الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلم نسْمع أَن للبحتري حماسة.
وَنسبه الإِمَام الباقلاني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن لقيس بن الخطيم بِنصب يضر وينفع. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة)
الرجز لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا على أَن الْمبرد والكوفيين جوزوا نصب الْمُضَارع بعد كَمَا على أَن أَصْلهَا كَيْمَا حذفت الْيَاء تَخْفِيفًا.
فَإِن لَا تظلموا مَنْصُوب بِحَذْف النُّون بهَا وَقيل بل نَصبه بِمَا المصدرية حملا على أَن المصدرية كَمَا أَن أَن تهمل حملا على مَا. وَهَذَا من بَاب التقارض.
والبصريون يمْنَعُونَ ذَلِك وينشدون: لَا تظلم النَّاس كَمَا لَا تظلم بِالتَّوْحِيدِ فالفعل مَرْفُوع على هَذَا بعد لَا النافية وَالْكَاف: للتشبيه وَمَا: كَافَّة.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَول الْعَرَب: انتظرني كَمَا آتِيك فَزعم أَن مَا وَالْكَاف جعلتا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وصيرت للْفِعْل كَمَا صيرت للْفِعْل رُبمَا وَالْمعْنَى: لعَلي آتِيك. فَمن ثمَّ لم ينصبوا بِهِ الْفِعْل كَمَا لم ينصبوا بربما.
قَالَ: الرجز لَا تشم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم وَقَالَ أَبُو النَّجْم: الرجز
(قلت لشيبان ادن من لِقَائِه
…
كَمَا تغذي الْقَوْم من شوائه)
انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد وُقُوع الْفِعْل بعد كَمَا لِأَنَّهَا كَاف التَّشْبِيه ووصلت بِمَا لوُقُوع الْفِعْل بعْدهَا كَمَا فعل بربما وَمَعْنَاهَا هُنَا: لَعَلَّ أَي: لَا تَشْتُم النَّاس لَعَلَّك لَا تَشْتُم إِن لم تشتمهم. وَمن النَّحْوِيين من يَجْعَلهَا بِمَعْنى كي ويجيز النصب بهَا وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين.
وَقَالَ النّحاس: هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه. وَحكى ابْن سَعْدَان النصب بكما إِذا كَانَت بِمَعْنى كَيْمَا وَقد حَكَاهُ الْأَخْفَش سعيد.
وَقَوله: قلت لشيبان إِلَخ يَأْمر ابْنه شَيبَان بِاتِّبَاع ظليمٍ والدنو مِنْهُ لَعَلَّه يصيده فيطعم أَصْحَابه من شوائه.)
وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات بعد أَن نقل عبارَة سِيبَوَيْهٍ: جعل سِيبَوَيْهٍ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت كَالَّتِي فِي الْبَيْت الأول.
وأنشده أَبُو بكر
عَن يَعْقُوب أَو غَيره من أهل الثبت فِي اللُّغَة: كَيْمَا تغدي الْقَوْم. وَقَالَ شَيبَان: ابْنه أَي: قلت لَهُ اركب فِي طلبه كَيْمَا تصيده فتغدي الْقَوْم بِهِ مشوياً. يصف ظليماً.
وَأَقُول: إِن مَا على هَذَا الإنشاد تحْتَمل وَجْهَيْن: يجوز أَن تكون زَائِدَة كَالَّتِي فِي قَوْله: فبمَا رحمةٍ. وَالْفِعْل مَنْصُور. بإضمار أَن إِلَّا أَنه ترك على الإسكان وَذَلِكَ مِمَّا يستحسن فِي الضرورات. وَيجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الْمصدر فِي مَوضِع جرٍّ بكي وتغدي صلته وموضعه رفع. وَنَظِير ذَلِك قَول الآخر أنْشدهُ أَبُو الْحسن:
(إِذا أَنْت لم تَنْفَع فضر فَإِنَّمَا
…
يُرْجَى الْفَتى كَيْمَا يضر وينفع)
كَأَنَّهُ وَقَالَ: للضَّرَر والنفع. وَيحْتَمل عِنْدِي أَن تكون مَا كَافَّة لكَي كَمَا كَانَت كَافَّة لرب.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اخْتلف فِي نَحْو قَوْله: الطَّوِيل
(وطرفك إِمَّا جئتنا فاحبسنه
…
كَمَا يحسبوا أَن الْهوى حَيْثُ تنظر)
فَقَالَ الْفَارِسِي: الأَصْل كَيْمَا فَحذف الْيَاء. وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا تكلّف
بل هِيَ كَاف التَّعْلِيل وَمَا الكافة وَنصب الْفِعْل بهَا لشبهها بكي فِي الْمَعْنى. وَزعم أَبُو مُحَمَّد الْأسود فِي كِتَابه الْمُسَمّى نزهة الأديب أَن أَبَا عَليّ حرف هَذَا الْبَيْت وَأَن الصَّوَاب فِيهِ:
(إِذا جِئْت فامنح طرف عَيْنك غَيرنَا
…
لكَي يحسبوا
…
... الْبَيْت)
انْتهى.
وَالْبَيْت الَّذِي أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق لرؤبة بن العجاج وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين بعد الثَّمَانمِائَة.
وَالْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال مَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ: الرجز لَا تَشْتُم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم وَهُوَ لرؤبة بن العجاج أَيْضا. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.
وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر
وَلبس عباءة وتقر عَيْني)
هَذَا صدرٌ وعجزه: أحب إِلَيّ من لبس الشفوف على أَن تقر مَنْصُوب ب أَن مضمرة بعد الْوَاو وَأَن تقر فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مصدر وَهُوَ لبس.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِيمَا بعد فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسبْعين بعد الستمائة.
وَالْبَيْت من أبياتٍ لميسون بنت بحدلٍ الْكَلْبِيَّة وَهِي:
(لبيتٌ تخفق الْأَرْوَاح فِيهِ
…
أحب إِلَيّ من قصرٍ منيف)
…
(وبكرٌ يتبع الأظعان سقباً
…
أحب إِلَيّ من بغلٍ زفوف)
(وكلبٌ ينبح الطراق عني
…
أحب إِلَيّ من قطٍّ أُلُوف)
(وَلبس عباءةٍ وتقر عَيْني
…
أحب إِلَيّ من لبس الشفوف)
(وَأكل كسيرةٍ فِي كسر بَيْتِي
…
أحب إِلَيّ من أكل الرَّغِيف)
(وأصوات الرِّيَاح بِكُل فجٍّ
…
أحب إِلَيّ من نقر الدفوف)
(خشونه عيشتي فِي البدو أشهى
…
إِلَى نَفسِي من الْعَيْش الطريف)
(فَمَا أبغي سوى وطني بديلاً
…
فحسبي ذَاك من وطنٍ شرِيف)
الخفق: الِاضْطِرَاب وَفعله من بَاب ضرب. والمنيف: العالي. وَأورد الحريري هَذِه الأبيات فِي درة الغواص لأجل هَذَا الْبَيْت على أَنه يُقَال فِي جمع ريح أَرْوَاح وَقَول النَّاس: أرياح قِيَاسا على ريَاح خطأٌ.
وَالْبكْر بِفَتْح الْمُوَحدَة: الفتي من الْإِبِل. والأظعان: جمع ظَعِينَة وَهِي الْمَرْأَة مَا دَامَت فِي الهودج.
والسقب: الذّكر من ولد النَّاقة وَهُوَ حالٌ مُؤَكدَة.
وروى: صَعب فَهُوَ صفة لبكر. والزفوف بالزاء الْمُعْجَمَة والفاءين أَي: المسرع.
والطراق: جمع طَارق وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي لَيْلًا.
وَقَوله: وَلبس عباءة فِي غَالب كتب النَّحْو للبس بلامين وَهُوَ خلاف الرِّوَايَة الصَّحِيحَة.
والعباء وَكَذَا العباية: الْجُبَّة من الصُّوف وَنَحْوهَا وَقيل: كساءٌ مخططٌ.
وتقر بِفَتْح الْقَاف من قَوْلهم:
عين قريرة أَي: بَارِدَة من الْبرد الَّذِي هُوَ النّوم وَقيل من الْبرد هُوَ ضد الْحر أَو من الْقَرار وَهُوَ السّكُون لِأَن الْعين إِذا قرت سكنت عَن الطموح إِلَى شَيْء)
والشفوف: جمع شف بِكَسْر الشين وَفتحهَا وَهُوَ الثَّوْب الرَّقِيق سمي بذلك لِأَنَّهُ يسْتَشف مَا وَمثله قَول بعض الْأَعْرَاب: الطَّوِيل
(لعمري لأعرابيةٌ فِي عباءةٍ
…
تحل دماثاً من سويقة أَو فَردا)
(أحب إِلَى الْقلب الَّذِي لج فِي الْهوى
…
من اللابسات الْخَزّ يظهرنه كيدا)
والكسيرة بِالتَّصْغِيرِ: الْقطعَة من الْخبز. وَالْكَسْر بِكَسْر الْكَاف: طرف الخباء من الأَرْض.
والخرق بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْكَرِيم. والعلج بِالْكَسْرِ قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ الصلب الشَّديد وَبِه سمي حمَار الْوَحْش علجاً. وَيحْتَمل أَن تُرِيدُ: إِن الْأَمْرَد أحب إِلَيّ من ذِي اللِّحْيَة.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال لكل ذِي لحية علج وَلَا يُقَال للغلام إِذا كَانَ أَمْرَد علج. واستعلج الرجل إِذا خرجت لحيته. وَالْأول أنسب لقولها عليف أَي: مسمنٌ بالعلف. قَالَ الأعلم: تَعْنِي بِهِ مُعَاوِيَة لقُوته وشدته مَعَ سمنه وَنعمته.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الغليف بالغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الَّذِي يغلف لحيته بالغالية. وَيجوز بِالْعينِ الْمُهْملَة.
وميسون قَالَ اللَّخْمِيّ: هُوَ زوج مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأم ابْنه يزِيد وَكَانَت بدوية فضاقت نَفسهَا لما تسرى عَلَيْهَا فعذلها على
ذَلِك وَقَالَ لَهَا: أَنْت فِي ملكٍ عَظِيم وَمَا تدرين قدره وَكنت قبل الْيَوْم فِي العباءة: فَقَالَت هَذِه الأبيات فَلَمَّا سَمعهَا قَالَ لَهَا: مَا رضيت يَا ابْنة بحدلٍ حَتَّى جَعَلتني علجاً عليفاً فالحقي بأهلك.
فَطلقهَا وألحقها بِأَهْلِهَا وَقَالَ لَهَا: كنت فبنت فَقَالَت: لَا وَالله مَا سررنا إِذْ كُنَّا وَلَا أسفنا إِذْ بِنَا وَيُقَال: أَنَّهَا كَانَت حَامِلا بِيَزِيد فَوَضَعته فِي الْبَريَّة فَمن ثمَّ كَانَ فصيحاً.
وَقَالَ الشريف فِي حماسته: وروى الْكَلْبِيّ عَن عوَانَة قَالَ: لما زفت مَيْسُونُ بنت بحدلٍ من بادية كلب إِلَى مُعَاوِيَة وَهُوَ بريف الشَّام ثقل عَلَيْهَا الغربة والبعد عَن قَومهَا فَسَمعَهَا ذَات لَيْلَة تَقول هَذِه الأبيات فَقَالَ: أَنا وَالله العلج: وازداد بهَا عجبا وإليها ميلًا.
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الجمهرة: كَانَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بعث رَسُولا إِلَى بَهْدَلَة بن حسان بن عدي بن جبلة بن سَلامَة بن عبد الله بن عليم بن جناب يخْطب إِلَيْهِ ابْنَته فَأَخْطَأَ الرَّسُول فَذهب إِلَى بَحْدَل بن أنيف من بني حَارِثَة بن جناب فَزَوجهُ ابْنَته مَيْسُونُ بنت بَحْدَل فَولدت لَهُ يزِيد.
انْتهى.
ذكره فِي جمهرة قضاعة وَهِي من قبائل الْيمن.)
وميسون: فيعول من مسنه بِالسَّوْطِ إِذا ضربه أَو فعلون من مَاس يميس إِذا تبختر وَلَا نَظِير لَهُ إِلَّا زيتون اسْتدلَّ بِهِ بعض النَّحْوِيين على زِيَادَة النُّون بالزيت المعصور.
وَحكي أَرض زتنة إِذا كَانَ فِيهَا الزَّيْتُون. وبحدل بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة.
وَأنْشد بعده: الطَّوِيل على أَن أحضر مَنْصُوب بِأَن مضمرة بِدَلِيل تَمَامه: وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي
وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْعَاشِر من أَوَائِل الْكتاب.
وَهَذِه رِوَايَة الْكُوفِيّين وَالرَّفْع رِوَايَة الْبَصرِيين. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع أحضر بِحَذْف الناصب وتعريه مِنْهُ. وَالْمعْنَى: لِأَن أحضر الوغى.
وَقد يجوز النصب بإضمار أَن ضَرُورَة وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين. انْتهى.
وَفِي التَّذْكِرَة القصرية وَهِي أسئلة من أبي الطّيب مُحَمَّد بن طوسي الْمَعْرُوف بالقصري وأجوبة من شَيْخه أبي عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن أحضر الوغى أَي شيءٍ مَوْضِعه فَقَالَ: نصبٌ وَهُوَ يُرِيد حَاضرا. فَقلت: كَيفَ يجوز أَن يكون حَالا وَإِنَّمَا الْحُضُور مزجورٌ عَنهُ لَا عَن غَيره فَقَالَ: قد يجوز أَن يكون لم يذكر المزجور عَنهُ. فَقلت: قد فهمنا من قَوْله: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قد نَهَاهُ عَن حُضُور الوغى. قَالَ: صير أَن يفهم مِنْهُ هَذَا وَإِن