الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده)
3 -
(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا على أَن الْأَخْفَش حكى: بَنو عرس وَبَنُو نعش اعْتِبَارا للفظ ابْن وَإِن كَانَ غير عَاقل كَمَا فِي الْبَيْت. كَأَنَّهُ جعلهَا جمعا لِابْنِ نعش وَإِن لم يسْتَعْمل.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما كلٌّ فِي فلكٍ يسبحون رَأَيْتهمْ لي ساجدين
ويَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ فَزعم الْخَلِيل أَنه جعلهم بِمَنْزِلَة من يعقل وَيسمع لما ذكرهم بِالسُّجُود وَصَارَ النَّمْل وَكَذَلِكَ فِي فلكٍ يسبحون لِأَنَّهَا جعلت فِي طاعتها وَفِي أَنه لَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يَقُول: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَلَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يعبد شَيْئا مِنْهَا بِمَنْزِلَة مَا يعقل من المخلوقين ويبصر الْأُمُور.
قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي:
(شربت بهَا والديك يَدْعُو صباحه
…
إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا)
فَجَاز هَذَا حَيْثُ صَارَت هَذِه الْأَشْيَاء عِنْدهم تُؤمر وتطيع وتفهم الْكَلَام وَتعبد بِمَنْزِلَة الْآدَمِيّين. انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي تذكير بَنَات نعش لإخباره عَنْهَا بالدنو والتصوب كَمَا يخبر عَن الْآدَمِيّين على مَا بَينه سِيبَوَيْهٍ.
وصف خمرًا باكرها بالشرب عِنْد صياح الديك. وتصوب بَنَات نعشٍ: دنوها من الْأُفق للغروب.
وَالْبَاء فِي قَوْله: بهَا زَائِدَة مُؤَكدَة. وَكَثِيرًا مَا تزيدها الْعَرَب فِي مثل هَذَا. قَالَ تَعَالَى: عينا يشرب بهَا المقربون. انْتهى.
أَقُول: الْبَاء فِي الْبَيْت وَالْآيَة للتَّبْعِيض.
وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد أَنه جمع ابْنا من غير مَا يعقل جمع الْعُقَلَاء المذكرين فَقَالَ: بَنو وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بَنَات نعش وواحدها ابْن
نعش. لِأَن مَا لَا يعقل من الْمُذكر والمؤنث يجمع جمع السَّلامَة والتكسير: كحمام وحمامات وَحمل بَنو نعش على مَا يعقل لما كَانَ دورها على مِقْدَار لَا يتَغَيَّر فَكَأَنَّهَا تقدر ذَلِك الدّور وتعقله. فَجَاز هَذَا حَيْثُ صَارَت هَذِه الْأَشْيَاء عِنْدهم تُؤمر وتطيع وتفهم الْكَلَام وَتعبد بِمَنْزِلَة الْآدَمِيّين وَقَالَ: دنوا فتصوبوا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: دنون)
فتصوبن. انْتهى.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالَّذِي جرأه على اسْتِعْمَال الْوَاو فِي غير الْعُقَلَاء قَوْله: بَنو لَا بَنَات.
وَالَّذِي سوغ ذَلِك أَن مَا فِيهِ من تَغْيِير نظم الْوَاحِد شبهه بِجمع التكسير فسهل مَجِيئه لغير الْعَاقِل. وَلِهَذَا جَازَ تَأْنِيث فعله نَحْو: إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل مَعَ امْتنَاع قَامَت الزيدون. انْتهى.
وَبَنَات نعش من منَازِل الْقَمَر الثَّمَانِية وَالْعِشْرين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: اتّفق سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء على تِلْكَ صرف نعشٍ للمعرفة والتأنيث.
قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: الظَّاهِر أَنه جَائِز لَا وَاجِب لِأَنَّهُ سَاكن الْوسط.
وَقَالَ صَاحب الْعباب: بَنَات نعش الْكُبْرَى: سَبْعَة كواكب أَرْبَعَة مِنْهَا نعش وَثَلَاث بَنَات.
وَكَذَلِكَ بَنَات نعشٍ الصُّغْرَى.
وَذكر أَبُو عمر الزَّاهِد فِي فَائت الجمهرة عَن الْفراء أَنه يُقَال: بَنَات نعش فِي ميزَان عمر لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة وينصرف فِي النكرَة. قَالَ: وَلَيْسَ بَينهم خلاف تَقول: هَذِه بَنَات نعشٍ مقبلةً وَمَعَهَا بَنَات نعشٍ أُخْرَى مقبلة.
وَقد جَاءَ فِي الشّعْر بَنو نعش وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة للنابغة الْجَعْدِي:
(وصهباء لَا تخفي القذى وَهِي دونه
…
تصفق فِي راووقها ثمَّ تقطب)
(تمززتها والديك يَدْعُو صباحه
…
إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا)
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سميت بَنَات نعش تَشْبِيها بحملة النعش فِي تربيعها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للْوَاحِد مِنْهَا ابْن نعش لِأَن الْكَوَاكِب مذكرة فيذكرونه على تذكيره.
وَإِذا قَالُوا: ثَلَاث وَأَرْبع ذَهَبُوا إِلَى مَذْهَب التَّأْنِيث لِأَن الْبَنِينَ إِنَّمَا يُقَال للآدميين. وعَلى هَذَا الْقيَاس يَقُولُونَ: ابْن آوى وَابْن عرس فَإِذا جمعُوا قَالُوا: بَنَات آوى وَبَنَات عرس قَالَ الْخَلِيل: هَذَا شَيْء لم يسم بالابن لحَال الْأَب وَالأُم كَمَا قيل: بنُون وَبَنَات. وَإِذا ذكرُوا ابْن لبون وَابْن مَخَاض قَالُوا: هَذَا ابْن لبون وَابْن مَخَاض.
وَإِذا ثنوا قَالُوا: ابْنا لبون وابنا مَخَاض. وَإِذا جمعُوا تركُوا الْقيَاس وَلم يَقُولُوا بنُون وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ بَنَات مَخَاض ذُكُورا. هَذَا كَلَام الْعَرَب.
وَلَو حمله النَّحْوِيّ على الْقيَاس فَذكر الْمُذكر وأنث
الْمُؤَنَّث لَكَانَ صَوَابا. وَبَعْضهمْ يَقُول: لَا يجوز)
لما كَانَ من غير الْآدَمِيّين أَن يُقَال فِي جمعه إِلَّا التَّأْنِيث إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيخرجه مخرج الْآدَمِيّين إِذا حمل على غير الْآدَمِيّين على مِثَال مَا يجمعُونَ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لي ساجدين. لما فعلوا فعل الْآدَمِيّين جمعهم كَمَا يجمعُونَ.
وخاطبهم بِمَا يخاطبون. انْتهى كَلَام الْعباب.
وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال ابْن آوى لهَذَا السَّبع وللاثنين: ابْنا آوى وللجمع: بَنَات آوى وَإِن كن ذُكُورا وَلَا يصرف آوى. ويجمعون كل جمَاعَة من غير الْإِنْس على بَنَات كَمَا قَالُوا: بَنَات نعش لهَذِهِ الْكَوَاكِب وَلم يَقُولُوا: بَنو نعش فَإِن اضْطر شاعرٌ قَالَه مستكرهاً.
قَالَ الشَّاعِر:
فباكرتها والديك يَدْعُو صباحه
…
...
…
...
…
. الْبَيْت وَالصَّوَاب: بَنَات نعش دنت فتصوبت أَو دنون فتصوبن. فَهَذَا على الِاضْطِرَار. وَأما مَا لَا يعرف ذكوره من إناثه فمحمولٌ على اللَّفْظ يُقَال للذّكر وَالْأُنْثَى ابْن عرس وَابْن قترة لضربٍ من الْحَيَّات وَابْن دأية غير مَعْرُوف للغراب.
فَإِذا جمعت على هَذَا النَّحْو قلت: بَنَات آوى وَبَنَات عرس وَبَنَات قترة وَبَنَات دأية للذكور وَالْإِنَاث. وكل جمع من غير الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْمَلَائِكَة فَيُقَال فِيهِ بَنَات. انْتهى.
والبيتان من قصيدة للنابغة الْجَعْدِي أورد أبياتاً مِنْهَا السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي.
وَقَوله: وصهباء إِلَخ أَي: رب صهباء وَهِي الْخمر. لَا تخفي: لَا تستر.
والقذى: مَا يَقع فِي المَاء وَالشرَاب وَالْعين إِذا هبت الرّيح. وَدون هُنَا بِمَعْنى قُدَّام. يَقُول: إِن القذى إِذا حصل فِي أَسْفَل الزجاجة رَآهُ الرَّائِي فِي الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ لصفائها. وَالْخمر أقرب إِلَى الرَّائِي من القذى وَهِي فِيمَا بَين الرَّائِي وَبَين القذى يُرِيد أَنَّهَا يرى مَا وَرَاءَهَا لصفائها.
وتصفق: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والتصفيق: إدارتها من إناءٍ إِلَى إناءٍ لتصفو.
والراووق: المصفاة. وتقطب: تمزج.
وَقَوله: شربت بهَا إِلَخ روى أَيْضا: تمززتها والديك. والتمزز: تمصص الشَّرَاب قَلِيلا قَلِيلا.
ومزه يمزه أَي: مصه.
وَقَوله: يَدْعُو صباحه أَي: فِي وَقت صباحه.)
قَالَ ابْن رَشِيق فِي بَاب السرقات الشعرية من الْعُمْدَة.
قد اجتلب الفرزدق هَذَا الْبَيْت واستلحقه بِشعرِهِ فَقَالَ: الطَّوِيل تمززتها والديك يَدْعُو صباحه
…
...
…
... الْبَيْت والنابغة الْجَعْدِي شَاعِر صَحَابِيّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة