْمَرْأَةِ وَكَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ لِلرِّجَالِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْكَفَنِ الْوِتْرُ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّم أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يُلَفُّ فِيهِ دَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ فَقَالَ:(وَمَا جُعِلَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (مِنْ وَزْرَةٍ) صَوَابُهُ مِنْ أُزْرَةٍ (وَقَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ فَذَلِكَ مَحْسُوبٌ فِي عَدَدِ الْأَثْوَابِ الْوِتْرِ) الْمُسْتَحَبِّ.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ «كُفِّنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» بِفَتْحِ السِّينِ يَعْنِي: بَيْضَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَحَلْت الشَّيْءَ إذَا قَصَّرْته نِسْبَةً إلَى سَحُولٍ قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ (أُدْرِجَ) أَيْ لُفَّ (فِيهَا إدْرَاجًا) أَيْ لَفًّا (صلى الله عليه وسلم وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُعَمَّمَ) اسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا فِيمَا فَعَلَهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَالْعِمَامَةُ إنَّمَا تُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ وَيُتْرَكُ مِنْهَا قَدْرُ الذِّرَاعِ ذُؤَابَةٌ تُطْرَحُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُعَمَّمُ
ــ
[حاشية العدوي]
السَّابِقَةِ لِفَافَتَانِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَوْبٌ سَاتِرٌ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ سَتْرُ جَمِيعِ جَسَدِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا التَّكْفِينُ وَهُوَ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي الْكَفَنِ فَوَاجِبٌ اتِّفَاقًا كَمُوَارَاتِهِ فِي التُّرَابِ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْوَاجِبُ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ مِنْ أُزْرَةٍ] بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَا يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَهِيَ تَحْتَ الْقَمِيصِ أَوْ سِرْوَالٌ بَدَلَهَا وَهُوَ أَسْتَرُ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الثَّلَاثِ مَحْسُوبٌ إلَخْ. قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِرَقَ وَالْعَصَائِبَ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْهَا لَا مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا.
[قَوْلُهُ: الْمُسْتَحَبُّ] أَيْ التَّكْفِينُ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ كُفِّنَ إلَخْ] الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» اهـ.
وَقَوْلُهُ: يَمَانِيَةٌ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى الْيُمْنِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ كُرْسُفٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ أَيْ قُطْنٌ.
قَالَ الْبَغَوِيّ: وَثَوْبُ الْقُطْنِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِنَّ أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ قَمِيصٌ إلَخْ. أَيْ لَيْسَ مَوْجُودًا أَصْلًا بَلْ هِيَ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ. كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ إمَامُنَا: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَثْوَابِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ خَمْسَةً.
وَقَوْلُهُ: بِيضٌ جَمْعُ أَبْيَضُ وَزْنُهُ فُعُلٌ بِضَمِّ الْفَاءِ كَأَحْمَر وَحُمْرٌ، أُبْدِلَتْ الضَّمَّةُ كَسْرَةً لِتَسْلَمَ الْيَاءُ مِنْ قَلْبِهَا وَاوًا لِوُقُوعِهَا بَعْدِ ضَمَّةٍ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي كُفِّنَّ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَزْرَةُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ مَنْسُوبٌ إلَى السَّحُولِ وَهُوَ الْقِصَارُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَلُهَا أَيْ يَغْسِلُهَا أَوْ إلَى سُحُولٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْيُمْنِ، وَالضَّمُّ جَمْعُ سَحْلٍ وَهُوَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْفَتْحَ بِوَجْهَيْهِ إذَا انْتَقَشَ فِي ذِهْنِك هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ سَحَلْت الشَّيْءَ أَيْ قَصَّرْته يُنَاسِبُ الْفَتْحَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْلَى فِيهِ. فَقَوْلُهُ: بَعْدَ نِسْبَةٍ إلَخْ لَا يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْوَجْهِ الثَّانِي فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: بِيضًا لَا يُنَاسِبُ إلَّا الضَّمَّ فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَقٌ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ سَحُولِيَّةٌ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِيضٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِفَتْحِ السِّينِ نِسْبَةً إمَّا إلَى السَّحُولِ الَّذِي هُوَ الْقِصَارُ أَوْ إلَى سُحُولٌ الَّتِي هِيَ قَرْيَةٌ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقِصَرَ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْبَيَاضُ عُرْفًا وَيَكُونُ تَفْسِيرًا بِلَازِمِ نِسْبَتِهَا إلَى الْقِصَارِ، وَأَنَّ شَأْنَ تِلْكَ الثِّيَابِ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الْبَيَاضُ. [قَوْلُهُ: أُدْرِجَ فِيهِ إدْرَاجًا] وَصِفَةُ الْإِدْرَاجِ أَنْ يُبْسَطَ الْوَافِيَةُ أَوَّلًا وَيُجْعَلَ عَلَيْهَا الْحَنُوطُ، ثُمَّ تُجْعَلُ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْقَصْرِ عَلَيْهَا، وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا الْحَنُوطُ ثُمَّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا بَعْدَمَا يُجَفَّفُ بِخِرْقَةٍ، وَيُلْبَسُ الْوَزْرَةُ وَالْقَمِيصُ. [قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ هُنَا فِيمَا فَعَلَهُ إلَخْ] بِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَوَّلًا أَنَّهُمَا مَحْسُوبَانِ فِي الْعَدِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ. وَأَفَادَ الْحُكْمَ هُنَا بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ] أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَمِيصِ
وَإِنَّمَا يُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهَا خِمَارٌ يُتْرَكُ مِنْهُ ذُؤَابَةٌ تُطْرَحُ عَلَى وَجْهِهَا، وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْأَبْيَضُ وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَمْكَن غَيْرُهُ، وَالْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ وَمَؤُونَةُ الدَّفْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهَنِ وَالْوَصِيَّةِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَنُوطِ فَقَالَ: (وَيَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يُحَنَّطَ) الْمَيِّتُ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَدَّةً، وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُحْرِمٍ وَمُعْتَدَّةٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَشَّفَ جَسَدُهُ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ قَبْلَ أَنْ يُحَنَّطَ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ تُجَمَّرَ ثِيَابُهُ وِتْرًا. ثُمَّ بَيَّنَ مَوْضِعَ الْحَنُوطِ فَقَالَ:(وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ (بَيْنَ أَكْفَانِهِ وَفِي جَسَدِهِ وَمَوَاضِعِ السُّجُودِ مِنْهُ) الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ الْحَنُوطِ فَوْقَ الْأَثْوَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَرَفٌ.
ــ
[حاشية العدوي]
وَالتَّعْمِيمِ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ لَا أَنَّهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ. وَأَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَامَةِ خَلِيلٍ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ عَذْبَةٌ فِي الْعِمَامَةِ وَلَا يَخْتَصُّ اسْتِحْبَابُ الْعَذْبَةِ بِالْمَيِّتِ؛ إذْ الْحَيُّ كَذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: صَارَتْ الْعَذْبَةُ الْيَوْمَ شِعَارَ قَوْمٍ يُسَمَّوْنَ الصُّوفِيَّةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهَا الْآنَ إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهَلْ يُخَيَّطُ الْقَمِيصُ وَيُجْعَلُ لَهُ أَكْمَامٌ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ السُّنَّةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: ذُؤَابَةٌ] بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَالْهَمْزِ، وَالْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ كَالْخِمَارِ مُتَّسَعًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ وَجْهَهَا كَمَا يَسْتُرُ رَأْسَهَا وَرَقَبَتَهَا. [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْأَبْيَضُ] مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَتَّانِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتُرُ وَكُفِّنَّ فِيهِ عليه الصلاة والسلام. [قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ] أَيْ نَحْوَ الْمُعَصْفَرِ مِنْ الْأَخْضَرِ وَكُلِّ لَوْنٍ خَالَفَ الْبَيَاضَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ إمْكَانِ الْغَيْرِ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُنَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ فِي صَبْغِهِ طِيبٌ كَالْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ نَبْتٌ بِالْيُمْنِ أَصْفَرُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. [قَوْلُهُ: وَمَئُونَةُ الدَّفْنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَحَمْلِهِ وَإِقْبَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: يُقَدَّمُ إلَخْ، فَإِذَا أُخْرِجَتْ مُؤَنُ التَّجْهِيزِ تُخْرَجُ الدُّيُونُ كَانَتْ بِضَامِنٍ أَمْ لَا لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَضْمُونِ، فَإِذَا أَخْرَجَ الدُّيُونَ تَخْرُجُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي مَالِهِ، وَمَحَلُّ تَقَدُّمِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ عَلَى الدُّيُونِ مَا لَمْ تَكُنْ بِرَهْنٍ قَدْ حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَإِلَّا قُدِّمَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ فِي ذَلِكَ الرَّهْنِ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ مَحْرَمًا إلَخْ] أَيْ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِمَا بِالْمَوْتِ وَلِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَحْرَمٍ وَمُعْتَدَّةٍ] لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ أَيْ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهُمَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ وَإِلَّا تَوَلَّيَاهُ وَاحْتَالَا فِي عَدَمِ مَسِّهِ. [قَوْلُهُ: تُجَمَّرَ ثِيَابُهُ وِتْرًا] أَيْ تُبَخَّرُ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا بِالْعُودِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عُبُوقُ الرَّائِحَةِ.
[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَصْلِ] وَمُقَابِلُهُ الضَّمُّ [قَوْلُهُ: مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ] أَيْ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ وَلَكِنَّ الْكَافُورَ أَفْضَلُ، فَكَوْنُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مَنْدُوبٌ، وَبِالْكَافُورِ مَنْدُوبٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ طِيبًا يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ وَيَمْنَعُ مِنْ سُرْعَةِ التَّغَيُّرِ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ أَكْفَانِهِ] أَيْ فَوْقَ كُلِّ لِفَافَةٍ مَا عَدَا الْعُلْيَا.
[قَوْلُهُ: وَفِي جَسَدِهِ] كَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَمَخْرَجَيْهِ بِأَنْ يَذَرَ مِنْهُ عَلَى بِقُطْنٍ وَيُصْلِقَ عَلَى عَيْنَيْهِ وَفِي أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَمَخْرَجِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ] أَيْ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ قُطْنٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَنُوطَ يُجْعَلُ فِي مَسَاجِدِهِ وَمَرَافِقِهِ مِنْ غَيْرِ قُطْنٍ وَبِقُطْنٍ فِي حَوَاسِّهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَنَافِذِهِ، أَيْ مَا عَدَا حَاسَّةَ اللَّمْسِ فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً هُنَا، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَطْفَ وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا مَوَاضِعَ السُّجُودِ، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ.
تَنْبِيهٌ:
بَعْدَ جَعْلِهِ فِي الْكَفَنِ يُلَفُّ الْكَفَنُ عَلَيْهِ وَيُرْبَطُ الْكَفَنُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: يُخَاطُ وَيُحَلُّ عِنْدَ الدَّفْنِ.
(وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ نَائِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَائِمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ جُنُبًا، وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْمَشْهُورُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ غَمْرَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ (وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قَصُرَتْ ثِيَابُهُ عَنْ السِّتْرِ زِيدَ عَلَيْهَا مَا يَسْتُرُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ غُطِّيَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُغَسَّلْ الشَّهِيدُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا قِيلَ لِمَالِكٍ أَبَلَغَك «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ فَكَبَّرَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً» قَالَ: لَا وَلَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْمُعْتَرَكِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ كَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْحَرِيقِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسَّلُ إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُهُ سَوَاءٌ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ لِلْغَنِيمَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ] أَيْ الْمُهَيَّأِ بِالْفِعْلِ لِلْقِتَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ قِتَالٍ بِالْفِعْلِ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِقَوْلِهِ: فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ.
وَقَوْلُهُ: مَعَ الْكُفَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْقِتَالُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِسَيْفِ إلَخْ إذْ مِثْلُهُ مَنْ دَاسَتْهُ الْخَيْلُ أَوْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ دَرَجَتَهُ انْحَطَّتْ عَنْ الشَّهِيدِ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ.
[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ جُنُبًا] وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ إذَا كَانَ جُنُبًا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ] أَيْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ الرَّفْعِ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَخْ] أَيْ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مَغْمُورًا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَمَتَى رُفِعَ حَيًّا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مَنْفُوذَ الْمُقَاتِلِ أَمْ لَا. هَذَا مُحَصَّلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ مَنْفُوذَهَا لَا يُغَسَّلُ رُفِعَ مَغْمُورًا أَمْ لَا وَكَذَا غَيْرُ مَنْفُوذِهَا وَهُوَ مَغْمُورٌ.
تَنْبِيهٌ:
سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لِأَنَّ رُوحَهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَدَخَلَهَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ رُوحِ غَيْرِهِ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ صَاحِبِهَا وَهُوَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ.
[قَوْلُهُ: يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ] أَيْ مَصْحُوبَةً بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَهِيَ الطَّرْبُوشُ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَأَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً، وَخَاتَمٌ قَلَّ ثَمَنُ فَصِّهِ إلَّا الدِّرْعَ وَالسِّلَاحَ وَالْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فِي نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ] مُرُورٌ عَلَى الرَّاجِحِ إذَا اُخْتُلِفَ هَلْ تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ.
قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَجَزَمَ اللَّقَانِيُّ بِحُرْمَةِ الزِّيَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: زِيدَ عَلَيْهَا] أَيْ وُجُوبًا كَمَا أَنَّهُ يُكَفَّنُ إذَا وُجِدَ عُرْيَانًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ] أَيْ دُونَ مَا يَسْتُرُهُ أَيْ أَنَّنَا لَمْ نَجِدْ مَا يَسْتُرُهُ فَنَسْتُرُهُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، هَذَا إذَا وَجَدْنَا مَا يَسْتُرُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ، فَلَوْ وَجَدْنَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ غَطَّى مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى صَدْرِهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ.
[قَوْلُهُ: زَمِّلُوهُمْ] أَيْ لُفُّوهُمْ [قَوْلُهُ: «اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ» ] كَانَ فِي الْجَسَدِ أَوْ فِي الثَّوْبِ. وَقَوْلُهُ: وَالرِّيحُ أَيْ وَرَائِحَةُ الدَّمِ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ رِيحِ الْمِسْكِ فِي الرِّضَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُزَالُ ذَلِكَ، [قَوْلُهُ: وَلَا أَنَّهُ] أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ وَهُوَ شَهِيدُ الْآخِرَةِ.
(فَائِدَةٌ)
فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ» .
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ رحمه الله: وَهَذَا أَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلُ مَعْنَاهُ، وَقِيلَ: لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: صَلَّى النَّاسُ إلَخْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَادَةُ وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ فَيَدْعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ وَالشَّهِيدُ يُغْنِيهِ فَضْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى قَالَ: وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حُذِرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ إزَالَةُ الدَّمِ عَنْهُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ بَقَاؤُهُ وَتَطَيُّبُهُ وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ شَهَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا تُكْرَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا انْتَهَى.
(وَيُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسَهُ) زَادَ فِي الْكِتَابِ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
(وَ) كَذَلِكَ (يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ) وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَتْلُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (أَوْ) قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي (قَوَدٍ) كَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ (وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ (الْإِمَامُ) وَلَا أَهْلُ الْفَضْلِ، وَهَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزٍ رضي الله عنه وَعَنَى بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ» وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ إذَا رَأَوْا الْأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ امْتَنَعُوا مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
فَائِدَةٌ:
نَقَلَ نُورُ الدِّينِ الزِّيَادِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلَوْ شَهِيدَ الْحَرْبِ، وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ عَدَمِ سُؤَالِ الشُّهَدَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي الْقَبْرِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ. [قَوْلُهُ: جَلَالُ الدِّينِ] أَيْ السُّيُوطِيّ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ نَاشِئَةً مِنْ الْمُصَلِّي مُنْتَهِيَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُبَاشِرُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ صَلَاةً حَقِيقَةً لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ وَيَتَرَحَّمُونَ أَيْ بِالدُّعَاءِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ لَا بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ صلى الله عليه وسلم] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَوْدُ التَّشْرِيفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّكَمُّلِ.
[قَوْلُهُ: حُذِّرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ] أَيْ مُنِعَ مِنْ تَغْسِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: إزَالَةُ أَيْ: كَرَاهَةُ إزَالَةِ، وَهُوَ إمَّا فَاعِلُ حُذِّرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَيَكُونُ حُذِّرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: وَتَطَيُّبُهُ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ لِطِيبِهِ وَهِيَ أَصْوَبُ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ] أَيْ عَلَامَةُ شَهَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَلَامَةُ.
[قَوْلُهُ: كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] أَيْ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي الْخَطَأِ لَا الْعَمْدِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ تت، وَظَاهِرُ مَا لِلشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: كَتَارِكِ الصَّلَاةِ] أَيْ كَسَلًا. وَقَوْلُهُ: وَالْمُحَارِبُ أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أَيْ كَلَائِطٍ وَزَانِ مُحْصَنَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَاعِزٍ] اعْتَرَفَ بِالزِّنَا [قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ] أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَ] أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ لَا يُنْتِجُ كَوْنَهُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا نُهُوا] أَيْ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ.
تَنْبِيهٌ:
مُقْتَضَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ فِي حَدٍّ غَيْرِ الْقَتْلِ لَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَلَا مَنْ فِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْمَعَاصِي، وَإِلَّا كُرِهَ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ لَمْ تَدْخُلَا تَحْتَ التَّرْجَمَةِ عَلَى مَا قِيلَ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ، فَيُقَالُ: أَجْمَرْت النَّارَ مِجْمَرًا وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ:
لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا مِجْمَرًا أَرِجًا
…
قَدْ كَسَّرَتْ مِنْ يَلَنْجُوجٍ لَهُ وَقَصَا
قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، فَمُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِمِجْمَرٍ فِيهَا نَارٌ لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ:(وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ) لِلرِّجَالِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا وَإِذَا رَكِبُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَهَا، وَدَلِيلُ هَذَا التَّفْصِيلِ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَقَيَّدْنَا بِالرِّجَالِ احْتِرَازًا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ.
، ثُمَّ
ــ
[حاشية العدوي]
صَلَاتِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ جُمْلَةً عَلَى مَنْ ذَكَرَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ صَلَاةُ مَنْ ذَكَرَ لِوُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى كُلِّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ.
[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ] فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْمِجْمَرَ بِالْكَسْرِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْجَمْرُ وَالْعُودُ نَفْسُهُ، وَكَذَا الْمُجْمَرُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا فَقَدْ حُكِيَ الضَّمُّ وَلَمْ يَحْكِ الْفَتْحَ. [قَوْلُهُ: أَجْمَرْتُ النَّارَ] بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالنَّارَ مَفْعُولٌ.
وَقَوْلُهُ: مِجْمَرًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ أَجْمَرْت النَّارَ فِي مِجْمَرٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْآلَةِ الَّتِي لِلْجَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتَ بِالْوَجْهَيْنِ] أَيْ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ هَذَا مَدْلُولُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الصِّحَاحِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمِجْمَرُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَبِالضَّمِّ الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْجَمْرُ، وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، فَالْوَجْهَانِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَ، وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَسْتَدْفِئُ الْمَحْبُوبَةُ بِالنَّارِ إلَّا فِي مِجْمَرٍ عَلَى الْكَسْرِ. وَقَوْلُهُ: أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ عُودِ الْبَخُورِ.
وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَرِجَ الْمَكَانُ أَرَجًا فَهُوَ أَرِجٌ مِثْلُ تَعِبَ تَعَبًا فَهُوَ تَعِبٌ إذَا فَاحَتْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ أَوْ لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُجْمَرًا أَيْ ذَاتَ مُجْمَرٍ أَيْ ذَاتَ عُودِ بَخُورٍ أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ عَلَى الضَّمِّ.
وَقَوْلُهُ: قَدْ كَسَرَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِشَكْلِ الْقَلَمِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ وَفِي خَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَيَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَحْبُوبَةِ. وَقَوْلُهُ: وَقْصًا مَفْعُولُهُ، وَالْيَلَنْجُوجُ عُودُ الْبَخُورِ، وَالْوَقْصُ كِسَارُ الْعُودِ يُلْقَى عَلَى النَّارِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، أَيْ قَدْ كَسَرَتْ تِلْكَ الْمَحْبُوبَةُ مِنْ الْيَلَنْجُوجِ وَقْصًا أَيْ كِسَارًا لَهُ أَيْ لِعُودِ الْبَخُورِ، فَلَهُ حَالٌ مِنْ: وَقَصًا مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ كِسَارًا مَنْسُوبَةً لَهُ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ أَوْ اللَّامِ بِمَعْنَى مِنْ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْت عَلَى قِرَاءَةِ مُجْمَرًا بِالضَّمِّ مُرَادًا مِنْهُ الْعُودُ نَفْسُهُ يَكُون الْأَصْلُ قَدْ كَسَرَتْ مِنْهُ فَلِمَ عَدَلَ عَنْهُ؟ قُلْت: إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسَمَّى مُجْمَرًا يُسَمَّى يَلَنْجُوجًا هَذَا مَا ظَهَرَ لَلذِّهْنِ الْفَاتِرِ وَالْفَهْمِ الْقَاصِرِ. [قَوْلُهُ: فَمُرَادُ الشَّيْخِ إلَخْ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهَا الَّتِي هِيَ آلَةُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمْرٌ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاؤُلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ] أَيْ فِي حَالِ الذَّهَابِ إلَى الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، وَإِذَا رَكِبُوا أَيْ لَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ أَنَّهُمْ رَكِبُوا إلَخْ أَيْ ارْتَكَبُوا الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمَشْيُ فَالْمَاشِي الْمُتَقَدِّمُ مُحَصِّلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ إلَخْ] قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَقُولُ: نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الْجِنَازَةِ فَضِيلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَوْنُهُ أَمَامَهَا فَضِيلَةٌ أُخْرَى، دَلِيلُ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ:«خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فَقَالَ: أَلَّا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» .
وَدَلِيلُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ
انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الدَّفْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِهِ هُنَا، وَنَصَّ آخِرَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فَقَالَ:(وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لَحْدًا أَوْ شَقًّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُعْدَلُ رَأْسَهُ بِالتُّرَابِ وَرِجْلَاهُ بِرِفْقٍ وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ، وَيَحُلُّ عُقَدَ كَفَنِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى ظُهْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِذَا خُولِفَ بِهِ الْوَجْهُ الْمَطْلُوبُ فِي دَفْنِهِ كَمَا إذَا جُعِلَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَطُلْ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ وَيُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ، وَالطُّولُ يَكُونُ بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَارُوهُ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ فَلْيُحَوَّلْ إلَى مَا يَنْبَغِي.
(وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَضِعَ الْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ (يُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ جَمْعُ لَبِنَةٍ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَتِبْنٍ، وَرُبَّمَا عُمِلَ بِدُونِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَلْحَدَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَنَصَبَ اللَّبِنَ عَلَى لَحْدِهِ» ، وَيُسْتَحَبُّ سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فِي ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام (وَيَقُولُ) وَاضِعُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ أَوْ مَنْ حَضَرَ دَفْنَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ نَصْبِ اللَّبِنِ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إنَّ صَاحِبَنَا) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا جِنْسُ
ــ
[حاشية العدوي]
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّاكِبِ التَّأَخُّرُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» . [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ] أَطْلَقَ فِي النِّسَاءِ، وَالْحُكْمُ فِي خُرُوجِهِنَّ أَنَّ الْمُتَجَالَّاتِ كَالرِّجَالِ يُطْلَبُ مِنْهُنَّ الْخُرُوجُ لِتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الْمُفَتِّنَاتُ فَلَا يَحِلُّ خُرُوجُهُنَّ، وَلَوْ لِجِنَازَةِ ابْنٍ أَوْ زَوْجٍ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُفْتِنَةٍ فَتَخْرُجُ لِجِنَازَةِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا فَقْدُهُ كَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إلَخْ] وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَيِّتِ إلَّا النِّسَاءُ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ لَمْ يَرْجُ الْبَرَّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهَلْ يُثْقَلُ بِشَيْءٍ فِي رَجُلَيْهِ أَوْ لَا قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إلَخْ] يُفْهِمُ أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَعْلِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ مَعَ كَوْنِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَا ظَاهِرُ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَضَجَعَ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقْبِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَحَرَّرَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْقِبْلَةَ أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجَالِسَ جَمْعُ مَجْلِسٍ وَهُوَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ جَالِسًا فِيهَا بَلْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا فَجَعْلُهُ جَالِسًا فِيهَا تَسَامُحٌ. [قَوْلُهُ: وَتُمَدُّ يَدُهُ] أَيْ نَدْبًا.
وَقَوْلُهُ: عَلَى جَسَدِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَوْقَ الْجَسَدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إلَى جَسَدِهِ أَيْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مَضْمُومَةٌ إلَى جَسَدِهِ، فَعَلَى بِمَعْنَى إلَى. وَقَوْلُهُ: وَيَعْدِلُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: وَرِجْلَاهُ أَيْ بِالتُّرَابِ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبُ] شَامِلٌ لِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَا ضَرَّهُ. [قَوْلُهُ: وَيُحَلُّ عُقَدُ كَفَنِهِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ] أَيْ أَوْ بِوَضْعِ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَعْسُرُ إزَالَتُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ] لَعَلَّ الْيَسِيرَ مَا لَا مَشَقَّةَ فِي إزَالَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ] وَمُقَابِلُهُ كَسْرُ اللَّامِ وَفَتْحُ الْبَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا عَمِلَ بِدُونِهِ] أَيْ التِّبْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ] أَيْ مِنْ لَوْحٍ وَقُرْمُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ سَدُّهُ بِاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْأَلْوَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِقُرْمُودٍ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ مِنْ الطِّينِ عَلَى هَيْئَةِ وُجُوهِ الْخَيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَآجُرُّ الطُّوبِ الْمُحَرَّقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَجَرٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَصَبٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيُسَدُّ اللَّحْدُ بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ بِالتَّابُوتِ أَيْ فِي الْخَشَبَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسِّحْلِيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَلْحَدَ إلَخْ] لَعَلَّ الْمَعْنَى أَيْ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ أَيْ سَدِّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرْشِيِّ جَعَلَ مُضْرِبَةً تَحْتَ أَوْ مِخَدَّةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، وَمَا رُوِيَ
الْمَيِّتِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا (قَدْ نَزَلَ بِك) أَيْ اسْتَضَافَك (وَخَلَّفَ) أَيْ نَبَذَ (الدُّنْيَا) الْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ (وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ (وَافْتَقَرَ إلَى مَا عِنْدَكَ) وَهِيَ رَحْمَتُك وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ افْتِقَارًا إلَيْهَا (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ) أَيْ كَلَامَهُ (وَلَا تَبْتَلِهِ) أَيْ لَا تَخْتَبِرْهُ (فِي قَبْرِهِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ) أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ نَبِيِّهِ (مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) .
(وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (تَجْصِيصُهَا) أَيْ تَبْيِيضُهَا بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» .
(وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ) لِأَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إلَّا مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي غُسْلِهِ.
(وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُهُ (لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ) لِأَنَّ بِالْمَوْتِ سَقَطَ بِرُّهُ اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ) إذَا تَرَكَهُ (فَلِيُوَارِهِ) أَيْ يَلُفُّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنُهُ وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ جَعْلِ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالْأَثْبَتُ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: اسْتَضَافَك] أَيْ طَلَبَ مِنْك أَنْ تُضِيفَهُ أَيْ تُنْزِلَهُ وَتُقَرِّبَهُ، هَذَا إذَا جَعَلْنَا السِّينَ وَالتَّاءَ لِلطَّلَبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّزُولَ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ مُتَوَجِّهًا إلَى التَّقْرِيبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ذُكِرَ لِلطَّلَبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَك ضَيْفًا. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ] لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْفَرَاغِ الَّذِي بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ افْتَقَرَ بِأَشَدَّ افْتِقَارًا. [قَوْلُهُ: أَيْ كَلَامُهُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَنْطِقِ الْمَنْطُوقَ بِهِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ أَيْ ثَبَتَ كَلَامُهُ أَيْ بِحَيْثُ يُجِيبُ حِينَ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَحَلَّ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُجِيبُ بِمَا ذَكَرَ فَالْمَآلُ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: لَا تَخْتَبِرْهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ هُوَ الِامْتِحَانُ، وَالْوَارِدُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السُّؤَالُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دُعَاءً بِأَنْ يُلَطِّفَ بِهِ فِي السُّؤَالِ أَيْ بِحَيْثُ يُسْأَلُ بِرِفْقٍ، فَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ السُّؤَالُ الَّذِي بِعُنْفٍ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاخْتِبَارِ لَازِمَهُ مِنْ الْمَشَقَّاتِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ] أَيْ فِي الْبَرْزَخِ بِأَنْ تَكُونَ رُوحُهُ مُجَاوِرَةً لِرُوحِهِ، وَفِي الْجَنَّةِ بِأَنْ تَكُونَ بِجِوَارِهِ بِذَاتِهِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ إذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ.
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ] أَيْ كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ سَقْفٍ وَكَذَا حَوَالَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى النَّاسِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا] أَيْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ خُلَاصَتُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ بِأَرْضِ مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ حَيْثُ لَا يَأْوِي إلَيْهِ أَهْل الْفَسَادُ، وَجُرِّدَ عَنْ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا حُرِّمَ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَجَازَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا يُحَرَّمُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ مُطْلَقًا كَالْقَرَافَةِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِهَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ تَجْصِيصُهَا] مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ وَضْعُ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ عُودٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيُعْرَفَ بِهِ إذَا لَمْ يُنْقَشْ فِي ذَلِكَ اسْمٌ أَوْ تَارِيخُ مَوْتٍ، وَإِلَّا كُرِهَ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ كَمَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ] أَيْ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ لِأَنَّ ذَلِكَ امْتِهَانٌ لِصَاحِبِهِ.
قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ أَوْ غَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ] النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَوْلَى غَيْرُ أَبِيهِ. [قَوْلُهُ: لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ] أَيْ بَلْ يُوكِلُهُ إلَى أَهْلِ دِينِهِ يَلُونَهُ وَالْإِدْخَالُ مَكْرُوهٌ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفِنُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَلْيَلُفَّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنْهُ. [قَوْلُهُ: فَلِيُوَارِهِ] أَيْ وُجُوبًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بَلْ وُجُوبُ الْمُوَارَاةِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ عَامٌّ حَتَّى فِي الْأَجْنَبِيِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُوَارَاتِهِ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ
يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهَا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُوَارَاتِهِ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُهُ فِي تَرْكِهِ بِغَيْرِ دَفْنٍ.
(وَاللَّحْدُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا مَعَ إسْكَانِ الْحَاءِ (أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّحْدُ (أَنْ يُحْفَرَ لِلْمَيِّتِ تَحْتَ الْجَرْفِ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْقَبْرِ وَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ اللَّحْدِ أَفْضَلَ (إذَا كَانَتْ) حَائِطُ قِبْلَةِ الْقَبْرِ (تُرْبَةً صُلْبَةً لَا تَتَهَيَّلُ) أَيْ لَا تَسِيلُ كَأَرْضِ الرَّمَلِ.
(وَ) لَا (تَتَقَطَّعُ) أَيْ لَا تَسْقُطُ جَذْوَةً جَذْوَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ الْإِلْحَادُ الْمَفْهُومُ. وَمِنْ السِّيَاقِ (فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَفَسَّرَ اللَّحْدَ وَلَمْ يُفَسِّرْ الشَّقَّ وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ حُفْرَةً كَالنَّهْرِ وَيُبْنَى جَانِبَاهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا شَقٌّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ، وَيُجْعَلُ فِي شُقُوقِهِ قِطَعُ اللَّبِنِ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ التُّرَابُ.
ــ
[حاشية العدوي]
يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا خَافَ الضَّيْعَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَجِبُ مُوَارَاتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ] أَيْ يُحَرَّمُ فِيمَا يَظْهَرُ.
[قَوْلُهُ: أَحَبُّ] أَيْ فَالشَّقُّ مَحْبُوبٌ جَائِزٌ أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ، وَقِيلَ: الشَّقُّ مَكْرُوهٌ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْدُ أَحَبَّ لِخَبَرِ «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام ثُمَّ أَقُولُ: وَأَيُّ دَاعٍ إلَى قَوْلِهِ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ.
[قَوْلُهُ: جَذْوَةً جَذْوَةً] أَيْ قِطْعَةً قِطْعَةً. [قَوْلُهُ: فَالشَّقُّ أَفْضَلُ] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِلْحَادُ إلَخْ] وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَفُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ، وَالْفِعْلُ الْمُمَاثِلُ لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ إلْحَادٌ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَأُلْحِدَ بِرَسُولِ اللَّهِ إلْحَادًا مُمَاثِلًا لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ فَالْمُغَايَرَةُ بِالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْفَرُ فِي أَسْفَلِ الْقَبْرِ أَضْيَقَ مِنْ أَعْلَاهُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا شَقٌّ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّقَّ هُوَ عَيْنُ الْحُفْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: يُحْفَرُ حُفْرَةً كَالنَّهْرِ، وَالنَّهْرُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ لَا الْمَاءُ.