الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل
(وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا
…
فينطق إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف)
على أَن النَّفْي بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَن يرجع النَّفْي لما بعد الْفَاء كثير الِاسْتِعْمَال كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن النَّفْي منصبٌ على ينْطق فِي الْمَعْنى وَقَامَ مثبتٌ فِي تَأْوِيل الْمُسْتَقْبل لمناسبة الْمَعْطُوف.
وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: أَي يقوم وَلَا يقوم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف. وَإِنَّمَا جعل النَّفْي هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي لأجل الِاسْتِثْنَاء فَإِن الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يكون إِلَّا مَعَ النَّفْي فَلَمَّا اعْتبر فِي ينْطق صَحَّ وَجوز صَاحب اللّبَاب أَن يكون النَّفْي فِي الْبَيْت على ظَاهره من الْقسم الأول. قَالَ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء: والمفرغ لَا يكون إِلَّا فِي الْإِثْبَات. إِلَى أَن قَالَ: وَيجوز فِيمَا هُوَ جَوَاب النَّفْي. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
قَالَ الفالي فِي شَرحه: لَا يُقَال يَنْبَغِي أَن لَا يجوز لِأَن قَوْلك فينطق مُثبت وَلَا يَصح المفرغ فِي الْمُثبت لِأَن قَوْله: فينطق بِالنّصب بِأَن المضمرة وَالتَّقْدِير: فَأن ينْطق وَهَذَا الْمصدر معطوفٌ على مصدر منتزع من الأول وَهُوَ قَامَ أَي: مَا يكون قيام فنطقٌ. فَحكم النَّفْي منسحبٌ على الْقيام والنطق.
فالنطق فِي الْمَعْنى منفيٌّ فَيصح الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِيهِ. وَنَظِيره: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالنّصب أَي: مَا يكون مِنْك إتْيَان فتحديث على نفي الْمركب أَي: مَا يكون مِنْك إتيانٌ كثير وَلَا تحديثٌ عَقِيبه. اه.)
وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْفَاء قَالَ: وَتقول مَا أَتَيْتنَا فتحدثنا وَالنّصب فِيهِ كالنصب فِي الأول وَإِن شِئْت رفعت على معنى فَأَنت تحدثنا السَّاعَة. وَالرَّفْع فِيهِ يجوز على مَا.
وَإِنَّمَا اختير النصب لِأَن الْوَجْه هَا هُنَا وحد الْكَلَام أَن تَقول: مَا أَتَيْتنَا فحدثتنا فَلَمَّا صرفوه عَن هَذَا الْحَد ضعف أَن يضموا يفعل إِلَى فعلت فَحَمَلُوهُ على الِاسْم كَمَا لم يجز أَن يضموا إِلَى وَأما الَّذين رَفَعُوهُ فَحَمَلُوهُ على مَوضِع أَتَيْتنَا لِأَن أَتَيْتنَا فِي مَوضِع فعل مَرْفُوع وتحدثنا هَا هُنَا فِي مَوضِع حَدَّثتنَا. وَتقول: مَا تَأْتِينَا فَتكلم إِلَّا بالجميل. فَالْمَعْنى:
إِنَّك لم تأتنا إِلَّا تَكَلَّمت بجميل.
ونصبه على إِضْمَار أَن كَمَا كَانَ نصب مَا قبله على إِضْمَار أَن. وَإِن شِئْت رفعت على الشّركَة كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا تكلم إِلَّا بالجميل.
وَمثل النصب قَول الفرزدق:
(وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا
…
فينطق إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف)
وَتقول: لَا تَأْتِينَا فتحدثنا إِلَّا ازددنا فِيك رَغْبَة فالنصب هَا هُنَا كالنصب فِي مَا تَأتِينِي فتحدثني إِذا أردْت معنى مَا تَأتِينِي مُحدثا وَإِنَّمَا أَرَادَ معنى مَا أتيتني مُحدثا إِلَّا ازددت فِيك رَغْبَة.
وَمثل ذَلِك قَول اللعين: الطَّوِيل
(وَمَا حل سعديٌّ غَرِيبا ببلدةٍ
…
فينسب إِلَّا الزبْرِقَان لَهُ أَب)
وَتقول: لَا يسعني شيءٌ فيعجز عَنْك أَي: لَا يسعني شيءٌ فَيكون
عَاجِزا عَنْك وَلَا يسعني شيءٌ إِلَّا لم يعجز عَنْك. هَذَا معنى الْكَلَام. فَإِن حَملته على الأول قبح الْمَعْنى لِأَنَّك لَا تُرِيدُ أَن تَقول إِن الْأَشْيَاء لَا تسعني وَلَا تعجز عَنْك. فَهَذَا لَا ينويه أحد. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ.
وَمِنْه تعرف وَجه جعل الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْمِثَال من النَّفْي بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَأَن الرِّوَايَة بِنصب فينطق.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب مَا بعد الْفَاء على الْجَواب مَعَ دُخُول إِلَّا بعده للْإِيجَاب لِأَنَّهَا عرضت بعد اتِّصَال الْجَواب بِالنَّفْيِ. ونصبه على مَا يجب لَهُ فَلم بِغَيْرِهِ.
والندي: الْمجْلس أَي: إِذا نطق منا نَاطِق فِي مجْلِس جماعةٍ عرف صَوَاب قَوْله فَلم ترد مقَالَته.
انْتهى.
وَمثله لِابْنِ السراج قَالَ فِي الْأُصُول: وَتقول مَا قَامَ زيدٌ فَيحسن إِلَّا حمد وَمَا قَامَ زيد فيأكل إِلَّا)
طَعَامه بِالنّصب.
قَالَ الشَّاعِر:
وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا وَيجوز رفع فينطق كَمَا جَازَ فِي: مَا أَتَيْنَا فَتكلم إِلَّا بالجميل فَتكون الْفَاء للْعَطْف.
وَبِه اسْتشْهد ابْن النَّاظِم والمرادي فِي شرح الألفية. قَالَ الْعَيْنِيّ: الشَّاهِد فِيهِ رفع ينْطق لِأَن من شَرط النصب بعد النَّفْي أَن يكون النَّفْي خَالِصا وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك. انْتهى.
وَالْبَيْت من قصيدةٍ طَوِيلَة للفرزدق يفتخر بهَا على جرير وعدتها مائَة بَيت وَخَمْسَة عشر بَيْتا