الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترجمة تَمِيم بن أبي بن مقبل تقدّمت أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ. وَكِلَاهُمَا شَاعِر إسلامي.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الرَّابِع بعد الستمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط
(حَتَّى شآها كليلٌ موهناً عملٌ
…
باتت طراباً وَبَات اللَّيْل لم ينم)
على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: إِذا حول فَاعل إِلَى فعيل أَو فعل عمل أَيْضا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت فَإِن كليلاً قد عمل فِي قَوْله: موهناً. ورد بِأَن موهناً ظرف لشآها وَلَو كَانَ لكليل أَيْضا فَلَا اسْتِدْلَال فِيهِ لِأَنَّهُ ظرف يَكْفِيهِ رَائِحَة الْفِعْل.
وَاعْتذر لسيبويه بِأَن كليلاً بِمَعْنى مكل فموهناً مَفْعُوله على الْمجَاز كَمَا يُقَال: أَتعبت يَوْمك ففعيل مُبَالغَة مفعل لَا فَاعل. وَفِيه أَنه قَلِيل نَادِر وَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بالمحتمل مَعَ أَن الِاعْتِذَار بعيد. هَذَا كَلَامه.
قَالَ التبريزي فِي شرح الكافية: أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على إِعْمَال فعيل فَإِن كليلاً بِمَعْنى مكل وموهناً مَنْصُوب على أَنه مفعول بِهِ أَي: يكل أَوْقَات اللَّيْل من كَثْرَة الْعَمَل. وطعنوا فِي هَذَا الْبَيْت من جِهَة استشهاده.
وَقيل: كليل بِمَعْنى كال من كل يكل فَإِنَّهُ لَازم وموهناً مَنْصُوب على الظّرْف. وَهَذَا التَّأْوِيل لَيْسَ بِقَوي لِأَن صدر الْبَيْت
وعجزه يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَبَات اللَّيْل لم ينم فَلَا يُمكن أَن يُوصف بِأَنَّهُ قَالَ فِي بعض أَوْقَات اللَّيْل وَقَالَ عمل وَهُوَ يدل على كَثْرَة الْعَمَل.
وَقَالَ ابْن مَالك: إِنَّمَا أنْشد سيبوبه هَذَا الْبَيْت ليعلم جَوَاز الْعُدُول من فَاعل إِلَى فعيل لِأَن أَصله كال. وَلم يتَعَرَّض للإعمال.
وَهَذَا أَيْضا ضعيفٌ بِمَا نقل السيرافي أَنه قَالَ سِيبَوَيْهٍ: كليل فِي معنى مكل مثل أَلِيم وداءٌ وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: رد على سِيبَوَيْهٍ فِي استدلاله على إِعْمَال فعيل بِهَذَا الْبَيْت.
وَذَلِكَ أَن موهناً ظرف زمَان والظرف يعْمل فِيهِ رَوَائِح الْفِعْل بِخِلَاف الْمَفْعُول بِهِ.
ويوضح كَون الموهن لَيْسَ مَفْعُولا بِهِ أَن كليلاً من كل وَفعله لَا يتَعَدَّى. وَاعْتذر عَن سِيبَوَيْهٍ بِأَن كليلاً بِمَعْنى مكل وَكَأن الْبَرْق يكل الْوَقْت بدوامه فِيهِ كَمَا يُقَال: أَتعبت يَوْمك. أَو بِأَنَّهُ إِنَّمَا)
اسْتشْهد بِهِ على أَن فَاعِلا يعدل عَنهُ إِلَى فعيل للْمُبَالَغَة وَلم يسْتَدلّ بِهِ على الإعمال. وَهَذَا أقرب فَإِن فِي الأول حمل الْكَلَام على الْمجَاز مَعَ إِمْكَان حمله على الْحَقِيقَة. اه.
وَنحن ننقل لَك كَلَام سِيبَوَيْهٍ هُنَا ليظْهر لَك حَقِيقَة الْحَال قَالَ فِي بَاب مَا جرى فِي الِاسْتِفْهَام من أَسمَاء الفاعلين من أَوَائِل الْكتاب: وأجروا اسْم الْفَاعِل إِذا أَرَادوا أَن يبالغوا فِي الْأَمر مجْرَاه إِذا كَانَ على بِنَاء فَاعل لِأَنَّهُ لَا يُرِيد بِهِ مَا أُرِيد بفاعل من إِيقَاع الْفِعْل إِلَّا أَنه يُرِيد أَن يحدث عَن الْمُبَالغَة.
فمما هُوَ الأَصْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر هَذَا الْمَعْنى: فعول وفعال ومفعال وَفعل. وَقد جَاءَ فعيل كرحيم وقدير وَسميع وبصير يجوز فِيهِنَّ مَا جَازَ فِي فَاعل من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
والإضمار والإظهار. لَو قلت: هَذَا ضروب رُؤُوس الرِّجَال وسوق الْإِبِل على: ضروب سوق الْإِبِل جَازَ كَمَا تَقول: ضَارب زيدٍ وعمراً تضمر: وضاربٌ عمرا.
(هجومٌ عَلَيْهَا نَفسه غير أَنه
…
مَتى يرم فِي عَيْنَيْهِ بالشبح ينْهض)
وَقَالَ الفلاخ: الطَّوِيل
أَخا الْحَرْب لباساً إِلَيْهَا جلالها وَقَالَ أَبُو طَالب: الطَّوِيل ضروبٌ بنصل السَّيْف سوق سمانها وَقد جَاءَ فِي فعلٍ وَلَيْسَ فِي كَثْرَة ذَلِك قَالَ: الْكَامِل أَو مسحلٌ شنج عضادة سمحج وَمِمَّا جَاءَ فِي فعلٍ قَوْله: الْكَامِل حذرٌ أموراً لَا تخَاف وآمنٌ وَمن هَذَا الْبَاب قَول رؤبة: الرجز بِرَأْس دماغٍ رُؤُوس الْعِزّ
وَمِنْه قَول سَاعِدَة:
حَتَّى شأها كليلٌ موهناً عمل
…
...
…
الْبَيْت وَقَالَ الْكُمَيْت: وَمِنْه: قدير وَعَلِيم وَرَحِيم لِأَنَّهُ يُرِيد الْمُبَالغَة وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك حسنٌ وَجه الْأَخ لِأَن هَذَا لَا)
يقلب وَلَا يضمر وَإِنَّمَا حَده أَن يتَكَلَّم بِهِ فِي الْألف وَاللَّام وَلَا تَعْنِي أَنَّك أوقعت فعلا سلف مِنْك إِلَى أحد. وَلَا يحسن أَن تفصل بَينهمَا فَتَقول: هُوَ كريمٌ فِيهَا حسب الْأَب.
هَذَا نَصه بِحُرُوفِهِ مَعَ حذف بعض أَمْثِلَة.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب الموهن بكليل لِأَنَّهُ مغير عَن بنائِهِ للتكثير. وَقد رد هَذَا التَّأْوِيل على سِيبَوَيْهٍ لما قدمنَا: أَن فعيلاً وفعلاً بناءان لما لَا يتَعَدَّى فِي الأَصْل.
وَجعل الرَّاد نصب موهن على الظّرْف وَالْمعْنَى عِنْده أَن الْبَرْق ضَعِيف الهبوب كليلٌ فِي نَفسه.
وَهَذَا الرَّد غير صَحِيح إِذْ لَو كَانَ كليلاً كَمَا قَالَ: لم يقل عملٌ وَهُوَ الْكثير الْعَمَل وَلَا صفة بقوله: وَبَات اللَّيْل لم ينم.
وَالْمعْنَى على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه وصف حمارا وأتناً نظرت إِلَى برق مستمطر دَال على الْغَيْث يكل الموهن بدؤوبه وتوالي لمعانه كَمَا يُقَال أَتعبت ليلك أَي: سرت فِيهِ سيراً حثيثاً متعباً متوالياً.
والموهن: وقتٌ من اللَّيْل. فشآها الْبَرْق أَي: سَاقهَا وأزعجها إِلَى مهبه فباتت طربةً إِلَيْهِ منتقلة نَحوه. وفعيل فِي معنى
مفعل موجودٌ كثير. يُقَال: بَصِير فِي معنى مبصر.
وَعَذَاب أَلِيم بِمَعْنى مؤلم وَسميع بِمَعْنى مسمع. وَكَذَلِكَ كليل فِي معنى مكل. وَإِذا كَانَ بِمَعْنَاهُ عمل عمله لِأَنَّهُ مغير مِنْهُ للتكثير كَمَا تقدم. اه.
وَقَالَ ابْن خلف أَيْضا: الشَّاهِد نصب موهناً بكليل نصب الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ
بِمَعْنى مكل فَيعْمل عمله.
وَقَالَ الْمبرد: موهناً ظرف وَلَيْسَ بمفعول. وَلَا حجَّة لَهُ فِيهِ. وَجعل كليلاً من كل يكل وكل لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول بِهِ فَكيف يتَعَدَّى كليل.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: لَا يجوز عِنْد الْجرْمِي والمازني والمبرد أَن يعملوا فعيلاً. قَالَ: وَمَا علمت إِلَّا أَن النَّحْوِيين مجمعون على ذَلِك. وَلَا يجيزون هُوَ رحيمٌ زيدا وَلَا عليم الْفِقْه.
وَالْعلَّة فِيهِ أَن فعيلاً فِي الأَصْل من فعل فَهُوَ فعيل وَهَذَا لَا ينصب بإجماعهم وَهُوَ مَعَهم على ذَلِك. وفعيل هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخبر بِهِ عَمَّا فِي الْهَيْئَة فَهُوَ مُلْحق بِهِ لَا يعْمل كَمَا لَا يعْمل. وَفعل عِنْد الْمبرد بِمَنْزِلَتِهِ. وَاحْتج بقَوْلهمْ: رجل طبٌّ وطبيب.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي الْحجَّة فِي إعمالٍ فعيل: إِن الأَصْل كَانَ أَن لَا يعْمل إِلَّا مَا جرى على الْفِعْل)
فَلَمَّا أعربوا ضروباً لِأَنَّهُ بِمَعْنى ضَارب وَجب أَن يكون فعيل مثله. قَالَ: وَمِنْه قدير.
وسيبويه أورد هَذَا على أَنه للْمُبَالَغَة فِي كال وكال يتَعَدَّى إِلَى مفعول على تَقْدِيره. وَكَأن الَّذِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَن كللت يتَعَدَّى وَيكون مَعْنَاهُ أَن
كلل الموهن أَي: جعل يَبْرق فِيهِ برقاً ضَعِيفا.
وَزعم أَن كليلاً بِمَعْنى مكل.
وَلَيْسَ هَذَا من مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي شَيْء لِأَن سِيبَوَيْهٍ غَرَضه ذكر فعيل الَّذِي هُوَ مُبَالغَة فَاعل وَمَا عرض لفعلٍ الَّذِي بِمَعْنى مفعل.
وَقد روى أَبُو الْحسن اللحياني فِي نوادره أَن بعض الْعَرَب يَقُول فِي صفة الله عز وجل: هُوَ سميع قَوْلك وَقَول غَيْرك بتنويع سميع وَنصب قَوْلك.
وَهَذَا يشْهد لصِحَّة مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ.
وَقَالَ أَبُو نصر هَارُون بن مُوسَى: زعم الرادّ على سِيبَوَيْهٍ أَن موهناً ظرف. وَهُوَ على مَا ذكرنَا من فَسَاد الْمَعْنى. والكليل هَا هُنَا: الْبَرْق والموهن: وَقت من اللَّيْل وَلَو كَانَ ظرفا لوصف الْبَرْق بالضعف فِي لمعانه وَإِذا كَانَ بِهَذِهِ الصّفة فَكيف يَسُوقهَا وَهُوَ لَا يدل على الْمَطَر وَلَكِن الْبَرْق إِذا تكَرر فِي لمعانه وَاشْتَدَّ ودام دلّ على الْمَطَر وشاق وأتعب الموهن فِي ظلمته لِأَنَّهُ كلما هَب ذهبت الظلمَة ثمَّ يرجع إِذا فتر الْبَرْق ثمَّ يذهب إِذا لمع. فَلذَلِك عدى الشَّاعِر الكليل إِلَى الموهن.
وَقَوله: شآها أَي: شأى الْإِبِل أَي: سَاقهَا. قَالَ الْأَخْفَش: تبعها. يُقَال: شاءني الْأَمر وشآني أَي: ساقني. وَيُقَال أَيْضا شآني: حزنني. وكليل أَي: برق ضَعِيف. وَإِنَّمَا ضعفه لِأَنَّهُ ظهر من بعيد. والموهن بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْهَاء: قِطْعَة من اللَّيْل. وَالْعَمَل: الدائب الْمُجْتَهد فِي أمره الَّذِي لَا يفتر.
وباتت طراباً يَعْنِي الْبَقر الوحشية طراباً إِلَى السّير إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ الْبَرْق وَبَات الْبَرْق اللَّيْل أجمع لَا يفتر. فَعبر عَن الْبَرْق بِأَنَّهُ لم ينم لاتصاله من أول اللَّيْل إِلَى آخِره. انْتهى مَا أوردهُ ابْن خلف.
وَقَالَ النّحاس: شآها يَعْنِي الْإِبِل. وكليل: برق خَفِي. طراباً: طربت للبرق وشاقها. وَبَات الْبَرْق لم ينم لشدَّة دَوَامه.
قَالَ ابْن حبيب: طراباً من الطَّرب تحن إِلَى أَوْلَادهَا. قَالَ الجُمَحِي: تنْزع إِلَى أوطانها.)
وَالصَّحِيح أَنه عَنى بهَا الْبَقر لَا الْإِبِل خلافًا للشَّارِح الْمُحَقق وَغَيره. قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار الهذليين: حَتَّى شآها يَعْنِي شأى الْبَقر يُقَال: شؤته فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول شاءها فَقلب فَقدم الْهمزَة. وَمعنى شؤته شقته وهيجته وسررته.
يَقُول: حَتَّى شَاءَ الْبَقر كليلٌ وَهُوَ الْبَرْق الضَّعِيف موهناً: بعد هدء من اللَّيْل. عملٌ أَي: ذُو عمل لَا يفتر الْبَرْق.
وباتت طراباً يَعْنِي الْبَقر. وَبَات اللَّيْل يَعْنِي الْبَرْق. وَعمل: دائب يُقَال للرجل إِذا دأب: قد عمل يعْمل. انْتهى.
وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لساعدة بن جؤية رثى بهَا من أُصِيب يَوْم معيط وَهُوَ أَرض مِنْهُم سراقَة بن جعْشم من بني مُدْلِج كَانَ يُرْسل إِلَيْهِم الْأَخْبَار. وَهَذَا مطْلعهَا: الْبَسِيط
(يَا لَيْت شعري وَلَا منجى من الْهَرم
…
أم هَل على الْعَيْش بعد الشيب من نَدم)
قَالَ السكرِي: ويروى:
يَا للرِّجَال أَلا منجى من الْهَرم يَقُول: هَل ينْدَم أحدٌ على أَن لَا يعِيش بعد أَن يشيب.
وَقَوله: على الْعَيْش. أَي: على فَوت الْعَيْش. وَمثله: المَال يزري بِأَقْوَام
يُرِيد فقد المَال. اه.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن زِيَادَة أم فِيهِ ظَاهِرَة. إِلَى أَن قَالَ:
(تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيدٍ
…
أدفى صلودٌ من الأوعال ذُو خدم)
يُرِيد: تالله لَا يبْقى فَحذف لَا النافية فِي جَوَاب الْقسم. وروى لله يبْقى وَاللَّام للقسم والتعجب مَعًا.
والحيد بِكَسْر فَفتح: جمع حيد بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهِي العقد فِي قرن الوعل.
والأدفى بِالْقصرِ: الَّذِي يمِيل قرنه إِلَى نَحْو ذَنبه. وصلود: صفة أدفى. والصلود: الَّذِي يقرع بظلفه الْجَبَل.
والخدم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال: جمع خدمَة وَهِي الخلخال وَيجمع على خدام أَيْضا بِالْكَسْرِ. والخدم: خطوطٌ بيضٌ فِي قوائمه تشبه الخلاخيل.)
ثمَّ وصف تحصنه فِي رُؤُوس الْجبَال فِي ثَمَانِيَة أَبْيَات فَلَمَّا جَاءَهُ أَجله لم يسلم من الصياد فَهَلَك على يَدَيْهِ وَقَالَ:
(فَكَانَ حتفاً بمقدارٍ وأدركه
…
طول النَّهَار وليلٌ غير منصرم)
أَرَادَ: أدْركهُ طول النَّهَار وليلٌ غير مُنْقَطع. يَقُول: لم يفلت من طول الْأَيَّام والليالي.
وَبعده:
(وَلَا صوارٌ مذراةٌ مناسجها
…
مثل الفريد الَّذِي يجْرِي من النّظم)
هَذَا مَعْطُوف على ذُو حيد فِي جَوَاب الْقسم السَّابِق. أَي: تالله لَا يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد وَلَا صوارٌ وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد الْمُعْجَمَة: جمَاعَة الْبَقر.
يُقَال: نعجة مذراة وكبش مذرى بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة إِذا جز وَترك بَين كَتفيهِ صوف لم يجز. فَهِيَ الذرْوَة بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا.
وَالنّظم بِضَمَّتَيْنِ: جمع نظام وَهُوَ الْخَيط الَّذِي فِيهِ اللُّؤْلُؤ. يَقُول: الصوار مثل اللُّؤْلُؤ فِي الْحسن وَالْبَيَاض.
(ظلت صَوَافِن بالأرزان صاويةً
…
فِي ماحقٍ من نَهَار الصَّيف محتدم)
أَي: قد رفعن إِحْدَى قوائمهن. والصوافن: الَّتِي تفرج بَين رِجْلَيْهَا. والأرزان: جمع رزن بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ الْموضع الغليظ الَّذِي فِيهِ المَاء.
وصاوية بالصَّاد الْمُهْملَة: الْيَابِسَة من الْعَطش. والماحق: شدَّة الْحر. والمحتدم: المحترق بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ. أَي: كَانَ ذَلِك الْيَوْم محترقاً من شدَّة الْحر.
(قد أوبيت كل مَاء فَهِيَ صاويةٌ
…
مهما تصب أفقاً من بارق تشم)
…
(حَتَّى شآها كليلٌ موهناً عملٌ
…
باتت طراباً وَبَات اللَّيْل لم ينم)
(كَأَنَّمَا يتجلى عَن غواربه
…
بعد الرقاد تمشي النَّار فِي الضرم)
(حيران يركب أَعْلَاهُ أسافله
…
يخفي تُرَاب جَدِيد الأَرْض مُنْهَزِم)
(فأسأدت دلجاً تحيي لموقعه
…
لم تنشب بوعوث الأَرْض وَالظُّلم)
(فافتنها فِي فضاء الأَرْض يأفرها
…
وأصحرت فِي قفافٍ ذَات معتصم)
(أنحى عَلَيْهَا شراعياً فغادرها
…
لَدَى المزاحف تلى فِي نضوح دم)
وَبعد هَذَا شرع فِي الرثاء.)
قَوْله: قد أوبيت كل مَاء الْبَيْت إِلَخ أوردهُ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات مَعَ أَبْيَات أَرْبَعَة بعده.
وَقَالَ: وصف بهَا سَاعِدَة بن جؤية حميراً. وَقَالَ: أوبيت: منعت.
وَقَالَ السكرِي: يَقُول: منعت كل مَاء أَي: قطع عَنْهَا يُقَال: طَعَام وشراب لَا يؤبى: لَا يَنْقَطِع.
وَقَالَ شَارِح اللّبَاب: أَي: جعلت تأبى كل مَاء وتكرهه. وصاوية بالصَّاد الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو حنيفَة: الصاوي: الْيَابِس أَي: يَبِسَتْ من الْعَطش.
وَقَوله: مهما تصب أفقاً قَالَ السكرِي أَي: نَاحيَة من بارق أَي: من سَحَاب فِيهِ برق. وتشم: تنظر إِلَيْهِ وَالضَّمِير فِي الْجَمِيع ضمير الصوار.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن يسعون اسْتدلَّ بِهِ على مَجِيء مهما حرف شَرط كَإِن. قَالَ: وَاسْتدلَّ ابْن يسعون تبعا لِلسُّهَيْلِي على أَن مهما تَأتي حرفا بقوله: قد أوبيت كل ماءٍ
الْبَيْت.
قَالَ: إِذْ لَا تكون مُبْتَدأ لعدم الرَّبْط من الْخَبَر وَهُوَ فعل الشَّرْط وَلَا مَفْعُولا لِاسْتِيفَاء فعل الشَّرْط مَفْعُوله وَلَا سَبِيل إِلَى غَيرهمَا فَتعين أَنَّهَا لَا مَوضِع لَهَا. وَالْجَوَاب أَنَّهَا مفعول تصب وأفقاً ظرف وَمن بارق تَفْسِير لمهما أَو مُتَعَلق بتصب فمعناها التَّبْعِيض.
وَالْمعْنَى: أَي شيءٍ تصب فِي أفق من البوارق تشم. وَقَالَ بَعضهم: مهما ظرف زمَان وَالْمعْنَى أَي وَقت تصب بارقاً من أفق. فَقلب الْكَلَام. أَو فِي أفق بارقاً فَزَاد من وَاسْتعْمل أفقاً ظرفا.
اه.
ثمَّ ذكر أَنَّهَا لَا تَأتي ظرفا خلافًا لِابْنِ مَالك.
وَإِلَى الظَّرْفِيَّة ذهب صَاحب اللّبَاب. قَالَ: وَقد تسْتَعْمل مهما للظرف نَحْو: مهما تصب أفقاً من بارقٍ تشم قَالَ شَارِحه: أَي: مهما تصب بارقاً فِي جِهَة فِي أفق وناحيةٍ من الْجِهَات تشم النَّاقة ذَلِك البارق. من شمت الْبَرْق أَي: نظرت إِلَى سحابه أَيْن يمطر. والبارق: السَّحَاب ذُو الْبَرْق.
وَمهما فِي الْبَيْت ظرف لِأَن الْفِعْل بعده تسلط على مَفْعُوله فَلَا يتسلط عَلَيْهِ تسلط الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا إِلَى وَاحِد فَهُوَ ظرف أَي: فِي أَي جِهَة تصب. اه.
وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ الْفَارِسِي: هَذَا على الْقلب وَالْمعْنَى: مهما تصب بارقاً من أفق. فَإِن جعلت أفقاً ظرفا كَانَت من
زَائِدَة لِأَنَّهَا غير وَاجِبَة فَهِيَ مثل إِن تصب عِنْدِي من)
وَأَجَازَ أَن تكون من غير زَائِدَة وَمن بارق فِي مَوضِع نصب بتشم ومفعول تصب مَحْذُوف وَهُوَ ضمير مَنْصُوب يعود على أفق أَو على بارق. قلت: الَّذِي ذكره الْفَارِسِي من إِعْمَال الْفِعْلَيْنِ والمعمول متوسط غَرِيب قَلما يذكرهُ النحويون.
وَقد ذكرنَا فِي بَاب كَونه تقدم على الْفِعْلَيْنِ نَحْو: أَي رجل ضربت أَو شتمت وَيجب أَن يكون الأول أولى بِالْعَمَلِ بِلَا خلاف كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك: أَي رجل ضربت أَو شتمت لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أقرب.
وَفِي مَسْأَلَة أبي عَليّ وَإِن لم يكن أقرب الْفِعْلَيْنِ فَلَيْسَ بأبعد الْفِعْلَيْنِ لِأَن النِّسْبَة فِي التلاصق وَاحِدَة إِلَّا أَن عمل الْفِعْل مقدما أولى من عمله مُؤَخرا بِلَا خلاف.
وَابْن يسعون: يجوز أَن يقدر إنارة أفق فَلَا قلب. وَيحْتَمل أَن يكون مهما مَفْعُولا بتصب أَي: أَي شَيْء تَجِد فِي أفق من الْبَرْق تشم.
وَفِي رِوَايَة الجُمَحِي: مهما يصب بارقٌ آفاقها تشم وَهَذَا سهل الْإِعْرَاب وَمهما ظرف الْعَامِل فِيهِ يصب وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى ضمير.
والظرف فِي مهما قَلِيل وَيتَصَوَّر أَن يكون بِمَعْنى إِن على مَا ذكرُوا إِلَّا أَن هَذَا أولى. انْتهى مَا وَقَوله: حَتَّى شآها إِلَخ ضمير الْمُؤَنَّث للصوار وَهِي الْبَقر لَا للحمير الوحشية خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا لِلْإِبِلِ خلافًا للشَّارِح وَغَيره وَلَا النَّاقة خلافًا لشارح الْبَاب.
قَالَ أَبُو حنيفَة: شآها: شاقها بالشين الْمُعْجَمَة. قَالَ: قدم همزَة شَاءَ يُقَال: شاءني يشوؤني ويشيئني أَيْضا أَي: شاقني.
قَالَ الشَّاعِر:
الْكَامِل
(مر الحمول فَمَا شأونك نقرةً
…
وَلَقَد أَرَاك تشَاء بالأظعان)
أَي: تشاق فجَاء باللغتين. والكليل: الْبَرْق الضَّعِيف وَقد يسْتَحبّ أَن يكون قَلِيلا. وَالْعَمَل: الدائب لَا يفتر.
والطرب: الَّتِي قد استخفها الْفَرح. والموهن: بعد ساعةٍ من نصف اللَّيْل وَضمير بَات للبرق الكليل.
وَقَوله: كَأَنَّمَا يتجلى إِلَخ أَي: الْبَرْق الكليل. والغوارب: أعالي السَّحَاب. والضرم: مَا دق من)
الْحَطب فَالنَّار تسرع فِيهِ.
وَقَوله: حيران يركب أَعْلَاهُ إِلَخ قَالَ السكرِي: يَعْنِي هَذَا السَّحَاب لَا يمْضِي على جِهَته قد حَار فَهُوَ يتَرَدَّد.
وَقَوله: يخفي تُرَاب الأَرْض أَي: يظهره من خفاه: أظهره يَعْنِي الْمَطَر يظْهر التُّرَاب. وجديد الأَرْض بِالْجِيم: أرضٌ صلبة لم تحفر.
وَقَوله: مُنْهَزِم يَقُول: هَذَا السَّحَاب قد انخرق بِالْمَاءِ يُقَال: انْشَقَّ سَحَاب المَاء. هَذَا مثلٌ. وَيُقَال للدابة: انْشَقَّ سقاؤه بالعدو. اه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: قَوْله: حيران أَي: لَا جِهَة لَهُ فَهُوَ ماكث.
وخفاه: أظهره. يَعْنِي: أَن سيله يشق الأَرْض فَيظْهر بَاطِنهَا. ومنهزم: منشق بِالْمَاءِ.
وَقَوله: فأسأدت دلجاً إِلَخ قَالَ أَبُو حنيفَة: الإسآد: سير اللَّيْل كُله. وَكَذَلِكَ الدلج.
وتحيي لموقعه يُرِيد: تحيي اللَّيْل لموقع هَذَا الْغَيْث تسير إِلَيْهِ. لم تنتشب: لم تتحبس أَي: لم يعقها وعوث الأَرْض.
وَقَالَ السكرِي: قَوْله تحيي لموقعه يَعْنِي هَذِه الْبَقَرَة تحيي لَيْلَتهَا جَمْعَاء لموقع ذَلِك السَّحَاب لتبلغه. والوعث: اللين: وَهُوَ يحبس.
وَقَوله: حَتَّى إِذا مَا تجلى لَيْلهَا إِلَخ قَالَ السكرِي: يَعْنِي بحليف الغرب رمحاً حَدِيد السنان. وَغرب كل شيءٍ: حَده. وملتئم: يشبه بعضه بَعْضًا لَا يكون كعبٌ مِنْهُ رَقِيقا وَالْآخر غليظاً. وَقيل: يَعْنِي وَقَوله: فافتنها يُرِيد انْشَقَّ بهَا فِي نَاحيَة من فنن بِالْفَاءِ والمثناة فَوق وَالنُّون. وَقيل افتتنها.
طرحها. ويأفرها: يَسُوقهَا من الأفر بِالْفَاءِ وَالرَّاء الْمُهْملَة وَهُوَ عدوٌ فِيهِ قفز.
وَقَوله: وأصحرت أَي: صَارَت فِي صحار وَقَوله: فِي قفاف القف بِالضَّمِّ: مَا غلظ من الأَرْض وارتفع وَلم يبلغ أَن يكون جبلا. والمعتصم بِفَتْح الصَّاد: الملجأ.
وَقَوله: أنحى عَلَيْهَا إِلَخ أَي: أَهْوى إِلَيْهَا الْفَارِس بِالرُّمْحِ. والشراعي بِضَم الشين الْمُعْجَمَة: الرمْح الطَّوِيل. وغادرها: تَركهَا وَخَلفهَا. وتلى: صرعى.
ولدى المزاحف: جمع مزحف أَي: حَيْثُ زاحفها فِيهِ أَي: قاتلها. والنضج: بمعجمتين مَا أصَاب الشَّيْء على غير عمد يُقَال: أَصَابَهُ نضجٌ من الدَّم والزعفران وَالْبَوْل مَا لم تتعمد بِهِ)
فَإِذا أَنْت تعمدته قلت: نضجته بِالْمَاءِ. بِالْحَاء الْمُهْملَة. يُقَال: نضج ينضج إِذا مَا رشح.