الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أفعل التَّفْضِيل)
أنْشد فِيهِ
(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الستمائة)
الرجز أَبيض من أُخْت بني أباض على أَن الْكُوفِيّين أَجَازُوا بِنَاء أفعل التَّفْضِيل من لَفْظِي السوَاد وَالْبَيَاض كَمَا هُنَا وَهُوَ شاذٌ عِنْد الْبَصرِيين.
قَالَ شَارِح اللّبَاب: أجَاز الْكُوفِيُّونَ التَّعَجُّب من السوَاد وَالْبَيَاض لِأَنَّهُمَا أصُول الألوان.
وأنشدوا: الْبَسِيط
(إِذا الرِّجَال شتوا وَاشْتَدَّ أكلهم
…
فَأَنت أبيضهم سربال طباخ)
وأنشدوا أَيْضا:
(جاريةٌ فِي درعها الفضفاض
…
أَبيض من أُخْت بني أباض)
وَجَاء فِي شعر المتنبي: الْبَسِيط
وَقَالُوا: لما جَاءَ مِنْهُمَا أفعل التَّفْضِيل جَاءَ بِنَاء التَّعَجُّب. والاستشهادات ضَعِيفَة لِأَنَّهَا من ضَرُورَة الشّعْر لَا فِي سَعَة الْكَلَام فَيكون نَادرا.
وَقَوْلهمْ: إنَّهُمَا أصلان للألوان مَمْنُوع وَبعد تَسْلِيمه فدليل الْمَنْع قائمٌ فيهمَا وَإِن كَانَا من أصُول الألوان.
وَقَالَ أَيْضا فِي آخر الْكتاب: هَذِه الأبيات بِحجَّة للشذوذ مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون أَبيض فِي الْبَيْتَيْنِ أفعل الَّذِي مؤنثه فعلاء فَلَا يكن للتفضيل فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت مبيضهم. وانتصب سربال على التَّمْيِيز.
وَكَذَا الْبَيْت الآخر لَا يكون بالتفضيل أَيْضا بل مَعْنَاهُ مبيضة هِيَ من أُخْت بني أباض. انْتهى.
وَهَذَا مُحَصل كَلَام ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَقَالَ: الأبيات ضَرُورَة أَو أَبيض فيهمَا أفعل الَّذِي مؤنثه فعلاء لَا الَّذِي يُرَاد بِهِ المفاضلة فَكَأَنَّهُ قيل فِي الأول: مبيضهم.
وَفِي الثَّانِي: جسدٌ مبيض من أُخْت بني أباض وَيكون من أُخْت فِي مَوضِع الصّفة.
وَقَالَ ابْن يعِيش فِي بَاب التَّعَجُّب: فَإِن قيل: لَو كَانَ الْأَمر كَمَا قُلْتُمْ لقيل: بَيْضَاء لِأَنَّهُ من صفة)
الْجَارِيَة.
قيل: إِنَّمَا قَالَ أَبيض لِأَنَّهُ أَرَادَ فِي درعها الفضفاض جسدٌ أَبيض فارتفاعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْجَار وَكَذَا صَنِيع الشريف المرتضى فِي أَمَالِيهِ الْغرَر والدرر وَزَاد فِي الْبَيْت الأول أَن أَبيض وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر عبارَة عَن اللَّوْن فَهُوَ فِي الْمَعْنى كِنَايَة عَن اللؤم وَالْبخل فَحمل لفظ التَّعَجُّب على الْمَعْنى دون
اللَّفْظ.
وَلَو أَنه أَرَادَ بأبيضهم بَيَاض الثَّوْب ونقاءه على الْحَقِيقَة لما جَازَ أَن يتعجب بِلَفْظ أفعل. فَالَّذِي جوز تعجبه بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَا ذَكرْنَاهُ.
هَذَا كَلَامه.
وَلَا يخفى أَن الْبيَاض لم يسْتَعْمل قطّ فِي اللؤم وَالْبخل وَإِنَّمَا اسْتَعْملهُ فِي الْمَدْح وَإِنَّمَا كَانَ هُنَا ذماً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطباخ. والكلمة فِي الْبَيْت أفعل تَفْضِيل لَا تعجب. وَهَذَا ظَاهر.
وَلما كَانَ الظَّاهِر باقتضاء الْمَعْنى أَن أفعل فِي الأبيات الثَّلَاثَة للتفضيل لم يتعسف الشَّارِح الْمُحَقق فِي تَأْوِيلهَا بإخراجها عَن التَّفْضِيل بل أجَاب بِأَنَّهَا من قبيل الشذوذ وضرورة الشّعْر. فَللَّه دره مَا أبعده مرماه وَمَا أحكم مغزاه وَأغْرب مَا رَأَيْته قَول بَعضهم: شبه كَثْرَة أَوْلَادهَا لغير رشدةٍ بالبيض. وأبيض بِمَعْنى كثير الْبيض جَائِز. هَذَا كَلَامه وَلَا وَجه لَهُ.
وَقَالَ ابْن يعِيش فِي بَاب أفعل التَّفْضِيل: من اعتل بِأَن الْمَانِع من التَّعَجُّب من الألوان أَنَّهَا معَان وَمن علل بِأَن الْمَانِع من التَّعَجُّب كَون أفعالها زَائِدَة فهما شَاذان عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه من جِهَة الْقيَاس والاستعمال.
أما الْقيَاس فَإِن أفعالها لَيست ثلاثية على فعل وَلَا على أفعل إِنَّمَا هُوَ افْعَل وافعال. وَأما الِاسْتِعْمَال فَأمره ظَاهر.
وَأما عِنْد أبي الْحسن الْأَخْفَش والمبرد فَإِنَّهُمَا وَنَحْوهمَا شَاذان من جِهَة الِاسْتِعْمَال صَحِيحَانِ من جِهَة الْقيَاس لِأَن أفعالهما بِزِيَادَة فَجَاز تَقْدِير حذف الزَّوَائِد. انْتهى.
قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: الْبَيْت الشَّاهِد من رجز لرؤبة بن العجاج.
وَقَبله:
الرجز
(لقد أَتَى فِي رَمَضَان الْمَاضِي
…
جاريةٌ فِي درعها الفضفاض))
(تقطع الحَدِيث بالإيماض
…
أَبيض من أُخْت بني أباض)
قَالَ: كَذَا أنْشدهُ ابْن جني. انْتهى.
وَلم أره فِي ديوانه. وَرَأَيْت فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَلم ينْسبهُ إِلَى أحد: الرجز
(يَا لَيْتَني مثلك فِي الْبيَاض
…
أَبيض من أُخْت بني أباض)
(جاريةٌ فِي رَمَضَان الْمَاضِي
…
تقطع الحَدِيث بالإيماض)
وَزَاد غير ابْن الْأَعرَابِي على هَذَا:
(مثل الغزال زين بالخضاض
…
قبَاء ذَات كفلٍ رَضْرَاض)
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي بعد الإنشاد: إِذا أَوْمَضْت تركُوا حَدِيثهمْ ونظروا إِلَيْهَا من حسنها. وَقَوله: فِي رَمَضَان الْمَاضِي كَانَ الرّبيع جمعهم فِي ذَلِك الْوَقْت.
وَأوردهُ الْفراء فِي كتاب الْأَيَّام والليالي شَاهدا على أَنه يُقَال: رَمَضَان بِدُونِ شهر كَمَا يُقَال مَعَه.
وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد المطرزي الشهير بِغُلَام ثَعْلَب فِي كتاب الْيَوْم وَاللَّيْلَة بعد إنشاد الأبيات عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن الْفراء قَالَا: يُقَال هَذَا شهر رَمَضَان وَهَذَا رَمَضَان بِلَا شهر.
وَأنْشد فِيمَن قَالَ بِلَا شهر:
جاريةٌ فِي رَمَضَان الْمَاضِي وَأخْبرنَا ثَعْلَب بن سَلمَة عَن الْفراء عَن الْكسَائي قَالَ: كَانَ
الرُّؤَاسِي يكره أَن يجمع رَمَضَان وَيَقُول: بَلغنِي أَنه اسمٌ من أَسمَاء الله تَعَالَى. انْتهى.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَالْعرب تركُوا الشُّهُور كلهَا مُجَرّدَة إِلَّا شهر ربيع وَشهر رَمَضَان.
وَيرد عَلَيْهِ أَن رؤبة أَتَى برمضان هُنَا مُجَردا من الشَّهْر وَهُوَ من فصحاء الْعَرَب.
وَجَاء فِي الحَدِيث الصَّحِيح: من صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه.
والدرع: الْقَمِيص. والفضفاض: الْوَاسِع. وَأُخْت بني أباض بِفَتْح الْهمزَة بعْدهَا مُوَحدَة قَالَ اللَّخْمِيّ: مَعْرُوفَة بالبياض.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَبَنُو أباض: قوم. والخضاض بِكَسْر الْمُعْجَمَة: الْيَسِير من الْحلِيّ وَقيل هُوَ نوعٌ مِنْهُ.
قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل
(وَلَو أشرفت من كفة السّتْر عاطلاً
…
لَقلت: غزالٌ مَا عَلَيْهِ خضاض))
والقباء: الضامرة الْبَطن فعلاء من القبب وَهُوَ دقة الخصر. والرضراض بِالْفَتْح: الْكثير اللَّحْم.
وَقَوله: تقطع الحَدِيث إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي مَعَ قَوْله: جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي
وَقَالَ إِن تقطع حكايةٌ للْحَال الْمَاضِيَة. وَقَالَ الْفراء: إِنَّهَا إِذا تبسمت وَكَانَ النَّاس على حديثٍ قطعُوا حَدِيثهمْ ونظروا إِلَى حسن ثغرها.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد: الإيماض: مَا يَبْدُو من بَيَاض أسنانها عِنْد الضحك والابتسام. وَشبهه بوميض الْبَرْق.
(وَتَبَسم لمح الْبَرْق عَن متوضحٍ
…
كلون الأقاحي شاف ألوانه الْقطر)
وَقَالَ آخر: الطَّوِيل
(كَأَن وميض الْبَرْق بيني وَبَينهَا
…
إِذا حَان من بعض الْبيُوت ابتسامها)
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: معنى الإيماض أَنهم إِذا تحدثُوا فأومضت إِلَيْهِم أَي: نظرت شغلهمْ حسن عينيها فقطعو حَدِيثهمْ وَقيل: الإيماض هُنَا التبسم.
شبه ابتسامها بوميض الْبَرْق فِي لمعانه فَيكون مَعْنَاهُ كمعنى القَوْل الأول.
وَيحْتَمل أَن تكون هِيَ المحدثة وَأَنَّهَا تقطع حَدِيثهَا بالتبسم. يصفها بطلاقة الْوَجْه وسماحة الْخلق.
كَمَا قَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل
(يقطع مَوْضُوع الحَدِيث ابتسامها
…
تقطع مَاء النُّون فِي نزف الْخمر)
وَاقْتصر الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة فِي تَفْسِير الإيماض على
قَول اللَّخْمِيّ أَولا
وَلَكِن قَوْله: يجوز رفع جَارِيَة على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: محبوبتي جَارِيَة وَيجوز جرها بِرَبّ محذوفة. انْتهى غير جيد.
قَالَ اللَّخْمِيّ: جَارِيَة فَاعل يَأْتِي الْوَاقِع فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا والفضفاض نعتٌ للدرع وَالْعجب من غُلَام ثَعْلَب حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا نقل تَفْسِير الْفراء للإيماض: هَذَا خطأ لِأَن الإيماض لَا يكون فِي الْفَم إِنَّمَا يكون فِي الْعَينَيْنِ وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يتحدثون فَنَظَرت إِلَيْهِم وَاشْتَغلُوا بِحسن نظرها عَن الحَدِيث وَمَضَت. انْتهى.)
وَيرد عَلَيْهِ مَا تقدم وَقَول الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد قَول الشَّاعِر: الْخَفِيف
(لَا أحب النديم يُومِض بالعي
…
ن إِذا مَا انتشى لعرس النديم)
قَالَ: الإيماض تفتح الْبَرْق ولمحه يُقَال: أَوْمَضْت الْمَرْأَة إِذا ابتسمت. وَإِنَّمَا ذَلِك تشبيهٌ للمع ثناياها بتبسم الْبَرْق. فَأَرَادَ أَنه فتح عينه ثمَّ غمضها بغمزٍ. انْتهى.
وَأما قَوْله: إِذا الرِّجَال شتوا إِلَخ فَهُوَ من أبياتٍ لطرفة بن العَبْد هجا بهَا ملك الْحيرَة عَمْرو بن هِنْد.
ويروى كَذَا:
(أَنْت ابْن هندٍ فَأخْبر من أَبوك إِذن
…
لَا يصلح الْملك إِلَّا كل بذاخ)
…
(إِن قلت نصرٌ فنصرٌ كَانَ شرفني
…
قدماً وأبيضهم سربال طباخ)
(مَا فِي الْمَعَالِي لكم ظلٌّ وَلَا ورقٌ
…
وَفِي المخازي لكم أسناخ أسناخ)
مَعَ أَبْيَات أخر.
وَقَوله: وَاشْتَدَّ أكلهم أَرَادَ بِالْأَكْلِ الْقُوت وَهُوَ مضموم الْهمزَة أَي: غلت أسعارهم.
وَمن روى: أكلهم بِفَتْح الْهمزَة جعل الْأكل بِمَعْنى الْمَأْكُول وَقد يكون مَعْنَاهُ أَنهم إِذا شتوا لَا يَجدونَ الطَّعَام إِلَّا بعد جهد وَشدَّة وجوع فَإِذا وجدوه بالغوا فِي الْأكل.
وَمن روى: أكلهم بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف فَهُوَ جمع آكل هُوَ راجعٌ إِلَى الْمَعْنى الَّذِي قدمت آنِفا. والسربال: الْقَمِيص.
يَقُول: إِذا دخل فصل الشتَاء الَّذِي يمْنَع من التَّصَرُّف وانقطعت الْميرَة وغلت الأسعار وَاشْتَدَّ الْقُوت فسربال طباخك نقي للؤمك. وَلَو كنت كَرِيمًا لاسود لِكَثْرَة طبخه على مَا عهد من سربال الطباخين.
وَهَذَا ضد قَول مِسْكين الدِّرَامِي: الوافر
(كَأَن قدور قومِي كل يومٍ
…
قباب التّرْك ملبسة الْجلَال)
(كَأَن الموقدين لَهَا جمالٌ
…
طلاها الزفت والقطران طالي)
(بِأَيْدِيهِم مغارف من حديدٍ
…
أشبههَا مقيرة الدوالي)
وَأنْشد ابْن السّكيت فِي أَبْيَات الْمعَانِي بَيت طرفَة.
وَمثله قَول الآخر: