الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية وَحيا خبر كنت أَي: مُدَّة كوني حَيا.
(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة)
الطَّوِيل وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع على أَن أَصله: أَن يجزع فحذفت أَن وارتفع الْفِعْل وَهُوَ نَائِب فَاعل حق.
قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَقد حملهمْ كَثْرَة حذف أَن مَعَ غير الْفَاعِل على أَن استجازوا ذَلِك مَعَ اسْم مَا لم يسم فَاعله وَإِن كَانَ جَارِيا مجْرى الْفَاعِل وَقَائِمًا مقَامه وَذَلِكَ قَول جميل:
(جزعت حذار الْبَين يَوْم تحملوا
…
وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع)
أَرَادَ: أَن يجزع. على أَن هَذَا قَلِيل. وَالْمَفْعُول قد يكون غير اسْم صَرِيح نَحْو: ظَنَنْت زيدا يقوم وَالْفَاعِل لَا يكون إِلَّا اسْما صَرِيحًا مَحْضا وهم على إمحاضه اسْما أَشد مُحَافظَة من جَمِيع الْأَسْمَاء.
أَلا ترى أَن الْمُبْتَدَأ قد يَقع غير اسْم مَحْض وَهُوَ قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أَن ترَاهُ فَتسمع كَمَا ترى فعل وَتَقْدِيره أَن تسمع فحذفهم أَن ورفعهم تسمع يدل على أَن الْمُبْتَدَأ قد يُمكن أَن يكون عِنْدهم غير اسمٍ صَرِيح. فَإِذا جَازَ هَذَا فِي الْمُبْتَدَأ على قُوَّة شبهه بالفاعل فَهُوَ فِي الْمَفْعُول
أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
عِنْد كثير من النَّاس لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن أحضر. وَأَجَازَ س فِي قَوْلهم: مره يحفرها أَن يكون الرّفْع على قَوْله: مره أَن يحفرها فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل بعْدهَا. انْتهى كَلَامه.
وَقَالَ فِي الخصائص عِنْدَمَا أنْشد هَذَا الْبَيْت: أَي وَحقّ لمثلي أَن يجزع. وَأَجَازَ هِشَام: يسرني تقوم. وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك جَائِزا عِنْده فِي الشّعْر لَا فِي النثر. انْتهى.
وَقد عد ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر جَمِيع هَذَا من الضَّرُورَة. قَالَ: وَمِنْه وضع الْفِعْل مَوضِع الْمصدر على تَقْدِير حذف أَن وَإِرَادَة مَعْنَاهَا من غير إبْقَاء عَملهَا نَحْو قَوْله: الطَّوِيل
(وَمَا راعني إِلَّا يسير بشرطةٍ
…
وعهدي بِهِ قينا يفش بكير)
يُرِيد: وَمَا راعني إِلَّا أَن يسير بشرطة. فَحذف أَن وأبطل عَملهَا وَهُوَ يُرِيد مَعْنَاهَا. وَالدَّلِيل على أَن الْفِعْل الْمُضَارع يحكم لَهُ بِحكم مَا هُوَ منصوبٌ بِأَن وَإِن كَانَ مَرْفُوعا قَوْله:
(أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
…
وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي)
فِي رِوَايَة من رفع أحضر. أَلا ترى أَنه عطف أَن أشهد على أحضر فَدلَّ ذَلِك على أَن المُرَاد)
أَن أحضر. وَمثله قَول أَسمَاء بن خَارِجَة: الْكَامِل
(أوليس من عجبٍ أسائلكم
…
مَا خطب عاذلتي وَمَا خطبي)
وَقَوله عَليّ بن الطُّفَيْل السَّعْدِيّ: الوافر
(وأهلكني لكم فِي كل يومٍ
…
تعوجكم عَليّ وأستقيم)
يُرِيد: وَأَن أستقيم أَي: واستقامتي لكم.
وَقَوله:
(جزعت حذار الْبَين يَوْم تحملوا
…
وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع)
يُرِيد: أَن يجزع.
وَقَوله: المتقارب
(نفاك الْأَغَر بن عبد الْعَزِيز
…
وحقك تنفى عَن الْمَسْجِد)
يُرِيد: وحقك أَن تنفى عَن الْمَسْجِد. وَقَول الآخر أنْشدهُ يَعْقُوب: الرجز لَوْلَا يرائي النَّاس لم يصل يُرِيد: لَوْلَا أَن يرائي النَّاس.
وَقد يَجِيء مثل هَذَا الْكَلَام نَحْو قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أَن ترَاهُ إِلَّا أَن ذَلِك يقل فِي الْكَلَام وَيكثر فِي الشّعْر. انْتهى.
وجزع الرجل جزعاً من بَاب تَعب فَهُوَ جزعٌ وجزوعٌ مُبَالغَة إِذا ضعفت منته عَن حمل مَا نزل بِهِ وَلم يجد صبرا. وأجزعه غَيره والغداة: الضحوة.
والبين: الْفِرَاق مصدر بَان يبين إِذا فَارق وانفصل. وَلما: ظرفٌ بِمَعْنى حِين بدلٌ من غَدَاة وَالْوَاو فِي ترحلوا ضمير أهل
بثينة.
وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول ترحلت بالتأنيث لِأَن جزعه إِنَّمَا كَانَ لرحيلها لَكِن لما كَانَ رحيل أَهلهَا مُوجبا لرحيلها جمع.
وَقَوله: وَحقّ لمثلي إِلَخ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. فِي الصِّحَاح: قَالَ الْكسَائي: يُقَال: حق لَك أَن تفعل كَذَا وَهُوَ حقيق بِهِ ومحقوق أَي: خليق بِهِ. وَقَالَ الْفراء: حق لَك أَن تفعل كَذَا وَحقّ عَلَيْك أَن تفعل كَذَا.
فَإِذا قلت: حق بِالضَّمِّ قلت: لَك. وَإِذا قلت: حق بِالْفَتْح قلت: عَلَيْك. وَهَذَا من بَاب قَوْلهم: مثلك لَا يبخل وَهُوَ أَنه اسْتَعْملهُ كِنَايَة من غير تَعْرِيض مِمَّا لَا يُرَاد بِلَفْظ مثل غير مَا)
أضيف إِلَيْهِ لَكِن أُرِيد أَن من كَانَ على هَذِه الصّفة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا كَانَ مُقْتَضى الْعرف أَن يفعل مَا ذكر.
فعلى هَذَا لَيْسَ المُرَاد فِي الْبَيْت أَن مثله حقيقٌ بالجزع بل المُرَاد بِالْمثلِ نَفسه. لَكِن كل من كَانَ على هَذِه الصّفة من فِرَاق الْأَحِبَّة يَنْبَغِي أَن يكون حَاله مثل حَاله فِي الْجزع.
وَجُمْلَة: حق لمثلي إِلَخ إِمَّا حَال من التَّاء فِي جزعت بإضمار قد وَإِمَّا معطوفة على جزعت.
وَمَا كَانَ مثلي يَا بثينة يجزع فعلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ.
وبثينة: محبوبة جميل قَائِل الشّعْر. وَقد نسب بعض الشُّعَرَاء بنساء مَخْصُوصَة واشتهر كل واحدٍ مِنْهُم بِمن تغزل بهَا مِنْهُم جميل اشْتهر ببثينة وَمِنْهُم كثير اشْتهر بعزة وَمِنْهُم عُرْوَة بن حزَام اشْتهر
بعفراء وَمِنْهُم مَجْنُون بني عَامر اشْتهر
بليلى وَمِنْهُم قيس بن ذريح اشْتهر بلبنى وَمِنْهُم المرقش اشْتهر بفاطمة وَمِنْهُم ذُو الرمة اشْتهر بمية وَهِي الخرقاء كَمَا تقدم وَمِنْهُم الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف نسب بفوز. وَبَعض الشُّعَرَاء لَا يلْتَزم التغزل بامرأةٍ مَخْصُوصَة كامرىء الْقَيْس.
وبثينة: مصغر بثنة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: البثنة بالتكسين: الأَرْض اللينة وبتصغيرها سميت بثنة.
وَالْبَيْت من قصيدةٍ طَوِيلَة لجميل بن معمرٍ العذري.
روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ قَالَ: اجْتمع جميل مَعَ جماعةٍ من رهطه يتحدثون فَقَالَ بَعضهم: بِاللَّه حَدثنَا أعجب يَوْم لَك مَعَ بثينة. قَالَ: نعم منعت من لقائي مُدَّة وتعرضت لَهَا جهدي فَلم أصل إِلَيْهَا. فَبينا أَنا ذَات ليلةٍ جَالس بَين شجرات بِالْقربِ من حيها وَقد أَقمت فِيهَا ثَلَاثًا أنتظرها إِذا شخصٌ قد أقبل إِلَيّ فَجَلَست وانتضيت سَيفي فَلم ألبث أَن غشيني الشَّخْص فَإِذا هِيَ بثينة قد أكبت عَليّ فأدهشني ذَلِك وَبقيت متحيراً لَا أحير جَوَابا وَلَا أرَاجعهَا.
حَتَّى برق الصُّبْح وَمَا اسْتَطَعْت أَن أكلمها. قَالُوا: فَهَل قلت فِي ذَلِك شَيْئا فأنشدهم قصيدةً طَوِيلَة.
وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا:
(أهاجك أم لَا بالتناضب مربع
…
ورسمٌ بأجراع الغديرين بلقع)
(ديارٌ لليلى إِذْ نحل بهَا مَعًا
…
وَإِذ نَحن مِنْهَا فِي الْمَوَدَّة نطمع))
(فيا رب حببني إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي ال
…
مَوَدَّة مِنْهَا أَنْت تُعْطِي وتمنع)
(وَإِلَّا فصيرني وَإِن كنت كَارِهًا
…
فَإِنِّي بهَا يَا ذَا المعارج مولع)
(فَإِن يَك قد شطت نَوَاهَا وَقد نأت
…
فَإِن النَّوَى مِمَّا تشت وَتجمع)
(جزعت غَدَاة الْبَين لما تحملوا
…
وَمَا كَانَ مثلي يَا بثينة يجزع)
(تمتعت مِنْهَا يَوْم بانوا بنظرةٍ
…
وَهل عاشقٌ من نظرةٍ يتمتع)
وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة جميل العذري فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. تَتِمَّة قد وَقع فِي مُغنِي اللبيب وَفِي بعض شُرُوح الألفية الاستشهاد بقوله: الطَّوِيل وَلم يقف على قَائِله وَلَا على تتمته السُّيُوطِيّ وَلَا الْعَيْنِيّ وَهُوَ مذكورٌ فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَنْشدني الدبيري لرجلٍ من بني أسدٍ يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة بن خَلِيل النصري فِي إِبْرَاهِيم ذِي الشقر. وَكَانَ إِبْرَاهِيم أطرده عَن بِلَاده فَأَقَامَ فِي رمل
بني حسل فَقَالَ يهجو إِبْرَاهِيم
يلقب فروخاً وَرُبمَا قَالُوا فروجاً. وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن حوران: الطَّوِيل
(يعرض فروخ بن حوران بنته
…
كَمَا عرضت للمشترين جزور)
(فَأَما قريشٌ فَهِيَ تعرض رَغْبَة
…
وَأما الموَالِي حولهَا فتدور)
(وَمَا رَاعنا إِلَّا يسير بشرطةٍ
…
وعهدي بِهِ قينا يفش بكير)
(لحا الله فروخاً وَخرب دَاره
…
وأخزى بني حوران خزي حمير)
وَأنْشد بعده: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى هُوَ صدرٌ وعجزه: وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَن مخلدي على أَنه رُوِيَ: أحضر بِالرَّفْع وَأَصله أَن أحضر فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل. وَرُوِيَ أَيْضا بِالنّصب بإبقاء عَملهَا بعد الْحَذف.
وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت متسوفًى فِيمَا بعد الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخمسين بعد الستمائة وَفِي الشَّاهِد الْعَاشِر من أَوَائِل الْكتاب.
نِهَايَة الْجُزْء الثَّامِن من تَقْسِيم محققه)