الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثلوا بِالْمَدِينَةِ ووقف عَمْرو على بَاب النفق فَلَمَّا جَاءَت الزباء هاربة جللها بِالسَّيْفِ واستباح بلادها.
وَقد تقدم شرح هَذِه الْقِصَّة بأبسط من هَذَا فِي شرح الشَّاهِد الْمَذْكُور.
وترجمة ابْن دُرَيْد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة)
الرجز
(قبحتم يَا آل زيدٍ نَفرا
…
ألأم قومٍ أصغراً وأكبرا)
على أَن أفعل قد يَأْتِي بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل أَو الصّفة المشبهة قِيَاسا عِنْد الْمبرد سَمَاعا عِنْد غَيره. وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الْبَيْت فَإِنَّهُمَا بِمَعْنى صَغِير وكبير.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد شرح قَول الفرزدق:
(إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا
…
بَيْتا دعائمه أعز وأطول)
قبحتم يَا آل زيدٍ نَفرا
…
... . . الْبَيْت قَالَ: يُرِيد صغَارًا وكباراً.
وَفِي التسهيل وَشَرحه لِابْنِ عقيل: واستعماله عَارِيا دون من
مُجَردا عَن معنى التَّفْضِيل مؤولاً باسم الْفَاعِل: هُوَ أعلم بكم أَي: عالمٌ أَو صفة مشبهة: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ أَي: هَين مطرد عِنْد الْمبرد. وَعَلِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ.
وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي الْجَوَاز عَن أبي عُبَيْدَة وَالْمَنْع عَن النَّحْوِيين. وَالأَصَح قصره على السماع.
قيل لقلَّة مَا ورد من ذَلِك. وَفِيه نظر ظَاهر وَلَعَلَّ وَجهه أَن الْوَارِد قابلٌ للتأويل إِلَّا أَن فِي بعض التَّأْوِيل تكلفاً وَمَوْضِع التَّكَلُّف قَلِيل وَمِنْه: بَنَاتِي هن أطهر لكم أَي: طاهرات لَا يصلاها إِلَّا الأشقى أَي: الشقي. وَالْوَجْه أَن ذَلِك مطرد وَلُزُوم الْإِفْرَاد والتذكير فِيمَا ورد كَذَلِك أَكثر من الْمُطَابقَة.
فالإفراد: خيرٌ مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً وَنحن أعلم بِمَا يَسْتَمِعُون والمطابقة: الطَّوِيل
(إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين كُنْتُم
…
كراماً وَأَنْتُم مَا أَقَامَ ألائم)
فألائم جمع ألأم بِمَعْنى لئيم. وَإِذا صَحَّ جمع أفعل العاري الْمُجَرّد عَن معنى التَّفْضِيل إِذا جرى على جمعٍ جَازَ تأنيثه إِذا جرى على مؤنث. وعَلى هَذَا يكون قَول الْحسن بن هانىء: الْبَسِيط صَحِيحا لِأَنَّهُ تَأْنِيث أَصْغَر وأكبر بِمَعْنى صَغِير وكبير لَا بِمَعْنى التَّفْضِيل. انْتهى.
وَقَالَ الشاطبي عِنْد قَول ابْن مَالك:
(وأفعل التَّفْضِيل صله أبدا
…
تَقْديرا أَو لفظا بِمن إِن جردا)
قَوْله: أبدا فِيهِ تنكيت وتنبيه على أَن الْمُجَرّد لَا يَأْتِي بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل
مُجَردا من معنى من)
قِيَاسا أصلا خلافًا للمبرد الْقَائِل بِأَنَّهُ جَائِز قِيَاسا فَيجوز عِنْده أَن تَقول: زيد أفضل غير مقصودٍ بِهِ التَّفْضِيل على شيءٍ بل بِمَعْنى فَاضل.
وَزعم أَن معنى قَوْلهم فِي الْأَذَان وَغَيره: الله أكبر: الله الْكَبِير لِأَن المفاضلة تَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الْمَعْنى الْوَاقِع فِيهِ التَّفْضِيل والمفاضلة فِي الْكِبْرِيَاء هُنَا تَقْتَضِي الْمُشَاركَة إِن قدر فِيهِ من كل شَيْء.
ومشاركة الْمَخْلُوق للخالق فِي ذَلِك أَو فِي غَيره من أَوْصَاف الرب محالٌ بل كل كَبِير بِالْإِضَافَة إِلَى كبريائه لَا نِسْبَة لَهُ بل هُوَ كلا شَيْء.
وَكَذَلِكَ قَول فِي قَوْله: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ تَقْدِيره معنى: وَهُوَ هينٌ عَلَيْهِ لِأَن جَمِيع المقدورات متساويةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدرَة الله فَلَا يَصح فِي مَقْدُور مفاضلة الْهون فِيهِ على مقدورٍ آخر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: هُوَ أعلم بكم إِذْ لَا مُشَاركَة لأحدٍ بَين علمه وَعلم الله تَعَالَى.
(إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا
…
بَيْتا
…
...
…
الْبَيْت)
أَي: عزيزة وطويلة. فَهَذِهِ مَوَاضِع لَا يَصح فِيهَا معنى المفاضلة
فَثَبت أَنَّهَا صِفَات مُجَرّدَة عَن ذَلِك مساويةٌ لسَائِر الصِّفَات. وَمثل ذَلِك كثير.
فقاس الْمبرد على ذَلِك مَا فِي مَعْنَاهُ. فالناظم نكت عَلَيْهِ وارتضى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَمن وَافقه وَأَن أفعل التَّفْضِيل لَا يتجرد من معنى من إِذا كَانَ مُجَردا أصلا. وَمَا جَاءَ مِمَّا ظَاهره خلاف ذَلِك فَهُوَ راجعٌ إِلَى تَقْدِير معنى من أَو إِلَى بابٍ آخر.
فَأَما المفاضلة فِيمَا يرجع إِلَى الله تَعَالَى فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَة المخلوقين فِي التخاطب وعَلى حسب توهمهم العادي.
فَقَوله: الله أكبر معنى ذَلِك أكبر من كل شيءٍ يتَوَهَّم لَهُ كبر أَو على حسب مَا اعتادوه فِي المفاضلة بَين المخلوقين وَإِن كَانَ كبرياء الله تَعَالَى لَا نِسْبَة لَهَا إِلَى كبر الْمَخْلُوق.
وَكَذَلِكَ قَوْله: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ. يُرِيد على مَا جرت بِهِ عادتكم أَن إِعَادَة مَا تقدم اختراعه أسهل من اختراعه ابْتِدَاء.
وَقَوله: هُوَ أعلم بكم أَي: مِنْكُم حَيْثُ تتوهمون أَن لكم علما وَللَّه تَعَالَى علما أَو على حد مَا تَقولُونَ: هَذَا أعلم من هَذَا.
وَهِي طَريقَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا وَبهَا نزل الْقُرْآن. خوطبوا بِمُقْتَضى كَلَامهم وَبِمَا يعتادون فِيمَا)
بَينهم.
وَقد بَين هَذَا سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه حَيْثُ احْتَاجَ إِلَيْهِ.
أَلا ترى أَنه حِين تكلم على لَعَلَّ فِي قَوْله تَعَالَى: لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى صرف
مقتضاها من الطمع إِلَى المخلوقين فَقَالَ: وَالْعلم قد أَتَى من وَرَاء مَا يكون وَلَكِن اذْهَبَا على طمعكما ورجائكما ومبلغكا من الْعلم. قَالَ: وَلَيْسَ لَهما إِلَّا ذَاك مَا لم يعلمَا.
وَهَذَا من سِيبَوَيْهٍ غَايَة التَّحْقِيق. وَكَثِيرًا مَا يذكر أَمْثَال هَذَا فِي كِتَابه.
وَأما بَيت الفرزدق فَغير خَارج عَن تَقْدِير من فقد رُوِيَ عَن رؤبة بن العجاج أَن رجلا قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الجحاف أَخْبرنِي عَن قَول الفرزدق: أطول من كل شَيْء فَقَالَ لَهُ: رويداً إِن الْعَرَب تجتزىء بِهَذَا.
قَالَ: وَقَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر فَقَالَ رؤبة: أما تسمع إِلَى قَوْله: الله أكبر اجتزأ بهَا من أَن يَقُول من كل شَيْء. هَذَا مَا قَالَ وَهُوَ ظاهرٌ فِي صِحَة التَّقْدِير وَأَنه مُرَاد الْعَرَب.
ثمَّ إِن الَّذِي يدل على أَن المُرَاد معنى من أَن أفعل فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث وَمَا ذَاك إِلَّا لمَانع تَقْدِير من كَقَوْلِه تَعَالَى: أَصْحَاب الْجنَّة يومئذٍ خيرٌ مُسْتَقرًّا
وَقَوله: وَالَّذِي جَاءَ من ذَلِك على الْجمع شَاذ نَحْو مَا أنْشدهُ الْفَارِسِي من قَول الشَّاعِر: إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين
…
...
…
الْبَيْت أنْشدهُ الْمُؤلف فِي الشَّرْح على أَنه جمع ألأم مُجَردا عَن تَقْدِير من.
وَحمله الْفَارِسِي على أَنه جمع لئيم كقطيع وأقاطيع وَحَدِيث وَأَحَادِيث وَحذف الزِّيَادَة. انْتهى كَلَام الشاطبي.
وَلم يذكر الْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ الشَّارِح الْمُحَقق.
والتفضيل فِيهِ غير مُرَاد فَإِن أَصْغَر حالٌ من الضَّمِير فِي ألأم وَالْمعْنَى نسبتهم إِلَى أَشد اللؤم فِي حَال صغرهم وَفِي حَال كبرهم والتفضيل لَا وَجه لَهُ إِلَّا بتكلف وَهُوَ أَن يكون التَّقْدِير: أَصْغَر من غَيره وأكبر مِنْهُ. وَهَذَا معنى سخيف. وَيجوز أَن يكون أَصْغَر صفة لألأم للتعميم فَيرجع إِلَى معنى الحالية. وَلَا وَجه لجعله صفة لقوم. فَتَأمل.
وألأم مَنْصُوب على الذَّم وَيجوز أَن يكون صفة لقَوْله: نَفرا وَيجوز أَيْضا رَفعه على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أَنْتُم ألأم قومٍ وَالْقطع للذم أَيْضا. واللؤم بِالْهَمْز: ضد الْكَرم يُقَال: لؤم على وزن كرم فَهُوَ لئيم وَهُوَ الشحيح والدنيء النَّفس والمهين.)
وَقَوله: قبحتم هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَتَشْديد الْبَاء. يُقَال: قبحه الله يقبحه بِفَتْح الباءين المخفقتين.
أَي: نحاه عَن الْخَيْر. وَفِي التَّنْزِيل: هم من المقبوحين أَي: المبعدين عَن الْفَوْز. وقبحه الله وَنَفَرًا: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالتَّقْدِير: قبح نفركم يَا آل زيد. والنفر بِفتْحَتَيْنِ: جمَاعَة الرِّجَال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَقيل إِلَى سَبْعَة. وَلَا يُقَال: نفر فِيمَا زَاد على الْعشْرَة. قَالَه صَاحب الْمِصْبَاح. وَفِي ذكر النَّفر ذمّ أَيْضا.