الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبَيْت لم أَقف لَهُ على خبر. وَالله أعلم.
وأنشده بعده
(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
الطَّوِيل ملوكٌ عظامٌ من ملوكٍ أعاظم على أَن أعاظم بِمَعْنى عِظَام وَهُوَ جمع أعظم بِمَعْنى عَظِيم غير مُرَاد بِهِ التَّفْضِيل. وَلَو كَانَ مرَادا للَزِمَ الْإِفْرَاد والتذكير.
وَيَأْتِي فِيهِ مَا نَقله الشاطبي عَن الْفَارِسِي من أَنه جمع عَظِيم مَعَ حذف الزِّيَادَة.
والمصراع من أبياتٍ لأعرابيٍّ. وَالرِّوَايَة كَذَا:
(توسمته لما رَأَيْت مهابةً
…
عَلَيْهِ وَقلت الْمَرْء من آل هَاشم)
(فَقُمْت إِلَى عنزٍ بَقِيَّة أعنزٍ
…
لأذبحها فعل امرىءٍ غير نادم)
(فعوضني عَنْهَا غناي وَلم تكن
…
تَسَاوِي عنزي غير خمس دَرَاهِم)
(فَقلت لأهلي فِي الْخَلَاء وصبيتي
…
أحقاً أرى أم تِلْكَ أَحْلَام نَائِم)
(فَقَالُوا جَمِيعًا لَا بل الْحق هَذِه
…
تخب بهَا الركْبَان وسط المواسم)
(بِخمْس مئينٍ من دَنَانِير عوضت
…
من العنز مَا جَادَتْ بِهِ كف حَاتِم)
رُوِيَ أَن عبيد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنهما خرج مرّة من الْمَدِينَة يُرِيد مُعَاوِيَة فِي الشَّام فأصابته سَمَاء فَنظر إِلَى نويرةٍ عَن يَمِينه فَقَالَ لغلامه: مل بِنَا إِلَيْهَا.
فَلَمَّا أتياها إِذا شيخ ذُو هَيْئَة
رثَّة فَقَالَ لَهُ: أنخ انْزِلْ حييت وَدخل إِلَى منزله فَقَالَ لامْرَأَته: هيئي شَاتك أَقْْضِي بهَا ذمام هَذَا الرجل فقد توسمت فِيهِ الْخَيْر فَإِن يكن من مُضر فَهُوَ من بني عبد الْمطلب وَإِن يكن من الْيمن فَهُوَ من بني آكل المرار.)
فَقَالَت لَهُ: قد عرفت حَال صبيتي وَأَن معيشهم مِنْهَا وأخاف الْمَوْت عَلَيْهِم إِن فقدوها.
فَقَالَ: مَوْتهمْ أحب إِلَيّ من اللؤم.
ثمَّ قبض على الشَّاة فَأخذ الشَّفْرَة وَأنْشد: الرجز
(قريبتي لَا توقظي بنيه
…
إِن يوقظوا ينسحبوا عَلَيْهِ)
ثمَّ ذَبحهَا وكشط جلدهَا وقطعها أَربَاعًا وقذفها فِي الْقدر حَتَّى إِذا اسْتَوَت اثرد فِي جفنةٍ فعشاهم ثمَّ غداهم فَأَرَادَ عبيد الله الرحيل: فَقَالَ لغلامه: ارْمِ للشَّيْخ مَا مَعَك من نَفَقَة.
فَقَالَ: ذبح لَك الشَّاة فكافأته بِمثل عشرَة أَمْثَالهَا وَهُوَ لَا يعرفك فَقَالَ: وَيحك إِن هَذَا لم يكن يملك من الدُّنْيَا غير هَذِه الشَّاة فجاد لنا بهَا وَإِن كَانَ لَا يعرفنا فَأَنا أعرف نَفسِي ارْمِ بهَا إِلَيْهِ. فَرَمَاهَا إِلَيْهِ فَكَانَت خَمْسمِائَة دِينَار.
فارتحل عبيد الله فَأتى مُعَاوِيَة فَقضى حَاجته ثمَّ أقبل رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا قرب من ذَلِك الشَّيْخ قَالَ لغلامه: مل بِنَا إِلَيْهِ ننظره فِي أَي حَالَة هُوَ فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ فَإِذا برجلٍ سري عِنْده دخانٌ عالٍ ورماد كثير وإبل وغنم ففرح بذلك وَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: انْزِلْ بالرحب وَالسعَة. وَقَالَ: أتعرفني فَقَالَ: لَا وَالله فَمن أَنْت فَقَالَ: أَنا نزيلك لَيْلَة كَذَا وَكَذَا.
فَقَامَ إِلَيْهِ فَقبل رَأسه وَيَديه وَرجلَيْهِ وَقَالَ: قد قلت أبياتاً أتسمعها مني
فَقَالَ: هَات. فَأَنْشد هَذِه الأبيات فَضَحِك عبيد الله وَقَالَ: أَعطيتنَا أَكثر مِمَّا أخذت منا يَا غُلَام أعْطه مثلهَا فبلغت فعلته مُعَاوِيَة فَقَالَ: لله در عبيد الله من أَي بيضةٍ خرج وَفِي أَي عش درج وَهِي لعمري من فعلاته وَقَوله: توسمته بِمَعْنى تفرسته من التوسم يُقَال: توسمت فِيهِ الْخَيْر أَي: طلبت سمته.
وَقَوله: وَإِلَّا فَمن آل المرار أَي: إِن لم يكن من آل هَاشم فَهُوَ من آل المرار على حذف مُضَاف أَي: آل آكل المرار وهم مُلُوك الْيمن.
قَالَ صَاحب الْقَامُوس: والمرار بِالضَّمِّ: شجرٌ من أفضل العشب وأضخمه إِذا أَكلته الْإِبِل قلصت مشافرها فبدت أسنانها وَلذَلِك قيل لجد امرىء الْقَيْس: آكل المرار لكشرٍ كَانَ بِهِ.
وَقَالَ الشريف الجواني: إِن فِي آكل المرار خلافًا هَل هُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن حجر بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع أم هُوَ حجر بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة)
وَإِن الْحَارِث إِنَّمَا سمي آكل المرار لِأَن عَمْرو بن الهبولة الغساني أغار عَلَيْهِم وَكَانَ الْحَارِث غَائِبا فغنم وسبى وَكَانَ فِيمَن سبى أم أناسٍ بنت عَوْف بن محلم الشَّيْبَانِيّ امْرَأَة الْحَارِث فَقَالَت لعَمْرو بن الهبولة فِي مسيره: لكَأَنِّي برجلٍ أدلم أسود كَأَن مشافره مشافر بعيرٍ آكل المرار قد أَخذ برقبتك تَعْنِي الْحَارِث. فَسُمي آكل المرار.
والمرار كغراب: شجر مرٌّ إِذا أكلت مِنْهَا الْإِبِل تقلصت مشافرها. ثمَّ تبعه الْحَارِث فِي بكر بن وَائِل فَلحقه فَقتله واستنفذ امْرَأَته وَمَا كَانَ أصَاب.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب الِاشْتِقَاق: إِن آكل المرار الْحَارِث جد امرىء الْقَيْس الشَّاعِر ابْن وَقَوله: ملوكٌ عظامٌ إِلَخ بتنوين مُلُوك وَعِظَام: وَصفه وَكَذَلِكَ مَا بعده.
وَقَوله: فعوضني إِلَخ فَاعله ضمير الْمَرْء من آل هَاشم المُرَاد بِهِ عبيد الله ابْن عَبَّاس.
وغناي الْمَفْعُول الثَّانِي لعوض. والغنى: ضد الْفقر وَضمير عَنْهَا للعنز.
وَقَوله: تَسَاوِي بِضَم الْيَاء للضَّرُورَة أوردهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: أجْرى حرف الْعلَّة مجْرى الْحَرْف الصَّحِيح فأظهر الضمة عَلَيْهِ.
وَكَذَا أوردهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية.
وَقَوله: فَقلت لأهلي إِلَخ الْخَلَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الفضاء. وصبية: جمع صبي أَي: قلت لزوجتي وأولادي.
وَقَوله: أحقاً أرى إِلَخ يَقُول: من شدَّة سروري بِالدَّنَانِيرِ دهشت فَقلت لَهُم مستفهماً: أما أرَاهُ حَقًا أم تِلْكَ الدَّنَانِير أضغاث أَحْلَام.
وَقَوله: تخب بهَا أَي: بذكرها أَي: بِذكر الدَّنَانِير. وتخب تسرع من الخبب وَهُوَ ضربٌ من الْعَدو وَفعله من بَاب نصر وركبان جمع رَاكب. والمواسم: جمع موسم الْحَج.
وَقَوله: بِخمْس مئين إِلَخ هُوَ بدلٌ من قَوْلهَا بهَا. ومئين بِالْكَسْرِ والتنوين لُغَة أَو ضَرُورَة جمع مائَة. وعوضت: جعلت عوضا من العنز.
وَقَوله: مَا جَادَتْ إِلَخ. مَا: نَافِيَة أَي: لم تَجِد كف حَاتِم بِهَذَا الْجُود. وَيحْتَمل أَن تكون مَا مَوْصُولَة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ مَا جَادَتْ بِهِ كف حَاتِم.
المُرَاد بِهِ عبيد الله بن الْعَبَّاس بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ أَخُو عبد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنهم حبر هَذِه الْأمة.)
وَالْأول مشهورٌ بالجود معدودٌ من الأجواد وَالثَّانِي مَشْهُور بِالْعلمِ وَإِن كَانَا فِي الْعلم والجود مشتركين.
وَقد أورد ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد بعض مَا يتَعَلَّق بجود عبيد الله.
مِنْهَا: أَنه أول من فطر جِيرَانه فِي رَمَضَان وَأول من وضع الموائد على الطّرق وَأول من حَيا على طَعَامه وَأول من أنهبه.
وَمن جوده: أَنه أَتَاهُ وَهُوَ بِفنَاء دَاره فَقَامَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس إِن لي عنْدك يدا وَقد احتجت إِلَيْهَا. فَصَعدَ فِيهِ بَصَره وَصَوَّبَهُ فَلم يعرفهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا يدك عندنَا قَالَ: رَأَيْتُك وَاقِفًا بِبَاب زَمْزَم وغلامك يمتح لَك من مَائِهَا وَالشَّمْس قد صهرتك فظلتك بِطرف كسائي حَتَّى شربت. قَالَ: إِنِّي لأذكر ذَلِك وَإنَّهُ يتَرَدَّد بَين خاطري وفكري.
ثمَّ قَالَ لقيمه: مَا عنْدك قَالَ: مِائَتَا دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم. قَالَ: ادفعها إِلَيْهِ وَمَا أَرَاهَا قَالَ لَهُ الرجل: وَالله لَو لم يكن لإسماعيل ولدٌ غَيْرك لَكَانَ فِيهِ مَا كَفاهُ فَكيف
وَقد ولد سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم َ ثمَّ شفع بأبيك وَبِك.
وَمن جوده أَيْضا: أَن مُعَاوِيَة حبس عَن الْحُسَيْن بن عَليّ صلَاته حَتَّى ضَاقَتْ حَاله عَلَيْهِ فَقيل: لَو وجهت إِلَى ابْن عمك عبيد الله فَإِنَّهُ قدم بِنَحْوِ ألف ألف دِرْهَم.
فَقَالَ الْحُسَيْن: وَأَيْنَ تقع ألف ألفٍ من عبيد الله فوَاللَّه لَهو أَجود من الرّيح إِذا عصفت وأسخى من الْبَحْر إِذا زخر.
ثمَّ وَجه إِلَيْهِ مَعَ رَسُوله بكتابٍ ذكر فِيهِ حبس مُعَاوِيَة عِنْد صلَاته وضيق حَاله وَأَنه يحْتَاج إِلَى مائَة ألف دِرْهَم.
فَلَمَّا قَرَأَ عبيد الله كِتَابه وَكَانَ من أرق النَّاس قلباً انهملت عَيناهُ ثمَّ قَالَ: وَيلك يَا مُعَاوِيَة مَا اجترحت يداك من الْإِثْم حِين أَصبَحت لين المهاد رفيع الْعِمَاد وَالْحُسَيْن يشكو ضيق الْحَال وَكَثْرَة الْعِيَال
ثمَّ قَالَ لقهرمانه: احْمِلْ إِلَى الْحُسَيْن نصف مَا أملكهُ من فضَّة وَذهب وثوبٍ ودابة وَأخْبرهُ أَنِّي شاطرته مَالِي فَإِن أقنعه ذَلِك وَإِلَّا فَارْجِع واحمل إِلَيْهِ الشّطْر الآخر.
فَقَالَ لَهُ الْقيم: فَهَذِهِ الْمُؤَن الَّتِي عَلَيْك من أَيْن تقوم بهَا قَالَ: إِذا بلغنَا ذَلِك دللتك على أمرٍ يُقيم فَلَمَّا أَتَى الرَّسُول برسالته إِلَى الْحُسَيْن قَالَ: إِنَّا لله حملت وَالله على ابْن عمي وَمَا حسبته يَتَّسِع)
لنا بِهَذَا كُله. فَأخذ الشّطْر من مَاله. وَهُوَ أول من فعل ذَلِك فِي الْإِسْلَام.
وَمن جوده: أَن مُعَاوِيَة أهْدى إِلَيْهِ وَهُوَ عِنْده بِالشَّام من هَدَايَا النيروز حللاً كَثِيرَة ومسكاً وآنيةً من ذهبٍ وَفِضة ووجهها مَعَ حَاجِبه فَلَمَّا وَضعهَا بَين يَدَيْهِ نظر إِلَى الْحَاجِب وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا فَقَالَ: هَل فِي
نَفسك مِنْهَا شيءٌ فَقَالَ: نعم وَالله إِن فِي نَفسِي مِنْهَا مَا كَانَ فِي نفس يَعْقُوب من يُوسُف عليهما السلام فَضَحِك عبيد الله وَقَالَ: فشأنك بهَا فَهِيَ لَك. قَالَ: جعلت فدَاك أَخَاف أَن يبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فيجد عَليّ. قَالَ: فاختمها بخاتمك وارفعها إِلَى الخازن فَإِذا حَان خروجنا حملهَا إِلَيْك لَيْلًا.
فَقَالَ الْحَاجِب: وَالله لهَذِهِ الْحِيلَة فِي الْكَرم أَكثر من الْكَرم ولوددت أَنِّي لَا أَمُوت حَتَّى أَرَاك مَكَانَهُ يَعْنِي مُعَاوِيَة فَظن عبيد الله أَنَّهَا مكيدة مِنْهُ. قَالَ: دع عَنْك هَذَا الْكَلَام فَإنَّا قومٌ نفي بِمَا وعدنا وَلَا ننقض مَا أكدنا.
وَمن جوده أَيْضا: أَنه أَتَاهُ سائلٌ وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: تصدق فَإِنِّي نبئت أَن عبيد الله بن الْعَبَّاس أعْطى سَائِلًا ألف دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ أَنا من عبيد الله قَالَ: أَيْن أَنْت مِنْهُ فِي الْحسب أم كَثْرَة المَال قَالَ: فيهمَا. قَالَ: أما الْحسب فِي الرجل فمروءته وَفعله وَإِذا شِئْت فعلت وَإِذا فعلت كنت حسيباً.
فَأعْطَاهُ ألفي دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ من ضيق الْحَال فَقَالَ لَهُ السَّائِل: إِن لم تكن عبيد الله بن عَبَّاس فَأَنت خيرٌ مِنْهُ وَإِن كنته فَأَنت الْيَوْم خيرٌ مِنْك أمس فَأعْطَاهُ ألفا أُخْرَى فَقَالَ السَّائِل: هَذِه هزة كريم حسيبٍ وَالله لقد نقرت حَبَّة قلبِي فأفرغتها فِي
قَلْبك فَمَا أَخْطَأت إِلَّا باعتراض الشد من جوانحي.
وَمن جوده أَيْضا: أَنه جَاءَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا ابْن عَم رَسُول الله ولد لي فِي هَذِه اللَّيْلَة مولودٌ وَإِنِّي سميته بِاسْمِك تبركاً مني بِهِ وَإِن أمه مَاتَت. فَقَالَ عبيد الله: بَارك الله لَك فِي الْهِبَة وأجزل لَك