الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاف الْجَلِيل. ودق يدق من بَاب ضرب دقةً: خلاف غلظ فَهُوَ دقيقٌ.
ودق الْأَمر دقةً أَيْضا إِذا غمض وخفي مَعْنَاهُ فَلَا يكَاد يفهمهُ إِلَّا الأذكياء. وَجل الشَّيْء يجل بِالْكَسْرِ: عظم فَهُوَ جليل.
قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: نَحن نسرع إِلَى هَذِه الْحَرْب كَمَا يعجل الرجل إِلَى فرسه فيعروريه أَي:)
يركبه عُريَانا. وَيُقَال: قد اعرورى فرسه إِذا رَكبه عرياً بِالضَّمِّ. انْتهى.
وَقَوله: ترى الأَرْض منا إِلَخ فِي الصِّحَاح: وعضلت الشَّاة تعضيلاً إِذا نشب الْوَلَد فَلم يسهل مخرجه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَهِي شاةٌ معضلة ومعضل أَيْضا بِلَا هَاء. وعضلت الأَرْض بِأَهْلِهَا: غصت بهم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
والعرمرم: الْجَيْش الْكثير. قَالَ ابْن السّكيت: هَذَا مثلٌ ضربه شبه الأَرْض بالحبلى الَّتِي تتمخض وَأَوْس بن حجر شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثلثمائة.
وَحجر بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الموفي للعشرين بعد الستمائة)
الرجز
(واستنزل الزباء قسراً وَهِي من
…
عِقَاب لوح الجو أَعلَى منتمى)
على أَن تقدم من على أفعل التَّفْضِيل إِذا لم يكن مجرورها اسْم اسْتِفْهَام خَاص بالشعر.
وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَهُوَ قَلِيل عِنْد ابْن مَالك لَا ضَرُورَة. وَأما تقدمها على الْمُبْتَدَأ نَحْو: من زيد أَنْت أفضل فضرورةٌ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح هَذَا الْبَيْت: من عِقَاب مُتَعَلق بِأَعْلَى وَإِنَّمَا قدمه ضَرُورَة لِأَن أفعل لَا يقوى قُوَّة الْفِعْل فَيعْمل عمله فِيمَا قبله فَلَا يجوز. من زيد أَنْت أفضل فَتقدم الْجَار عَلَيْهِ لضَعْفه إِلَّا أَنه جَازَ هُنَا للضَّرُورَة.
كَمَا قَالَ الفرزدق: الطَّوِيل انْتهى.
وَلَا يخفى أَن الْمِثَال مخالفٌ للبيتين فَإِنَّهُ مِمَّا تقدّمت من فِيهِ على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر والبيتان مِمَّا تقدّمت من فِيهِ على الْخَبَر فَقَط.
وَالْبَيْت من مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد الْمَشْهُورَة. وَقَبله:
(وَقد سما عمروٌ إِلَى أوتاره
…
فاحتط مِنْهَا كل عالي المستمى)
سما يسمو سموا: ارْتَفع. والأوتار: جمع وتر بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا وَهُوَ طلب الْإِنْسَان بِجِنَايَة.
واحتط: افتعل من الْحَط بالمهملتين: أنزل.)
وعال: مُرْتَفع. ومستمى: مفتعل من سما يسمو.
وعمروٌ هُوَ عَمْرو بن عدي بن نصر بن ربيعَة بن عبد الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن مَالك بن غنم بن نمارة بن لخم ملك الْحيرَة ملك بعد خَاله
جذيمة مائَة وثماني عشرَة سنة. وَهُوَ أول من ملك من مُلُوك لخم. وَكَانَ مُدَّة ملك لخمٍ بِالْحيرَةِ خَمْسمِائَة سنة.
وَكَانَ من حَدِيث عدي أَن جذيمة قَالَ ذَات يَوْم لندمائه: لقد ذكر لي غلامٌ من لخم فِي أَخْوَاله من بني إياد لَهُ ظرفٌ وأدب فَلَو بعثت إِلَيْهِ ووليته كأسي وَالْقِيَام على رَأْسِي لَكَانَ الرَّأْي.
فَقَالُوا: الرَّأْي مَا رَآهُ الْملك فليبعث إِلَيْهِ. فَفعل فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا عدي بن نصر. فولاه مَجْلِسه فعشقته رقاش بنت مَالك أُخْت جذيمة
فَقَالَت لَهُ: يَا عدي إِذا سقيت الْقَوْم فامزج لَهُم وعرق للْملك أَي: امزج لَهُ قَلِيلا كالعرق فَإِذا أخذت الْخمر مِنْهُ فاخطبني إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يزوجك فَأشْهد الْقَوْم إِن فعل.
فَفعل الْغُلَام وخطبها فَزَوجهُ وَأشْهد عَلَيْهِ وَانْصَرف إِلَيْهَا فعرفها فَقَالَت: عرس بأهلك.
فَلَمَّا أصبح غَدا متضمخاً بالخلوق فَقَالَ لَهُ جذيمة: مَا هَذِه الْآثَار يَا عدي قَالَ: آثَار الْعرس.
قَالَ: وَأي عرس قَالَ: عرس رقاش. فنخر وأكب على الأَرْض وَرفع عدي جراميزه فأسرع جذيمة فِي طلبه فَلم يجده وَقيل: بل قَتله وَبعث إِلَيْهَا: الْخَفِيف
(حدثيني وَأَنت لَا تكذبِينِي
…
أبحرٍّ زَنَيْت أم بهجين)
(أم بعبدٍ فَأَنت أهلٌ لعبدٍ
…
أم بدونٍ فَأَنت أهلٌ لدوّنَ)
فأجابته رقاش:
الْخَفِيف
(أَنْت زوجتني وَمَا كنت أَدْرِي
…
وأتاني النِّسَاء للتزيين)
(ذَاك من شربك المدامة صرفا
…
وتماديك فِي الصِّبَا والمجون)
فنقلها جذيمة إِلَيْهِ وحصنها فِي قصره فاشتملت على حمل وَولدت غُلَاما فَسَمتْهُ عمرا حَتَّى إِذا ترعرع حلته وعطرته ثمَّ أزارته خَاله فأعجب بِهِ وألقيت عَلَيْهِ محبةٌ مِنْهُ.
ثمَّ إِن جذيمة نزل منزلا وَأمر النَّاس أَن يجتنبوا لَهُ الكمأة فَكَانَ بَعضهم إِذا وجد شَيْئا مِنْهَا يُعجبهُ آثر بِهِ نَفسه على جذيمة وَكَانَ عَمْرو بن عدي يَأْتِيهِ بِخَير مَا يجد
فَعندهَا يَقُول عَمْرو: الرجز
(هَذَا جناي وخياره فِيهِ
…
إِذْ كل جانٍ يَده إِلَى فِيهِ))
ثمَّ إِن الْجِنّ استهوته فَطَلَبه جذيمة فِي آفَاق الأَرْض فَلم يسمع لَهُ خَبرا إِذْ أقبل رجلَانِ من بني الْقَيْن يُقَال لأَحَدهمَا مَالك وَللْآخر عقيل ابْنا فالج ويروى فارج من الشَّام وهما يُريدَان الْملك بهدية فَنزلَا على مَاء ومعهما قينة يُقَال لَهَا: أم عَمْرو فَنصبت لَهما قدرا وَهَيَّأْت لَهما طَعَاما فَبَيْنَمَا هما يأكلان إِذْ أقبل رجلٌ أَشْعَث الرَّأْس قد طَالَتْ أَظْفَاره وَسَاءَتْ حَاله وَمد يَده فناولته الْقَيْنَة طَعَاما فَأَكله ثمَّ مد يَده فَقَالَت الْقَيْنَة: أعطي العَبْد كُرَاعًا فَطلب ذِرَاعا فأرسلتها
مثلا. ثمَّ ناولت صاحبيها من شرابها وأوكت سقاءها.
فَقَالَ عَمْرو بن عدي: الوافر
(صددت الكأس عَنَّا أم عمروٍ
…
وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا)
(وَمَا شَرّ الثَّلَاثَة أم عمروٍ
…
بصاحبك الَّذِي لَا تصبحينا)
ويروى هَذَا الشّعْر لعَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي. وَيُقَال إِن عَمْرو بن كُلْثُوم أدخلهُ فِي معلقته. وَالله وهما من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ. ومجراها: بدل من الكأس وَالْيَمِين: خبر كَانَ. وَإِن شِئْت جعلت مجْراهَا مُبْتَدأ وَالْيَمِين: ظرفا كَأَنَّهُ قَالَ: نَاحيَة الْيَمين وَهُوَ خبر عَن مجْراهَا وَالْجُمْلَة خبر كَانَ.
فَقَالَ لَهُ الرّجلَانِ: من أَنْت قَالَ: أَنا عَمْرو بن عدي. فقاما إِلَيْهِ ويسلما عَلَيْهِ وقلما أَظْفَاره وقصرا من شعره وألبساه من طرائف ثيابهما وَقَالا: مَا كُنَّا نهدي إِلَى الْملك هَدِيَّة هِيَ أنف عِنْده وَلَا هُوَ عَلَيْهَا أحسن عَطاء من ابْن أُخْته قد رده الله عَلَيْهِ.
فَلَمَّا وَقفا بِبَاب الْملك بشراه فسر بِهِ وَصَرفه إِلَى أمه وَقَالَ: لَكمَا حكمكما. فَقَالَا: حكمنَا منادمتك مَا بقيت وَبَقينَا. قَالَ: ذَلِك لَكمَا.
فهما ندمانا جذيمة المعروفان. وإياهما عني متمم بن نُوَيْرَة بقوله فِي مرثيته لِأَخِيهِ مَالك بن نُوَيْرَة: الطَّوِيل
(وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبةً
…
من الدَّهْر حَتَّى قيل لن يتصدعا)
(فَلَمَّا تفرقنا كَأَنِّي ومالكاً
…
لطول اجتماعٍ لم نبت لَيْلَة مَعًا)
وَقَالَ أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ يرثي أَخَاهُ عُرْوَة: الطَّوِيل
(ألم تعلمي أَن قد تفرق قبلنَا
…
نديما صفاءٍ مالكٌ وَعقيل)
وروى أَن جذيمة كَانَ لَا ينادم أحدا كبرا وزهواً. وَكَانَ يَقُول: أَنا أعظم من أَن أنادم إِلَّا الفرقدين. فَكَانَ يشرب كأساً وَيصب لكل واحدٍ مِنْهُمَا كأساً فَلَمَّا أَتَى مَالك وَعقيل نادماه)
أَرْبَعِينَ سنة مَا أعادا عَلَيْهِ حَدِيثا.
ثمَّ إِن أم عَمْرو جعلت فِي عُنُقه طوقاً من ذهب لنذرٍ كَانَ عَلَيْهَا ثمَّ أَمرته بزيارة خَاله فَلَمَّا رأى لحيته والطوق فِي عُنُقه قَالَ: شب عمروٌ عَن الطوق. فَذَهَبت مثلا.
وَأقَام عَمْرو مَعَ خَاله جذيمة قد حمل عَنهُ عَامَّة أمره إِلَى أَن قتل.
وَقَوله: فاستنزل الزباء قسراً الْبَيْت أَي: أنزل الزباء. وفاعله ضمير عمروٍ الْمَذْكُور فِي الْبَيْت قبله والزباء مَفْعُوله.
والزباء ملكة اسْمهَا نائلة وَقيل: فارعة وَقيل: مَيْسُونُ. وَكَانَت زرقاء. وَمن النِّسَاء الموصوفات بالرزق زرقاء الْيَمَامَة. وَكَانَت البسوس أَيْضا زرقاء.
والزباء تمد وتقصر. فَمن مد جعل مذكرها أزب وَمن قصر جعل مذكرها زبان.
وَكَانَ لَهَا شعرٌ وَإِذا مشت سحبته وَرَاءَهَا وَإِذا نشرته جللها فسميت الزباء. والأزب: الْكثير الشّعْر.
وَاخْتلف فِي نَسَبهَا فَقيل كَانَت رُومِية وَكَانَت تَتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ ومدائنها على شاطىء الْفُرَات من الْجَانِب الشَّرْقِي والغربي.
وَقيل: إِنَّهَا بنت عَمْرو بن ظرب بن حسان من أهل بَيت عاملة من العماليق ملكت الشَّام والجزيرة.
وَقيل إِن الزباء بنت مليح بن الْبَراء كَانَ أَبوهَا ملكا على الْحَضَر وَهُوَ الَّذِي ذكره عدي بن زيد بقوله: الْخَفِيف
(وأخو الْحَضَر إِذْ بناه وَإِذ دج
…
لَة تجبى إِلَيْهِ والخابور)
قَتله جذيمة وطرد الزباء إِلَى الشَّام فلحقت بالروم. وَكَانَت عَرَبِيَّة اللِّسَان مَا رئي فِي نسَاء زمانها أجمل مِنْهَا. وَكَانَت كَبِيرَة الهمة وَبَلغت من همتها أَن جمعت الرِّجَال وبذلت الْأَمْوَال وعادت إِلَى مملكة أَبِيهَا فأزالت جذيمة عَنْهَا وَبنت على الْفُرَات مدينتين متقابلتين وَجعلت بَينهمَا أنفاقاً تَحت الأَرْض وتحصنت وهادنت جذيمة مُدَّة ثمَّ خاطبها فاستدعته وقتلته كَمَا تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الْعلم.
وَقَوله: من عِقَاب لوح إِلَخ الْعقَاب بِالضَّمِّ: طَائِر مَعْرُوف.
واللوح بِالضَّمِّ: الْهَوَاء والجو مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض.)
ونظم ابْن دُرَيْد قَول عَمْرو بن عدي لقصير: كَيفَ أقدر على الزباء وَهِي أمنع من عِقَاب لوح الجو كَمَا يَأْتِي.
ويروى: أَعلَى مُنْتَهى أَي: أَعلَى مَا ينتهى إِلَيْهِ. قيل: قد غلط فِيهِ لِأَن الْعَرَب لَا تقف بِالتَّنْوِينِ ومنتمى: هُنَا مَنْصُوب على التَّمْيِيز وَالْوَقْف فِيهِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ على الْألف المبدلة من التَّنْوِين.
وَقد حقق الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْوَقْف من شرح الشافية أَن هَذَا لَيْسَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأَن هَذِه اللَّام لَام الْكَلِمَة لَا الْألف المبدلة من نون التَّنْوِين.
وقسراً: قهرا إِمَّا مفعول مُطلق وَإِمَّا حَال. أَي: فاستنزل الزباء كارهةً.
يُرِيد أَن عمرا أَخذ ثَأْره مِنْهَا فَقَتلهَا وَإِنَّمَا قدر عَلَيْهَا بإعانة قصير بن سعد من أَصْحَاب جذيمة فَإِنَّهُ قَالَ لعَمْرو بن عدي بعد قتل جذيمة: أَلا تطلب بثأر خَالك فَقَالَ: وَكَيف أقدر على الزباء وَهِي أمنع من عِقَاب لوح الجو فأرسلها مثلا. فَقَالَ لَهُ قصير: اطلب الْأَمر وخلاك ذمٌّ فَذَهَبت مثلا أَيْضا.
ثمَّ إِن قَصِيرا جدع أَنفه وَقطع أُذُنه بِنَفسِهِ وَفِيه قيل: لأمر مَا جدع قصيرٌ أَنفه. ثمَّ لحق بالزباء زاعماً أَن عَمْرو بن عدي صنع بِهِ ذَلِك وَأَنه لَجأ إِلَيْهَا هَارِبا مِنْهُ وَلم يزل يتلطف بهَا بطرِيق التِّجَارَة وَكسب الْأَمْوَال إِلَى أَن وثقت بِهِ وَعلم خفايا قصرهَا وأنفاقه.
فَلَمَّا كَانَ فِي السفرة الثَّالِثَة اتخذ جوالقاتٍ كجوالق المَال وَجعل ربطها من دَاخل الجوالق فِي أَسْفَله وَأدْخل فِيهَا الرِّجَال بالأسلحة وَأخذ عَمْرو بن عدي مَعَه وَقد كَانَ قصيرٌ وصف لعَمْرو شَأْن النفق وَوصف لَهُ الزباء فَلَمَّا دخلت الْجمال الْمَدِينَة جَاءَ عَمْرو بن عدي على فرسه فَدخل الْحصن بعقب الْإِبِل وبركت الْإِبِل وَحل الرِّجَال الجوالقات