الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ دَرَاهِم فَجعل إِذا مَشى ينْطَلق ببريم فيسقيه ويدهنه ويطعمه من تِلْكَ الدَّرَاهِم.
فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَة أظلمت السَّمَاء بغيمٍ ومطر وَجعل يلح عَلَيْهِ بِالشرابِ ثمَّ جعلا يمشيان فِي الأجمة فَتَنَاول سيف بريم فاستله ثمَّ ضرب السلسلة فقطعها ثمَّ خرج إِلَى الْبَريَّة فَأتى رجلا من الْأَعْرَاب من بكر بن وَائِل فَأخْبرهُ الْخَبَر وَأخذ مِنْهُ نجيبة فلحق بِالشَّام.
وَأنْشد بعده: فنرجي ونكثر التأميلا
وَهَذَا عجزٌ وصدره: غير أَنا لم يأتنا بيقينٍ وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَالْفَاء استئنافية لَا سَبَبِيَّة بِدَلِيل الْقطع. وَجوز هُنَاكَ أَن تكون سَبَبِيَّة.
وَإِنَّمَا لم ينصب نرجي لعدم اللّبْس.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السبعون بعد الستمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل
(وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءةً
…
فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب)
على أَنه يرْوى بِنصب أبهت وَرَفعه على الْقطع أَي: فَأَنا أبهت.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل رحمه الله عَن قَول الشَّاعِر: وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءةً
…
... الْبَيْت فَقَالَ: أَنْت فِي أبهت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت حملتها على أَن وَإِن شِئْت لم تحملهَا عَلَيْهِ فَرفعت
وَقَوله: هُوَ ضمير يفسره خَبره كَقَوْلِه تَعَالَى: إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا ضميرٌ لَا يعلم مَا يعْنى بِهِ إِلَّا بِمَا يتلوه. وَأَصله: إِن الْحَيَاة إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا ثمَّ وضع هِيَ مَوضِع الْحَيَاة لِأَن الْخَبَر يدل عَلَيْهَا ويبينها. انْتهى.
وَلَيْسَ هُوَ فِي الْبَيْت ضمير الشَّأْن والْحَدِيث كَمَا زَعمه شَارِح أَبْيَات الْمفصل لِأَن ضمير الشَّأْن لَا بُد أَن يُفَسر بجملة وَلَا جملَة هُنَا وَأما أَن أَرَاهَا فَفِي تَأْوِيل الْمُفْرد كَمَا صرح بِهِ سِيبَوَيْهٍ لِأَن أَن هِيَ الناصبة للمضارع وَلَيْسَت مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لِأَنَّهَا تقع بعد فعل الْيَقِين أَو مَا نزل مَنْزِلَته وَحِينَئِذٍ يكون اسْمهَا ضميراً وخبرها جملَة مفصولة عَنْهَا بقد أَو لَو أَو السِّين أَو النَّفْي على مَا فصل فِي مَحَله.
وَقد غلط فِي ذَلِك الشَّارِح فَزعم أَنَّهَا المخففة قَالَ: وَالتَّقْدِير إِلَّا أَنه أَرَاهَا أَي: إِن الشَّأْن.
وَهَذِه غَفلَة مِنْهُ فَإِنَّهَا لَو كَانَت المخففة مَا كَانَ وجهٌ لنصب أبهت بالْعَطْف على مدخولها.
وأراها بِفَتْح الْهمزَة من رُؤْيَة الْعين تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ ضمير الحبيبة. ورأيته فِي بعض النّسخ بِضَم الْهمزَة على أَنه من رأى الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ إِلَى مفعول ثَان فَيكون الْمَفْعُول الأول نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَالثَّانِي ضمير الحبيبة.
والفجاءة بِالضَّمِّ وَالْمدّ: البغتة يُقَال: فَجئْت الرجل أفجؤه مَهْمُوز من بَاب تَعب. وَفِي لُغَة بِفتْحَتَيْنِ إِذا جِئْته بَغْتَة. وَالِاسْم الْفجأَة. وفجاءةً: مفعول مُطلق أَي: رُؤْيَة فَجْأَة. وَقَول ذَلِك الشَّارِح هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال من الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول أَي مفاجئاً أَو مفاجأة.
وَقَوله: فأبهت إِن رُوِيَ بِالنّصب فالفاء عاطفة عطفت أبهت على أَرَاهَا وَهُوَ عطف مُفْرد)
على مُفْرد وَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر أَي: إِلَّا الرَّأْي فالبهت.
وَإِن رُوِيَ بِالرَّفْع فالفاء استئنافية وَجُمْلَة البهت خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَأَنا أبهت بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْهَاء وَفتحهَا لِأَنَّهُ جَاءَ من بَابي قرب وتعب بِمَعْنى أدهش وأتحير. وَأما أبهت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَغير مرادٍ هُنَا. يُقَال: بَهته يبهته بِفتْحَتَيْنِ فبهت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَهَذَا متعدٍّ وَذَاكَ لَازم.
وَحَتَّى: هُنَا ابتدائية وَمَعْنَاهَا الْغَايَة وَمَا: نَافِيَة. وأكاد: بِمَعْنى أقرب. وَجُمْلَة: أُجِيب فِي مَحل نصب خَبَرهَا ومفعول أُجِيب مَحْذُوف أَي: أجيبها إِن كَلَّمتنِي.
وَمثله قَول الآخر: الطَّوِيل
(عَلامَة من كَانَ الْهوى فِي فُؤَاده
…
إِذا لَقِي المحبوب أَن يتحيرا)
. وَالْبَيْت من قصيدة لعروة بن حزامٍ العذري تقدّمت مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة.
وَقَبله وَهُوَ مطلع القصيدة: وَقد وَقع الْبَيْت الشَّاهِد مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين من القصيدة فِي قصيدةٍ لكثير عزة أورد سِتَّة أَبْيَات مِنْهَا فِي حماسته الشريف ضِيَاء الدَّين هبة الله عَليّ بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحُسَيْنِي وَهِي:
(أَبى الْقلب إِلَّا أم عَمْرو وبغضت
…
إِلَيّ نسَاء مَا لَهُنَّ ذنُوب)
(وَلَيْسَ على شحط النَّوَى أَكثر البكا
…
لقد كنت أبْكِي والمزار قريب)
(لعمر أَبِيهَا إِن دهراً يردهَا
…
إِلَيّ على شحط النَّوَى لطلوب)
وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا
…
...
…
... . الْبَيْت وَقد وَقع الْبَيْت الشَّاهِد بقافيةٍ رائيةٍ فِي قصيدةٍ لأبي صخرٍ الْهُذلِيّ مِنْهَا:
(وَإِنِّي لآتيها أُرِيد عتابها
…
وأوعدها بالهجر مَا برق الْفجْر)
(فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رأها فجاءةً
…
فأبهت لَا عرفٌ لدي وَلَا نكر)
…
(وأنسى الَّذِي فِيهِ أكون هجرتهَا
…
كَمَا قد تنسي لب شاربها الْخمر)
وعَلى هَذَا فضمير هُوَ عَائِد على العتاب.
وَأَبُو صَخْر الْهُذلِيّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل)
(لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله
…
عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)
على أَن تَأتي مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد وَاو الجمعية الْوَاقِعَة بعد النَّهْي.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن الْوَاو وَإِن جرت هَذَا المجرى فَإِن مَعْنَاهَا وَمعنى الْفَاء مُخْتَلِفَانِ.
أَلا ترى الأخطل قَالَ: لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله
…
...
…
. . الْبَيْت فَلَو دخلت الْفَاء هَا هُنَا لأفسدت الْمَعْنى وَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا تجمعن النَّهْي والإتيان فَصَارَ تَأتي على إِضْمَار أَن. انْتهى.
وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَأَنت تَأتي وَلَا يجوز جزمه لفساد الْمَعْنى.
وعار خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ عارٌ. وعظيم صفته. وَهَذِه الْجُمْلَة دَلِيل جَوَاب إِذا. وَمعنى الْبَيْت من قَوْله تَعَالَى: أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم.
وَقَالَ الْحَاتِمِي: هَذَا أشرد بيتٍ قيل فِي تجنب إتْيَان مَا نهي عَنهُ. وَالْبَيْت وجد فِي عدَّة قصائد.
وَمِنْه اخْتلف فِي قَائِله فنسبه الإِمَام أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي أَمْثَاله إِلَى المتَوَكل بن عبد الله اللَّيْثِيّ الْكِنَانِي. وَأوردهُ فِي بَاب تعيير الْإِنْسَان صَاحبه بِعَيْب هُوَ فِيهِ.
والمتوكل اللَّيْثِيّ من شعراء الْإِسْلَام وَهُوَ من أهل الْكُوفَة وَكَانَ فِي عصر مُعَاوِيَة وَابْنه يزِيد ومدحهما.
وَنسبه إِلَيْهِ أَيْضا الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَقَالَ فِيمَن يُقَال لَهُ المتَوَكل:
مِنْهُم المتَوَكل اللَّيْثِيّ وَهُوَ المتَوَكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عَمْرو بن لَقِيط بن يعمر الشداخ بن عَوْف بن كَعْب بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن خُزَيْمَة.
الشَّاعِر الْمَشْهُور الْقَائِل: لَا تنه عَن خلق
…
...
…
الْبَيْت وَنسبه إِلَيْهِ أَيْضا أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَذكر بِإِسْنَاد
أَن الأخطل قدم الْكُوفَة فَنزل على قبيصَة بن ذالق فَقَالَ المتَوَكل اللَّيْثِيّ لرجلٍ من قومه: انْطلق بِنَا إِلَى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره. فَأتيَاهُ فَقَالَا لَهُ: أنشدنا يَا أَبَا مَالك. فَقَالَ: إِنَّنِي لخاثرٌ يومي هَذَا.
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل: أنشدنا أَيهَا الرجل فوَاللَّه لَا تنشدني قصيدةً إِلَّا أنشدتك مثلهَا أَو أشعر مِنْهَا. قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا المتَوَكل. قَالَ: وَيحك أَنْشدني من شعرك.)
فأنشده: الْكَامِل
(للغانيات بِذِي الْمجَاز رسوم
…
فببطن مَكَّة عهدهن قديم)
لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله
…
...
…
... الْبَيْت
(والهم إِن لم تمضه لسبيله
…
داءٌ تضمنه الضلوع قديم)
وَكَذَلِكَ نسبه إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى قَالَ: هُوَ من قَول المتَوَكل الْكِنَانِي:
(ابدأ بِنَفْسِك فانهها عَن غيها
…
فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم)
(فهناك تعدل إِن وعظت ويقتدى
…
بالْقَوْل مِنْك وَيقبل التَّعْلِيم)
لَا تنه عَن خلقٍ
…
...
…
... الْبَيْت وَنسبه سِيبَوَيْهٍ للأخطل. وَنسبه الْحَاتِمِي لسابق الْبَرْبَرِي. وَنقل السُّيُوطِيّ عَن تَارِيخ ابْن عَسَاكِر أَنه للطرماح.
وَالْمَشْهُور أَنه من قصيدةٍ لأبي الْأسود الدؤَلِي. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: الصَّحِيح أَنه لأبي الْأسود. فَإِن صَحَّ مَا ذكر عَن المتَوَكل فَإِنَّمَا أَخذ الْبَيْت من شعر أبي الْأسود. وَالشعرَاء كثيرا مَا تفعل ذَلِك. وَهَذِه هِيَ قصيدة أبي الْأسود سقناها برمتها لجودتها:
(حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه
…
فالقوم أعداءٌ لَهُ وخصوم)
(كضرائر الْحَسْنَاء قُلْنَ لوجهها
…
حسداً وبغياً إِنَّه لدميم)
(وَالْوَجْه يشرق فِي الظلام كَأَنَّهُ
…
بدرٌ منيرٌ وَالنِّسَاء نُجُوم)
(وكذاك من عظمت عَلَيْهِ نعمةٌ
…
حساده سيفٌ عَلَيْهِ صروم)
(فاترك محاورة السَّفِيه فَإِنَّهَا
…
ندمٌ وغبٌّ بعد ذَاك وخيم)
(وَإِذا جريت مَعَ السَّفِيه كَمَا جرى
…
فكلاكما فِي جريه مَذْمُوم)
وَإِذا عتبت على السَّفِيه ولمته فِي مثل مَا تَأتي فَأَنت ظلوم
(لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله
…
عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)
(ابدأ بِنَفْسِك وانهها عَن غيها
…
فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم)
(فهناك يقبل مَا وعظت ويقتدى
…
بِالْعلمِ مِنْك وينفع التَّعْلِيم)
(ويل الخلي من الشجي فَإِنَّهُ
…
نصب الْفُؤَاد بشجوه مغموم)
…
(وَترى الخلي قرير عين لاهياً
…
وعَلى الشجي كآبةٌ وهموم))
(وَيَقُول: مَا لَك لَا تَقول مَقَالَتي
…
ولسان ذَا طلقٌ وَذَا مكظوم)
(لَا تكلمن عرض ابْن عمك ظَالِما
…
فَإِذا فعلت فعرضك المكلوم)
(وحريمه أَيْضا حريمك فاحمه
…
كي لَا يُبَاع لديك مِنْهُ حَرِيم)
(وَإِذا اقتصصت من ابْن عمك كلمة
…
فكلومه لَك إِن عقلت كلوم)
(وَإِذا طلبت إِلَى كريمٍ حاجةٌ
…
فلقاؤه يَكْفِيك وَالتَّسْلِيم)
(وَرَأى عواقب حمد ذَاك وذمه
…
للمرء تبقى وَالْعِظَام رَمِيم)
(فارج الْكَرِيم وَإِن رَأَيْت جفاءه
…
فالعتب مِنْهُ والكرام كريم)
(إِن كنت مُضْطَرّا وَإِلَّا فَاتخذ
…
نفقاً كَأَنَّك خائفٌ مهزوم)
(واتركه وَاحْذَرْ أَن تمر بِبَابِهِ
…
دهراً وعرضك إِن فعلت سليم)
(فَالنَّاس قد صَارُوا بهائم كلهم
…
وَمن الْبَهَائِم قائلٌ وزعيم)
(عميٌ وبكم لَيْسَ يُرْجَى نفعهم
…
وزعيمهم فِي النائبات مليم)
(وَإِذا طلبت إِلَى لئيمٍ حَاجَة
…
فألح فِي رفقٍ وَأَنت مديم)
(والزم قبالة بَيته وفناءه
…
بأشد مَا لزم الْغَرِيم غَرِيم)
(وَعَجِبت للدنيا ورغبة أَهلهَا
…
والرزق فِيمَا بَينهم مقسوم)
(والأحمق المرزوق أعجب من أرى
…
من أَهلهَا والعاقل المحروم)
…