الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[27 -
بَابٌ فِي الْحَجِّ]
لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى خَامِسِهَا وَهُوَ الْحَجُّ فَقَالَ:
(بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (الْحَجِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (وَ) فِي بَيَانِ (الْعُمْرَةِ) وَصِفَتِهِمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ. أَمَّا الْحَجُّ فَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَقِيلَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ مِنْ قَوْلِك: حَجَّ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ وَاصْطِلَاحًا فَهُوَ الْقَصْدُ إلَى التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ فَرْضًا وَسُنَّةً، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ لُغَةً فَهِيَ الزِّيَارَةُ وَاصْطِلَاحًا فَهِيَ زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَبَدَأَ بِحُكْمِ الْحَجِّ فَقَالَ: (وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بِبَكَّةِ) بِالْبَاءِ لُغَةً فِي مَكَّةَ (فَرِيضَةٌ) بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (عَلَى كُلِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ فِي الْحَجِّ]
[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
[قَالُوا: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا إلَخْ] الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ سَمَاعًا وَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي الْحَجَّةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ] أَيْ قَصْدِ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ، قَوْلُهُ: إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ فَإِنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ فِي الْفِعْلِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْقَصْدِ وَآخِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْفِعْلِ، ثُمَّ رَأَيْت تت قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ فِعْلِ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ أَوْ مُجَرَّدِ الْقَصْدِ أَقْوَالٌ انْتَهَى.
الْمُرَادُ مِنْهُ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ تت أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مِنْ قَوْلِك حَجَّ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً فِعْلُ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَيْ لِتَكْرَارِ النَّاسِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125] أَيْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ كُلَّ عَامٍ. [قَوْلُهُ: الْقَصْدُ إلَى التَّوَجُّهِ] فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَارَةٌ عَنْ عِبَادَةٍ ذَاتِ أَرْكَانٍ مَخْصُوصَةٍ لَا نَفْسَ الْقَصْدِ إلَى التَّوَجُّهِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْقَصْدُ لَيْسَ مُتَعَلَّقُهَا التَّوَجُّهَ، كَمَا قَالَ بَلْ مُتَعَلَّقُهَا الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: عِبَادَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَوُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ هَذَا إنْ أَرَدْت الْمَاهِيَّةَ الْغَيْرَ الْكَامِلَةِ وَإِلَّا زِدْت بَعْدَ مَا قُلْنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: ضَمَّنَ الْقَصْدَ مَعْنَى الْمَيْلِ فَعَدَّاهُ بِإِلَى. [قَوْلُهُ: بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُتَوَجِّهِ مُتَلَبِّسًا بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَرْضًا وَسُنَّةً] أَرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا يَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّ، أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ فَرْضًا وَسُنَّةً وَمُسْتَحَبًّا، وَأَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ مُتَغَايِرَانِ، فَالْفَرْضُ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَالْوَاجِبُ يَنْجَبِرُ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَهِيَ الزِّيَارَةُ إلَخْ] أَيْ يُقَالُ: اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ. [قَوْلُهُ: زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ] أَيْ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَقَوْلُهُ: الْأَفْعَالُ مَخْصُوصَةٌ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مَاهِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: عِبَادَةٌ ذَاتُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَإِحْرَامٍ لَكَانَ أَحْسَنَ
[قَوْلُهُ: بَيْتُ اللَّهِ] إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ إضَافَةُ تَشْرِيفٍ، وَمِنْ شَرَفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلُوهُ طَيْرٌ إلَّا لِعِلَّةٍ بِهِ، وَإِذَا عَلَاهُ ذُو عِلَّةٍ شَفَى اللَّهُ عِلَّتَهُ، وَإِذَا عَمّ الشِّتَاءُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ عَمَّ ذَلِكَ، الْبَلَدَ الَّذِي يُوَالِيهِ، وَإِذَا عَمَّ الشِّتَاءُ جَمِيعَ أَرْكَانِهِ عَمَّ الشِّتَاءُ جَمِيعَ الْبِلَادِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي بِبَكَّةِ] وَصْفٌ كَاشِفٌ لِأَنَّ
إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (سَبِيلًا) وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ، وَإِلَى الثَّالِثِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(الْأَحْرَارِ) لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْحُرِّيَّةِ شَرْطَ وُجُوبٍ، فَالْعَبْدُ الْقِنُّ، وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَجَّ بِأَزْوَاجِهِ وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ، وَإِلَى الرَّابِعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(الْبَالِغِينَ) وَلَا يَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ بِالْحَجِّ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَالْخَامِسُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّيْخُ وَهُوَ الْعَقْلُ وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ شَرْطَا وُجُوبٍ، فَلَوْ حَجَّ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْعَبْدِ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ
وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.
دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
ــ
[حاشية العدوي]
بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ فِي مَكَّةَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ لُغَةً فِي مَكَّةَ] أَيْ لُغَةً فِي الْبَلَدِ الْمُسَمَّاةِ بِمَكَّةَ أَيْ أَنَّ الْبَلَدَ فِيهَا لُغَتَانِ أَيْ لَهَا لُغَتَانِ أَيْ اسْمَانِ، أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ الْبَاءُ وَالْمِيمُ يَتَعَاقَبَانِ وَهُوَ لُغَةُ مَازِنٍ وَغَيْرِهِمْ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ وَتُخْضِعُهَا مَا دَخَلَهَا مُتَجَبِّرٌ إلَّا وَخَضَعَ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ] وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْحَجِّ كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: {سَبِيلا} [آل عمران: 97]] مَعْمُولُ اسْتَطَاعَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُلُوكِ سَبِيلٍ أَيْ طَرِيقٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسْتَطِيعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ فَوْرًا، إذْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَتِمَّ الْمُدَّعِي أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ حَجِّهِ بِأُمِّ وَلَدِهِ لِعُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، فَانْطَبَقَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي.
[قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْإِسْلَامِ وَلَا الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْحَجِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ؟ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَقْلُ] فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعَقْلُ وَمَا قَبْلَهُ أَيْ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَا وُجُوبٍ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُكَلَّفِ] أَيْ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ أَيْ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ رَضِيعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَمُطْبِقٍ لَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ إحْرَامُ غَيْرِهِ فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَجْنُونِ خَاصَّةً الْفَوَاتُ فَكَالْمُطْبِقِ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ، وَلَا يَصِحُّ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصِّبَا لِدَوَامِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فَقَطْ الِاسْتِطَاعَةُ وَإِذْنُ وَلِيِّ السَّفِيهِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا فَقَطْ عَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ
[قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي] أَيْ التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ بِظَنِّ الْعَجْزِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ الْمَرَضِ وَقِلَّتِهِ. وَقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِالْفَوْرِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَوَلَّى عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحَجِّ بِالنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ الْحَجِّ ثُمَّ فِي التَّاسِعَةِ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ فَحَجَّ بِهِمْ وَلَمْ يَحُجَّ إلَّا فِي الْعَاشِرِ مَعَ تَمَكُّنِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ أَوَّلَ سَنَةٍ
[قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]] مَنْ اسْتَطَاعَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى
الْحَجَّ فَحُجُّوا» . الْحَدِيثَ وَالْإِجْمَاعُ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ تُرِكَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ، وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ أَيْ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ
، وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ بَلْ تَخْرُجُ إذَا وَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً سَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا، وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ الرِّجَالُ الصَّالِحُونَ وَقِيلَ: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً
وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ (مَرَّةً) وَاحِدَةً (فِي عُمْرِهِ) إجْمَاعًا وَمَا حُكِيَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ
(وَالسَّبِيلُ) الْمَذْكُورِ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا: (الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ) أَيْ الْمَأْمُونَةُ فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ خَافَ عَلَى بَعْضِ مَالِهِ وَكَانَ يُجْحِفُ بِهِ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ يُجْحَفْ بِهِ فَقَوْلَانِ (وَ) ثَانِيهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُبْدَلِ مِنْهُ أَيْ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا مِنْهُمْ فَيَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ إلَيْهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إمَّا لِلْبَيْتِ أَوْ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: أَيُّهَا النَّاسُ] أَيْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ] وَتَمَامُهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ: «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» . [قَوْلُهُ: فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ] أَيْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى تَرَاخِيهِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَدْ لَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا بِالْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَالتَّفْسِيرُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ مُحَاسِبُهُ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى هُوَ الْمُحَاسِبُ لَهُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ.
[قَوْلُهُ: بَلْ تَخْرُجُ إذَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسُوغُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمُحَصَّلُ مَا فِيهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ أَوْ امْتِنَاعُهُمَا أَوْ عَجْزُهُمَا، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَأْمُونَةً فِي نَفْسِهَا وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا وَحَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَا بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ طَلَبَا مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ خَرَجَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَهُ الْحَطَّابُ.
وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُمَا إذَا طَلَبَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ وَلَوْ كَثُرَ مَطْلُوبُهُمَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْقِلَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ بَلْ يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَحْرَمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمَ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَاخْتُلِفَ فِي عَبْدِهَا هَلْ هُوَ مَحْرَمٌ مُطْلَقًا أَوْ لَا مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ وَغْدًا فَمَحْرَمٌ فَتُسَافِرُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ الرِّجَالُ الصَّالِحُونَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَخُصُّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ بِأَنْ يَكُونُوا رِجَالًا صَالِحِينَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ إمَّا الرِّجَالُ فَقَطْ أَوْ النِّسَاءُ فَقَطْ، وَأَوْلَى لَوْ اجْتَمَعَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا. [قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ] أَيْ الرُّفْقَةُ
[قَوْلُهُ: مَرَّةً وَاحِدَةً] مَرَّةً وَاحِدَةً مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلْعَدَدِ عَامِلُهُ فَرِيضَةٌ أَيْ: وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مَرَّةً وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ حَصَلَ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ نَافِلَةً مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ سُنَّةَ الْعُمْرَةِ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَقَعُ نَافِلَةً حَيْثُ حَصَلَتْ فِي عَامٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ إلَّا لِعَارِضٍ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْإِحْرَامُ وَدَخَلَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِلَّا دَخَلَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَهُ الْحَطَّابُ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كَرَاهَةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ.
[قَوْلُهُ: وَالسَّبِيلُ الْمَذْكُورُ] أَيْ لَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ، فَفِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الشَّكَّ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُجْحِفْ بِهِ فَقَوْلَانِ] عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ مُكْسٍ فَإِنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا مُجْحِفًا
(الزَّادُ الْمُبَلِّغُ) أَيْ الْمُوَصِّلُ (إلَى مَكَّةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ وَهُوَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُرَاعِي مَا يُبَلِّغُهُ، وَيَرْجِعُ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (الْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) فَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمَا مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
سَقَطَ الْوُجُوبُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا كَانَ لَا يُجْحِفُ بِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا يَنْكُثُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ سَقَطَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الشَّكِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ الْإِجْحَافُ بِهِ فَقَطْ نَظَرَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَا لِذَاتِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: الزَّادُ الْمُبَلِّغُ إلَخْ] وَيَقُومُ مَقَامَهُ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِهِ لَا تُزْرِي وَيَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ كَسَادِهَا. [قَوْلُهُ: وَخَشِيَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْخَشْيَةُ الشَّامِلَةُ لِلشَّكِّ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ] أَيْ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ] أَيْ الَّتِي تُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَغَيْرَهَا مِمَّا بَاعَ عَلَيْهِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَثِيَابٍ وَلَوْ لِجُمُعَتِهِ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَخَادِمَهُ وَكُتُبَ الْعِلْمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَمُصْحَفًا وَآلَةَ الصَّانِعِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ] أَيْ فَلَا يُرَاعِي مَا يَؤُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَوْ يَتْرُكُ أَوْلَادَهُ وَنَحْوَهُمْ لِلصَّدَقَةِ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا فِيمَا ذَكَرَ أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَهَذَا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ، فَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالضَّيَاعِ مَا يَشْمَلُ شِدَّةَ الْأَذَى. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَلَوْ خَشِيَ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ مِنْ فِرَاقِهَا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ مَضَرَّةُ فِرَاقِهَا تَزِيدُ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَزَبًا وَمَعَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يَتَزَوَّجُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَيَأْثَمُ إنْ تَزَوَّجَ وَلَا يَفْسَخُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَاشِيًا] أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ الرَّاحِلَةِ.
وَظَاهِرُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ كَاللَّخْمِيِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ مُعْتَادًا لَهُ وَاشْتَرَطَ الْبَاجِيُّ اعْتِيَادَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَاكِبًا] اعْلَمْ أَنَّ الرُّكُوبَ يَشْمَلُ رُكُوبَ السَّفِينَةِ فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَضِيعَ رُكْنُ صَلَاةٍ بِأَنْ يَخْشَى إذَا قَامَ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ أَيْ الدَّوْخَةُ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ كَصَلَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى عَطَبُهُ وَسَلَامَتُهُ فَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مِثْلُ مَا إذَا غَلَبَ عَطَبُهُ فَيَسْقُطُ الْحَجُّ بِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج أَيْ فَإِذَا نَدَرَ عَطَبُهُ فَيَجِبُ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: فَالْأَعْمَى إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْأَعْمَى الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ، وَلَوْ كَانَ يُعْطِي ذَلِكَ الْقَائِدَ أُجْرَةً وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَقْيِيدُ الْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ لَا تُجْحِفَ بِهِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْأَعْمَى بِالذَّكَرِ قَائِلًا: كَأَعْمَى أَيْ ذَكَرٍ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ] قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَادِحَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا جُمْلَةً وَإِلَّا سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ غَالِبِ النَّاسِ الْمُسْتَطِيعِينَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الْمَشَقَّةِ، فَلَوْ تَكَلَّفَهُ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَيْثُ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا.