المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في الصيام] - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني - جـ ١

[العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سَبَب تَأْلِيف الْكتاب]

- ‌ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ

- ‌[تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ]

- ‌[التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ]

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ]

- ‌ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ

- ‌[بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ]

- ‌ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار]

- ‌بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[كِتَاب الصَّلَاة] [

- ‌[بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌ بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[سُجُود السَّهْو]

- ‌ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا

- ‌[فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌[بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ]

- ‌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)

- ‌ حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ

- ‌صَلَاةُ الْمَرِيضِ)

- ‌[طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة]

- ‌ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة]

- ‌ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ]

- ‌ بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌ بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ]

- ‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

- ‌ قِيَامِ رَمَضَانَ

- ‌[بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ]

- ‌[مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ]

- ‌ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ

- ‌ مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا

- ‌[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[بَاب فِي الزَّكَاة] [

- ‌ بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ]

- ‌ بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌ بَابٌ فِي الْحَجِّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله]

- ‌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ

- ‌ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ

- ‌ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا]

- ‌[الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم]

- ‌[أَحْكَام الذَّكَاةُ]

- ‌ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ

- ‌[أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار]

- ‌[أَحْكَام الصَّيْدِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَقِيقَة]

- ‌[أَحْكَام الْخِتَان]

الفصل: ‌ باب في الصيام]

[22 -‌

‌ بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

(بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (الصِّيَامِ)

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَالتَّرْكُ، فَمَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ مَا وَتَرَكَهُ قِيلَ لَهُ صَائِمٌ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ صَمْتًا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ، وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامِ الْأَعْيَادِ، وَالصَّوْمُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ الْوَاجِبِ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) أَخْبَرَ بِالْمُؤَنَّثِ عَنْ الْمُذَكَّرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَصْدَرٌ يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. وَلِوُجُوبِهِ شُرُوطٌ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ كَافِرٌ إجْمَاعًا يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ صَوْمِهِ فَهُوَ عَاصٍ يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا كَالصَّلَاةِ.

وَيَثْبُتُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا بِإِتْمَامِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (يُصَامُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

بَابُ الصِّيَامِ فَإِنْ قُلْت الَّذِي فِي حَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّوْمِ فَلِمَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ؟ قُلْت: لَعَلَّهُ رَأَى عُمُومَ الصَّوْمِ وَشُمُولَهُ لِغَالِبِ الْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.

[قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ الصِّيَامِ] أَيْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّيَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِالصِّيَامِ أَيْ يَرْتَبِطُ بِهِ أَيْ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

[قَوْلُهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ إلَخْ] أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْبَطْنِ الْحَلْقُ وَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ الْقُبْلَةُ تَأَمَّلْ.

[قَوْلُهُ: وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ] الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ رَمَضَانَ غَيْرَ مُضَافٍ لِلشَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةً عَلَى الشَّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ، وَسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا.

[قَوْلُهُ: يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ إلَخْ] إنْ كَانَ مَسْمُوعًا مَنْقُولًا فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْمُؤَنَّثِ، إنَّمَا يَظْهَرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عِبَادَةً لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا.

[قَوْلُهُ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» .

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ.

[قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا] أَيْ بَعْدَ أَنْ يُؤَخَّرَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ قَدْرُ مَا يَسَعُهَا.

وَقَوْلُنَا مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مُصَاحَبَةُ الْفَجْرِ فَإِنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَعَهُ أَيْضًا، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْفَجْرِ وَطُلِبَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْوِ مَعَهُ قُتِلَ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ الصَّلَاةُ قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ، وَكَتَبَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَلَيَّ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَخْ.

ظَاهِرُهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ فَإِنْ مَضَى النَّهَارُ فَهَلْ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْفَائِتَةِ أَوْ يُقْتَلُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ.

[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ

ص: 440

بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) كَمَا يُصَامُ لِرُؤْيَتِهِ (يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ) أَيْ لِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ سَوَاءٌ (كَانَ) الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ (ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِنْ غُمَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (الْهِلَالُ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ غَيْمٌ (فَيُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ) يَعْنِي مِنْ أَوَّلِ (الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ) وَهُوَ شَعْبَانُ (ثُمَّ يُصَامُ وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ) يُفْعَلُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ يُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ رَمَضَانُ ثُمَّ يُفْطَرُ، وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» .

وَشُرُوطُ الصَّوْمِ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ اسْتَغْرَقَ طَرْفَيْ النَّهَارِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ (وَ) بَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ فَ (لَيْسَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا (الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَعَنْ مَالِكٍ يَجِبُ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ عِبَادَاتٌ يَنْفَرِدُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بَعْضُهَا بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لَيْلًا فَصَارَتْ الْأَيَّامُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ بِنِيَّةٍ كَمَا تَنْفَرِدُ كُلُّ صَلَاةٍ بِنِيَّةٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَتَنَاوَلَ

ــ

[حاشية العدوي]

مُسْتَفِيضَةً] بِأَنْ وَقَعَتْ مِنْ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ.

[قَوْلُهُ: مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ] أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ الْمَوْثُوقُ بِخَبَرِهِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَحَلُّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فِي حَقِّ أَهْلِ الرَّائِي وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ فِي حَقِّ أَهْلِهِ وَلَوْ صَدَّقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ وَلَوْ مُتَأَوِّلًا؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ بَعِيدٌ.

وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُؤْيَةً أَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ إنَّهُ مَوْجُودٌ وَلَا يُرَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى الْوُجُودِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ] كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ بِشَاهِدَيْنِ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لَا بِرُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ.

وَلَوْ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ الْعَدْلِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ] فَالضَّمِيرُ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي هِلَالُ شَوَّالٍ.

[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا] أَيْ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَأْتِي كَامِلًا وَنَاقِصًا.

[قَوْلُهُ: الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ] الثَّابِتُ رُؤْيَتُهُ إمَّا شَوَّالٌ أَوْ رَمَضَانُ، وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ إمَّا رَمَضَانُ فِي هَذِهِ أَوْ شَعْبَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

[قَوْلُهُ: فَيَعُدُّ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ عِدَّةَ ثَلَاثِينَ مِنْ عِدَّةِ مَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا كَامِلَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَوَاقِصَ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَوَامِلَ كَذَا أَفَادَهُ عج.

وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثِينَ مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ.

وَيَعُدُّ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْمُكَلِّفُ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ إلَخْ] تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ.

[قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» .

الْبَاجِيُّ: تَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّمَامِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ] أَيْ يَنْوِي مُقَارِنًا لِطُلُوعِهِ.

[قَوْلُهُ: الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ] أَيْ التَّقَرُّبَ أَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ الْفِعْلَ.

[قَوْلُهُ: وَبَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ] قَالَ تت: فُهِمَ مِنْ يُبَيِّتُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ تُجْزِئُ.

[قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ] أَيْ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ تَتَابُعُهُ يَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ مَا نَذَرَهُ مُتَتَابِعًا وَلَا تَكْفِي فِي صَوْمٍ مَسْرُودٍ وَلَا فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْفِيَّ

ص: 441

هَذَا الْأَمْرُ صَوْمًا وَاحِدًا وَهُوَ صَوْمُ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبَيَّتَةً لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ الْفَجْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ أَنْ تُقَارِنَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ تَقْدِيمُهَا فِي الصَّوْمِ لِلْمَشَقَّةِ.

تَنْبِيهٌ: ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِمَنْ انْقَطَعَ صَوْمُهُ كَالْحَائِضِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ تَجْدِيدُهَا. ثَانِيهَا: الْإِسْلَامُ.

ثَالِثُهَا: الْعَقْلُ.

رَابِعُهَا: النَّقَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.

خَامِسُهَا: الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ.

سَادِسُهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الصَّوْمِ.

سَابِعُهَا: الْبُلُوغُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ بَيَّنَ غَايَتَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُتِمُّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ) لِلْآيَةِ. وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّحِيحِ: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» . أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ.

تَنْبِيهٌ: ج: قَالَ الْبَاجِيُّ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ إلَى اللَّيْلِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ.

(وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ

ــ

[حاشية العدوي]

إنَّمَا هُوَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَبْيِيتُهَا كُلَّ لَيْلَةٍ.

[قَوْلُهُ: أَصْحَابُ السُّنَنِ] الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} [البقرة: 187] إلَخْ] لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى ظُهُورِ الْفَجْرِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَكْلَ فِي حَالِ الطُّلُوعِ غَيْرُ مُضِرٍّ فَلْتَكُنْ النِّيَّةُ مِثْلَهُ.

[قَوْلُهُ: لِمَنْ انْقَطَعَ صَوْمُهُ إلَخْ] بَقِيَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ إذَا تَمَادَيَا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا النِّيَّةُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي حَقِّهِمَا وَعِنْدَ صِحَّةِ الْمَرِيضِ وَقُدُومِ الْمُسَافِرِ يَكْفِيهِمَا نِيَّةٌ لِمَا بَقِيَ كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ.

[قَوْلُهُ: ثَانِيهَا الْإِسْلَامُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ شُرُوطَ صِحَّةٍ وَشُرُوطَ وُجُوبٍ وَشُرُوطَ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ، فَالنِّيَّةُ شَرْطُ صِحَّةٍ كَالْإِسْلَامِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ.

وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّمَنُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ.

وَالْوُجُوبُ اثْنَانِ الْبُلُوغُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا، وَالْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّوْمِ فِيمَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَكَلَّمَ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَقِيَ وَاحِدٌ.

[قَوْلُهُ: سَابِعُهَا الْبُلُوغُ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْأَمْرَ.

[قَوْلُهُ: أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِفْطَارُ بِالْفِعْلِ أَيْ فَفِي الْمُصَنِّفِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ.

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ يَعْنِي ظُلْمَتُهُ مِنْ هَاهُنَا يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ أَيْ ضَوْءُهُ مِنْ هَاهُنَا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ شَرْعًا أَوْ تَمَّ صَوْمُهُ شَرْعًا أَوْ أَفْطَرَ حُكْمًا أَوْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِخْبَارِ عَلَى الْإِنْشَاءِ إظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ فَلْيُفْطِرْ الصَّائِمُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرِيَّةَ مَنُوطَةٌ بِتَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ وَحَصَلَ وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَاصِلِينَ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ اهـ.

[قَوْلُهُ: يَقْتَضِي وُجُوبَهُ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ] أَيْ فَيُمْسِكُ حَتَّى يَمْضِيَ جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، أَيْ فَقَوْلُهُ: إلَى اللَّيْلِ أَيْ إلَى تَحَقُّقِهِ وَتَحَقُّقُهُ يَكُونُ بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْغَايَةَ خَارِجَةٌ.

تَنْبِيهٌ: الْوِصَالُ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مُبَاحٌ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ.

[قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ إلَخْ] أَيْ وَلَوْ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ حَيْثُ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ رُطَبَاتٍ مِنْ كُلِّ مَا خَفَّ وَإِلَّا قُدِّمَتْ

ص: 442

الْفِطْرِ) بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ يَوْمَ الْعِيدِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ الصِّيَامِ. ع: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يُعْتِقُ اللَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعِينَ أَلْفَ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ إلَّا مُفْطِرًا عَلَى مُسْكِرٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَنْ آذَى مُسْلِمًا» انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَأَيْت مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا (تَأْخِيرُ السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَوْ الْمُسْتَحَبَّ وَقَدْ عَدَّهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» .

تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ حُكْمُ السُّحُورِ الظَّاهِرِ؟ لَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَالْحُكْمُ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ:«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» .

قَالَ بَعْضُهُمْ: بَرَكَتُهُ التَّقَوِّي عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مَضِيقٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَالطَّعَامُ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَقْدِيمِ الطَّعَامِ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ] وَتَحَقُّقُ دُخُولِ اللَّيْلِ يَكُونُ بِتَحَقُّقِ غُرُوبِ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ لِمَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ دُخُولِ الظُّلْمَةِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ لِمَنْ لَمْ يَنْظُرْ قُرْصَ الشَّمْسِ كَمَحْبُوسٍ بِحُفْرَةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا مُخْبِرَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ إلَخْ] قَالَ عج: بَعْدَ مَا نَقَلَ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ إلَيَّ فَقَوْلُهُ وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ إلَخْ.

قُلْت: إمْسَاكُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَحْرُمُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.

الْمُرَادُ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَهُ أَجْرَ الصَّائِمِ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ لَا وَجْهَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عج: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ] أَيْ يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبَ وَإِلَّا فَتَنَاوُلُ الطَّعَامِ الْحَلَالِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا إفْطَارًا أَوْ غَيْرَهُ.

[قَوْلُهُ: يُعْتِقُ] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَعْتَقَ.

[قَوْلُهُ: وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ] أَيْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ] وَقَدْرُ التَّأْخِيرِ الْأَكْمَلِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْقَارِئُ الْمُتَمَهِّلُ فِي قِرَاءَتِهِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَوَقْتُ تَأْخِيرِ السُّحُورِ يَدْخُلُ ابْتِدَاؤُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ أَفْضَلَ.

[قَوْلُهُ: هَلْ أَرَادَ إلَخْ] أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، يُقَالُ: بَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّ حَتَّى لَا يُخَالِفَ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ وَنُدِبَ تَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ.

[قَوْلُهُ: فَتَمَرَاتٌ] بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْمُرَادُ بِهِ تَمْرُ النَّخْلِ إنَّمَا نُدِبَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْحَلَوِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا زَاغَ مِنْ الْبَصَرِ بِالصَّوْمِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ] وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ.

وَاسْتَحَبَّ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ التَّمْرِ ثَلَاثًا وَلَعَلَّ الرُّطَبَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عِنْدَنَا خِلَافُهُ فِي عِلْمِي قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ.

تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ عِنْدَ الْفِطْرِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، أَوْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّ السُّحُورَ بَرَكَةٌ] بِضَمِّ السِّينِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْعِبَادَةِ أَيْ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ

ص: 443

الْعِبَادَةِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» .

(وَإِنْ شَكَّ) صَائِمُ رَمَضَانَ (فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ فَلَا يَأْكُلُ) وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يُجَامِعُ وَهَذَا النَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَيَحْرُمُ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ اتِّفَاقًا.

(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِيُحْتَاطَ بِهِ مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» وَيَوْمُ الشَّكِّ الْمَنْهِيُّ عَنْ صِيَامِهِ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فَصَبِيحَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ يَوْمُ الشَّكِّ أَنْ يَشِيعَ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْا الْهِلَالَ، وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّا فِي الْغَيْمِ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

ابْنُ بَشِيرٍ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ لِوُصُولِ أَخْبَارِ الْمُسَافِرِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ ثَبَتَ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفُّ وَلَوْ أَكَلَ وَفِيهَا مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ بِعِلْمِهِ مَا يَجِبُ عَلَى مُتَعَمِّدِهِ فِطْرُهُ (وَمَنْ صَامَهُ) يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ (كَذَلِكَ) يَعْنِي احْتِيَاطًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ وَافَقَ مِنْ رَمَضَانَ) لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ.

د: قَوْلُهُ وَإِنَّ الرِّوَايَةَ كَذَا بِالْوَاوِ وَهِيَ تُفْهَمُ بِالْمُبَالَغَةِ وَالصَّوَابُ إنْ وَافَقَهُ إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ، وَيُبَاحُ صَوْمُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا

ــ

[حاشية العدوي]

الثَّانِي: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَكَةُ مَا يَتَّفِقُ لِلْمُتَسَحِّرِ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ اسْتِغْفَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَوْلَا الْقِيَامُ لِلسُّحُورِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ نَائِمًا عَنْهَا وَتَارِكًا.

[قَوْلُهُ: بِطَعَامٍ فِي السَّحَرِ] بِسِينٍ وَحَاءٍ وَرَاءٍ لَا سُحُورَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ إذْ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ مُضَافٌ أَيْ يَأْكُلُ طَعَامَ السَّحَرِ بِفَتْحَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ لَا التَّرَدُّدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُجَامِعُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ.

[قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ] أَيْ وَهُمَا قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ إلَخْ] وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ] أَيْ كَالشُّرْبِ.

تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَعَ الشَّكِّ الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْأَكْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَكَلَ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ وَالْغُرُوبِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ.

[قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ:] مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. [قَوْلُهُ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] وَالْأَوَّلُ يَقُولُ إنَّ الْعِصْيَانَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّشْدِيدِ لَا أَنَّهُ عِصْيَانٌ حَقِيقَةً.

[قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ] قَالَ عج فِي حَاشِيَةِ عبق: هَذَا فَإِنْ قُلْت وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ فَلَا شَكَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُثِيرَ الشَّكِّ فِيمَا اخْتَرْنَاهُ حَاصِلٌ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فَالشَّكُّ مَوْجُودٌ سَبَبُهُ وَلَا سَبَبَ لِلشَّكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى سِوَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَذَلِكَ لَا يُثِيرُ شَكًّا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ بِارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَخَبَرِ السُّفَّارِ وَنَحْوِهِمْ.

[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ] لِعِلْمِهِ مَا عَلَى مُتَعَمِّدِ فِطْرِهِ أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَحُرْمَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ.

[قَوْلُهُ: إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ] أَيْ لِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الَّتِي هِيَ إنْ وَافَقَهُ وَغَيْرُهَا هُوَ

ص: 444

أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ) وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ (وَمَنْ أَصْبَحَ) يَوْمَ الشَّكِّ (فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ) لِفَقْدِ النِّيَّةِ (وَلْيُمْسِكْ) وُجُوبًا (عَنْ الْأَكْلِ) وَالشُّرْبِ وَعَنْ كُلِّ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ (فِي بَقِيَّتِهِ) وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: (وَيَقْضِهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ.

(وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ) مِنْ سَفَرِهِ نَهَارًا حَالَةَ كَوْنِهِ (مُفْطِرًا أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ نَهَارًا ف) يُبَاحُ (لَهُمَا الْأَكْلُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمَا) وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْإِمْسَاكُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ وَالْمَجْنُونُ يُفِيقُ وَالْمَرِيضُ يُصْبِحُ مُفْطِرًا لِعُذْرِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ.

تَنْبِيهٌ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِقَوْلِهِ: فَلَهُمَا الْأَكْلُ بَلْ وَكَذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً إذَا وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ.

(مَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا) مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ (أَوْ سَافَرَ فِيهِ) أَيْ أَحْدَثَ سَفَرًا حَالَةَ كَوْنِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَافَقَهُ.

[قَوْلُهُ: وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا] أَيْ بِدُونِ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إلَخْ] وَمِنْهَا أَنْ يَصُومَهُ قَضَاءً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَفَّارَةً عَنْ هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ وَنَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَضَى مَا فِي ذِمَّتِهِ وَيَوْمًا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَجِبُ صَوْمُهُ لِنَذْرٍ صَادَفَ كَمَنْ نَذَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ، فَيَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ وَيُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَفَاتَ، وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ صِيَامَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَهُ الْفِطْرُ لَا إنْ نَذَرَهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ لِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِهِ فَيَلْزَمُ.

[قَوْلُهُ: وَيَقْضِهِ] أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ إذَا كَانَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُتَأَوِّلًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مِنْ سَفَرِهِ] أَيْ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْفِطْرُ.

[قَوْله: نَهَارًا] ظَرْفٌ لِقَدِمَ وَطَهُرَتْ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ] أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ أَوْ بَيَّتَهُ وَأَفْطَرَ عَمْدًا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ وَاسْتَمَرَّ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ أَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ أَمْسَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي هَاتَيْنِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا كَالصُّوَرِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ يُفِيقُ إلَخْ] وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ وَالْمُضْطَرُّ لِضَرُورَةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ وَالْمُرْضِعُ يَمُوتُ وَلَدُهَا نَهَارًا وَكَذَا الْكَافِرُ يُسْلِمُ أَيْ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ لِكَوْنِ الْيَوْمِ يَوْمَ شَكٍّ أَوْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ، وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَالْكَفَّارَةِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ كَمَا اسْتَظْهَرَ عج.

[قَوْلُهُ: بَيْنَ هَؤُلَاءِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ أَوَّلَ يَوْمِ رَمَضَانَ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَازَ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي الظَّاهِرِ فَصَارَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَمَّا مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي الظَّاهِرِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا ظَهَرَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَوَجَبَ الْإِمْسَاكُ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: بَلْ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ] أَيْ الَّذِي قَدِمَ مُفْطِرًا.

[قَوْلُهُ: إذَا وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ إلَخْ] هَذَا الْقَيْدُ ظَاهِرٌ فِي زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ.

وَقَوْلُهُ: قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ أَيْ نَهَارًا، وَتُحْمَلُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً حَيْثُ لَا يُفْسِدُ الْوَطْءُ صَوْمَهَا فِي دِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهَا فِي دِينِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى نَحْوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ] أَيْ وَلَمْ يُحْدِثْ سَفَرًا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ سَافَرَ فِيهِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ خَوْفِ تَجَدُّدِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ.

ص: 445

مُتَلَبِّسًا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ (فَأَفْطَرَ لِ) أَجْلِ (سَفَرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فِي الصُّورَتَيْنِ وُجُوبًا. ع: وَاخْتُلِفَ إذَا أَفْطَرَ عَامِدًا هَلْ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَقَالَ ق: سَكَتَ عَنْ الْجَاهِلِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ (وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي تَطَوُّعِهِ (سَاهِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ اسْتِحْبَابًا عَلَى قَوْلَيْنِ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْهُمَا الِاسْتِحْبَابَ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ) إذَا أَفْطَرَ فِيهَا سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. د: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

(وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ) وَكَذَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ بِلَا بَأْسٍ وَهِيَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَالسِّوَاكُ مُبَاحٌ كُلَّ النَّهَارِ بِمَا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُرِهَ بِالرَّطْبِ لِمَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: كُلَّ النَّهَارِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ (فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ) إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ بَعْدَهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلَنَا مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فَعَمَّ الصَّائِمَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَلَا عُذْرٍ] أَيْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أَمَرَهُ أَحَدُ وَالِدَيْهِ دِنْيّة لَا الْجَدُّ أَوْ الْجَدَّةُ أَوْ شَيْخُهُ أَوْ شَيْخُ طَرِيقَةٍ أَوْ عِلْمٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْوَالِدُ أَوْ الشَّيْخُ.

قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَالظَّاهِرُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ آلَتَهُ كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ بِالْفِطْرِ إذَا تَطَوَّعَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا ذَكَرَ قَضَاءٌ وَلَا كَفٌّ بِخِلَافِ الْعَمْدِ الْحَرَامِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ.

[قَوْلُهُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ] أَيْ الْيَوْمِ.

وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ عج.

[قَوْلُهُ: سَاهِيًا] أَيْ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ.

[قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ وَعَدَمِ قَضَائِهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ إلَّا لِمُعَيَّنٍ يَفُوتُ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ: سَاهِيًا أَوْلَى إذَا كَانَ عَامِدًا، وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْفِطْرِ الْعَمْدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا إذَا كَانَ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا كَرَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْفِطْرِ الْعَمْدِ كَصَوْمِ النَّفْلِ أَوْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ صَوْمِ الْفِدْيَةِ أَوْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَ سَهْوًا فَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَذَلِكَ كَقَضَاءِ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْفِدْيَةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِوَضُ فِي الْجَمِيعِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النِّسْيَانِ التَّتَابُعَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَمَضَانُ الْحَاضِرُ فَفِطْرُهُ سَهْوًا يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْأَيَّامُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَنْذُورَةُ يُفْطِرُ فِيهَا سَهْوًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْفِطْرِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَذَلِكَ كَالنَّفْلِ اتِّفَاقًا وَكَذَا مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَكَانَ الْفِطْرُ فِي الْأَثْنَاءِ لَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ] لَكِنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَوُضُوءٍ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ بَعْضٍ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِغَيْرِ مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ، وَأَمَّا لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الشَّارِحِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ» إلَخْ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيُنْدَبُ وَيَتَأَكَّدُ نَدْبُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا تَوَقَّفَ زَوَالُ مَا يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَائِحَةِ بَصَلٍ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَاسْتِيَاكٍ بِالْجَوْزَاءِ وَلَوْ فِي حَقِّ الصَّائِمِ بِغَيْرِ رَمَضَانَ وَلَوْ لِغَيْرِ صَائِمٍ.

[قَوْلُهُ: وَكُرِهَ بِالرَّطْبِ إلَخْ] هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.

[قَوْلُهُ: «لَخُلُوفُ] » بِضَمِّ الْخَاءِ رِيحٌ مُتَغَيِّرٌ كَرِيهُ الشَّمِّ يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ.

[قَوْلُهُ: «أَطْيَبُ» إلَخْ] الْمُرَادُ بِطِيبِهِ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّائِمِ بِسَبَبِهِ، وَهَلْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ خِلَافٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَطْيَبُ فِيهِمَا.

[قَوْلُهُ: «لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ» ]

ص: 446

وَغَيْرَهُ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ.

(وَلَا تُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلصَّائِمِ (الْحِجَامَةُ إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ) أَيْ الْمَرَضِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ، قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ.

(وَمَنْ ذَرَعَهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ سَبَقَهُ وَغَلَبَهُ (الْقَيْءُ فِي) صَوْمِ شَهْرِ (رَمَضَانَ) وَغَيْرِهِ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا سَوَاءٌ كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ امْتِلَاءٍ، وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ أَمْ لَا هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فَمِهِ، أَمَّا إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فَمِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (وَإِنْ اسْتِقَاءَ) الصَّائِمُ أَيْ طَلَبَ الْقَيْءَ (فَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ شَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْجَلَالِ الثَّانِيَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ اسْتِقَاءَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهَا.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: مَنْ اسْتِقَاءَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.

وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ: لَوْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ لَأَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْضِي خَاصَّةً انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ نَقَلْنَاهُ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ أَمْرُ إيجَابٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَهْرَامُ وَغَيْرُهُ.

[قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ إلَخْ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ أَنَّ مَدْحَ الْخُلُوفِ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَتْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَجْرِ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .

وَقَالَ تت: أُجِيبَ بِأَنَّ السِّوَاكَ لَا يُزِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ لِصُعُودِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ.

[قَوْلُهُ: الْحِجَامَةُ] أَيْ وَلَا الْفَصَادَةُ.

[قَوْلُهُ: أَيْ الْمَرَضِ] قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا أَيْ عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّيْءِ بِمُتَعَلَّقِهِ وَيُرَادُ بِالْهَلَاكِ مَا يَشْمَلُ الْمَرَضَ أَيْ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْحِجَامَةُ إلَّا لِخَوْفِ الْمَرَضِ بِأَنْ شَكَّ فِي السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا، وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ أَيْ لِقَوْلِهِ: خِيفَةَ وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَتْ السَّلَامَةُ فَيُكْرَهُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ دُونَ الصَّحِيحِ، وَكَأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْجَزْمُ بِالسَّلَامَةِ.

[قَوْلُهُ: الْبُنَانِيَّ] بِضَمِّ الْبَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَكُنْتُمْ] أَيْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ فِي حَيَاتِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قَالَ أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قُلْت: لَعَلَّ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى الِاخْتِصَارِ فِي السُّؤَالِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُمْ الْحِجَامَةَ إمَّا لِكَوْنِ الرَّسُولِ كَانَ يَكْرَهُهَا أَوْ مِنْ اجْتِهَادِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّسُولُ حَكَمَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ قَالَ: مَا ذَكَرَ لَجَازَ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَيَقَعُ تَطْوِيلٌ.

[قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ خِيفَةِ الضَّعْفِ فَيَكُونُ دَلِيلًا بِالصَّرَاحَةِ، وَيُحْتَمَلُ إلَّا مِنْ الضَّعْفِ الْحَاصِلِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ فَيَكُونُ دَلِيلًا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ إلَخْ] هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَإِلَّا كَفَّرَ وَكَذَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا شَكَّ فِي الْوُصُولِ وَالْقَلْسِ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عَنْ امْتِلَائِهَا وَأَمَّا الْبَلْغَمُ يَصِلُ إلَى طَرَفِ اللِّسَانِ وَتَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الرِّيقُ يَتَعَمَّدُ جَمْعَهُ فِي فِيهِ وَيَبْتَلِعُهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ رحمه الله.

[قَوْلُهُ: شَهَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوَّلَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: فِي الْكَفَّارَةِ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ إلَخْ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اسْتِقَاءَ لِأَجْلِ مَرَضٍ بَعَثَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَذَا كَلَامُ أَبِي الْفَرَجِ، وَانْظُرْ النَّعْتَ بِقَوْلِهِ الْمَالِكِيِّ: فَهَلْ هُوَ لِلتَّخْصِيصِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمُشَارُ لَهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ قُوَّةُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثِلَ لِلْقَوِيِّ قَوِيٌّ، فَقَدْ أَطْلَقَ هُنَا اللَّفْظَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ ذَرَعَهُ

ص: 447

فِي الْأَصْلِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ فِي مَسَائِلَ وَيُبَاحُ فِي بَعْضِهَا، فَمِنْ الْأَوَّلِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ نَهَارًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا (وَ) مِنْهُ (إذَا خَافَتْ) الْمَرْأَةُ (الْحَامِلُ) وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا) أَوْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ (أَفْطَرَتْ) وُجُوبًا (وَلَمْ تُطْعِمْ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَقْضِي (وَقَدْ قِيلَ تُطْعِمُ) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَخَفْ لَا تُفْطِرُ وَلَوْ جَهَدَهَا الصَّوْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَمِنْ الثَّانِي الْمَرَضُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالسَّفَرُ بِشَرْطِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَلِلْمُرْضِعِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ (إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا) أَوْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الصَّوْمِ (وَلَمْ تَجِدْ مَا) وَيُرْوَى مَنْ (تُسْتَأْجَرُ لَهُ أَوْ) وَجَدَتْ وَلَكِنَّهُ أَيْ الْوَلَدَ (لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ أَنْ (تُطْعِمَ) وَقِيلَ اللَّامُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ، وَعَلَى الْمُرْضِعِ وُجُوبًا إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ نَفْسِهَا أَنْ تُفْطِرَ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا

ــ

[حاشية العدوي]

الْقَيْءُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

[قَوْلُهُ: وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ] أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

[قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ فِي بَعْضِهَا] فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَعْضِهَا عَائِدٌ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَتْ هِيَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَسَائِلَ، إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَسَائِلُ الْوُجُوبِ خَاصَّةً.

[قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ إلَخْ] أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الرَّفْضَ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] أَيْ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ وَمِنْهُ مَا إذَا خَافَ الْمَرِيضُ هَلَاكًا.

[قَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ] أَيْ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَمْلُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنَّفِ قَالَهُ تت.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ] إنَّمَا خَصَّ رَمَضَانَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ لِكَوْنِ مَجْمُوعِ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى نَفْسِهَا] لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَرِيضِ الْآتِي.

[قَوْلُهُ: هَلَاكًا] أَيْ وَمِثْلُهُ شِدَّةُ الْأَذَى فِي وُجُوبِ الْفِطْرِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ] أَيْ مَرَضٍ ضَعِيفٍ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْفِطْرُ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ.

[قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ بَلْ إذَا جَهَدَهَا الصَّوْمُ تُخَيَّرُ فِي الْفِطْرِ، وَحَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْحَامِلَ وَمِثْلَهَا الْمُرْضِعَ وَالْمَرِيضَ يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ حَيْثُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَخَافُوا حُدُوثَ مَرَضٍ وَلَا زِيَادَتَهُ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِحُصُولِ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ وَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ لِخَوْفِ الْمَرَضِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَظَاهِرُهُ خَوْفُ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي تُبِيحُ لَهُمْ الْفِطْرَ الْمَشَقَّةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا تَحْصُلُ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا.

[قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الصُّوَرِ] هُوَ مَا إذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ تَمَادِيهِ، وَأَمَّا إذَا خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى فَيَجِبُ وَالْخَوْفُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُسْتَنِدُ صَاحِبُهُ إلَى قَوْلِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَخْبَرَ مَنْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الْمِزَاجِ.

[قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ] أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ هَذَا مِنْ الثَّانِي إذَا جُعِلَتْ اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى نَفْسِهَا] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ تَجِدْ مَا] التَّعْبِيرُ بِمَا نَظَرًا لِلْوَصْفِ.

[قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُطْعِمَ إلَخْ] الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَامِلِ أَنَّ الْحَامِلَ مُلْحَقَةٌ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلرَّضَاعِ حَيْثُ احْتَاجَتْ لِلْأُجْرَةِ أَوْ لِكَوْنِ الْوَلَدِ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا.

[قَوْلُهُ: أَيْ وَعَلَى الْمُرْضِعِ وُجُوبًا] أَيْ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَشِدَّةِ الْأَذَى وَالنَّدْبُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَذَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.

وَأَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَنْ جَعَلَ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ وَمَنْ جَعَلَهَا لِلْوُجُوبِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَنْ جَعَلَهَا لِلْإِبَاحَةِ عَلَى مَا إذَا خَافَتْ مَرَضًا وَيَحْمِلَ مَنْ جَعَلَهَا لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا خَافَتْ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى.

[قَوْلُهُ: أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا] أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَالَ لَهُمَا تَسْتَأْجِرُ وَلَا تُفْطِرُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَفْطَرَتْ وَأَطْعَمَتْ، وَإِذَا لَمْ تُفْطِرْ الْأُمُّ مَعَ الْخَوْفِ بِقَوْلِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ

ص: 448

لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ مَالٌ، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ (إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ) وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .

وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِطْعَامِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ (وَالْإِطْعَامُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِي نَظَرِ الْحَامِلِ الْخَائِفَةِ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَالْمُرْضِعِ الْخَائِفَةِ عَلَى وَلَدِهَا وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ (مُدٌّ) بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّهَارَةِ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ أَصْلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

ع: وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ) رَاجِعٌ إلَى الْقَدْرِ لَا إلَى الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الشَّيْخِ كَمَا تَقَدَّمَ مُسْتَحَبٌّ وَإِطْعَامَ الْمُرْضِعِ وَاجِبٌ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَعَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَعْبَانَ إذَا كَانَ فِيهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ، وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَوَّالٍ فَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ فِيهِ وَلَا سَافَرَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ. وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ يُسْقِطُ عَنْهُ الْإِطْعَامَ

ــ

[حاشية العدوي]

بِتَجْرِبَةٍ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِهِ.

[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ، وَالْأَبُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأُمِّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ، وَالْخِلَافُ فِي مَالِ الْأُمِّ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ.

[قَوْلُهُ: لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ] وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَةُ أَيْ الْعَجُوزُ وَكُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ.

[قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ] أَيْ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا فِدْيَةَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ حَمَلَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ.

[قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ أَيْ إنْ كَانَ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَلَا يُرَدُّ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُطْعِمَانِ وَلَا يَقْضِيَانِ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيه يَدْفَعُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَعْطَى الْمُدَّ لِاثْنَيْنِ كَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَعْطَى مُدَّيْنِ لِوَاحِدٍ انْتَزَعَ وَاحِدًا إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ] أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ] أَيْ فَإِنَّهَا قَالَتْ: إنْ كَانَ لِيَكُونَ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ لِلشُّغْلِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ شَعْبَانَ لَأَخَّرْته وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرْته، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا.

[قَوْلُهُ: وَعَنْ مَالِكٍ] ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: إنَّمَا يُرَاعَى] أَيْ إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَلَيْهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُعْتَبَرُ الْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ وَهَكَذَا.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ] أَيْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ فِي الزَّمَنِ الْمُسَاوِي لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ فَتُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قُلْنَا فِي شَعْبَانَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ إلَخْ] لَا نَظَرَ فَإِنَّ الْبُرْزُلِيَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامَ.

وَقَالَ السُّيُورِيُّ حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ أَيْ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلَ أَوْلَى مِنْ النَّاسِي.

ص: 449

أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَفِي ج: لَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ.

وَقَالَ ق: يَجِبُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ التَّتَابُعُ وَالْفَوْرُ وَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَصَامَ شَهْرًا قَضَاءً عَنْهُ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَّلَ ثَلَاثِينَ، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ وَلَا يَقْضِي فِي الْأَيَّامِ الْمَمْنُوعِ فِيهَا الصَّوْمُ انْتَهَى.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الْمَوْعُودِ بِمَجِيئِهِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا صِيَامَ عَلَى الصِّبْيَانِ) لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا (حَتَّى يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ) لَوْ قَالَ حَتَّى يَبْلُغَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ أَيْ الْإِنْزَالِ أَوْ السِّنِّ وَهُوَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَزِيدُ الْأُنْثَى بِالْحَيْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِهَا اسْتِحْبَابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَأُمِرُوا بِهَا لِيَتَمَرَّنُوا عَلَيْهَا لِئَلَّا تَثْقُلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ فِي الْعَامِ مَرَّةً فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَمْرِينٌ.

(وَبِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ أَعْمَالُ الْأَبْدَانِ) مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ (فَرِيضَةً) وَكَذَلِكَ بِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ كَوُجُوبِ النِّيَّاتِ وَأَحْكَامِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ مَذْكُورٌ وَجَوَابُهُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الصِّبْيَانِ الْفَرَائِضَ بِالْبُلُوغِ بِقَوْلِهِ:(قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]

ــ

[حاشية العدوي]

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيطَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ لِشَعْبَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ خَاصَّةً، فَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ وَفَرَّطَ فِي الْعَامِ الثَّانِي حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ق يَجِبُ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ.

[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.

[قَوْلُهُ: كَمَّلَ ثَلَاثِينَ] أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْضِيه؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ فِي شَعْبَانَ.

[قَوْلُهُ: فِي الْأَيَّامِ الْمَمْنُوعِ إلَخْ] أَيْ وَهِيَ رَابِعُ النَّحْرِ وَسَابِقَاهُ وَمَا وَجَبَ صَوْمُهُ وَلَوْ بِنَذْرٍ، وَيَصِحُّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ كَمَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ.

[قَوْلُهُ: لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا] أَيْ فَلَا ثَوَابَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ فِي فِعْلِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْفَاعِلُ قَالَهُ عج.

قَالَ: وَيُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ «أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» أَنَّهُ يُنْدَبُ حَجُّ الصَّغِيرِ وَتَلْتَفِتُ النَّفْسُ لِلْفَرْقِ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ دُونَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَإِنْ عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ إنَّمَا هُوَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَحْمِلُهُ الْوَلِيُّ فِيمَا لَا يُطِيقُ.

[قَوْلُهُ: يَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ] أَيْ وَيَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِنْبَاتِ الْعَانَةِ وَحَمْلِ الْجَارِيَةِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَخْ] وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ.

[قَوْلُهُ: تَوْجِيهُ الْفَرْقِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ تَوْجِيهٌ هُوَ الْفَرْقُ.

[قَوْلُهُ: عَلَى إلَخْ] أَيْ الْفَرْقِ حَالَةَ كَوْنِ الْفَرْقِ كَائِنًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَيْ مِنْ كَيْنُونَةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ أَيْ تَحَقُّقِهِ فِيهِ.

[قَوْلُهُ: بِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِنْ بَيَانًا لِمَا.

[قَوْلُهُ: وَبِالْبُلُوغِ] هُوَ قُوَّةٌ تَحْدُثُ فِي الصَّغِيرِ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ حَالِ الطُّفُولِيَّةِ إلَى حَالِ الرُّجُولِيَّةِ، أَيْ وَالْعَقْلُ وَلَوْ قَالَ وَبِالتَّكْلِيفِ لَزِمَهُمْ لَكَانَ أَوْلَى.

[قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاةٍ] أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ فَلَا يَرُدُّ لُزُومَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ لِلصَّغِيرَةِ وَلُزُومَ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْوَلِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَصِيَامٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّوْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَاضَتْ أَثْنَاءَ النَّهَارِ لَمْ يَلْزَمْهَا صَوْمُ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَلَا قَضَاءُ مَا قَبْلَهُ.

[قَوْلُهُ: فَرِيضَةً] بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ لِعَامِلِهَا؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ وَالْفَرْضَ مُتَرَادِفَانِ.

[قَوْلُهُ: كَوُجُوبِ النِّيَّاتِ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ النِّيَّاتِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ النِّيَّةُ لَا وُجُوبُهَا.

وَقَوْلُهُ: وَأَحْكَامِ الِاعْتِقَادَاتِ أَيْ أَحْكَامٌ هِيَ الِاعْتِقَادَاتُ كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ مَثَلًا فَمُرَادُهُ بِالْأَحْكَامِ مَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ إلَخْ] مُحَصِّلُ الْإِشْكَالِ هُوَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا: فَلَا يَرُدُّ لُزُومَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ، وَالْجَوَابُ هُوَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا: أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أَوْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ

ص: 450

لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ وَعَلَّقَهُ بِالْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْبُلُوغِ.

(وَمَنْ أَصْبَحَ) بِمَعْنَى طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ (جُنُبًا) كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ وَطْءٍ أَوْ احْتِلَامٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فِي فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ (وَلَمْ يَتَطَهَّرْ) بِالْمَاءِ (أَوْ امْرَأَةٌ حَائِضٌ طَهُرَتْ) بِمَعْنَى انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ الْحَيْضِ وَرَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ (قَبْلَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) الصَّادِقِ (فَلَمْ يَغْتَسِلَا) أَيْ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَذْكُورَانِ (إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) سَوَاءٌ أَمْكَنَهُمَا الْغُسْلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ لَا (أَجْزَأَهُمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، أَمَّا صِحَّةُ صَوْمِ الْجُنُبِ فَلِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» ، وَأَمَّا صِحَّةُ صَوْمِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ طُهْرُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَدْرِ مَا تَغْتَسِلُ فِيهِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي مِقْدَارٍ لَا يَسَعُ غُسْلَهَا فِيهِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا.

(وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا) صِيَامُ (يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ صِيَامِهِمَا وَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا (وَلَا يُصَامُ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا) كَذَا الرِّوَايَةُ يُصَامُ بِالْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالرَّفْعِ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ إلَخْ وَوُجِّهَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَصُومَهُمَا الْمُتَمَتِّعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصُومُهُمَا غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ مِثْلُهُ يَصُومُهُمَا.

ق: وَالنَّهْيُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَقَالَ ع: وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهِمَا تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ (وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ)

ــ

[حاشية العدوي]

الْوَلِيُّ.

[قَوْلُهُ: {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]] أَيْ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] وَهُمْ الْكِبَارُ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ إلَخْ] قَالَ تت: فَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْأَحْكَامِ لَهُمْ بِالْبُلُوغِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، وَبِهَذَا يَرُدُّ إيرَادَ مَنْ قَالَ: إنَّ شَرْطَ الدَّلِيلِ مُطَابَقَتُهُ لِلْمَدْلُولِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلِذَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى لُزُومِ الْفَرَائِضِ لَهُمْ.

[قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا] أَيْ أَصْبَحَ عَامِدًا لِذَلِكَ أَوْ نَاسِيًا.

[قَوْلُهُ: قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] أَيْ أَوْ مَعَ الْفَجْرِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا] أَيْ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاغْتِسَالُ لَيْلًا وَتَأْخِيرُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ إمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ لَا يُجَامِعُ إلَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُهُ الْغُسْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِذَا شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا بَعْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ الْمَنْعُ تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِضِيَافَةِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ فَاعِلٌ فَفِعْلُهُ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ لَا بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مَعَ أَنَّهُ هُنَا بِتِلْكَ الصِّيغَةِ، وَأَيْضًا فَقَدْ اسْتَوْفَى عُمْدَتَهُ أَيْ الَّذِي هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ.

[قَوْلُهُ: فَقَدْ نُصَّ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ مِثْلُهُ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ عج وَغَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ وَمِنْ الْقَارِنِ وَالْمُفْتَدِي وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ لِنَقْصٍ فِي الْحَجِّ غَيْرُ مَا ذَكَرَ كَالْمُتَمَتِّعِ إلَى أَنْ قَالَ: قُلْت وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ الصَّوْمَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي الْحَجِّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِيهِ اهـ.

وَكَتَبَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي الْحَجِّ لَعَلَّهُ نَقَصَ فِي مُتَعَلِّقَاتِ الْحَجِّ.

وَقَوْلُهُ: لِنَقْصٍ فِي الْحَجِّ أَيْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَجْزٍ عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يَعْنِي مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ إلَى عَرَفَةَ أَيْ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ.

[قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنْ الشَّبِيبِيِّ قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ]

ص: 451

مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ (لَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعٌ وَيَصُومُهُ مَنْ نَذَرَ أَوْ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ) كَمَنْ صَامَ شَوَّالًا وَذَا الْقِعْدَةِ ثُمَّ مَرِضَ فِيهِ، ثُمَّ صَحَّ فِي الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مَنْ نَذَرَهُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ قَصَدَهُ بِالنَّذْرِ أَوْ وَافَقَ نَذْرَهُ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُوَافِقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ نَذْرِهِ عَلَى التَّعْيِينِ مَكْرُوهٌ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ.

(وَمَنْ أَفْطَرَ) بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ) وُجُوبًا احْتَرَزَ بِنَهَارِ رَمَضَانَ عَمَّا إذَا أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَبْلُ أَوْ أَفْطَرَ فِي وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَاحْتُرِزَ بِنَاسِيًا عَمَّا إذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ وَبِفَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إذَا كَانَ فِطْرُهُ بِجِمَاعٍ لِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْرِبُ صَدْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ، وَيَقُولُ: هَلَكْت وَأَهْلَكْت فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: جَامَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ» أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ مِنْ الضَّرْبِ وَالنَّتْفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ عَمْدًا.

(وَكَذَلِكَ) يَجِبُ عَلَى (مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ) أَيْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لِ) أَجْلِ (ضَرُورَةٍ مِنْ مَرَضٍ) يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ لَا يَشُقُّ لَكِنْ يَخَافُ مَعَهُ طُولَ الْمَرَضِ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

الظَّاهِرُ عَلَيْهِمَا مَعًا فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: لَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعٌ] أَيْ يُكْرَهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ التَّعْجِيلَ يُسْقِطُ رَمْيَهُ فَهُوَ أَضْعَفُ رُتْبَةً مِنْهُمَا.

قَالَ تت: وَلَا يَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ وَلَا النَّذْرَ الْمَضْمُونَ وَلَا يَبْتَدِئُ فِيهِ صَوْمَ كَفَّارَةٍ وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ قَبْلَهُ أَحْرَى اهـ.

[قَوْلُهُ: وَيَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ] أَيْ يَلْزَمُ النَّاذِرَ صَوْمُهُ مَعَ كَرَاهَتِهِ، وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ مَنْدُوبًا أَوْ مَسْنُونًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ عِبَادَةً.

[قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ إلَخْ] أَيْ وَكَذَا يَصُومُهُ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ لَكِنْ مُتَتَابِعٌ وُجُوبًا قَبْلَ ذَلِكَ، أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّابِعِ كَمَنْ صَامَ شَوَّالًا وَذَا الْقِعْدَةِ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ فِي لَيْلَةِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ وَافَقَ نَذْرَهُ إلَخْ] أَيْ وَشَمِلَ مَنْ نَذَرَهُ فِي ضِمْنِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ.

[قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنَّفِ جَوَازُ صَوْمِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَذَرَهُ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ ابْتِدَاءً مَكْرُوهًا.

[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ] وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِحُرْمَةِ الزَّمَنِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْفِطْرِ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا لَوْ تَمَادَى مُتَأَوِّلًا بِأَنْ ظَنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ] أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَفْطَرَ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فَهُوَ كَرَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عج.

[قَوْلُهُ: مِنْ مَرَضٍ] يَدْخُلُ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَمِنْ الْعُذْرِ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلنِّسْيَانِ أَيْ أَنَّ النَّاسِيَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ هَذَا مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ.

[قَوْلُهُ: وَبِفَقَطْ] أَيْ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ، فَقَطْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَالْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ كَمَا تَقَرَّرَ.

[قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالشَّافِعِيِّ] مَا نَسَبَهُ الشَّارِحُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا خِلَافُ مَا فِي الْبَهْجَةِ وَشَرْحِهَا لِلشَّيْخِ وَلِيِّ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ، وَخِلَافُ مَا فِي الْمَنْهَجِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ لَا تَجِبُ بِالْجِمَاعِ إلَّا إذَا كَانَ عَمْدًا.

[قَوْلُهُ: يَنْتِفُ] بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: «هَلَكَتْ وَأَهْلَكْت» ] أَيْ فَعَلْت مَا هُوَ سَبَبٌ لِهَلَاكِي وَهَلَاكِ غَيْرِي وَهُوَ زَوْجَتُهُ الَّتِي وَطِئَهَا.

[قَوْلُهُ: «وَمَا ذَاكَ» ] أَيْ أَيُّ شَيْءٍ سَبَبُ ذَاكَ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ.

[قَوْلُهُ: قَرِينَةَ الْحَالِ] أَيْ قَرِينَةٌ هِيَ الْحَالُ أَيْ حَالُهُ.

[قَوْلُهُ: يَشُقُّ مَعَهُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ أَقْسَامَ الْمَرَضِ أَرْبَعَةٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الرَّابِعَ.

[قَوْلُهُ: يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ إلَخْ] وَيَجُوزُ الْفِطْرُ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَإِلَّا وَجَبَ الْإِفْطَارُ.

[قَوْلُهُ: لَكِنْ يَخَافُ مَعَهُ طُولَ الْمَرَضِ] أَيْ وَاسْتَنَدَ

ص: 452

تَأَخُّرَ بُرْءٍ الْقَضَاءُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَرَضُ لَا يَشُقُّ مَعَهُ صَوْمٌ وَلَا يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَلَا تَأَخُّرَ الْبُرْءِ وَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.

(وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا) أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ (تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَأَكْثَرُ ذَاهِبًا أَوْ رَاجِعًا وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ (فَ) يُبَاحُ (لَهُ أَنْ يُفْطِرَ) بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ ضَرُورَةٌ) غَيْرُ ضَرُورَةِ السَّفَرِ فَمَعَ الضَّرُورَةِ أَحْرَى (وَ) مَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) إذَا أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184](وَالصَّوْمُ) فِي السَّفَرِ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ.

(وَمَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَظَنَّ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى تَيَقَّنَ (أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُ فَأَفْطَرَ) لِذَلِكَ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَلَمْ يَقْصِدْ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الشَّهْرِ (وَ) إنَّمَا يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، إذْ الْمَشْهُورُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ إنْ

ــ

[حاشية العدوي]

فِي ذَلِكَ لِتَجْرِبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمِزَاجِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ] بِأَنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ هُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَيْ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ثَانِيَ يَوْمٍ.

وَقَوْلُهُ: وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَ وَبَيَّتَ الصَّوْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ أَفْطَرَ اخْتِيَارًا كَفَّرَ تَأَوَّلَ أَمْ لَا، وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ مَتَى نَوَاهُ بِسَفَرٍ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ مُتَأَوِّلًا أَوْ لَا وَكَذَا مَنْ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَيَّتَ الْفِطْرَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مُتَأَوِّلًا أَوْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَفْطَرَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ تُضَمُّ لِلْأُولَيَيْنِ فَالْجُمْلَةُ عَشْرَةٌ، وَكَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَفْطَرَ قَبْلَ عَزْمِهِ وَشُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ مُتَأَوِّلًا أَمْ لَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضَمُّ لِلْعَشْرَةِ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ.

وَكَذَا تَجِبُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَأَفْطَرَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُتَأَوِّلًا وَلَمْ يُسَافِرْ يَوْمَهُ، فَإِنْ تَأَوَّلَ وَسَافَرَ يَوْمَهُ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَمْ لَا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ تَأَوَّلَ بِفِطْرِهِ أَمْ لَا، حَصَلَ عَزْمٌ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْ لَا، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ تُضَمُّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ إلَخْ] وَمِنْ غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ الْمَكْرُوهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي.

[قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ] أَيْ بِالْفِعْلِ بِأَكْلٍ إلَخْ، وَلَوْ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ لَكَانَ أَخْصَرَ.

وَقَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَيْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: وَمَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَمَلَ الْفِطْرَ عَلَى الْفِطْرِ بِالْفِعْلِ، فَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْفِعْلِ وَالْفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّتْ الْفِطْرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

[قَوْلُهُ: لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ قَالَهُ تت.

فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَأَيْضًا الْإِتْمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُجْزِئُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبِرُونَ عَلَى إجْزَاءِ الصَّوْمِ فَكَانَ أَوْلَى.

[قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]] أَيْ الْمُرَخَّصُونَ فِي الْإِفْطَارِ مِنْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَفُسِّرَتْ الْآيَةُ وَأَنْ تَصُومُوا أَيْ الْمُطِيقُونَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ، وَلَعَلَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ يُفَسَّرُ بِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنًى تَيَقَّنْ] أَيْ اعْتَقِدْ وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ.

[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ إلَخْ] لَازِمٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ.

[قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.

ص: 453

كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا وَهُوَ مَا يَقَعُ سَبَبُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ سِتَّةَ صُوَرٍ، إحْدَاهَا: الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ بَعِيدًا وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ فَالْكَفَّارَةُ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ خَمْسَ صُوَرٍ مِنْهَا:

مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا.

(وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ) بِفَمٍ (أَوْ جِمَاعٍ) مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَعَمِّدِ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ سَبَبُهُ] أَيْ مَا يُوجَدُ سَبَبُهُ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ فِي الْبَعِيدِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ أَيْ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ، هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ إلَّا أَنَّ فِي الْقَرِيبِ السَّبَبِيَّةَ قَوِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ] أَيْ قَوِيٍّ.

[قَوْلُهُ: وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] ثَانِيهَا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا ثُمَّ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا ظَانًّا الْإِبَاحَةَ فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، ثَالِثُهَا: مَنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

رَابِعُهَا: مَنْ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَهُوَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، خَامِسُهَا: مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ صَوْمٌ وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ لُزُومِ الصَّوْمِ أَنْ يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

سَادِسُهَا: مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا صَبِيحَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ نَهَارِ رَمَضَانَ فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ فِطْرٍ لِظَنِّهِ أَنَّ الْهِلَالَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ رَآهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ مَعَهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ ظَنُّوا الْإِبَاحَةَ وَأَمَّا لَوْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ ظَنُّوهَا أَوْ شَكُّوهَا كَفَّرُوا وَكَانُوا آثِمِينَ بِخِلَافِ مَنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نَقَلْنَاهَا أَنَّثَ وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ نَقَلْنَاهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْبَاقِي صُوَرًا.

[قَوْلُهُ: فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ إلَخْ] ثَانِيهَا مِنْ عَادَتِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ الْحُمَّى فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَصْبَحَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَأْتِي فِيهِ مُفْطِرًا ثُمَّ إنَّ الْحُمَّى أَتَتْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى إنْ لَمْ تَأْتِهِ.

ثَالِثُهَا: مَنْ عَادَتُهَا الْحَيْضُ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَأَصْبَحَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَفْطَرَتْهُ ثُمَّ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ: رَابِعُهَا: مَنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ فَأَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ لِأَجْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ.

وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالتَّعَمُّدُ أَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى حَاجِمٍ وَلَا مُحْتَجِمٍ.

خَامِسُهَا: مَنْ اغْتَابَ شَخْصًا فِي رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَبْطَلَ صَوْمَهُ لِأَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ صَاحِبِهِ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى الْقَضَاءُ.

[قَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] فَلَوْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الْجِمَاعِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا قَضَاءٌ كَمَنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَ وُضُوءُهُ بِرِيحٍ مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ جِمَاعٍ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ مَنْ تَعَمَّدَ إنْزَالَ الْمَنِيِّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِمَاعِ الْجِمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ فَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَا مَذْيٌ قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ] أَيْ ظَاهِرًا وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ أَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَائِضٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَتْ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَأْتِيهَا بَعْدَ فِطْرِهَا الْحَيْضُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ، وَالِانْتِهَاكُ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَيَخْرُجُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ غَلَبَةً إلَّا مَنْ اسْتَاكَ بِجَوْزَاءَ نَهَارًا عَمْدًا وَابْتَلَعَهَا غَلَبَةً

ص: 454

النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقَيَّدْنَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِفَمٍ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(مَعَ الْقَضَاءِ) إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ لَازِمٌ لِلْكَفَّارَةِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ يَلْزَمُ فِيهِ الْقَضَاءُ.

تَنْبِيهٌ: ق: أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ وَسَكَتَ عَنْ الْجَاهِلِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ.

وَقَالَ ج: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ إذَا لَمْ يَأْتِ تَائِبًا، وَأَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا فَالْمُخْتَارُ الْعَفْوُ.

وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ اسْتَشْعَرَ سُؤَالَ سَائِلٍ قَالَ لَهُ وَمَا هِيَ فَقَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ عَمْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِانْتِهَاكِ أَوْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ أَحَدُهَا:(إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ وَزْنُ رَطْلٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَلْ يَكُونُ مِنْ عَيْشِ الْمُكَفِّرِ أَوْ مِنْ غَالِبِ عَيْشِ النَّاسِ إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ. اللَّخْمِيُّ: يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

وَأَوْلَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَهَا نِسْيَانًا فَلَا، وَكَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا تَعَمَّدَ اسْتِيَاكَهُ بِهَا لَيْلًا وَابْتَلَعَهَا نَهَارًا عَمْدًا فَقَطْ لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا فَيَقْضِي فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ] أَيْ نَاسِي الْحُرْمَةِ وَجَاهِلُهَا وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِشَيْءٍ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَظُنُّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُحَرِّمُ الْجِمَاعَ مَثَلًا وَجَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا جَهِلَ رَمَضَانَ وَكَمَا إذَا أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ قَبْلَ ثُبُوتِ الصَّوْمِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَخْ] أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَإِذَا أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا إبَاحَةَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْفَمِ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ: احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ شَيْءٌ إلَى الْحَلْقِ مِنْ الْفَمِ وَرَدَّهُ أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِمَا وَصَلَ الْجَوْفَ مِنْ الْفَمِ، وَأَمَّا مَا وَصَلَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْحَلْقِ وَرَدَّهُ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْقَضَاءُ فَقَطْ.

وَقُلْنَا: مِنْ الْمَائِعَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَصَلَ نَحْوُ دِرْهَمٍ لِلْحَلْقِ وَرَدَّهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ عَلَيْهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ] أَيْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَعَمِّدِ مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهِ قَوْلَانِ، شَهَّرَ الْأَقْفَهْسِيُّ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ وَاَلَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْعَامِدِ وَهَذَا صَرِيحٌ.

تت: وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُؤَدَّبُ] أَيْ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ نَظَرُهُ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَالْحَدُّ وَالْأَدَبُ فَإِذَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا قُدِّمَ الْأَدَبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ الْأَدَبُ فَقَطْ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ] لَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ يَقْتَضِي مُتَعَدِّدًا مَعَ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْإِنْزَالُ فَقَطْ.

وَقَوْلُهُ: فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا كَائِنًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَقَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ إلَخْ إضَافَةُ وَجْهٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ.

[قَوْلُهُ: يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ] هَذَا فِي حَقِّ الْحُرِّ الرَّشِيدِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْهُ أَوْ يَمْنَعَهُ سَيِّدُهُ لِإِضْرَارِهِ بِخِدْمَتِهِ، فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ السَّفِيهِ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَأْمُرُهُ بِالصَّوْمِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَوْ أَبَى كَفَّرَ عَنْهُ بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ أَيْ قِيمَةُ الْإِطْعَامِ أَوْ الرِّقِّيَّةِ، وَهَذَا فِي تَكْفِيرِ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ حُرًّا بِالْإِطْعَامِ فَقَطْ إنْ كَانَ رَقِيقًا كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؛ لِأَنَّ طَوْعَهَا إكْرَاهٌ لِأَجْلِ الرِّقِّ، أَمَّا زَوْجَتُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا إلَّا إذَا أَكْرَهَهَا.

[قَوْلُهُ: سِتِّينَ مِسْكِينًا] أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ.

وَقَوْلُهُ: مُدٌّ فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ وَزْنُ رَطْلٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ] وَهُوَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ] أَيْ عَيْشُ الْمُكَفِّرِ وَعَيْشُ

ص: 455

الْخِلَافِ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ كَالْمُدَوَّنَةِ سِتِّينَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فَإِنْ أَعْطَى لِدُونِ سِتِّينَ اسْتَرْجَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا زَادَ عَلَى الْمُدِّ إنْ كَانَ بِيَدِهِ وَكَمَّلَ السِّتِّينَ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمِسْكَيْنِ هُنَا مَا يُرَادُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ بَلْ الْمُحْتَاجُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ كَفَّارَةَ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّخَيُّرِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي أَيِّ أَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْإِطْعَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ:(فَذَلِكَ) أَيْ الْإِطْعَامُ الْمَذْكُورُ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا.

وَثَانِيهَا: الْعِتْقُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ) وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً مَحْرُورَةً وَتَحْرِيرُهَا أَنْ يَبْتَدِئَ إعْتَاقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِوَجْهٍ.

وَثَالِثُهَا: الصَّوْمُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) .

تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ الْعِتْقُ أَفْضَلُ أَوْ الصَّوْمُ، قَوْلَانِ: لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا اتِّفَاقًا وَلَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ خَصَائِصِ رَمَضَانَ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا

ــ

[حاشية العدوي]

النَّاسِ [قَوْلُهُ: فِي الْكَفَّارَةِ] أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَيْشُ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ الْمُكَفِّرِ غَيْرِ الْبَخِيلِ.

ثَالِثُهَا الْأَرْفَعُ إنْ قَدَرَ فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ عَيْشَ أَهْلِ الْبَلَدِ يُخَالِفُ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ، وَالْمُرَادُ بِأَوْسَطَ حِينَئِذٍ الْغَالِبُ وَقَدْ يُبْعِدُ ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ.

قَوْلُهُ: تُطْعِمُونَ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِ بَلَدِكُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ الزَّرْقَانِيُّ [قَوْلُهُ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ] أَيْ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلَعَلَّهُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ بِقَوْلِهِ: قُوتُ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ الْمُزَكَّى انْتَهَى.

وَالرَّاجِحُ قُوتُ أَهْلِ الْبَلَدِ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِيَدِهِ] أَيْ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ لَوْ أَعْطَى السِّتِّينَ مُدًّا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ، وَيُكْمِلُ السِّتِّينَ مِنْهُمْ وَيَنْزِعُ مِنْ الْبَقِيَّةِ بِالْقُرْعَةِ.

[قَوْلُهُ: مَا يُرَادُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قُوبِلَ بِالْفَقِيرِ هُنَاكَ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: بَلْ الْمُحْتَاجُ أَيْ الشَّامِلُ لَهُ وَلِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ.

[قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ: عَلَى التَّرْتِيبِ الْعِتْقُ فَالصَّوْمُ فَالْإِطْعَامُ، وَقِيلَ: الْعِتْقُ وَالصَّوْمُ لِلْجِمَاعِ وَالْإِطْعَامُ لِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْإِطْعَامُ] وَقِيلَ: الْعِتْقُ أَفْضَلُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْهُمْ] أَيْ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْمُخْتَارِينَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَيْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً] أَيْ لَا إنْ عَتَقَ بَعْضُهَا.

وَقَوْلُهُ: مُؤْمِنَةً أَيْ لَا كَافِرَةً.

وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا تَكُونَ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً مِنْ رَقَبَتَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ يُعْتِقُ مِنْ رَقَبَةٍ نِصْفًا وَمِنْ أُخْرَى النِّصْفَ الْآخَرَ إذْ الْمَجْمُوعُ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّهَا مُلَفَّقَةٌ.

[قَوْلُهُ: سَلِيمَةً] أَيْ عَنْ قَطْعِ إصْبَعٍ وَعَمًى وَبَكَمٍ وَجُنُونٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِوَجْهٍ] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً لِلْعِتْقِ بِوَجْهٍ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّتْ لِلْعِتْقِ كَمَا لَوْ كَانَتْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ.

[قَوْلُهُ: هَلْ الْعِتْقُ أَفْضَلُ] وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْغَيْرِ.

قَالَ عج: اُخْتُلِفَ هَلْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي.

[قَوْلُهُ: وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ] هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِهِ فَتَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ زَوْجَاتِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَطْءِ وَوَطِئَ الْجَمِيعَ فَيَجِبُ لِكُلٍّ كَفَّارَةٌ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] أَيْ

ص: 456

خِلَافَ فِيهِ عَلَى مَا قَالَ: ابْنُ نَاجِي: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَقْضِي يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ يَوْمَيْنِ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ.

(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) أَيْ ذَهَبَ عَقْلُهُ (لَيْلًا فَأَفَاقَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ) ق: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالْأَوَّلُ إنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالثَّانِي إنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ عِنْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَلَا يَقْضِي) مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَيْلًا وَأَفَاقَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (مِنْ الصَّلَوَاتِ) الْمَفْرُوضَةِ (إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُخَالِفُ الصَّلَاةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي

ــ

[حاشية العدوي]

وَقِيلَ: إنَّهَا تَتَعَدَّدُ إذَا حَصَلَ الْمُوجِبُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي] قَالَ تت: قَالَ ابْنُ نَاجِي اتِّفَاقًا.

وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.

فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْ لَا عَلَى مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ] هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَفْطَرَ عَمْدًا لَا إنْ أَفْطَرَ سَهْوًا.

فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدٌ بِاتِّفَاقٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَأَجْرَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فَإِنْ قُلْت: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَائِهِ بِفِطْرِهِ نَاسِيًا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا قُلْنَا: لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الْأَصْلِ بِغَيْرِهِ وَأُلْغِيَ اعْتِبَارُهُ لِحُصُولِ الْفِطْرِ فِيهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ الْأَصْلِ أَوْ نَائِبًا عَنْهُ لَمْ يُطْلَبْ قَضَاؤُهُ، وَفَارَقَ النَّفَلَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ بِالْفِطْرِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَائِبًا عَنْ شَيْءٍ وَإِنَّمَا قُصِدَ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ فِطْرِهِ عَمْدًا فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِلنِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ إلَخْ] كَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ قَضَاءُ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا وَالتَّتَابُعُ أَحْسَنُ قَالَهُ تت.

[قَوْلُهُ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، وَالْإِغْمَاءُ زَوَالُ الْعَقْلِ بِمَرَضٍ يُصِيبُهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْفَجْرِ أَيْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ كَانَ كُلَّ النَّهَارِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْفَجْرِ غَيْرَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ بِبَعْدِ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ مَا قَابَلَ ذَلِكَ، فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسِ دَرَجٍ مَثَلًا وَعِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَاَلَّذِي عِنْدَ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ سَلِمَ أَوَّلُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ الْجُلِّ الشَّامِلِ لِلنِّصْفِ فَإِنْ سَلِمَ أَوَّلُهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا.

وَقَوْلُنَا: سَلِمَ أَوَّلُهُ أَيْ سَلِمَ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَقْتَ النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَهَا مُغْمًى عَلَيْهِ لِبَقَائِهَا حَيْثُ سَلِمَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ إيقَاعِهَا وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَيْثُ تَقَدَّمَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَهُ أَوْ بِانْدِرَاجِهَا فِي نِيَّةِ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ بِدُونِ نِيَّةٍ، وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَمَنْ سَكِرَ بِحَرَامٍ لَيْلًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى سُكْرِهِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَسَبُّبِهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْمُفْطِرِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَالنَّائِمُ يَنْوِي فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ يَنَامُ جَمِيعَ الشَّهْرِ صَحَّ صَوْمُهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَيْسَ مِثْلَهُ السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ أَشْهَبُ: يَصِحُّ صَوْمُهُ.

[قَوْلُهُ: إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ] أَيْ وَلَوْ الضَّرُورِيَّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُطْلَبُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ الْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمَا خَرَجَ وَقْتُهُ

ص: 457

الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِمَشَقَّةِ التَّكْرَارِ.

(وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ) قِيلَ يَنْبَغِي فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: (وَجَوَارِحَهُ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَجَوَارِحُهُ سَبْعَةٌ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِاللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا آفَةً، قِيلَ: مَا مِنْ صَبَاحٍ إلَّا وَالْجَوَارِحُ تَشْكُو اللِّسَانَ نَاشَدْنَاك اللَّهَ إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ انْعَوَجْت انْعَوَجْنَا وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فَوَجَدَهُ يَجْذِبُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ رضي الله عنه: دَعْنِي فَإِنَّهُ أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ. فَإِذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ هَذَا فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ.

ع: وَخَصَّ الشَّيْخُ الصَّائِمَ بِالذِّكْرِ هُنَا تَأْكِيدًا لَهُ، فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي (وَ) يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَيْضًا أَنْ (يُعَظِّمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ) مِنْ زَائِدِ الْمَعْنَى، وَيُعَظِّمَ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي عَظَّمَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]

ــ

[حاشية العدوي]

وَمَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ وَأَدَّاهُ فِيهِ أَدَاءً لَا قَضَاءً.

[قَوْلُهُ: قِيلَ يَنْبَغِي إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: قِيلَ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ بِمَعْنَى يَجِبُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَيُحْمَلُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ كَالْإِكْثَارِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ [قَوْلُهُ: السَّمْعُ إلَخْ] أَرَادَ بِالسَّمْعِ الْأُذُنَ وَبِالْبَصَرِ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ مِنْ الْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِاللِّسَانِ إلَخْ] أَيْ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصِرْ بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: قِيلَ مَا مِنْ صَبَاحٍ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَدِيثًا.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّضْعِيفَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّكْوَى عِنْدَ الصَّبَاحِ فَقَطْ، وَهَلْ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَهُ.

[قَوْلُهُ: إلَّا وَالْجَوَارِحُ] أَيْ مَا عَدَا اللِّسَانِ [قَوْلُهُ: تَشْكُو اللِّسَانَ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهَا شَكْوَى إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ شَكْوَى حَالِيَّةٌ لَا شَكْوَى مَقَالِيَّةً، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: مَا مِنْ صَبَاحٍ أَنَّ سُؤَالَهَا الْمَذْكُورَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ لَا بِلِسَانِ الْحَالِ.

[قَوْلُهُ: نَاشَدْنَاك اللَّهَ] أَيْ سَأَلْنَاك مُقْسِمِينَ عَلَيْك بِاَللَّهِ الِاسْتِقَامَةَ وَعَدَمَ الِاعْوِجَاجِ؛ لِأَنَّك إذَا اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا.

[قَوْلُهُ: يَجْذِبُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: مَهْ يَا أَبَا بَكْرٍ] أَيْ كُفَّ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ [قَوْلُهُ: دَعْنِي] أَيْ اُتْرُكْنِي [قَوْلُهُ: أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ] جَمْعُ مَوْرِدٍ مَحَلُّ وُرُودِ الْمَاءِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، فَشَبَّهَ الْهَلَاكَ بِالْمَاءِ بِجَامِعِ الْإِلْجَاءِ فِي كُلٍّ، فَكَمَا أَنَّ الشَّخْصَ يَلْجَأُ لِلْمَاءِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْعَطَشِ كَذَلِكَ يَلْجَأُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمَوَارِدُ تَخْيِيلٌ وَأَوْرَدَنِي تَرْشِيحٌ أَوْ أَنَّ الْمَوَارِدَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْمَعَاصِي وَالْعَلَاقَةُ ظَاهِرَةٌ، وَأَوْرَدَنِي تَرْشِيحٌ أَوْ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ فَشَبَّهَ إيقَاعَهَا فِي الْمَعَاصِي بِإِيرَادِ الْمَوَارِدِ، وَالْمَعَاصِي اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِيرَادِ أَوْرَدَنِي بِمَعْنَى أَوْقَعَنِي فَهُوَ تَرْشِيحٌ لَفْظًا عَلَى هَذَا.

[قَوْلُهُ: فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ] أَيْ أَيُّ شَيْءٍ ظَنُّك بِغَيْرِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ.

وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ تَفْخِيمُ هَذَا الظَّنِّ مِنْ الظَّنِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ مُتَعَلَّقَهُ لَيْسَ إلَّا الْهَلَاكُ.

[قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا لَهُ] أَيْ قُوَّةَ حَثٍّ لَا لِلتَّخْصِيصِ.

[قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي] أَيْ فَيَتَأَكَّدُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَنْ يَقُولُوا: وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّ الصَّائِمَ مِنْ حَيْثُ صِيَامُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ.

[قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْفَضْلِ] أَيْ الْفَضِيلَةِ وَالصَّلَاحُ هُوَ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِي مِنْهُمْ أَقْبَحُ وَأَفْظَعُ.

[قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَعْنِي] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَا يَعْنِي يَشْمَلُ الْمُحَرَّمَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْمَقَامِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا لِلتَّعْبِيرِ بِالْقِلَّةِ.

[قَوْلُهُ: الْمَعْنَى إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا اسْمٌ مَوْصُولٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيَانِيَّةً أَيْ وَيُعَظَّمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهَا بِمَعْنَى فِي، وَالْمَعْنَى وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَظِّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ، وَتَعْظِيمُهَا بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا مَعَ التَّأَدُّبِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]] أَيْ وَأُنْزِلَ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ

ص: 458

الْآيَةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَيُكْرَهُ تَعْظِيمُهُ بِالتَّزْوِيقِ وَالْوَقُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(وَلَا يَقْرَبُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَفْصَحُ (الصَّائِمُ) فَاعِلُهُ (النِّسَاءَ) مَفْعُولُهُ (بِوَطْءٍ لَا مُبَاشَرَةَ وَلَا قُبْلَةَ لِلَّذَّةِ) أَمَّا الْوَطْءُ فَحَرَامٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ حَرَامٌ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ إجْمَاعًا وَلِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ لِلَّذَّةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ قَائِلًا وَقَدْ تُحْدِثُ اللَّذَّةَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا، وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ قَالَهُ ع، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ:(فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) يَرُدُّهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ هَذَا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ لِلَّذَّةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّائِمِ (فِي لَيْلَةٍ) أَيْ لَيْلِ رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَإِنَّمَا يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُحْرِمِ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ) الصَّائِمُ (جُنُبًا مِنْ الْوَطْءِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ، قِيلَ: وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَلَمْ يَتَطَهَّرْ إلَخْ.

(وَمَنْ الْتَذَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ فَأَمْذَى لِذَلِكَ) أَيْ لِلْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْقُبْلَةِ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وُجُوبًا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْذِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ وَهُوَ قَوْلُ: ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا حَرَّكَ ذَلِكَ مِنْهُ لَذَّةً وَأَنْعَظَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُبَاشَرَةَ وَالْقُبْلَةَ

ــ

[حاشية العدوي]

وَالزَّبُورُ وَخَصَّ الْقُرْآنَ لِأَعْظَمِيَّتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَفْصَحُ] أَيْ لِكَوْنِهَا لُغَةَ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تت.

[قَوْلُهُ: فَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ حَرَامٌ] يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تُنَافِي فَتُحْمَلُ الْحُرْمَةُ إذْ لَمْ تُعْلَمْ السَّلَامَةُ وَالْكَرَاهَةُ حَيْثُ عُلِمَتْ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ يُبَاشِرَ أَوْ يُلَاعِبَ، وَكَذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ أَوْ يَذْكُرَ إذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ مِنْ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا حَرُمَتْ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي لَيْلِهِ] إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

[قَوْلُهُ: قَائِلًا] حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْضُهُمْ أَيْ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ اللَّذَّةَ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِلًا.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَعْلِيلٌ مِنْ الشَّارِحِ بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاعْتِرَاضِ. [قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا] أَرَادَ بِالْمَنْعِ النَّهْيَ الشَّامِلَ لِنَهْيِ الْكَرَاهَةِ وَنَهْيِ الْحُرْمَةِ، أَيْ أَنَّ الصَّوَابَ النَّهْيُ وُجِدَتْ لَذَّةٌ أَمْ لَا.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلَّذَّةِ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مِمَّا لَا الْتِذَاذَ بِهِ عَادَةً.

[قَوْلُهُ: مَنْهِيٌّ عَنْهَا] أَيْ نَهْيُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ] بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ] أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمَيْنِ إذْ رَوَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُبَاحُ لِلشَّيْخِ وَتُكْرَهُ لِلشَّابِّ.

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا وَتُمْنَعُ فِي فَرْضٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَكَاهَا عِيَاضٌ.

[قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ] الْحُكْمُ مُسَلَّمٌ وَالنَّظَرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْعِبَارَةِ لَهُ.

[قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُحْرِمِ] أَيْ وَالْمُظَاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] قَدْ يُقَالُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ مَا قَسَّمَهُ لِبَيَانِ كَوْنِ الصَّوْمِ صَحِيحًا، وَمَا هُنَا لِبَيَانِ جَوَازِ الْإِصْبَاحِ بِالْجَنَابَةِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِلَا بَأْسٍ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَالْجَوَازُ الَّذِي قُلْنَاهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى.

[قَوْلُهُ: بِمُبَاشَرَةٍ] أَيْ وَلَوْ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ كَرِجْلٍ [قَوْلُهُ: أَيْ لِلْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْقُبْلَةِ] وَمِثْلُهُمَا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْمَذْيِ النَّاشِئِ عَنْهُمَا أَوَّلًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَذْيِ الْقَضَاءَ فَقَطْ نَشَأَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ اسْتَدَامَ مَا ذَكَرَ أَوْ لَا.

قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ الْتَذَّ إلَخْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ عَلَى النَّاسِي اهـ.

[قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ] أَيْ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي رَمَضَانَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ] بَلْ

ص: 459