الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
الطَّوِيل
(أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف
…
لعينيك من مَاء الشؤون وَكَيف)
على أَن رسم دَار مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله: ومربع: فَاعله.
ورسم هُنَا: مصدر رسم الْمَطَر الدَّار أَي: صيرها رسماً بِأَن عفاها. وَلَا يُرَاد بالرسم هُنَا مَا شخص من آثَار الدَّار لِأَن ذَلِك عينٌ لَا معنى وَالَّذِي يعْمل معنى لَا غير. كَذَا فِي شرح الْإِيضَاح لأبي الْبَقَاء العكبري.
وَقَالَ شَارِح أبياته ابْن بري: وَمعنى رسم أثر وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا رسوماً وآثاراً. وَقيل: مَعْنَاهُ غير أَثَرهَا بِشدَّة الِاخْتِلَاف عَلَيْهَا وَمِنْه قيل: رسمت النَّاقة رسيماً إِذا أثرت فِي الأَرْض بِشدَّة وَطئهَا. وَقيل الرَّسْم بِمَعْنى المرسوم فعلى هَذَا يكون اسْما لَا مصدرا فَلَا يجوز أَن يعْمل.
وَالتَّقْدِير: ألعينيك من مَاء الشؤون وكيفٌ من أجل مرسوم دارٍ هُوَ مَوضِع الْحُلُول فِي الرّبيع والصيف. انْتهى كَلَامه.
وَالْبَيْت مطلع قصيدة للحطيئة عدتهَا ثَمَانِيَة عشر بَيْتا مدح بهَا سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي لما كَانَ والياً بِالْكُوفَةِ لعُثْمَان بن عَفَّان.
وَبعده بيتان:)
(تذكرت فِيهَا الْجَهْل حَتَّى تبادرت
…
دموعي وأصحابي عَليّ وقُوف)
وَمِنْهَا:
(إِلَيْك سعيد الْخَيْر جبت مهامهاً
…
يقابلني آلٌ بهَا وتنوف)
وَقَوله: أَمن رسم دَار إِلَخ الْهمزَة للاستفهام التقريري وَمن تعليلية مُتَعَلقَة بوكيف وَهُوَ مصدر قَالَ شَارِح ديوانه: التَّأْوِيل: أَمن أَن رسم دَارا مربعٌ أَي: أثر فِيهَا آثاراً. والرسم: الْأَثر بِلَا شخص. والشؤون: مجاري الدمع من الرَّأْس إِلَى الْعين وَاحِدهَا شَأْن.
وَقَوله: لعينيك: جَار ومجرور مُتَعَلق بِمَحْذُوف خبر مقدم على الْمُبْتَدَأ وَهُوَ وَكَيف يرْوى بالتثنية ويروى بِالْإِفْرَادِ.
ومربع: فَاعل الْمصدر وَهُوَ رسم وَهُوَ على حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير: مطره وَنَحْوه. وَهُوَ وَمَا بعده اسمان لزمن الرّبيع والصيف ويأتيان اسْمِي مَكَان أَيْضا ومصدرين أَيْضا.
وَهَذِه الصِّيغَة يشْتَرك فِيهَا هَذِه الْمعَانِي الثَّلَاثَة وَهِي صِيغَة قياسية يذكرهَا الصرفيون.
وَالْمَذْكُور فِي كتب اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ المربع بِمَعْنى منزل الْقَوْم فِي الرّبيع خَاصَّة.
وَقد اسْتعْمل الحريري فِي المقامة الأولى المربع بِمَعْنى الرّبع وَهُوَ الْمنزل حَيْثُ كَانَ فِي قَوْله: ويسرب من يتبعهُ لَكِن يجهل مربعه. وَلم يصب ابْن الخشاب فِي
تخطئة الحريري فِيمَا كتبه على المقامات فِي قَوْله: مَا أصَاب فِيهِ لِأَن الرّبع منزل الْقَوْم فِي الرّبيع خَاصَّة وَقد
اسْتَعْملهُ بِمَعْنى الأول وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ كالمصيف والمشتى وَتلك مَنَازِلهمْ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة خَاصَّة.
وَقد أَجَاد ابْن بري فِي الرَّد عَلَيْهِ فَقَالَ: يُقَال: ربع بِالْمَكَانِ أَي: أَقَامَ بِهِ الرّبيع وَيُقَال أَيْضا ربع بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ حَيْثُمَا كَانَ. وَاسم الْمَكَان مِنْهُمَا مربعٌ قِيَاسا مطرداً عِنْد النَّحْوِيين كالمصنع وَالشَّاهِد على قَوْلهم: ربع بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ حَيْثُمَا كَانَ قَول الحادرة: الطَّوِيل
(بكرت سميَّة غدْوَة فتمتع
…
وغدت غدو مفارقٍ لم يربع)
فسره الْمفضل فِي المفضليات فَقَالَ: يُقَال ربع بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ. وَلم يشْتَرط ربيعاً وَلَا غَيره.
فعلى هَذَا يَصح أَن يكون المربع لمنزل الْإِنْسَان. من بَيته وداره وَنَحْو ذَلِك وَعَلِيهِ يَصح قَول يزِيد بن الصَّعق: الطَّوِيل يَشن عَلَيْكُم بالقنا كل مربع أَي: كل مَكَان تقيمون فِيهِ. وَأما قَول أهل اللُّغَة إِن المربع اسمٌ للمنزل فِي الرّبيع خَاصَّة فَإِنَّمَا)
يُرِيدُونَ بِهِ الْأَكْثَر وَهُوَ الأَصْل ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَجعل لكل مَكَان أَقَامَ بِهِ الرجل.
أَلا ترى أَنهم لَا يكادون يذكرُونَ المربع فِي اسْم الزَّمَان وَهُوَ أَيْضا قِيَاس مطرد مثل اسْم الْمَكَان.
وَشَاهده قَول الحطيئة:
أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف فالمربع والمصيف على هَذَا: اسمٌ لزمان الرّبيع والصيف وَكَذَلِكَ قَول جرير:
الْكَامِل
(ردوا الْجمال بِذِي طلوحٍ بَعْدَمَا
…
هاج المصيف وَقد تولى المربع)
أَي: ردوا الْجمال من مَوضِع رعيها إِلَى الْحَيّ حِين أَرَادوا التَّحَمُّل وَقد أَتَى المصيف. وَتَوَلَّى وَكَذَلِكَ المربع قد يكون اسْما للمصدر فِي نَحْو قَوْلهم: ربعت بِالْمَكَانِ مربعًا. وَلَا يكَاد يذكرُونَ المربع إِلَّا فِي اسْم الْمنزل بِالربيعِ وَإِنَّمَا يذكر هَذَا مَبْنِيا أهل النَّحْو ويجعلون لَهُ بَابا مُفردا وَقِيَاسًا مطرداً. وَمَا خرج عَن الْقيَاس فِي بناءٍ ذَكرُوهُ. انْتهى كَلَامه.
وَقَوله: تذكرت فِيهَا الْجَهْل أَي: جهل الشَّبَاب وَالصبَا.
وَقَوله: إِلَيْك سعيد الْخَيْر إِلَخ إِلَيْك: مُتَعَلق بجبت قدم عَلَيْهِ لإِفَادَة الْحصْر.
وَجَبت: قطعت يُقَال: جاب الْوَادي يجوبه إِذا قطعه وَسَعِيد: منادًى مُضَاف إِلَى الصّفة الَّتِي اشْتهر بهَا. وَيجوز أَن يكون أَصله خير بِالتَّشْدِيدِ فَخفف. والمهمه: القفر. والآل: السراب.
وتنوف: جمع تنوفة وَهِي الفلاة.
روى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى خَالِد بن سعيد قَالَ: لَقِيَنِي إِيَاس ابْن الحطيئة فَقَالَ لي: يَا أَبَا عُثْمَان مَاتَ أبي وَفِي كسر بَيته عشرُون ألفا أعطَاهُ إِيَّاهَا
أَبوك وَقَالَ فِيهِ خمس قصائد فَذهب وَالله مَا أعطيتمونا وَبَقِي مَا أعطيناكم فَقلت: صدقت وَالله.
وروى أَيْضا بسندٍ مُتَّصِل إِلَى خَالِد بن سعيد قَالَ: كَانَ سعيد بن الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ زمن مُعَاوِيَة وَكَانَ يعشي النَّاس فَإِذا فرغ من الْعشَاء قَالَ الْآذِن: ليذْهب إِلَّا من كَانَ من أهل سمره. قَالَ: فَدخل الحطيئة فتعشى مَعَ النَّاس ثمَّ لم ينْصَرف فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ الْآذِن قَالَ سعيد: دَعه وَأخذ فِي الشّعْر والحطيئة مطرقٌ لَا ينْطق فَقَالَ الحطيئة: وَالله مَا أصبْتُم جيد الشّعْر وَلَا شَاعِر الشُّعَرَاء.
قَالَ سعيد: من أشعر الْعَرَب يَا هَذَا قَالَ: الَّذِي يَقُول: الْخَفِيف
(لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن
…
فقد من قد رزئته الإعدام)
(من رجالٍ من الْأَقَارِب بانوا
…
من جذامٍ هم الرؤوس الْكِرَام))
(سلط الْمَوْت والمنون عَلَيْهِم
…
فَلهم فِي صدى الْمَقَابِر هام)
(وكذاكم سَبِيل كل أناسٍ
…
سَوف حَقًا تبليهم الْأَيَّام)
قَالَ: وَيحك من يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَ: أَبُو دوادٍ الْإِيَادِي. قَالَ: وَمن الثَّانِي قَالَ: الَّذِي يَقُول: مخلع الْبَسِيط
(أَفْلح بِمَا شِئْت فقد يبلغ بَال
…
ضعف وَقد يخدع الأريب)
قَالَ: وَمن يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَ: عبيد. قَالَ: ثمَّ من قَالَ: وَالله لحسبك بِي عِنْد رهبةٍ أَو رَغْبَة إِذا وضعت إِحْدَى رجْلي على الْأُخْرَى ثمَّ رفعت صوتي بالشعر ثمَّ عويت على إِثْر القوافي عواء الفصيل الصَّادِر عَن المَاء قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: الحطيئة. قَالَ: وَيحك قد علمت
تشوقنا إِلَى مجلسك وَأَنت تكتمنا نَفسك مُنْذُ اللَّيْلَة فأنشدني.
(سعيدٌ فَلَا يغررك قلَّة لَحْمه
…
تخدد عَنهُ اللَّحْم وَهُوَ صَلِيب)
(إِذا غبت عَنَّا غَابَ عَنَّا ربيعنا
…
ونسقى الْغَمَام الغر حِين يؤوب)
(فَنعم الْفَتى تعشو إِلَى ضوء ناره
…
إِذا الرّيح هبت وَالْمَكَان جديب)
فَقَالَ لَهُ: أَنْت لعمر الله أشعر عِنْدِي مِنْهُم. فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم.
ثمَّ عَاد فأنشده: أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف إِلَى آخر القصيدة فَأعْطَاهُ عشرَة آلَاف أُخْرَى.
وَرُوِيَ أَيْضا هَذَا الْخَبَر عَن أبي عُبَيْدَة وَقَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي هَذَا الْخَبَر: وَأَخْبرنِي رجلٌ من بني كنَانَة قَالَ: أقبل الحطيئة فِي ركب من بني عبس حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قد أرذينا وأخلينا فَلَو تقدّمت إِلَى رجل شرِيف من أهل الْمَدِينَة فقرانا وحملنا.
فَأتى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ فَسَأَلَهُ فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ: مَا عِنْدِي شيءٌ. فَلم يعد عَلَيْهِ الْكَلَام وَخرج من عِنْده فارتاب بِهِ خَالِد فَبعث يسْأَل عَنهُ